دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 273 )
استكناه مناطق القلق الوجودي والتبشير بانزياحات رؤيوية جديدة في رواية " لو لم أعشقها"
قراءة في رواية " لو لم أعشقها " للكاتب سيد حافظ
بقلم أ. أشرف دسوقي علي - مصر
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
استكناه مناطق القلق الوجودي والتبشير بانزياحات رؤيوية جديدة في رواية " لو لم أعشقها"
قراءة في رواية " لو لم أعشقها " للكاتب سيد حافظ
بقلم أ. أشرف دسوقي علي - مصر
بين الإصدار الأول قهوة سادة 2011 الجزء الأول وصولا إلى شاى أخضر بالياسمين 2014 وهو الجزء الأول الذي تناولته بالقراءة إلى العلامة السابعة والأخيرة، لو لم اعشقها، كان قد مر ثمان سنوات كانت كفيلة بإنجاز مشروع روائي مدهش، يحمل من عناصر الإبداع ما يستحق التوقف عنده، من نثر وشعر وتداخل للفنون والأساليب ، علاوة علي الغوص في أعماق الشخصية، واكتشاف مكنوناتها، كالقلق المتزايد لدى البطل والمواقف الفانتازية التي يحياها.
تبدأ العلامة الأولى بمقدمة كاشفة للقلق الوجودي، فهناك عبارات من رواية غبار الخاطر لأبى الكلام آزاد يقول مقولته التى تمثل خلاصة فكره : لا تلق بظلالك الشريفة على الديار التي تقل فيها الببغاء عن الغراب الأسحم، تبدأ العلامة بحوار مسرحي بإمتياز ،هذا يتسم الحوار بالغيرة النسائية وتنازع امرأتان حول عشق رجل واحد، ثم حوار بين البطل وضميره، وتذكر الوطن الطيب المتسامح – مصر – التى كانت تحتوي الجميع مع تضمين الآية القرآنية : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، كما يبدأ بتعريفه للحب في العلامة الثانية بتضمين، مقتطف من رواية الاحتقار لألبيرتو مورافيا يستعرض فيها شكل العلاقة بين المحب والمحبوب ، وكيف يبصر كلاهما الآخر وكيف تتحول السلبيات إلى مميزات وهو ما يشي بما يتبناه الكاتب لمفهوم الحب رغم كلماته التي تبدو قاسية في إدنة المجتمع وسلوكياته، إلا أن هذا المقتطف من رواية مورافيا يشي بحب دقيق وعشق خاص لهذا الوطن بكل ما فيه ورغم ما فيه.
تنوعت الأماكن بين منزل فتحي رضوان والجريدة ، المجلة، كافيتريا، دبي، القاهرة وغيرها من أماكن عبر أرجاء الوطن العربي ، وذلك الصراع الذي تظهره المونولوجات الداخلية التي تدور في ذهن كل من فتحي رضوان ومنقذ حول العلاقة بين فتحي وزوجته منقذ – سهر – ومحاولة توقع فعل ورد فعل كليهما تجاه الآخر، كيف سأبدأ الحديث مع فتحي الكلب الخائن ...
هل أشير له ؟ هل أقول له أعرف أنك على علاقة مع زوجتي؟ هل أخبر أهلها وأطلقها ويقتلونها ويقولون... ماذا؟
هذا هو البطل الذي قتل زوجته الخائنة أم سيقولون هذا المخلوع خانته لأنه لم يملأ عينيها، هل أخرج سكينا وأطعنه كما يحدث في الأفلام ؟
وما إن ينطلق منقذ في حواره وبكائه وشكواه من خيانة سهر، فإذا بالحوار يتغير بل يتلاشي الزمان والمكان لنجد أنفسنا في القاهرة وقراءة الجريدة وخبر صغير عن الوطن، وجد الوطن ميتا في جناحي المدينة حافي القدمين وقد سرقت كليته وقلبه وقطع لسانه ونشرت أصابع يديه، قمت مسرعا تجاه البالكون، صحت يا قوم ياقوم الوطن قد مات وسرقوا قلبه وكليتيه ونشرت أصابع يديه .
لم تفتح البالكونات، لم يرد أحد، نزلت إلى الشارع، وجدت كل الناس تسير مقطوعة الأذن والمرور يسير ويتعاملون بصياح صامت كأنه لغة إشارة خاصة بهم، أدركت لحظتها أنني وحيد ودخلت إلى مسجد على شاطئ القصبة أصلي ... إلهي إلهي اسألك أن تقطع أذني مثلهم، اكتشفت أنهم عميان أيضًا ... (كتب بالسحب على السماء والله ترك هذا الوطن لأنه زان ) مما يمنح السرد عجائبية من نوع مغاير لكثير عما قرأناه، مختتما العلامة بالآية القرآنية ظهر الفساد في البر والبحر للمرة الثانية مستخدما اياها، أما العلامة الثالثة وأكثرهم الكافرون فكان الاهداء إلى روح ، ونجد تعريفا مغايرا للحب بأنه مأخوذ من الحبة وهي بروز نبات الصحراء،فسمي الحب حبا لأنه ... لباب النبات والحب كالعمر.
نجد أن الكاتب يعتمد المعرفية وخاصة المعرفية اللغوية والرجوع إلى جذر الكلمة وفلسفة الاشتقاق، مما يشي برغبة جامحة للصراخ والتنويه عن رغبة الدعوة للمعرفة والعودة إلى الجذور بعد أن انحرفت الأفكار وانحرفت المعرفة نظرا لانحراف اللغة، فكثرة الانزياحات اللغوية غير كثيرا مما كانت الأمور عليه، فتبدلت المعرفة وتبدل السلوك بناء على ذلك بل، انحرف السلوك ، فعشنا ما نعانيه الآن وكأنه يقول عودوا إلى الجذور اللغوية والمعرفية والفكرية ، حتى تستعيدوا ذواتكم ولتستعيدوا أنفسكم مرة أخرى، يلي ذلك مقتطف من حفلة القنبلة لغراهام جرين وكأنه يستعيد رواية أهل الكهف، حيث السبات العميق الذي تستفيق بعده، لتبحث عن موت جديد، قبل البحث بل بدلا من البحث عن حياة ثانية، لتتساوق الحالات الثلاث: أهل الكهف وحفلة القنبلة ولو لم أعشقها، كل منها معادل موضوعي للآخر، ثم تستكمل الرواية بهذا المونولوج حيث يناجي فتحي نفسه قائلا : أين ستذهب يا ابن رضوان، إلى مصر ؟ حيث ينتظرك الغالبية من المثقفين، يحملون خناجرهم ليغتالونك مثلما اغتالوا محمود دياب ونجيب سرور ويحيي الطاهر ومحمد حافظ رجب .... كم مرة يافتحي قمت بحرق ما كتبت من قصص ومسرحيات ... هل تذهب إلى مكة في السعودية، لتكون بجوار الكعبة، لترى الله ذات ليلة وتكلمه مثل موسى وإبراهيم ؟ ثم ينتقل إلى كافيتريا ويتغير الزمن، حيث سهر امرأة كالغزال في الانتظار لتدخل حياة ،ليبدأ حوارجديد، بلهجة خليجية، تنظر سهر في ساعتها كأنها توبخ حياة على تأخيرها وحياة تستخرج علبة سجائر من حقيبتها وأشعلت سيجارة وتتحدث مبررة تأخرها، بوجود حواجز شرطة على الطرقات وزحام المكان ثم يدور حوار نسائي لا يخلو من المكر والدهاء والتوريط والسكر وتعليق الكاتب وتساؤلاته حول جهل ما فعلته السيدتان وهو تساؤل استنكاري إن جاز القول يختتمه بآية قرآنية ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ثم آية أخرى، لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ... وتأتي العلامة الرابعة ليمنحنا تفسيرا آخر للحب بأنه اسم الصفاء، صفاء المودة لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان والحباب شئ يعلو الماء عند المطر الشديد والحباب أيضًا حبة بيضاء نقية، ثم الاستشهاد بمقطع من رواية لأوليفر ساكس هذه زوجتي محتفيا بالتفاؤل، ذلك الرجل الذي يغني في كل أحواله، وكأنها دعوة لتجاهل كل ما يؤلمك وأن التفاؤل هو محاولة قهر الحاسدين والحاقدين الذين لا يريدونك إلا مقهورا باكيا كسيرا ، ليتحدث فتحي واصفا نفسه، فهو البطريق والبطريق كائن عاشق للحرية، لايجد قوته إلا بالصدفة، يشعر بالقلق حيث يخشى من معرفة تهاني لعلاقته بسهر، يخشى ما يمكن أن يقدم عليه منقذ، بعد أن عرف أن زوجته خائنة، يستمر فتحي في البحث في أعماقه عن صفاته وما يظنه عن نفسه من صفات السوبر مان الذي يجمع كل مميزات السابقين فهو ذو الأوتاد وذو الكفل وذو النورين... ذو السؤال وذو اليد وذو القلمين .. أنا المتين ولا أملك روغان الثعلب ، أعرف عناء الطير وأعرف طير النار وسر الشعر وحمق الشعراء، أنا من عاش أسير المجتمع المصرى ورغبة قاتلة في جنسية فرنسية أو ألمانية، فالوطن قاعة استقبال للغرباء مغلقا أبوابها أمام مواطنيه .. أنا من العبيد الكلاب، أنحاز اليهم .
فتحي رضوان ذلك الكاذب الذي يكذب على زوجته، الطاهر الذي يقوم للتوضأ، قام للتوضأ بيده اليمنى عند بئر زمزم والثانية في المسجد الأقصى وروحه تطوف حول مكة وقلبه يحلق على معبد داود، فتحي رضوان مجمع الشرور ومجمع الخير، ذلك المتناقض غير المتصالح مع ذاته ولم يكن يوما متصالحا مع المحيطين به، شجاع جبان، قوي ضعيف،عبد صالح وأفاك فى آن، يرتعد من حاجز أمنى ويهاجم رأس السلطة في شجاعة نادرة، يكذب ويصلي وتباركه الملائكة ذوات الأجنحة، كأنه نبي مرسل ويتبادل معها الحوار والقلق، يصنع الكاتب دهشته، فيصدرها للقارئ المتلقي يحاول صنع بعضا من واقعية سحرية، عبر الحوار أو المونولوج الداخلي، ربما لا توجد شخصيات حقيقية للحوار، ربما كان حوارا مع الضمير أو مع الذات، عبر شيزوفيرنيا كاشفة، يحاول البطل اكتشاف ذاته من جديد رغم صراخه المستمر بأنه يعرف قدراته ومميزاته ويعرف الآخرين تماما، لكن السياق يدل على ارتباك البطل وعدم قدرته على قراءة الواقع الذى كلما عاشه أدهشه وفاجأه كلما تعامل معه، كأنه طفل كأنه ريشة في مهب الريح ربما كان من حسن حظه أن لا أحد تمكن من اللحظة من الاطلاع على نيته أو ضميره أو روحه القلقة وارتباكاته المتكررة وخطاياه الخفية وإلا لتحول لفريسة شديدة السهولة لأى صياد هاو، فكان محظوظا ورغم معاناته ، بأن وجد عملا مناسبا وزوجة وأصدقاء وحتى أعداء وحاسدين، فهناك من لا يجيدون شيئا من هذا حتى لو كان ما يمكن أن يجدوه بغيضا أو خطرا.
لا يتوانى عن التعرض للموروثات الشعبية فيقول شداد على سبيل المثال:
في بلد عربي تذهب النساء العوانس إلى نخلة معروفة وتقول: يا فحل الفحول ارزقنا عريس قبل الحول وأنا أقول يارب ارزقني سهر حتى ولو ساعة قبل انتهاء العمر.
يظل الكاتب في استفهام مقتطفات روائية، كما فعل في العلامة التاسعة، مثل مقتطف من رواية "وجدت ميتة" لكاتي راكس، فكل الروائح العطرة تلاشت أمام رائحة الجثة العفنة، فالجثث العفنة هي كل ما صادفه اليوم من نماذج كان من المستحيل تصور وجودها ،لقد تجاوزوا كل ما قيل وكتب في الواقعية السحرية، لقد قابلنا شخصيات فوق سوريالية تتجاوزأوصافها من قابلناهم حقيقة في واقعنا المعاصر.
تتداخل النصوص، في موزاييك شعري، فمن مقتطف من رواية كاتي إلي ما قابله البطل فتحي رضوان بعد أن غالبته رغبة الكتابة، كتابة أي شئ دون تحديد جنسه رواية، مسرحية، قصة، ليغلق ورقته، ليجد نفسه داخل ممر غريب وعالم غريب وينزل إلى الشارع ليصرخ يا قوم: أنتم تسيرون على جثة جسد عار بحجم أرصفة الشارع، أنتم تسيرون على جثة الوطن، ادفنوه في مقبرة تليق به، كانت عيناه – الوطن الجثة – تنظر تجاه النيل والأخرى فيها دمعة متحجرة، فجريت نحوها وأمسكتها وألقيت هذه الدمعة على الأرض ،فقط ألف ألف شهيد، فيباغته الشرطي بقوله: لقد خدعتكن فاضطر لدفع غرامة ألف دولار، فجريمته أنه يشم ويرى الوطن متهما بالزندقة والكفر.
يعاين البطل هذا الشتات، يصادف ورقة عليها شعار مصر إسلامية على مذهب أهل السنة وأخرى عليها مصر مسيحية، فاتجه غربا حيث ثالث دولة مصر النوبية، ففزع وصرخ، هل قسمتم الوطن وأنا غائب يا أولاد الكلب؟، فيضحك شرطي نوبي ويبلغه أنه ممنوع من الدخول، لأنه سارق ومشاغب، فيحمله بساط الريح إلى ليبيا ليجدها ثلاث دول، وكذلك الجزائر ما بين إسلامية وأمازيغية وفرانكفونية وتونس، السعودية، وسوريا، لقد تقسيم المقسم وتجزيئ المجزأ !
لا يمكن التعامل مع شخصية فتحي رضوان بعيدا عن التفسير النفسي وأقرب طرق التحليل النفسي هو المنهج الفرويدي الذي يرى أن الفصام - والذي أرى شخصية فتحي رضوان شخصية فصامية في كثير من سلوكياتها - فلقد فشل في التكيف مع المجتمع المحيط به ،حيث صراع الأنا والعالم الخارجي، ومن مشكلات الشيزوفرينيا أن الشخص قد يكون فصاميا دون أن تظهر الأعراض عليه، لكن الضغوط النفسية والظروف المحيطة تعمل على تصدع الشخصية وانقسامها، فيرتد إلى سلوكيات الطفولة، فالهلع المبالغ فيه، الرغبة في محبة المحيطين طوال الوقت، التردد، الصراع كلها تظهر في هذه الشخصية.
ولا يمكن تجاهل أن الفصامى هو شخص حاد الذكاء في أغلب الحالات، وهذا سر شقائه، فلديه قدرة علي استيعاب أدق التفاصيل، خاصة كل ما يتعلق بسلوك الآخرين نحوه .
لا يعد فتحي رضوان الفصامي الوحيد، بل إن مجتمعنا يعج بالفصاميين، غير المعلنين الذين ينتظرون دورهم حين يواجههم ضغط ما أو حدث صادم، لتظهر عليهم بوادر المرض، وإذا كان الفصام أو الاستعداد له يحيط بكثير منا، فإن الأمراض النفسية والعقلية الأخرى قد داهمت حوالي 400 مليون شخصا في جميع أنحاء العالم ، أى ما يقرب من نصف مليار نسمة، فحوالي 10% من سكان العالم تقريبا مرضى نفسيون.
يتشظى فتحي رضوان إلى شخصيات خمس : الأول أوربي الملبس يرتدي القبعة، والثاني شرقي الفكر يرتدي عمامة والثالث ناسك في الصحراء حافي القدمين ويمسك عكازا والرابع يقف على أبواب الجنة ينتظر العفو ليدخل والخامس بدائي يعيش في غابات فوق شجرة مع كل الحيوانات.
لا يعرض الكاتب تشريحا نفسيا للبطل فقط، بل يستعرض وطنيته وإحباطاته وفلسفته وتساؤلاته التي لا تنتهي ،من أين تأتي النجاسة للروح، فنفرط في الوطن من أجل حفنة دولارات ،من أين تأتي ؟ تأتي من أين ،أين تأتي من ؟ هل الوطن مضاف أم مضاف إليه، لسان الحال أنطق من لسان المقال ، هل الوطن مضاف أم مضاف إليه اجمعيني، اجمعيني ، أنا خمسة اشخاص ولست شخصا واحدا .
- ما بك يا عمري
- أنا رجل مهزوم مأزوم ، أحمل في عقلي نورا فوق طاقتي، فلا أستطيع أن أمشي به وسط العميان.
تداخلت الأجناس في الرواية، والمشهد المسرحي حاضر بوضوح ، حيث الحوار،كما احتل المونولوج الداخلي مساحةا كبيرة في الرواية.
تعددت المستويات اللغوية للرواية، استخدمت بالطبع اللغة الفصحى علاوة على لهجات مصرية وخليجية وشامية ،بل واللغات الأجنبية أو بعض كلماتها التي يستخدمها كثيرون كنوع من استعراض الثقافة وادعاء الارستقراطية أو أحيانا نتيجة لثقافة وتعليم اجنبيين مثل : شو أخبار اللي ما يتسمي " come " من معي ؟
- ما تعرف صوتي يا أزعر
استدعاء شخصيات بارزة كجمال حمدان والتشبث بوجهة نظره حول الأوطان واستدعاء أوراق عن محمد فريد وسعد زغلول ومحمد عبده.
تميز أسلوب الكاتب بالمشعرية الفائقة وطرح الأسئلة الكونية ، مازجا بين الفنون جميعا شعرا ونثرا، رواية ومسرحا ومقالا، تداخلت الأماكن والأزمنة لديه، فامتزجت بشكل يبدو تلقائيا ، لا صنعة فيه ولا تصنع، ليقول الكاتب في هذا الجزء الأخير كل ما يريد عن شخوصه وواقعهم ، ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، صراعهم،عقدهم النفسية، خواطرهم وأخيرا الإنسانية الكامنة داخل ،حتى في أحلك المواقف السيئة منها.
تجاوز الكاتب فكرة الجنس الأدبي، كما فعل في الأجزاء الستة السابقة، ككاتب محترف يبتعد عن حرفية التعريف المدرسي للجنس الأدبي، مستخدما المعرفية التراثية والدينية يتناجي مع المقدس في ثلاثينية – 30 جزءا – له مفتتحات خاصة لكل جزء يرى أن النص المقدس عقبة لا يمكن تجاوزها عند ختام هذا الجزء، فيظل في دائرة لانهائية من الوصل والفصل والوصل مرة أخرى مؤكدا ان الدائرة هي أكمل الأشكال الهندسية، ليكون ختام الرواية بظهور آدم فتحي رضوان خليل خريج إنجليزي جامعة القاهرة ليفاجئ سهر سالم مديرة المدرسة بأنه ابن فتحي رضوان، فتسأله عن ابيه فيقول اختفى من عشرين سنة انهارت ،يختفي فتحي رضوان لا يعرف أحد عنه شيئا دون سابق إنذار، لكن فتحي رضوان ليس شخصا، فتحي رضوان فكرة، فلسفة تتجسد عبر تناسخ reincarnation كما عند الهندوس أو الولادة الجديدة عند البوذيين أو فكرة الامتداد كما عند العرب والمصريين - خاصة في الريف-
ليظهر آدم – وللاسم دلالة غير خافية كما الأسماء الأخرى بالرواية، فرضوان هو خازن جنتي الدنيا والآخرة، يملك مفاتيحها عبر شييزوفرنيا معلنة، لا يراها أحد غيره ولا يقدر على تخيلها الآخرون، فيظهر آدم ابن فتحي رضوان، لكنه أبو البشر في امتداد جديد وخلق جديد، ربما يكون مبشرا بحياة ووطن أكثر صفوا وأكثر تقبلا لابنائه واحتضانهم وليس مكانا لاستقبال واحتواء الأجانب فقط، آدم المثقف الدارس للأدب الانجليزي القادم عبر ثقافة مغايرة، ربما تمنح الأوطان بوابات جديدة أكثر تفتحا مع مزيج تراثي ليؤجج صراعا جديدا كما يراه البعض أو فتحا من نوع جديد قد لا يرتضيه البعض لكنه قابل للانتشار والتبشير وخلق عالم مغاير عبر صراع قد لا تحسمه آليات الجيل الخامس كمايريد البعض ، وعبر انتظار لأحدث أكثر إثارة وإرهاقا، في دورة صراع جديدة من الصعب التوقع بمعطياتها وكيفية التعاطي معها، ربما يعرف الكثيرون كيف ستبدأ ، دون أن يعرف أحد كيف ستنتهي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق