دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 268 )
الغواية وعتبات النص
قراءة في رواية "لولم أعشقها " للأستاذ : السيد حافظ
بقلم: د. نجلاء نصير
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
الغواية وعتبات النص
قراءة في رواية "لولم أعشقها " للأستاذ : السيد حافظ
بقلمي د. نجلاء نصير
فالعنوان يعد العتبة الأولى التي تقع عليها عين المتلقي ومن لا يحسن قرع العتبات لا يمكنه الولوج للنص وسبر أغواره فالعنوان يعد "مصطلحًا إجرائيًا ناجحًا في مقاربة النص الأدبي ، ومفتاحًا يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة قصد استنطاقها(2)
مما لا شك فيه أن البنيويين قد أحدثوا نقلة في الأدب الحديث وقد أولى علم النص والعلامات (السيمائية) اهتمامًا بالعتبات ومنها العنوان الذي يعد مدخلا هاما للنص " فهو ليس عبارة منقطعة أوإشارة مكتفية بذاتها، بل هو دائما مفتاح تأويلي ، أساسي لفك مغاليق النص و عندئذ، حين يحسن المتلقي استعماله ، تتلألأ أمام عينيه كنوز القصة ونفائسها، وتنبسط تحت قدميه في طواعية أرضها الملأى بالأسرار"(3)
وجدير بالذكر أن جيرار جينت قد تساءل عن مجموع العناصر التي تجعل من النص كتابًا ،أي تلك العناصر التي تساعد النص وتصاحبه في رحلة اكتساب الحضور والهوية الثقافية النوعية "(4)
فعنوان الرواية "لو لم أعشقها "
لو: شرطية تدل على امتناع الجواب لا متناع الشرط ، لم : حرف جزم يفيد النفي ويحول زمن الفعل من المضارع إلى الماضي ، أعشقها : فعل ماض ، الهاء ضمير غائب متصل في محل نصب مضاف إليه.
فالمبدع يخاتل المتلقي بالعنوان فمن هذه الأنثى التي تمنى إلا يعشقها ؟
وهل العشق يقع على امرأة أم ربما تكون المرأة هنا دلالتها رمزية وتمثل الوطن .
وجدير بالذكر أن جيرار جينت قد ضمن العنوان في فضاء النص الموازي أو ما يعرف " بالمناص في حديثه عن أنماط التعالي النصي وصنفه في النمط الثاني وهو المناص paratéxte يتكون من علاقة هي عمومًا أقل وضوحًا وأكثر بعدًا ويقيمها النص في العنوان ،العنوان الصغير ،العناوين المشتركة ،المدخل ،الملحق ...وأنواع أخرى من الإشارات الكمالية أو غيرها ،التي توفر للنص وسطًا متنوعًا وفي بعض الأحيان شرحًا رسميًا أو شبه رسمي ..."(5)
وقد قسم جيرار جينت الموازيات النصية إلى نوعين من النصوص :" نص فوقي وآخر محيطي ويهمنا في دراستنا للرواية ما أورده جينت عن النص المحيطي والذي يضم كل ما يتعلق بالنص وينشر معه في "زواياه مثل عنوانات الفصول وما يوجد داخل الكتاب ،وقسمه جينت إلى قسمين هما :النص المحيطي النشري ويندرج تحته الغلاف ،التجليد ،كلمة الناشر وغيرها من المعلومات المتعلقة بالنشر ،والنص المحيطي التأليفي ويضم اسم الكاتب ،العنوان ،العنوان الفرعي ،العناوين الداخلية ، الاستهلال ، التمهيد ،الإهداء ، الهوامش وغيرها مما له علاقة بالمتن ولا ينفصل عن الكتاب "(6)
فللعنوان أهمية كبيرة في عملية التلقي وذلك لأن عين المتلقي "ستصب أول ما تنصب على العنوان "(7)
فالمحيط النشري :
يتمثل في الغلاف الذي جاء باللون السيمون الذي يصنف من فئة الألوان الدافئة التي تبعث في النفس الراحة والهدوء ولوحة الغلاف للفنانة الكويتية منى الغربللي لامرأة فاتنة تتماهى صورتها مع البناء الخارجي لبطلة الرواية سهر ،وتبدو للمتلقي عارية مما يدل على الغواية وأسباب ومقدمات العشق ويعلو اللوحة اسم الكاتب باللون الأبيض ويحد اللوحة العنوان باللون الأبيض بفونت كبير لجذب عين المتلقي ومذيل بجملة العلامة السابعة والأخيرة في إشارة لمحاكاة الدفة الثانية والتي تحمل أغلفة السباعية ، والرواية نشر مركز الوطن العربي رؤيا 2019م
المحيط التأليفي :
الإهداء: "إلى هؤلاء الزناة ..الزنا بالعين والكلام والفكر و اللمس .."(8)
فالإهداءيرسل للمتلقي بإشارة لاذعة أنه أمام نص أدبي سيناقش المسكوت عنه ويكشف ورقة التوت عن النفاق الاجتماعي والازدواجية التي يمارسها البعض والصراع بين ثنائيات ضدية المرأة والرجل ، الصدق والكذب ، الحلال والحرام ، الاستقامة والانحراف والمعاصي والتوبة ، الانتماء والهوية والخيانة ، المقدس والمدنس .
الإهداء الثاني :"إلى الكاتب الكبير محمد حافظ رجب الذي كان موهبة كبيرة بحجم الوطن فعذبوه خصيان الأدب وتعذب بعبء حمله مصلوبًا على الورق..."(9)
فالإهداء الثاني بمثابة صرخة في وجه أشباه الأدباء الذين حاربوا الكاتب الكبير محمد حافظ رجب المجدد الذي هاجمه أقزام النقاد والأدباء .
الاستهلال : تناص مباشر
بيت شعر من قصيدة رثاء لأبي الحسن التهامي
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الأقذاء والأكدار
فالحياة لا تكترث لما تصبو له النفس البشرية وتجري كما تشاء
وقد أورده المبدع سهوا للمتنبي
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الآلام والأحزان(10)
ويتجلى التناص المباشر أيضًا في قول شبل بدران : "الخير والشر ليس إلا نوعين من الخير "(11)
فالحياة قائمة على الثنائية الضدية التي تعد المعادل الموضوعي للصراع في الحياة
ثم تأتي كلمة المبدع "حين لا يتوضأ الحرف يدخل نار البوح فيفضح الكون ..."(12)
في كلمة المبدع يعترف أن وطنه الكتابة وأنه عشق مصر ولكنه لم يعرف أن عشقها خطيئة فالوقوف في وجه الفساد خطيئة يدفع ثمنها من يحاربه ،كما تظهر في كلماته الغصة والحسرة في الألفاظ " خطيئة ، جنون ، أنفقت العمر هباء "
فالكاتب يحمل هم وطنه ولكن للغربة حسابات أخرى فهل كان يعاني من الغربة المكانية أم الغربة الزمانية أم كان حبيس الغربيتن ومما يدل على ذلك قول الكاتب : "كيف يقودني الوطن إلى الثقة فيه وهو مخلوع الرأس ؟" (13)
فهذا السؤال الاستنكاري يحمل في طياته رمزية القلق النفسي وعدم الشعور بالأمان .
عتبات الفصول أو العلامات كما أطلق عليها المبدع فقد جاءت الرواية في ثلاثين علامة تماهيًا مع أجزاء القرآن الكريم وكل علامة تتماهى مع القرآن الكريم في تناص مباشر فالعلامة الأولى "وأكثرهم فاسقون " (14) ليس هذا فحسب بل نجده يذيل الفصول بآية من آيات الذكر الحكيم
وحين نأتي إلى عتبة روح يضع
امام المتلقي تعريفًا للحب وقال بعضهم الحب مأخوذ من القلق لأن العرب تسمي القرط كما قال الراعي واقر..."(15)
تناص مباشر من كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين لابن القيم الجوزية باب اشتقاق الأسماء ومعانيها
كما نجد الرواية تتسم بالمشهدية فكل فصل عبارة عن مشهد أو مشهدين من مكانين مختلفين ،كما يفتتح المبدع كل فصل بالمكان والزمان وكأننا أمام سيناريو ، فالفصل الأول حوار بين سهر وحياة فهما يتقاسمان عشق رجل واحد هو فتحي رضوان بطل الرواية
وقد وصفهما المبدع بقوله "هكذا تواعدتا المرأتان ..ساحرة جمال من الشام وساحرة جمال من العراق للنقاش حول أهمية من تتنازل للأخرى عن عشق فتحي رضوان .."(16)
فقد بدأ المبدع روايته بمفاوضات بين الغريميتين على البطل فتحي رضوان الصحفي فسهر البطلة المتزوجة من منقذ الشامي وأم لطفل صغير ، وحياة السيدة التي تعمل كصحفية وزميلة فتحي في الجريدة من العراق وكل منهما وقعت في شرك كبير هو الزنا
فتحي رضوان : الصحفي المصري الذي جاء إلى دبي حاملأ أحلامه وطموحه بين جناحيه وأتقن لعبة الكتابة ولعبة خيانة زوجته تهاني المصرية وأم ابنه .
وفي حوار جاء على لسان فتحي رضوان الذي يلعب دور السارد العليم حين تجسد ضميره كرجل يدق جرس الباب بينما كان يجلس على مكتبه ويكتب مقاله المعنون "مشروع الهوية والثقافة " فحين فتح الباب "وجدتً أمامي نورا شديدا ينبعث من رجل اختفت ملامحه في الضوء "(17)
وفي منولوج داخلي يناقش فتحي رضوان عدة اختيارات هل يكتب استقالته ويفر من العشق ، هل يعود إلى مصر ويطرح قضية اجتماعية هامة وهي فضول البشر في المجتمعات العربية يقول :"مجنون أنت من غير الممكن أن تهجر دبي إلى مصر وتعود مرة أخرى إلى العذاب ..سيقولون عنك فاشل وعاد من الخليج مفلسًا أخذت أكتب المقال حصاد المهاجر المصريون يراقبون بعضهم بعضًا سواء في مصر أو خارجها ...."(18)
كما يسرد الحروب الأيدولوجية التي نشأت في المجتمع المصري يقول :"حروب مصر كانت حروب الأيدلوجية الدينية ، فالدين هو المحرك الأساسي في تحريك الشعب وهياج الجماهير ..."(19)
كما يلقي الضوء على التغيرات التي أصابت المجتمع المصري وشوهت الذوق العام بمصر يقول :
"نحن في زمن مضطرب مجنون ..اللهم نجنا من الجهلاء ..أتعود إلى مصر التي تعشق التفاهة الآن بعد أن كانت تعشق أغاني أم كلثوم أ؟ أما الآن الأغاني والأفلام ركيكة ...."(20)
وأنهى العلامة الأولى بقول الله عز وجل" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)"(21)
فعتبات الرواية تحمل رمزية تتماهى مع الرسالة التي يريد الكاتب ان يرسلها للمتلقي فالعنوان أولاه ليوهوك (leo Hoek) الذي يعد من أشهر المؤسسين المعاصرين لنظرية العنونة من خلال كتابه "سمة العنوان " الذي حدد فيه تقنيات مفهوم العنوان ومعالمه التحليلية.
ويرى ليوهوك أن "العناوين التي نستعملها اليوم ليست العناوين التي استعملت في الحقبة الكلاسيكية ،فقد أصبحت العناوين موضوعًا صناعيًا ، لها وفقع بالغ في تلقي كل من القاريء والجمهور والنقد والمكتبيين "(22)
فالعنوان "علامة لغوية ،تتموقع في واجهة النص ،لتؤدي مجموعة وظائف تخص أنطولوجية النص ومحتواه ،وتداوليته في إطار سوسيو ثقافي خاصًا بالمكتوب "(23)
فوقع الآية الكريمة على المتلقي يجعله يدرك أنه أمام وجبة دسمة من الفساد والفسق البشري الذي يعد نتيجة لمقدمة اقترفها البشر .
استعرض الكاتب ثلاثين علامة وكل علامة معنونة أو عتبتها آية من آيات الذكر الحكيم ،كما يختم كل فصل بآية أو أكثروبعمل إحصاء للعتبات نجد أن المبدع تخير من القرآن الكريم أربعة عشر آية ورد ت فيها بصيغة التفضيل (أكثر ) بينما استخدم صيغة التفضيل أكثر في عشرين عتبة من عتبات الرواية :
رقم العلامة | الآية | السورة ورقم الآية | النتائج |
الأولى | "وأكثرهم الفاسقون " | آل عمران : 110 | |
الثانية | "وأكثرهم لا يعقلون " | الحجرات : 4 | |
الثالثة | "وأكثرهم الكافرون " | النحل : 83 | |
الرابعة | "وأكثرهم للحق كارهون | الزخرف78 | |
الخامسة | "وأكثرهم كاذبون " | الشعراء :223 | |
السادسة | "أكثرهم لا يعلمون " | يونس: 55 | |
السابعة | "أكثرهم لا يؤمنون " | البقرة :100 | |
التاسعة | "أكثرهم لا يشكرون " | النمل : 73 | |
العاشرة | "وما كان أكثرهم مؤمنين " | الشعراء :67 | |
الحادية عشرة "وأكثرهم مشركون " | وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ" | سورة يوسف : 106 | |
الثانية عشرة | "وماكانوا يبصرون " | هود :20 | |
الثالثة عشر | "هم في غمرة ساهون " | الذاريات :11 | |
الرابعة عشر "هؤلاء الضالون " | تناص قرآني "وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ" | المطففين :32 | |
الخامسة عشر "وأكثرهم معرضون" | |||
السادسة عشر وأكثرهم مستضعفون | |||
السابعة عشر وأكثرهم عاجزون " | |||
الثامنة عشر "فهم لا يسمعون | أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَٰهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ | الأعراف :100 | |
التاسعة عشر | "فأولئك هم الظالمون " | المائدة : 45 | |
العشرون | "لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ" | الشعراء: 116 | |
الحادية والعشرون | إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ | غافر :59 | |
الثانية والعشرون | وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين | الزمر 39 | |
الثالثة والعشرون أولئك هم الغافلون | وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ | الأعراف:179 | |
الرابعة والعشرون | وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ | البقرة :39 | |
الخامسة والعشرون :"وربك أعلم بالمخلصين " | |||
السادسة والعشرون | إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ | الحجر :4 | |
السابعة والعشرون أكثرهم لا يعلمون | أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ | البقرة : 13 | |
الثامنة والعشرون أكثرهم مغترون | |||
التاسعة والعشرون وأكثرهم عاجزون | |||
الثلاثون | لَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ | الأنعام :111 |
من الجدول السابق نجد أن :
=46.6% |
30×100
=60% |
20×100
30×100"
وجديربالذكر أن العتبات لعبت بجانب التناص دورًا رمزيًا فأكثر العتبات غلب عليها : "الفسق والضلال وفساد العقل والكفر والجهل والجحود والغفلة والغرور والعجز والجهل " وكل هذه الصفات تبعث على الغواية التي كان يمارسها أبطال الرواية ففتحي رضوان يمارس الخيانة مع كل من سهر زوجة صديقه منقذ الصحفي ،وزميلته الصحفية "حياة " رغىم أن الله وهبه زوجة محبة "تهاني " التي تتفانى من أجل إسعاده هو وابنهما .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا استسلم فتحي رضوان لشهواته وسخر جسده عبدًا لها
يقول الرواي العليم فتحي رضوان مبررًا أفعاله : "إن دخولي في اللحظات العاطفية والإستغراق مع علاقة نسائية هو مجرد محاولة للهروب من الضغط اليومي ومواجهة نفسي أني فشلت في النهوض بالمجتمع نعم فشلت في لإيقاظ الوعي الجمعي أو الفردي ..."(24)
ففتحي رضوان يسقط أفعاله على المجتمع والوطن الذي انتقد إعلامه حين أخبر المتلقي أنه يقرأ الجرائد العربية في الحمام "وهو المكان الذي يليق بها لكثرة الغث والكذب والزيف والتدليس ... وجدت في الصفحة الأخيرة في العمود الأخير كتب خبر بخط صغير (وجد الوطن ميتًا في ضاحية المدينة حافي القدمين وقد سرقت كليته وقلبه وقطع لسانه ونشرت أصابعه "(25)
فلم يكن الوطن فقط الضحية بل " وجدتُ كل الناس تسير مقطوعة الآذان .. بل عميان وكتب بالسحب على السماء (الله ترك هذا الوطن لأنه زان).."(26)
فالرمزية تتجلى في: مشهد سير الناس مقطوعي الآذان وعميان ، فالسلبية جعلت الناس لا يكترثون لنكبات الوطن ،ليس ذلك فحسب بل الله تخلى عن الوطن لأنه زان وإذا كان الوطن يزني فلماذا لا يجد فتحي رضوان مبررًا لأفعاله وممارسته الزنا مع النساء اللاتي يرى "بعضهن بناء وبعض النساء هلاك وكل النساء نجوم في السماء بعضهن تضيء وبعضهن باردات ومظلمات ومعتمات وعنيدات "(27)
كما يبرر سر معاشرته للنساء "ربما لسبب مهم هو أني أقاوم الاكتئاب العميق الذي لا تراه الناس في وجهي عندي اكتئاب شديد وعميق من الوطن .."(28)
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل فتحي رضوان نموذج للإنسان الذي يعاني من تشظي الذات والهوية جراء صدمته في وطنه ؟
أم أنه نموذج للإنسان المكافح الموهوب الذي حاول أن يشق طريقه في وطنه فحاربه أنصاف المواهب ولم يقتص له الوطن منهم ؟
هل يعاني فتحي محمود من ازدواجية ويقاتل ثنائية ضدية ويفع بين سندان لفضيلة ومطرقة الرزيلة التي أدمنها وهو يدرك أن عاقبتها النار ؟
هل صورة المرأة في الرواية متمثلة في كل من سهر وحياة وتهاني وشهرزاد وليزا ومارينا هي المعادل الموضوعي للازدواجية والنقاق المجتمعي ؟
فسيمائية الأسماء في الرواية تتجلى في توفيق المبدع في اختيارها ففتحي وزوجته تهاني السيدة المصرية الحنونة التي تعلم بخيانة زوجها وتصبر وتحتسب لعله يرجع لرشده على أمل أن يأتي إليها يومًا معتذرًا فقد تدعى تهاني : وهو اسم علم مؤنث عربي ،وهو جمع تهنئة والتهاني تبادل التبريكات والأفراح والمشاركة بسعادة الآخرين ولكنها لم تكن تشعر بالأمان أو السعادة مع فتحي الذي كان يكني نفسه بابن رضوان في المنولوج الداخلي ولا يشعر بالرضى عن نفسه ،فتهاني كانت المرأة الوحيدة في الرواية التي تشبه الوطن في تحمله لجحود وسلبية وتنكر أولاده له أحيانًا فتهاني متفردة في حفاظها على الرباط المقدس ولم تجر إلى الرذيلة كسهر وحياة وليزا ومارينا .
منقذ صديق فتحي وزوجته سهر الشامية
المرأة الجميلة المعجونة بالياسمين "(29) والتي تخونه مع صديقه فتحي ، وشداد رجل المال والأعمال وصاحب المدرسة التي ستعمل بها من خلال أستاذها كاظم الشامي فسهر مادية تعشق المال ولذلك وقعت في مصيدة شداد بعد أن وظفها براتب كبير وأهداها الخاتم الألماظ والسيارة ، ولكنه لم ينتظر الثمن بل قنص فريسته بعد أن أثملها بمكتبه
"اتفضلي في صحتك ،عندما أفاقت وجدت نفسها عارية في أحضان شداد ..."(30)
فكما مارست سهر الرذيلة وقع منقذ أثناء سفرها في نفس الشرك وزنا بالخادمة مارينا ، بل تعلق بها بعد أن أغرته ومارست معه كل فنون الغواية حتى استجاب لها وأدمن علاقته بها ورغم أن سهر حين عادت من الجبل ارتدت إيشارب وملابس محتشمة إلا أنها عادت لعلاقتها بشداد الذي بنى لها فيلا ضخمة بقريتها
حياة العراقية
الصحفية تشبه فتحي كثيرًا فهي امرأة لها نزواتها الخاصة فهي تستدعي فتحي في أي وقت وتنهي اللقاء دون وداع فحياة تتمتع بشخصية قوية ولذلك استطاعت أن تستقطب فتحي نحوها رغم علمها بعلاقته بسهر .
كاظم وزوجته وردة
كاظم يخون زوجته وردة مع ليزا الفرنسية ،معلمة القسم الأمريكي بالمدرسة ،وردة أم ابنته
كاظم مثل فتحي وقع في الرذيلة لكن زوجته وردة كتهاني زوجة فتحي.
شداد
رجل المال والأعمال صاحب المدرسة ومعرض السيارات "فشداد يأكل أموال كل الناس فقراء أو أغنياء ويشتهي كل النساء مطلقات ،أرامل ، صغيرات ..."(31)
راغب
أخو وردة أتى من فنزويلا ليستثمر مع شداد وقد قتل قاسم زوج حبيبته زهرة بالشام "ذنب زهرة أنها جميلة ومصيبتها أنك جريت وراها ..أنت لا تحب إلا شهوتك أنت قتلت قاسم زوجها ودفنته فساعة الجريمة هي ساعة الزنا "(32)
حامد الصقر وزوجته شهرزاد
يعمل حامد مع شداد وزوجته لم يرزقا بأبناء فهما أبناء عمومة وهناك شائعة في الجبل تقول إن شهرزاد ساحرة سحرت لحامد وتزوجته تستقبل سهر في بيتها وتقدم لها النصح والإرشاد لكن سهر لا تسمع لنصائحها حتى تقع في شرك شداد.
فالغواية تمثلت في العلاقات المشبوهة بين بطلي الرواية الرئيسيين "فتحي رضوان وسهر " والشخصيات الثانوية التي لعبت دورًا في تحريك مسار الأحداث ولكن فتحي الذي تنازعه صوفيته انتهى به الأمر بعد فصله من الجريدة وعودته لبيت أمه أن اختفى أثناء زيارته وعائلته لمسجد أبي العباس المرسي في نهاية مفتوحة تكسر أفق التوقع عند المتلقي وتفتح النهاية على تأويلات متعددة عن مصير فتحي رضوان وبعد عشرين عامًا يذهب ابنه آدم الذي تخرج في جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية إلى دبي ويطلب فرصة عمل من سهر مديرة المدرسة .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل تماهى العنوان مع المتن أم لا ؟
فالأهمية التي حظى بها العنوان في الدراسات النقدية المعاصرة حيث عدته "مفتاحًا منتجًا ذا دلالة ، ليس على مستوى البناء الخارجي للعمل ،بل يمتد حتى البنية العميقة ويستفز فواصله ويدفع السلطة الثلاثية (المبدع -النص -المتلقي ) إلى إعادة إنتاج تتيح لعوامل النص الانفتاح على أكثر من قراءة "(34)
فالعنوان "لو لم أعشقها " تماهى مع ثالوث الغواية في الرواية الجمال والشهوة والمال فلو لم يعشق البطل سهر ما وقع في براثن الرذيلة ويمكن تأويل العنوان :لو لم يعشق البطل الوطن الذي شعر فيه بخيبة الأمل ما وقع في براثن الغربة والشيزوفيرنيا والرذيلة ، التي أدت به في النهاية الضبابية إلى فقدان المصير والهوية .
المراجع
1- ينظر: السيموطيقا و العنونة، جميل حمداوي، مجلة عالم الفكر، مجلد 25 ،عدد3 ،1997ص97 .
2- ينظر: النسيج اللغوي في روايات الطاهر وطار، د.عبد الله الخطيب فضاءات للنشر والتوزيع، عمان، 2008 ،ص52 .
3- ثريا النص، مدخل لدراسة العنوان القصصي، محمود عبد الوهاب، الموسوعة الصغيرة، العدد(396) بغداد، ط1 ،1995.
4 ينظر : نبيل منصر :الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة ،دارلا توبقال للنشر ،المغرب ط1 2007م ص :21
5- جيرارجينيت : طروس الأدب على الأدب ضمن كتاب في النص والتناصية ،ترجمة محمد خير البقاعي ،مركز الإنماء الحضاري ،حلب ط1 1998م ص127
6- كريستين مونتالبيتي: جيرار جينت (نحو شعرية منفتحة) ترجمة غسان السيد ووائل بركات ندار الرحاب د1 ، 2001، ص: 108
7- ينظر د. محمد فكري الجزار:العنوان وسيموطيقا الاتصال الأدبي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م،ص 10
8- السيد حافظ :رواية لولم أعشقها ص 4
9- الرواية ص : 5
10 -الرواية ص 6
11- الرواية نفس الصفحة
12- الرواية ص: 7
13- الرواية ص 8
14- سورة آل عمران الأية : 110
15- الرواية ص :11رواية غبار الخاطر تأليف أبو الكلام آزاد -ترجمة وتقديم جلال السعيد الحفناوي ص248
16- الرواية ص:12
17 – الرواية ص 13
18- الرواية ص14
19- الرواية نفس الصفحة
20-ص 15
21- سورة الروم آية 41
22-ينظر : عبد الحق بلعابد :"عتبات جيرار جينت من النص إلى المناص " ص 65-66
23- خالد حسين حسين :في نظرية العنوان "مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية ص 77
24-الرواية ص 133
25- الرواية ص :22
26- نفسه والصفحة
27-الرواية ص:27
28-نفسه والصفحة
29-الرواية ص 19
30- الرواية ص206
31-الرواية ص 42
32- الرواية ص 45
33- محمد لطفي اليوسفي: لحظة المكاشفة الشعرية والإطلالة على مدار الرعب ، الدار التونسية للنشر ، تونس ، ط1 1992م ، ص 18
السيرة الذاتية
نجلاء عبد السلام محمد نصير
- المؤهل العلمي : دكتوراة في الدراسات الأدبية والنقدية
- جهة المنح : كلية الآداب جامعة الإسكندرية
- البلد : جمهورية مصر العربية
- عضو بالمجلس الدولي للغة العربية
أبحاث علمية منشورة بمجلة كلية الآداب جامعة الإسكندرية :
- قراءة في رواية السراب من الوجهة النفسية.
- الحب العذري بين توْبة بن الحُميّر ومُزاحم العقيلي.
- الرمز في أدب يحيى حقي رواية "قنديل أم هاشم " أنموذجًا .
- المفارقة في أدب الفيسبوك "سرديات لاهثة "للأستاذ الدكتور السعيد الورقي أنموذجًا .
- اللغة العربية درع الحفاظ على الهوية المصرية .
أبحاث علمية منشورة بمجلة سياقات :
- التناص إشكالية المصطلح بين القدماء والمحدثين "سرقات أبي نواس "أنموذجًا
- المستتبعات الاجتماعية والثقافية والنفسية في خطاب
- الجنوسة رواية "سيدات القمر" لجوخة الحارثي أنموذجًا (قيد النشر)
- بحث منشور بمجلة سرديات : الجمعية المصرية للدراسات السردية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة قناة السويس
- سردية القصيدة في الشعر العربي القديم بين امريء القيس والأعشى.
- وغيرها من الأبحاث العلمية
- نجلاء نصير أديبة وناقدة مصرية، دكتوراه في الدراسات الأدبية والنقدية، من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، لديها العديد من الأبحاث المنشورة بمجلة كلية الآداب العلمية المحكمة، مدير ملتقى الأدباء والمبدعين العرب، عضو بعدة منتديات ثقافية، حصلت على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية والشكر داخل وخارج مصر كعضو تحكيم قصص وروايات .
- ها دراسات نقدية وبعض القصص القصيرة بصحيفة تينسي نيوز التي تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية والصحف المصرية والعراقية
- فازت بجائزة د.جميل حمداوي للقصة القصيرة جدا عام 2014 كأفضل مشاركة مصرية
كتب منشورة
- أوراق في الشعر العربي
- أوراق في السرد الأدبي
- صندوق الأمنيات
0 التعليقات:
إرسال تعليق