قراءة في رواية "قهوة سادة" بقلم عواطف الزين
للسيد حافظ
مشاهد
مسرحية يمتزج فيها التاريخ ،بالواقع، بسير العشاق..
عواطف الزين - الكويت
رواية "قهوة سادة للسيد حافظ هي نمط مستحدث لفن الرواية العربية
"الذي بدأ يخلق انماطه المختلفة البعيدة عن التقليد للغرب وعن
"التقليدية" السائدة لهذا الفن السردي في عالمنا العربي منذ حوالي نصف قرن من الزمن ..
في قهوة سادة نقرأ حكاية سهر
والعشق والقمر "عنوان رومانسي لمشاهد واقعية مكتوبة بعناية ودقة يمتزج فيها
النضوج الانثوي لسهر بوقائع مؤلمة "مثل تنحي الزعيم الخالد عبد الناصر حيث
نتعرف على واقع سمر واسرتها ومن ثم على كاظم معلم اللغة العربية في مدرستها
"لنكتشف انه يعشقها بصمت ..كما كثير من الاحداث التي تتداعى بصورة فيها من
التلقائية والصدق تشعرك بأن الراوي هنا هو "حكواتي زمانه " ينتقل بك
كقارىء من مشهد الى آخر بيسر وسهولة ..لكنها ليست السهولة المقدور عليها بقدر ما
هي تطويع للغة وللمضمون وللمشهد بكل
تفاصيله ..
الانطباع الاول الذي كونته من خلال
قراءاتي لهذه الرواية هو انها عبارة عن مشاهد مسرحية تاريخية ملحمية ممزوجة بسير
عشاق ليسوا من الخيال وانما من الواقع ..وتلك الواقعية اكسبت الرواية مسؤولية
تقديم العرض الروائي "اذا صح التعبير "على شكل مشاهد مغرقة في الشفافية والصدق
..ليس بالضرورة ان تبنى الاحداث على خيال الكاتب وإنما ان يوظف الخيال لخدمة
الواقع من دون ان يؤثر ذلك في بنية الرواية ..ينتقل بك الكاتب من حالة عشق وحبيبة
الى حالة عشق وطن رغما عن مآسيه و"كراكيب " وحرتقات خياله ..هناك قدرة فائقة على التأثير والغوص في غمار ذلك
الواقع التاريخي لسيرة الاوطان والاشخاص ..وهما الركيزتان الاساسيتان للرواية من
الفها الى يائها ..لست هنا في صدد عرض تفاصيل الرواية كمضمون وكبنية فنية وكلغة
آسرة حتى في ادق تعابيرها ودلالاتها ومفرداتها ..فالمشهد الروائي يحيط بكل ما تقع
عليه الاحداث على خشبة الزمان والمكان ..ومن خلال عناوين تلك المشاهد يمكننا تلمس
جو الرواية العام "البداية مع "حكاية سهر والعشق والقمر ..شعب كالعبيد
" العروبة وهم ام حقيقة ؟ هل يعود بك الفجر؟ الوطن ليس وردة "انت رعشة
في الدم "حكاية اخناتون لمن اكتب "المساء والقمر في طيبة "وتحكي
شهرزاد " الشام ""اخجل ان اقول انا مصري " اخناتون
"قبل الضربة القاضية ..وعناوين اخرى كثيرة موزعة على 393 صفحة "من
المتعة الروائية "يجسدها السيد حافظ عبر قهوته السادة "اي المرة التي
تشبه الزمن المر ..اي زمن الرواية وزمن الواقع ..في ص 44 "نقرأ
حب الوطن اكبر خطيئة لانه كائن
هلامي يسكننا ونسكنه رغما عنا ..لو علمنا ان الله يرث الارض وما عليها لعشقنا الله
فقط "
في ذات الصفحة "هزمت سوريا
معنا واحتل الاسرائيليون الجولان والضفة الغربية من الاردن "قال الاستاذ هيكل
ان الملك حسين خان عبد الناصر والاسد وابلغ اسرائيل بوعد الحرب وساعة الصفر
..وكتبت جولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل في مذكراتها نفس الكلام ..الجيش السوري
خلع سراويله وترك الجولان ..والجيش المصري خلع سراويله وترك سيناء وغزة والعريش
والجيش الاردني خلع سراويله وترك الضفة ..هل؟
والجيش الاسرائيلي السري خلع
سراويله امام هتلر وحرق هتلر اليهود في المحرقة ..والجيش الالماني خلع سراويله
امام الجيش الامريكي والانجليزي في الحرب العالمية الثانية والجيش الاميركي خلع
سراويله امام الجيش الفيتنامي تحت يادة هوشي منه
في حرب فيتنام .
والجيش الفيتنامي خلع سراويله بعد الحرب وقرر التمتع
بالقمار والملابس والاستيراد والتصدير وممارسة البغاء ..يا صديقي انها حرب
السراويل ..العالم والبشر حقراء يشربون دم بعضهم صبحا ومساء ...اسرائيل حقيقة
وليست كما قالو ا هزمت ثلاثة جيوش عربية في 6 ساعات مصر وسوريا والاردن "
وفي مكان آخر من الصفحة او المشهد نقرأ "منذ نشأة
القاهرة في العهد الفاطمي وهي متسخة كما قال الجبرتي وحتى الآن ..احنا شعب غلبان
"كيف نحارب ونحن لا نستطيع تنظيف شوارعتا من الزبالة ولا حتى صناعة كبريت
صالح للتصدير ؟
هذا جزء من مشهد عربي واقعي يتسم بالسخرية والتهكم وهو
يعكس حالة العرب المتردية ويعكس هزائم جيوشها في الحروب ويعري مجتمعاتها ..ويذكر
في ص 45 ان المرة الوحيدة التي نجح فيها جيش مصر بكرباج محمد علي الذي دربهم على
القتال ..وضعوا في اذن الفلاح المصري اليمنى بصلة واليسرى قطعة قطن حتى يعرف اليمين من اليسار .
ولشهرزاد
ايضا حكاياها في هذا الرواية التي تشربنا القهوة السادة بينما تمتعنا بكل تفاصيلها
العميقة والشفافة في آن واحد .من وجهة نظر الكاتب السيد حافظ .الذي يقدم تصورا لروايته من خلال رده على بعض ما تجمع لدي من اسئلة حول الرواية وجول عنوانها الملفت ..ماذا يقد الراوي هنا هل للإسم من دلالة معينة تخدم الهدف الرئيسي منها ؟وكيف يترجم هذا الاسم ترجمة واقعية من خلال رسم ملامح عامة لزمان الرواية وامكنتها المختلفة او لنقل عصورها المختلفة ..إذ ليس بالضرورة أن تكون حاضرا يستشف المستقبل او محملا بذكريات الامس البعيد وعبق زهوره الوارفة حبا وعشقا ودفئا فقط هي مزيج من هذا وذاك ..
يقول السيد حافظ : شهرزاد إحدى بطلات الرواية هي إمراة سورية من الجبل تحب القهوة فأحببناها معها اندماجا وتقديرا وتوحدا ..
والقهوة عند الصوفيين هي تنبيه للعقل والروح للذكر فإنك تذكر الله وانت بكامل الوعى والتفكير. .والقهوة والشاى عندى مدد الروح للكتابة وعند الجنس فى العشق القهوة وهكذا.
*ما وظيفة قصص الحب مع ذلك الخيط الشفاف من الجنس في بعض المشاهد؟ والي اي مدى تتأثر رواياتك بالمشهد المسرحي الذي تجيد صياغته ككاتب. مسرحي متميز وله مؤلفات مسرحية عديدة .؟
-أعتقد انى متأثر بالشعر والمسرح والسيناريوهات التي قدمتها للشاشة متأثر أنها تجربة القلم وخبرة العشق فلا مناص أن تجدين العشق والمسرح والسيناريو.. إن أخذ الرواية إلى فضائي الحياتى والكتابي
رواية قهوة سادة أيضا تعكس مرارات واقعنا المتأزم من خلال اسقاطات الماضي على الحاضر وتدور في فلك الأحدث كأنها تحمل قنديلا للدلالة على مكامن الخلل الإنساني لأي مجتمع من المجتمعات فعلاقات الحب او العشق لا تحمل دائما دلالة سلام للنفس او المشاعر قد تكون نابعة من حالات هروب من ذلك الواقع ..وقد تحمل ايضا الامل في الخلاص من الظلم او الكراهية او الحقد او التعصب ومعايشة الحقيقة وتقبلها ..
يسعى الكاتب من خلال روايته الى وضع النقاط على الحروف بوضوح حتى لا يختلط الحابل بالنابل ويفسر التاريخ على غير محمله ..من ناحية ثانية ليس بالضرورة أن يكون الكاتب هو الذي يحسب ويقيم ويعيد صياغة الوقائع إذا يكفي أن يدلنا عليها ..والا يفقد الكاتب معنى كتابته وهدفها ..في رأيي لا توجد كتابة خارج تأثيرات الواقع سلبا او أيجابا ولا يمكن فصل التاريخ عن الحاضر عن المستقبل ..هذا تماما ما يظهر في هذه الرواية العميقة التأثر بالتاريخ الإنساني اولا قبل تأثرها بواقائعها على الأرض ..
قهوة السيد حافظ السادة او المرة هي قهوة ممتعة بعد أن طوع مرارتها بفنية ومهارة .
عواطف عبد اللطيف الزين- 0096590935012- الكويت ص.ب 871 حولي الرمز البريدي 32009
0 التعليقات:
إرسال تعليق