حوار الكاتب السيد حافظ مع جريدة الجمهورية
أجراه الأستاذ / حسن سعد
• أين أنت ككاتب مسرحى كبير فى مصر ؟
- السؤال رائع وجميل.. ولكن لابد أن يكون أين المسرح فى مصر..؟ هل هو تلك التجارب أو الاسكتشات التى يقدمها التليفزيون فى قناة النهار تحت اسم مسرح الشباب أو المسرح الكوميدى وهى أعمال تشبه مسرح الكباريهات الذى ولد أثناء الحرب العالمية الثانية فى مصر وكان يقدمها كبار الفنانين وقتها مثل نجيب الريحانى وشخصية كشكش بيه وتقدمها بديعة مصابنى فى الكباريه الخاص بها وكان شارع عماد الدين مليئاً بهذا النوع.. أين أنت ككاتب مسرحى كبير فى مصر.. مصر الآن يتحكم فى مسارها الثقافى والفنى شخصيات لطيفة ظريفة خفيفة الدم .. واختفى من المشهد المفكرون المسرحيون.. واختفى من المشهد النقاد المفكرون .. واختفى من المشهد المخرجون المفكرون .. واختفى من المشهد الاستراتيجية القومية والهدف الوطنى والقومى واصبح الوطن كلمة بلا معنى .. واختفت كلمة وطن عندما اختفت التربية القومية من المناهج المدرسية .. واختفى الوطن عندما اختفت التربية الوطنية من مناهج المدارس .. الكتاب الكبار فى مصر فى بيوتهم على الهامش كما قال الأستاذ هيكل فى حديث مع لميس الحديدى قبل وفاته بقليل إن كبار المثقفين والسياسيين والمبدعين خارج المشهد.. أنا خارج المشهد الهزيل.. ولا أحب أن أكون كاتباً كبيراً فى وسط حركة فنية ضئيلة لا أحب أن أكون كاتباً كبيراً مع مخرجين لا يجيدون القراءة والكتابة ولا يعرفون قراءة النص المسرحى ولا يعرفون جغرافية خشبة المسرح .. أنا لا أحب أن أكون كاتباً كبيراً فى وسط ثقافى مسرحى هزيل يقدم أسوأ ما قدمت مصر فى حياتها الفنية فى الثلاثينات والأربعينات .. لا تسألنى يا سيدى أين أنا.. بل أنا أسألك أين مصر لأكون أنا.. عندما تكون مصر كبيرة سأكون كبيراً بجوار ناقد كبير ومخرج كبير وممثل كبير ومطرب كبير وصحفى كبير .. لأننا منذ السبعينيات عشنا بداية الاضمحلال فظهر أحمد عدوية المطرب واحمد عدوية السياسي واحمد عدوية الصحفى واحمد عدوية الناقد واحمد عدوية الوزير فكانت وزارة عدوية وصحافة عدوية وثقافة عدوية .. هذا نتاج السبعينات التى نحن فيه الآن.
• لمن تنتمى من جميل كتاب المسرح ؟
- أنا من جيل عظيم .. جيل ولد ابداعياً بعد نكسة 67 .. أنا من جميل 68 ما بعد النكسة .. يقولون علينا جيل السبعينيات وهو كما قال الاستاذ هيكل فى حديث آخر مع لميس الحديدى هو أفضل الأجيال التى انجبتها مصر ابداعياً وعسكرياً وسياسياً وثقافياً ولكن لم يحصل على أى فرصة ليثبت مكانته ويؤكد وجوده ويرتفع بمصر وينهض بها.. جيل كتب عليه النفى داخل بدله واضطر إلى دول الخليج وأوروبا.. جيل فٌتحت عليه النار من السادات واتهمه بالشيوعية واليسار وجعل الأخوان يضربوننا فى الجامعة ويغلقون المسارح.. والتيارات الإسلامية تكتسح الشارع.. هذا الجيل الذى استبعد وقُدم بدلاً منه أسوء ما فى الأجيال كلها .. ولذلك ظهرت داعش والإرهاب من باب الانفتاح الاقتصادى ومحو الطبقة الوسطى ومحو الفقراء وظهور الرأسمالية المتوحشة الفاسدة حتى النخاع التى تكره الوطن وتحولت كل القوانين لصالح الأغنياء وحماية رأس المال .. أنا من جيل الكاتب بهيج اسماعيل والكاتب أمير بكير والكاتب أبو العلا السلامونى والكاتب يسرى الجندى وعبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان ومحمد المديونى وحاتم السيد وعز الدين المدنى وسمير العيادى وقاسم محمد وعزيز خيون وسعدى يونس ووليم يلدا ومنصور المنصور وابراهيم جلال ومحسن العزاوى وصقر الرشود وعبد العزيز السريع ...وسعد الفرج والمنصف السويسى وسعد الله ونوس ومراد منير ,ومصطفى رمضانى ..
• قدمت مسرحياتك فى الوطن العربى .. وشهدت الإهمال فى وطنك مصر.. لماذا ؟
- سؤال جميل من مثقف كبير وضع يده على مشكلتى الكبرى .. المسرح المصرى منذ نشأته كان هدفه التسلية أو الإعلان والإعلام عن الحاكم ولنسأل أنفسنا بصراحة كم مسرحية تحريضية أو ثورية قدمت فى تاريخ المسرح المصرى .. ستجدها لا تتجاوز أصابع اليدين ولذلك معظم ما كتبه كتاب المسرح المصرى لم يقدم على خشبات المسرح فى الوطن العربى.. وأوكد لك السبب هو أن معظم المسرحيات كان فى خدمة السلطة الحاكمة أو فى طريق الربح على حساب القيمة الفكرية.. اعتقد أنى كنت أكتبنى .. أنا لم أفكر فى أن أتحول إلى ثائر ونخاس فكرى يبيع الشعب المصرى إلى الحكومة .. بل كان الفقراء والقضايا العامة والهامة تجرى فى دمى .. لذلك كانت مسرحياتى تقدم فى الوطن العربى من مخرجين مسرحيين مصريين كبار مثل أحمد عبد الحليم الذى أخرج لى أربع مسرحيات ومحمود الألفى الذى أخرج لى مسرحيتين كان كل هذا فى الكويت .. والدول العربية يهمها أن تتحدث فى قضايا فكرية كبرى فى الوقت الذى كان فيه المسرح فى مصر يتجه إلى المسرح الكوميدى والقطاع الخاص التجارى .. إن إهمالى كان مقصوداً.. اليسار فى مصر قد خاننى وتبنى سعد الله ونوس الكاتب الجميل فى سوريا واعتبرونى أنى فى وسط اليسار أو اليسار الوسطى كما كتب عنى ذلك المخرج الكبير سعد أردش.. وأنا لا ألوم اليسار فى أى شئ فهو دائماً يكتب عن الكتاب اليساريين بعد موتهم.. أعداداً خاصة وملاحق فى صحفهم وبرامج كما أنه لم يتبنى نجيب سرور وهو حى ومحمود دياب وهو حى يرزق ولم يتبنى ميخائيل رومان وهو حى.. وعبد الرحمن الشرقاوى وهو حى .. فقد تبنوهم بعد موتهم فى مقالات ودراسات. أنا لم يرضى عنى اليمين ولا اليسار ولا أشباه المخرجين وأتباع السلطة الأقزام .. وأذكر هنا الدكتور أسامة أبوطالب عندما تعين رئيساً لهيئة المسرح اتصل بى عن طريق الفنان سامى عبد الحليم ليقدم عملاً فى هيئة المسرح.. إننى لا ألوم مصر لأنها معبأة بالتناقضات متخمة بالمواهب وأشباه المواهب ..
• أين أنت كأحد الكتاب المفكرين من جوائز الدولة ؟
- تقدمت إلى جوائز الدولة فى عهد فاروق حسنى فلم يرضى عنى ولم يختارنى واختار مصطفى الضمرانى وفى عهد جابر عصفور اختار أحمد عمر هاشم.. فأنا المنسى والمنسى داخل هذا الوطن الجميل .. فقد قدمت الجوائز بشكل عشوائى قليلها صائب وكثيرها خائب .. ومبروك للجميع .. وأنا لم أحصل على جائز الدولة ليس عيباً ولا نقيصة ولكنها وصمة عار على اللجان الثقافية ووزارء الثقافة .. وإذا أعطونى الجائزة الآن فأنا لا احتاجها .. لقد قتلوا حلمى ومنعوا عنى الماء والهواء .. فطوبى للأدباء الغرباء فى المسرح.
• كيف تقرأ الحركة المسرحية الآن فى مصر؟
- اعتقد أن الحركة المسرحية انتهت والدليل أنك لا تستطيع أن تكتب كتاباً عن الحركة المسرحية فى 2006 و2007 و 2008 و2009 لقد انتهى ومات مسرح القطاع الخاص الكوميدى.. أما مسرح القطاع العام فقد اخترقه السوس والبيروقراطية والعقد النفسية والوساطة والمحسوبية .. فأصبح مهلهلاً .. عندما أخرج إلى أى مهرجان فى المسرح فى الوطن العربى وأرى المسرحيات التى تمثل مصر أشعر بالحزن والأسى وأسأل نفسى هل هذا وجه المسرح المصرى أم قفاه ؟ إننا نحتاج إلى بعث جديد.. فكرة قومية .. فكرة سياسية عملاقة.. مشروع وطنى ضخم.. إننا بلا هوية الآن .. نعيش يوماً بيوم.. لا استراتيجية ثقافية ولا يحزنون.
• هل ترى أن هناك أزمة فى النقد المسرحى ؟
- النقد المسرحى قتلته الصحف اليومية .. هل تعرف أن مسرحية محمود دياب (الزوبعة) كتب عنها الدكتور لويس عوض صفحتين فى جريدة الأهرام.. ! هل تستطيع أن تفعل هذا الآن أن تكتب عن مسرحية صفحة كاملة فى أى جريدة الآن.. هل تعلم أن بعد لويس عوض فى جريدة الأهرام نفسها كتب سليمان جميل نقداً بديعاً عن هذه المسرحية.. وظلت الأهرام تكتب وتبشر عن ميلاد كاتب كبير اسمه محمود دياب .. الآن لا تستطيع أن تفعل هذا مع كاتب مسرحى .. بل تفعله مع راقصة للرقص الشرقى.. هنا يغيب النقد لغياب المساحة .. غابت البرامج الثقافية التى تتناول المسرح فى الإذاعة والتليفزيون.. وغاب مسرح الثقافة الجماهيرية وهو الحصن الأخير للمسرح العربى وليس المصرى فقط.. فوجود 120 فرقة مسرحية على امتداد خارطة مصر كان لابد أن يتابعها بالنقد 120 ناقد فنى و420 برنامج إذاعى وتلفزيونى لكن هذه الفرق تقدم الأعمال فى السر ولا يتابعها أى ناقد إلا بالصدفة نحن نقتل أحلامنا بأيدينا .. نحن نحتاج إلى ثلاث مطبوعات أسبوعية عن المسرح فى مصر والوطن العربى.. والذى يكلف بهذا وزارة الثقافة المصرية لأن مصر هى قلب العروبة النابض رغم كل الظروف التى تمر بها .. وكما قال الناقد الكبير الدكتور مؤيد حمزة إن ما يقدم فى مصر من عروض مسرحية فى ليلة واحدة تعادل ما يقدم فى الوطن العربى فى عام.. فكيف بالله عليك نصرف على حفلات وهمية الملايين ولا نطبع ثلاث مطبوعات أسبوعية عن المسرح ونقدم المواهب .
• قدم للمسرحيين شهادة حول تراجع واختفاء مصطلح المسرح المصرى ؟
- أقول للمسرحيين لماذا تخلعون ملابسكم الإبداعية أمام المسرح الغربى .. لماذا لا تعرفون أوجاع وأشكال الفرجة فى بلادكم .. إن مصر محتشدة فى كل محافظة فيها من عادات وتقاليد تصنع عشرات المسرحيات المصرية المحلية العالمية .. فنحن نملك حضارة عريقة بسوئاتها وجمالياتها تستطيع أن تقدم دراما أروع مما كتب شكسبير العظيم وتقدم أشكالاً فنية أعظم مما قدم بريخت الرائع.. نحن نملك البدائية التى تملك الدهشة .. والدهشة تصنع الفن البكرى العذرى الجميل .. الغرب يسعى إلى إفريقيا لكى يقدم طقوساً مسرحية جديدة .. ونحن نملك من الطقوس الآلاف ولا أنكر بما قام به ويقوم به بعض الشباب أو بعض الفنانين من البحث عن الطقوس المسرحية المصرية مثل انتصار عبد الفتاح وياسين الضو والشاذلى فرح وابراهيم الحسينى. وجمال ياقوت وفى الامارات يوجد شباب يكتب تراثة مثل محسن سليمان وسالم الحتاوى . وغيرهم الكثير والكثير فى الوطن العربى واعتذر لهم إن نسيت .. إننا نحتاج إلى إعادة البحث عن الذات للمسرح المصرى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق