دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 270 )
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
دراسة
ما بين عشق الذات و النساء و المال والسلطة
بقلم د. أمل درويش
هذه السباعية المنفصلة المتصلة؛ والتي تمتد فيها الشخصيات الرئيسية ليعرض لنا الكاتب من خلالها التغيرات التي طرأت على المجتمع العربي على مر عدة حقب زمنية مختلفة، كان العشق فيها ضروريًا وأساسيًا؛ ولم لا ! فمن منا يمكنه أن يعيش أو يتنفس الحياة دون الحب؟
حتى أن الكاتب نفسه قد استهل الرواية بمقدمة يقول فيها:
"وعشقت مصر بصدق ولم أكن أعلم أن عشقها خطيئة.."
إذن تختلف أوجه العشق ما بين عشق الذات وعشق النساء وعشق المال والسلطة، والملذات الأخرى في الحياة وصولًا إلى عشق الأوطان، وعشق الإله.. وهو العشق الأسمى والأطهر.
وإذ نحن هنا بصدد دراسة تمازج ملامح العشق المقدس والمدنس في رواية "لو لم أعشقها"، يتحتم علينا في البداية أن نعرف معنى العشق كما صوره الكاتب الكبير في هذا العمل.
فنجد أن الكاتب وضع فاصلًا هامًا يتنقل من خلاله عبر فصول الرواية مستخدمًا له عنوانًا أساسيًا "روح"؛ فالعشق موطنه الروح يسري في أوصالها فيبعث فيها الدفء والنشوة.
وتحت هذا العنوان نثر الكاتب مختارات لمعاني كلمة " الحب" اختارها بدقة وعناية لتحيط بكل معاني الكلمة الروحية والمادية، لنجد بين أيدينا قاموسًا يجسد لنا معاني الحب بكل روافده الممكنة، وينقل لنا كل أسراره وخفاياه، وكأنه عالم مسحور يحتاج للبحث وسبر أغواره للإحاطة ببواطنه والتماس قبس من نوره.
لم يحدد الكاتب هنا ماهية هذا الحب، وهل هو ذاك الحب الملائكي الشفاف المقدس أم هو ثمرة الشجرة المحرمة؟
فحين ترى شعاع النور من بعيد.. لا تستطيع أن تحدد ما إذا كان مصدره قبس من نور الإله، أم هو فوهة من حمم جهنم حتى تقترب وتقبض عليه بيديك؛ فإما أن تسعد وتنعم بالدفء وراحة البال، أو تحترق وتتألم.
ثم نجد الكاتب قد استخدم لعناوين الفصول مقاطع من آيات قرآنية، جميعها تعبر عن أحوال نفوس البشر وتأرجحهم بين الضلال والنور.
وهذه أمثلة للمقاطع التي استخدمها الكاتب:
وأكثرهم فاسقون، وأكثرهم لا يعقلون، وأكثرهم الكافرون..
وعدّد من خلالها صفات الضالين الذين تمادوا في عشق الملذات واعتادوا ارتياد دروب المحرمات، فكانوا كاذبين، للحق كارهون..
ثم انتقل إلى مرحلة أخرى وهي: لا يعلمون، لا يؤمنون، يجهلون، لا يشكرون، وهي صفات الجاهل الذي يقابل الحياة بشكلها المادي ويعزف عن البحث والإدراك والمعرفة..
ثم تلاها بصفات الذي عرف الحق وتجاهله، والساهون، وهؤلاء الضالون.
ثم عدد فئات أخرى من البشر ممن آثروا الخنوع والاستسلام: وأكثرهم المستضعفون، وأكثرهم عاجزون، ثم انتقل إلى الجزاء لكل هؤلاء فهم الخاسرون، الغافلون، أصحاب النار..
أما المخلصون فكانوا أكثرهم لا يعقلون، لا يعلمون، وبعضهم مغترون، وعاجزون..
وهذا هو حال أبطال الرواية الذين يتأرجحون ما بين هذه الصفات، أما البطل فتحي رضوان فهو من فئة العاجزين الذين يعلمون ولكنهم لا يستطيعون تحريك ساكن..
ثم ختم الكاتب الرواية بعنوان وأكثرهم يجهلون..
في إشارة منه إلى حال الشعوب العربية المغيبة، التي يستشري فيها الجهل إلا القلة القليلة التي تحارب الفساد، وتفشل أن تواجه كل ذلك وحدها.
ونعود لأحداث الرواية وأبطالها فنجد البطل الأساسي فتحي رضوان خليل على الرغم من أن البطولة شبه جماعية_ هذا الكاتب البطل الذي لم يخضع أبدًا لسطوة غاشم أو يتملق لمسؤول، وأختار دائمًا أن يكون متفردًا ومتميزًا، ينقد نقدًا لاذعًا ولا يخشى لومة لائم..
هذا الكاتب الذي هزمه الوطن مرات ومرات ورغم ذلك ما زال يعشقه؛ فالوطن هو عشقه الأول والأخير، هذا العشق المقدس الذي تتجسد فيه أسمى معاني الحب، ولكن ماذا يوجد ما بين الشرق والغرب؟ ما بين الأول والأخير؟
بون شاسع من الجنون والحماقات، ومراهقة مشاعر لا تنضج أبدًا.
وربما كانت هذه هي طريقته في الرد على خيانات الوطن له بالمزيد من الخيانات..
فها هو فتحي رضوان يتحدث عن نفسه فيقول:
"نعم أنا ذو القلبين قلب مع تهاني وقلب مع سهر، وأنا ذو الأوتاد وذو الكفل وذو النورين وأنا ذو الشهادتين وذو العينين وذو الرأي وذو اليدين وذو السيفين وذو النور وذو العمامة وذو السؤال وأنا ذو اليد وذو القلمين وذو اليمين وذو الوزارين وأنا الكفايتين.
وأنا الحنين ولا أملك روغان الثعلب وأعرف غناء كل الطير وأعرف طير النار وسر الشعر وحمق الشعراء وأنا ذو الوطنين مصر التي تهينني كل لحظة.. مصر التي ذاكرتها مثقوبة وخيراتها منهوبة ووطن ثان كان فيه حلمي ليس له عنوان.."
وإذا ما نظرنا إلى هذا الكاتب الذي رفض خيانة وطنه ورفض خيانة قلمه وأبى أن يلبسه رداءً غير ردائه، لكنه لم يتورع أبدًا أن يخون صديقه ويقيم علاقة مع زوجته، ولم يتورع أن يخون زوجته رغم أنه رفض مجرد التفكير أن تقوم زوجته تهاني بخيانته حين طلبه صديقه منقذ ليصارحه بما يجيش في نفسه من شكوك باتت مؤكدة لديه، لكنه لم يجرؤ على مصارحته بعلمه بخيانته له هو وزوجته..
لا لشيء سوى أن المواجهات تتبعها الخسائر..
نفس المنطق الذي تعاملت به تهاني مع فتحي حتي بعدما تأكدت من خيانته لها مع سهر.
ورغم وقوع فتحي رضوان في الرذيلة مرات ومرات قبل الزواج من تهاني، وصداقاته مع الكثير من الفتيات حتى بعد إلارتباط بها، ولكن المجتمع دائمًا يغفر للرجل حماقاته قبل الزواج، وربما غفرها له بعد الزواج، ولكن ما لا يغفره المجتمع أبدًا هو حماقة الزوجة أو حتى مجرد الأشتباه بها والشك فيها.
ولكن عشق منقذ للمظاهر جعله يتنازل عن هذا الحق ويعلم بخيانة زوجته ولا يحرك ساكنًا؛ بل إنه قام بالمثل حينما واتته الفرصة وقت سفرها.
