حوار الفجر الثقافى
مع الكاتب المسرحى السيد حافظ
المسرح التجارى تدعم الأنظمة العربية
أنا من جيل كتب عليه أن يكون وراء الشمس
أجرى الحوار – محمد يوسف
*****
- طفل صغير ى حارة شعبية .. يبلغ من العمر 6 سنوات أمامه فجأة – الأراجوز – يتجمع مع الأطال ويقدم الحنين لهذا العالم الضبابى القديم – لم يرى فى دكان صغير فى شارع محسن ، خيال الطفل "ب5 مليم" ويشب خياله من جديد.. حزمة من الأنهار تلف عقله – يفر من منزله ليرى خيال الظل ويخاطب الأقنعة ثم ينزوى مع الصبية يفقد لهم ما شاهده – ضربنى أبى عدة مرات حتى إن الأراجوز وخيال الظل – حتى شاهدت معه السيتما ذات مرة مصادفة فقلت لنفسى هذا هو العالم الجديد – كنت أحفظ الأفلام وأحكيها للأطفال .. لكن هذا المؤثر كان ثانوياً ثم راعتى ما شاهدته فى عالم الفجر عندما شاهدت حندوق الساحرة – لاعبة النار تلون الماء – وتجمع الناس حوله والوشم الجميل على ذقنها – سحرتنى بأنوثتها وسحرها وتجميع الناس حولها عالم السحر والأنى مكونات فى ذهن طفل يجرى فى الحارة المصرية العربية يرى الجائعين والفقراء يغنون.. يلعب بالورق تبهره تكنولوجيا السينما يصنع من أحلامه نموذجاً للفن.. ينهض من نومه ويكبر حتى يصطدم فى سن الثانية عشر بمجموعة من الأطفال فى أحد المراكز الضيقة فى مدرسة العباسية الثانوية ويلتقى برجل يمثل أدوار نجيب الريحانى يدعى حمدى عباس هذا الرجل .. جاء إلى ملعب كرة السلة حث كنا نلعب وسألنا من منكم يشترك فى فريق التمثيل؟. اشترك كل الفريق باستثناء شخص واحد هو أنا.. وهنا قال الرجل تعالى مع زملائك.. أخرجنى من سلطان الحرج وبدأ يوزع الأدوار وبعد أيام هربوا جميعاً من فريق التمثيل ما عداى لقد خرجت من الملاعب إلى خشبة المسرح إيقاع جديد.. سحر الأضواء المخزون داخلى.. لسلطان الفن روح الخفاء التى لا تموت.. خرجت من مسيرة كرة السلة والملاعب إلى هذا المجهور.. حتى جاءت المرحلة الإعدادية.. وهناك وجدت فرصة كى أمثل ولكننى لا أعرف النصوص المسرحية من أين تشترى.. وكيف يحصل عليها .. وكنت كالغريب فى مدينة وسعة .. وهناك قابلت مدرس اللغة العربية (رحمه الله) محمد الأمير القاضى.. وكان عاشقاً محباً للمسرح.. وعندما تكون الفريق سألتنى.. لماذا لا تؤلف لزملائك.. ولماذا لا تدربهم.. كما شاهدت عباس حمدى يدربنا.. دربتهم وبدأت فى تأليف اسكتشات.. قامت النار فى المدرسة.. وانسحقت من الحاقدين من زملائى واحترقت فى التدريبات وبقيت زماناً أؤدى دوراً مهماً فى شخصية "شيخ الكاتب" الذى يحارب الأمية.. ووجدت نجاحى عندما رسم 95 بالمائة من طلاب المدرسة شخصية الشيخ فرحات الكاتب فى امتحانات نص السنة.. عندما طلب منهم رسم أى موضوع يحبونه.. وحتى انتهت المرحلة الاعدادية بفوز مدرسة النهضة النوبية الإعدادية بكأس أحسن مدرسة فى فريق التمثيل.. وعند انتهاء تلك المرحلة كانت أول فرصة أمامى هى مركز الشباب بالشلالات وهناك انضممت إلى فريق التمثيل بعد عناء وجهد وكان مدرس الفريق فناناً موهوباً مثقفاً لم يساهده الحظ لاقتحام أسوار القاهرة الفنية هو (محمد فهمى) هناك تعلمت أن أجد النصوص المسرحية وتاريخ المسرح وقرأت المسرح الاجتماعى لتوفيق الحكيم وشاهدت كل مسرحياتى هيئة المسرح.. وتعرفت على شكسبير وبوربينس واسخيلوس والمسرح العالمى والمسرح الأمريكى والسوفيتى.. كانت حياتى القراءة والتمثيل والثقافة ونسخت فى العالم الأول ملخصاً ل145 مسرحية عالمية ومائتى مسرحية عربية.. تعرفت على سعد الدين وهبه ونعمان عاشور وميخائيل رومانى وشوقى عبد الحكيم ويوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى والفريد فرج.. زمن يجرى – زمن يتداخل .. وأنا أجرى فى القراءة والثقافة.. فتم تعينى كومبارس ثم انتقلت إلى مساعد مدير مسرح ثم مدير خشبة المسرح ثم ممثل ثم ممثل أول ثم مساعد مخرج أول.. حتى جاءت مسرحية عالمية وانتهى المخرج محمد فهمى قراءتها أمام الفريق.. قلت له هذا عرى فكرى.. لا شئ بها.. ضحك وقال.. ألم تعجبك قلت لا.. الفكرة عظيمة ولكن الحوار ساذج وسطحى حتى لو كاتبها عالمى.. قال هل تستطيع أن تكتب هذه الفكرة بشكل آخر قلت نعم قال اكتبها إذاً.. وبعد أسبوع أحضرت المسرحية لها حوار جديد وبنفس الشخصيات ونفس الحبكة ولكن المعالجة تختلف هنا قال لى محمد فهمى.. أنت ستؤثر يوماً ما فى المسرح العربى والعالمى.. ضحكت قال : أنا لا أمزح.. وهاجر محمد فهمى من مصر إلى الكويت ثم إلى ليبيا وأصبحت المخرج المسئول عن فريق كامل للتمثيل أكبر أفراده 49 عاماً وأصغره أنا.. وفى أول اجتماع قررت نسف خطة الفريق وإلغاء مسرحيات الريحانى والبحث عن نصوص جديدة.. وقلت للفريق أمحوا زمانا كنا نعيشه فى الثلاثينات علينا بالمسرح التجريبى حتى يكون لنا مسرح مميز بنا كشباب وكدولة وكأمة.. وهنا انقسم الفريق إلى فريقين فرق معى وفريق ضدى .. وبدأت اكتب للمسرح وأعيد كتابة مسرحيات لمؤلفين كبر.. فكرة تدور تثقب رأسى الصغيرة.. وفى كل لحظة ويعاد كتابة المسرح والحوار.. كنت أجد نفسى أصارع الحياة الشط.. لا ظل لا راحة.. إننى أمام تاريخ حافل والممثل الذى أمامى هو جزء من حضارة.. كنت أقرأ الشعر والسياسة والتاريخ والفلسفة .. كنت أرى أن الشعر هو جلد المسرح وأحذر الإسفاف ولم تدهشنى الستينات ولم تدهشنى الأشياء كنت أجتاز الإنبهار وأبحث عن قافلة الفن.. الرؤية – المستقبل – كنت العاشق فى قلب المسرح وكنت كناقوس العمال.. والهلال الصغير فى مساء ملبدة بالغيوم.. كنت اخترق عالم الكتابة والإخراج والتمثيل الغير مهادن والغير صدامى وشاهدت المذيعة الفكرية التى أقيمت لآخر الفنان القاص الرائع محمد حافظ رجب فقررت أن لا انهزم فبعت ميرانى وطبعت أول مسرحياتى "كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى" عام 1970 التى أثارت زوبعة من الهجوم علىّ ورجمونى فى الصحف القاهرية جميعها وليس أيأس..
حتى قدمت مسرحياتى فى إرجاء 17 محافظة فى مصر وفى العراق درست إحدى مسرحياتى فى المعهد العالى للفنون المسرحية هو الطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء إخراج وليم يلدا ثم فرقة مسرح العراق قدمت مسرحيتى حكاية الفلاح عبد المطيع – إخراج د. سعدى ثم فى سوريا فى الكويت من إخراج منصور المنصور.
- المسرح – لماذا ؟
- وهلى المسرح خيارك الأوحد...؟
- المسرح هو الحياة.. الحضور.. أليس رائعاً أن تجد الناس تنزل من بيوتها فى ملابسها الأنيقة متجهة إلى مسرحية ويدخلون إلى تلك القاعة فى احترام وقدسية ويصمتون عند رفع الستار وتسمع شهيقهم وزفيرهم ويصبح العالم الذى أمامهم هو دفتر الواقع وحلم المستقبل وعن الأيام.. يبكون ويضحكون ويثورون .. أليس هذا التجمع حول المسرح كأنه عربى الحياة المتجدد كل ليلة.. وكأنه موجه من الرؤى للفنون التشكيلية والموسيقية والرقصات التعبيرية والكلمة الشعرية.. وإن المسرح جذوة النار التى لا تنطفئ.. إنه كالشمس لا يموت.. كالإنسان الذى خلق فى سابع يوم من أيام الخلق الأن إنه سحر الأمم ومعيار تقدمها.. لا أدرى لماذا المسرح هو قدرى وهل هو جسد تجربة الفن الحية.. أو هو عربى الأرض لقد كان المسرح سبباً فى رجمى من الأفلام المهزوزة والمشبوهة والجالة والواعية والواعدة.. وكان سبباً فى شلالات الإشاعات والمذابح لى كنت كلما استدير أجده أمامى وكلما نصبوا لى مشنقة فى ميدان هيئة المسرح هربت إلى الثقافة الجماهيرية وكلما نصبوا لى مشنقة فى الثقافة الجماهيرية هربت إلى مسرح الشبان المسلمين وحينما تواجهنى الخناجر أهرب إلى مسرح الجامعة أو إلى مراكز الشباب أو إلى الساحات أو على الكنائس.. عتاة الهجوم.. جنود الفساد الفكرى كانت تواجهنى هنا وهناك كنت أطلع من هنا لابد هناك.. كنت أنطحن ألف مرة فلا انهزم وأعود من جديد بتجربة كانت لى أل مركب كنت فى التجربة الغزالة التى تحبل بالريح والنار والهضاب.
حتى أن الصديق الشاعر مجدى نجيب قال لى فى إحدى رسالته.. إن صعودك وإصراراك هو الرعب للمفلسين تملك شهامة وإصرار النسر.. أى تحتويك تفتح أحشاءها تنفلت منك رؤى المسرح تتصايح هنا وهناك.
دائماً كنت أشاهد جلادى المبدعين وكنت إذا وجدت الباب موصداً انتقلت من النافذة أو من الحجر.. إلا لمهم كنت لا استسلم حتى جاءنى ذات يوم القاص الكبيرى محمد صدقى فى إحدى الأندية الفقيرة وأنا أقدم مسرحية لقاسم حول وقال ما الذى يخيتك إلى هنا قلت مذبحة الخناجر الإبداعية التى تثاوم لى فى مصر.
إننى أشعر بالتغيب أبداً ولكن كان قدرى للمسرح إلى أن وجدت التليفزيون له سحر خاص كنت أشعر بالغثيان مما يقدم فى جهاز التليفزيون. وضجرت برغبة فى أن أكتب فالتقيت بالمخرج محمد السيد عيسى.. الذى أفادنى كثيراً برؤيته حتى قدمت أول عمل تليفزيونى أثار ضجة ثم أتوقعها – وقامت مذبحة كبرى وقدمت خطوة فخطوة. وأشعر أننى كاتب مبتدئ فى التليفزيون أكبر مما انجزته ولا اهتم بأعماق الأقلام الحاقدة إلى أعلن الحب أثناء الكتابة وفى الحياة. إننى عاشق الكلمة الرؤية والكلمة كالمرأة لؤلؤ ومحار وشراع إننى فخور انجزته وأرفضه إننى اتجاوزه. والأن أتقدم نحو السينما.
- المسرح حياة تتجدد كل ليلة أشعر أننى كاتب مبتدئ فى التليفزيون :
- بعد أن أقنعنى الفنان نور الشريف أن السينما تحتاج إلى الأقلام الجيدة. وبدأت فى أول عمل عن قصة الشاب مصطفى نصر – تحت عنون جيل ناعسة.
كل يوم ابتعد عن المسرح واقترب من التليفزيون والسينما ولكن مسرح الأطفال يشدنى.. إننى عشت فى المسرح تجربة المرارة الكاملة.. أنا الرجل الوحيد فى المسرح المصرى الذى فر من المذبحة إلى الكويت .. إننى نفضت غبار الهزيمة عن ملابسى وفكرت أن اخترق كل المدن العربية ولو أنس وجه مصر ونقادها الذين ذبحوا محمود دياب ونجيب سرور وعلى عبد الله – إننى عربى وفى الساحة العربية أتواجد.. إننى سابح فى سهول وحقول الرؤى لا يهم مذابح وكوارث السبعينات الفكرية.
- المسرح السياسى .. لماذا تلاشى فى ظل سياسة الانفتاح ؟
- بعد نكسة 1967 مباشرة خرج أنين الجماهير فى الشوارع وظهرت حالة الاختناق وبدأ فى سوريا عام 1968 مسرح الشوك قادة سعد ونوس والمخرج كوكش ومجموعة من الشباب كانت ضد تيار الفجيعة وراء المسرح كالصاعفة وفى مصر ظهر فى دمنهور عام 1968 على عبد اللا بمسرحية الوطاويط.. وظهر فى الجامعة مسرح الكبارية السياسى الذى قدمه المؤلف البركان نبيل بدران بمسرحية (البعض يكلونها والعة) وفى مصر ظهر محمد فاضل وناجى جورج فى مسرح القهوة عام 1969 ثم ظهر سعد الدين وهبه بمسرحية المسامير وسبع سواقى وكانت مسرحية نجيب سرور عطشان يا صبايا فى مقدمة المسيرة الجادة للمسرح السياسى وجاءت مسرحيات ميخائيل رومان الدخان وغيرها.
ففى مقابل المسرح السياسى كانت هناك بعض الفلتات الإبداعية تحمل إبداعها المتوج على خشبة المسرح مثل وطنى عكاز النار والزيتون وسر الكون وغيرها.
المسرح السياسى اختفى من مصر بعد عام 1975 لأن المسرح السياسى الذى ظهر فى 1973 لزكى عمر على مسارح القاهرة بمسرحية الشرارة ومسرحية مدد مدد ما تشدى حيلك يا بلد – مشترك مع محمد يوسف وإبراهيم رضوان وكاتب هذه السطور الذى قدم بمسرحية والله زمان يا مصر والتى قدمت فى 17 محافظة من محافظات مصر.
كانت مصر حتى 1975 سيدة الموقف الفنى والفكرى.. ما تقدمه ومصر على أرضية الواقع الفنى من المحيط إلى الخليج فى زمن يتجمع فيه الفنان العربى تحت الخيمة القاهرية.. وحينما كان المسرح السياسى يأخذ شكلاً آخر فى الساحة العربية ظهر فى المغرب الطيب الصديق وعبد الكريم برشيد وكلاهما أعاد سكين الإبداع إلى قلب الشباب العربى يدحرجون الأشكال القديمة متمسكين بيح العصر وهمسات.. وظهر فى تونس عز الدين المدنى كاتباً مسرحياً تجريبياً له صوت مميز فى الساحة المسرحية العربية كما ظهر أيضاً سمير العيادى.
وفى ليبيا ظهر مخرج متطور هو محمد القمودى وفى الكويت ظهر صقر الرشود ومحفوظ عبد الرحمن.. الكاتب المصرى المهاجر فى ذاك الوقت.. وفى سوريا ظهر إيقاع جديد هو فواز الساحر وفى قطر عبد الرحمتن المناعى فى محاولات جديدة جيدة وإن لم تتبلور بشكلها الناضج الذى سيأتى مع الأيام.. وفى الأردن جميل عواد وتجربة أخرى.
كل هذه الأشكال كانت تحمل رؤية مسرح سياسى.. ولكن فى مصر حدثت نكسة المسرح المصرى فى ظل الانفتاح لقد تحول المسرح إلى تجارة رخيصة مبتذلة ولم تتدخل الدولة لحماية الإبداع والمسرح وتركت الممثلين والمخرجين يهربون إلى المسرح التجارى والمسلسلات التليفزيونية لم يتعمل على رفع أجور الممثلين مثلاً لم تنظم خروج الممثل وتحديد كمية أعماله داخل البلاد وخارجها فتركت الأمور لكل من هب ودب.. فهرب الممثلون إلى الاستوديوهات وهرب الجميع هاربين تاركين الجمهور فريسة للأفكار المبتذلة الرخيصة.
لذلك تجد مسرح الدولة فى السبعينات مغلق الأبواب كتاب المسرح المبدعون مسرحياتهم حبيسة فى الكتب والمسرحيات التى تقدم (لا يا عبودة .. لا) (جرى أيه يا دلعدى) – (إحنا اللى خرمنا التعريفة) (كله على كله) هذا ما أفرزته سياسة الانفتاح وأصبح عدوية هو القاسم المشترك فى كل الأفلام وأصبح سيناريو الفيلم يكتب ليلة واحدة.. فى ظل سياسة الانفتاح تدمرت كل القيم الجادة وأصبحت الفترة بكاملها فى حالة غيبوبة.
مسرح الشوك أو مسرح الضد.. هل يمكن يجد له خشبة مسرح فى العالم العربى..؟
- لا مسرح دون ديمقراطية .. والديمقراطية محاصرة فى العالم.. فى العالم الثالث ومعظم المسئولين عن الحركة الثقافية والفنية يرتعدون من على مقاعدهم عند سماع هناك مسرحية ما تحمل فكراً اجتماعياًَ.. ولا أدرى كيف يثق أى حكام دولة فى العالم من أنفسهم.. وهم يرتعدون من مسرحية تعرض أمام ألف متفرج فى كل ليلة إذا كانت هذه السلطات تخلف من مواجهة ألف متفرج (مواطن) يومياً فكيف لها أن يعيش.. إن أية سلطة تخاف من مواجهة ألف مواطن أو مسرحية لا حق لها فى الحياة إن دولة كبرى مثل أمريكا عندما شاهدت مسرح الحى يقدم مسرحيات تدين حرب فيتام فكرت بطريقة أخرى فى جعل المسرح يفقد حماسه إذ أنشأت فى كل مؤسسة اقتصادية مسرحاً يسمى مسرح الحى يدين حرب فيتام بمسرحيات مشابهة.. هكذا صار الحصار والمواجهة بتكرار التجربة أو اختيار تجارب مشابهة ترتدى أقنعة أما فى الوطن العربى فإنهم يطاردون رجال المسرح ويجعلون الشرطة تجذبهم من الشوارع مثلما حدث مع روجيه عساف ونضال الأشقر فى المسرح الحكواتى فى لبنان عام 1973.. ومثلما دخل رجال الشرطة فى عام 1972 فى مسرح جامعة القاهرة لمنع مسرحية (البعض يكلونها والعة) تأليف نبيل بدران وإخراج هانى مطاوع.. وعندما أغلقت الشركة مسرح السويس فى ليلة افتتاح مسرحيتى (6 رجال فى المعتقل) عام 1973 من إخراج عبد العزيز عبد الظاهر المخرج الشاعر.. أليست هذه خيبة أمة..؟ تطارد الشرطة رجال المسرح..؟ إن مسرح الشوك مات فى سوريا ليس لكون السلطة وقفت ضده فى الوطن العربى وهو المسرح الذى يحتاج إلى ديمقراطية ولا ديمقراطية دون حكومة وطنية.
- المسرح التجارى .. الذى يكرس فلسفة الهشاشة والابتذال كيف يعلل استمراريته ..؟
- المسرح التجارى تباركه معظم الأنظمة العربية وأتذكر هنا مهرجان مسرحيات الضحك أو اللعب الذى قدم فى تونس إنتاج الزينى فيلم قدم (21) مسرحية فارس لا يحتوى على أية قيمة اشترتها محطات التليفزيون جميعها فى الوطن العربى أما المسرح الجاد فالمحطات ترفضه بالحجج التالية.
أولاً : إنه مسرح باللغة الفصحى.
ثانياً : الجمهور لا يفهم هذه المسرحيات.
ثالثاً : هذه مسرحيات سياسية.
رابعاً : المسرحيات الرمزية لا تخصنا..
واستمر المسرح التجارى يعنى أن معظم الدول تسانده حتى يستمر وينمو وحتى لا تدعو الناس للتفكير.. إنه مسرح المخدرات ومسرح الغيبوبة ومسرح الدرامات.. وإنهم يسقونا هذا بشكل ظريف ويتجرعه الناس عن طيب خاطر.. أمور كثيرة..
تكرس الابتذال ضغوط سياسية – هزائم عسكرية متكررة – غياب الرؤية الواضحة للمواطن العربى – عدم وجود استراتيجية ثقافية عربية تسلل المدعيين للمراكز الثقافية الحساسة – زيادة الأمية الثقافية والمراد نسبة الأمية الأبجدية..
ضياع القيم غزو ثقافى استعمارى صهيونى مدمر عدم وجود إيديولوجية واضحة فنحن مسلمون وضد القومية العربية أو مسلمون ومع القومية العربية وضد المسيحية أو مسلمون مع القومية العربية ومع المسيحية ومع احترام الديانة اليهودية وضد الصهيونية والتقدمية.
إننا كم من التناقض الهائل.. البيت العربى الواحد يحتوى على عشرين تناقض فكرى سياسى هذا البيت واحد فى العمارة الواحدة كم بيت وفى الشارع العربى وفى الحى العربى وفى المدينة العربية كم من التناقضات إن أخطر ما تواجهه الأمة العربية هو النزعة الإقليمية.. نعم النزعة الإقليمية فدخل المواطن العربى للبلد العربى يحتاج إلى اجراءات أصعب من دخول اللجنة وهذا يدعونى للقول أن فلسفة الوضع العربى الراهن هشة ولذلك زدهر المسرح التجارى الهش.. فعندما كانت الستينات تحمل بوارد القومية والشعور الوطنى كانت الفلسفة الفكرية لتلك المرحلة شبه مضيئة لذلك كان كل شئ شبه مضئ أيضاً.
- فترة الستينات .. شهدت إزدهار فى المسرح هل اقترن هذا الازدهار بمنجزات الفترة الناصرية؟
- من المؤكد أن الحلم الناصرى كان يغطى السماء العربية من المحيط إلى الخليج ولكن هذا الحلم سقط فجأة وأصيبنا بالخيبة ومن المؤكد أيضاً أن الستينات شهدت الإزدهار لأن أصحاب الفكر الاجتماعى بدأو يغازلون ثورة 1952 من شباك التنازلات على أمل الوصول للجماهير العريضة بينما كانت الأمية الأبجدية تشترى والإقطاع يرتدى أقنعة جديدة ودولة البولليس تمارس سلطاتها.. كان المسرح يزدهر فى الستينات لأن النقاد والكاتب وقف على عتاب النبؤة ولكننى أشك فى هذه الفترة كثراً لو كانت هذه المرحلة تملك الأصالة لظهر تلاميذ لجيل الستينات لو كانت هذه المرحلة الحقيقة لدافعت الجماهير عنها.. لكن المسرح الذى قدم فى الستينات أمتلك بعضه رؤية وفقد التكنيك وبعض بحث عن التكنيك وافتقد الموضوع والرؤية.. الستينات كانت الومضات التى فرشت الأرضية ولولا .. أن كارثة 67 كانت أكبر من حجم العسكرى والفكر لكانت هذه الأرضية قد امتدت لتفوز جيلاً من أصحاب النظريات التوقيعية والتلفقية.. والمتاجرة والمزايدة بالشعارات.. المسرح فى الستينات كان يرتدى نظارة سوفيتية وحلة أمريكية ونوايا وطنية حسنة أما مسرح ما بعد 1967 ارتبط بأزمة الفكر وأزمة الأمة لقد تخبط الجميع بدلي كشف كتاب الستينات المسرحيين عن عدم فهمهم لطبيعة المسرح المصرى والشعب المصرى وأن يما يقدمونه لا يمت للواقع المسرحى بصلة فعندما سألت الفريد فرج ذات يوم فى مؤتمر الأدباء الشبان الأول عام 1969 – بما أنك كاتب مصرى وتكتب للمسرح المصرى ما هى خصائص هذا المسرح المصرى.. فضح ك وخرج من قاعة الاجتماعات ونادى حمدى غيث وحسن عبد السلام كى يساعدوه فى الإجابة والذى قالوه أربع كلمات المسرح المصرى هو مسرح المصطبة.. هكذا لم يحدد كتاب الستينات من هم يكتبون ولماذا يكتبون فكانوا جزء من أسباب الهزيمة..
- النص المسرحى هل هو غالب أم مغيب ؟
- لا توجد أزمة نص مسرحى جيد على الإطلاق فى الوطن العربى فى المغرب يوجد أكثر من كتاب جيد مثل عبد الكريم برشيد وعبد الرحمن بن زيدان ولديهم عشرات النصوص وفى الجزائر كاتب ياسين لديه عدة نصوص جديدة وفى تونس مسرحيات سمير العبادى وعز الدين المدنى.. لديهم عشرات النصوص وفى مصر يوجد أبو العلا السلامونى لديه مجموعة نصوص جيدة جداً ونبيل بدران أيضاً.. والخضرى عبد الحميد وفؤاد حجازى لديهم عشرات نصوص جيدة وعبد الغنى داوود كاتب مصرى رائع أيضاً لم تقدم نصوصه على المسرح وناجى جورج.. وفى سوريا توجد عدة مسرحيات جيدة وفى العراق توجد مسرحيات قاسم محمد الرائع وفى لبنان مسرحيات روجيه عساف وفى كل دولة عربية يوجد عشرون نصاً مسرحياً جيداً على الأقل الحقيقية النصوص المسرحية ملقاة على الأرصفة ولكن تحتاج إلى المخرجين الشجعان الجيدية يلتقطونها والى الديمقراطية تفتح أبواب المسارح للجماهير العربية كى تشاهدها.
جريدة الفجر ابو ظبى 1983
0 التعليقات:
إرسال تعليق