مسرحية
الشاطر حسن
بقلم : نادر القنة
القبس
( العدد 4419 )
السبت 1 / 9 / 1984
في أقل من عام واحد ، أصبح ( لسندريلا ) شقيق آخر لا يقل عنها شأناً ، هو ( الشاطر حسن ) وذلك في عالم السيد حافظ . فنحن ما زلنا نذكر جيداً تلك النغمة الشاعرية التي رددتها سندريلا منددة بالمجتمع الطبقي ، عاصفة بكل الأخلاقيات الطبقية ، مطالبة بتفتيت المجتمع المركب من توليفات غير متجانسة . بل وراحت سندريلا الصغيرة تصيغ بمفردها بعيداً عن الفئة التي تنتمي إليها ، وكل ما استطاعت الحصول عليه هو مساحة من التعبير ، إذ كانت ترى ضرورة انصهار كافة الطبقات في طبقة أحادية القاعدة ثنائية القوام .
ونحن نتذكر ذلك بمشاهدة مسرحية ( الشاطر حسن ) وندعم ذلك بقراءة النص ذاته ، ونقول : ماذا عساه يقول الشاطر حسن ؟ باعتقادي أن السيد حافظ بكتابته لمسرحية الشاطر حسن لا يفعل أكثر من إنه يعيد في كل منا طفولته ؛ بل ويذهب إلى أبعد من ذلك . إنه يريد صناعة جيل لا يعرف التردد ؛ جيل يملك قراره كما يملك وجوده . فرغم الشطحات الفلسفية العميقة ، ورغم عمق الطرح الشاعري للمؤلف في مسرحية الشاطر حسن ، فإن المسرحية تسجل موقفها وكلمتها ، كرد فعل للواقع المأساوي الذي بتنا نجتره ، وبتنا نلقنه لأطفالنا حتى نستخرج منهم نسخاً مكررة عنا ، بل أكثر تشوها .
التعامل مع التراث :
ويعتمد المؤلف في أسلوب بنائه للمسرحية على أساس استحضار مزيج من الأشكال التراثية وترويجها فيما بينها بأسلوب فني يتسم بالدقة . فمنذ بداية المسرحية نجد أنفسنا ، أو يضعنا الكاتب أمام إحدى الصور الفلسفية الإغريقية التي قامت عليها مسرحية ( أوديب ) ، وهي صورة الوحش وما يرتبط به من سؤال ، والإجابة على السؤال الوحش هو سر المسرحية ؛ بل الفكر الذي ينبض منذ البداية وحتى النهاية . حيث تتلخص الإجابة بالإنسان ، وهنا يختلف السيد حافظ مع الإطار العام للأسطورة وللموروث الذي استحضره ويقف على النقيض من الفلسفة الإغريقية . فإذا كان الإنسان في الشكل التراثي المستدعي إنساناً قدرياً غيبياً بالدرجة الأولي . فإنه يصبح عند المؤلف - وحسب معالجته الحديثة للمزيج التراثي - إنسانا يتحكم فيه القدر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . وهذا ما يحدث مع الشاطر حسن عندما يتخذ قرار الحرب ولا شئ غير الحرب ، حيث يستنبط قراره من الشارع ، وتبقى للشارع كلمته القوية ، و رأيه الصريح .
وفي الجانب الآخر يربط السيد حافظ الموروث الإغريقي بالموروث العربي المستمد من حكايات ألف ليلة وليلة ، وهي حكاية أبى الحسن المغفل مع هارون الرشيد . حيث يحلم أبو حسن بأن يكون حاكما على البلاد ، وما أن يبزغ الفجر حتى يُنصَّب حاكما . ويلعب هارون الرشيد لعبته تلك من أجل إدخال البهجة إلى قلبه ، ويحلم أبو حسن من الانتقام لذاته ، كما فسر ذلك سعد الله ونوس في مسرحية ( الملك هو الملك ) . ولكن الأمر هنا يختلف تماما؛ فعندما يُنصَّب الشاطر حسن سلطانا مكان السلطان الحقيقي ، لا يتغير بل يبقى هو ذاته كما بدأ، وكأن بهرجة السلطة لم تؤثر به لتصنع منه إنساناً آخر كما حدث عند سعد الله ونوس ، وبريخت في مسرحية ( رجل برجل ) ، وعند حسن يعقوب العلي في مسرحية ( الثالث ) ، وكما حدث أيضاً في الحكاية الشعبية ذاتها التي أستقى منها السيد حافظ مادة مسرحيته . فلقد أراد المؤلف أن يبرهن هنا على أن الإنسان موقف غير قابل للتحويل والتغيير والتحوير طالما تدعمه نظرية ، أو يستند على مبدأ ، وبالتالي فإن الأسطورة الإغريقية تلتقي مع الحكاية الشعبية العربية في تحديد الإنسان . ولكن المعالجة الجديدة عند السيد حافظ نابعة من أن الإنسان ( موقف ) قبل أن يكون عنصراً ، أي أن الفكر يسبق ظاهرة تشكيله ، لذلك لم يتغير الشاطر حسن كما تغير ( أبو عزة ) عند ونوس ( وأبو حسن ) عند حسن يعقوب العلي ( وغالي غاي ) عند بريخت في رجل برجل .