وننتقل في هذه الرواية إلى ملمح جديد من شخصية فتحي رضوان؛ فبمجرد ظهور شخصية جديدة في محيطه في غياب سهر بعد الولادة وبقاء شهرزاد بجوارها، مما أعطي الفرصة لحياة للتقرب إليه، لتنضم بذلك إلى باقة معشوقاته الكبيرة التي تضم أجمل الأزهار جمعها من رياض مختلفة.
لكنه لا يكتفي أبدًا..
فها هو يقول:
"لماذا نتهيأ للخطيئة والحرام أكثر من تهيئنا للحلال والفضيلة؟
لماذا تتوعك الروح قليلًا وتكسل في مزاولة الواجب الزوجي المقدس على الأرض وتنتظر الحوريات في السماوات لتمارسه معهن؟"
والغريب في الأمر أنه رغم عشقه لسهر، إلا أن ذلك لم يمنعه من إقامة علاقة مع حياة..
فهل عشقه لسهر ليس عشقًا للروح كما كان يذكر دائمًا وأنها توأم روحه وكُتب عليهما إلا يفترقان!!!!
إن عشق فتحي رضوان ما هو إلا هروب من هزائمه أمام الوطن، ورد فعل لخيانات الوطن له، ويراه دائمًا حقًا مشروعًا له، وأنه لا يرتكب خطأ..
فها هو يقول في أحد أحاديثه مع نفسه:
"يا إلهي أنا لم أؤذ أناسًا طوال عمري.. أنا لا أملك كفاءة المجرمين والسياسيين والمراوغين.. انتشر الجهلاء والأقزام في زماننا.."
ولكن من هي حياة؟ وكيف تفكر؟
هذه التي تصف نفسها بأنها من بنات الفكر والمطر، ومن بنات الماء وبنات الأرض..
هل يمكن أن يعيش الإنسان مندفعًا خلف رغباته، أم أنه يمكنه أن يتحكم فيها ويسيطر عليها؟
ثم ننتقل إلى نوع آخر من العشق، إنه عشق تهاني لفتحي رضوان..
تهاني مثال الزوجة العاشقة المقهورة التي تجد بقايا شفاه نساء أخريات على شفتي زوجها، وتشعر ببقايا عطر سهر وحياة على جسد زوجها، ورغم كل مشاعر القهر التي تتملكها إلا أنها ما زالت تعشقه، فهل هذا العشق من الممكن إدراجه تحت مسمى العشق المقدس؟
أم أنه عشق مدنس، دنسه فتحي رضوان بأنانيته وساديته اللا متناهية..
والسؤال هنا هل العشق يهزمنا؟ أم يزيدنا صلابة وقوة؟
هل يجعلنا أكثر ضعفًا، ونرضى بالقليل، بالفتات، ببقايا رجل مهزوم؟
رجل يحمل نزواته بين ضلوعه ويسير بها كطاووس مغتر..
أم رجل مهزوم جريح.. يحاول إثبات انتصاره في أي ساحة حتى ولو كانت ساحة العشق المحرم..
وإذا ما أخضعنا سلوك فتحي رضوان للتحليل النفسي يحضرنا ما كتبه سيجموند فرويد في كتابه الموجز في التحليل النفسي:
"وقد علمتنا التجربة أن من الممكن للغرائز تغيير هدفها (عن طريق الإزاحة) وأنها يستطيع أن يحل بعضها محل البعض، بأن تنتقل غريزة ما إلى أخرى والعملية الأخيرة لا تزال غير مفهومة تمامًا." ص(٣٠)
ورغم كل ذلك حين تقترب منه تشفق عليه، وتراه يخفي جراحًا غائرة بداخله بين أحضان النساء يلتمس لها الدواء أو المخدر..
نعم، فحين تقترب أكثر من فتحي رضوان تجده شخصًا مهزومًا، يحمل هزيمة 7 آلاف سنة على كتفيه، يحمل أوجاع النيل وما يُلقى فيه من دنس ومخلفات، يحمل أوجاع أمة عانت من القهر، وتاريخ مزور، أصبح فيه الشرفاء مدانين والخونة هم النبلاء..
فنراه يقول لنفسه:
"ماذا تفعل يا ابن الحاج رضوان.. تجري خلف النساء وتجري خلفك النساء.. ليست هكذا تدار الأشياء.. من العيب أن يكون محور حياتك في الخليج جزء كبير منه النساء.. إن للمثقف دور آخر.. هل الثقافة حقيقة في بلد مترف من الطعام والثراء؟ هل الثقافة حقيقة في بلد جائع؟
هل النساء وعاء طبيعي وصحي لتفريغ شحنات الغضب واليأس والإحباط؟ هل تعاني من جوع؟"
ويقول في موضع آخر:
"النساء سحب منهن الحنان، ومنهن تمطر الدموع، ومنهن من يبخلن بالعطاء ويسرن في سماء الأرض بلا هدف.. قال الحاج رضوان مصائب الأرض من النساء.. وقلت النساء فرح الأرض والسماء وضحكات الأطفال وقصائد الشعراء."
نعم هذه السطور التي سجلها الكاتب السيد حافظ على لسان فتحي رضوان تحلل لنا بصورة واضحة شخصية فتحي رضوان وضعفه أمام جنس النساء وحماقاته معهن.
ومن هنا يمكننا أن نخلص إلى تعريف الرغبة بأنها هذا الوحش الكامن بداخلنا، والذي إن لم نكبح جماحه سلبنا إرادتنا وقادنا إلى طريق الهلاك.. معصوبين البصيرة وفاقدين لحواسنا.
نعم؛ في داخل كل منا كهف مظلم يحوي الكثير من الخفايا، وها أنا ذا أجد نفسي أخلع ثوب البراءة واعلقه على مسمار دقّيته على نافذة العادات والتقاليد لتُحكم به سجني، وتمنع عني نور العشق ظنًا منها أن الفضيلة ظلامها عاقل يخفي كل العورات، لا تدري أن الظلام سيد السقطات والزلات، يدفعنا دفعًا لجُبّ الخطيئة السحيق حتى النقطة التي نستسلم فيها ولا نفكر في الرجوع أبدًا.
الهروب غالبًا حيلتنا، ولكن في نهاية الطريق تفاجئنا الأقدار بمرآتها لتكشف لنا وجوهنا الحقيقية، وتسقط كل أقنعة الفضيلة التي حاولنا التستر خلفها.
لماذا نخشى سقوطها؟
لماذا لا نعترف بأننا عجينة تشكلت من طين الشهوة والرذيلة المخلوط بماء النور والفضيلة؟
لماذا لا نعترف أن طين قلوبنا قد يقسو ويجف، ثم يعود فيرق ويلين ونحن بين هذا وذاك لا نبقى على حال!
من منا سار على الدرب مستقيمًا طوال رحلته في الحياة؟
الغواية تسري في دمائنا منذ خديعة الشيطان الأولى لآدم وحواء، فامنحونا الفرصة للتوبة ثم السقوط والعودة للتوبة من جديد..
ولا تغلقوا أبواب الرحمة، وترفقوا بقلوبنا المؤرقة بوجع الفضيلة..
ونعود إلى أحداث الرواية فنجد حالة من التصعيد في الأحداث، والتصعيد في التحليل النفسي يستخدم للدلالة على التطهير الأخلاقي كما وضحه فرويد:
"يتطهر الدافع الجنسي من عناصره البيولوجية التي يتركب منها، المرتبطة بتكاثر النوع ليبتغي أهدافًا رفيعة في الأنساق الفنية والفكرية والدينية، أي أهدافًا موصوفة في العادة أنها سامية..
ومن هنا منشأ الإبهام الأول يبدو التصعيد الذي يصنفه فرويد بين آليات لدفاع أنه آلية تحرر بالقدر نفسه."
كتاب التصعيد دروب الإبداع ص(٦،٥)
ترجمة وجيه أسعد.
فنجد انغماس الأبطال في اللهث خلف الملذات والرغبات، رغم الصراعات النفسية التي تدور في داخل البعض.
والبعض الآخر يترك نفسه للريح تأخذه أينما تشاء، فنجد كاظم يحاول أن يجد لنفسه دورًا في الحياة، لكنه طوال الوقت لا يستطيع اتخاذ قرار، منذ اختار ذات مرة عشق الوطن فخذله، واغتصب أحلامه، ومنذها لم يتنفس أبدًا..
كان يعشق سهر في صمت، ثم استسلم لمحاولات وردة في حصاره، ولكنه أخيرًا اختار دربًا، رغم كل محاولات الجميع دفعه بعيدًا عنه..
ترى هل دائمًا تكون خياراتنا صحيحة؟
خاصة حين تكون مجرد ردود أفعال.. وهل الهروب هو الحل الأمثل أم أنه الأسهل؟
ثم نجد شداد وتلميذه راغب..
هذا الذي لا يتورع أبدًا في خطف ما تراه عيناه وينال إعجابه..
بعض الأشخاص يموت عندها الضمير ولا أمل في إحيائه ثانية..
ونعود إلى فتحي رضوان الذي يتجلى له ضميره في صورة شيخ ينشر النور أينما حل، ورغم أنه حاول في المرة الأولى أن يطهر قلب فتحي، إلا أن فتحي رفض وقتها متذرعًا بأنه ليس نبيًا أو وليًّا وأنه إنسان عادي يصيب ويخطئ، وفي ذلك دلالة على كونه لم يكن مهيئًا نفسيًا، وغير مستعد للتوبة وارتداء ثوب الفضيلة والانتقال إلى مرتبة أسمى في العشق.
رغم شعوره بالذنب الذي يحاصره بعد كل مرة يلتقي فيها بسهر، لكنه لم يصل بعد لذروة الإحساس بالذنب والرغبة في التطهر.
وهنا يحضرني قول نيتشه في كتابه أصل الأخلاق وفصلها:
"باستطاعتنا أن نحزر منذ الوهلة الأولى أن فكرة (الضمير) التي نلقاها هنا في حالة رفيعة من النمو تبلغ حدّ الغرابة، تجر وراءها تاريخًا طويلًا، تاريخ تطور أشكالها..
إن مقدرة المرء على الاستجابة لذاته وعلى الاستجابة بكبرياء، وبالتالي كذلك مقدرته على تقبله لذاته – هي، كما قلت.. ثمرة ناضجة، لكنها أيضًا ثمرة قصيعة فكم لبثت هذه الثمرة من وقت طويل، معلقة على الشجرة وهي فجة وحامضة!" ص(٥٦)
"ولكن كيف أتى إلي الوجود هذا الشيء المظلم، هذا الإحساس بالذنب، كيف أتى إلى الوجود كل ذلك الجهاز الذي نسميه الضمير المتعب؟" ص(٥٨)
ورغم أن هذا الضمير قد أفاق من غفلته، واستيقظ لدى سهر فزارها في الحلم وتجسد لها في صورة رابعة العدوية، فهرعت وفزعت واستقبلت الإشارة بكل ترحاب دون أن تتأكد ما إذا كانت مستعدة من داخلها لهذه الخطوة الفارقة..
فتخلت عن ثيابها المكشوفة وارتدت غطاء الرأس وتجاهلت شداد، إلا أن القلب لم يكن على قدر الحدث الجلل، ولم يكن قد تطهر بعد من عشق الدنيا وعشق المال والسلطة، لنجدها قد عادت لما كانت عليه، وأكثر.. فلم يعد ضميرها يتعب لعلاقتها بشداد ولم يعد يعاودها الشعور بالذنب.
ونعود لفرويد وما ذكره في كتاب الموجز في التحليل النفسي:
"بعض العمليات تغدو شعورية في يسر، ثم لا تلبث أن تعود إلى سيرتها الأولى، ولكنها قد تصبح شعورية ثانية بلا عناء، أو كما يقال يمكن أن تستعاد وأن تتذكر.
وهذا ينبهنا إلى أن الشعور عادة حال سريع الزوال، فما هو شعوري يضل شعوريًا لحظة فحسب.
وإذا كانت إدراكاتنا الحسية لا تؤيد هذا القول فإن التناقض ليس إلا ظاهريًا.. صحيح أن هذه العمليات يمكن أن تدوم إلا أنها يمكن أيضًا أن تنتهي في لمحة عين." ص(٤٥)
وهذا يفسر ما حدث لسهر.
أما فتحي رضوان فقد استطاع أن يرتوي من نهر التوبة رشفة رشفة، حتى تصل إلى كل ذرة في كيانه فتطهرها قبل أن يستسلم للضمير، ويعلن الندم ويرتقي سلم التقوى خطوة بخطوة.. حتى يصل إلى النقطة الفاصلة.. القمة.. العشق الإلهي الذي لا يفنى..
حين يدخل إلى مسجد أبي العباس ولا يخرج منه، ولا يعرف عنه أحد شيئًا..
ويختم بذلك مسيرة حافلة بكل أنواع العشق.. المقدس منها والمدنس، بدأها بعشقه للوطن ولكنه خانه وهزمه، وأنهاها بعشق لله فنصره، واختار التصوف والتبتل بعد إخفاقاته المستمرة في الحصول على اهتمام هذا الوطن، وبعد الخيانات المتتالية التي نالته منه.
ولا عجب أن تكون آخر "روح" يختم بها الكاتب تعريفات الحب المختلفة والمتعارفة تحمل هذا المعنى:
" حتى أفاض على جوارحه الظاهرة والباطنة. وقد ذكرنا اشتقاقه فيما تقدم فأما معناه فذهاب حظه من كل شيء سوى معشوقه حتى يذهل عن عشقه بمعشوقه."
ونرى أن هذا هو أسمى مرتبة في العشق المقدس، ومنبع الاطمئنان والراحة..
وكما قال جلال الدين الرومي :
"لن أفتش عن مكان آخر كي أحيا به، لم أعد خجلان من كيف أعشق.. عيناي تنفتحان، أنت موجود بكل مكان: غسول العين : طبٌ، لتمديد البصر ولقدرة الدوران."
رباعيات مولانا جلال الدين الرومي..
تأويل : محمد عيد إبراهيم
بقلم د. أمل درويش
السيرة الذاتية
الإسم: أمل محمود درويش
المؤهل الدراسي:
بكالوريوس الطب البيطري عام ١٩٩٥
دبلوما في الميكروبيولوجي والمناعة وأمراض الدم ١٩٩٨
-أخصائية مختبرات طبية
-كاتبة روائية
إصدارات مطبوعة :
- رواية "أسماء" حائزة على المركز الأول في مسابقة أفضل إصدار لمؤسسة النيل والفرات لعام ٢٠١٩
- رواية "عهد" صدرت عام ٢٠٢٠.
- مجموعة قصصية "أحمر شفاه" تحت الطبع.
- كاتبة وصحفية في عدة صحف منها الراي الكويتية، الكنانة نيوز، نبض العرب، صدى المستقبل الليبية، المساء العربي وغيرها.
- رئيس القسم الأدبي بجريدة كنوز عربية.
- مدير مكتب الكويت لجريدة الجمهورية والعالم.
بالإضافة لمدونة
Hope4life72.wordpress.com
وحسابين على الإنستجرام
@hope4life72
@hopeinlife72
0 التعليقات:
إرسال تعليق