النص المتشظي قراءة نقدية في رواية" ليالي دبي شاي بالياسمين" للسيد حافظ
د.رشا غانم-ا مدرس النقد الأدبي-الجامعة الأمريكية-مصر
الرواية محطة إبداعية هامة تزخر بالشخصيات المتعددة تغمرها فضاءات زمانية ومكانية متغيرة.
تحمل رواية "ليالي دبي شاي بالياسمين" بين طياتها ملامح الرواية الفسيفساء التي تضم نصوصًا متشظية متنوعة من كلمات وأغاني ومقالات ،ومقتطفات،وحكايات قديمة، وسيرة ذاتية،وشعر...وهذه الملامح تسم النص ما بعد الحداثي الذي اخترق فيه الكاتب بحكم خبرته الحياتية المتشعبة المكان والزمان بإلصاق مجموعة نصوص منتمية لأجناس متنوعة إلى عالمه الروائي ولكن بكتابة واعية لذاتها تتآذر مع ما يخلقه الكاتب من سرد أكثر تحررًا وجرأة ،في أفكاره، ليعري الواقع الذي وهنته الأزمات الاقتصادية ،والظروف السياسية أضحى يتساءل الكاتب" هل سيأتي يوم نعيش في سلام والبشرية خالية من الحرب والضرب والقهر والدمار.. أم أنه خيال.. خيال؟!
وتمثل هذه الأحداث التي يعيشها الإنسان في واقعه المأزوم فورة من فورات سرده الروائي فنجده يسرد كثيرا من المقالات الصحفية كرأي الشاعر أمل دنقل عن أزمة الثقافة في مصر يقول:" الوضع الثقافى في مصر اليوم يمر في مرحلة من الترهل. إن الكتاب الذين بدأوا ثوريين منذ شبابهم تحولوا بفضل الظروف العديدة إلى مرتزقة وهذه محنة الثقافة الحقيقية في مصر"
ويرد آيات من الذكر الحكيم منها قوله تعالى*وكان الإنسان أكثر شيء جدلا* صدق الله الغظيم
وبعض الأغاني كأغنية نجاة الصغيرة "وبعتنا .. مع الطير المسافر جواب .. وعتاب وتراب من أرض أجدادي . وزهرة من الوادي"
يعرض الكاتب لبعض المقتطفات كـ: قال الإمام أحمد بن حنبل :" لولا العلم لكان الناس كالبهائم".
عالم الشعر الذي تصدر سرد الكاتب ليستدعي وجداننا الشعر وجمالياته ورؤيته للواقع كقول الشاعر علي الجندي:
يا كلّ صبايا الحي الوضّاء/ دلّوني أين الماء
السيرة الذاتية: يسرد الكاتب عنوانا " شخصيات فى سيرة مسيرة ابن حافظ
فيما حدث له وما جرى في بلاد المسخرة..لعدد من الشخصيات الثقافية البارزة في مصر والبلاد العربية وحديثه عنها بكل شفافية كـ:
"هذا رجل من الكويت العظيمة؟ عبد الرحمن المزروعي"
تعد د. هدى وصفي أكثر مديري " المسرح القومي" إثارة للجدل، حتى أطلقوا عليها لقب " المرأة الحديدية"
وحديثه عن معاناته كمبدع مهضوم الحقوق بقوله : نريد للمبدع المصري أن يعيش في مصر محفوظ الكرامة ، مرفوع الرأس.
ويقول : قد ذهبت مأساة السيد حافظ به إلى خارج حدود العقل حيث أنهى رسالته كاتبا: "ربما تجدني في إسرائيل ذات يوم. لا تلومني، لا تقل عني خائنا بل قل خانه المثقفون العرب أولهم المصريون والفلسطينيون والعراقيون والخليجيون وآخرهم السودانيون.
ومما يدل على عدم الاهتمام بالمبدعين في أشد حالاته عثرة كمرض زوجته: انقذوا زوجة السيد حافظ : مسرحي زيكم".
تتسم الرواية ما بعد الحداثة بالحكي الساخر فيعرض لنا الكاتب أيضا في بعض نصوصه المسرودة حكيا مسرودا يتسم بالسخرية كـ: "بلد يدعي أنه يقدر الأدب والفكر وهو لا يشترى كتابا ًإلا بالصدفة في تاريخ حياته..."
ويأتي البناء السردي للشخصيات في الرواية كـ:شهرزاد ولكن نلمس تطورًا طرأ على الشخصية بزواجها من حامد الصقر بعد سفره الطويل لمدة عشرين عاما في "فنزويلا" حامد الصقر وشهرزاد بين القمر والمروج.. كل الأزهار الجافة حول بيت شهرزاد دق قلبها وعادت تتغطى بالندى وترسل رائحتها..."
سهر:البنت الوادعة المرهفة تسمع حكاية شهرزاد عن شمس والحاكم بأمر الله بكل شغف تقول:احكي ياخالتي.. راحت شهرزاد تحدثها
" اكملي ياخالتي.. لش وقفتي اكملي قصة شمس والحاكم بأمر الله "
وما زالت تنتظر السفر للإمارات لتطير إلى عريسها وتحقق أحلامها.
كاظم :ما زال مغرم بحبه الوله لسهر يقول: كاظم:آه ياسهر
سأترك تحت أبطيك همزتي وأترك تحت أجنحة العصافير باقي أحرفي عطر"
فتحي خليل وهو راوي رئيس في الرواية : الذي كان مهموما بوطنه وظل يحلم كثيرا ومن مناماته" عبد الناصر كان بيكلمني في المنام ونعمات أحمد فؤاد مصر.. مصربكيت.. كانت مصر وعبد الناصرونعمات أحمد فؤاد ومحمد نجيب يطاردوني حتى في المنام..."
شخصية تهاني كما وصفها الكاتب "تهاني طيبة.. نقية بسيطة مثل الشمس.. ."
وقامت الرواية على حكاية رئيسية وهي حكاية شمس والحاكم بأمر الله التي تقوم بحكايتها شهرزاد وتتداخل معها حكايات أخرى ينسج فيها الكاتب خيوطا سردية متقنة أكثر حبكة وما زالت التيمة الدلالية (سكتت شهرزاد عن الكلام المباح) في هذه الرواية تتكرر كسابقتها في روايته كابتشينو وشخصية شمس ولدت عام985ميلادية.. وهو نفس العام الذى ولد فيه المنصور بن العزيز.. أبو علي والمشهور باسم ولقب "الحاكم بأمر الله" شمس.. قصيدة حروفها.. أنوثة طازجة بكرية.. لها طعم المنجة وأحياناً الفراولة وأحياناً النعنع.. في لحظة لها رائحة الياسمين"
•أما الحاكم بأمر الله فشخصية قالت عنها شهرزاد :الحاكم بأمر الله هذا التقي النقي الورع.. الباحث عن العدل في الأرض والحب والتقدم بالبشر.هو سيرة لا يعرفها إلا الأنقياء والأولياء والشرفاء والحكماء ويكرها الجهلاء والمتعصبون والحاقدون " كما "فوجىء الحاكم بأمر الله بجمال شمس ورائحة عطرها النادرة.. أي امراة تكون تلك الفتاة المعطرة". وامتاذ بالذكاء وسرعة البديهة كـ: كان الحاكم لايحب قائد الجيوش جوهر الصقلي وأفضى بهذا الإحساس إلى أخته ست الملك..."
أما ست الملك فكانت مغرمة بسيف المشعلجي .
"ذات مساء لمحت ست الملك سيف ذلك الشاب الوسيم الذي ينعكس على وجهه ضوء المصباح".
كما اعتمدت الرواية على تقنية المشهد كـ :مشهد /ليل /داخلى ،بيت المختار
جلس المختار في هم وكدر والإضاءة خافتة.. من أين أتى حامد بن صقر.؟.
راوح الكاتب في نصه الروائي بين اللغة الفصحى والعامية وخاصة عند استعماله الحوار أو ما يشبه المونولوج وقد غلبت عليه اللغة العامية كـ:
زبيدة:(تلتف البنات حول قسام) حوشي البنات من حوالين أبوكي يا شمس.
شمس:حاضر يامه
زبيدة :اقلعي الشبشب واضربيهم.
شمس:حاضر يامه.
كان المكان فضاءً خاصا للكاتب يسرد فيه عذاباته المتكررة مثل حديثه عن "دبي" يقول: دبي ياغربتي الثانية بعد مصر.هربت من غربتي في مصر وجدت غربتي هنا . أنا الروح المبعثرة في هذا الوطن من المحيط إلى الخليج.. كل هذه المباني الشاهقة.. كل هذه العمارات.. كل هذه البنايات..لامكان لي فيها وأنا ضمير الأمة المستتر.. وأنا الضمير الغائب"
وبين حكاية وأخرى هناك تنهيدة وهمسة كحديثه عن شخصية علي بن أبي طالب" (قام علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيت رسول الله بعدة محاولات مع الخوارج مرة بالكتابة لهم ومرة بوعظهم مشافهة ...)
ارتوى سرد الكاتب بكل أنواع المشروبات المزاجية كقوله" تجهز القهوة والشاى والنسكافيه والكابتشينو،،ولاتشرب إلا الشاي" ويقول في موضع آخر " متعطش بشدة للجمال ومتعة شاي بالياسمين ساخن" ليحيلنا إلى سرد أكثر متعة وإثارة يلعب فيه المزاج دورًا مميزا في الحكي يمسك بتلابيبه كاتبٌ محنك
وتختم الرواية بقول الكاتب " إلى اللقاء مع شاى أخضر" لنقف على سرد يخاطب حواسنا فيمتعها ويبهرها بسرد أكثر دهشة من سابقه وإلى أن يأتي الشاي الأخضر نتمنى للكاتب كل مزاج رائق غير متعكر بأدران الحياة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق