دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 308 )
البناء الفني في الرواية الممسرحة
نموذجًا
رواية كل من عليها خان للسيد حافظ
بقلم
أ. طايبي فضيلة و أ. خيتوس آسيا
دراسة من كتاب
البناء الفني في الرواية الممسرحة
نموذجًا
رواية كل من عليها خان للسيد حافظ
بقلم
أ. طايبي فضيلة و أ. خيتوس آسيا
مقدمة :
استطاعت الرواية في العصر الحديث أن تحتل مكانة مهمة في الساحة الأدبية، وذلك لكونها جنسا أدبيا يعيش حالة تطورية مستمرة دائمة مما جعل بنيتها الشكلية الفنية غير مستقرة، خاصة وقد أصبحت تحمل في طياتها أجناسا أدبية أخرى، ما جعلها تخرج عن شكلها المعهود وتتمرد عليه.
وقد انصب اهتمامنا في هذه الدراسة على الرواية التي تحوي بداخلها تقنيات وآليات مسرحية، حيث سلطنا الضوء على رواية "كل من عليها خان" وذلك لكونها الأقرب إلى هذا الجنس الأدبي، فارتأينا أن نبحث في العناصر البنائية المسرحية التي بنيت عليها هذه الرواية واستخراجها، مما جعلنا نوسم هذه المذكرة بعنوان "البناء الفني في الرواية الممسرحة رواية كل من عليها خان" أنموذجا".
ومن أهم الأسباب التي دفعتنا لانتقاء هذا الموضوع هو الرغبة في الخروج عن المواضيع المألوفة والمستهلكة، خاصة وأن موضوع الرواية الممسرحة قد شهد دراسات قليلة جدا، وأيضا رغبتنا في الخوض في غمار عالم المسرح الذي كثيرا ما يتهرب منه الطلبة بغية إضافة لمسة جديدة، لعلها تجنب المتلقي لهذا النوع من الدراسات.
وقد أثارت دراستنا هذه إشكالية مفادها : كيف استطاعت الرواية ببنائها الفني أن تتداخل مع البناء الفني المسرحي في نص واحد؟
وقد تفرعت عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات منها:
ما المقصود بمسرحة الرواية؟ وما هو البناء الفني الذي تتكون منه الرواية الممسرحة؟ وما هي العناصر المشتركة بين الرواية والمسرحية التي جعلت من مسرحة الرواية أمرا ممكنا؟ وما هي عناصر البناء الفني المسرحي في رواية كل من عليها خان؟
وارتكزت دراستنا هذه على المنهج الدراماتورجي" الذي يتناسب مع طبيعة الموضوع، حيث أن هذا المنهج يشتغل على العناصر والآليات التي تسمح للنص المكتوب أن يتجسد كعرض حي على خشبة المسرح، فتواجد هذه العناصر في رواية "كل من عليها خان" فرضت علينا أن نبحث فيها ونبينها لنصل إلى الصورة المسرحية التي يمكن أن تحقق العرض المسرحي.
دون أن ننسى المنهج الوصفي التحليلي" الذي يتناسب هو الأخر مع طبيعة هذا البحث، حيث تفرض هذه الدراسة الوقوف أمام أهم العناصر الفنية المسرحية الموجودة في الرواية وتشريحها ووصفها وتحليلها.
وللإجابة عن هذه التساؤلات رسمنا خطة تمثلت في:
مقدمة ومدخل وسمناه بعنوان "مفاهيم في الرواية والمسرحية" وقد جاء هذا المدخل كركيزة للبحث، لأنه بين البناء الفني لكل من الرواية والمسرحية ومنه رأينا درجة تداخل البناء الفتي الروائي والمسرحي، وبعدها جاء الفصل الأول تحت عنوان "آليات الكتابة المسرحية داخل العمل الروائي"، وقد جاء الحديث فيه عن تفاعل الأجناس الأدبية، مسرحة الرواية، والسيد حافظ بين المسرحية والرواية.
أما الفصل الثاني فقد خصصناه للجانب التطبيقي، وركزنا فيه على استخراج العناصر المسرحية التي جاءت في متن الرواية، وجاء عنوانه اشتغال الفن المسرحي في رواية كل من عليها خان"
ويضم قراءة في رواية كل من عليها خان وآليات الكتابة المسرحية في رواية "كل من عليها خان".
وفي الخاتمة قدمنا أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال طوال مشوار هذا البحث، وتلاها ملحق قمنا فيه نبذة عن حياة السيد حافظ وصوره والمسرحيات التي جاءت في الرواية، وجاء بعده فهرس المصطلحات باللغة العربية والفرنسية ثم قائمة المصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها وبعدها جاء فهرس المواضيع.
وقد استنجدنا في هذه الدراسة بمجموعة من المصادر والمراجع التي ساهمت في إثراء بحثا وإتمامه، وأهمها: رواية "كل من عليها خان" والمعجم المسرحي" لحنان قصاب وماري إلياس، وأسماء عبد الفتاح يحي الطاهر في "تقنيات مسرحة الرواية في المسرح المصري" و نجاة صادق الجشعمي في كتابيها "إشكالية الحداثة والرؤى النقدية في المسرح التجريبي" و "السيد حافظ في عيون نقاد المغرب"، كما استندنا أيضا إلى غنية بوحرة في "التداخل المسرحي مع الفنون الأخرى".
ولإعداد هذه المذكرة صادفتنا مجموعة من العراقيل منها نقص المصادر والمراجع التي لها صلة مباشرة بالموضوع، إما في مكتبتنا أو في المكتبات الوطنية لأن أصل الدراسات التي تصب في نفس مجال هذه الدراسة تعود إلى مصر، لكن هذا لم يمنعنا من الاجتهاد والمثابرة.
وفي ختام هذه المقدمة لا يسعنا سوى التقدم بالشكر الجزيل للأستاذ المشرف كمال علوات" الذي رافقنا طوال مشوار هذا البحث، وصبر علينا وقدم لنا النصائح والإرشادات حتى أتممنا هذه الدراسة.
مدخـــــل :
مفاهيم في الرواية والمسرحية
أولا : تعريف البناء الفتي
ثانيا : الرواية
أ- مفهوم الرواية
ب- البناء الفتي في الرواية
ثالثا : المسرحية
أ- مفهوم المسرحية
ب- البناء الفتي في المسرحية
أولا: تعريف البناء الفني:
يعتبر البناء الفتي من أهم العناصر التي يبني ويكون عليها النص الأدبي، باعتباره الهيئة والطريقة التي تتلاحم فيها أجزاء اللص وتتماسك بها عناصره، لتشكل بذلك وحدة كلية تجمع الهيكل بالدلالة؛ الهيكل متمثلا "في التركيب والترتيب والتأليف بين عناصر تكون النص الروائي وتدل عليها"([1])، أما الدلالة متجسدا في "المعنى المستخلص من اللفظة معزولة وكذلك من التراكيب و أسيقة النص"([2])، وهذا يعني أن البناء الفتي يفرض اتساق المبنى والمعنى وانسجامهما، على شكل نسق في مكتمل.
ثانيا: الرواية: أي مفهوم الرواية:
تعتبر الرواية من الأجناس الأدبية التي حققت مكانة معتبرة في الساحة الأدبية، وذلك لقدرتها على احتواء قضايا العصر ومسايرة كل تحولاته، والتعبير عن انشغالات الإنسان دون حصر، ولاحتضانها واقع الإنسان بمعاناته وتطلعاته دور مهم في استقطاب اهتمام الأشخاص باختلاف مشاربهم من قراء وباحثين ونقاد.
والرواية هي جنس أدبي حديث ومعاصر، عرفها كل من "وجدي وهبة" و"كامل مهندس" أنها: «سرد نثري خيالي طويل عادة، تجتمع فيه عدة عناصر في وقت واحد مع اختلافها في الأهمية النسبية باختلاف نوع الرواية»([3])، وقد أدى اختلاف هذه العناصر إلى صعوبة إفرازها وتحديد معالمها وحدودها بالنظر إلى معالم وحدود الأجناس الأخرى، كونها ولا شك تستقطب في طياتها أنواعا أدبية أخرى و تتعايش معها وتغترف منها، وقد أشار "ميخائيل باختين" إلى هذا الإشكال حين وصف الرواية بأنها جنسن هجين، «الرواية جنس هجين متنوع المشارب والجذور، فأمكنها أن تكون حركية قابلة للتطور، رافضة للقولب والثبات، مستعصية على التحديد والتعريف، وبسبب انحدار الرواية من أصول متنوعة، كان انفتاحها على بقية الأجناس لا حلية تزين بها بل مقوما أساسيا من مقوماتها»([4])، وانطلاقا من قضية الرواية وحدودها الأجناسية المنفتحة إلى أنها بالكاد تصبح الجنس الأدبي الذي نجد فيه حضور أكثر من نوع أدبي.
أما "عبد الملك مرتاض" فقد كان تعريف للرواية منطلقا من خلال تحديده لبعض العناصر التي تبنى عليها؛ فقد حدد " نقل الروائي لحديث محكي، تحت شكل أدبي يرتدي أردية لغوية تنهض على جملة من الأشكال والأصول كاللغة، والشخصيات، والزمان، والحدث، يربط بينها طائفة من التقنيات كالسرد، والوصف، والحبكة، والصراع"([5])؛ أي أن الرواية هي السبيل الذي يتخذه المبدع لينقل لنا ما يحيط بعالمه من أحداث ويطرح فيها قضايا واقعه المختلفة ويعالجها، فهو في ذلك ينطلق من واقع طبيعي إلى واقع تخييلي، معتمدا في ذلك على تقنيات تتحكم في عناصرها.
عناصر بناء الرواية، وطريقة حبكها وتنظيمها أو ما يسمى بالنسق الروائي هو ما جعل الرواية تتميز عن سائر الأجناس الأدبية الأخرى، مانحة إياها نوعا من الخصوصية الفنية، ذلك لأنها تمتلك «جغرافيا خاصة بها، تتخذ شكلها وأبعادها بحسب قدرة الروائي على الخلق الفني([6])»، نفهم من هذا القول أن هذه العناصر تختلف باختلاف إبداع الروائي والموضوع الذي يتناوله اللص ومناسبته، فليس من المعقول أن نجد مثلا بناء وتسلسل أحداث الرواية موحدا، بل يختلف على حسب نوع الرواية؛ إن كانت رواية تاريخية، أم رواية رومانسية، أم إقليمية أم رواية رعب... وما إلى ذلك.
نستنتج من خلال ما تكر سابقا أنه من الصعب القبض على عناصر قارة في الرواية باعتبار بناء الرواية غير مستقر، فهي متنوعة و متحولة لا تعرف الثبات، وهذا ما جعلها تمتاز بالدينامية والمرونة، مما جعلها قادرة على مواجهة تلك التحولات والتغيرات التي صادفتها طوال مسيرتها.
ولدت التحولات والتغيرات التي طرأت على الرواية إشكالا كبيرا بين الباحثين حول تحديد البناء الفتي للرواية، لأنه هو الآخر في تنوع وتطور بتنوع عناصرها وفروعها و تطورهما، لكن مع مرور الزمن، وتحديدا مع الرواية المعاصرة استطاعت أن تتطور وتتخد لنفسها شكلا جديدا يتلائم وقضايا العصر وإشكالاته.
ب - البناء الفني في الرواية:
من أهم العناصر التي يجب أن تتوفر في العمل الأدبي كي يصنف جنسا روائيا هي:
1 - الحدث: يعتبر من أهم الأسس التي يبنى عليها معمار الرواية، لأنه النواة التي تسير فيها و تدور عليها العناصر الأخرى؛ «إن الحدث يعتبر العمود الفقري في الرواية، إذ الحدث يرسم حالات الشخصيات ومشاعرها»([7])، فهو من يوجه تحركات الشخصيات الروائية النفسية والفيزيائية ويبين لنا حالتها.
وعلى الحدث أن يكون منظما ومتسلسلا ومتواليا بطريقة منطقية، لأن هدفه هو جعل اللص وحدة دلالية متكاملة البناء والأجزاء.
2- الشخصيات: تلعب الشخصيات دورا مهما في النص الروائي، فاكتماله بحضورها، لأن الروائي لا يستطيع أن يكتب رواية دون أن يجد الأحداث في الشخصيات، لأنها «ركيزة الروائي الأساسية في الكشف عن القوى التي تحرك الواقع من حولنا، وعن ديناميكية الحياة وتفاعلاتها، فالشخصية من المقومات الرئيسية للرواية»([8])، ثم إنها الوسيلة التي ينبثق منها الحدث وهي التي تحركه وتنقله للمتلقي، لأنها الرابط بين العالم الفتي والواقعي. ولا يمكننا أن نفصل قيمة الشخصيات عن قيمة الحدث، وهذا ما أشار إليه "عز الدين إسماعيل في كتابه "الأدب وفنونه"، حين قال أن «هناك من يعادل في الأهمية بين الشخصية والحادثة، فيعطي هذه من العناية ما يعطيه تلك»([9])، فكلا هذين المكونين يعتبران الغنصرين رئيسيين في الرواية، وكل منهما يخيم الآخر فلا يمكن أن نتصور شخصيات دون أحداث والعكس صحيح.
كما يمكن الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الشخصيات اتجاه المتلقي، فهي التي تجعله يستوعب البناء العام المتن الرواية، وأيضا تخلق فيه نوعا من الانجذاب إليها و التفاعل معها، فمن خلالها سيحقق المبدع خاصية التأثير في المتلقي، ويكون نتيجة ذلك التعاطف مع الشخصية الروائية.
وغالبا ما تكون الشخصية الروائية تخييلية من نسج خيال الروائي، أو يكون قد استوحاها من الواقع المعيش، فهي كذلك تتعدد و تتنوع خاصة بالنظر إلى مرجعياتها، أي «بتعدد الأهواء والمذاهب والأيديولوجيات والثقافات والحضارات والهواجس والطبائع البشرية التي ليس لتنوعها ولا لاختلافها من حدود»([10])، وكذا تماشيا مع مطلوب الرواية ودورها الذي تتقمصه فيها، ونجد من الشخصيات ما يسمى بالشخصيات الرئيسية والشخصيات الثانوية، «فالشخصيات الرئيسية تنمو مع الرواية والثانوية قد تختفي أو تظهر لغرض معين ثم تختفي وهكذا»([11])، وهذه الشخصية الرئيسية هي ما يطلق عليها اسم "البطل الروائي" أو الشخصية "النامية"، حيث أنها «تشكل بؤرة مركزية لا يمكن تجاوزها أو تجاوز مرکزیتها»([12])، تستمر من بداية العمل الروائي إلى نهايته، وتنمو مع الحدث وتتطور بتطوره، أما الشخصيات الثانوية والتي يطلق عليها أيضا اسم الشخصية "الجاهزة أو "المسطحة" فدورها يكون أقل أهمية من دور الشخصية المحورية وأقل تعقيدا منها.
3 – الزمان : يعتبر الزمن الحلقة التي تربط عناصر العمل الروائي فيما بينها، والخيط الذي تمشي عليه وتتشكل منه، فهو العنصر الهام الذي بني عليه الأنواع الأدبية خاصة المتردية، فينية الصين لن تكون منظمة في غياب الزمن، لأنه السلسلة التي تربط الأحداث وترتيبها، وهذا الزمن ليس شرطا أن تطابق أحداثه مع الواقع، فالأحداث التي يتطرق إليها المؤلف تتجاوز صيرورة الزمن المنطقي في الواقع، حتى وإن انطلق في سرير أحداثه من الواقع إلا أنه يزيد فيها وينقص فهو يضفي بصمته الفنية وهذا ما يسمى بالكتابة الإبداعية.
كما أننا نجد أن هناك زمنيين في الرواية، «زمن القصة ويمثل زمن الأحداث والوقائع، وزمن الخطاب، أي زمن السرد ويخص مؤلف الرواية، يجسد الزمن الحاضر، وزمن النص ويمثل زمن القراءة»([13])، ويكون في النوع الأول ضرورة التقيد بالتدرج المنطقي للأحداث، بينما النوع الثاني الذي يخص المؤلف، فيكون زمن الأحداث حسبه هو أي الروائي، فهو حر ولا يتقيد بالتسلسل المنطقي للأحداث، فنجده مثلا يستبق الأحداث فيبدأ بسرد حكايته من المستقبل ثم يعود إلى الماضي.
4 - المكان :
بيلعب المكان دورا فعالا في المتن الروائي، لأنه الحيز الذي تقع فيه مجريات النص من وقائع وأحداث، وهو« الفضاء الذي يحتوي كل العناصر الروائية، بما فيها من حوادث وشخصيات وما بينهما من علاقات، ويمنحها المناخ الذي تفعل فيه، وتعبر عن وجهة نظرها، ويكون هو نفسه المساعد في تطوير بناء الرواية »([14])، تواجده في الرواية ضروري لأنه المسرح الذي تجسد فيه الشخصيات دورها، وتنتقل وتتحرك فيه وتتعايش فيما بينها في فضاءه، فهو الذي يؤويها، لذا يمكن أن نعتبرة «الكيان الاجتماعي الذي يحتوي على خلاصة التفاعل بين الإنسان ومجتمعه»([15])، فالمكان هو مولد الشخص والحدث بأنواعه، بل فيه تولد جل الثني التي تتحكم في الرواية وتتأسس عليها.
وقد أشار "حميد الحمداني" في كتابه " بنية النص السردي " إلى التواجد المكان ومواصفاته في الرواية له أهمية كبيرة خاصة اتجاة المتلقي، لأن ذلك يؤثر في نفسيته ويجعله يحس بواقعية الأحداث مما يدفعه إلى فهم بعض أسرار ومجاري أحداث الرواية، فقال: «إن تشخيص المكان في الرواية، هو الذي يجعل من أحداثها بالنسبة للقارئ شيئا محتمل الوقوع، بمعنى يوهم بواقعیتها»([16])، فتأطير الأمكنة لابد منه لأن ذلك مهم خاصة بالنسبة للمتلقي، فذلك يساعده على تقريب صورة الحدث ورسمها في ذهنه
وتتعدد الأمكنة بتعد الأحداث والوقائع، فهي تتماشى مع طابع الموضوع، كما أنها تخضع في تشكلاتها أيضا إلى مقياس آخر مرتبط بالاتساع والضيق أو الانفتاح و الانغلاق»([17])، ولكل مكان خصوصيته وسره و بعده الذي يرمي إليه في الرواية.
5- السرد: إن السرد هو الطريقة التي تروى بها الحكاية، وهو «وسيلة أدبية أو أداة قصصية يتم عبرها نقل الأفعال والأحداث التي تضطلع بها شخصيات معينة في زمان ومكان محددين»([18])، ويكون الرد على لسان شخص يسمى "الراوي أو السارد"، الذي يروي أحداث متن العمل الروائي للمتلقي الذي يسمى "المروي له"، وبين الطرفين يولد الحوار الذي هو «وسيلة من وسائل التفاهم والتواصل المادي والمعنوي والروحي بين الناس»([19])، وعن طريقة نفهم خبايا الشخصيات ووجهاتها ورغباتها)
6 - اللغة: اللغة في الرواية أهمية كبيرة، فهي أدائها ووسيلتها البنائية التي تتشكل منها العناصر الأخرى، وهذه اللغة هي لغة فتية تؤدي وظيفة جمالية، وهي تعتبر «أساس الجمال في العمل الإبداعي ، وإنه لا قيمة لأي عمل أدبي بدون لغة»([20])، فمن خلالها يكشف الروائي عن أفكاره للمتلقي.
تكون هذه اللغة في مستويات مختلفة وذلك مقارنة مع اختلاف مستويات المتلقي، لذلك فإن «الكاتب الروائي عليه أن يستعمل جملة من المستويات اللغوية التي تناسب أوضاع الشخصيات الثقافية والاجتماعية والفكرية»([21])، أي يجب على المؤلف أن يراعي المتلقي باختلاف توجهاته ومستوياته، فيكتب بحرف يصل صداه إلى الجمهور عامة.
7- الحبكة: يمكن أن نعتبر الحبكة عبارة عن النزاعات والصراعات التي تعرقل المسار الطبيعي للأحداث في البنية الروائية، وقد جاء تعريفها في "معجم المصطلحات الأدبية" على أنها: «سلسلة من الأفعال التي تصمم بعناية وتتشابك صلاتها وتتقدم عبر صراع قوي بين الأضداد إلى ذروة وانفراج»([22])، ومهما بلغت الحبكة من تعقيد لابد من أن يصاحبها حل في النهاية.
ثالثا : المسرحية
أ - مفهوم المسرحية
المسرحية هي شكل أدبي قابل للعرض على خشبة المسرح، تعرضن لنا سلسلة من الأحداث على شكل حوار و يكون ذلك وفق بناء منظم خاص بها.
ورد تعريف المسرحية في مقرر «مدخل لدراسة الأدب، على أنها: «فن من فنون الأدب ذات فكرة أساسية يجسدها الكاتب ويبرزها وتجسد هذه الفكرة موضوع أو قصة بشخصيات ذات الأبعاد المحددة التي تنقل هذه الفكرة أو الموضوع»([23])، يبين لنا هذا التعريف دور الشخصيات في النص المسرحي، حيث أنها الوسيلة التي تجعل المتلقي يفهم فكرة النص.
نجد كذلك "إبراهيم فتحي" قد تطرق إلى تعريف المسرحية بكونها «إنشاء أدبي في شكل درامي مقصود به أن يعرض على خشبة المسرح بواسطة ممثلين يؤدون أدوار الشخصيات ويدور بينهم حوار، ويقومون بأفعال ابتكرها مؤلف»([24])، فالمسرحية تبقى غير مكتملة حتى تعرض على خشبة المسرح.
ب - البناء الفني في المسرحية:
الا مراء أن المسرحية كغيرها من الأجناس الأدبية تقوم على أسس تتحكم في بناء نظامها وتشكل جمالية فتيتها، كونها تأسست « بوصفها شكلا من أشكال من أشكال التعبير، على بنية درامية قوية تميزها عن باقي الأجناس الأخرى، ومن خلالها يستمد النص المسرحي شرعيته الفنية»([25])، وهذه الأسس هي:
1 -الحدث:
هو الحركات الداخلية التي تحرك الحكاية المسرحية، ونجد أنه متعدد فالمسرحية لا تبنى على حدث واحد فهي متقلبة الصراعات.
2 -الشخصيات:
تحظى الشخصية بأهمية كبيرة في النص المسرحي، لأنها المحرك الأساسي لكل العناصر البنائية التي تقوم عليها المسرحية، فنجد لها سلطة تتحكم فيها بمسار المسرحية، فر هي التي تخلق العقدة أو الحبكة أو الموضوع وهي المقوم الأساسي الذي تقوم عليه المسرحية»([26])، كما تتكون من الشخصية الرئيسة التي تحرك الأحداث، والشخصية الثانوية، ولكل شخصية من هذه الشخصيات بعدها ووظيفتها.
3- الزمن:
هو الوقت الذي تستغرقه أحداث المسرحية، سواء في النص المكتوب أو في المسرحية التي تعرض على الخشبة؛ فإن الزمن يقاس بالوقت الذي تستغرقه في العرض، لذا يمكن القول أن الزمن في المسرحية يتماشى وفق الضرورة المسرحية.
4 -المكان:
هو الحي و الفضاء الذي يحوي الوحدات التي تتشكل منها المسرحية. حيث يعتبر في النص المسرحي هو المكان الذي تجري فيه الأحداث، أما في العرض فهو خشبة أو منصة المسرح.
5- اللغة:
وهي أداة تعبر بها الشخصيات عن أفكارها بنوع من العاطفية والإيقاعية التي تهدف إلى إقناع المتلقي كقارئ أو كمشاهد، وقد تكون شعرية أو نثرية أو المزج بينهما.
ولا يمكن أن نعتبر أن اللغة تتمثل في الوحدات اللغوية فقط، وإنما تشمل حتى الصمت والحركات التي يقوم بها الممثلون على خشبة المسرح لأنها هي التي تسهم في توصيل المعنى للمتلقي، وترسم في ذهنه صورة
المسرحية.
يجب أن تكون هذه اللغة في النص المسرحي حاملة لما يتناسب مع الدلالة في العرض، لأن هذه التحولات من الكتابة إلى العرض «تستدعي التوفيق بين مقصدية الكلمة في النص المكتوب وما ستدل عليه فوق خشبة المسرح »([27])
قد تتنوع كذلك طبيعة اللغة بين الفصحى والعامية، وأحيانا نجد أن الكاتب يمزج بين كلتا اللغتين لينتج لنا الغة ثالثة.
6 - الحوار:
يعتبر الحوار الوسيلة التي تبوح من خلالها الشخصيات عن مكنوناتها وما يجول في ذهنها من صراعات، وهو الذي يميز المسرحية عن غيرها من فنون الأدب الأخرى بصورة جلية»([28])، فمثلما تقوم الرواية على السرير فإن المسرحية تقوم على الحوار فهو ركيزتها الأساسية
وعلى الحوار المسرحي أن يكون واضحا وممتعا بالنسبة للمتلقي قارئا كان أو متفرجا، ويجب أن يتوافق مع مضمون المسرحية فإن كانت من النوع التراجيدي فيجب على الكاتب أن يكثر من الألفاظ الحزينة، وإن كانت من النوع الكوميدي فلابد منه أن يكثر من العبارات المضحكة و الفكاهية.
7 -الصراع:
يعتبر سمة لا بد منها في النص المسرحي، فهو جوهر المسرحية، ونجد أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالشخصية، وهو الذي يدفعها إلى أن تخلق الحدث وتجعله يتأزم، ومنه تصل الحبكة إلى ذروتها، ما يدفع المتلقي إلى تتبع الأحداث بكل شغف.
وهو يتعدد بتعدد الشخصيات، حيث تحتمل المسرحية الواحدة وجود العديد من الصراعات ولكن يتحتم أن يكون من بينها صراع أساسي يبدأ من بداية المسرحية إلى نهايتها يختص بشخصية عنيدة، لا تقبل الهزيمة أو أنصاف الحلول»([29]).
وقد قسمه "لابوس ايجري" في كتابه "فن المسرحية" إلى أربعة أقسام رئيسية هي: «أولها الصراع الساكن، وثانيهما الصراع الواثب، وثالثهما الصراع الصاعد المتدرج في بطء و رابعهما الصراع المرهص أو الصراع الدال من طرف خفي ما انتظر حدوثه»([30]).
8 -الحبكة:
هي المرحلة التي تصل فيها الأحداث إلى الشائك والتعقيد، وقد اعتبرها "أرسطو" «الجوهر الأول في التراجيديا، بل لها في منزلة الروح بالنسبة للجسم الحي»([31])، فهي إذا جزء رئيسي في تحريك جسير الحكاية المسرحية
وقد حاول الدكتور "مجيد حميد الجبوري" أن يعطي مفهوم للحبكة في المسرحية، بأنها «بنية درامية داخلية، تعد جوهر المسرحية، وتتمثل بحركة فكرة؛ تلقي في وسط ساكن، جاعلة إياه وسطا متغيرا، تتحركعناصره؛ منتجة طاقة تتفاعل فيها ثلاث حركات رئيسية هي: حركة الفعل وحركة الشخصية وحركة الزمن.»([32])، انطلاقا من هذا المفهوم يتبين لنا أن الحبكة هي الطاقة المحركة لعناصر البناء المسرحي، وهي لا تقتصر فقط على ترتيب الأحداث بل ثراقب تسلسلها من البداية إلى الوسط حتى تصل إلى النهائية التي هي حل ذلك الصراع.
من خلال ما سبق ذكره يمكننا القول أن البناء الفتي لكل من الرواية والمسرحية بناء يكاد يكون مشتركة، وذلك لاشتمالهما على عناصر فنية نفسها، كالحدث والشخصية والحبكة وغيرها، كما نجد أن كلا الجنسين يشترط التناسق في بناءه، حيث أن كل عنصر من العناصر يحتاج إلى العنصر الآخر ليتكون، فلا يستقيم العمل الأدبي إلا باستقامة هذه العناصر، فالعلاقة بينهما تقوم على التكامل، فإن كانت الأحداث هي العمود في القصة فإنها تحتاج للشخصية التي تحدث ذلك الحدث وتكشفه، وهي بدورها تحتاج للمكان والزمان الذين تسير ضمنها وإلى اللغة التي يتحقق بفعلها التواصل.
([1]) نزيهة خليفي، البناء الفني ودلالته في الرواية العربية الحديثة، الدار التونسية للكتاب، سلسلة إضاءات، 2010، ص 8.
([3]) مجدي وهبي، كامل مهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، ط2، مكتبة لبنان، بیروت، 1994، ص 183.
([5]) عبد الملك مرتاض، في نظرية الرواية، بحث في تقنيات السرد، سلسلة عالم المعرفة، العدد240، الكويت، ديسمبر 1998، ص24. بتصرف
([6]) كنان علي حسين، الزماكنية بين النظرية والتطبيق دراسة في جدلية الحب والحرب عند"رشاد أبو شاور"و"ارنست همنغواي"، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، العدد3، المجلد 38، سلسلة الأداب والعلوم الإنسانية، 2016، ص 629.
([7]) صفورا خدار حمی، رواية في الظلام لنجيب الكيلاني في ضوء النقد، دراسات الأدب المعاصر، العدد التاسع عشر، السنة الخامسة، 1395، ص 34.
([8]) مهدي عبيدي، جماليات المكان في ثلاثية حنا مينه، ط1، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2011، ص 181.
([11]) مدخل لدراسة الأدب، مقرر المنتسبين، كلية اللغة العربية وآدابها، جامعة أم القرى، 1437/ 1438، ص24.
([12]) د. علي منصوري، البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة، أطروحة دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الحاج لخضر، باتنة، 2009/2008 ، ص177.
([16]) حميد الحمداني، بنية النصالسردي من منظور النقد الأدبي، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت - لبنان، 1991، ص65.
([18]) بوراس منصور، البناء الروائي في أعمال محمد العالي عرعار الروائية: الطموح - البحث عن الوجه الآخر - زمن القلب، مذكرة الماجستير، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة فرحات عباس، سطيف،2011/2010 ، ص 150.
([19]) سي أحمد محمود، اللغة وخصوصيتها في الرواية، قسم الآداب واللغات، العدد 19، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، 2018، ص108.
([22]) إبراهيم فتحي، معجم المصطلحات الأدبية، التعاضدية العمالية، صقاقي، الجمهورية التونسية، 1988، ص135.
([23]) بيير شارتيه، مدخل لدراسة الأدب، ترجمة عبد الكبير الشرقاوي، ط1، دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب، 2001، ص24.
([25]) سوالمي الحبيب، طبيعة الحركة النقدية ودورها في الممارسة المسرحية في الجزائر، رسالة ماجستير، كلية الآداب والفنون، جامعة وهران، 2012/2011 ، ص24.
([26]) لزعر محمد، فعل القراءة بين الرواية والمسرحية - مقاربة تأويلية - الشهداء يعودون هذا الأسبوع "أنموذجا"، رسالة دكتوراه، قسم الفنون جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس،2017/2016 ، ص 31.
([27]) لزعر محمد، فعل القراءة بين الرواية والمسرحية - مقاربة تأويلية - الشهداء يعودون هذا الأسبوع "أنموذجا"، رسالة دكتوراه، قسم الفنون جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس،2017/2016 ، ص 31.
0 التعليقات:
إرسال تعليق