ومن لا يعرف ريتا عودة !!
كل هذا الحنان !!
ريتا عودة شاعرة فلسطينية
بقلم :السيد حافظ
صدر ديوان باسم من لا يعرف ريتا !!
ريتا عودة شاعرة فلسطينية .. تعيش داخل الأرض المحتلة من مواليد 1960 مدينة الناصرة .. الناصرة مدينة (مكان) الثورة والمقاومة والحب والجنون .. إن ريتا عورة تحتاج إلي الإضاءة النقدية حتى ولو كانت إضاءة غير أكاديمية ، فنحن نعيش في زمن ركام شعري ..يومي.. قد يمس عصب الشعر أو روحه أو قد لا يمس ، نحن نعيش حالة فوضي وسراب بين الشعراء والمتشعرين تشعر بالخجل أمام نفسك إنك لا تتابعه ..
ريتا عودة تنتمي إلي الشعر الحداثي فهي بعيدة عن البلاغة القديمة والصورة البالية وتملك حساً وفطنه .. فنجدها قد خرجت من عباءة القديم في وهم رومانسي دون كيشوتي مفعومه بالعشق للحروف والألوان الأخضر والأحمر والأصفر والانفعالات وقوارير العطور قد خرجت لتكتب واقع وجغرافيا مشاعرها تجاه العالم .. إنها تملك في شعرها اتجاهين ( الوجدان الانفعالي شعر الداخل وشعر عبثي ، معابث للشيء شعر خارجي (1) وهي تقول :
هبني مفتاح القلب
كي اقتحم أسوار الدهشة
وأعشقك كما يشتهي الخيال
وفي قصيدة أخري :
قلبه جنسيتي
فلتسقطوا عني
متاهات القدر
وفي قصيدة ثالثة :
كن كما الحلم
مشاغباً
مراوغاً
حتى تكون الحياة
أروع من القصيدة
وفي قصيدة (ومن يعرف ريتا) قدمت نفسها :
ريتا
نرجسية
عشقت نحلة
نورسة
عشقت بحراً
لا البحر ولا النحلة
عاشقاً عشق ريتا
هذا الحنان المتدفق للشعر والحياة وأن تصبح الحياة شعراً والشعر حياة .. فقد يري البعض أن ريتا عودة امرأة منفلتة في الحياة ، ولكن الحقيقة " إن الحكم الأخلاقي علي الشعراء من مجرد شعرهم ليس حكماً صحيحاً لأن سلوك الشاعر في النص الشعري لا ينطبق علي حياته وسلوكه في الحياة بل يكون أحياناً مناقضاً لها " (2) .
إن ريتا عودة تظل المرأة التي تعشق الجمال ..جمال اللغة وجمال القبح وجمال الطبيعة ، إن الجمال يتغلغل في دمها ويملك عليها حواسها عليها حواسها وهو عالم خصب وبحر واسع يغوص في أدق المعاني وأدق التعابير (3) .
ويبدو أن الاتزان النفسي والعقلي قد يجعل بعض الشعراء في إطار المقبول والمعقول والجيد ، لكن عدم الاتزان النفسي عند ريتا يجعلها متفردة في شعرها وتكاد تقترب أحياناً من اللحظة العبقرية ، وهذا هو سر الصعود والهبوط في مملكتها الشعرية .
إن تمرد ريتا عودة ينبع بحثها عن الحب العبقري (حب الرجل، حب الشعر ، حب الكتابة ، حب الحياة ، حب الحب ) .. انظر معي ماذا تقول :
أحبك
كما البحر
فكلما
اشعلت فتيل المكائد
العاطفية
في ولايتي الشعرية
تحدث إنقلاباً
لغوياً
وتخلع عن عرشي
رئيس جمهوريتي
الضجر
"إن ما هو عام ليس اذن نقيضاً لما هو خاص .. وما هو فردي ليس نقيضاً لما هو اجتماعي وما هو عيني ليس نقيضاً لما هو مجرد ، ذلك إن كل طرف يمتزج بالطرف الآخر وينفذ فيه بشكل كامل في إطار وحده كلية متكاملة وهكذا ما هو عام أو اجتماعي أو فردياً ومجرد أو مطلق لا يمكن أن يكون متاحاً للتأمل المحسوس كان فردياً أو عينياً في جوهرة .. ولننظر إلي قصيدة أخري (الخيانة الأخيرة) :
ساورته الخيانة فطاردها
وأبصرها تمارس الكتابة
علي قارعة القصيدة
فانطلق دون أن يطلق العيار
علي جسد أحلامها
أطلق العنان
لغبار خيبة أوهامه
ولننظر إلي تمرد ريتا عودة حول مصطلح "أعزب الشعر أكذبه"
قد تباينت الآراء حول أن أحسن الشعر أصدقه أو أكذبه وهنا يبرز مصطلح "الصدق" وأصحاب الطريقة المدرسية يميلون إليه ولكن الصدق عندهم يعني ارتباط التصوير الذهني في الشعر بالحقيقة مع عدم اشتراط المطابقة الحرفية ، ومن هنا يتضح إن هذا الشق من الصدق ذو بعد أخلاقي كما يلاحظ من استشهاد اتهم الشعرية عليه (5) .. وتقف ريتا عودة أمام هذا المصطلح في قصيدة تحذير
تحذير
قيل
أعزب الشعر أكذبه
وأقول
بريئة أنا
من نزيف صبري
أما في قصيده خمس علامات استفهام
نقرأ ونعرف العفوية في شعر ريتا
اضع اللون علي اللون
علي اللوحة
اضع الخط علي الخط
ابحث عن هيئته
ارسمه سماء
ماء .. هواء
يمتزج الأحمر بالأزرق
تتأوه باقي الألوان
عبثاً ..تتذمر ..تتلوي
اتركها تجف
وأعود
أطل علي عالمها بحرقه
فتطل علي
بعلامة تعجب خضراء
وخمس علامات استفهام
صفراء ؟؟؟؟؟؟؟؟
الرجل الفكرة في شعر ريتا..قد تكون ريتا عودة من أنصار التلقائية والتعامل مع السهل البسيط واستخدام المفردات اليومية الحياتية ، المتنوعة في معظم تشكيل الصور الشعرية العامة .. ولديها حس رومانسي متفجر ، وهي في صراع دائم مع نفسها ومع شعرها ومع تجربتها ، إنها شاعرة تجريبية ، فهي تعادل في بناء القصيدة من خلال الطريقة الهندسية لها ، وأحياناً نشعر إنك أمام تداعيات هذيان أو هلوسة أنثوية مليئة بالحنان في شكل قصيده وكأنها تكتب لنفسها صوت وصدي في خط متوازي ، فهي تحمل عمق وجداني وتتوحد مع الحبيب وتلتصق بمشاعره وتتوحد معه روحياً وجسدياً في الخيال وتتمرد عليه وتهجره وتلعنه .. الحبيب قد يكون الوطن قد يكون الجنسية ، قد يكون الحلم ، قد يكون الشعر ، قد يكون الرجل ، وقد يكون كل هؤلاء .
بقي لي ملاحظة .. فقد كان شعراء العرب القدامى عندما يقومون بنسخ ديوانهم يحذفون القصائد التي لا تتواءم مع تجربتهم .. وعلي الشاعرة أن تفصل هذا بحب شديد كما يفعل المخرج عندما يكون في المونتاج فيقوم بحذف مشاهد جميلة لكنها قد تؤثر في إيقاع الفيلم ، وقد كان عليها أن تفعل ذلك .
المراجع :
* صدر الديوان عن مركز الحضارة العربية – القاهرة – علي عبد الحميد
(1) شعر الحداثة –دراسات وتأويلات –ادوارد الخراط –وزارة الثقافة –مصر 1999
(2) موسيقي الشعر العربي قضايا ومشكلات – د.مدحت الجيار – دار المعارف – القاهرة – 1995
(3) الشعر المعاصر في البحرين – علوي الهاشمي
(4) نقد شعر الحداثة – محمد خلاف – مجلة آداب ونقد –القاهرة –عدد نوفمبر – 2000- العدد رقم 183
(5) كتاب مصطلح نقد الشعر عند الإحيائيين – د. محمد مهدي الشريف – وزارة الثقافة – مصر - 2000
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
0 التعليقات:
إرسال تعليق