Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 1 يونيو 2017

تأملات حول رواية قهوة سادة

وزارة التعـــــليم العـــــالـــــي والبحث العلمــــــي
المركز الجامعـــــي مرسلي عبد الله
معهد اللغة والأدب العربي
‘ دكتور ابراهيم بو خالفه

تأملات حول رواية قهوة سادة للروائي المصري
السيد حافظ
    "قهوة سادة" هي رواية عربية للكاتب المصري المعاصر السيد حافظ. وهو عمل إبداعي يتمتع بفرادة وتميز قلما يجتمعان في عمل واحد، ولأيّ كان من المبدعين الحداثيين أو المابعد حداثيين.
    تتوزع الرواية على ثلاثة برامج سردية، وكل برنامج يستبطن ثراء تيميا لافتا، يتعين على الناقد الحصيف إجراء حفريات نقدية بالغة العمق والأصالة من أجل الكشف عنها. ذلك أنّ الروائي قد عمد إلى التكثيف الرمزي بالغ الخصوبة، من خلال الاستعانة بالأسطورة، والتاريخ الحديث والغابر، وبنفس المستويات من العمق.
    إنها مقاطع تتعالق في مرحلة أخيرة على مستوى معنى المعنى، وإن كانت على مستوى الشكل الهندسي متداخلة تتناوب التجلي والخفاء. تفككها الظاهري هو تفكيك لمدارك الذات العربية الموزعة بين وجود وهمي طوباوي، يتحقق على المستوى الاستيهامي، ووجود فعلي إشكالي إلى حدّ بعيد. إن تداخل المشاهد الروائية وتشابكها العنكبوتي ذو دلالة عميقة. فالشكل في حدّ ذاته ذو حمولة معنوية مكثفة. والمضمون هو الآخر تعيين جمالي وفني بامتياز.
    يتضمّن المقطع الأول مشهد كاظم العاشق وسهر المعشوقة، تلك الفتاة العربية التي ترفض أنْ تُفَضَّ بكارتها إلاّ على فراش من ذهب ومال خليجي وفير. إنها أحلام الطبقات الوسطى في الصعود الاجتماعي من أقصر السبل وأكثرها جلبا للمتعة الحسية والشبق الجنسي المتعطش للفعل العنيف. سهر هي صورة عن الفتاة العربية التي انخرطتْ في المجتمع المدرسي الحديث. ومع ذلك، فإنها لا تتخلى عن ثقافتها الأسرية التي تؤهّلها لتكون زوجة تضطلع بأعباء الإنجاب وخدمة رغبات السيد وشهواته. إنها اختزال للمجتمع العربي الريفي الذي لا يزال محافظا على تقسيم العمل بين المرأة والرجل وتقسيم مناطق النفوذ والعلاقات الاجتماعية الأبوية، حيث يهيمن الرجل على علاقات الإنتاج ويحتكر الهيمنة داخل البيت وخارجه. فالمرأة ليس من حقها مناقشة القيم السائدة والثقافة العالمة، بل هي مرصودة فقط لرعاية هذه القيم وتمريرها للأجيال اللاحقة، من أجل إعادة إنتاج أنماط سلوكية ثابتة وأشكال وجود اجتماعي لا يطالها التغيير. إنها تفتقر لجهاز مفاهيمي قادر على تشكيل وعي اجتماعي حداثي وثقافة مقاومة لسلطة الرجل المطلقة.
    لم تحاول سهر مقاومة رغبات أبيها في تزويجها من رجل خليجي؛ بل تماهتْ معها وانسجمتْ مع بيئتها الثقافيّة والاجتماعية على مستوى الوعي كما على مستوى الوجود العيني. لقد كان ترددها على المدرسة مجرد محطة يُنتَظرُ فيها الحلم الموعود في الهجرة بعيدا عن المحيط الاجتماعي الرتيب والخانق والمتكلس. إن البيئة التي احتضنتْ سهر هي بيئة محافظة تتجسّد فيها قيم المجتمع الذكوري، المتمسك بسلطة الرجل، والذي يرفض الحداثة من حيث الجوهر. ولئن كانت المدرسة الحديثة في المجتمع العربي هي إحدى وأهم قنوات تحديث العقل العربي وتثوير مجتمعاته ضد أنماط السلوك والتفكير الدغمائية، فإنها في حالة المجتمعات الريفيّة تغدو بنايات لا تحمل في جوهرها من الحداثة إلاّ الطلاء الخارجي. إنها مفرغة من بعدها الإيديولوجي، لا ترقى إلى مستوى ملامسة الأوعاء وتحريكها باتّجاه التغيير أو التنوير.
    وعندما حاولتْ سمر كسر قيود المجتمع المحافظ على قيم العفة بمفهومها المجتمعي التقليدي، قوبِلتْ بكمّ هائل من القمع والردع، حتّى تراجعتْ إلى قواعدها الجنوسيّة الحسيرة. لما حاولتْ التواصل مع كاظم بدعوى أنّها تحبه، وتقاوم من أجله إرثا هائلا من التابوهات، صُدَّتْ بكل سبل القمع الممكنة، من طرف كاظم، أولى ضحايا القيم البالية، ثم من طرف أهلها حراس العقائد.
    إننا نملك في هذه الرواية نموذجين للمرأة العربية. نموذجا تقليديا يمثل المرأة في المجتمع الذكوري المحافظ. هذا النموذج محافظ على بناه النمطية وأشكال وجوده وطرائق تفكيره الموروثة، والمحاطة بهالة من القداسة والصّنميّة. ونموذجا آخر أبدى رغبة محمومة في التخلص من معيقات الحداثة والانفتاح على كل أشكال التحرر من قيود الفكر القبلي والعشائري، بدعوى أن تلك القيم البالية تحرم المرأة من انفتاح الشخصيّة والارتقاء إلى المواقع المشتهاة في المجتمع والأسرة. ومع أن سمر تمكّنتْ من تحقيق هدفها في الاقتران بكاظم، إلاّ أنّ ذلك كان من بوابة التقاليد والأعراف التي تحظى بقداسة الأديان. إنها فاتحة الثورة المحتشمة على الماضي التي خطّتها المرأة العربية في كثير من مراتب الحداثة في المجتمعات العربية.
    المقطع الثاني من هذه الرواية يتضمّن سرديّة فتحي رضوان الطالب المصري رئيس اتحاد الطلبة المصريين. إنه يمثّلُ الفئة الاجتماعيّة الأكثر تنويرا وتثويرا في كلّ المجتمعات العربيّة مع مطلع حداثة منتصف القرن العشرين. لقد كانت فئة الطلبة في كل مراحل نضالها التاريخي ومقارعتها للأنظمة المستبدّة وجماعات المال والسلطة. إنها الفئة الأكثر وعيا مع مشكلات عصرها وهموم الوطن، وهي الأكثر تجاوبا مع أوجاع الماضي الغابر والممتدّ، ذلك الماضي الذي لا ينفكّ يتناسل ويتكاثر حتّى ليوشك أن يحول الزمن العربي إلى قطع من الليل المظلم، يفضي بعضها إلى بعض، بدءا من نكسة 67، تلك الحرب التي تركتْ جروحا وكدمات في الذات العربية لا خلاص منها، إلا من خلال صناعة تاريخ ناصع البياض وخال من الهزائم. بيد أنّ الواقع الذي تلمع إليه الرواية يعجز عن فك الارتباط مع الماضي الذي حشر العرب في زاوية معتمة، مجردين من أدوات الفعل الحضاري الإيجابي على جميع الأصعدة. وإزاء هذه الحالة المرضيّة تبدو ردود الفعل السلبية كعلامة من علامات الإحباط بالنسبة لفتحي رضوان وشخصيات أخرى من نفس الفئة المثقفة.
    كانت الفئات الشعبية الدنيا والمتوسطة، أثناء سنوات النكبة، تتماهى مع الخطاب العربي الرسمي، ذلك الخطاب الذي كان يداري الهزيمة النفسيّة والعسكرية بخطاب بالغ النفاق والديماغوجيّة. عمد المسئولون إلى الدعوة إلى النفير العام في عز الأزمة من أجل إعطاء انطباع لدى الرأي العام المحلي والدولي بأنّ الأوضاع تحت السيطرة، وأنّ غضبة العرب هي نذير شؤم على اليهود. وكانت النعوت المحقرة لليهود والتهديدات بأنّهم سيُلقون في البحر، كان من شأن كلّ ذلك أن يمتصّ غضب السواد العام من الناس. ولكن مع مرور الوقت، وتتابع الهزائم مع نفس العدو الذي تعاظم تهديده للوجود العربي باطراد سريع الوتيرة، تفطن الجميع بأن الأنظمة الرسميّة تنحاز لخيارات غريبة عن شعوبها. وكان لزاما على الفئات المثقفة حينئذ أن تشرع في ثورة على العقل العربي الذي لا يزال يتسم بالسلبية في مجال مقاومة كل معوقات النهضة وكل المحبطات النفسيّة والإيديولوجيّة التي تثبط القدرة على تجاوز الذات وصناعة تاريخ جديد، لا مجال فيه للاستعباد والتدجين. وأعتقد أن هذه الرواية للسيد حافظ تندرج في هذا الإطار التنويري.
   لقد كانت الفئة المستنيرة الممثلة في فئة الطلبة تدرك الحجم الحقيقي للنظام العربي، وكانت تواجه خطابه بلغة شعبية ساخرة وبأسلوب تهكمي لتداري هي الأخرى عجزها عن فعل المقاومة السياسية لأنظمة خائنة. وتكتفي بما تعتقد أنه مقاومة ثقافية تهدف إلى تنوير العقول وتثوير الشعوب وبناء جدار ثقافي صلب يحمي الذات العربية من التبعية والانكسار بكل أشكاله. وأعتقد أن الرواية هي أقدر الأجناس السرديّة على الاضطلاع بهذه الإرساليّة الحضارية على المدى المتوسط والبعيد. نحن في عالم صراع الثقافات والتدافع بالمناكب على المصالح الاستعمارية، ولا زلنا نحتلّ مواقع الضحيّة، ولا بوادر للخلاص في المنظور القريب. وفي هذا الإطار تندرجُ هذه الرواية للسيد حافظ، مع درجات عالية من الكثافة الرمزيّة في المشهد الثالث منها، والمتعلق بسردية فرعون وأخناتون والكهنة والشخصيات الرافدة ذات البعد التاريخي عميق الدلالة. ليستْ الرواية ظلاّ للواقع، وأي خطاب نظري أو أدبي هو تحريفٌ للواقع على المستوى الدلالي والسردي، تماشيا مع المنظور الجمالي للمبدع. والمقصود من أيّ دراسة لهذا الإبداع هو إظهار هذه التحريفات.
    اخناتون هو اسم فرعون حاكم مصر من القدماء، ويتمتع اسمه بدلالة رمزية ذات خصوبة عالية. وهو مخالف في عقيدته للكهنة، وحتّى لزوجته نفرتيني المتعاطفة مع الكهنة. إنه يعبد إلها واحدا، ووفقا لهذه العقيدة، فإنه يعمد إلى تحطيم الأصنام التي يعبدها الكهنة، وهو بذلك يثير حفيظتهم، فيسعون للإطاحة به في عملية اغتيال محكمة التدبير. ويلمع هذا إلى أساليب الأنظمة العربية في التخلص من خصومها السياسيين، في ظل الاستبداد والحكم الفردي. فالحاكم العربي الذي يختلف مع أحد رجاله الكبار في أروقة الحكم سعى إلى التخلص منه عن طريق التصفية الجسديّة.
    كان اخناتون متعاطفا مع رعيته من الفلاحين والجنود وعامة الناس. بينما نلفي رجاله، ومتعاونيه الكبار، منجذبين إلى كبار الضباط والشخصيات النافذة في سرايا الحكم وجهاز المخابرات. إنه خلاف المصالح والمواقع السياسية والخيارات الإيديولوجيّة. فالسلطة في الوطن العربي تحمل بذور فنائها بداخلها، بحكم حجم التناقضات في تركيبتها السياسية والعسكرية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More