Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

الفنتازيا ... ومسرح السيد حافظ قراءة في مجموعة : حكاية الفلاح عبد المطيع ا.د كمال الدين حسين

الفنتازيا ... ومسرح السيد حافظ
قراءة في مجموعة : حكاية الفلاح عبد المطيع
ا.د كمال الدين حسين
أستاذ الأدب المسرحي والدراسات الشعبية
كلية التربية للطفولة المبكرة
جامعة القاهرة
السيد حافظ ...ظاهرة أدبية ..نموذج لجيل ما بعد الستينات ،ابن لحظة التناقض الفكري والسياسي والاجتماعي الذي اغرق مصر ،حمل على كتفيه هم الوطن والبحث عن الحقيقة ، في زمن غابت فيه الحقائق وطمسها الزيف والنفاق ، وتجميل القبح وادعاء انه ليس في الإمكان أفضل ما هو كائن ، فهرب إلى الماضي التاريخ التراث يستقرا أحداثه ليتعرف بخياله وتخيله المبدع ، عن المقدمات التي أدت إلى ما هو كائن ، وهل نتائجها حقيقية،أم كان في الإمكان أن يكون هنا أفضل مما هو كائن ، فتمرد ، تمرد على الكائن المضلل ، على التاريخ المزيف الذي كتبه أعوان السلطان ، وحاول أن يصيغ تاريخيا من تخيله فصنع عوالم ثانية لشخصياته ونسج لها تخيلا فانتازيا حاول من خلاله التعبير عن صراعاته النفسية الداخلية وبوعي ، لعل حدسه يصيب ويضع يديه على أسباب التناقض الذي نعيشه . أو كما يقول في تقديم مسرحيته "حرب الملوخية "
-:تم القبض على السيد حافظ في جريمة من أبشع جرائم العصر ،
فقد فتح القبور وانتهك حرماتها وجلالتها واخرج جثث الملوك
العظام وأولهم جثة الخليفة المستنصر بالله ،وبسؤاله أجاب
"انه أعلن الحرب على التاريخ المزور وانه سيقوم بعشر
معارك وجولات حتى يثبت أن ملوك مصر دخلوها فأفسدوها " .
السيد حافظ ...هل هو مبدع أدبي يثبت ذاته بإبداعاته ؟ أم هو كاتب ثوري يحرض بإبداعاته من اجل التغير ؟ أم مغامر يسعى من خلال التجريب للإتيان بجديد ؟ أم متمرد على واقعه وتقاليده سواء الواقع السياسي الاجتماعي ، أو الفني المسرحي ،يحاول أن يعرف ويفهم ليكسب حياته معنى ؟ ويكون لإبداعه هدفا ؟
اغلب الظن إلى حد اليقين، إن السيد حافظ فنانا متمردا ، لكن ليس من النوع الذي يسعى بتمرده إلى الهدم ، بقدر السعي إلى المعرفة والتنوير ، وتجاوز الثوابت إلى التجديد المثمر ، وفى هذا قد اتفق مع ما قاله عوني كرومي :"التمرد في المسرح حالة من حالات إبداع الذات تنزع إلى البحث والتقصي، وعدم الرضوخ والاستكانة إلى المألوف والجاهز والمستهلك، ...وهو نوع من الثورة على الذات والواقع مع انه حالة فردية ولكنه مرتبط بشروط العمل والبيئة الثقافية للعصر ...والتمرد أيضا يحمل في جوانبه قوة تدميريه إذا لم يكن متوافق بوعي وحكمة وتجربة وصبر وتأنى وشفافية "،ومن هنا يجيء لجوء السيد حافظ إلى الفنتازيا التي تحتاج إلى الوعي الكامل في إبداعها .
السيد حافظ مبدع متنوع .أبداع في معظم الأجناس الأدبية وأشكالها ،القصة القصيرة والرواية مسرح الطفل مسرح الكبار الدراما التلفزيونية الدراسات النقدية ،وفى معظم إبداعاته السردية والدرامية كان للفنتازيا النصيب الأكبر ،خاصة تلك التي تصنف بفنتازيا الزمن ،وشاهدنا هنا اعتماده على أشكال الحكي الشعبي خاصة حكايات الخوارق والتي تعبر المنبع الأصيل للفنتازيا ،ولجوءه لخلق عوالم ثانية لإبداعاته مستلهما التاريخ والانتقال إلى أزمنه تاريخية ،أو متخيلة ،وهو هنا لا يستخدم آلة الزمن كما هو معروف بل يستخدم الاستدعاء الدرامي للأحداث لينقل إليها متلقيه ،فيطوف به بين دروب التاريخ وأحداثه ،يمزج ألازمنه مع بعضها لإبداع عالم ثان من الفنتازيا كوسيلة للهروب من واقعه أو التعبير عن هم الواقع من خلال التاريخ ،لا من اجل وضع خطة لتغييره أو إصلاحه ،ولكن ليتعرف عليه،ليفهمه ويستنتج كل تلك الأسباب التي تجعله يحاول التصالح معه كما فعل عبد المطيع ،لكن الواقع يرفض المصالحة ، فيرفضه ويتمرد عليه وعلى ساكنيه الذين لم يرضوا فقط بالاستسلام ،بل راحوا يكيدون لبعضهم ،ويطعنون البعض في ظهورهم .
على كل هذا تمرد السيد حافظ ، وحاول الهروب من واقعه المشابه كما تشي أعماله ،ومع ذلك لم يسلم من الطعنات ،لا في الوطن ولا في بلاد المهجر ،مثله مثل سعد الله ونوس الذي يهدى إليه مسرحيته "حرب الملوخية "بقوله (هزموك رجال المسرح في دمشق مثلما هزم رجال المسرح في مصر محمود دياب ونجيب سرور ...انه زمن هزيمة المبدعين في الوطن العربي ....يا سعد أهديك هذا العمل الساخر من حياتنا وعذابنا ).
صاغ السيد حافظ ، تجربته النفسية والاجتماعية بوعي في إبداعاته التي نجد فيها دوما بعض منه ،خاصة مجموعته المسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع "والتي تتميز بها بشكل واضح الفنتازيا في مسرحيتين هما "ممنوع أن تضحك وممنوع أن تبكى " ،و "حرب الملوخية ".
لكن بداية ما المقصود بالفنتازيا هنا ؟
الفنتنازيا جنس أدبي يتميز بالإغراق في التخيل لإعادة صياغة رؤية الفنان، والتي ترتبط بعالم المبدع الداخلي غالبا ، حيث تتفاعل رغباته مع معوقات عالمه الخارجي ، ليجيء التعبير عن هذا التفاعل في ذلك الموقف المتخيل الذي يدور في العالم الثاني الذي يكون عادة من تراث الماضي أو التاريخ،والذي يكون المهرب الفنتازى والمتنفس للتفاعل الداخلي ، وتكون بمثابة المعادل الموضوعي للحالة النفسية كما تجسدها رؤية المبدع ، و تشغل مركز الأحداث في الإبداع الأدبي الفنتازى ،بمعنى انه وكما في الحكايات الشعبية يهرب المبدع من عالمه إلى الماضي ،وبدلا من الأزمنة المجهولة يلجأ إلى التاريخ ( الرسمي أو الشعبي )يستلهم أحداثه ،ويعيد استقراءها ويطلق لتعبيره العنان ليعبر عما يدور في نفسه ،مستغلا تلك الحرية التي تغلف إبداعات الفنتنازيا،حيث لا وجود لقوانين وتقاليد الواقع ،فمن ثوابتها "أن أى شيء ممكن أن يحدث ،ومن حق المبدع وضع القواعد الخاصة به ،شرط الحفاظ علي صدق الشخصيات في انفعالاتها ،وأفعالها ،متسقة مع ما صاغه الكاتب من قواعد ،وحملها من سمات .
بمعنى أن الفنان المبدع يحاول تمثل التجربة الإنسانية كما يشعر بها ، والتي قد تكون معاشة أو متخيله أو من مخزونه المعرفي ،ليصغها في عالم مختلفا عن عالمه ، ولا يخرجها من اجل التنبؤ والنصح ، بل ليعمل على إعادة استقراء أبعادها ، حيث أن الاستقراء والاستنتاج بالحدس خلف حدود ما نعرفه اعتمادا على ما نعرف ، هو الأداة الرئيسية في التخيل وليس التوقع ،لان كاتب الفنتنازيا لا يتوقع أن يصبح العالم الذي يتخيله رائعا . وكما قدم لمسرحيته قراقوش الأراجوز :"إلى العبقري في الحرب والبناء والغبي في العدل والإنصاف ...إلى عدو الثقافة والكتب وحبيب العسكر والمماليك ..وكما قال الشاعر أمل دنقل :يا أصدقائي لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قراقوش يموت قراقوش آخر جديد "
وبالاستقراء العكسي ،يمكن إبداع بدائل لعالم اليوم ،بتخيل أن هناك تغيرات كبرى قد حدثت في التاريخ الذي نعرفه واغفل ذكرها ،لكنها تتسق مع العالم الثاني الذي صاغه المبدع إطارا لأحداثه ،مما يجعله اقرب إلى عالم حقيقي يمكن أن يعاش .
لذلك يجيء الإطار الذي يحكم التجربة الإبداعية هنا ، فيما يعرف بالعالم الثاني وهو عالم شبيه بعالم الحكي الشعبي ،يسوده الصراع بين قوى الخير وقوى الشر، لذلك تأتى شخصياته أنماط تمثل هذه القوى ،وإن كانت الحكايات الشعبية قد استعانت بقوى السحر والكائنات الغريبة الخارقة كقوى مساعدة للشر ،إلا أن المبدع المعاصر قد استبدلها ببدائل أخرى معاصرة تمثل قمة الشر كالسلطة والثروة ،والقوة ،حيث أن البناء الاجتماعي لهذا العالم الثاني بعيدا تماما عن الديمقراطية ،وغالبا ما يكون مجتمعا سلطوي هرمي جامد متخلف .
هذه أهم ملامح الفنتنازيا بشكل عام ، فكيف وظفها السيد حافظ في إبداعاته ؟
حكاية الفلاح عبد المطيع :
كتبت هذه المسرحية في الفترة من 1979-1981 ، نهاية فترة حكم السادات لمصر ، الفترة التي أعقبت زيارة القدس و كامب ديفيد ، وحملة الاعتقالات التي شملت كافة التيارات السياسية ، المعارضة ، الناصريين ، الشيوعيين الإخوان ، وغيرهم دون تميز ، فقط لمخالفتهم رغبة السلطان ، وانتهت باغتيال السادات .
أما العالم الثاني الذي انطلق إليه السيد حافظ بآلته الدرامية من خلال الراوي والجوقة ،وصاحب جمهوره إليه ، فهو فترة حكم قنصوه الغوري لمصر نهاية حكم المماليك الثانية من 1501-1516م والتي انتهت باغتيال الغوري أيضا ، " زمن كان الإنسان مفقود القيمة،يهان،والإنسان الحيوان قوى النفوذ والسلطان" (المسرحية – 5).
عالم يعيش فيه إنسان مهان لا قيمة له ( الشعب )،وإنسان حيوان يملك النفوذ والسلطان، ولعدم تكافؤهما يأتي الصراع غالبا داخليا لدى الطرف الأضعف الذي يحاول أن يرضى رغبات الأقوى ، تجنبا لظلمه .
وهذا ما كان من أمر عبد المطيع ، الذي يعيش "على هامش الطريق .يزرع القمح ،يوزع الابتسامة .وينام وهو متعب بجوار عتبة الباب لان غرفته صغيرة لا تتسع لعشرة أفراد "( المسرحية 6) .فلاح لا حول له ولا قوة ، عجز عن تحقيق ابسط أحلامه، وهو الزواج من الفتاة التي أحبها ( فاطمة ) فترك نفسه للأقدار ، وتزوج من أم بثينة :
كل ما يهمنى في العالم هو أنت يا فاطمة ..أنت تعلمين كم احبك ....اعلم أنى تزوجت رغما عنى امرأة لا أحبها ، وأصبح عندي تسعة أولاد والسبب أبوك "
( المسرحية 9) .ومع ذلك يسامحه " من أجلك سامحه الله ومنحه القوى وأطال عمره ".
عبد المطيع نمط الإنسان المسالم الراضي المطيع ، لا يبحث عن المتاعب كأبطال الحكايات الشعبية ، لكنه عكسهم لم يجد في زمنه تلك القوى المساعدة التي تسخر لمساعدته وتعويضه ، ربما تكون فاطمة التي لم تتزوج من اجله ومن اجل حبه ،هي الابتسامة الوحيدة في حياته ،كبطلات الحكايات الشعبية ، وفى لمقابل نجد أم بثينة التي تشبه المرأة العجوز الشريرة في الحكايات الشعبية ،حيث تتوعد زوجها لحبه فاطمة :"آه لو أمسكته ذات يوم يحدثها .. سأمزقه إربا.. إربا والقي بجسده على الطريق لا ..سأجعل الأولاد يمزقونه " ( المسرحية 11).
المهم ، نعود لعبد المطيع ،" كان لا يعرف عن العالم ، إلا الفأس والأرض والعمل ،لم يجلس يوما مع السلطان ...لم يتحدث مع جيرانه .. كان يقول أن الجيران تجلب الأحزان ، وهكذا علمه أبوه ...لم يدخل كتابا لتعليم القراءة ، لأن القراءة تجلب المتاعب تتعب العقل،عرف الشجرة والبقرة والساقية " ( المسرحية 13-14)، ومع ذلك لم ينجو من شر العالم ، لم يترك في سلام ، وبين سعيه للسلامة ، ورغبات الحاكم يتشكل صراع حياته .
" لقد مرضت عين السلطان...وأعلن الحداد العام في البلاد وعلى الجميع ارتداء الملابس السوداء ولا زى آخر ، ويمنع الاحتفال ،فيرتدى الجميع السواد إلا عبد المطيع ... لم يسمع، ولم يقرأ، ولم يعرف ، لذلك عندما نزل المدينة بحثا عن طعام للحمار والأولاد بزى ابيض، قبض عليه وسجن سبعة أيام وحكم عليه بالجلد بخمسين جلده في الصباح ومثلهم في المساء "وفى السجن عرف الحقيقة لقد خالف أمر السلطان .
يخرج عبد المطيع من السجن ...ولا ينسى الصبغة لسوداء ، إطاعة للحاكم وتجنبا لغضب رئيس الشرطة ،"صبغة سوداء...أدهن لي البيت...اصبغ الملابس...الجدران،الشجر،منزل فاطمة الحمار ادهنه اسود"( المسرحية 30)،
ومن الإجهاد يقع في غيبوبة يفقد الوعي ولكن، تحدث المعجزة ، " يا أهل القاهرة ...فرمان مولانا السلطان ..ترتدي المدينة الملابس البيضاء...وأن تقام الزينات وأن لا يرتدى أى كائن ملابس سوداء..لقد استجاب الله لكم وشفى السلطان "( المسرحية 36).
يفيق عبد المطيع من غيبوبته ،"يرتدى السواد ولا يعرف ما حدث "ما هذا الضجيج ؟أين ذهب الجميع ..ينظر للحمار المدهون باللون الأسود ..أنت هنا تعال لنتمشى قليلا .".ويلقى القبض على عبد المطيع ..والخلاصة .
" كل الأيام مطعونة ..الشريف فينا مطعون ينزف ..والأصحاب والرفاق يطلقون عليه الضحكات ..هذا زمن رديء .هذا زمن الجنون ..أين التاريخ ليرى ماذا يفعل الملوك والسلاطين بالشعوب "(المسرحية 41)هكذا كان استقراء السيد حافظ للزمن للتاريخ .
ويضحك السلطان من حكاية عبد المطيع ، ويعرض عليه أن يكون قاضى القضاة ، ويرفض عبد المطيع " أريد أن أكون من العراة " ، والرمز هنا واضح إن كان الحكم على الناس وقياس ولائهم بالمظهر ،دون الجوهر ،فلنخلع هذا المظهر الكاذب ونتمسك بالصفاء بالصدق بالعرى كما أتينا الدنيا بنقائنا .وتنهى حكاية عبد المطيع ،وهو يبكى ،والجميع يضحكون ، يضحكون كما ضحك السلطان ، نفاقا ورياء ، لا يشعرون بامتهان الإنسان الرافض لدنياهم ومناصبهم ، ويبكى مأساته في زمن الرديء .يبكى مخالفا أخيرا أوامر السلطان .
وهكذا في إطار من الفنتنازيا ، بعيد عن أى منطق إلا منطق المبدع وتخيله ، حكي السيد حافظ عن امتهان الفلاح عبد المطيع ، وزمن يتحكم فيه الشر متمثلا في الحاكم صاحب السلطة والنفوذ حتى في مشاعر وانفعالات البشر ، يضحكهم وقتما يريد ويبكيهم تبعا لهواه .
وان كان السيد حافظ قد استفاد في البناء الدرامي من تقنيات المسرح الملحمي ، حيث الجوقة والراوي والمشاهد المتعاقبة ، إلا انه استفاد أيضا من تقنيات الفنتنازيا في إبداعه لذلك العالم الثاني الذي استدعاه من التاريخ ، وأنماط شخصياته المستمدة من تراث الحكي الشعبي ،وصراعهم بين الخير والشر ،ذلك الصراع الذي تجاوز رمزية الكائنات الخارقة الشريرة ،واستبدلها بالملوك والسلاطين وحاشيتهم ،خوارق الزمن الحالي الردى .
حرب الملوخية ....
يختلف الأمر هنا من حيث الشكل والمضمون ، عن حكاية الفلاح عبد المطيع،ففي إطار فني يجمع مابين تقنيات الفرجة وفنون الأداء المتنوعة ، من تمثيل ورقص ،وغناء ، ومطاردة من الشرطة والرقابة ، بحثا عن مؤلف اختفى ليلة العرض ، وتأثرا بمسرح بيراندللوا ،ومحمود دياب ،من وظفا تقنية لمسرح داخل المسرح في محاولة معرفة الحقيقة ونسبيتها ،يسال السيد حافظ فى لوحته الأولى عمن بني مصر "هل في الأصل حلواني "،وان كان فمن الذي ضيعها إذا ؟وهو سؤال خفي يفهم من سير الأحداث ،وحول الحقيقة وفى جو فانتازى ،يتحاور الكورال مع مصريم بن بنصر بن حام بن نوح عليه السلام الذي يدعى ويثبت قوله التاريخ انه هو أبو المصريين وان مصر سميت باسمه فهي مذكر لا مؤنث كما يغنى المصريون ،وبالضرورة نأتي لسؤال أهم لمن ينسب أبناء مصر ،لعالم الرجال أم لعالم النساء ؟ ومن الذي بناها ؟ومن ضيعها ؟ ومن السبب في حرب الملوخية ؟
يحاول السيد حافظ الإجابة على كل ذلك ،بجانب الإجابة عن سؤال من أهم الأسئلة المرتبطة بمفهوم الحرية ، وهو " هل الحرية التزام في حاجة للمستبد العادل ، أم هي فوضى تترك الحبل على الغارب للجميع بوهم الديمقراطية ؟
المستنصر :يا عمتي مش معقول كل صغيرة وكبيرة تحاسبيني عليها
ست مصر :أيوه أحاسبك لأنك خليفة المسلمين وجدك الحاكم بأمر الله وحفيد المعز
لدين الله الفاطمي .
المستنصر :حتى مستخسرة تقولي اسم أبويا
ست مصر :الظاهر بالله ..الله يرحمه فتح مصر على البحري وخللي الصيع
والشطار والزعران يبقوا تجار حرافيش مصر بقوا تجار والحشيش
في كل مكان والدعارة في كل مكان ... والجوع .( المسرحية 249)
....
ست مصر :اسمع يا ولدى نصيحتي افعل مثلما فعل جدك .عندما ضرب التجار
ظهر القمح ...
المستنصر :أنا مش الحاكم بأمر الله ....جدي كان عادلا مستبد ..أنا مش زيه أنا
أعطى الحرية لكل المصريين .... يفعلوا ما يشاءون..عصر الحرية .
ست مصر :أبوك الظاهر بالله قال عصر الحريات وظهرت العلامات الكبرى
..الخمور في الشوارع الحشيش الدعارة حول مصر إلى خمارة
وماخور كبير ..
المستنصر :أنا عهدي عهد الرخاء لكن المطر خذلني .
ست مصر :آنت نصير التجار وصديق الأجانب أعداء الشعب مثل أبيك أنت عار
على التاريخ وستدخل التاريخ في صفحات سوداء هذا بلاء صداقتك مع
الفرنجة .( المسرحية 378).
لذلك اختار السيد حافظ لرؤيته فترة من أسوء فترات حكم الفاطميين لمصر،وبدءها بموت الظاهر بالله ، وتولى ابنه من الجارية السوداء المستنصر بالله الحكم ،وهى فترة قد تكون شبيهة لحد الطابق مع الواقع الذي عاشته مصر في الفترة التي كتب فيها السيد حافظ هذه المسرحية والتي سجل بعض من رؤاه تجاهها في روايته ليالي دبي بجزأيها ،شاي بالياسمين وشاي اخضر، والتي هدف منها كما قال :"تصحيح كتابة التاريخ وبناء البشر والقيم الجميلة ،وليس ضياع الأمة في تاريخ كله مزور متوارث ،...،كنت احلم بان أغير العالم بالمسرح ،وكلما حاولت طردني الجهلة خارج الزمن ،لان الشعوب الجائعة والجاهلة لا تعرف قيمة الفنون والآداب ..ثم هي مجرد أحلام كاتب تسكنني ".
وفى رأيي أن أهم انطباعاته أو خبراته الأليمة عن واقعه والتي ،أسس عليها اختياره لعالم المسرحية الفنتازى فيمكن التعرف عليهما من نفس الرواية --التي أرى أنها في المقام الأول سيرة ذاتية كاملة لحياة ومعاناة السيد حافظ ،وبالتالي تكون المسرحية معادلا موضوعيا لعالمه الداخلي المجروح قهرا بما جرى له في حياته السياسية خاصة – يذكر السيد حافظ في احد فواصل روايته :"خدعت في جمال عبد الناصر ،إن ثورة يوليو 1952-حتى 1956،كانت تسير في طريق صحيح إلا أن القائد نكل بالجميع والدستور ،الذي جعل كل السلطات في يد الرئيس والباقي بهايم ،إن عبد الناصر سبب بلاء مصر بالديمقراطية ... كان ديكتاتوريا فظا منحازا لحلمه وزعامته ،وصنع جيلا من البهائم المسمى شعبا ،واختار حشاشا يكره الشعب اسمه السادات "(شاي اخضر 57).
والذي نسب إليه أيضا مقولة :"انفتاح ،بمعنى أن الذكي يكسب والغبي يموت جوعا والحرامى يفوز والشريف مهزوم ..وحولنا إلى جمهورية الحضيض "(شاي بالياسمين 266).
لكل ذلك لا يكن بمستغرب أن يهدى هذه الرواية إلى الحاكم بأمر الله "يا من حققت العدل في مصر وجعلت مصر أسطورة الزمان ..وجعلت المصريون يتعلمون الاستحمام ،وعدم التبول في الطريق ،وكيف يخبزون ويزرعون الورود ،علمتهم كل ما هو راق ..يا من منعت البغاء والخمر وطبقت العدل ..فكانت مصر في عهدك واحة سلام وآمان "( شاي بالياسمين 11).
لذلك كان اختيار زمن المستنصر هو المعادل الموضوعي والعالم الثاني الذي يتناسب مع رؤية السيد حافظ حول تاريخ مصر وحكامها ،والذين ينظرون إلى هذا الشعب كما نظر السادات والمستنصر :"إنهم شعب ينكر خيرات أبطاله ويحقر عظمائه وفعل الخير عنده ندامة والشر في نفسه علامة ،لقد هاجموا جدي الحاكم بأمر الله وقالوا عنه مجنون وفرحوا بأبي الظاهر الذي حرر لهم الفساد وشرب الحشيش والخمور ..عن أى شعب تتحدثين . المصريون يحبون الظالم بلا كرباج والقاتل بلا خنجر... أنا العاقل الوحيد في تاريخ الفاطميين ..لم اقتل تاجرا غش بضاعته أو أسجنه ...لن أسأل غنيا من أين لك هذا ...المصريون يجرون وراء الخبز وسيسقط الكثيرون..إنهم ينجبون بكثرة وعلينا أن نحدد النسل ..إن هذا البلاء سيقل الشعب فيصبح القلة أثرياء "(المسرحية 279).
وصدق السيد حافظ عندما سمى لوحته الثانية أو الحرب الثانية التي قدم فيه حكامه"جتها نيلة اللي عايزه خلف ".
هذا هو جاني الشر الخارق في المسرحية الذي يمثله الحكام والحاشية ، وأضاف إليهم المؤلف هنا العنصر النسائي الباحث عن دور : السيدة الأولى "متمثلا في زوجة الظاهر بالله " سكينة " ذات الأصل الأفريقي أم المستنصر.
" سكينة :أنا أم الولد ..أنا اللي خلفت من أخوكى والولد ده هو خليفة الدولة الفاطمية كلها أبنى وأنا الوصية عليه ....لا يا ست مصر ..ولازم تعرفي أنا سيدة مصر الأولى من الآن ومش ح اسمح لك تعملي في أبنى اللي عملته عمتك ست الملك في الظاهر بالله "(المسرحية 239-240) .
إذا فهو صراع النساء حول "ست الحسن – مصر "، لماذا لا يكن لهن دورا في التهام بعضها ؟
حقا هناك صوت العقل والحكمة التي تمثله ست مصر ،لكن بلا فاعليه ،فالتهم جاهزة لها من سكينة ..."انتم فاكرين نفسكم إيه يا ستات البيت الفاطمي ..ما فيش أميرات غيركم ..أنا جارية صحيح بس أنا آم الولد سامعه "( المسرحية 240).
وان كانت ست مصر تبكى مصر إلا إن دورها غير مؤثر على صاحب القرار فتتحول الالى شاهدة على ما يتم دون تأثير
ست مصر :آه يا ويلي ما الذي جرى لك يا بلادي تعانين من المجاعة والله اعلم بما يضمره لك الغرباء .
المستنصر :كل الناس تمدحني وتمدح عصري ..أسالي كتاب التاريخ
ست مصر :كتاب أجرتهم يكتبون ما تهوى ويمنعون ما يغضبك
المستنصر :لكن الناس ستقرأ كتبهم .
ست مصر :الناس ليست كلها عمياء وليسوا كلهم أغبياء ..هناك من سيقرأ
خلف السطور وسيفهم وسيفضحك حتى ولو بعد ألف سنة "(المسرحية
279-280).وكأنها تتنبأ بما سيفعله السيد حافظ .
لم تكن ست مصر الشاهدة الوحيدة ، فقد استدعى المؤلف بعض الشخصيات من السير الشعبية لتشهد على ما يحدث في مصر ، ففي إطار الشخصيات الفنتنازيا نجد أبو زيد الهلالي ودياب، بطلي السيرة الهلالية اللذان تحملا مسئولية إنقاذ شعبهم بنجد من المجاعة ، يصلا مصر ، ليشهدا على ما يحث بها . فماذا شاهدا في مصر .
"المجموعة :يسقط الخبازين نريد الطعام ..نريد الطعام ز
أبو زيد :إيش فيكم .
المجموعة :أصل النيل ما جاش بقاله تلت سنين .
أبو زيد :وين القمح قمح مصر .
برهومة : القمح لما كتر خبناه
أبو زيد : مين اللي خبوه ؟
الشوا : إحنا التجار ..وقولنا للناس ازرعوا ملوخية تكسبوا اكتر قاموا
زرعوا ملوخية وتفاح عشان يكسبوا اكتر .
دياب : تجار مصر سرقوها ."( المسرحية 246-247 )
"أبو زيد :مصر التي شاهدتها ..مصر الرشوة ..مصر السرقة ..مصر الجوع خراب الذمم ..لم أجد مصر العدل.. الأمانة ... الخيرات.. النزاهة "(المسرحية 252).
هذه مصر بجانبها الشرير ،كما شهد على ذلك بعض الشخصيات المساعدة التي ساعدت على الكشف عن هذا الطرف من الصراع ومخاطره .
أما الطرف الأخر في هذا الصراع فهو بالضرورة الشعب مصدر الخير أو ممثل الخير والبطولة ، الذي يفترض أن يثور ويتحرك ضد ما يتعرض لم من مظالم أدت إلى المجاعة ،واختفاء الخبز ...التي أدت بتجاره إلى ذبح الكلاب والقطط والبشر أحيانا ليأكلها بدلا من اللحم .الشعب الذي لابد له من حل الصراع لصالحه كما تقتضى الدراما الكلاسيكية ويتم التنوير والتحول كما قنن للدراما ، لكن لا ننسى أننا بصدى فانتازيا لا يطلب منها التفاؤل بالخير كما سبق القول ،بقدر استقراءه والتعرف على تلك الأسباب التي جعلته كذلك،تبعا لرؤية المؤلف.
لكن ...كما يقول السيد حافظ في "إهداء خفي" لروايته شاي بالياسمين :
"نحن المصريون لا نحب النظام ولا نحب القانون ولا نحب
العمل ،وقال جمال عبد الناصر:(لقد جعلت شعار الثورة
"الاتحاد" نظرا لاختلاف المصريين في الرأي والعقيدة،
و"النظام" لان المصريين لا يحبون القانون والنظام،
و"العمل" لأنهم كسالى ) .
هذا هو الشعب ، وبناء على رؤية الكاتب يمكن أن نصنف الشعب إلى مجموعات من الشخصيات ، التجار ومساعديهم ،المثقفين ،ويمثلهم الشاعر توفيق ، والفقراء ، ويمثلهم –وإن كان يشذ عنهم – فرحان ، ثم النساء .
أما التجار ، وهم من سرقوا مصر،وتبدأ السرقة من الحاكم ،الذي اعتبر اللصوصية قرين للحرية :
"المستنصر :ليه مصممة إن التجار لصوص ..حرية التجارة ..الإسلام يدعو للتجارة "( المسرحية 249 )
أما التجار ، وتحت حماية الحاكم ، فهم يسرقون البلد :
"دياب :ايش لون راح القمح ؟
برهومة :القمح لما كثر خبيناه .
أبو زيد :مين اللي خبوه ؟
الشوا :إحنا التجار ...
دياب :تجار مصر سرقوها
برهومة:دى تجارة
دياب :هذه ما تجارة هذا قوت الناس ..دى دعارة " (المسرحية 247 )
ويستغل التجار أقوات الناس ،يسرقون كل شيء،المصاغ ،البيوت البشر ويبيعون كل شيء ، الكلاب القطط لحم البشر ،ولا رادع مادمت الحكومة معهم .والشعب الطرف الآخر من الصراع يقف موقف المتفرج، حرافيش ،ومثقفين.
يتأرجح موقف المثقفين هنا مابين التعاطف مع الشعب والخوف من التجار ، لذلك عندما يثيرهم الاستغلال وتدفعهم روح الثورية ، سرعان ما يفيقوا ويفضلون السلامة ، وقد صور المؤلف هنا الشعار توفيق نموذجا للمثقف القريب من السلطة ، ففي البداية ‘ينضم للحاشية معزيا في وفاة الظاهر :
" سكينة :كتبات إيه يا توفيق على مولاك لما مات .
الشاعر :الكلام خلص منى يا مولاتي مش لاقيه ..كفاية الدموع اللي في القلب .ومولانا الله يرحمه ويحسن إليه كان أحسن حشاش ويعرف الأفيون المضروب من السليم ......
سكينة :اكتب قصيدة تمدحه وفى قبره تريحه ..سامع يا توفيق يا غلبان مش بيقولوا عليك شاعر الشعب ....
الشاعر :المهم البركة فيكى وفى الوزير
وعندما تدخل نوسه معلمة الفرفشة إلى العزاء تتعرف على توفيق –
نوسه :الراجل د ه ياما شتمنا في القصايد وياما زعل الله يرحمه جاى هنا ليه ؟
الشاعر :جاى أعزى نيابة عن لشعب ؟"( المسرحية235- 237)
وأمام التأرجح في المواقف وكما يقول المثل الشعبي "ماسك العصا يا من المنتصف "يكون حال المثقف ،كما يمثله توفيق الغلبان الشاعر ،ورمزية الاسم واضحة هنا ،وتحتمل دلالتين إما الغلب أمام السلطة القاهرة ،أو الغلب أمام ذاته التي تسعى للسلامة حتى ولو بميوعة المواقف .فبين الشعب هو شاعرهم الذي يعترض على الحاكم ، وفى أزمات القصر يسارع إلى إثبات الولاء .
وان كان المؤلف قد اسند إليه في بعض اللوحات التقديم أو التعقيب على ما يحدث ،لكنه في النهاية لا يقدر إلا على الانسحاب من المعارك :
"الشاعر : أربع سنين والمية ما جتش والعدل إذا غاب زادت قلة الأرزاق من ظلم العباد للعباد .
0يظهر التجار )
الشاعر :شفت ازاى يا برهومة بقى دمى خفيف
برهومة :برهومة كده حاف يا جعان يا جربان
سنارة :أوعى تنسى نفسك يا ولد
الشوا :دا أنا افكك أبيعك حتت
سنارة :دا أنت جعان وجربان
الشوا :دا أنا بشتري القصيدة من الشعراء بكيله قمح
الشاعر :والله لما أموت من قلة الأكل مش حاكتب شعر عنكم (يخرج من المسرح )-طبعا قبل الفتك به- .(المسرحية 255) .
ويختفي الشاعر ،عندما يبدأ الشعب في التحرك ،حتى في المعركة التاسعة (المصري الجدع )لا وجود له ،ويظهر على استحياء في المعركة الأخيرة (تجار مصر سرقوها وخانوها ) ليقف أمام التجار لكن أمام تهديدهم :
توفيق :أنا ماشى ..ماشى تجار مصر سرقوها وخانوها ..- ولا يفعل شيء –(المسرحية 309) ويترك الساحة للسيدات لتقاوم بمفردهن . وتردد المثقف هنا ليس بجديد على خبرات السيد حافظ في تعامله مع الكثيرين من مثقفي عصره .
تستمر المسرحية في رصد الأحداث ، مكتفيه بالصراع بين المخرج والضابط والرقيب في المشاهد الافتتاحية للمعارك ، حتى المعركة التاسعة عندما يظهر فرحان ، ليبدأ الصراع متخذا منحى جديدا، بين التجار والشعب ، الأمر الذي يضطر معه الحاكم إلى الانحياز إلى صف الشعب ، لكن هل فعلا كان صادقا في انحيازه ،أم هو نوع من الخداع المؤقت مثل المخدر المؤقت ؟ لنقرأ حتى نصل إلى الإجابة من المشاهد المتبقية من المسرحية ؟
توضح المعركة الرابعة المعنونة ب "تشترى كلب " ما صار إليه الحال في مصر المحروسة، وكما يقول الشاعر :
"عيني عليك يا بر مصر عيني على كل الخلايق العدل غاب والتجار سرقوا البلد وبقينا نبيع الكلاب والقطط "
ويستنجد بمصريم الأب "مصر يا أبويا الحقنا ...اعمل أية حاجة "
مصر :انتم اللي لازم تعملوا كل حاجة .(المسرحية 258 ) .
إذا يحدد مصريم .من الذي يجب عليه أن يحسم هذا الصراع ويواجه الموقف ،لكن من المقصود بأنتم ،وقد انقسم الأبناء إلى طبقة حاكمة تحيط بها حاشية فاسدة ،أم الشعب رجاله ونساؤه المغلوبين على أمرهم ،أم التجار الذين سرقوا كل شيء حتى البشر؟ أم حسن أمير الحشاشين الذي يحاول لقاء السلطان فلديه الحل :
" حسن :أنا يشرفني أكون أمير الحشاشين لأحقق العدالة للإسلام
....
ست مصر : هل تظن نفسك ستحقق العدالة والحرية بالحشيش .
حسن : الحشيش هو الحل ..الناس تحتاج إلي لتفكير .والحشيش هو الوسيلة .
ست مصر :وسيلة للغيبوبة ..
حسن :أبدا وسيلة للإبداع "(المسرحية 267 )
.. بدلا من السحر الذي يفعل الغرائب في الحكايات الشعبية و الفنتازيا ، يأتي المؤلف هنا بفكرة حسن أمير الحشاشين ،فالحشيش هو الحل السحري هو القوة المساعدة الخارقة للتفكير و للإبداع ، و لحل هذه الأزمة .
فعندماتثورالناس بحثا عن الخبز ،يظهر الوزير اليازورى(اليهودي الأصل)ويحاول تخدير الجميع بوعود الحكومة المعسولة :
اليازورى :القمح فين يا خضر
خضر :القمح يا سيدي مش موجود غير في مخازن التجار والمخازن السلطانية .
اليازورى :ما فيش داعي لكثرة الكلام ..القمح موجود والخير موجود ومصر بخير أهلها بخير ونحن نحب الخير .
....
"مشكلة القمح عالمية مش مشكلة مصر لوحدها لكن حكومتنا حلتها ..ومش عايزين مظاهرات إحنا بلد سلام والمشكلة أتحلت
حارس :ادعوا لمولانا الوزير
حارس :ادعوا لمولانا الخليفة المستنصر (271)
وتحت تأثير وعود الحكومة المخدرة يغيب الشعب فيهلل و"يهتف الجميع للسلطان في انتظار الخبز ".
هنا يظهر الشاطر حسن كما في الحكايات الشعبية ، أو فرحان بن مشتاق الخباز ،يقرر أن يفتح دكان أبية وينقذ الشعب من ظلم خضر والخبازين :
" فرحان : ح افتح الدكان يعنى ح افتح الدكان .(271)"
ومثل أبطال الحكايات الشعبية لابد أن يمر بالتجربة ثلاث مرات ،في المرة الأولى ،يحاول فتح الدكان ،لكنه لا يستطيع أمام تجبر خضر عريف الخبازين .
"خضر :أنا عريف الخبازين والكلمة كلمتي والشورة شورتى وأنا اللي أقول وبقول لا ..أنت ما تنفعش "( 272)
فلم يجد فرحان إلا أن يحاول مرة ثانية فيغير من لهجته .ويتحايل على خضر .
" فرحان :...أنا يا رجالة ما يملى عيني في بر مصر إلا خضر عريف الخبازين ..أنا راجله ودراعه اليمين "(272)
لكن "بعد أن ينخ ويسلم اللجام" كما يقول شيخ الحارة ،يسمح له خضر بفتح الدكان ،لكن فجأة تظهر أميمه أو ست الحسن التي لابد أن ينقذها البطل من الغول ، أو الجوع هنا ، فاميمه تبحث عن الخبز والدكاكين مغلقة وتخشى أن تضربها زوجة آبيها ،فتدفع الشهامة فرحان إلى فتح الدكان ،ويعد لها الخبز مخصوص وبأقل ثمن من السوق ،
" فرحتان :ساعديني يا بنت اخبز لك عيش ما حصلش
أميمه حاضر يا اسمك إيه "(274)
وينشا الحب بينهما لكن هل ينجح الحب في "الزمن الرديء " كما عنون المؤلف المعركة السادسة ، طبعا خسر فرحان جولته الثانية ،لقد افسد على التجار أرباحهم ببيعة بأقل من السعر فثاروا عليه وقلبوا خضر :
"خضر: ..الناس كلها ما بعتش عيشها وأنت السبب بتبيع أربع أرطال بدرهم يعنى اقل من التسعيرة اللي أنا محددها بنص درهم ..."(0299)
وينتهي الأمر بفرحان إلى السجن ،وتفشل المحاولة الثانية ،وتحاول أميمه إنقاذه تذهب إلى لقاء الخليفة المستنصر ،ويعرض فرحان وخضر أمام الخليفة وجهتي نظر كل منهما ،ويحاول الخليفة مساعدة فرحان ،بشكل سرى حيث انه لا يستطيع مواجهة التجار في العلن :
" المستنصر :يعنى المرسوم يقول أن وظيفة العريف تحديد السعر يوميا ولا يحدد الكمية .
...
اليازورى :تزوج الليلة واشترى الدار والأغراض ... وغدا انزل لسوق وبيع خمسة أرطال بدرهم ونص ..وإذا قال العريف انك تخالف القانون قل له المرسوم يقول انك تحدد الأسعار ولن تحدد الميزان ..."(304)
وهكذا بمساعدة الخليفة والوزير ينجح فرحان في المرة الثالثة ،وتنقلب الآية ، ولكن إلى متى سيستمر نجاح المصري الجدع الشاطر فرحان ؟
يتقرب التجار من فرحان " خضر : كفاية يا فرحان ح نبيع بخسارة.. كده مكسب قليل ..يا أبنى أبوس أيدك .
الخبازون : نبوس أيدك .
فرحان :عايزينى أبطل بيع بزيادة ؟
الخبازون :أيوه
فرحان :تعينوني عريف الخبازين
خضر :موافق
الخبازون : موافقين عاش فرحان عريف الخبازين " (306)
ولا يكتمل النجاح أمام المنصب الجديد ،ويفشل الشاطر فرحان ، ومن قبله الرجال في إنقاذ شعب مصر ،ولا يبقى لمصر إلى نساؤها .
وتأتى المعركة الأخيرة (تجار مصر سرقوها وخانوها ثاني وثالث ورابع )،
"أزهار :أنا رايحه للخليفة ...يا ستات مصر ستين سنة يحكمنا الخليفة المستنصر ..ومنها سبع سنين جوع وانتم ساكتين .مادام الرجالة سكتت لازم الستات تصحا .
المستنصر :مظاهرات في مصر ..ستات مصر عاملين مظاهرة دا اللي ح تكتب في التاريخ لما الرجالة نامت ستات مصر قامت .
......
أميمه : لقد فاض بنا الكيل ذنبنا في رقبتك . وذنب كل من ماتوا
المستنصر :يا ويلي من الله سأحاسب يوم الدين اليوم يا وزير إذا لم يخرج التجار القمح اقطع رقبتهم في الحال "(312-313)
ويخضع التجار خوفا من الموت ،وتطالب النساء بمعاقبتهم نتيجة لما فعلوه بمصر ،ويحاول التجار استعطافهم ،
"أزهار : قولوا للخليفة ..تجار مصر اللي باعوها واللي خانوها لازم يتعقبوا
التجار سماح يا ستات مصر دا انتم إخوتنا وزوجتنا وعمتنا ...
ودون حسم الصراع ودون الوصول إلى حل ،هل يعاقب ويقتل من سرق مصر وخانها ،أم يسامحوا (314)
وفى نهاية مفتوحة ، وفى قمة توتر الحدث وانتظارا لما سيؤول إليه مصير سارقي مصر ،يتركنا السيد حافظ في حيرة لكن المفاجأة ! تلد أميمه من فرحان ثلاث أولاد :
"خضر :إيه يا فرحان ح تسميهم إيه ؟
وينطق فرحان عريف الخبازين
فرحان : حاسميهم جمال عبد الناصر ....وأنور السادات.. .وحسنى مبارك .
وكما خسر فرحان أيام ما كان المصري الجدع ،معاركه الثلاثة بسبب المنصب ،فهل سينجح أبنائه في إنقاذ مصر ؟؟ أم أن مصر قد كتب عليها ما كان ولن يتغير سواء حكمها غريب أو ابن من أبنائها تغيره السلطة كما حدث مع فرحان ، وأمام هذه النهاية العبثية يعود بنا السيد حافظ إلى الواقع ،ليتواصل مع زمن أبناء فرحان حيث تقيد الحريات وتبحث الشرطة عن المؤلف ،ويلقى القبض على كل من شارك آو شاهد.
"حرب الملوخية "
ا.د كمال الدين حسين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More