المسرح الدرامى للسيد حافظ
(دراسة فى اختصار)
بقلم : أ.د كمال الدين عيد
هل يحق لى – ولكم – إطلاق مصطلح (مسرح) على أعمال درامية عديدة، أرّخت حقيقة لعدة فترات من التاريخ الوطنى والقومى والحربى المصرى، تأريخاً جاداً وأصيلاً، حتى وإن لم تنتشر سيرة هذا التأريخ كما كان يجب أن يكون الانتشار واسعاً عريضاً مؤثراً..؟ بمعنى أن تخرج هذه الأعمال المسرحية الابتكارية لتأخذ نصيبها المشروع على خشبات المسارح المصرية والعربية فى زمن كتابتها أو خروجها فى صورة الكتاب المطبوع.
فى رأيى المتواضع ، ومع ذلك فهو رأى متخصص، أن درامات الفنان السيد حافظ ترتفع حقاً – وبلا نفاق أو مجاملة – إلى مصطلح المسرحية، ذات الطابع الخاص فى كل منها ، بحكم إثبات الزمن، ووثائقية الحدث، وتسجيليات الواقع المعاصر لمكان وزمان خرجت من لُحمته، تُقرر شهادة الميلاد ، وشهادة العصر بكل حذافيره ، وآلامه، ولطماته، بل وأفكاره وآماله فى المستقبل.
وإذا كنت أسجل هنا عبقية النظرة عند الرجل القدير الصديق السيد حافظ، وأنظر بعين الاعتبار والتقدير لدراماته " حدث كما حدث ولكن لم يحدث أى حدث، كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى، والله زمان يا مصر، الطبول الخرساء فى الأدوية الزرقاء، أنا مسافر والقطار أنت والرحلة الإنسان" وغيرها.
فإننى أتوصل إلى تحليل نوعى دقيق Specific أراه فى هذه المعالجات الدقيقة والصفات الممتازة التى يختطها وينتهجها السيد حافظ فى كل مسرحية على حدة. بمعنى أنه يضع الفكر الدرامى عنده فى كل درامة داخل الإطار الدرامى الذى يتناسب مع عنصرين هامين ضرورتين هما الشكل + الزمن. هذه الكيميائية الجديدة بين زمن أحداث الدراما، والمتفاعلة مع الشكل من النار، إن نعثر عليهما فى صورة مجتمعة تركيبية تأليفية Synthetic إلا فى المسرحيات الأوروبية والأمريكية التى ظهرت فى سبعينيات القرن الحادى والعشرين، وهى نظرية (الجميعة) Synthesis التى أوجدها هجل فى الديالكتيك الهيجلى نتيجة الجمع بين الطريحة والنقيضة.. أى بين Thesis و Synthesis .
هذا النوع الجمعى أعثر عليه – فلسفياً – فى فكر الدرامى كأساس نظرى يبنى عليه دراماته ومسرحياته. الزمان يتناقض مع الأشكال، بل وصنع الأحداث، لعل من أهم نقاط تحقيق الفكر الهيجلى هو دراية المؤلف بقضايا الإخراج المسرحى وعلومه، وهو ما سهّل له الوصول إلى بوابة التعقيد وفى يده اليمنى مفاتيح الحلول والمسارات.. أى أنه بفكره الثاقب استطاع وضع اليد على إبراز التناقضات وتكثيفها ثم عرضها بعد أن خرج السيد حافظ من ثوبه الدرامى إلى رداء المخرج المعاصر، والثورى أيضاً.
إلا أن خلفية شخصيته الثورية ، والوطنية القومية تلعب هى الأخرى دوراً هاماً فى عملية التأسيس للعرض المسرحى، خاصة وأنه ينقل من مكنونات الصدر وبقايا الكامن فى اللاشعور من مظاهر الوطنية، ومظاهرات طلاب جامعة الاسكندرية – وهو واحد منهم وإن لم يكن أكثرهم تحريضاً وثورية وغضباً واشمئزازاً لما مرت به مصرنا الأم من آلام وسقطات، دفعت به إلى عدد غير قليل من المضامين الدرامية لأعماله المسرحية.
ولست أعجب حين يكتب عنه زميلى الراحل الدكتور محمد مبارك الصورى الأستاذ الجامعى للنقد المسرحى بدولة الكويت، إنه يحمل طموحات وطنية وقومية حاولت أن تجد لها مكاناً لها، ولكنها اصطدمت بأرض الواقع، أو أنه يملك النزعة التجريبية والرؤية الجديدة.
وإذا كنت أثنى على راى الدكتور الصورى فيما يخص النزعة التجريبية فى أعمال الزميل السيد حافظ، فإننى لا أتفق مع الصورى فى جزئية الاصطدام بأمر الواقع. فضعف انتشار دراما السيد حافظ فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى الذى قررت فيه يعود إلى سببين رئيسيين : هما جهالة القائمين على تقرير الريبراتور المسرحى المصرى فى المسارح الحكومية، كما يعود إلى هذا الإغراق التافه الذى سيطر على المسارح الخاصة وفرقها (يذكر زميلى الفنان جلال الشرقاوى أن مصر ساعتها كان بها 28 فرقة مسرحية أهلية وخاصة، كما كتب الزميل الناقد الكبير الراحل فؤاد دوارة عدة كتب سنوية بعنوان – تخريب المسرح المصرى) . لقد كان من سوء الحظ مولد مسرح السيد حافظ وسط هذه السنوات التى أرّخت للخلل المسرحى فى التاريخ المسرحى الحديث، واسمحوا لى هنا ألا أعفى المسئولين على مسرح الدولة من مسئولياتهم وتقاعسهم لعدم انتباههم إلى مسرح وطنى وقومى كان يزعق بالصوت مجلجلاً ومغمغماً لحماية مصر من أعدائها الخارجين وفى الداخل، فاذا اطلّع أحد على مصطلح تكوين المسارح القومية الأوروبية فى القرن 19 ميلادى سواء فى أوروبا الغربية وحتى أوروبا الخارجية، والتى كان يقصد بها دول وسط وشرط أوروبا ، لأدرك حقيقة مهمة المسرح القومى المصرى والذى كان عليه أن يعرض كل عام على الأقل وراحة أو عرضاً لوطنيات السيد حافظ.
التجديد غير مألوف :
ليس جديداً ما أطرحه هنا من أن الجديد غير المألوف مستغرب ومستوحش فى تاريخ المسرح العام ألم تكن مسرحيات يوجيه يونسكو وصمويل بيكيت وفرناندو أربال غريبة على جماهير المسرح الأوروبى صاحبة التاريخ الطويل فى المشاهدة المسحرية منذ القرن الخامس قبل الميلاد؟ وهى جماهير تربّت على الوعى المسرحى، وامتلكت النقد السليم بحكم الممارسة الفعلية للمشاهدة. فما بالك إذن بجماهير لا تعرف المسرح أو هى عرفته من عهد قريب؟ من هنا فإن ثقافة الجماهير المصرية والعربية – لا أقصد طبقة المثقفين أو طبقة الاليت Elite بل أعنى كل جماهير مصر، والتى اعتادت على التقليديات وفكاهات الريحانى وعبثيات مسرح اسماعيل يس، تخيّل أو استيعاب هذه الجماهير لأعماق فكرية وطروحات قومية عند درامات السيد حافظ ؟ لا أعتقد ذلك . وهذه اشكالية أخرى.
أقيم واحترم كتابات نظيفة ومنصفة سبقتنى إلى تقييم أعمال الفنان السيد حافظ، زميلى الراحل د. على شلش يشيد بجرأة المؤلف الشاب وتحطيمه لقواعد المسرح من أرسطو إلى بريخت . وفتحى العشرى ناقد جريدة الأهرام يُقدم فكر السيد حافظ على الفن، وما هو القاعدة السليمة والأساس اللازم فيما نسميه نحن المسرحيون (المضمون الدرامى) Dramatic content وغيرهما كثيرون.
فى هذه الأمسية الطيبة اخترت من مؤلفاته الدرامية مسرحية لم تُلق عليها الأضواء كثيراً بالتحليل والتفسير والنقد. وأقصد بها مسرحيته المعنونة (أميرة السينما هـ.. و.. و.. ش أُسكت) بعبارة تكشف عن فكر الكاتب فى اختصار استعير منها " لم نعشق الأفران والغموض والهبوط ، لم نعشق الطلاسم والتزييف"
هذه عبارات السيد حافظ ...
1- الدراما من جزأين بعنوانين هما : لقطة عامة، لقطة خاصة، تقسيم خشبة المسرح فى اللقطة العامة ا لأولى يكشف لك ولأول وهلة منذ البداية عن خشبة مسرح القرون الوسطى – الثلاثية، لكن فى صورة عصرية (معصّرة) . هنا تبرز الثقافة المسرحية ومعارف تاريخ المسرح عند السيد حافظ. إدخال التعصير على شكل مضى ليتناسب مع شكل معاصر. إضافة إلى أفكار سياسية تاريخية .. أمريكا، والزنوج، وأزمة إنسان العصر. (فى 2 212 تذكر شخصية الذى يحاول، وفى ظنى أن الشخصية هى السيد حافظ نفسه الذى يحاول تغيير ××× المسرح المصرى والعربى – تقول الشخصية العبارة التالية...
- إذا تقدم الإنسان بكفره وسابق الزمن سقط ضحية وإذا تأخر صار متخلف. وإذا سار مع الزمن جنباً إلى جنب قتلته اللامبالاه والملل. (ألا يبدو أن المتحدث هو السيد حافظ نفسه؟)
2- يستعمل السيد حافظ فى الجزء الأول اللغة على مستويين، الفصحى فى مشاهد، ثم يجرؤ وينتقل إلى العامية فى مشاهد أخرى بأكملها. وما هو – حسب رأيى – تجديد أو صورة لغوية مسرحية لم يستعملها قبله مؤلف آخر. وإلا فليدلنى واحد منكم وانتم متخصصون مسرحيون ودراميون مثلى على درامة اتبعت هذا المنهج الفنى قبلاً.
إنها فلسفة الفكر الدرامى التى يرى فيها السيد حافظ أن نوعية اللغة لابد وأن تحسن التعبير الدقيق عن وقائع الأحداث سواء كانت الفصحى فى مشهد أو العامية فى مشهد آخر. ثم ، لعلنى أحس بموقف العداء لدولة الدولار ولحالة انتاجها السينمائى فى الماضى والفضائى الآنى. فى عام 2001 زرت الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين 38 مسرحاً فى نيويورك لم أعثر فى ريبرتواراتها إلا على أربعة درامات من النماذج المسرحية الجادة أوروبية أو أمريكية بعد ان غطّت عروض الاستعراض والفورفيل والرقص أغلب البرامج فى المسارح. إن ما يشير إليه السيد حافظ فى مسرحيته عام 1974 زمن كتابة المسرحية لا يزال ممتداً حتى اليوم. فياله من متنبئ؟ إن كلمات مثل نهر المسيسيبى ، الهنود الحمر، المجد للصحافة والإعلان، الرصاص، السهام، لتوحى بمكان أحداث درامية حتى ولو كانت عن طريق الاستعارة أو المجاز أو الرمز Allegory.
نهاية أقول : إن مسرح الزميل الأستاذ الفنان السيد حافظ نابع من التربية المصرية حين عرّى مستهجناً ما يحدث فى صناعة السينما المصرية حتى وإن ألبسها ملابس الكاوبوى Cowboy ، فهو فى ظنى مسرح اشتعالى مُصدر للثورة ضد الدكتاتوريين المعتدين على الإنسان والإنسانية ، الخامدين لمشاعر القومية والوطنية المصرية.
ومن هنا فهو لا ينتمى كما لا يتشابه حتى مع مسارح أوروبية قومية أو ثورية أخرى، لأن مسارح ودرامات مثل انتونان آرتو أو فسفولد مايرهولد أو المسرح العارى وليس الفقير Bare theater فهذه ترجمة حرفية وليست فكرية دقيقة. فلكل مسرح من هذه المسارح الأوروبية والروسية ومع احترامى لزميلى الدكتور سعد أردش فإننى اختلف معه فى أن مسرح السيد حافظ يتشابه أو هو يعود فى ظهوره إلى المسارح السابق الإشارة اليها.
شكراً على حسن الاستماع أ.د كمال الدين عيد
0 التعليقات:
إرسال تعليق