وفي الجانب الثالث ، يبقى الشاطر حسن هو القاسم المشترك في الجمع بين أجزاء الحكايات والأساطير الموظفة ليضفي على المسرحية جوا وبعدا من البطولة ، وليخفف من حدة تراكم الأفكار ، التي ترسبت من خلال تكوين الشخصيات وما أفرزته علاقتها في بعضها البعض من صراع أفقي ورأسي في شبكة العلاقات الدرامية معقدة التركيب .
مناظرة بين الحاكم والمحكوم :
وبعد أن تنتهي الأيام الثلاثة التي خصصت لا يمسك فيها الشاطر حسن مقاليد الحكم ويجلس على عرش السلطنة ، ونزول السلطان الحقيقي إلى الشارع ويتفاعل معه ليصبح أحد مكوناته وليس راصدا له ، يتقابل الطرفان في موقف مناظرة مختزلة ، حيث يلخص كل منهما للثاني أيامه الثلاثة ، فالشاطر حسن سمع في اليوم الأول شكوى المظلومين ، وفي اليوم الثاني حقق العدل ، وفي اليوم الثالث عقد محاكمة متوازنة مع ذاته لتقييم نفسه على ضوء المرحلة الجديدة التي عاشها ، وكانت النتيجة أن أدان نفسه لأنه فكر بأنه السلطان الحقيقي . أما السلطان الحقيقي فقد رأى الناس ودرس مشاكلهم ، ورصد احتياجاتهم . وهنا يصبح حتما على السلطان الحقيقي أن يعيد تقييم موقفه على ضوء المتغيرات التي صاحبت وجود الشاطر حسن في السلطة . وبعد أن أثبت لأهالي البلدة أن الإنسان موقف ، قبل أن يكون عنصراً ، وأن قضية تطويعه لا تنبع إلا من خلال مبدأ أو نظرية ، وأن الكلمة النهائية كما هي في البداية لا يعلنها إلا الشارع والحي والبيت والمدرسة ، باعتبارهم الملاك الحقيقيين لهذه الكلمة . وهنا دلالة واضحة على أن الديمقراطية ليست هي شعارات تلقى لإقامة علاقة متوازنة بين الحاكم والمحكوم – بل هي بالدرجة الأولى أن نعي وجودنا – وأن نعي الدور الذي نحن بصدده .
الرمز والرموز :
وفي حديث خاص مع السيد حافظ سألته أن يجيب بكل صراحة : هل بمقدور الطفل في الكويت وفي العالم العربي الآن قراءة هذا الكم من الأفكار والمضامين المطروحة في الشاطر حسن ؟ أم أن المسألة أننا نريد أن نسوق أعمالنا وتقدم كيفما كان الأمر ؟ وقد أجاب باختصار : وهل يستطيع الطفل العربي في كل مكان في هذا العالم أن يهرب من واقعه ، إنه مطارد بأجهزة الإعلام صباح مساء ، يسمع ، يقرأ ، يرى ، إنه محاط بكل قضاياه الواقعية . ونحن في الشاطر حسن لا ندعي أننا نحاول طرح تجربة جديدة في مسرح الطفل ؛ بل إننا نطرح أسلوبا جديداً في معالجة مسرح الطفل أي أننا نقدم مسرحاً للطفل ، ولقد حاولنا جاهدين تفكيك كافة الأبعاد الرمزية ، وقام المخرج أحمد عبد الحليم بدراسة وافية للنص قبل الشروع في تنفيذه ليرى الإمكانات المتوفرة فيه . وحقيقة فإننا رأينا أن جمهور هذه التجربة يجب أن يكون ما بين 6 سنوات إلى 12 سنة .
وهذا ما يفسر لجوء المخرج إلى الأسلوب الاستعراضي في محاولة منه لتقريب المعنى والصورة إلى ذهن الطفل . وحتى لا يفهم الجمهور أنه جالس في قاعات المحاضرات أو في فصول دراسية ، اعتمدنا على طرح الصيغة التربوية التي يتضمنها النص في قالب كوميدي راق ، وعملنا على أن تكون القيم الإنسانية المطروحة بعيدة عن المباشرة وبعيدة في الوقت ذاته عن الأسلوب الرمزي ، ولكنها قريبة من أسلوب الاستقراء المبسط حتى يستطيع الطفل في النهاية أن يخرج لا ليتذكر ضحكاته أو يتذكر النكات التي تقال بل ليضم صوته إلى صوت أطفال الخشبة ومع الشاطر حسن ويعلن قراره النهائي : نعم للحرب ولا للسلم طالما أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتخليصنا مع معاناتنا ومآسينا .
0 التعليقات:
إرسال تعليق