Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأحد، 20 مارس 2022

285/ مرجعية الأهواء و انزياحات الصورة النمطية بين الحب المقدّس والمدنّس في رواية " لو لم أعشقها " للسيد حافظ بقلم : سناء نويوه

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 285 )

 

مرجعية الأهواء و انزياحات الصورة النمطية
بين الحب المقدّس والمدنّس  في رواية " لو لم أعشقها " للسيد حافظ
بقلم : سناء نويوه

دراسة من كتاب

إشكالية وتمازج ملامح العشق
المقدس والمدنس
نموذجا
رواية "لو لم أعشقها"

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى




مرجعية الأهواء و انزياحات الصورة النمطية
بين الحب المقدّس والمدنّس  في رواية " لو لم أعشقها " للسيد حافظ
بقلم : سناء نويوه
الجزائر

 


يناوش خطاب المسكوت عنه ما هو مباح ومصرح به ومشروع الافهام؛ فيختط قطيعته مع مختلف المنظومات القيمية والأخلاقية والدينية وحتى الثقافية الراسخة في المجتمع ومخياله، ليحدث انزياحا يعيد رسم الصورة النمطية الجاهزة عن عديد المفاهيم المتداولة فتظهر في صورة تحول عن مفاهيمها القائمة في الأذهان، حيث  تضعنا رواية (لو لم أعشقها) أمام زخم من الأحداث المتداخلة والمتضاربة حد الاستفزاز ، أحداث شبيهة بالعقد تجعل القارئ عاجزا عن التمييز بين الواقعي والمتخيل، يمسك الكاتب جيدا بخيوط اللعبة، لكن رهانه هو أن يوقّع القارئ في فخ الحيرة والتساؤل الدائم، هذا النص الذي أراده صاحبه شركا حقيقيا ، كما يمارس السيد حافظ القطيعة الصورية مع الخطاب المقدّس المتعلّق بنوع العلاقة مع الله ومع البشر في مخيال فتحي رضوان حيث كان الله والحب الصوفي لله تعبيرا ميتافيزيقيا عن الحب، وما النساء إلا تجسيد مادي لمفهوم الحب عنده وعند باقي الرجال في الرواية. لهذا ففتحي عاش تناقضا مع نفسه وفي الوقت ذاته  لم يجد تناقضا في أن يكون المرء مؤمنا ومغرما بالجنس في آن واحد ـ

 يقوم هذا الخطاب في هذا الجزء على دمج المدنّس الدنيوي الماثل في ممارسة الجنس، مع المقدّس المتعالي الماثل في الحب الحقيقي والحب الإلهي، فالله عبارة عن فكرة ميتافيزيقية عن الحب، أما حب الجسد في هذه الرواية فتمثّل على المستوى المادي في جسد المرأة باعتباره دالا بما يملك من مزايا حسية على ذلك النموذج المتعالي للحب، ولعلّ الحب في صورته تلك المجردة المقدّسة أم المادية المدنّسة هو الموضوع الجوهري المقصود من هذا التوصيف الرابط بين الله كخالق متعالٍ والإنسان كمخلوق أرضي، انطلاقا من اشتراكهما في صورة الحب الانشطارية التي  تجمع في شقيها النقيضين في الخطاب الشرعي والعرفي ليتكاملا ويتشاكلا في الخطاب التخييلي الروائي حيث حدود المقدّس والمدنّس اللذان يتجاذبان حياة الإنسان ويصنعان سعادته وشقائه في دنياه و آخرته.

 

الجسد بين المقدس والمدنس

عمدت الكثير من النصوص الروائية العربية إلى استثمار موضوع الجسد وفق رؤى متباينة، وبتوظيف فني جمالي يختلف من مبدع الى أخر،وقد شغلت رواية " لولم اعشقها" بقضية الجسد،لأن وضع الجسد في الخطاب الثقافي العربي العام والخطاب الروائي خاصة له مدلولات مهمة تتعلق بالمحرم والمقدس والديني والانثروبولوجي، واعادة طرح أسئلة الذات والهوية والكينونة والعلاقة مع الأخر.

يتقاسم نص رواية   "لولم أعشقها" جسدان،الأول شبقي، رغبوي دنيوي، باحث عن اللّذة والمتعة من خلال الجسد الأنثوي، والثاني الجسد المبجل أو المقدس الذي تتجلى توصيفاته بين الزوجة الحبيبة.

يتمظهر النمط الأول في شخصيات(فتحي رضوان، كاظم راغب شداد) حيث حملهم السيد حافظ بالقيم الثقافية الذكورية ذات الطابع الفحولي القائم على البحث عن اللّذة بصورتها الجسدية -الحبيبةضمن نسق ثقافي محدود الرؤية لايؤمن بالبعد التواصلي الإنساني إلا بالوصول الى جسد الأنثى مثل شخصية راغب شداد، وشخصية فتحي رضوان.

ففتحي رضوان نصف شخصية لم يرد لها السيد حافظ أن تخرج مكتملة، لذلك جعل لها امتدادا آخر عبر شخصيات أهمها (سهر – حياة – تهاني) وهذا اللا اكتمال في رسم حدود الشخصية ينبثق من التصرفات اللامقنعة التي تؤطر أفعالها.

ففتحي رضوان بتجربته الحياتية الجنسية الواسعة والممتدة على الجسد الإنساني غير مقنع في تصرفاته ووجوديته العدمية الخاصة به والباحثة عن الجنس والمتع والفضاءات الجديدة.

إن فعل الانغماس الجسدي في المتع الذي تمارسه الشخصيات (كاظم – منقد –راغب – فتحي – شداد)، هو الموجه الأساسي للبنيات الحكائية في النص الروائي، فهو المحرك للأحداث والعامل الرئيس في تنشيطها، وهو من رسم الأمكنة وحدّد ملامحها وفق رغبة شبقية بينها وبين الجسد الإنساني.

  فالعلاقات التي تنشأ ضمن هذا المحور بين الذكر والأنثى أساسها الرغبة في امتلاك الجسد، الشهوة، وتتحكم فيها ثنائيات ضدية أهمها (الذكورة-الأنوثة) (الاكتمال-النقص) (الحضور-الغياب) (مانح-مستخدم)...الخ.

وتتولد هذه الرغبة من معطى حضاري مترسخ في الذاكرة البشرية يعمل في أغلب الأحيان بوصفه نسقا ثقافيا ثابتا، فهو يرسم صورة المرأة في ذهنية الرجل الفرد على أنها جسد شهواني حامل للذة والعلاقة بينهما تسويقية قائمة على الاشباع فالثقافة الذكورية أحادية الرؤية لا ترى في المرأة إلا الجسد وهذا ما يتضح لنا في قول راغب: "لست الرجل الوحيد الذي اشتهى امرأة متزوجة...دائما نطمع في نساء لرجال آخرين"([1])، وأكمل حديثه قائلا: "أنا رجل مريض بعشق الجنس وأبوك كذلك"([2]).

إن التركيز في المقطع السابق لا يكون على الجسد الأنثوي فحسب بل هناك تأكيد على المشاركة في الفعل الجنسي ومحاولة اكتشاف جسد الآخر من الطرفين كحياة.

و بهذا فالفعل الجنسي يتحول إلى معركة إثبات وجود وتحقيق كينونة وطريق لسحق الآخر وتدميره وإقصائه، وهنا ينتفي البعد الإنساني وتصبح عملية بيولوجية الغرض منها اشباع الغريزة والتنفيس عن عقد ومكنونات وانعكاس للواقع المتردي المرير، مثل قول فتحي:

"أمشي مكشوف الرأس وأبتسم بلا سبب وأضحك بلا سبب وأعرف النساء وأعاشرهن ربما لسبب هام هو أنني أقاوم الاكتئاب العميق الذي لا يراه الناس في وجهي ... عندي اكتئاب شديد عميق من الوطن ... فالوطن دائما يحك رقبته وظهره بالشهداء وينساهم ... أنا لا أريد من هذا الوطن إلا رغيفا طازجا ساخنا وقطعة جبن وخمس بيضات مسلوقة"([3]).

فضلا عن التمثيلات الجسدية ذات الغائية الرغبوية المرتبطة بمبدأ تحقيق اللّذة، فإن هناك خيطا رفيعا يربط بين عهر الجسد وعهر السلطة الفاسدة، ويرى بأنهما متشابهان لكن الفرق بينهما في الغايات لا في الوسائل، فغاية الأول تنحصر إمّا في المكسب المادي أو تحقيق المتعة الجسدية أما الثاني (السياسي) فهدفه التدمير، التسلط والقمع.

فنص الرواية يتجاذبه جسدان، الأول دال على الرغبة والمتعة واللذة، والثاني جسد مقدّس يؤشر على قيم النبل والجمال والجلال.

إنّ المقدّس بمختلف تجلياته يكتسب مشروعيته عندما يضع الناس حدودا له، لا يمكن تجاوزها إلا بخرق المحرمات وانتهاكها، لهذا يبقى المقدّس خالدا.

نص رواية ( لو لم أعشقها) هو نص يحتفل بالجسد على مستويين، رغبوي ومبجّل، فيستعرض الحياة الواسعة بكل تمفصلاتها بعيدا عن الرؤية الأحادية للجسد التي يمكن أن تجعل منه أنموذجا ثابتا لا يقبل التحول والتغيير.

يقدّم الجسد المبجل في النص الروائي ضمن خطين متوازيين:

الأول: جسد الأم

حيث يحتفي نص الرواية بالأم ويقدمها معادلا موضوعيًا  لأشياء عدّة من أهمها الوطن على مستوى الثيمات ، والفضاء الزمكاني على مستوى البناء الفني ، فجسد الأم جسد مبجل وحاضن للرجل يقوم عليه ويمنحه الحياة والحنان.

أمّا شهرزاد فتمثّل دالة مكانية زمانية تتسع دلالاتها لتشمل الوطن ( الشام) – سوريا – بأكمله، وتتماهى مع الأمكنة ( الجبل ـــ المدينة دبي) وتبادل الأدوار الدلالية معها... المرأة / الأم، إنّ شهرزاد نموذج نسائي مغاير ومخالف للغة الجسد التي تطفح بها الرواية ، وعبر جسد الأم يختزل الوطن في المرأة والمرأة في الوطن، فشهرزاد تمثّل الوطن / الشام بامتداده واتساعه، فهي لم تنجب  لكن كانت بمثابة الأم  لسهر ووردة.

ثمّ نجد جسد الزوجة أو الحبيبة و هو النمط الثاني للجسد المبجل في نص السيد حافظ،

إنّ الثنائية التي تشتغل على امتداد النص هي ثنائية الطهر والعهر، فمع الجسد الرغبوي الشهوي تتضح الصورة الأولى ومع الجسد المعشوق- المحبوب تتجلى الصورة الثانية ويتضح هذا في علاقة شهرزاد وزوجها وكذلك نجده عند فتحي وزوجته لهذا فإنّ المودة والألفة هما ما يميزان العلاقة البعيدة عن اللذة والرغبة في امتلاك الجسد للجسد الإنساني حرمة وقدسية، وهو مكان يمارس فيه وبه الفرد سلطته ويكون حميما وأليفا مثل بيت الزوجية، وانتهاك قدسية الجسد يمارس تحت ضغوط سياسية، اجتماعية، ثقافية مثل استغلال شداد لسهرـ

تعمل ثنائية الطهر والعهر بطريقة معكوسة ومفارقة تحمل في ثناياها دلالات السخرية السوداء من الأوضاع الاجتماعية، والإنسان المقموع المتصل بسلطة السياسة والترهيب والقمع والانتهاك ، و أهم مميزات العلاقة بين الفرد الهش والسلطة القوية، كما تعرض لنا رواية (لو لم أعشقها) صور المجتمعات الشرقية والعلاقات المرضية (السادية ــ الماسوشية) التي تتحكم في الأفراد والسلطات.

صورة الأنثى بين التقديس والدونية:

صورة العشيقة:

إنّ الغريزة الجنسية تتولد عنها الكثير من العلاقات، والنشاطات الإنسانية فهي ترسم ثقافة الإنسان، يقول فيليب كامبي: « كل ثقافة الإنسان في جميع تنوعاتها إنّما تتصل قليلا أو أكثر بغريزته الجنسية والعلاقات المتولدة عن هذه الغريزة بين الرجل والمرأة»([4])، ومنه إنّ أساس التجمع البشري، هو الاتصال بين الرجل والمرأة وهذا الاتصال يبدأ بميل أحد الطرفين نحو الآخر، كما أنّ الرواية الجديدة لم تعد تحدد الزواج كهدف  وثمرة للحب، بل صار الحب يكفي وحده، بل لم يعد الحب أيضا هدفا، ونحدد هاته المرأة في شخصية ليزا والعلاقة التي تجمعها بكاظم مثل: «خرجنا من المدرسة في الظهيرة وركب كل واحد سيارته واتجهت إلى بيتها ... لا مفر من العشق الحرام الذي يحاصرك هل لأنّ هذا العشق مجنون أنت تعشقه.... نعم إنّ عطر جنون العشق يوجع الروح قبل القلب ويخجل الحرف عن التعبير...»([5])، وأيضا «حاولت أن أنساك لم أستطع كاظم لا بد أن نعيش سويا في أي مكان بعيدا عن أهلك وأقاربك والعمل... ونترك هذا الشرق المعقد من الجنس والمضطرب العقل في فهم الإيمان»([6])، فطبعًا كاظم رجل متزوج وليزا امرأة متحررة فعلاقتهما مرفوضة مثل: "ما علاقتهم بحبنا"([7])رد كاظم "أنا رجل متزوج".([8])

صورة المرأة الخائنة:

تجسّدت الخائنة في رواية (لو لم أعشقها) في شخصية سهر كونها تخون زوجها منقذ مع فتحي رضوان، كالحوار الذي دار بين شهرزاد وسهر:

«- المرأة لا يحميها ألف رجل من الخطيئة لو أرادت فعلتها...

- أنا أفعل الخطيئة؟

- لا... أنا.

- خالتي أرجوك لا تجلديني بسبب مشاعري... أرجوك».([9])

وحين اكتشاف منقذ خيانة سهر له مع صديقه فتحي: «ماذا تفعل يا فتحي عندما تخونك زوجتك تهاني مع شخص آخر؟ ماذا تفعل؟ رد يا فتحي.. لا تسكت»([10])و «كيف سأبدأ الحديث مع فتحي الكلب الخائن؟.. هل أدخل في الموضوع مباشرة؟ هل أشير له؟ هل أقول له أعرف أنّك على علاقة مع زوجتي؟»([11]). هكذا كان منقذ يستعد للنقاش مع فتحي ـ

صورة المرأة الزانية:

تجسّدت المرأة الزانية في كل من شخصية حياة، تهاني، ليزا ومارينا، مثل: خطيئة حياة مع فتحي: «قمت للجلوس بجوارها قالت وهي تتدلل بصوتها غنج خفي حاولت أن أقبّلها دفعتني مستنكرة وجرت إلى غرفة النوم... دخلت الغرفة خلفها... ضممتها تملّصت مرة ومرة ومرتين ثم استسلمت.. ما أروع لحظة الاستسلام للأنثى بدلال...»([12])، خطيئة ليزا وكاظم مثل « حملتها من فوق الكرسي وأنزلتها ضمّتني بعنف إلى صدرها ضممتها»([13])، إلى غاية حضور الخطيئة، وخطيئة فتحي مع سهر في سيارة مثل: « دخلت على الكرسي الخلفي أغلقت الباب... وجدتها تخلع الفستان الأسود».([14])

صورة المرأة الزوجة:

الزواج ظاهرة اجتماعية هامة لتكوين الأسرة والربط بين الذكر والأنثى ربطا ينتج عنه التواد والتآلف والسكن وبقاء النوع بصورة منظمة، وقد خصصت له المجتمعات قوانين مدنية، وأكّدت عليه الشرائع السماوية.

رغم أنّ المرأة والرجل يكونان معا أسرة واحدة إلا أنّ العلاقات السائدة التي يرسمها السيد حافظ تجعل من الرجل سيد البيت الآمر الناهي فيها، والمرأة تمثّل التابع مثل علاقة كاظم ووردة التي لم تستطع ترك زوجها يغادر المنزل بالرغم من انّه لم يحبها مثل« انهارت وردة تحت قدمه تشبثت بها:

- حقك علي... أبوس حذاءك لا تذهب، حقك عليّ

- لا لن أجلس لحظة واحدة بعد الآن سأترك البيت».([15])

ومنه نجد أنّ السيد حافظ يسير بالزاوية نحو غوص أكثر عمقا، ويركّز دوما على الصراع القائم في المجتمع، فتبدو المرأة رمزا أكثر منه كائنا تابعا للرجل وظلاله.

كما أنّ من أول واجبات المرأة أن تكون امتدادا لزوجها فتنفي عن نفسها إنسانيتها وتفقد أمامه شخصيتها« وكي تكيف نفسها حسب ما تقتضيه رغبة الزوج كأن لا قيمة لها سوى رضا الزوج عنها، وتقضي نهارها في إعداد الطعام له، وتهيئة نفسها له لاستقباله».([16])

والحديث عن صورة الزوجة في رواية (لو لم أعشقها) تمثّلت في شخصية تهاني مثل: « حين وصلت البيت كانت تهاني قد جهّزت على السفرة الملوخية والدجاج المشوي والسلطة... وصح النوم يا أستاذ فتحي جهّزت لك الغداء ملوخية وفراخ مشوية».([17])

صورة المرأة الأم:

الأم هي محور الأسرة وسر استمرارها، ولذلك لعبت دورا بارزا في المجتمعات منذ القدم، فكانت رمزا للمحبة والحنان والتضحية، ورمزا للأرض والكاهنة والعرافة في المجتمعات القديمة، فللعلاقة المشيمية بين الأرض والأم حيزا واسعا في الروايات، ولم يكتفِ السيد حافظ بتقديم الصورة النمطية للأم وهي الصورة المشرقية التي تمثّل التضحية والصبر والعطاء، بل قدّم أيضا الصورة السلبية للمرأة الأم، مثل سهر زوجة منقذ وهي نموذج للمرأة البرجوازية الساذجة.

رواية لو لم أعشقها تحتفي بمقدساتها:

لا يمكن بأي حال من الأحوال التعاطي النقدي مع النصوص الأدبية التي تـنفي استفادة أغلبها مما يرشح به الخزين الأسطوري و الديني من أنماط حكي وفنون تخييل، وهي استفادة يبررها نزوع الأدب والدين كليهما، باعتبارهما فعاليتين تتبادلان التأثر بواقع الإنسان والتأثير فيه، إلى نشر الثابت من القيم الإنسانية كالخير والعدل والحرية، واشتراكهما معا في توظيف الأسطورة لتحقيق ذلك النزوع، وبناء عليه، وجبت إضاءة دور الأدب في عضد منجزات الفكر من جهة كونه يمثل فضاء يستطيع أن يستوعب المقدس في أخلاقيته، وسبيلا إلى البحث فيه بحثا حرا وذاتيا.

ففي رواية " لو لم أعشقها" نتعرف إلى مظاهر حضور قداسة الحاكم وذلك من جهة كونها فضاء سرديا يكشف فيه الروائي عن نمط من أنماط علاقة حاكم عربي بمحكوميه، كما أنّها رواية تقوم بتعرية المسكوت عنه سياسيا في واقعنا العربي والسخرية منه.

ومنه إنّ اتصال نص لو لم أعشقها بالنص المقدّس ساهم في إغنائه، سواء على مستوى الدلالة أو على مستوى البناء الفني، إذ وجد الأدبي في الديني كونه الأسطوري على حدٍّ فاتّسع حجم التخييل فيها، وتكثّفت رموزه، وشاعت البلاغة داخل نسيجه اللغوي، وهو ما جعلها ترقى مراقي البيان والسحر.

تنويعات خيالية لزمنية الفنية المقدّسة وتعدد أمكنتها:

يعد الزمن القاعدة التي تبني بها البنية السردية، وهو البعد الأساسي لها، إنّ وجود تمظهرات الخطاب الديني في البنية السردية مرهون بالزمن الفني، داخل هذه البنية التي تنهض أساسا على زمن ما، فهو الذي يشكّل تجربة الخطاب الديني إبداعيا، لأنّ (( الزمن هو الذي يوجد السرد))([18])، وتجربة الخطاب الديني داخل هذه البنية المختلفة.

وبناء على هذا المصوغ النقدي، تتوزع زمنية " لو لم أعشقها" عبر حقب تاريخية متباعدة (سنة 95ه، العصر العباسي، الفاطميون، الزمن المعاصر) وهذه الأزمنة أقرتها مؤشرات نصية، انفلت زمنها من الطابع الثلاثي المتعاقب لأشكال الزمان إلى وعي جمالي يحدده البناء الفني للرواية، ما يجعل النص مفتوحا على تعدّد أزمنته واختلافها وتباعدها، (زمن مستعاد وهو زمن تاريخي، وزمن الحلم أو الرؤية، والزمن الصوفي، وزمن الحاضر) وكلها تشكّل في تضافرها حركية الزمن في أغوار النص متحررا بذلك من تعاقبية الزمن، وسكونية المكان، فالزمن الروائي لا يخضع لأي سلطة إلا سلطة جماليات النص وتفاعلاته مع القارئ، وبين القارئ ما يملك من خبرة جمالية يأتينا الزمن في هذه الرواية بطرق مختلفة ومتعددة وهم ( الزمن المستعاد، وزمن التيه والضياع، والزمن الصوفي).

1 - الزمن المستعاد:

هو زمن الحلم أو الرؤية مثل الكابوس الذي شاهده فتحي حول تقسيم الوطن وكيف رآه عبارة عن جثة كبيرة يمشي عليها الناس مثل:

- فتحي استيقظ

- خير؟

- كنت تحلم وتصيح

- بماذا؟

- كنت تقول قسمتم الوطن يا أولاد الكلب

- كابوس؟

- نعم كابوس

- أرى كابوس المستقبل على هذه الأرض وهم يسيرون أمواتا أو نياما أو عميانا.([19])

ونجد أيضا حلم سهر لرابعة العدوية حيث استخدم السيد حافظ شخصية تاريخية دينية، وجعل الاتصال بين زمنين منقطعين، الزمن الواقعي المعاصر وبكل واقعيته المعتّمة ويمثله السارد والزمن المنصرم الذي تمثّله الشخصية التي صنعها الدين الإسلامي مثل: " حين أطفأت سهر نور الحجرة وجدت أمامها امرأة يشع من وجهها النور ... سألتها من أنت؟

قالت:

-رابعة العدوية... ويقولون عني أيضا أم الخير رابعة بنت إسماعيل القيسية العدوية البصرية، فأنا مثال رائع للحياة الروحية في الإسلام، ولدت في البصرة حوالي سنة 95 ه 814 م في أسرة فقيرة".([20])

2 - زمن التيه والضياع:

وهو الزمن الراهن الذي يحياه أبطال الرواية من خلال البحث عن الذات وهو زمن صاغه تكرار سؤال أين نحن، وزمن التيه هذا يبعث بمؤشرات زمنية معاصرة احكي عن الواقع الراهن، تدفع بحركية النص نحو الانفتاح على أزمنة متعددة ومختلفة.

3 - الزمن الصوفي:

يتوجه النص (رواية لو لم أعشقها) إلى الزمن الصوفي لينتقي منه رصيدا معرفيا، فتنشأ العلاقات بين ما هو سردي متخيل، وما هو صوفي ميتافيزيقي، إنّ علاقة ابن عربي والشيوخ الصوفية مع فتحي رضوان تتجلى في دور المهيب، فالعلاقة بينهم وبينه علاقة تنوير وهداية؛  ففتحي وسهر شخصيات مستغيثة.

يمثّل النص الروائي (لو لم أعشقها) البحث عن الذات والحقيقة والنور، حيث تمثّل هذه الرحلة، وما تخللها من تيه وضياع بحثا عن حقيقة هذا الواقع المأساوي و أسباب هذا التأزم، و خلفياته التاريخية، و عن أزمنة الصراعات التي لا تنتهي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السيرة الذاتية
الباحثة  :   سناء   نويوه


تاريخ الميلاد 18/04/1998

تخصص الدراسة في شهادة ليسانس دراسات أدبية

بعنوان مذكرة ليسانس البنية الزمانية والمكانية في رواية قدس الله سري.

تخصص الدراسات في شهادة الماستر أدب عربي حديث ومعاصر عنوان المذكرة :

"ثنائية المخاتلة بين النص الغائب و الصوره الذهنيه في مسرح السيد حافظ حكاية الفلاح عبد المطيع أنموذجًا"




([1]) الرواية، ص 45.

([2]) الرواية، ص 46.

([3]) الرواية، ص 23.

([4]) فيليب كامبي، العشق – الجنس – المقدس، تر: عبد الهادي عباس، دمشق، مطبعة ألف باء 1992 ، ص6.

([5]) الرواية، ص101.

([6]) الرواية، ن ص.

([7]) الرواية، ن ص.

([8]) الرواية، ن ص.

([9])الرواية، ص 92.

([10])الرواية، ص 21.

([11])الرواية، ص 19.

([12])الرواية، ص 60.

([13]) الرواية، ص 100

([14])الرواية، ص 148.

([15])الرواية، ص 111.

([16])إيمان القاضي، السمات النفسية للرواية النسوية في بلاد الشام، 1950، رسالة ماجستير، إشراف الدكتور حسام الخطيب، قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة رمق، 1989، ص 34.

([17])الرواية، ص136.

([18]) حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي،

([19]) الرواية، ص 78، 79.

([20]) الرواية، ص 266.








 







0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More