دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 257)
الانحرافات السردية و تنوع النسيج الدرامي
في رواية "حتى يطمئن قلبي" للسيد حافظ
دراسة
بقلم/ أحمد محمد الشريف
دراسة من كتاب
ورشـــــــــــــــــة النــــــــقــــد للســــــــــــرد الــــــروائـــــي
نموذجًا
سباعية الكاتب السيد حافظ الجزء الخامس { حتى يطمئن قلبي }
التجريب وانحرافات السرد
في الرواية
نموذجًا
رواية " حتى يطمئن قلبي "
للكاتب السيد حافظ
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
الانحرافات السردية و تنوع النسيج الدرامي
في رواية "حتى يطمئن قلبي" للسيد حافظ
دراسة
بقلم/ أحمد محمد الشريف
"أنا أكتب إذن أنا موجود ، وحين لا أكتب فأنا مفقود"(1) ، هكذا استهل "السيد حافظ" السطور الأولى في مقدمة روايته الجديدة "حتى يطمئن قلبي" . الذي يؤكد أن الكتابة لديه حلم ومشروع كبير ، فهو يكتب من أجل بناء الوعي و من أجل الوطن.. وكما عهدنا ، فعندما تقرأ لـ"لالسيد حافظ" ثق أنك تقف في محراب التجريب.. وهو هنا في "حتى يطمئن قلبي" مازال مصرا على الاقتحام و الغور في بحور الرمال الناعمة للتجديد في البنية السردية للرواية العربية ، ويخاطر بأشكال وأطر جديدة لم يألفها القارئ ، مثيرا كثيرا من التساؤلات و الإشكاليات في الطريق نحو الرواية العربية الجديدة.
وهذه الرواية تحمل رقم خمسة في مشروعه الروائي الكبير لملحمة روائية سباعية يعيد فيها قراءة التاريخ و يصحح العديد من المفاهيم و المعلومات و الأفكار الخا طيءة والكاذبة التي ترسبت في أذهان الناس عبر مئات من القرون مضت ، مؤكدا أن عملية تزييف التاريخ هي عملية منظمة تاريخيا منذ قديم الأزل ، حيث يجب علينا بعد كل هذه السنوات تنقيح تراثنا التاريخي من كل أكاذيبه خصوصا بعد انتهاء و انتفاء فكرة أصحاب المصالح و المنتفعين المعاصرين للأحداث من يكتبون أو يحكمون بقضائهم من مئات السنين ، وهذا هو ما حمله على عاتقه و بدأ مشروعه هذا منذ سنوات في تلك السباعية الروائية ، التي تحمل سبعة روايات ، سبق منها روايات "نسكافيه"، "قهوة سادة" ، كابتشينو" ، و"ليالي دبي" ، "كل من عليها خان" ، و أخيرا "حتى يطمئن قلبي" التي نحن بصددها الآن.
لم يلتزم الكاتب بالمسار التقليدي في الرواية ، متجها نحو ما يسمى الرواية الجديدة ، "ولعل أهم ما تتميز به الرواية الجديدة عن التقليدية أنها تثور على كل القواعد ، وتتنكر لكل الأصول ، وترفض كل القيم والجماليات التي كانت سائدة في كتابة الرواية التي أصبحت توصف بالتقليدية ، ولا أي شيء كان متعارفا في الرواية التقليدية متآلفا اغتدى مقبولا في تمثل الروائيين الجدد"(2)
ومن مميزات الرواية الجديدة أيضا أننا نلاحظ "الانحرافات السردية" المتكررة المتعمدة ، فهناك انتقال من حدث إلى حدث و من مكان إلى آخر و من شخصية إلى ثانية . وهذه الانحرافات المتعمدة تكسر التسلسل الزمني ، بل تفقد الزمن أهم خصائصه (أي التسلسل). وتتداخل الأزمنة وأحيانا تختفي ، وكذا المكان ، وحتى موضوع الرواية لا يتصف بالوحدة أو التحديد . ولغة الرواية ليست واحدة فهناك مستويات متعددة ، وأحيانا نلحظ تمردا على اللغة المألوفة وتراكيبها وقواعدها (3)
