Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الجمعة، 24 سبتمبر 2021

154الإخراج في مسرحية سندس والمسرح السياسي للكاتب / السيد حافظ من رسالة ماجستير : د. محمد المنصور "الكويت"

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(  154)

 الإخراج في مسرحية سندس والمسرح السياسي

للكاتب / السيد حافظ

من رسالة ماجستير : د. محمد المنصور "الكويت"

دراسة من كتاب

التنوع الدلالى فى مسرح الطفل

ما بين التناص والتراث والإخراج

" الجزء الأول"

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى


 

مسرحية سندس

تأليف السيد حافظ

إخراج محمود الألفى

17 أغسطس 1985

على مسرح كيفان (عبد العزيز المسعود)

أغانى / فلاح هاشم

ألحان / طالب غالى

التوزيع الموسيقى / صلاح عثمان

بطولة : هدى حسين – زهرة الخارجى – محمد السريع – ثائر شامل

عبد الإمام عبدالله – ماجد سلطان – محمد حسين – سحر حسين

 الإخراج في مسرحية سندس والمسرح السياسي

للكاتب / السيد حافظ

من رسالة ماجستير : د. محمد المنصور "الكويت"

بالمعهد العالي للفنون المسرحية – 1995

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النموذج التطبيقي... لعرض مسرحية... سندس.

التجديد في الإبداع المسرحي، أو حتى غير المسرحي لا ينفي القديم نفيا تاما ولا يهدم قيمه الكلاسيكية كلها.. لهذا يؤكد سعد أردش بأن التجديد في المسرح لا يرقى دائما إلى مستوى الابتكار والإبداع على أساس هدم القيم الكلاسيكية بعضها أو كلها... إن المسرح الجديد يبقى دائما مسرحا تتوفر فيه الركائز الأساسية لفن المسرح كما وصل إلينا في صورتيه: الرسمية (الأكاديمية) والشعبية، منذ ما قبل التاريخ، فهو دائما حوار ما بين الفنانين والجماهير من خلال أحداث وشخصيات فنية تدور كلها داخل بناء أتفق على تسميته الدراما لتمييزه عن الأبنية المختلفة لغيره من النوعيات الأدبية والفنية.

من هذا المنطلق يتبن لنا أن التجديد النسبي يقوم على مقومات ليبدع الجديد دون أن ينفي الكلاسيكي في كلياته وهنا تفعل الأصالة والمعاصرة فعلها في عملية الإبداع والتجديد وبصفة عامة فإن المسرح التجريبي خاض معركة عنيفة ليؤصل وجوده في المسرح العربي، إذ قابلته في الستينات والمتطاولين على الفن في السبعينات والثمانينيات... لهذا وجد الفنان التجريبي نفسه في غربة قاسية وصد عنيف وإحساس محبط أمام، مجتمع يكرس القديم ويقدسه متراجعا للخلف.

ولكن بالرغم من تضاعف وتنوع هذه الهجمات المتشعبة فإن المسرح العربي المعاصر استطاع أن يفلت من قبضة الراديكاليين، حيث قادته الصيغ التجريبية المتعددة إلى تأكيد وجوده على الساحة الفنية، عبر البحث عن هوية متميزة في أطر الأصالة والمعاصرة وفي أطر الخصوصية الفكرية.

ومثلما خاض الكاتب والمخرجون صيغ التجريب المتعددة في مسرح الكبار... فإنهم أيضا خاضوا التجريب في مسرح الأطفال. ولعل مسرحية " سندس " * للكاتب المسرحي السيد حافظ تعد النموذج الأمثل والأكثر حضورا في خارطة الاتجاه المسرحي التجريبي في الكويت في هذا المجال.

ففي شهر أغسطس من عام 1985م، قدم مسرح الأمل ** على خشبة مسرح كيفان ***

هذه التجربة من إخراج الفنان محمود الألفي ****

ويحدد الناقد والباحث المسرحي د. نادر القنة أهمية هذه المسرحية في كونها " تطرح علينا مفهوما جديدا في الساحة الفنية المحلية (الكويتية) وهو الدعوة إلى تأسيس مسرح الطفل بكل أبعاده وألوانه... ومسرحة القضية الفلسطينية بما يتناسب ويتأقلم مع توجهات وروح الفئات العمرية المختلفة للأطفال حسب التقسيمات العلمية " وذلك حتى لا تتباعد المسافات بين جماهير الأطفال وقضاياهم اليومية، وبالتالي حتى لا تكون هناك ثمة غربة للطفل في واقعه الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي ينتمي إليه.

والأهم من ذلك كله : العمل على خلق علاقة جدلية متواصلة بين المسرح كمؤسسة ثقافية وبين الأطفال عن طرق معالجة القضايا والهموم السياسية اليومية بصياغة فنية مقبولة لديهم بحيث تكون مضمونة التأثير والتوصيل والاستيعاب فإذا ما حدث ذلك، فإن هذا من شانه أن يكرس في أعماقهم القيم الإنسانية النبيلة الخيرة، ويجعلهم يقفون بوعي شديد أمام ما يدور حولهم من مستجدات وتطورات.

ويؤكد د. نادر القنة هذا المعنى في تباينه لأهمية هذه التجربة... إذ يرى " أن سندس تطرح علينا اصطلاحا جديدا في فلسفة الإنتاج الفني... فهل، يا ترى يمكننا أن نصدر الثورة إلى الجماهير من خلال أعماق المسرح التجاري... "

وفي رأيه أيضا أن " هذا الطرح يستند في كليته وشموليته إلى معادلات الالتزام الفكري والتقني، وما يوازيه من ضرورات المسرح التجاري.

ونستخلص من ذلك كله أن سندس – كعرض مسرحي – فرضت علينا قضايا سياسية متعددة للنقاش والجدال، وطرحت حوار ا مباشرا بين الخشبة والصالة. وربما تكون هذه الميزة هي إحدى الخصائص الفنية والفكرية لمسرح السيد حافظ، وهي إحدى الخصائص التي تشكل تجربته الفنية التجريبية، وهو بهذا المعنى كسر القيود وانطلق متحررا لتحقيق ما ينشده هو، وما يأمل إليه كل إنسان... لهذا قال عنه على شلش "... شاب جريء جدا وطموح جدا، حطم بجرأته كل تقاليد المسرح ابتداء من أرسطو إلى بريخت..."

وما تحطيمه لقيود المسرح الكلاسيكي إلا نشدانا للتغيير في عالم انقلبت موازينه وتلونت أشكاله، وتبدل إنسانه.

من منطلق الاستجابة لعدة معطيات واقعية موضوعية تطبعها مرارة الواقع العربي –المؤلم – الذي يعيش أزمة الفكر والسياسة والاقتصاد وتبعيتها وبما أن المسرح أكثر الفنون تعبيرا وتجسيدا لواقعنا المر المتأزم، باعتباره نقدا وشهادة وفعلا في الحياة، كما انه خلخلة لثوابت جاهزة وبالية، جاءت الدعوة إلى تأسيس مسرح الطفل، وجاءت معها مسرحية " سندس " كحالة تطبيقية لهذه الدعوة... حيث طرحت معها فكرة الاستجابة والتحدي في عملية التأصيل للمسرح العربي، والإصرار على حاجة الإنسان العربي، التي لا مفر منها.

وفي هذا الصدد يقول عبد الكريم برشيد : نحن في حاجة إلى مسرح / قضيتنا الآن / نحن / هنا... ومن أجل ذلك لابد من دخول معمعة الصراع مع الآخر، والتنظير لمسرح مغاير، والتطبيق الفعلي تبعا لهذا التنظير الأصيل ومعرفة مدى صلاحيته وأصالته ومن أجل تغذية مسرحنا العربي كذلك بحرارة الاستمرار والتجاور والانتماء الحق وبث روح الإنتاج المتميز بعيدا عن الابتذال والغربة... نستطيع أن نخلق شروطا حقيقية في اتجاه تأسيس مسرح الطفل العربي، عبر روح الأصالة، بعيدا عن الاستلاب والانبهار بالآخر وبعيدا عن التقوقع حول الذات والانغلاق التام. ونكون هنا بإزاء تصحيح المسار الذي لم يتخذ وجهته الصحيحة، بل تاه عنها وظل في بداياته المظلمة. وهاهو الآن يحمل على عاتقه بإصرار وقمعه لابد من أن نقذف قذيفة... إننا بحاجة إلى عاصفة لينجلي الجو الخانق.

عرض مسرحية سندس... التيمات السياسية (الطرح – المعالجة)

باختصار شديد " سندس "... فلاحة عربية الجذور والانتماء تعيش في الزمان والمكان العربي، تتسع آفاق أرضها (وطنها) في المساحة الممتدة من المحيط إلى الخليج. هكذا قالوا لها. أو هكذا أفهموها. وسط هذه المساحة الجغرافية الممتدة من الماء إلى الماء تمتلك سندس منزلا صغيرا، تحيط به الأشجار والثمار من كل جانب كما تحيط به منازل أبناء بلدتها (أبو عدنان... أبو صالح... أبو خليل).

تتصف سندس بأخلاق وصفات عربية صميمة، وهذه الصفات التي تمنحها هويتها،كما تمنحها الارتباط بالأرض والمنزل بجانب كونها صفات ذات قواسم مشتركة مع الجيران والبيئة المحيطة بها، لتشكل هي معهم وحدة موضوعية واحدة متجانسة في كل شيء.

يغني الكورس... (الحيوانات والأشجار والجيران) ويعلن عن صفات سندس :

1-الشجاعة.

2-الطيبة.

3-الأمانة.

4-فلاحة نشطة.

5-لا تحب الكسل.

6-تحب العمل.

7-كل من في الغابة (الصنوبر، الأشجار، الحيوانات، النهر، الجيران) يحبون سندس

تعيش هذه العذراء في قصرها (منزلها) – المفعم بالفخامة، رغم بساطته وصغر حجمه – تحت ظروف الوحدة والعزلة. فالجيران مشغولون عنها بقضاياهم الثانوية الهامشية. أما السلطة فإنها مشغولة فيما هو أقل تفاهة.

والأب يسجل حالة من الغياب،مجهولة المكان والزمان. أي أن " سندس " تعيش في دائرة من الصراع ذات حدود ثلاثة : 1- غياب الأب :

وهو غياب رمزي للرجولة والقوة والفدائية. وهو رمز آخر لغياب العقل الواعي (المسؤول عن منهجة الأشياء) أيضا.

سندس : من بالباب ؟

أم سارة : أنا أم سارة.

سارة : وأنا سارة

سندس : وتريد أن من ؟

أم سارة : نريد صاحب القلب الكبير... صاحب البيت الجميل.

سندس : أنا صاحب البيت...

ادخلا
أم سارة : أمك نامت ؟

سندس : لا... أمي ما نامت

أم سارة : أتعيشين وحدك في هذا البيت ؟

سندس : لا... مع أبي... لكنه مسافر

أم سارة : جميل (تضمك في خبث مع سارة)

2- غياب الجيران :

وهو غياب روحي، وعقلاني، رغم الحضور المادي (الجسدي)... فهم يشكلون حالة غياب كلية بسب خلافاتهم الفردية والثنائية والثلاثية. وتستند تلك الخلافات إلى مبررات غير منطقية.

فمنذ بداية المسرحية وحتى نهايتها نجد أنفسنا أمام جدول أزلي من الخلافات، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية. مارسها الجماهير هؤلاء الجيران بمنتهى الحرفية والجنون. حيث يعني الجنون هنا، الغياب الكلي للعقل، وهو غياب متصل بالرمزية. وهو بطبيعة الحال غياب خارجي

أبو عدنان : (يفتح الباب ينظر إلى أبو صالح) أنت.. أنت

أبو صالح : نعم أنا

أبو عدنان : لم أخذت شبرين من أرضي يا أبو صالح

أبو صالح : نعم أترفع صوتك على... إنها أرضي يا أبو عدنان،وأنت الذي أخذت
شبرين منها

أبو عدنان : اخرس... أنا أخذت شبرين من أرضكم.. أنت يا رجل.. يا لعين !

أبو صالح : أنا لعين.. إذن فخذ (يضربه)، يتشاجران

سندس : (تطرق باب أبو خليل) أنقذني يا أبو خليل.. ألحقني يا أبو خليل
أبو خليل : (يفتح الباب وخرج حاملا عصا في يده)

هل هناك ذئب دخل البلد

سندس : الذئاب دخلت البلد من زمان وأنت نائم

أبو خليل : أين... أين ؟

(ينظر حوله.. فيجد أبو عدنان وأبو صالح يتشاجران)

سندس : ابعدي أنت يا سندس عن الطريق... إنني أدرى بهما هذين النصابين
" يسمع أبو صالح وأبو عدنان كلمة نصابين فيتركان بعضهما ويتجهان إليه"
أبو صالح : نصابان ! أنا نصاب يا أبو خليل ؟

أبو عدنان : من النصابان يا أبو خليل ؟

أبو خليل : أنتما الاثنان... سرقتما أرضي.

أبو عدنان : ماذا تقول يا رجل ّ

" يتشاجرون مع بعضهم "

سندس : (تصرخ) يا ناس الحقوني أغيثوني... أدركوني... الأهل والجيران
يضربون بعضهم بعضا " تنظر أم سارة وسارة والشاويش من النافذة
ويضحكون "

سندس : ماذا سيقول عليه الناس... تركنا العدو، ونضرب بعضنا بعضا؟ يا شماتة الأعداء فينا... يا شماتة الأعداء فينا.

أبو خليل : اسكتي يا سندس... واتركيني أضربهما.

أبو عدنان: لا تصرخي يا سندس واتركيني أعلمهما الأدب

أبو صالح : يا سندس إننا نتفاهم

سندس : تتفاهمون ؟ تتفاهمون على ماذا ؟ يا مصيبة البلد تتعاركون مع بعضكم.. تتركون الشاويش وأم سارة وسارة يأخذون الأرض

3 – غياب السلطة :

وهو غياب ثالث يتشاكل مع حيثيات الغياب الثاني حيث نجد السلطة (الوالي... الوزير... قاضي القضاة) يجترون خلافاتهم الأكثر هامشية من خلافات الجيران في جدول متراص بالخلافات...

هذه الخلافات السلطوية بعيدة كل البعد عن قضايا الجماهير (وهذا الغياب يشكل بمثابة غياب خارجي رمزي مساند)

السلطان : يا وزير

الوزير : أمر مولاي

السلطان : أين الأطباء ؟

الوزير : عند مولاتي الأميرة عين الحياة... من كان يصدق، إن الأميرة عين الحياة مريضة منذ أسبوعين... لقد أتينا بأطباء لها من مصر ومن الهند،وأطباء من فارس، وإن شاء الله تشفى قريبا يا مولاي.

السلطان : يا وزير نحن لا يهمنا إلا صحة الأميرة.

الحارس : مولاي السلطان... قاضي القضاة

الوزير : ماذا يريد قاضي القضاة

السلطان : دعه يدخل... لابد إن هناك أمرا هاما

قاضي القضاة : السلام على مولاي السلطان

السلطان : عليكم السلام... ماذا حدث يا قاضي القضاة ؟ انطلق تكلم... ليس عندي وقت.

قاضي القضاة : يا مولاي السلطان... غابة الصنوبر

السلطان : ماذا جرى لها ؟

قاضي القضاة : يقولون إن الأغراب دخلوها... واحتلوا بيتا هناك وكثروا وازداد عددهم، كل يوم يزداد عددهم.

الوزير : يا قاضي القضاة... إنه عملك وليس عملنا

قاضي القضاة : الشكاوى كثرت من الناس... والأغراب يزدادون عددا كل يوم.

رئيس الحرس : (يدخل) مولاي السلطان... رئيس الأطباء

السلطان : يدخل في الحال دون استئذان

رئيس الحرس : (ينادي) رئيس الأطباء... يدخل في الحال

رئيس الأطباء : (يدخل هو نفسه الشاويش، ولكن يرتدي جاكيت الطبيب) أسعد الله صباح مولاي وظهره ومساءه

السلطان : متى ستشفي الأميرة عين الحياة يا رئيس الأطباء ؟

رئيس الأطباء : إن شاء الله بعد أن نأتي بالزعفران الجبلي

السلطان : وأين نجد هذا الزعفران الجبلي ؟

رئيس الأطباء : في غابة الصنوبر

الوزير : (موجها كلامه للسلطان) وماذا بعد ذلك يا مولاي ؟

السلطان : نعم... أتقول لي ؟ وماذا بعد ذلك يا مولاي... يا وزير !؟

الوزير : لابد أن نتفاهم معهم ! مولاي

قاضي القضاة : تفاهم... لا.... لابد من طردهم... لابد من طرد المعتدين الأغراب في الحال.

رئيس الأطباء : الزعفران الجبلي مهم لحياة الأميرة عين الحياة

الوزير : اسكت أنت يا قاضي القضاة... إنهم يقولون إن معهم مستندات تؤكد
أنهم أصحاب البيت والشاويش يؤكد هذا أيضا وإذا ما حاولنا الوقوف على أبعاد كل خلاف من الخلافات السابقة فإننا سنجد أن هناك قوة خارجية جاءت تعمل على تنمية هذه الخلافات واستباتها في المنطقة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج. هذه القوة تجسدت بصورة المندوب.

إذن، فالمندوب هو القوة الخارجية والمحرك الأول لوجود مثل هذه الخلافات والمتغيبات بين جميع الإطراف، ولأن هناك تاريخا واقعيا، ووثائق رسمية، تعتبر مثابة بانوراما حقيقية للصورة الدرامية فإن المسرحية عمدت إلى تأسيس مسرح الطفل عبر معالجة عدد من القضايا العربية الراهنة، وأقلها أنها قدمت قراءة عصرية سياسية لتاريخ قديم متجدد

أبو صالح : (يفتح الباب) نعم ماذا هناك يا سندس ؟

سندس : ساعدني يا أبو صالح... هات كفك كفي لكي نجمد مياه النهر

أبو صالح : في وكفك فقط لا تصلحان، لابد من كفوف كل الناس، وأنت لابد أن تصرفي حكمة الأجداد، عندما تضع الناس أيديهم في أيدي بعضها وقلوبها على قلوب بعضها لابد أن تتجمد المياه.

سندس : لا

أبو صالح : لماذا... لا، يا سندس ؟ هذه حكمة الأجداد

سندس : الناس لن تمسك أيدي بعضها وما دام الشاويش يرتع بينها

أبو صالح : أنت تصدقين أن هناك أحدا يخاطر بحياته لكي يعبر النهر... إنها

لعبة دخلت على السلطان لكي تظل الأميرة مريضة، ويظل بيتك يا

سندس مع أم سارة... أنها لعبة من الممكن أن يصدقها السلطان، لكن

الشعب لن يصدقها

سندس : وحكمة الأجداد يا عم أبو صالح.. أنا أريد لأن أرجع إلى بيتي

أبو صالح : بيتك سوف تستردينه بقوة السلاح وطرد الأغراب

سندس : أستطيع طرد الأغراب وحدي

أبو صالح : تقصدين أم سارة وسارة والشاويش ؟

سندس : هم هؤلاء

أبو صالح : إن السبب هو الشاويش... هو الذي أتى وزرعهم في أرضنا ويساعدهم

ضدنا

سندس : الشاويش احتل أرضنا منذ زمان بعيد.

أبو صالح : الشاويش لابد أن يعرف أن هذه أرضنا وأن البيت بيتك أنت، الشاويش

لابد أن يعرف.. وأنا يا سندس، يا بنتي حاولت أن أساعدك مرة

واثنتين وثلاث. لكن ابني صالح يريد أن يتزوج، وابني صالح بيته

تهدم ويريد إصلاحه، وابني ناجح يريد أن يكمل تعليمه.

سندس : يا أبو صالح

أبو صالح : يا ابنتي إنني رجل عجوز وظروفي سيئة

* الرؤية الإخراجية والدلالات السياسية

يجب أن يكون شعارنا كل وسائل العنف والخديعة... إن القوة المحضة هي المنتصرة في السياسة، وبخاصة إذا كانت مستورة بالمظهرية اللازمة لرجال الدولة، يجب أن يكون العنف هو الأساس ولذلك، يلزم ألا نتردد لحظة واحدة في نشر الرشوة والخديعة، إذا كانت تخدمنا في تحقيق أهدفنا. ويجب في السياسة أن نعلم كيف نصادر الأملاك بدون أي تردد، إذا كان هذا العمل يمكننا من القوة والسيطرة. بهذه الكلمات والعبارات اللا منطقية، والأهداف اللانسانية، صاغ حكماء صهيون البروتوكول الأول من مقرراتهم المعروفة باسم: (بروتوكولات حكماء صهيون).. ومن مادة نص هذا البروتوكول صاغ محمود الألفي ومعه السيد حافظ عرض مسرحية سندس.

إستنادا إلى هذا النص البروتوكولي، واستنادا إلى دعوة السيد حافظ في تأسيس مسرح الطفل، وتعويلا على الصياغة الدرامية للنص في التأكيد على الغياب الثلاثي التراكمي، أعاد محمود الألفي عبر رؤيته الإخراجية قراءة أوراق القضية الفلسطينية بما يتناسب وروح أسلبة مفاهيم العصر، حيث يترجم لنا التاريخ الحديث والمعاصر بأسلوب رمزي لا يخلو من السخرية اللاذعة أحيانا و الكوميديا السوداء أحيانا أخرى، وذلك منذ اجتماع " بال" بسويسرا عام 1897 م، المؤتمر الصهيوني الأول، وحتى تهريب يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى فلسطين مع مطلع عام 1985 م. وهذا ما أكدته الوسائط الإخراجية في العرض المسرحي في كثير من مشاهده.

وترميزا لأبعاد القضية الفلسطينية، ولشمولية الإنسان العربي نجد محمود الألفي بمحور صياغته الإخراجية على نغمة الغياب الثلاثي التراكمي، وهو المبرر الوحيد الذي دفع المندوب لأن يستثمر هذا الوضع لتمرير مطامعه الاستعمارية، وغاياته اللانسانية (المزيفة) التي يرفعها كشعارات براقة، حيث نراه يسبب عملية وجوده لضرورات حضارية (في ظل غياب أو تجميد حضارة المنطقة...) فهو يهدف – كما يقول – وهذا ادعاء باطل إلى تحضير المنطقة العربية، وهذا الهدف، أو هذا الادعاء يتنافى بالأساس نصا وفعلا مع بروتوكولات حكماء صهيون حيث يؤكدون في النص الأول للبروتوكول : إن السياسة لا تتفق مع الأخلاق في شيء، والحاكم المقيد بالأخلاق سياسي غير بارع، وهو لذلك غير ثابت على عرشه. لابد لطالب الحكم من الإلجاء إلى المكر والدهاء والرياء... فإن الصفات الإنسانية العظيمة تصبح رذائل في السياسة.

من هنا تنتفي الصورة الحضارية عن المندوب لأن الإنسان اللاحضاري، لا يستطيع صناعة حضارة لذاته، فكيف به إذن يصنع حضارة غيره ؟ أو يعمل على صناعتها.

وقد جسدت الرؤية الإخراجية عبر قناة الأداء والحركة المسرحية بلغة رمزية فيها كثير من الواقعية أن سندس تعيش في وضع سياسي، واجتماعي،واقتصادي غير مستقر.

(وهي الصورة الحضارية المتجمدة) فيبدو من الطبيعي أن يستثمر المندوب هذا الجفاف، وهذه الخلافات لتبدأ حركة الاستعمار الاستيطاني، ولتبدأ معه فضيحة تهريب الصهاينة إلى فلسطين وهو ما تعنيه الرؤية الإخراجية بوصول (أم سارة، وسارة)، بمساعدة الشرطي وهم غرباء.

" سارة وأمها تنظران من النافذة... الشاويش يقف عند الباب "

أم سارة : سندس ما زالت نائمة

سارة : يا شاويش... هذا الحلم، حلمنا منذ زمان... ولكنا كنا خائفين

الشاويش : ألم يعجبكما البيت ؟

أم سارة : إنه يعجبنا

الشاويش : إذن فاسكنوا فيه

أم سارة : السلطان هل سيسكت ؟

الشاويش : لا تخافا من السلطان... أتركاه لي.

