بصمات السيد حافظ في مسرح الطفل في الكويت
بقلم : علاء الجابر
كاتب وناقد مسرحي
قد تتفاجأون حين أقول لكم ، أن علاقتي الفعلية بصديقي ( السيد حافظ ) بدأت بالمحاكم .. حين وصلتني رسالة إلى الكويت – وكنت أعمل حينها مسئولا ومعدا للصفحة الثقافية في جريدة الوطن ، الصحيفة الأكثر انتشارًا هناك – كانت الرسالة عبارة عن أصل الدعوة التي رفعها ( السيد حافظ ) علي بصفتي كاتبًا في الجريدة ، وعلى رئيس تحرير الجريدة أيضًا، بسبب مقالة انتقدت فيها كتابه ( مسرح الطفل في الكويت ) معللا اعتراضي ذلك بأنه كتاب عن مسرح ( السيد حافظ ) لا مسرح الطفل في الكويت، وأيا كانت أسبابي في كتابة المقال ، أو أسبابه في رفع القضية فتلك كانت البداية .
لكن هذا الخلاف تحول إلى صداقة عميقة بعدها ، حين تعرفنا على بعضنا البعض عن قرب ، وكم فاجأني تعامله الراقي الذي لم ألمس فيه أية تراكمات من مخلفات تلك القضية ، بل أنني وجدت فيه – إلى جانب كونه مبدعا غزير الإنتاج - إنسانــًا نقيـًا صادقــًا ، يمتلك طيبة كبيرة ، جعلته محبوبـًا من غالبية الوسط الثقافي ، وحين أستعرض بذاكرتي أبرز محطات السيد حافظ ، أسعد كثيرًا كوني مررت بمحطات مشابهة لها جدًا ، فهذا الرجل قد اختار مجالا بعيدًا جدًا عن مجال تخصصه ، حيث لم يعرف في الفلسفة كما عرف ككاتب مسرحي ، وهو ما يحصل معي حين يفاجأ كل من في الوسط الثقافي الكويتي بأن الجغرافيا هي مجال تخصصي الدراسي ، أما محطة العمل في حياة السيد حافظ فهي بلا شك لا تختلف عن محطتي حيث عمل كلانا باحثـًا في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ، إضافة إلى أن كلينا أيضـًا عمل كاتبًا في الصحف الكويتية ، أما في مجال المسرح فكانت الانطلاقة واحدة من خلال مسرح الطفل باختلاف السنوات ، كما أن أول إصداراتنا عنون ب( مسرح الطفل في الكويت ) وإن اختلفنا في التفاصيل والتوجه ، ولعل المصادفة تجمعنا حتى بالنسبة لعدد الأعمال المقدمة لمسرح الطفل في الكويت ، حيث قدم كل منا عشر مسرحيات إلى الآن .
أما إن أردنا الحديث عن دور السيد حافظ في مسرح الطفل في الكويت ، فبصفتي متابعًا وناقدًا للحركة هناك ، وموثقا لها مؤخرًا ، أجزم أن له دور أساسي شكل فيه حافظ جزء مهما من هوية مسرح الطفل الذي بدأ في الكويت منذ أكثر من ربع قرن ، قدم فيه السيد حافظ عشر مسرحيات هي على التوالي :
سندريلا عام 83 ، الشاطر حسن عام 84 ، سندس عام 85 ، محاكمة علي بابا عام 85 ، أولاد جحا عام 86 ، حذاء سندريلا 86 ، عنترة بن شداد 87 ، فرسان بني هلال 87 ، بيبي والعجوز 88 وأخيرا الساحر حمدان 96 .
ولو تتبعنا تجربة السيد حافظ وصنفنا مسرحياته ، نجد أن ست مسرحيات منها تستند في مرجعيتها إلى التراث العربي وتقترب من الشعبي لو أردنا الدقة أكثر وأعني هنا كل من مسرحية :
الشاطر حسن ، محاكمة علي بابا ، أولاد جحا ، عنترة بن شداد ، فرسان بني هلال والساحر حمدان .
أي إنها تشكل نسبة 60% من مجموع الأعمال وتؤكد بذلك أن ( حافظ ) معني بالتراث العربي ، وهو ما يتماشى مع خطه القومي وتجربته في البحث عن مسرح عربي أصيل ، تلك التجربة التي تبناها كثير من المسرحيين العرب من أمثال : يوسف إدريس ، عز الدين المدني ، سعد الله ونوس وقاسم محمد وآخرين ، وإن كان السيد حافظ يتميز عن الآخرين في أنه يتخذ من مسرح الطفل ركيزة لنهجه هذا ، وإن لم يكن له الأسبقية في ذلك – إن أردنا الدقة – بقدر ما له من تميز وغزارة في الإنتاج .
أما بالنسبة للتراث العالمي فيبدو أن حافظ معجبًا بحكاية سندريلا أو أنه على ما أظن يعاني من وجود عقدة زوجة الأب القاسية ، فقد تناول هذه الحكاية في عملين من أعماله التي تشكل 20% من مجمل الأعمال .
مما سبق نجد أن السيد حافظ في 80% من أعماله قد استعان بالموروث ، فأضاف إليه كما استفاد منه ، هذا باستثناء النسبة المتبقية والمتمثلة في مسرحيتي : سندس ، وبيبي والعجوز ، حيث كانتا تأليفا خالصا للسيد حافظ .
وأعتقد من وجهة نظري أن ( سندس) تعد أنجح تجارب حافظ في مجال الكتابة لمسرح الطفل على الإطلاق ، فالحكاية مبطنة بالصراع العربي الصهيوني ، هذا الهم الذي لازم تفكير السيد حافظ ولا يزال كما هو الحال بالنسبة لغالبية المبدعين العرب .
في تلك المسرحية تمكن حافظ من أدواته الفكرية قبل أدواته الدرامية ، وقدم نصا جيدا لمسرح الطفل ، ورغم أنني ضد تقديم الصراعات السياسية للأطفال إلا أن قوة العمل وبراعته جعلتني أحاول التغاضي عن وجهة نظري تلك .
أما في مسرحية ( بيبي والعجوز) فيتناول حافظ قضية أسرية هامة يعاني منها كثير من الأطفال وتتجلى في غياب دور الوالدين مما يؤدي إلى التفكك الأسري بشكل عام ، فتسند أدوار أفراد الأسرة إلى الخدم وهي مشكلة قد تكون أكثر حضورًا في منطقة الخليج بالذات ، ومع إعجابي الشديد بالخط الدرامي للمسرحية إلا أنني أتحفظ أيضا على تقديم مثل تلك الصراعات الأسرية للطفل الذي ليس له حول ولا قوة في تغييرها ، فالمشكلة تخص أولياء الأمور وبالتالي يجب تقديم المسرحية لهم، لا الأطفال الذين لن ينالوا منها سوى الألم والإحساس بالعجز لعدم القدرة على التغيير للأفضل .
وفي كل الأحوال ، وبعيدا عن وجهات نظري التي قد أتفق فيها ، في كثير من الأحيان ، مع الكاتب المسرحي السيد حافظ ، وقد أختلف أحيانا أخرى ، إلا أنني أؤكد بأن هذا الرجل الذي سبق لي أن اختلفت معه ، كان له دورا مؤثرا وفاعلا في رفد مسرح الطفل في الكويت ، وإثراءه بمجموعة أعماله المسرحية التي شارك فيها أغلب نجوم مسرح الطفل هناك ، وبرزوا فيها ، ولاقت نجاحا جماهيريا وماديا كبيرين ، وإن كنت أعرف كمؤلف لمسرح الطفل ، أن حافظ لم ينل من الجانب المادي الكثير ، غير أنه في المقابل نال السمعة العطرة ، والنجاح المعنوي والأدبي الكبير، ويكفيه فخرا أن مسرح الطفل في الكويت لا يذكر إلا ويذكر معه اسم السيد حافظ كأحد أهم الأقلام التي سبقتنا في هذا المجال ، وكان لها دورها المؤثر القوي ، سواء اختلف معه البعض أم اتفق .
ويحسب للسيد حافظ أن مسرح الطفل لم يكن من الموضوعات التي كانت تنال الاهتمام في الدراسات التي قدمت ولسنوات عديدة في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت ، لكن أعماله قلبت المعادلة وفتحت الباب أمام طلبة مشاريع البكالوريوس في قسم النقد – تحديدا - لتناولها في دراساتهم ، ومن ثم تبعتها مجموعة من الدراسات في ذلك المعهد وغيره من المعاهد فكنا نحن العاملين في هذا المجال أول المستفيدين حيث بدأت كثير من الدراسات تلتفت إلى مسرح الطفل لعل آخر ما حضرته في أكاديمية الفنون في القاهرة في أواخر سبتمبر 2005 حيث نوقشت رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة الكويتية نوره العتال حول مسرح الطفل في الكويت وتناولت فيها أعمالي وأعمال بعض كتاب مسرح الطفل ونالت عنها الماجستير بدرجة امتياز.
قدم السيد حافظ العديد من الأعمال الدرامية سواء في مسرح الطفل أم في غير هذا المجال ونالت أعماله اهتمام كثير من النقاد وحظيت بالعديد من الأطروحات ومع ذلك فما زال يصر بأنه لم يكتب بعد الكتاب أو العمل الذي يتمناه.
وإني على يقين بأن روح السيد حافظ الشفافة الطفولية مازالت تحوي الكثير من الحكايات الرائعة التي سيظل يرددها للأطفال الذين أحبهم كما يحب نفسه ، وأحبوه كما يحبون أبطال حكاياتهم .
0 التعليقات:
إرسال تعليق