فقد استخدم "السيد حافظ" هنا أسلوب الانحرافات السردية في البناء الروائي ، لتأكيد إصراره على تثبيت هذا الأسلوب كنمط سردي روائي جديد ، وذلك من خلال استخدام عدة أشكال أدبية وفنية لتصميم الهيكل الدرامي للرواية ، وهي السرد الحكائي والوصف التعبيري ، و المناجاة مع أنماط أدبية أخري في الفواصل بين فصول الحكاية الروائية ، مثل القصة القصيرة جدا أو ما تسمى الومضة و كذلك الأبيات الشعرية ، وهي ما سبق أن استخدمه في الرواية السابقة "كل من عليها خان" و يؤكده هنا، و قد أضاف بنوع من التجديد ذلك الشكل الإذاعي ليمزجه بالفن الروائي، حيث يسمعنا بين الفواصل الآذان حسب التوقيت المحلي بصوت أحد كبار المشايخ، وينتقل بنا إلى برنامج إذاعي يحكي عن حكايات قراقوش وهو تلك الشخصية التاريخية صاحبة الجدل في التاريخ المصري في عهد صلاح الدين وهو هنا أحد أبطال الجزء التاريخي في الرواية.. ثم يلج بنا إلى برنامج إذاعي آخر أسماه "الشعر العالمي" ، يستعرض لنا فيه أبياتا شعرية لكبار الشعراء العالميين ، تحتوي على نسيج شعوري و فكري متجانس و متمازج مع الحدث الدرامي الذي نكون بصدد تناوله ، ثم يعود بنا "السيد حافظ" بعد ذلك إلى أحداث الرواية مجددا.. و قد تكرر هذا النمط عدة مرات على مدار الرواية في معظم الفواصل والتي بلغت حوالي إحدى عشر فاصلا تضمنت ستة فصول للرواية.
فجاءت تلك النقلات المتعددة الأشكال لتعمل على مستويين ، أولاهما كنقاط ارتكاز درامية يتم شحن المتلقي من خلالها نفسيا و دراميا نحو مواصلة التلقي مع زيادة الجرعة الانفعالية المطلوبة للتلقي داخل إطار المشهد لتواصل شحنته الانفعالية حسيا و فكريا ، أما المستوى الثاني فيهدف إلى إراحة ذهن المتلقي من التواصل السردي للحكاية شيئا قليلا كنوع من الاستراحة الذهنية دون أن يفقد تواصله الانفعالي كما ذكرنا سابقا ، كما يهدف هذا النمط الذي يقتحمه "السيد حافظ" و كما استخدمه في روايته السابقة ، إلى تنبيه المتلقي بشكل دائم كل فتره حتى يظل متيقظا مفكرا و ليس عنصرا سلبي التلقي ، لأن المتلقي كما في البريختية يجب أن ينتبه فكريا حتى يكون متحفزا للفعل الإيجابي دائما ، بغرض التغيير المجتمعي وإثارة الوعي.
لم يتوقف التجريب عند الكاتب عند هذا الحد بل واصل تجربته السابقة في دمج الفن المسرحي مع الفن الروائي ، حيث سرد لنا نصف أجزاء الرواية تقريبا بأسلوب المشهد المسرحي ، حيث أنه قد ذكر تحت عنوان الرواية أنه هذه (مسر رواية) أي أنها نمط جديد يجمع القالبين الروائي و المسرحي في بوتقة واحدة.. لكنه أضاف أيضا إليهما نمط المشهد التليفزيون (السيناريو) و الذي استخدمه في سرد العديد من المشاهد و الذي يبدأ عادة بذكر الزمان و المكان بأسلوب تليفزيوني قائلا (نهار \ داخلي أو ليل\ خارجي) مثلا و هكذا .
أضاف أيضا "السيد حافظ" شيئا من الواقعية تتمثل في ذكر درجة حرارة الجو ودرجة الرطوبة قبل بداية كل مشهد ، حيث أن هذا الأسلوب يشعر المتلقي بتلك البيئة التي يعيش فيها الأبطال مما يزيد من اندماجه في هذا الجو الواقعي للحياة اليومية مع الأبطال ، لاسيما أن تلك الأحداث التي تجري بدبي الدولة الخليجية تتميز بدرجات حرارة عالية جدا ، وتتطلب استعمال المكيفات داخل الجدارن بشكل أساسي ، فأراد السيد حافظ أن نعيش هذا الجو مع أبطاله ، وواصل استخدامه في بعض المشاهد في المرحلة التاريخية خصوصا التي تجري أحداثها بالشارع أو السوق و الأماكن التي يتجمع فيها الناس ، مما يعطي إيحاء واقعيا وتعايشا لمعاناة الشعب في مشاهد مثل محكمة قراقوش و غيرها.
وقد جاءت فكرة استخدام صوت الآذان كنقطة ارتكاز انتقالية ، كفكرة جديدة لم تطرق أيضا من قبل ، لتوحي أو تعبر عن صفاء النفس ، وعودة لمحاولة هدوء البال لدي المتلقي أو لدى أحد الأبطال أحيانا كاستراحة ذهنية.. و خصوصا أنه كان يُتبع الآذان دائما بمعلومات وفيرة عن المؤذن الشهير الذي يسمعنا الآذان مثل الحصري أو رفعت أو عبد الباسط ، ثم تلك الأدعية سواء أدعية الأنبياء أو أدعية يدعي الكاتب أنها بصوته كي يمتزج معه القارئ في حالة صوفية و استرخاء وجداني ، حيث أن تلاحق الأحداث و كثرتها و تداخلها بين حكايات ثلاث قد يرهق الذهن أثناء القراءة ، مما يتطلب من وجهة نظر الكاتب إلى تلك الاستراحة النفسية و الذهنية . ثم يدخل بنا بعد ذلك بعد كل آذان إلى البرنامج الإذاعي عن قراقوش كي يعد تمهيدا للانطلاق تدريجيا مرة أخرى نحو استكمال السرد و الحكاية الدرامية ، وكذلك سرده لبرنامج الشعر العالمي و برنامج لغتنا الجميلة لفاروق شوشة ، و كما ذكرنا من قبل فإذن تلك الأساليب الإذاعية هي من الجدة و التجريب نحو المزج بين تلك الفنون وبعضها البعض.
نذكر أيضا أن الكاتب كل فترة يتوقف بنا في تغريدة لإحدى الشخصيات، تتضمن وصفا لحالته الانفعالية و الفكرية ، حيث تعمل تلك التغريدات على توطيد الارتباط النفسي بين الشخصية وبين المتلقي ، فالكاتب اقتصر فيها على تلك الشخصيات التي تمثل الجانب السوي أو الخير في أحداثه الدرامية .
أما أسلوب الانتقال عبر القصص القصيرة جدا أو الومضات فهو جاء متميزا يحمل الجديد أيضا نحو دمج جنسين سرديين معا في تجانس و انسجام واحد ، خصوصا أنه برع في كتابة تلك الومضات كل على حدة ، فنجد فيها رغم صغرها و قلة عدد كلماتها إلا أنها فاجأت المتلقي متوهجة كومضة فكرية تحرك الذهن نحو التفكير في مضمونها الذي يعبر عن المعنى المراد من المشهد السابق أو التالي ، وهذا نوع من أنواع إشراك القارئ في التفكير الإيجابي أيضا .
ارتحل بنا الكاتب إلى نمط جديد من الفواصل بين أحداث الرواية حينما يستحضر إحدى الشخصيات التي يجلها و يبجل فكرها و أسلوبها في الحياة أو في المواقف الوطنية أو الإنسانية أو في علو قيمتها و شأنها الفكري و الأدبي و الثقافي مثل اخناتون و محمود درويش و سعد الدين الشاذلي و نزار قباني و جلال الدين الرومي ، فيذكر في كل مرة أنه يصلي ركعتان على روح تلك الشخصية التي يعظمها ، و كأنه يطلب من القارئ أيضا أن يشاركه احترام و توقير تلك الشخصية إعلاء لقيمتها أولا و استحضارا لفكرها و أعمالها التي يتطلبها ذلك الموضع الذي وصل إليه في سرد أحداث الرواية مازجا بين الموقف الدرامي و بين المواقف العظيمة لتلك الشخصية المستحضرة بفكرها وقيمتها. حيث نسجل هذه نقطة جديدة في طريق التجريب الرواية الجديدة.
استخدم المؤلف أيضا الأسلوب التليفزيوني المتبع بين الفواصل في البرامج و المسلسلات على الشاشات ، حينما يعود بقلمه إلى سرد أحداثه حيث يقول منبها القارئ قبل الدخول في الفصل الجديد من الرواية: (عدنا إلى الرواية) حيث يعمل هذا الأسلوب المقتبس من الشاشات إلى تنظيم تفكير القارئ ، حتى لا يتشتت بين الانحرافات السردية التي اتبعها الكاتب ، فيتمكن من الاستمرار و التواصل بذهن متيقظ ومفكر ومفسر دائما في طريقه نحو صحوة الوعي الفكري ، بل وزاد عليه "السيد حافظ" إضافة بسيطة أحيانا بالتعليق ككاتب ببعض الجمل و كأنه ينبه القارئ إلى وجوده كعامل مشترك بينه وبين صفحات الكتاب المقروء ، و كأنه يقول له نحن هنا معا نقرأ معا و نفكر سويا ، فإشراك المتلقي هنا هو نوع من الجدة التي يهدف إليها المؤلف بقوة حتى يصل إلى أن يكون المتلقي إيجابيا.
أما على المستويين الزمني و المكاني ، فبطبيعة التنقل بين ثلاثة حكايات درامية بين العصر الحديث في دبي و العصر التاريخي بين حكي "هوى" عن ما حدث مع "العالية" و شاور و بين الحكاية الثالثة لـ"لامار" مع قراقوش و "عثمان" ، فقد سارت جميعها بشكل متواز من خلال وثبات زمنية و مكانية بين الأحداث الثلاث ، مما أعطى للرواية ككل صفة الامتداد الزمني و الامتداد المكاني ، و هو ما يتطلب حرفية عالية أتقنها بالفعل المؤلف في جميع مواضعها دون أن يؤثر ذلك سلبيا على تواصل المتلقي أو يشتته أثناء القراءة.
يعرف "فان ديك" السرد بأنه : وصف أفعال ، يلتمس فيه لكل موصوف فاعلا و قصدا وحالة وعالما ممكنا و تبدلا و غاية ، فضلا عن الحالات الذهنية والشعورية و الظروف المتصلة بها. (4 ) وقد اعتمد الكاتب "السيد حافظ" في كثير من مواضع السرد في الرواية على اللغة الشعرية ، كما اعتاد دائما في كل كتاباته المسرحية و القصصية و الروائية ، فتركيب الجملة عنده يبتعد عن المباشرة ، ولغة الكتابة لابد أن يكون لها مذاقها ومدلولاتها ، فعندما تتحدث في الأدب لابد أن تتحدث برقى و بلغة خاصة ، لا بد أن تجعل القارئ يتذوق و يحس و يفكر ، حتى تؤدي به إلى المتعة الحسية و الجمالية والتحريك الذهني المؤدي للتغيير و الإيجابية في الفعل ، من منطلق حتى نقرأ لابد أن نرتقي .
أما على مستوى الحدث الدرامي ، سرد لنا "السيد حافظ" ثلاث حكايات درامية سارت جميعها في مسارات متوازية حتى النهاية ، في تداخل سيمفوني في النسيج بينها و بين بعضها البعض ، حيث مزج بينهم بحرفية عالية و خبرة تحسب له ككاتب ، متنقلا بين أحداث كل منهم في سلاسة وتشويق خاص بها ، مبرزا عناصر التلاقي و التواصل و الدلالات الدرامية و الفكرية المنشودة من صنع هذا المزيج السردي ، و هم : قصة عشق "فتحي" و"سهر" ، ثم قصة "العالية" و"شاور" ثم قصة"لامار" الروح الخامسة لسهر و التي كانت في عهد قراقوش ، حيث قصد الكاتب من حكايته إلى الإسقاط السياسي على العهد الحديث و العصر الحالي من خلال استلهام التراث وحكاياته ، لدق ناقوس خطر تفشي الظلم في الأوطان من قبل الحكام. فكما يقول د. عبد الملك مرتاض في كتابه نظرية الرواية في البحث في تقنيات السرد: إن الروائي لا يكتب تاريخا و ما ينبغي له ، و إنما تراه يلحم جهده شيئا يحمل له طابع التاريخية الروائية ، ذلك بأن الإبداع الروائي إنما ينهض على فكرة من التاريخ ، بشيء باد من الضرورة ، و يتمثل حتما مظهرا من مظاهر البناء الذي بمقتضاه نستطيع قراءة ما يحدث للكائنات والأشياء والأفكار، و لاسيما ما يحدث لرواية و هو بصدد تدبيج عمل سردي خيالي(5)
وقد بدأ الكاتب بحكاية العشق بين "فتحي" و "سهر" في دبي ، حيث أن كل منهما متزوج من آخر ، و لم يتورعا عن ممارسة الحب المحرم، حتى فوجئت "سهر" بحملها الذي لم تدرك هل هو من زوجها أم من علاقتها المحرمة بـ"فتحي" ، و تتشابك تلك الأحداث بقدوم "كاظم" حبيبها السابق من لبنان ليستقر مع زوجته في دبي ، لتتعقد الأمور وتزيد الشجون والأحزان ، ومن خلال كل هذا ينطلق بنا الكاتب عن طريق حكايات "شهر زاد" صديقة "سهر" و التي ترفض علاقتها الغير شرعية بـ"فتحي" لدرجة أنها صفعته على وجهه عندما علمت بحمل سهر لجنين في بطنها ، فتجلس "شهر زاد" لتحكي لـ"سهر" الحكاية التاريخية التي تضمنها الرواية ، وهي حكاية "لامار" والتي تقول عنها "شهر زاد" أنها الروح الخامسة لـ"سهر" ، حيث قد انطلقت تلك الفكرة في الرواية الأولى من السباعية و هي رواية "قهوة سادة" من خلال أسطورة في معتقد طائفة "الدروز" ببلاد الشام تؤمن بأن "الإنسان تنتقل روحه إلى غيره، وهذا ما يدعى بالتقمص.. هناك شعوب يؤمنون بها بشكل كلى.. ونحن نؤمن بالتقمص في الحياة السابقة حتى المتقمص.. ليتعرف على أقربائه السابقين. فقد يكون عمر الطفل 5 سنوات يتعرف على ابنه الكبير من الحياة.. ويقال إن المتقمص لا يغير جنسه فالرجل يبقى رجلا وكذلك المرأة تبقى امرأة، وإذا كان الرجل سيئا تنتقل روحه إلى امرأة وتظل امرأة عقابا له.".(6).. فتبدأ "شهر زاد" بحكاياتها عن "لامار" و "قراقوش" حاكم مصر في عهد "صلاح الدين الأيوبي" ، حيث يركز الكاتب على فكرة تفشي الظلم و عدم إقامة العدل في البلاد بالإضافة لتصحيح بعض المعلومات التاريخية عن "صلاح الدين الأيوبي" كحاكم للمسلمين وقاهر الصليبين ومحرر المسجد الأقصى ، و تتداخل مع هذه الحكاية حكاية "العالية" و "شاور" الحاكم الظالم الذي حرق القاهرة و المصريين ، حيث يريد الكاتب إسقاط التاريخ على الواقع منبها و محذرا من تكرار التاريخ لنفسه.. وبالطبع فمناقشة المضمون تتطلب مناقشة وافية كل هذا بالإضافة لكثير من الحديث و التحليل عن السرد و عن لغة الكتابة واللغة الشعرية و تحليل الشخصيات و تحليل الزمان و المكان في الرواية ، حيث قد يكون لكل من هذه الأمور مقام آخر .
لكننا في النهاية لا ننكر أننا أمام اقتحام نحو تجريب جديد و جرأة وشجاعة للكاتب "السيد حافظ" في خطوات محسوبة و مدروسة نحو التجديد في السرد الروائي . فكما يذكر "سيد قطب" في كتابه النقد الأدبي أن الأديب الكبير رائد من رواد البشرية يسبق خطاها و لكنه ينير لها الطريق فلا تنقطع بينه و بينها الطريق ، و هو رسول من رسل الحياة إلى الآخرين الذين لم يمنحوا حق الاتصال.(7)
و كما معروف فإن التجريب لا يمكن الحكم عليه و هو مازال في أطواره الأولى و لكن الحكم بنجاح أو فشل التجربة يتم باستمرارية و تكرار النمط الجديد حتى يصير مألوفا فيحسب للكاتب الريادة و الابتكار ، أو أنه يخبو و يندثر على مر الحقب من تلقاء نفسه ، وحينها أيضا لا يمكن الحكم عليه بالفشل لكن يحسب له شرف المحاولة و اختصاصه بأسلوب متفرد خاص به لم يقتحم غيره و لم يقلده أحد.
المراجع
1- حتى يطمئن قلبي ، الرواية ، ص1.
2- في نظرية الرواية ، بحث في تقنيات السرد ، د.عبد الملك مرتاض ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد240 . ص48
3- أنماط الرواية العربية الجديدة ، د. شكري عزيز ماضي ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 355 ، ص15
4- موسوعة السرد العربي ، د. عبد الله إبراهيم ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بيروت ، 2008 ، ص17
5- في نظرية الرواية ، بحث في تقنيات السرد ، د. عبد الملك مرتاض ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد240 . ص32.
6- قهوة سادة ، رواية ، "السيد حافظ" ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 212 ، ص205.ٍ
7- النقد الأدبي أصوله و مناهجه ، سيد قطب ، دار الشروق ، ص31.
أحمد محمد الشريف – القاهرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق