دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 277 )
عندما أقرأ للسيد حافظ
بقلم أ. سحر فاخر الجابرى - العراق
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
عندما أقرأ للسيد حافظ
بقلم أ. سحر فاخر الجابرى - العراق
فأنا لا أريد أن أفهم أو أدخل مسارب روحه.. ولا أريد أن أعرف نية السيد وراء عمله هذا .. فقط أكتفي بالدخول إلي عالم شخصياته والحبكة في ربط أحداثها التي تعكس لنا خصوصية تجربة السيد حافظ.
أيها الوطن العزيز .. هل ضاقت رحابك عن أولادك .. أم ضاقت أحضانك عن أفلاذك (الكواكب كتاب طبائع الاستبداد.. ص163)
يحاكي السيد حافظ الوطن من خلال الشخصيات في الرواية.. رواية ( لو لم أعشقها ) عنوان له دلالة على أنها حالة عشق متفردة في تفاصيلها .. كل شخصية في الرواية تعشق على شاكلتها .. فمنهم من يعشق الجمال.. ومنهم من يعشق المال ومنهم من يعشق ذاته وكرامته المعنوية محاولاً الحفاظ عليها في بلدٍ يسرق ذاتك المعنوية.. ففي الوطن البديل نادريين جدًا من يحالون البقاء على ذاتهم الأصيلة مقابل كرامة مادية.. كما يصفه السيد حافظ بلد النفط (دبي أرض الأحلام والثراء تجمع على أرضها كل من رغب في جني المال وأراد أن يعيش بكرامته المادية لا المعنوية فجمعت مصر والشام والعرق) شخوص الرواية فرقتهم الأوطان وجمعتهم منافي الشتات.. يسرقون بين الحين والاخر لحظات من الزمن... يواجهوا فيها أنفسهم متسائلين ما الذي يجبر الإنسان على أن يهاجر بجسده إلي المجهول تاركًا الحقيقة، وروحه على عتبات الوطن المقهور ؟ لينصدم الآخر عند هذه المواجهة (حين تمتد يدك لتنزع الغطاء عن قنينة العطر تشعر بالبهجة.. لكن أن تنزع الغطاء عن عطاء أسرار القلب فقد تشعر بغصة أن أخطر اللحظات في عمر كل منا المكاشفة لأنها تصدر الآخر.. من هو الآخر؟) ص 98.
الأستاذ السيد حافظ أنا شخصيًا اعتبره ليس فردًا.. هو جموع.. وهو جمع هويات كل المقهورين والمعذبين فى الأرض.. قلبه يحوي وطنه مصر.. وروحه تحوم حول الرافدين محولهما إلي جناحين يحلق بهما ليسقطهما قطرات ندى على ياسمين الشام .. هو كل هذا بل أكثر.. متعدد الشخوص يدخلك إلي ذات الشخصية بكل تفاصيلها .. شخصية سهر الجميلة جاعلاً من جمالها غواية .. ومحبة.. في نفس الوقت (الجمال غواية ولعنة على صاحبه، وعلى من يقترن به .. الجمال شك.. الجمال قلق، وحيره ، ووجع) ص 212..
كل هذا جمعه في جمال سهر التي عانت ما عانت منه حتى تلجأ لشجرة الياسمين المملؤة بالحنان والخبرة في الحياة.. شهرزاد تطبطب وتحنو عليها مواسية (حزن النساء الخفي يأتى ويذهب .. يلعب بأرواحهن ساعات ويمضي بلا سبب) ص93. لتجعلها مطمئنة أن حزنها سيذهب يومًا ما.. فتحي رضوان روح صوفية بجسد عاشق لعوب لا يملك القدرة والسيطرة على رغباته فيهرب بين الحين والآخر إلي الله سيرًا .. من قال أن السير إلي الله من شروطه أن تكن في حالة من الطهر الملائكي؟!! أليس الله بغفور رحيم.؟
(بعض الخطيئة هي الفوضي فى حياتنا.. وبعدها تستكين الأمور) ص 50.
يدلنا السيد حافظ هنا على أن نستقر ونلملم تشطي أرواحنا بعد كل ذنب أو خطيئة فلابد أن تنتهي هذه الفوضى.
يختار مفردات وعبارات تحت عنوان (روح تعكطس روحه.. ومقتبسًا من خلالها حالة العشق الذي يعيشونه في روايته .. آيات القرآن المنتقاة وتجلياتها.. الآنا، والكون... كلها صور تجعل القارئ يبحث عن ذاته عبر هذا المخاض بلغة تتجه نحو البساطة والبلاغة في آن واحد للتعبير عن ذات الإنسان ورغباتها ولذاتها المتعددة.. محاولاً الوصول إلي السمو.. إلي الكمال.. للاتحاد مع الذات المطلقة .. الذات الآلهية.
البوح الصوفي (لفتحي رضوان) رهافة إحساس (سهر) الجميلة.. عطر البخور المتصاعد من (وردة) كأنه ابتهالات تتصاعد إلي الله.. هذا التحليل المترع بما يناسب كل شخص في الرواية يضع بين يدي القارئ مدرسة متكاملة لبناء الروح.. هذه الروح التي بقدر ما تكون قوية فهي ضعيفة جدًا امام الغواية إذا لم نروضها .. عندما وضع السيد حافظ فاصلة (روح):
بين أحداث الرواية متدرجًا فيها إلي حد الهيام وهي درجة الشوق والجنون في الحب حتى الموت.. الهيمان من الهيام وهو داء يأخذ بالأبل فلا تُروى أبدًا حتى تموت من العطش.. بأن الروح كلما تعمقت في الحب طَّهُرت ، سمت إلي علو، وكلما أحبت بصدق الأنبياء وطهر الملائكة روضت .. وتعالت على الخطيئة.. نراه باحثًا عن هذا الحب في عالم اتسعت فيها رقعة الخراب حد القبح ليعود ويعيدنا إلي ضعف الروح البشرية عندما يتسائل ، كيف نتهيأ إلي الخطيئة والحرام أكثر من تهيئنا للحلال والفضيلة؟ ولا نلقي جوابًا إلا في جلد الذات وممارسة إذلال ذاتنا بذاتنا للتكفير عن خطايانا مؤدي بنا هذا الإذلال إلي الاكتئاب والقلق المبالغ به وصحوة ضمير تكون بمقدرا ما نشعر به من الذنب، ومن الطبيعي جدًا أن تكون ردة فعلنا هكذا. ولما وقف الشيطان أمام فتحي ومنقذ وكاظم و... متسألين ولماذا نتوب.؟ إنما التوبة لأصحاب المعاصي الكبيرة ونحن لسنا منهم مزين لهم أخطائهم ومبررها لهم ليهون عليهم الذنب، قال هرقل (إن الباري جل وعلا يفسح لتلك الأنفس في كل دهر فسحة حتى تنظر إلي نوره المحض الخارج من جوهر الحق فحينئذ يشتد عشقها وشوقها فلا تزال كذلك أبدًا).
يضع أمام أعيننا الكاتب علامات وفي كل علامة آية من القرآن الكريم لنحلق بها من حب الغواية والخطئية إلي حب وعالم الروحانية وأن الحب الرباني هو أول المحبة ، إن المحبة التي في هذا العالم كلها من تأثيرات تلك المحبة الأصلية التي كانت أول مبدع من الحق تعإلى انصدر منها في جميع العوالم السفلية منها والعلوية ، الألهية منها والطبيعية، الألهية ما كان بين الله وبين عبده ، والطبيعية ما كان منها بين المتحابين على تفاوت اختلافها فهي كلها من تأثيرات تلك المحبة على توسط العقل والنفس والطبيعة، ولهذه الجهة تغيرت واستحالت عن تلك المحبة الطاهرة إلي ما ترى، لأنها وقعت في حد البعد عن الحق تعالي) روح ص143، .. علامات الآيات القرلأنية هذه تفسر لنا حاجة الروح إلي المحبة.
ولله جل جلاله هو الذي خلق الروح ويعلم خفاياها .. كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابين.. فلماذا لا نعقد صلحًا مع أرواحنا ونحاورها.. نعطيها مساحات من التفكير في الأخطاء التي اقترفناها فنحن لم نخلق ملائكة وليس المطلوب منها هو جلد ذواتنا حد الهلاك.. دائمًا هناك مساحة للصلح والإصلاح.
يخبرنا السيد حافظ أن محاولات إصلاح ذواتنا وتغيير طريق غوايتنا سهلاً وسلس من خلال تذكيرنا بأن الروحج شفافة وكيفما جُبلناها، جُبلت على الهداية أو المعصية.. تحمل الرواية طابع لغوي مبسط ودائمًا يفتح السيد حافظ روح القرائ ليضيف لها وعي ذهني في محاولة فهمه لبناء النص الروائي ليندمج فيه ، وبكلماته الرقيقة وألفاظه المنتقاة التي تلامس المعنى الحقيقي للنفس البشرية، ومن خلال سرد قصصي، يدخلنا الكاتب إلي متاهات الروح والذات لمحاسبتها وكبح جماح الرغبات غير المشروعة فيها.. وبصورة فنية وببراعة لإيصال المعني، محاولاً شحذ أفكارنا وترك لنا مساحة من الفراغ نملؤها بتحليلاتنا كلا حسب ما يدركه من خلال نفسه بنفسه.. صعب جدًا أن نحجم رواية بهذا العمق بكلمات وأسطر حسب فهمنا البسيط لها.. هناك الكثير من العمق الروحي فيها لا يًستوعب، إلا بقراءتها ولكل قاريء في فهم جوانبها الخفية على شاكلته.
أخيرًا
كتب إبراهيم الفقي رحمه الله
" عش كل لحظة كأنها آخر لحظة، عش بحبك لله عز وجل، عش بالتطبع بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، عش بالأمل، عش بالكفاح ، عش بالصبر عش بالحب، وقدر قيمة الحياة"
وهذا ما يذكرنى به السيد حافظ من خلال ما قرأت جاعلاً للحياة معنى آخر.
0 التعليقات:
إرسال تعليق