فى حوار أجرته " الشراع " مع الكاتب المسرحى
السيد حافظ
*****
قرار غير معلن يهجر الجمهور
من المسرح الجاد .. إلى التجارى
الصفحات الثقافية فى الصحف تفتح القبور
وتخرج الجماجم لتبكى عليها
المسرح زنبقة .. والمتفرج عاشق.. والكاتب حرف مضئ
ادعو لتوازن الفن الخلاق مع الفكر والمتعة
المسرح العربى فى مصر تحول فى السبعينات إلى مسرح الثلاثينات
كل ما كتب من المسرحيات الشعرية كان أبعد ما يكون عن المسرح
*****
يعتبر السيد حافظ أحد كتاب المسرح الطليعى المبرزين فى الوطن عامة ومصر خاصة.
وهذا الحوار الساخن معه يعطى فرصة للتعرف على وضيعة المسرح العربى حالياً فى الوطن العربى ومصر.
- لماذا فشلت المسارح الجادة فى التصدى للمسرح التجارى فى مصر فى السنوات الأخيرة وبماذا تعلل هروب الجمهور إلى المسرح التجارى ؟
- أى جمهور لعين هذا الذى يدفع (150 جنيهاً) ثمناً لتذكرة المسرح فى السوق السوداء لمشاهدة مسرحية كوميدية .. إنه جمهور النفط الطارئ والثراء الطارئ والثقافة الطارئة. هذا الجمهور الذى تحدثنى عنه استبدل مقاعد البشوات والبهوات القدامى وجلس بدلاً من منهم فى زمن (هزيمة القيمة) فى زمن أقنعة الثقافة .. ومافيا الفكر وشحن الرأس بالأغنيات العاهرة.. هل تريدنى أن أكشف القناع عن لعبة هى فى الأصل لعبة سياسية لقد ظهرت طبقة الطفليين فى مصر فى عصر الانفتاح ودعمتها طبقة النفطيين ووقعنا فى براثن التفاهة وزمن طوفان السطحية من يدخل المسرح بـ150 جنيهاً فى ليلة يعنى أنه لص أنهم ينتزعون من عقولنا الجدية ويخضبون بدمهم أفكارنا ويتركون المسرحيات الجادة على الأسفلت كجثة ميتة.
كيف تنهض بالمسرح وجمهورك الحقيقى يبحث عن الخبز ولا يستطيع اصطحاب أولاده إلى المسرح أو حبيبته أو زوجته لأنها تعنى جوعه لمدة شهرين.. المسرح زنبقة والمفرج عاشق والكاتب حرف مضئ فى تاريخ الوطن العربى يشع الجماهير روح من البهجة والتفاؤل ويحرضهم على الوقوف أمام الظلم والانهيار.
المسرح الجاد ذهب إلى المقبرة والسبب الخطو الساسى الذى يسير فى معظم الدول العربية منذ عام 1971 وحتى الأن.
المطلوب أن نكتب للجمهور عن الحب ولكن أى حب ؟ أن نحدثه عن الحياة ولكن أى حياة .. ولكن أى حياة أن نحدثه عن الموت ولكن أى موت. أن نحدثه عن الممنوع ولكن أى ممنوع..؟
لقد تحول الجمهور من صفوف المسرح الجاد إلى المسرح التجارى بقرار سياسى غير معلن يهدف إلى تجهيل الجمهور وبعده عن موقفه الوطنى، وهذا لا يعنى أننى أنادى بمسرح الشعارات والهتافات الهستيرية فالفن الخلاق عليه أن يكون متوازناً مع الفكر.
- هل يعنى هذا هروب أو توقف الكتاب عن الدخول فى دائرة الصراع مع أصحاب المسرح التجارى؟
- العملة المظلمة الرديئة نجحت فى زمن الزفت فى طرد العملة المضيئة الجيدة فى سوق الاستهلاك الفنى اليومى.. وإذا حاولت أن تخلص فى عملك فإنت غريب؟
- من أين تبدأ وأنت فى سيرك الكلمة واللغة عاهرة فإذا كتبت كلمة قلدوها ومسخوها واللغة خداعة والتاريخ مشكوك فيمن يكتبه ونحن محاضرون منذ كتابة أول حرف إلى ملفات مكتوبة عنا فى تقارير وكيف تحاول الخروج من دائرة هذا وتكتب وأنت متحرر داخل (الفعل الإبداعى) فذا كتبت (الوطن وردة) أخرجوا لك مائة كاتب يقلك وألف مدعى كتابة وعشرات البؤساء من مرتزقة من الكلمة من المحيط للخليج يردون نفس الكلام.. هل تدخل فى صراع مع هؤلاء جميعاً إنك مطلوب فى مطلع كل شمس تفتح الجرائد لترى الصفحات الفنية تكتب عن الراقصة (فضيحة حركات) فى مسرحية (بحبك يا أسمك إيه) والصفحات الثقافية تفتح القبور لتخرج جماجم طه حسين والمازنى والعقاد وتبكى عليهم وكان الحياة توقفت وكأن الأرض العربية المبدعة توقفت عن الإنجاب وكأن كل هؤلاء الكتاب الذين يظهرون فى كل يوم هم حثالة من البشر ، صفحات من البشر ، صفحات عن مغامرات أمير ويلز وهكذا .. مطلوب أن تحدد ما هى معركتك واعتقد أن معركة الكاتب الحقيقى هى مع الإبداع.. هذا قلق الأبدى.. هذا الغناء الذى يسرى فى دمك هذا الخفاء المسحور فى روحك هذا الربيع المفرد فى قلبك هذا الألم المزهر فى رؤياك.. تمشى وهو فى أنفاسك.. يطاردك تطارده.. عاشق ومعشوق.. مخبأ فى كل لحظة من لحظات عمرك أنه الجنون الخلاق وإشاءة الطفولة المدهشة هى هى المعركة الحقيقية لكن أن تصارع هؤلاء السادة التافهين فإنت الخاسر كل شئ حتى نفسك ، دعهم وخبئ وجهك بيدك أو ابتسم إن رأيتهم حتى تغيب لحظة مجدهم وحتى تقرأ على أكفانهم الفاتحة أو يودعك ظناً منهم إنك مت مجهولاً فيكتشفون إنك أنبت لهم ألف كاتب أخر ومدرسة واتجاهاً هنا وهناك..
- ما هو تصوركم لوضعية المسرح فى ظل هجمة التلفزيون والفيديو الأن؟ فى مصر والخليج ؟
- التليفزيون بحر تأتى أمواجه لتلد التفاهة بنسبة 90% فى عقول المشاهدين والكاتب المستنير فوق أرصفة المساومة بين غالبية المخرجين الجهلة يعانى وبين رقيب النصوص المرهق فكرياً .. نحن فى مصر كنا ننظر إلى الخليج على أنه الأمل، ولكن القوانين المعفنة سبقتنا إلى محطات تليفزيون الخليج أى أصبح الكاتب الجيد فى منفاه غربياً غربتين نهرب من العفن ومن الرقابة إلى الرقابة ومن الممنوع إلى الممنوع.. وترتدى السؤال ونبحث عن الجواب.. نبحث فى المعنى عن المعنى.. وعن طريق الخروج هو نترك التلفزيون لهؤلاء الكتبة ونترك المشاهد العربى فى خيام الغفلة ونحن نملك ربيع الكلمة نحن نحن نملك ربيع الكلمة نحن نطارد التفاهة ويطاردنا التافهون.
- المسرح العربى فى مصر تحول فى السبعينات إلى مسرح الثلاثينات واللمسرح فى العراق يعيش حالة من التوهج الذى ابعدته الحرب عن الإضاءة والمسرح فى الخليج هودى ميتاً بعد ازدياد أسعار النفط والمسرح فى المغرب عن اللغة القادمة للمسرح العربى والكتاب يتنازلون رويداً رويداً عن مواقفهم أو يتماسكون فيصابوا بالإحباط والمرض واموت المبكر أن ذئاب الفن العفن فى جو الفن النفعى.. فى جو الفن النفعى.. فى جو الفن القرع .. الزفت.. الأفيون الطين فى جو ا لفن الخالق والمخنوق فى يد المنتج الذى يغير النصوص ويدفع بالمؤلف إلى مرحلة السخف فإذا وقف الفنان الشريف أو الكاتب النظيف موقفاً حقيقياً من فنه يتسول ، يرهن أثاث منزله ويبيع بيته ، يخسر عمره وأسرته. والمسرح العربى لن ينهض الأجود المسئول السياسى الذى يفهم أن المسرح لا يقل أهمية عن أى نظرية سياسية وإن المسرحية الجيدة أفضل من خمسين نظرية سياسية وإن السلطة الوطنية فى أى بلد مهما رفعت شعارات وأقامت ندوات ومحاضرات وابتعدت عن المسرح فإنها تحفر بيد واحدة وتذرع حقلاً واحداً وتهدم أخر أما الفيديو والتليفزيون فلا يؤثران على المسرح لأن يؤثران على المسرح لأن اللعبة كلها مرتبطة بقرار سياسى.
- ما رأيك فى المسرح الشعرى وهل يمكن مسرحية الشعر أو تقديم القصيدة على المسرح ومن هم فرسان المسرح الشعرى؟
- الشعر قلب المسرح.. والشعر روح المسرحية الجيدة وما كتب من مسرحيات شعرية للشاعر الكبير أحمد شوقى لا تمت للمسرح بصلة بصراحة نقولها، ومسرحيات الشاعر الكبير عزيز أباظة كانت أيضاً ساذجة ، وما كتبه شاعرنا العملاق صلاح عبد الصبور لا يقترب من القصائد العملاقة، أما ما كتبه الفنان عبد الرحمن الشرقاوى فقد اقترب من المسرح بعد أن تدخل الفنان كرم مطاوع وحذف كثيراً من القصائد واختصرها لتكون فى شكل مسرحى متوائم، كل ما كتب باسم المسرحيات الشعرية كان أبعد ما يكون من المسرح ، وبعض القصائد المسرحية التى تملك الحس الدرامى تملك مقومات تقديمها على خشبة المسرح دون الالتجاء إلى مخرج يشمر عن ساعديه ويظهر عضلاته ، ونبحث عن المسرح فى ضجة التقنية الفنية فلا نجده أن الكاتب المسرحى الحق يحفر بالشعر فى أثناء كتابة المسرحية .. مهاجراً مع الطيور ونبض الناس وينقض فى كل سطر نبؤة الحقيقة. المسرح الشعرى الذى قدمه شكسبير الأن يحذف منه ويختصر حتى أنهم أقاموا ورشة عمل مسرحى لحذف وبلورة مسرحيات شكسبير بشكل يتوائم مع مفهوم الدراما مع أن لغة شكسبير الدرامية أعمق وانضج مما قدم فى الوطن العربى من تجارب وإن كنت لا أميل إلى تمجيد الأجانب وكنت أتنمى من شعرائنا أن يدخلوا المسرح من بوابته الرسمية وأن يتعلموا الكثير من تقنية المسرح.. جغرافية المسرح ، يجب أن يتعلموا كل شئ عن المسرح حتى يكتبوا المسرح حتى الحق بدلاً من كتابة قصائد مطولة على أساس أنها المسرح.
- يقول الدكتور السعيد الورقى أن مسرح السيد حافظ ينتمى إلى المسرح الثورى فما تعليقك على هذا ؟
- جزى الله الصديق الفنان الدكتور السعيد الورقى.. لى هذا الشرف فإننى لست بكاتب ثورى أو مسرح ثورى.. إننى كاتب مبتدئ عاشق تراب الوطن محمود بحب الفقراء ضد اغتيال الفكرة وسجن الراى الأخر وذبح القصائد وديمقراطية الجرائد.. إننى كاتب بسيط.. أبحث فى عيون الناس عن اللغة السرية وعن مدن تمنح الإنسان الأمان عاشق مصر العربية.. أنا ما جئت إلى هذا العالم إلا لكى أغير العالم.. ولا أدعى إننى ثورى فالثورة شرف كبير لا استحقه ولست بمناضل ولست أدعى هذا فعفواً للدكتور الأديب الناقد السعيد الورقى وعفواً لكل النقاد.
إننى ببساطة محاولة لتغير المفاهيم القديمة فالأنماط الجاهزة أقف تحت أبواب المدن الفقيرة المهملة.. أقدم جزءً من نبوءة المسرح الجديد منبوذاً من الأكادميين وأصحاب الأكفان للمسرح العربى.
فى قلبى مئات المشاريع الجديدة.. وفى رأسى سفن إبداع لا يدب الجفاف إلى مجراها ولا تعطش ولا تجوع..
إننى أبحث عن الرؤية التى تنام فى محارة الإبداع الفض وكوكب الفن المهجور ، وأن أصل لغز اللغة الخالدة وأعانق هذه اللغة الجميلة التى تهز هؤلاء المحنطين وتشنق أصحاب القواعد النحوية واللغوية .
لست بكاتب كبير ولست بصحاب تقليعة ولكننى محاولة تحاول أن تكون الكتابة المغامرة الأبدية حتى تفتح أمام جيل أمام طرق البحث عن الكلمة الفعل الخلاص.
لقد سجنا طويلاً فى قواعد النحو والصرف وتركنا وأهملنا الإبداع فإذا سميت ما أكتبه أقول كاتب مسرح يحاول أن يكون جاداً وغير مقلد لأحد يبحث عن الصدق فى التجربة الفنية.
- كيف ترى الخريطة الثقافية فى الخليج والكويت خاصة وإنك أمضيت سبع سنوات هناك ؟
- فى الخارج نخبة من الأقلام الجيدة.. جادة فى القصة القصيرة تجد فرسان القصة يشرفون الساحة العربية.. أحمد خضر – سليمان الشطى – أمجد توفيق – سليمان الخليفى – محمد عبد الملك – عبد الله خلية – وبعض قصص ليلى العثمان – وفى الشعر قاسم حداد – محمد الفايز – حسب الشيخ جعفر – سليمان الفليح – خليفة الوقيان – حبيب الصايغ – على الشرقاوى – عبد الله العتيبى – علوى الهاشمى – فيصل السعد.
- وفى الدراسات والنقد .. حسب الله يحيى – إبراهيم غلوم – محمد مبارك الصورى – خالد سعود الزبد – محمد الجزائرى – عبد المحسن الشمرى.
- وفى المسرح : عبد العزيز السريع – عقيل سوار – أحمد جمعة – خلف أحمد خلف.
- وفى الرواية : اسماعيل فهد اسماعيل – فوزية الرشيد.
- بجانب هذه الأسماء العربية الكثيرة – شرفت الخليج بقلمها وإبداعها وأضاءت الكثير من الجوانب الخفية فى الحركة الأدبية.. فالأقلام المصرية والفلسطينية والسورية واللبنانية الموجودة فى الخليج أعطت روحاً للحياة الأدبية والفنية وأخرجت الحركة الأدبية فى الخليج من حالة الاختصار إلى حالة الحركة بما أثارته من قضايا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق