( 363 )
دراسة عنلك النيل والقمر
بقلم: د. منيرة مصباح
السيد حافظ في عيون كتاب ونقاد و أدباء فلسطين
بقلم
نقاد وأدباء فلسطين
طبعة 2022
لك النيل
والقمر
بقلم: د. منيرة مصباح
حين
يكون الإنسان هو الرئة التي يتنفس بها الوطن، يصبح الكاتب هو هذه الرئة لهذا
الوطن، أو بعض من الهواء الذي يتنشقه لينعش تلك الأرض التي تسمى وطن . فيدخل دائما كالهواء في شعاب الزمن والتاريخ ليطرد ويعري كل الكتل
السوداء الممتدة في خلايا التاريخ. وذلك الفعل للكاتب لا يمنعه من الخوض في
العلاقات الإنسانية التي تكون جزءاً شاهداً على الزمن والتاريخ، أو تكون فاعلا فيه
أو نافذة أو شريانا لدخول الهواء والدمالى رئة ذاك الوطن الذي يضغط الدخان الأسود
الكثيف عليه. وقد عودنا المسرحي والروائي سيد حافظ في أعماله
الكثيرة على فضح تلك البؤر المظلمة والمتراكمة عبر الزمن والتاريخ، ليستحضر التراث
أحيانا والواقع، ويسقطهما على بعض ليكشف لنا قوة بشاعة التاريخ والواقع معا. فنشعر
دائما أن لا أمل لوجود الفضائل الكبرى التي نادى بها المفكرون في عالمنا الإنساني
منذ القدم (العدالة والحرية والمساواة) إلا بنسب قليلة في عالم اصبح متآكلا. وعندما نقرأ عناوين القصص التي كتبها سيد حافظ خلال أربعين عاما
وضمنها في مجموعة (لك النيل والقمر) نستطيع ان نفهم مدلولاته في هذا العنوان، فهو
يكتب عن مصر.. عن بهية.. مصر هي أرق دائم للكاتب بكل ما فيها، وبكل تاريخها القديم
والحديث، لذلك نراه دائما ما يسترجع الماضي ويقارنه أو يسقطه أو يدمجه بالحاضر. لقد استنطق الكاتب في قصصه ذاكرة شخصياته ليضفي على واقعهم مأساة
زمنية متكررة ومتعاقبة يعيشونها، تمثل واقع المجتمع الذي ينتمون إليه، وهو بذلك
يوظف أدوات الواقعية النقدية الحديثة للعمل القصصي، فيقدم لوحة شاملة لعلاقات
البشر الاجتماعية، من خلال الفوارق الطبقية في المدينة التي تتنازعها رواسب التخلف
والحضارة الموروثة، مع واقع الحرب السائدة في الدول المحيطة بكل تفاصيلها. حيث
تبقى المأساة الحقيقية هي المأساة الاجتماعية بين الناس، والتي يصر السيد حافظ على
نكئها بزخم فكري أراد منه التغلغل الى قلوب وعقول كل من يقرأ كتبه، لأجل إيجاد
البدائل في عالم ملئ بالزيف والخداع، وفي زمن يموت فيه الفعل والحركة. فالنقد كما تقول يمنى العيد، يدفع باتجاه رؤية القضية الأدبية
كقضية عامة تعطي تراكما ثقافيا، يؤدي الى خلق وعي.. حتى يصبح الالتصاق قائما بين
الكاتب والمتلقي. ففي قصص سيد حافظ، دائما ما نلاحظ استدعاءه
للتراث السياسي والاجتماعي والثقافي، خاصة في القصص الخمس التي سأتناولها بالبحث،
والهدف من ذلك إسقاط الماضي على الحاضر، ليقدم لنا أمثولة مع تداخل الأزمان
والتواريخ. في القصة الأولى يعيدنا الى عام 1791، ذلك
التاريخ الذي دخل فيه نابليون الى مصر حيث يقول : (في
الأمس البعيد، "عمل المولد في الأزبكية، ودعا الشيخ خليل البكري عسكر الكبير
(أي نابوليون) مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده، وضربوا ببركة الأزبكية مدافع،
وعملوا حراقة وصواريخ... ورد خبر أن الفرنسيين أحضروا عثمان خوجة، ونقلوه من الإسكندرية
الى رشيد، فدخلوا به البلد وهو مكشوف الرأس... فقطعوا رأسه وعلقوه من شباك داره
ليراه من يمر بالسوق من العامة. إن السيد حافظ في استعادته للتاريخ يطرح العديد من
الأسئلة عن الواقع الشبيه بالماضي القريب ليذكرنا بما سمي بثورات الربيع العربي
ونتائجها من السياسات المضرة بمصالح الشعوب والمجتمعات. ففي قصة "تنهيدة:
غدا- اليوم- أمس" هناك صوت داخلي حاضر، وصوت في الخلفية آت من الماضي،
فالكاتب هنا يدخل الأزمنة ببعضها ليرينا كيف ان التاريخ يعيد نفسه. كما نرى مأساة الإنسان
من خلال مأساته هو، ومعاناته بسبب الهجرة من بلاده بحثا عن الرزق والحياة الكريمة
ليذكر العديد من معاناة الكتاب والشعراء والفنانين من عبدالله النديم الى بيرم التونسي
الى سيد درويش الى توفيق الحكيم الى غيرهم... سردية عندما غاب القمر في هذه القصة
يسترجع الكاتب النص الديني، حيث يطرح قضية اجتماعية من خلال علاقة النبي يوسف مع إخوته،
يقول : أحلم في الثانية عشر باثني عشر كوكبا والقمر
والشمس لي ساجدين. من خلال هذا النص القرآني الذي يسقطه على
الواقع التاريخي والمعاصر القريب والبعيد للعالم العربي في كل تحولاته الاجتماعية.
كما يعيدنا الى تفجيرات سبتمبر 11 – 2001، وكيف أن العالم كله وقف واتفق على حرب
العراق مع التحالف العربي الأمريكي عام 2003. كما انه حين يستدعي طارق بن زياد من
التاريخ الإسلامي في القصة الأولى، ليجد أن لا أحد يعرفه، فهو يرمز بذلك الى أن
المسلمين يجهلون تاريخهم. فهو يقول في حيرة بعد أن يشير الى الثورات
العربية الحديثة: الغد... المجهول.. ربما هو اليوم.. أو أمس...
أيضا في عودة سيد حافظ الى زمن نابليون في هذه القصة، يدلنا على ترابط القصص بما
يطرحه من أفكار، رغم اختلاف الطرح في الزمان والمكان فهو يقول على لسان نابليون:
"أن هذا الشعب لا احد يفهمه "هاجر
على أشجار القلق" وفي عودته للتراث في القصة الخامسة "مهاجر على أشجار
القلق"، يذكرنا الكاتب بكتاب ابن المقفع "كليلة ودمنة"، وهو يقص
على لسان العمة قصة الثعلب والدجاجات الثلاث الصفراء والبيضاء والخضراء. فالثعلب
معروف عنه المكر والاحتيال للحصول على ما يريد، فهو في القصة يحاول التفريق بين
الدجاجات الثلاث، فيفهم كل واحدة على حدة انه ليس بحاجة الا لها، وبذلك يستفرد بهم
واحدة بعد الأخرى ليأكلهم الثلاثة.
في
هذه القصة كما في القصص السابقة، لكنه هنا نراه يعود الى القرية ليبتعد عن المدينة
بكل ما تحمله من استغلال، كنوع من الهروب الى الفطرة، الى البساطة، الى الطيبة الى
النقاء. كل ذلك هو انتقال فكري، روحي وليس مادي أو واقعي، لكن في عودته للتراث، لا
ينسى أن يسرد بعض قصص الواقع، حيث يسرد قصة ظلم كاتب يعمل في مؤسسة ثقافية إعلامية
رسمية. هذا الكاتب يستدعى من قبل مدير المؤسسة
ليسأله عن بعض ما كتبه من حقيقة بعض أحداث التي لا يريد نشرها هذا المدير، ونتيجة
لصدقه في الكتابة، يخصم شهرين من مرتبه. يقول: "من يبكيني غير الصدق"
انه صدق الكتابة الذي يؤدي به الى الخسارة المادية دائما، فهل عليه أن يكذب ويلفق
في الكتابة كي يأخذ حقه في العمل وفي الحياة؟ عندما دقت الساعة العاشرة في هذه
القصة نستشف كيف أن الحاكم يملي كيفية كتابة الأحداث التاريخية كما يريدها هو وليس
كما حصلت في الحقيقة، وذلك من خلال شخصية المدرس محسن فريد، عندما يحاول تصحيح
التاريخ المكتوب ليعلم الاجيال القادمة التاريخ الحقيقي وليس ذلك المدون زورا كما أراده
الملوك والسلاطين، حتى لو كان ضد الحاكم، حيث ينتهي المطاف به الى الانتحار برمي
نفسه في النيل، على أن يعلم تلاميذه التاريخ المزور الذي يعرف حقيقته ولا يستطيع
قولها. لكن رغم الأفق الأسود للقصة، لا ينسى الكاتب
أن يفاجئنا بنور قادم من خلال طالب يرفض المنهج التعليمي للتاريخ ليقول لمعلمه:
"إن التاريخ الموجود تكتبه الوزارة خطأ".
أن تجربة سيد حافظ تتميز بهيمنة موقع الراوي البطل الذي يحكم
منطق بنية النص. حيث يكون الراوي منحازا الى بطله، وتكون البنية كمعظم القص العربي
الحديث معتمدة على هذا النمط في الكتابة. لكن الكاتب في سرده هذا، يسرد تاريخ معاناته في علاقاته مع الكثير
من الكتاب والصحفيين والمبدعين العرب اللذين يتجاهلون أعماله وينتقدونه، حيث يقول:
"الوطن ما زال نائما" يعني انه نائم عن قراءة أعماله والاهتمام بها. لقطات من حطام الزمن الراكد في هذه القصة اربع لقطات، يربط بينهما
امرأتان هما الزوجة والصديقة. في اللقطة الأولى والثانية نلاحظ كثير من
الرومنسية، والرومنسية بحد ذاتها مرتبطة بالخيال والحزن والطبيعة، ودائما ما يكون الإنسان
الرومنسي حالم، حتى جيفارا الثوري الحالم والذي يذكره من لقطات حطام الزمن، كانت
رومنسيته مؤلمة مع سقوط المطر وسقوط البشر في الخيانة. يقول في احدى اللقطات:
"في يدي قيثارة أعزف بها وأغني وتغني
الطبيعة معي".
أما في اللقطة الثالثة والرابعة، نرى الكاتب يعود للواقع حيث نبدأ بقراءة حواراً
ثقافياً وسياسيا يدور بينه وبين الحبيبة والصديقة، وحول كل ما يرتبط بآلام الناس
وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية. إما في علاقته بالزوجة نرى حوارا آخر يتهرب منه
حيث يتركها تناديه وهو يعدو خارجا يريد الهروب بقطارات الزمن. وسط كل هذا، ووسط المصائر والمواقف والواقع والاحتمالات، يطرح سيد
حافظ أفكاره ورحلة بحثه الدائمة عن شيء لن يتحقق في عالم لا يؤمن بالفضائل الكبرى
التي نادى بها مفكري العالم وهي (العدالة- المساواة- الحرية)،ان الذي نعيشه من
خلال كتابة سيد حافظ، عالم مجهول في صحراء كبرى مقفرة من تلك الفضائل. ان كتاب لك النيل والقمر يولد لدينا العديد من الأسئلة عن ماهية
الحياة والكون، عن الجوع والفقر، عن الدولة والسياسة، عن الحرية والعدالة
والمساواة، عن التاريخ الحقيقي والمزور. مما يعطينا تفاصيل غنية للواقع الاجتماعي
بوعي مدرك لتوجهاته المبدئية. ولا يسعني إلا أن أقول في النهاية ان تجربة
سيد حافظ القصصية خلال أربعين سنة من عمره وعمر بلاده وتاريخها، إنما هي محاولة
للربط بين التاريخ القديم والحديث، والزمن القديم والحديث بما فيهم من أحداث وبما
يطرحه هو من أفكار ومبادئ يؤمن بها، لكنه متأكد أيضا من أن أفكاره هذه لن تغير من
واقع الحياة شيئا. لقد عاش سيد حافظ في (لك النيل والقمر) فترة حزن الزمن وانعكاساته
اعلى الأشياء، وعلى النفس البشرية، وعلى المجتمع ومجريات حياته. فالأماكن يختلف
وقعها من زمن لآخر، والشوارع التي كانت جميلة في زمن الأحلام لم تعد كذلك في زمن
الواقع. كذلك الأشجار، والحدائق والطرقات والحقول.. والعلاقات الإنسانية والسفر
والحب والخيال كلها تتغير وتتخذ منها النفس ذلك الإحساس بحزن عميق لذاك الزمن الذي
فقده الكاتب، لتبقى مبادئه وأفكاره هو ما يبحث عنه داخل النفس البشرية.
*****
مدونة أعمال الكاتب السيد حافظ
مدونة شخصية , فنية وأدبية. تعرض أعمال الكاتب/ السيد حافظ المسرحية والروائية. وأهم الدراسات والمقالات والرسائل والأبحاث والكتب التي تناولت أعماله...
السيد حافظ كاتب مسرحي وروائي, ومخرج مسرحي, وهو رائد المسرح التجريبي في المسرح المصري والعربي منذ أوائل السبعينيات, كما أنه عمل بالصحافة المصرية والعربية لسنوات طويلة.
برز الكاتب السيد حافظ منذ أوائل السبعينيات ككاتب ومخرج مسرحي تميز بأسلوبه التجريبي المتمرد على القوالب التقليدية في الكتابة المسرحية منذ صدور مسرحيته التجريبية الأولى "كبرياء التفاهة في بلاد اللا معنى" التي أثارت جدلا كبيرا حينها, وهي أول مسرحية صدرت من المسرح التجريبي عام 1970م عن دار "كتابات مناصرة" لصاحبها الناقد التشكيلي/ صبحي الشاروني. كما كان الكاتب السيد حافظ أول من أدخل المسرح التجريبي في العراق بمسرحية "الطبول الخرساء في الأودية الزرقاء" حينما أخرجها المخرج/ وليم يلدا في معهد الفنون المسرحية عام ١٩٧٧م, وبعده بعامين كانت المسرحية الثانية من تأليف/ السيد حافظ "حكاية الفلاح عبد المطيع" حيث عرضت على يد دكتور/ سعدى يونس عام 1979م, وقدمت في المقاهي والساحات في العراق.
وقد توالت أعماله المسرحية التي بلغت حتى الآن أكثر من 200 مسرحية تراوحت بين المسرح التجريبي والمسرح الكلاسيكي والتاريخي والتراثي ومسرح الطفل, والمسرح الكوميدي, والمسرح النسوي أيضا.
Alsayed Hafez's
business blog
Blog of the works of the writer, Mr. Hafez
A personal, artistic and literary blog. It displays the theatrical and fictional works of the writer, Mr. Hafez. The most important studies, articles, letters, research and books that dealt with his work...
Mr. Hafez is a playwright, novelist, and theater director. He has been a pioneer of experimental theater in Egyptian and Arab theater since the early seventies. He has also worked in the Egyptian and Arab press for many years.
The writer, Mr. Hafez, has emerged since the early seventies as a writer and theater director, distinguished by his experimental style that rebels against traditional templates in theatrical writing since the publication of his first experimental play, “The Pride of Banality in the Land of Meaninglessness,” which sparked great controversy at the time. He was also the first to introduce experimental theater in Iraq with a play “The Mute Drums in the Blue Valleys” was directed by director William Yalda at the Institute of Dramatic Arts in 1977 AD, and two years later the second play was written by Mr. Hafez “The Story of the Peasant Abdul Muti’”, which was presented by Dr. Saadi Younis in 1979 AD, and presented in cafes. And squares in Iraq.
His theatrical works have so far amounted to more than 150 plays, ranging from experimental theatre, classical, historical and heritage theatre, children’s theatre, comedy theatre, and feminist theatre as well.
- السيد حافظ من مواليد محافظة الإسكندرية جمهورية مصر العربية 1948
- خريج جامعة الإسكندرية قسم فلسفة واجتماع عام 1976/ كلية التربية.
- أخصائي مسرح بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية من 1974/1976.
- حاصل على الجائزة الأولى في التأليف المسرحي بمصر عام 1970.
- مدير تحرير مجلة (الشاشة) (دبي مؤسسة الصدي 2006– 2007).
- مدير تحرير مجلة (المغامر) (دبي مؤسسة الصدي 2006 – 2007).
- مستشار إعلامي دبي مؤسسة الصدى (2006 – 2007).
- مدير مكتب مجلة أفكار بالقاهرة (الكويت).
- مدير مركز الوطن العربي للنشر والإعلام (رؤيا) لمدة خمسة سنوات.
- حصل على جائزة أحسن مؤلف لعمل مسرحي موجه للأطفال في الكويت عن مسرحية سندريلا عام1980.
- حصل على جائزة التميز من اتحاد كتاب مصر 2015
- تم تكريمه بالمهرجان القومي للمسرح المصري عام 2019.
كتب عنه أكثر من 52 رسالة جامعية بين مشروع تخرج أو ماجستير أو دكتوراة
0 التعليقات:
إرسال تعليق