رحلات (ابن بسبوسة) فى السنبلاوين
عبد الغنى داود
حين نلتفى بمسرح جيد خارج القاهرة تكون فرحتنا مضاعفة.. لأنه فى الأغلب مسرح هواة.. ذو ميزانية إنتاجية متواضعة، ويفتقر إلى تقنيات المسرح الحديث.. وأيضاً لأن المسرح فى القاهرة ما يزال لا يجلب سوى الغم والهموم فى أغلب الأحيان. وفى السنبلاوين – التى لا تبعد كثيراً عن مدينة المنصورة – قدمت فرقتها الناشئة على يدى مخرج طموح تتاح له فرصة الإخراج لأول مرة هو رجائى فتحى عرضاً مميزاً هو "رحلات ابن بسبوسة فى البلاد الموكوسة" تأليف الكاتب المسرحى الجاد.. المشغول دائماً بهموم المسرح والثقافة السيد حافظ، وإن اختار عنواناً آخر للعرض هو "ابن بسبوسة!! يادى الحوسة.." وهو اختيار يراعى السياق المحلى.. لن نختلف كثيراً حوله. لكننا سنتوقف عند اختياره لهذا النص الهزلى الذى ينتمى إلى الكوميديا السوداء وملامح كوميديا العبث.. والذى يستعرض عذابات إنسان مصرى يعمل مدرساً – عبد الله ابن بسبوسة – (السيد فتحى).. تصحبه زوجته سميرة (رشا).. يبحث فى البلاج العربية الشقيقة عن فرصة عمل أفضل نتح له أن يقيم بيتاً فى بلده يأوى إليه.. وتبدأ رحلة العذاب من السفارة العربية فى القاهرة.. إلى المطارين المصرى والعربى، واستعراض ظروف معاناة الباحث عن عمل أو الذى يعمل فى ذلك البلد العربى الشرقى، وخلافات ساسة هذه الدول التى يدفع ثمنها الإنسان المصرى الذى لا يجد من يحميه إلى أن يعود.. ثم يعاود (عبد الله) الكرة مرة أخرى للذهاب إلى البلد العربى الأخر (الغربى) الذى ينادى بوحدة أبناء الوطن العربى، ويلاقى المواطن الأمرين من رجال النظام هناك ورجال النظام فى بلده. فالنص صرخة احتجاج شديدة السخرية والتهكم الذى يميل إلى التجسيد الكاريكاتورى الذكى لمأساة جانب كبير من أبناء الشعب المصرى. لذا فالقضية ساخنة، وتقيم جسوراً وجدانية وعاطفية مع المتلقى. وبذكاء ركز المخرج فى عرضه على خطاب النص، واعتمد عليه كعمود فقرى لعرضه، وجسده بأمانة وبساطة، واعتمد كذلك على أداء الممثلين الذين يقف أغلبهم على خشبة المسرح لأول مرة... وهم ما يقرب من ثلاثين ممثلاً وممثلة.. قاموا جميعاً بأكثر من دور.. بل وثلاثة أدوار.. انتقلوا فيما بينها بمهارة وسلاسة. ونتوقف طويلاً عند اكتشاف المخرج لمواهب الممثل الشاب السيد فتحى، وهو الساب الذى لم يكمل تعليمه الجامعى، والذى قام بدور عبد الله الشهير بابن بسبوسة والذى تدول حوله أحداث العرض.. فالفتى تكلف يتمتع بخفة ظل طبيعية نابعة من ريفيته، ولا تكلف فيها ولا استعرض.. بل يبدو مُتفهماً لأبعاد الشخصية التى يقوم بها.. وساخراً منها أيضاً.. وهو حريص على تقديم الكوميديا من واقع ظروف الشخصية والأحداث التى تدور.. دون تقليد لأى نجم كوميدى مشهور فى الماضى أو فى الحاصر.. بل جاء أداؤه متوافقاً مع شخصية المدرس الذى يعيش فى بيئته الحميمة والتى يكاد يلمسها الجمهور. وأمام (السيد فتحى) فتاة مُدربة تدريباً جيداً على الأداء وموهوبة أيضاً هى رشا التى قامت بدور الزوجة سميرة. وكذلك سحر التى قامت بدورين هما وردة التى زوجها أهلها الفقراء لعجوز عربى من أجل المال، ويبدو أن صوتها خانها فى هذا الدور فقد مال أداؤها إلى الميلودرامية المبالغ فيها.. لكنها قامت بدور الفنانة المصرية التى تسئ إلى سمعة بدلها فى مطار البلد العربى بشكل جيد.
وتنافس عناصر هذا العرض الأخرى العناصر الأدائية الموهوبة التى تضم أسماء محمد الشقرى، أحمد رزق، الكحلاوى فؤاد، إبراهيم المحتكر، إيهاب صبحى، محمد فاروق، هيثم الزلفى، محمود العتبانى، أسامة إبراهيم، حمادة منصور، بركات، محمد حسن، محمد وهبة.. قد يكون محمد قطامش مُتفهماً لظروف عروض بيوت الثقافة التى يجب أن تتحرك بهذه العروض إلى الجماهير.. لا أن تأتى إليها الجماهير.. فالديكور عبارة عن مجموعة بانهوات تتغير أوضاعها بقليل من الحذف والإضافة لتشير مكان الأحداث الجديد.. دون ارتباك أو تعثر بين مشاهد العرض التى وصل عددها إلى أربعة وعشرين لوحة.. لجأ فيما بينها المخرج إلى الاستعراضات (نصميم : سامح عبد العليم) السريعة الإيقاع والتى تنتهى بتثبيت المشهد، والتى أشرك فيها الممثلين مع راقصى الاستعراضات الستة.. مع الطفلتين نورهان وشريهان رزق مع ألحان جديدة على الأذن المملجن علاء غنيم الذى لحن كلمات عمقت مضمون النص، وأضفت عليه مزيداً من الدلالات الإيجابية للشاعر (محمد ندا).
0 التعليقات:
إرسال تعليق