سارة : ماذا ستفعل يا شاويش ؟

الشاويش : سوف أقوم بعمل حيلة

وحتى تمنطق الرؤية الإخراجية عملية وصول الغرباء – دراميا – إلى بيت سندس، وإلي أرضها فإنها عمدت إلى الصياغة البنائية التالية :

تستقبل سندس الغرباء في منزلها بدافع إنساني حيث تبدأ عملية التحايل لتغريب صاحبة البيت عن حقها الشرعي وبالتالي، يصبح الشرعي لا شرعيا، ويصبح اللا شرعي شرعيا في منطق العالم المتحضر فسارة وأمها تعمدان إلى تغيير بعض الجزئيات الهامشية والسطحية في المنزل

من هذا المنطلق عمدنا إلى طرد سندس خارج محيط منزلها، وقد ساعدهما على ذلك المندوب (مدعي الحضارة).

الشاويش : يا سندس

سندس : نعم

الشاويش : أتى إليك ضيوف بالأمس يا سندس

أبو صالح: من هؤلاء الضيوف يا سندس يا ابنتي ؟

الشاويش : ليس لك دخل يا رجل !

سندس : (الشاويش) ومن قال لك يا شاويش إن عندي ضيوفا ؟

الشاويش : بالأمس فقط رأيتهم

سندس : رأيتهم متى... وأنا لم أرك بالأمس فقط ؟

الشاويش : إنهم أقربائي يا سندس... اهتمي بهم ولا تضايقيهم

وفي مشهد أخر تتأكد معاني الأطروحات الإخراجية عند محمود الألفي، وذلك من خلال تركيزه على الأداء الرمزي والحركة الرمزية المشبعة بالواقعية

سندس : (تفتح الباب وتخرج) يا ناس... يا شاويش

الشاويش: (حيث يكون واقفا خلف الباب) نعم يا سندس... ماذا تريدين ؟ ولماذا

تصرخين هكذا ؟

سندس : أريد أن أقدم شكوى.

الشاويش : (يخرج من جيبه ورقة ويكتب) ضد من ؟

سندس : ضد هذه السيدة وابنتها.

الشاويش : أم سارة، وسارة !؟

سندس : أنت تعرفهما ؟ آه نسيت أنهما من أقربائكم... أشكو لمن إذن...

لقاضي القضاة.

الشاويش : وماذا تريدان منكم ؟

سندس : دخلتا بيتي... لكي تبيتا ليلة واحدة، ثم تسافرا في الصباح،ولكنهما لا

تريدان أن تخرجا إلا بعد شهر

أم سارة : لا تصدقها يا شاويش

سارة : طبخنا لها

أم سارة : نظفنا لها المنزل... ودهنا الجدران.. وقمنا بسد الفتحات التي بها...

وسويناها.

سندس : أنا لم أقل لهما أن تفعلا شيئا

وبعد عملية الطرد والإزاحة التي تتم لسندس على يد الغرباء، تبدأ عملية النفي في اللا مكان، حيث تنشئت سندس وتصبح بدل القضية عشرات القضايا، حيث يعمد المندوب إلى ابتكار لعبة البحث عن الخيال والوهم من خلال الزعفران الجبلي، ومن خلال مرض ابنة الوالي، فتخرج سندس تبحث عن الثانوي والهامشي، وأمامها قضيتها الأساسية، وموضعها الرئيس، والغرض من ذلك هو خلق مسافة بين سندس وقضيتها الاستراتيجية وهي العودة إلى منزلها المحتل من قبل الغرباء.

لقد اتكأ محمود الألفي كثيرا على الأداء المسرحي،والحركة المسرحية، من خلال خلق تشكيلات جمالية على خشبة المسرح لتجسيد مدى الضياع الذي تعيشه سندس وسط هذه القضايا الثانوية التي تحيط بها.

ولكن انتماء سندس للأرض،وللوطن يحرضها بين كل لحظة وأخرى لأن تتناسى الخلافات الثانوية والهامشية في شئون الحياة، ويحرضها أكثر وأكثر أن تترك رحلة البحث عن الوهم، لتبدأ رحلة البحث عن الحقيقة في أعماق الواقع.

وبالرغم من إيمانها المطلق بأنها تواجه واقعا تراجيديا مؤلما ومستقبلا غير مضمون النتائج،وربما يكون أكثر صبابة فإن سندس تقرر أن عودتها إلى منزلها مسألة مصيرية.

ولتحقيق هذه الغاية فإن سندس تبذل قصارى جهودها، غير يائسة،ولا عاجزة إلا أنها تارة تفشل بالساسة وتارة تفشل بالقوة فتضطر سندس إلى مواجهة ذاتها، فتدرك أن إمكانياتها المادية لا تساعدها على تحقيق هذه الغاية، فتعمد إلى طلب المساعدة من الجيران.

وهنا يؤكد محمود الألفي من خلال توظيفه للإضاءة المسرحية الموزعة على خشبة المسرح، ومن خلال الميزانسين المرسوم " لسندس " والإيقاع السريع لهذا الميزانسين، مع الأداء الرمزي، والأغاني التعبيرية المصاحبة،أن ابن بطوطة والرحالة ماجلان لن يكونا أفضل من سندس ترحالا في العالم، وتنقلا في مساحاته الجغرافية، حيث تطوف هنا وهناك، وتزور الجار تلو الجار، لتصل القاضي قبل الداني وتتفوق على ابن بطوطة، وماجلان في الترحال مع الفارق البسيط، وهو أن ترحال سندس، تشرد، واغتراب، ونفي إجباري، وأن ترحال الآخرين تنقل حضاري اختياري.

وعندما تحل سندس ضيفة في مكان ما، طالبة النجدة والمساعدة، سرعان ما تصفع مرارا وتكرارا أمام باب كل جار، حتى باتت الصفقة شيئا منطقيا، وكأنها قاعدة وهذا بالضبط، هو حال الشعب العربي الفلسطيني على أعتاب جيرانه وأشقائه العرب، وهذا ما هدفت توصيله الرؤية الإخراجية عبر قنواتها ووسائطها (الأداء،الحركة المسرحية، الديكور، الأزياء، الألوان، الإضاءة، الموسيقى، الإيقاع، علاقة خشبة المسرح بالجمهور، الماكياج).

وهكذا تحترف طرق الأبواب، لكنها تفشل المرة تلو المرة، وبنفس الصورة السابقة. ويتراكم الفشل على الفشل لتنهار سندس في عالم يدعي الحضارة، وهي تصرخ وتطالب بشيء من العدالة والحرية، وتعترف صراحة بأنها عاجزة. وتعلن إفلاس وعجز السلطة والشعب وكل الشرائح والطبقات على خشبة المسرح بأنهم عاجزون عن إرجاع منزلها ولكن الأمل يتبقى في الأجيال اللاحقة.

سندس : يا ربي... ماذا أفعل ؟ (تطرق باب أبو صالح... فيفتح لها)

أبو صالح : ماذا تريدين هذه الساعة يا سندس

سندس : ألحقني يا أبو صالح

أبو صالح : الله معك يا ابنتي... شدي حيلك (يغلق الباب)

الشاويش : (يظهر ويصفق لأبو صالح) شاطر يا أبو صالح... أذهب ونام

... واذهبي أنت يا سندس واعبري النهر الآن.

سندس : (تطرق باب أبو عدنان... يفتح أبو عدنان فيرى الشاويش)

أبو عدنان : مساء الخير يا شاويش... أتريد شيئا ؟

الشاويش : لا أدخل ونام

سندس : أنا أريدك يا عم أبو عدنان

أبو عدنان : تصبح على خير يا شاويش... تصبحين على خير يا سندس (يغلق

الباب)

الشاويش : شاطر يا أبو عدنان... أذهب ونام ولتعبري النهر الآن يا سندس

سندس : لابد أن تتجمد المياه لكي اعبر النهر

الشاويش : ولكن لابد أن تذهبي

سندس : (تطرق باب أبو خليل) افتح الباب يا أبو خليل.

أبو خليل : (يفتح الباب فيجد الشاويش في وجهه... فيغلق الباب)

الشاويش : (ينفجر ضاحكا) أذهب ونام يا أبو خليل

أبو خليل : ماذا تريدين يا سندس ؟

سندس : أريد أن اذهب لإحضار الزعفران الجبلي

أبو خليل : لا أستطيع الذهاب معك

سندس : لا تقل مستحيل... لابد أن نفعل شيئا

حدث كل ذلك وفق جدول زمني جاء بإعداد وترتيب من المندوب السامي، وما كان ذلك أن يحدث لولا سياسة غسل الأدمغة للأنظمة، وللطبقات الاستغلالية في بعض مساحات جغرافية المنطقة.

منذ البداية، عمد المندوب إلى أجراء عمليات غسل دماغ للسلطة (الوالي – الوزير) بحيث تصبح ذلك السلطة منفصمة عن واقع الجماهير ومتطلباتها... فالوالي مشغول بقضايا التجارة، وبعض المناطق تحولت إلى أسواق حرة تباع فيها السلع التجارية المستوردة، ومناطق زراعية أخرى اغتصبت.

وأبو خليل سلبت بندقيته لأنه حاول أن يرفعها في وجه المندوب (مع العلم أنه لم يرفعها)... ولكن النية فينظر المندوب تساوي الفعل.

أبو خليل : (يفتح الباب مرة ثانية وفي يده بندقية)

ماذا تريد يا شاويش ؟

الشاويش : أترفع البندقية في وجهي ؟ (يجري ويصفر)

أبو خليل : جبان

الشاويش : إلى أين يا أبو خليل ؟

أبو خليل : ابعد عن وجهي هذه الساعة يا شاويش... أنت تعرف أن البيت بيت

سندس وأن الأرض أرضها، ولابد تسترد البيت والأرض.

الشاويش : كيف تكلمني بهذه الطريقة يا رجل... (يضرب أبو خليل... يخرج

الأغراب مع أم سارة وسارة من البيت... يضربون أبو خليل...

تجري سندس تجاه الصالة وتنادي)

سندس : أغيثوني... أغيثوني... ضربوا أبو خليل... واخذوا البيت

والأرض... أغيثوني.(يضربون أبو خليل ضربا، ويسمع صراخه)

" سندس تجلس تبكي في الصالة وخشبة المسرح... يغني الأغراب أغنية تعبر عن فرض المستحيل وطلب التعويض من سندس وأهل القرية.

وكذلك يتحول الوزير الوطني إلى وزير خائن، والقاضي يتجول من رمز لصوت العدالة والحرية إلى بوق إعلامي، لا طائل من ورائه، ولا فعل له، وتحولت ورقة سندس إلى لأوراق وملفات طافت اللجان تلو اللجان.

وبالتالي تحولت القضية الفلسطينية من عالم إلى عالم حتى أثبتت للعالم، وبالدليل القاطع أن الأرض كروية، وأن عدد أيام السنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع اليوم.

قاضي القضاة : (إلى الوزير) أين مولاي السلطان... أين السلطان ؟

الوزير : ماذا هناك يا قاضي القضاة ؟

قاضي القضاة : الشاويش... بعد أن دخل أرضا هو والذين معه يقولون أنهم

سوف يقومون بإصلاح الأراضي، وسوف يعمرون الصحراء،

وسوف يحمونها من الطامعين. ماذا جري لهذا الشاويش... قل،

انطق، تكلم.

قاضي القضاة : بالأمس سكن أغراب بيت بنت فقيرة

الوزير : بيت بنت فقيرة !؟

قاضي القضاة : في غابة الصنوبر

الوزير : ثم ماذا يا قاضي القضاة

قاضي القضاة : لابد أن أقابل السلطان... واحكي له الحكاية

الوزير : اترك هذه الحكاية لي... أنا سوف أمر في الحال بإرسال..

قاضي القضاة : (مقاطعا) ماذا العساكر... لكي يحاربوا، ويمسكوا الشاويش،

ويطردوه ؟

الوزير : هذا كلام... ؟ أنا لا أستطيع أن افعل هذا ولكن سوف أمر

بإرسال مساعد للبنت الفقيرة...ولا أريد منك أن تشغل نفسك بها

واعتبر هذه البنت ابنتي

قاضي القضاة : يعني اطمئن

الوزير : اطمئن يا قاضي القضاة

وفي نهاية العرض المسرحي تتكيء الرؤية الإخراجية على قضية خيانات الأنظمة والجيران، وعلى هروبهم من دائرة الصراع، وعلى تفلتهم من مساعدة سندس، وإدارة ظهورهم لها، كما تكشف لجماهير الصالة عبر المباشرة وتوحد العلاقة بين الخشبة والصالة أنهم شعب مخدوع، فسارة وأمها لم تكونا وحدهما الغرباء ولكنهما كانتا البداية، والخطوة الأولى لوجود الغرباء حيث بدأت بعد ذلك عملية التكاثر الاصطناعي للغرباء فالسبت تلاه الأحد، ثم الاثنين وحتى الجمعة.

وهذا التكاثر الاصطناعي لم يتم خفية، بل تم على مرأى من الجمهور، كما تمت عملية التكاثر الاصطناعي للصهيونية عن طريق تتابع الهجرات إلى فلسطين من مختلف دول العالم وصولا إلى تهريب الفلاشا إلى فلسطين المحتلة أمام مرأى العالم.

الشاويش : ناموا.... ناموا أفضل لكم يا أهالي غابة الصنوبر

(تخرج أم سارة... تقرع الطبل... مع كل ضربة يظهر رجل وامرأة أو طفل).

سارة : السبت (يظهر رجل ثان)

أم سارة : الأحد (يظهر رجل ثالث)

سارة : الاثنين (يظهر رجل رابع)

أم سارة : الثلاثاء (يظهر رجل خامس)

سارة : الأربعاء (يظهر رجل سادس)

أم سارة : الخميس (يظهر رجل سابع)

سارة : الجمعة (يظهر رجل ثامن)

(مع كل دقة طبل يظهر رجل جديد... أغنية مع رقصة تتحدث عن كل

يوم يمر... يظهر رجل ويتكاثر الأغراب مع الأعداء).

وفي نهاية العرض المسرحي تبلور الرؤية الإخراجية لمحمود الألفي فلسفة أطروحاته الفكرية حيث تعلن الثورة على الذات، قبل الثورة على الوضع الواقعي الراهن بكل تناقضاته السياسية، ففي رأيه يجب أن تثور ضمائر الشعب ضد معتقدات الذات وأولها: الخوف والرهبة والسلبية والإتكالية، وذلك حتى يعود بيت سندس وعلى الشعب أن يثور على أخلاقيات السياسة حتى تعاد الهوية المفقودة، وذلك قبل إعلان الثورة على الغير والعمل على تحرير الحق المغتصب.

وفي تناوله لهذه التجربة لم يضع محمود الألفي في اعتباره فقط أنه يتعامل مع حدوتة مسرحية لها جذور تاريخية، بل راح يضاهي بين هذه المادة وبين التاريخ، في واحدة من إشكاليات التقابل في العرض المسرحي فاشتق لنفسه تيمة مسرحية تكاد تكون من أكثر التيمات تناولا في المسرح السياسي وهي تيمة (الانتماء إلى الأرض، الوطن) والنضال من أجل المحافظة على قيم الذات والتراث).

وكان واضحا منذ البداية أن محمود الألفي كان يقترب ويبتعد من المشكلة الفلسطينية بالقدر الذي تسمح له نتائج مضاهاته بين النص والتاريخ، وذلك حتى يستطيع تمرير المضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى جمهور الصالة.

وقد كان هذا الجمهور بمثابة نقطة عذاب لمحمود الألفي في صياغته للرؤية الإخراجية إذ كان مطلوبا منه مخاطبة الصالة بلغة مزدوجة، أحداهما موجهة للطفل و الأخرى موجهة للكبار. وكما كانت الكلمة تحمل ازدواجية الخطاب فإن الصورة المرئية، والمعادلات المرئية أيضا لابد أن تحمل عند الألفي ازدواجية الخطاب.

وفي هذا الصدد يؤكد محمود الألفي أن عرض مسرحية سندس يقدم خطابا سياسيا للكبار والصغار في آن واحد يحمل في طياته " كلمات قوية، مواقف تتصارع... تدين اليأس، وتدعو إلى الأمل،وتدين الانفرادية "

وحول هذه الفكرة يؤكد د. نادر القنة أن "مهمة محمود الألفي (مخرج العرض المسرحي و صاحب الرؤية الإخراجية) أصعب بكثير من مهمة السيد حافظ (مؤلف النص المسرحي وصاحب الدعوة إلى تسييس مسرح الطفل)... حيث أن الثاني كان قد اكتفى بإعلان هزيمة الجيل، وإشهار الإفلاس الفكري لدي الأنظمة)... أما الأول، لا فقط كان مطلوبا منه تصدير الثورة إلى الصالة وعليه بالتالي مخاطبة الصالة بمعادلة مرئية مزدوجة تحمل المضامين نفسها..."

لقد كان محمود الألفي أمام موقفين هما : اليأس والأمل، و الانفرادية، والوحدة. ومن خلال هذين الموقفين تتجدد فلسفة الرؤية الإخراجية عند الألفي، فبجانب إتكائه على تيمة الانتماء للوطن والأرض والتراث فإنه يقدم إدانة سياسية للجيل الحالي (جيل الهزيمة والانتكاسات والردة العسكرية) في حين يرى أن الأمل ينبعث من جديد في هذا الجيل المقبل الذي لم تلطخه المؤامرات، جيل الطفولة البريئة الذي يحتل مقاعد الصالة ؛ وهو جيل ما زال يتدثر برداء الطهارة والنقاء والصفاء. لذا، فإنه يوجه إليه نداء فكريا ووطنيا في نهاية المسرحية يدعوه فيه إلى التماسك والتعاضد وإعلان الوحدة القومية بين أبناء الوطن، ويدعوهم في الوقت نفسه إلى إدانة الانفرادية والانعزالية المسيطرة على طرائق الحياة السياسية العربية.

إذن، كان لابد وان تكون هناك لغتان في المسرحية، جمع بينهما قاسم مشترك هو الرؤية التفسيرية الإخراجية عند الألفي.

اللغة الأولى، كانت تطالب وتحرص على ضرورة الانتماء للأرض، للوطن، وهي موجهة للأطفال. أما الثانية فإنها كانت تدين صمت الآخرين وعجزهم، وانهزامهم أثناء عملية طرد سندس من منزلها وهي موجهة للكبار.

اللغة الأولى، تطالبنا بتجاوز خلافتنا، أما الثانية فإنها تدين هذه الخلافات. وهكذا نجد العرض المسرحي ترديدا متواصلا للغة المزدوجة منذ البداية وحتى النهاية.

فاللغة الأولى تقريرية، بسيطة، غير معقدة ساهم في إيصالها أهم عناصر القنوات الإخراجية.

في رؤيته الإخراجية، اختار محمود الألفي الأسلوب الرمزي في الأداء والحركة المسرحية، وهو أسلوب مطعم بجرعات كبيرة من الواقعية لتسهيل وصول المضامين للصالة.

وفي إطار هذا الأسلوب عمد إلى تصنيف الأداء عند الممثلين إلى درجات تناغمية مختلفة لفرز المواقف الفكرية والسياسية للشخصيات.

الفئة الأولى : (سندس، أبو خليل)

الفئة الثانية : (أبو صالح، أبو عدنان، باقي قطاعات الشعب)

الفئة الثالثة : (السلطان، الوزير)

الفئة الرابعة : (قاضي القضاة)

الفئة الخامسة: (المندوب)

الفئة السادسة: (سارة، أم سارة، الغرباء)

ومع تناغم درجات الأداء بين هذه الفئات، كان من الطبيعي أيضا أن تتناغم درجات الميزانسين، رغم بساطته لفرز المواقف الفكرية والسياسية لكل شخصية من الشخصيات المتصارعة والمتناحرة.

وقد جاءت الصورة العامة للميزانسين كأنه خط بياني بدأ يتطور في العرض المسرحي في سرعته الإيقاعية وتعقيداته مع تطور وتعقيد الفكرة ذاتها.

وفي تشكيلاته الإضائية أعتمد محمود الألفي في صياغة رؤيته الإخراجية على الانبهار في تجسيد المستوى الثاني (اللغة الثانية) وعلى مزيد من التعامل مع الجماليات بأسلوب رمزي شاعري بغية إيصال أطروحاته الفكرية في إدانة موقف السلطة والجيران من قضية سندس.

أما المستوى الأول (اللغة الأولى) فقد كانت فيها الإضاءة بسيطة، تميل إلى الإثارة لتوضيح علاقة سندس بجمهور الصالة، وللتأكيد على علاقة التوحد بين دعوة سندس للانتماء للأرض والوطن، وانتماء سندس لجماهير الصالة.

وقد جسدت اختيارات الأزياء أيضا رؤية المخرج وأطروحاته الفكرية حيث جاءت على النحو التالي :

1 - سندس: كان زيها موشى ببعض الموتيفات الفلسطينية لتأكد على الدلالات السياسية في العرض المسرحي أن سندس تمثل الشعب الفلسطيني المشرد.

2- أبو خليل، أبو عدنان، أبو صالح: ارتدوا الزي العربي، إشارة إلى أنهم يمثلون الأنظمة العربية المختلفة.

3- السلطان، الوزير، قاضي القضاة: ارتدوا زيا عربيا أخلطت فيه جميع الألوان دلالة على ضياع موقفهم وهويتهم الفكرية والسياسية.

4- (أم سارة وسارة والغرباء) ارتدوا جميعا زيا فانتازيا لونه أسود انعكاسا لظلام والحقد الأسود الذي ينثرونه في ربوع ديار سندس والقرى المجاورة

5- المندوب، وقد ارتدى زيا فيه تفاصيل وموتيفات الزي العربي ونمى حقدهم الأسود في احتلال وطن سندس.

وكذلك الحال فدق جسد المنظر المسرحي التجريدي رؤية المخرج السياسية حيث قسم خشبة المسرح إلى ثلاث أقسام، وهي الأمكنة التي تدور فيها الأحداث والأفعال المسرحية :

1- منزل سندس

2- قصر السلطان

3- الساحة العامة والتي تجمع في محيطها بيوت الجيران (أبو صالح، أبو خليل، أبو عدنان... الخ) وهي البيوت المجاورة لمنزل سندس (وطنها) كدلالة سياسية على أنهم يرمزون للشعوب العربية المجاورة للشعب العربي الفلسطيني.

وفي سبيل تجسيد الدلالات السياسية عبر رؤيته الإخراجية استخدم محمود الألفي (القرص الدوار) الذي جاء كضرورة فنية، تأكدت من خلالها الضرورات الفكرية وفق التفسير التالي:

1- أن هناك قاسما مشترك بين منزل سندس، وديوان السلطان، والشارع الخارجي (الساحة العامة)، وبيوت الجيران، وهذا القاسم يدلل، أن هذه الكتلة لا تتحرك يمينا ولا يسارا إلا من خلال إرادة قوية واحدة هي قوة المندوب.

2- إن احتلال منزل سندس من قبل الغرباء، ليس إلا الخطوة لاحتلال الأمكنة الأخرى مثل: منزل أبو صالح، أبو عدنان، أبو خليل، وبالتالي السيطرة على ديوان السلطان وهو ما يعني السيطرة على قرار الحاكم، وكذلك السيطرة على الشارع.

وهذا ما حدث بالضبط حينما سيطر الغرباء على الساحة العامة،وعلى النظام، والشارع، ومنزل سندس في ظل تراك الخلافات بين الجيران بعضهم وبعض، وانفصال العلاقة الايجابية بين الجيران والسلطان من ناحية ثانية.

3- من خلال هذا القرص أراد محمود الألفي أن يؤكد عبر رؤيته الإخراجية، فلسفته الفكرية بأنه ليس لدينا ثوابت – في ظل هذه السياسة الآنية القائمة على المنازعات والخلافات – بل نعيش في عالم تحكمه المتغيرات المتقلبة والمتغيرة تدور وتلف، كما هو القرص يدور على خشبة المسرح.

4- أرادت الرؤية الإخراجية أن تؤكد أن عالم الدائرة من الداخل يتوازى مع عالم الدائرة من الخارج، وهو عالم موبوء مصاب بأمراض العصر، ومتخم بالانعزالية والانهزامية وهو عالم عفن.

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More