فاطمة يوسف العلي
وجهها وطن
بقلم : السيد حافظ
فاطمة يوسف العلي وجهها وطن .. كاتبة كويتية من مواليد 1953 أي مواليد حركة التحرر في الوطن العربي التي قادها جمال عبد الناصر في مصر والتي تفجرت يميناً ويساراً شرقا وغرباً .. وأصبحت في هذا الواقع السياسي وظهر الشيخ عبد الله السالم الذي قاد حركة النهضة والبناء في الكويت .
فاطمة يوسف العلي .. في مجموعتها " وجهها وطن " تقدم مجموعة من القصص القصيرة هي .. ما احلي الرجوع إليك ـ هو والعكازـ العودة من شهر العسل ـ ذات يوم باهت ـ سقط سهوا ـ وجهها وطن ـ الجفاف ـ عروس لم تظهر بعد البومة ـ يا نوم..
.. عشر قصص قصيرة معبئة بإحساس وطني بمعان تكاد تكون واضحة أحيانا.. وهي إحدى ميزات المجموعة ..والمجموعة تستدعي لك بعض الصور الحية الحقيقية التي تشحنك أثناء القراءة.
من هي تلك الكاتبة والمرأة التي تحلم بالوطن وتعيش بأنفاسه في كل كتاباتها
ـ فاطمة يوسف العلي
ـ مواليد الكويت 1953
ـ دبلوم دراسات عليا ـ القاهرة ـ وبحث في أدب القصة القصيرة عند المرأة في الكويت
ـ عضو رابطة الأدباء الكويتية
ـ عضو جمعية الصحفيين الكويتية
ـ عضو منظمة حقوق الإنسان
ـ لها بحوث ودراسات في قضايا المرأة والمجتمع قدمتها في ندوات ومؤتمرات محلية وعربية وعالمية
صدر لها :
1ـ وجوه في الزحام رواية اجتماعية
2ـ تاء مربوطة ـ قصص قصيرة . مركز الحضارة العربية ـ القاهرة 2001
3ـ عبد الله السالم ـ رجل عاش ولم يمت دراسة توثيقيه تسجيلية ـ
القصة الأولي في المجموعة ( هو والعكاز ) .
هي قصة لأمرأة ذهبت مع زوجها لتهنئة أبيها بعودته من ماليزيا وعند الزيارة يكون الأب قد امسك بعكاز اشتراه من هذه البلاد فيطمع الزوج في العكاز النادر التحفة الفنية
الأب + العكاز = القوة
الزوج + الزوجة = الحياة
ويقرر الزوج الحصول علي العكاز ويعطيه الأب العكاز آلا أن الخشب في هذا العكاز التحفة يتحول إلى شروخ تصيبه فيحاول الزوج معالجتها فيفشل ويفشل الجميع إلا أن أحدهم ينصحهم بان هذا الخشب حساس وان صاحب العكاز الأصلي هو الذي بتوائم معه العكاز .. فيعود إلى الاب مرة أخرى فيعود العكاز إلى سابق عهده ناضرا.
إن القصة حاله نفسية .. إن البطلة التي تروي لنا القصة تشعر بان المشاعر الحقيقية لا يستولي عليها بالقوة إنها حتى في الخشب .. وهو رمز
الزوج + العكاز = فساد الخشب
ضعف نفسي + قوة = حالة ارتباك
إن عودة العكاز للأب العجوز دلالة علي عودة الحق لصاحبة وان تذمر الزوج.. ان الزوج يرغب في تأكيد ذاته ورغبته في الحصول علي العكاز حتى يشعر بأنه يحصل علي فعل متفرد ثائر يتحدي الجميع ويحصل علي كل شئ .. انه يريد أن ينفرد بكل شئ الزوجة لكن العكاز يتمرد .. الزوجة لا تتمرد .. الخشب يتمرد والإنسان الأنثى عاجزة لا تمللك التمرد
العكاز = تمرد
الزوجة = طاعة
الزوج = ازدواجية التملك( الزوجة والعكاز)
إن وجدان البطلة وأفكارها .. تخبرنا بحبها .. إنها تحب أباها حبا شديدا وتتعلق به رغم قله زيارتها له بعد أن تزوجت وهي تعلم ان آباها يحب سيرضي طمع زوجها فقد حصل علي ابنته ـ ولامانع من عكازه أيضا و تعلم مدى عواطف الأب ومدي حبه لها .. وتعلم أنها لو باحت لزوجها بأنه فعل فعله شنعاء بحصوله علي عكاز الأب .. لكن طائر الغرور بالزوج يجعله يريد الحصول علي كل شئ..
0 قد بدأت القصة بهذه الحالة النفسية ( لا أدري لماذا تضايقت حين امتدت يد زوجي إلى العكاز فامسكه واخذ يقلبه )
نظرت إليه مخدرة لكن أحمد شديد المهارة في التهرب من نظرات التحذيرية )
إن فاطمة يوسف حاولت إن تقدم صورة تحليليه للقارئ متكاملة قدر الإمكان لحالة الأب والزوج والعكاز .. إن العكاز دلاله علي الحياة الجديدة أو دلاله علي الوجود والعطاء .. أو الحياة مره أخري
أما القصة الثانية فهي ( سقط سهوا ) :
هي قصه في لحظة صافية .. لحظة تساوي العمر حين تعرض الأحداث والعلاقات من زاوية إنسانية .
سقط سهوا .. هي سقوط الحب وسقوط الكيان .. سقوط الأنثى أمام الرجل .. ان الدراما في هذه القصة .. تبدأ بمراحل مختلفة منذ لحظة التقاء طبيبة شابه مع طبيب شاب في بعثه في الطائرة وكيف يتم اللقاء .. ثم الحب .. ثم الخطوبة ثم الزواج ثم ماذا حدث بعد الزواج ..
لكن هذا السرد لا يأخذه القارئ بسذاجة بل هو نظرة اجتماعية .. أو الواقعية التحليلية لتخلق نموذج فني يكون الإنسان والواقع وسيلتها وغايتها في آن واحد ..والبطلة الفرد فى مشكلتها الفردية .. نظرت إليها من خلال وعيها بأنها فرد تعيش في واقع اجتماعي إنسانية حية تتوصل إلى حقائق العلاقات عبر العقل والتجربة وليس عن طريق التأمل المجرد " (1)
أن الطبيبة استسلمت أمام رغبات زوجها واستسلمت له وظلت تتنازل عن طموحها حتي استولي زوجها علي العيادة والزبائن ودمر كل أحلامها وطموحاتها المختلفة ..
ان القصة مليئة بالدلالات وقيم إيجابية وسلبية علاوة علي قيمتها الفنية والجمالية .
" وليس العمل الفني الأدبي ولا أي عمل فني آخر تكون خاصيته انه عمل أدبي يهتم بالمنوط أداء هذه الوظائف الأخرى ـ لم يؤدي الوظيفة الرئيسية المناسبة له فانه عندما لا يتم واحدة من المهام المقصورة علي تحديده ويكون منتقداً معيبا ـ كعمل فني رغم انه لا يزال منتميا الي الأدب (2)
إن قصة سقط سهوا .. تحمل موسيقي حزينة داخل الكلمات موسيقي شجية.
أما قصة وجهها وطن .. هي قصيدة حب وليست قصة في حب الوطن
0 أما قصة الجفاف .. فهي لطمة علي وجه المجتمع .. لحظة ترسم فيها العلاقات الاجتماعية بعين فنانه وأديبة .. وهي تذكرني بتلك القصة التي كتبها الكاتب المبدع سليمان الخليفي عن الرجل الذي صدم في مولودة لأنه رآه اسود شبيه الهندي .
أن فاطمة جاءت بالصديق بدلا عن الهندي وفاطمة لم تتأثر بقصص سليمان الخليفي .. ولكن كلاهما يحمل وجعا واحدا .. هو وجع وهم الوطن .. الوطن ليس بمعناه الجغرافي ولكن الوطن الإنسان حيث إن الإنسان له علاقاته المتعددة .
إن إدراك هذا الجيل الذي تنتمي اليه فاطمة يوسف العلي جيل يحمل مراحل تاريخية واجتماعية متباينة مما أتاح له أدراك الاختلاف علي مستويات متعددة ومركبة بحيث يمكن القول ان مجموعه كتاب هذا الجيل يكمل بعضه البعض رغم اختلاف الأجيال والتقسيم العضوي للأدباء لا نجدة هنا لان الكل يعمل ويكتب من خلال ثقافة واحدة وينتجها في نفس الوقت فالجوهري هو التساؤل عن مدي تجسيد الوعي لتاريخه المبدع في إنتاجه القصصي (3)
ان الصدفة في هذه القصة ليست خيانة بالمعني الأخلاقي ولكن هو الانهيار العاطفي والجسدي في الأسرة .
ان الأسرة العربية هي الهم المشترك بين كتاب الرواية والقصة والدراما والمتغيرات الاجتماعية والتحولات التي تمت في المجتمع العربي في الربع قرن الأخير من القرن العشرين أدت إلى التشأوم حيث ان البعض قد وصل به الحد من اليأس الي قول ان القرن الواحد والعشرين بدأ مع انتهاء الأسرة العربية حيث انه لم تعد هناك أسرة عربية .. بل أفراد يعيشون تحت سقف واحد تجمعهم مصالح اقتصادية ..
0 أما قصة " البومة " ففي أسلوب واقع سحري تسرد لنا حكاية تلك الفتاة التي أشعلت النار في قبر البومة .. وان الشرطة استدعتها لأنها أحرقت قبر امرأة كانت قد ماتت منذ عشرين عاما .. ونعرف من سحر الواقع إن هذه المرأة كانت تسكن في الحي القديم وتطلب يد هذه الفتاة لابنها ومع ان الفتاة تعلم ان أهل الحي يقولون عنها أنها ساحرة والكل يخافها .. والأم خائفة من رفض الزواج آلا ان الفتاة تقف بإصرار وترفض الزواج لكن العجوز الشمطاء الساحرة تقف أمامها وتلعنها بلعنه العنوسة .. وتظل الفتاة عانسا وتتحقق النبؤة فتقرر الانتقام من العجوز الساحرة التي رأتها في شكل بومة حين ألقت عليها اللعنة .. ذهبت الي القبر لتحرق البومة ربما تذهب العنوسة وتتزوج .
ان قضية العنوسة في الوطن العربي باتت تشكل واقع أشبه بالسحر والغيبيات .. أن لعنه السحر هي السبب والغيبيات والأساطير جزء من تركيبه العقل العربي عامة والأنثوي خاصة .. لماذا تحولنا الي هذا الواقع ان الكاتبة قدمت الحالة دون تدخل منها أو طرح رأيها في الحالة .. انها لحظة
حريق + بوم + سحر = العنوسة
أما قصة ( يا نوم )
فهي تعبر عن لحظة ومشاعر انثوية ناضجة شاعرية . للحظة قتل المشاعر البسيطة والرومانسية من الرجل للمرأة .. ان بطله القصة تعبر عن حياتها في شكل راوية .. وكأنها تعزف قصيده .
القصة كتبت بمشاعر خاصة
الجنس + المال - هدف = الموت
الجسد في هذه القصة صدي للتاريخ والمجتمع .. الجسد ان الزوج المشهور الدكتور حين اختار زوجته بطلة القصة كان يبحث عن الجسد واهتم بترويض الجسد ليحقق مؤسسة اجتماعية صغيرة ( أسرة ) ونسي أن يهتم بالجانب النفسي والمشاعر . وأصبحت الزوج آلي في حبه وممارسه الجنس .. ان إحساسه بالزوجة إحساسا قويا بحضور الجسد .. ان تحرر الجسد لن يكون فعليا الا عندما يختفي هم الجسد (4)
أن المأزق الضخم الذي تعيشه البطلة الطموح إلى الحب والرومانسية لكن أمه أخبرتها ان الحب سيأتي بعد الزواج .. ولكن هذا لم يحدث لكن روعه القصة تتجسد في لحظه اللقاء الجنسي الزوج بالزوجة فهي تشغل نفسها أثناء اللقاء الجنسي بالعد والنظر إلى السقف عشرة عشرون ثلاثون .. وفجأة يقتحم حياتها هذا الضيف الذي عزف علي البيانو لحنا فجر في داخلها المشاعر المحرومة .. وأزمة خاصة وجسد لها لحظات رومانسية وغاص اللحن في أعماق تلك الأنثى المعذبة الرومانسية .. حتى إن ليلتها .. ليله ان سمعت اللحن .. عاشت مع زوجها لأول مره في السرير دون ان تعد ..
" لكنها لم تحملق في السقف .. لم تعد الي عشرة أو عشرين .. كانت تستعيد اللحن بكثير من السعادة .. وتشعر إنها تدخل معه في علاقة حميمة في هذه الليلة نامت بعمق لأول مرة منذ سنين " (5)
فاطمة يوسف العلي .
لحن في مسيره وسيمفونية إبداع المرأة العربية في الخليج .. تحمل خصوصيتها ببساطة العبارة .. وفلسفة الفكرة وتسعي إلى صدق القارئ دون افتعال أو ادعاء أو تعقيد وكنت أتمنى أن يكون اسم المجموعة ( يا نوم ) ولكن يبقي ولكن يبقي الكاتب أو الكاتبة صاحب الاختيار وصاحب القرار ويبقي هم الوطن اكبر في نسيج فاطمة يوسف العلي ..
elsayedhafez@hotmail.com
المراجع :
1ـ د . السعيد الورقي ـ اتجاهات الرواية العربية المعاصرة
2ـ The Congnition of the Literary
3ـ د. رمضان بسطويسي الخطاب الثقافي للإبداع
4ـ انثربولوجيا الجسد والحداثة ـ دافيدلوبرتون ـ ترجمه د. محمد عرب بيروت ـ
طبعة أولي 1993 ـ صــ 222
5ـ وجهها وطن ـ فاطمة يوسف العلي ـ مركز الحضارة ـ على عبد الحميد- القاهرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق