لقاء مع الكاتب والمخرج المسرح .. السيد حافظ
أجرى اللقاء : محمود الريماوى
مجلة العامل – الكويت 1976 فى اول اسبوع من وصولى... هذا الكاتب الكبير الأن والمحلل السسياسى
الرقابة
تقف عائقاً أمام تطور الحركة المسرحية
هيئة المسرح الحكومية تدعم القطاع المسرحى الخاص بدلاً من القطاع العام!
السيد حافظ
تلقى هذه المقابلة ، مع أحد الفنانين المصريين الشباب، أضواء كاشفة على حاضر الحياة الأدبية والفنية فى مصر، عن طبيعة المعاناة والتحديات التى يعيشها الأدباء الشبان هناك.
• فى البداية نرحب بالأخ الأستاذ السيد حافظ، ونرجو أن يقدم نفسه .
- شكراً لهذه الفرصة، بالنسبة لى فأنا أعمل حالياً مديراً للمسرح الطليعى بالأسكندرية ومديراً لقطاع الدراما بالثقافة الجماهيرية فى الاسكندرية، وقد فازت مسرحيتى 6 رجال فى معتقل بجائزة المسرح من بين 184 مسرحية فى مسابقة الثقافة الجماهيرية عام 1969 فى وزارة الثقافة المصرية.. وقد أخرجت 19 مسرحية أشهرها الحبل ليوجين أونيل وقصة حديقة الحيوان لإدوارد البي ومسافر ليل لصلاح عبد الصبور والخروج من ساحل المتوسط لمحمود درويش. وصدرت لى ثلاثة كتب هى كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى، حدث كما حدث، والله زمان يا مصر.
• هل لك أن تحدثنا عن تجربة المسرح التجريبى فى الاسكندرية، ومساهمتك الخاصة فى هذه التجربة وهل يعزف مسرحكم مثلاً عن عرض مسرحيات كلاسيكية أو واقعية؟
- المسرح التجريبى كان فى اعتقادى ضرورة وحاجة. حيث أن الوجدان العربى هو وجدان يميل إلى الإيحاء والتخيل والتجريد، أكثر من ميله إلى الناحية العلمية أو العقليةن ولا شك أن نزعة التفكير التقليدى تسيطر لازالت على ذهنية وروحية المتفرح العربى، حيث أنه يميل إلى تسطيح المواقف مع الميل إلى المسرحيات البسيطة بل الهابطة، لذلك نرى جمهور فؤاد المهندس، كبيراً وضخماً والمهندس هو صاحب أكبر فرقة تحقق أرباحاً خيالية فى القطاع الخاص. وأخيراً غدا فيلسوفاً ! فهو يقول : " إن الضحك فى حد ذاته هدف. وليس هناك مسرح كوميدى هادف".
لقد وجدنا امامنا إنهياراً للوجدان العربى وخاصة فى نكسة 67 فظهرت ردود الفعل للنكسة فكان مسرح الشوك فى سوريا والمسرح التجريبى فى مصر، وحملنا على اكتافنا مسؤولية البحث عن صياغة جديدة للواقع العربى وإعادة البناء الفكرى لإنساننا المصرى، واضعين فى الحسبان التراكمات الثقافية المختلفة فكان من الضرورة البدء بالبحث عن كلمة جديدة، عن أدب جديد حى ونابض، وصادفنا ذلك فى الشعر القادم من الأرض الفلسطينية المحتلة عند ذلك أخذنا بالبحث عن ممثل فنان يتمتع بموهبة وحساسية فنية، وحولنا الخطابة (الالقاء) فى المسرح إلى "فاعل" مثلما كانت الكلمة تركز على الفعل فى شعر المقاومة بدلاً من الاعتماد على الصورة الشعرية التقليدية. وانفتحت أمامنا تجارب المخرج البولندى جردتونسكى صاحب المدرسة الشهيرة الذى نفخ فينا لغة العضلة (لغة الجسم) فى الانسان. مع الغاء الطبقات الصوتية والاعتماد بدلاً عنها بالمشاعر والمكياج "الداخلى" والإيهام . ولذلك ، وبسبب التزامنا بهذه الرؤية ، فقد كانت التدريبات شاقة. وصادفنا عقبات فى تجارب الجمهور معنا، حيث أن البعض كان يتركنا أثناء العرض ، والبعض الأخر يشتمنا، والبعض القليل يتجاوب لذلك قمنا بتقديم محاضرات واجرينا جلسات طويلة مع الجمهور ، وكنا نفعل ذلك بعد انتهاء كل عرض ، ويظل المتفرج يستوضح ويناقش، بينما المخرج والممثلون واحيانا الموسيقى أمامه على المسرح، إننا نريد أن يصبح العمل ملكاً للجميع، وأن نلغى المسرح السلبى تماماً، أما عن مساهمتى فقد كنت أول من كتب مسرحية تجريبية فى العالم العربى وقد حدث عام 1969 فى مؤتمر الأدباء الشبان الذى أقيم فى الزقازيق أن وقف المؤلف المسرحى الفريد فرج وسألنى : ما هذا الذى تكتبه ؟ قلت إنه أدب جديد، وأنا أخاطب المستقبل وسألته إن كان يكتب مسرحاً مصرياً حقاً، فما هى ملامح هذا المسرح المصرى؟ فنظر إلى على سالم (مؤلف المسرحيات المعروف ومنها مدرسة المشاغبين) وقال له : مش انت كمان بتكتب ما تجاوب فقال على سالم : لا والله أنت يا أستاذ الفريد اللى تجاوب والسؤال موجه اليك. وألغى الفريد فرج المناقشة. وفى ثانى يوم من جلسات المؤتمر دعى حمدى غيث وقال : فين الأستاذ اللى بيسأل عن ملامح المسرح المصرى ودخل معه حينئذ حسن عبد السلام وقال حمدى غيث إن الإجابة عن مثل هذا السؤال تقتضى سنوات ودراسات طويلة ، وظل الفريد فرج يسألنى عن أسماء مسرحيات وهو يضحك.
وهكذا فقد عومل المسرح التجريبى مثل نكتة!
إلى أن جاء عام 1975 حيث اعلن وزير الثقافة (يوسف السباعى آنذاك) أن المسرح التجريبى حقيقة وضرورة وأعلن وكيل الوزارة سعد الدين وهبه اعتماد أو فرقة للمسرح التجريبى فى مصر فى هيئة الثقافة الجماهيرية وعينت مديراً لها. وإزداد عدد المؤلفين التجريبيين فظهر براء الخطيب ومصطفى نصر وغيرهم.
أما عن سؤالك حول إمكانية تقديم مسرحيات كلاسيكية أو واقعية، فإن مسرحنا من الممكن أن يقدم مثل هذه الأعمال ، ولكن بشكل جديد، من حيث الأداء والاخراج ومن حيث الجو العام.
• إلى جابن مسرحكم التجريبى هناك ظواهر جديدة فى المسرح المصرى قبل مسرح القهوة، ومسرح الشارع .. هل هناك من تشابه؟
- حاول نادى جورج أن يقدم مسرح القهوة، وذهب إلى مكان العرض فكان داخل مقهى والمسرحية (كمضمون) تدور فى مقهى.
لقد غفل الاستاذ ناجى جورج عن لماذا اختار المقهى أو القهوة ؟
وهل ينبغى أن تكون المسرحيات التى تعرض فى القهوة ، تدور أحداثها داخل قهوة؟!
إن هدفهم كما يقولون هو انتشار المسرح بين صفوف الجماهير ، حيث أن 85 فى المائة من جمهورنا لم يشاهد مسرحاً.
لكن هل هذا يعنى أننا عندما نقدم مسرحاً فى الجامعة، نقدم مسرح تلاميذ الجامعة، أى مسرحية تدور عن حياة الجامعة، وأحداثها تدور داخلها؟ فى الحقيقة إن هناك مشاكل وهموم لكل قطاع وفئة وطبقة ولكن ينبغى أن لا تنزلق إلى المسرح الفئوى والمحدود.
إن الجديد فى مثل هذه التجربة هو طرافتها فقط.
وهى لا تملك مقومات الاستمرار بدليل أن العرض الثانى أو المسرحية الثانية جاءت بعد ست سنوات من تقديم المسرحية الأولى، لقد أعطت الصحافة لهذه التجربة حجماً أكبر منها فعلاً.
إنه شكل يفتقد الواقعية والدراسة والبحث والتخطيط ، أمور لا وجود لها فى هذا المسرح.
أما مسرح الشارع فإنه نسخة أخرى عن مسرح القهوة، إنه جديد لا يأتى بجديد!.
• عقدت قبل أيام وبإشراف وزارة الثقافة ندوة عن أزمة المسرح المصرى ، ما هى رؤيتك لهذه الأزمة ، وما هو موقع مسرحكم التجريبى منها ؟
- أزمة المسرح المصرى فى رأيى تتلخص بـــ:
1- أزمة الكاتب المسرحى مع الرقابة.
2- أزمة هيئة المسرح الرسمية مع فرق القطاع الخاص مع ضياع فرق القطاع العام.
3- ضياع فرق الهواة التابعة للثقافة الجماهيرية، بسبب الاهتمام الضعيف من هذه الهيئة بالفرق، وعدم وجود ميزانيات كافية.
بالنسبة للنقطة الأولى فإن الرقابة هى مجموعة موظفين يفترضون افتراضات غير موجود فى النص، ويصدرون حكمهم على هذا الأساس، فمثلاً مسرحية سبع سنوات لسعد الدين وهبه منعتها الرقابة لمدة سبعة سنوات ثم أفرجت عنها.
نجيب سرور أصيب بنكسات نفسية من جراء سطوة الرقابة ، التى احتفظت بمسرحياته ومنعتها عن العرض.
والنسبة لى فقد واجهتنى أمور طريفة.
فقد وافقت الرقابة على عرض مسرحيتى 6 رجال فى معتقل وقدمتها فرقة المنصورة عام 1969 وفى سنة 1970 حاولة فرقة السويس تقديمها ففوجئت بمنع الرقابة، ثم وافقت عليها عام 1972 ، وفى عام 1973 رفضت الرقابة عرضها مجدداً ! إنه أمر يحير حقاً وهناك لجنة ذات علاقة بالرقابة هى هيئة الشكاوى العليا ، لكنها لا تفعل شيئاً ، لقد أفرجت الرقابة عن مسرحية باب الفتوح لمحمود دياب مؤخراً بعد منع دام فترة طويلة.
لقد قتلت الرقابة الكثير من الإبداع فى مصر.
وهى سبب إحبا كرم مطاوع بعد أن منعت له ثلاث مسرحيات فى عام واحد وجعلته يهاجر إلى الكويت بحثاً عن الحرية.
والرقابة تحتكم إلى مقاييس غريبة وحالياً ممنوع ذكر نكسة 67 بدون ذكر 73 والسادس من أكتوبر. إن الراقبة بهذا تؤلف مسرحيات جديدة وهى تشوه فى الوقت ذاته ما ينادى به الرئيس السادات من فتح باب الحريات والبناء الديمقراطى.
ما النقطة الثانى : فإن هيئة المسرح الحكومية تدعم القطاع الخاص على حساب مسرح القطاع العام الحكومة !.
فمثلاً مسرحية زوربا المصرى تأليف حمدى غيث قدمت هذا العام فى الاسكندرية، والسبب ضعف التغطية الإعلامية والدعائية ، علماً بأن المسرحية من انتاج القطاع العام لكنها لم تستحق سوى 200 جنيه للدعاية.
بينما مسرحية أخرى للقطاع الخاص فإنها تنال نجاحاً كبيراً مع الاعلانات المكثلة والتغطية الإعلامية الواسعة وهى مسرحية العيال كبرت تأليف سمير خفاجى. إن فرقة الفنانين المتحدين ، وهى فرقة خاصة تحظى ب20 ألف جنيه سنوياً كدعم من الهيئة المسرحية الحكومية. ومسرحية غالب هلسا (وهو اردنى مقيم فى مصر حتى تاريخ هذه المقابلة) "عودة الشباب" فشلت لنفس السبب بينما نجحت "أولادنا فى لندن" من انتاج القطاع الخاص، وقد ظلت مجلة روز اليوسف تكيل المديح إلى أولادنا فى لندن وتهيل الشتائم على مسرحية عودة الشابا. وعندما سألت المحرر المسرحى فى المجلة مدحت السباعى عن سبب هذا الموقف أجابنى : فى الحقيقة أنا مؤمن بالقطاع الخاص وشايف بلاش القطاع العام هذا خالص للمسرح.
إن دور هيئة المسرح بالنسبة لفرقها دور سلبى. وأن نهضة المسرح المصرى مرهونة بإعادة الدعم الكافى للقطاع العام كما كان الحال فى الستينات. وعند ذلك تعود العناصر الجيدة مرة أخرى إلى فرق القطاع العام إن مسرح القطاع الخاص هو البذاءة والإنحطاط الفنى والفكرى والمسرح ذى السيقان العارية.
ثالثاً : تلقى فرق الأقاليم إهمالاً شديداً من هيئة المسرح ومن صحافة القاهرة . إن المحرر الفنى حتى يكتب عن مسرحية تعرض فى الأقاليم ، فإنه ينتظر دعوة للسفر، وغرفة محجوزة فى فندق ، وبرنامج زيارة حافل.
وقد دعوت 30 ناقداً لحضور أخر مسرحية لى وهى حديقة الحيوان، ولم يحضر أحد منهم، وعندما قابلونى اعتذر كل منهم بسبب مشاغله ، وعندما تذهب الفرق إلى القاهرة فإنها تجابه بالصمت وعدم الاهتمام. وفرق الأقاليم بدون ميزانيات تقريباً رغم أنها تضم طاقات عظيمة، ولا تقل فرقة المنصورة مثلاً عن أى فرقة كبيرة فى القاهرة.
لكن ما العمل أمام غول القطاع الخاص، الذى يستدرج الممثلين الموهوبين بالإغراءات وتحت ضغط حاجة هؤلاء.
• تنتشر فى مصر حالياً ظاهرة أدب الأقاليم وتكوين الجمعيات الأدبية فى بعض المدن والقرى، كيف تفسر هذه الظاهرة وأسبابها ؟
- إن الجمعيات الأدبية هى رد فعل وموقف من الأدباء تجاه الحصار المفروض عليهم من الأدباء "الكبار" ، إنه موقف إيجابى ، تجاه القيود والروتين وسياسة نبذ المواهب ودفنها وهناك حالياً عدة جمعيات مثل كتاب الغد فى القاهرة ويرئسها الناقد ابراهيم فتحى ، وجماعة أدب الجماهير فى المنصورة ويرئسها فؤاد حجازى وجماعة كتاب الصحوة فى الاسكندرية، ومجرد ولادة هذه الجمعيات دليل عى واقع موجود، رغم أخطار التشرذم التى تتعرض لها.
• أين وصلت تجربة كتاب الستينات فى مصر، وما هو الوضع الراهن للأدب الجديد فى مصر ؟
- كتاب الستينات وصولوا إلى حال سئ . أصيب بعضهم بالتوقف بعد نكسة 67 وكان من هؤلاء محمد حافظ رجب ، رغم أنه قاد اتجاه جديد فى الدب، وفجر شرياناً جديداً للقصة ، وهناك كتاب يبدو أنهم توقفوا عن النشر مثلا ابراهيم أصلان. وبعضهم تحول إلى الترجمة وبعضهم أخذ يكرر نفسه مثل ابراهيم منصور ويبدو أن معظمهم يعيش الآن فى حالة مراجعة وإعادة تقييم بعد الدفعة الأولى ولكن مصر تنطلق عظيمة كنهرها النيل بإبداعه. وذلك يظهر فى ملامح الجيل الأخير فى الشعر مثل عنتر مصطفى وصبرى أبو علم وشاعر عظيم مثل عبد الصبور منير ومحمد رفاعى ومحمد يوسف . وقصاصين مثل جار النبى الحلو وفؤاد حجازى ورجب سعد ومحمد المنسى قنديل.
• ما رأيك فى اتحاد الكتاب بصورته الحالية ؟
- اتحاد الكتاب يمثل 25 فى المائة من الكتاب المصريين . وهناك الغالبية من يرفض الاتحاد بتكوينه ومقاييسه الحالية . والباقى إما لا يملك ثمن الاشتراك أو أنه لم يسمع بالاتحاد.
3 التعليقات:
حديث صحفى من 40 سنة
حديث قديم جديد من 40 سنة
من 40 سنة
إرسال تعليق