Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الجمعة، 24 سبتمبر 2021

160السيد حافظ وتجربته فى مسرح الطفل دراسة فى مسرحية الشاطر حسن بقلم : شنايف الحبيب

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 160 )

 

السيد حافظ وتجربته فى مسرح الطفل
دراسة فى مسرحية الشاطر حسن

بقلم : شنايف الحبيب

دراسة من كتاب

التنوع الدلالى فى مسرح الطفل

ما بين التناص والتراث والإخراج

" الجزء الأول"

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى


 

السيد حافظ وتجربته فى مسرح الطفل
دراسة فى مسرحية الشاطر حسن

بقلم : شنايف الحبيب

 عرضت المحية فى الكويت عام 1983

من اخراج : أحمد عبد الحليم

وبطولة : عبد الرحمن عقلمحمد جابراستقلال أحمد

 

ول السيد حافظ وتجربته

السيد حافظ قلب عاشق ضمير معذب.. روح ممردة تحلق فى سماء الوطن العربى فوق ركان الهزيمة تتأمل الواقع العربى والمواطن العربى وهو يحرم من حقه : فى الكلام من حقه فى الحياة الكريمة ينتظر ما تلقيه موائد الغرب من فتاه مشروط.

عاش كل الهزائم العربية وما ترتب عنها من تنازلات ومن تغربها فى الأرض (من كامب ديفيد إلى وادى غربة) عاش القهر الاجتماعى (البطالةانهيار الأخلاقالحشيش...) والقهر السياسى؟... عاش نضالات شعبه العمالية والطلابية و... بكل وفاء وجدت.

فجاءت كتاباته صدامية ترفض الواقع سياسياً واجتماعياً وثقافياً... تناولت هذه الكتابة قضايا كثيرة : حقوق الإنسان الديمقراطيةالأخلاق... تناولت كل التناقضات الاجتماعية التى أفرزها الواقع الانفتاحى من تمزق اجتماعى (تحت عطاء التعددية) ومن أعراض مرضية كالحشيش وانحلال والأخلاق والجريمة... والمعنى فى بطن الشاعر.

فكتاباته تعددى على القارئ وتستفزه وتعرى أمامه الظروف الاجتماعية والسياسية وتدعوه للتموقف منها فأبطاله يجسدون معاناة المواطن العربى فى ممارساته اليومية ضد البطالة والرغيف والسلطة القامعة (سلطة الدولةالمجتمع الزائطسلطة الإعلام...)

فهم أبطال متمردون يحلمون بالثورة والخلاص يقول شاذى ابن خليل وكتابات حافظ تثبت دوماً أنه من المناضلين الحقيقيين الذين ساهموا بالكلمة الحقيقية... الكلمة الطلقة وذلك لخدمة القضايا الجماهيرية ورفع المعاناة عن كامل الشعوب المغلوبة على أمرها.

لقد عرف حاجبنا سبب الهزيمة وصرح بذلك دونما خوف أو تردد أو قلق إنهم كتابنا " لقد هزمنا لويس عوض وصلاح عبد الصبور والفريد فرج وعبد الرحمن الشرقاوى ومحمد حسنين هيكل ورجاء النقاش يوسف السباعى واحسان عبدالقدوس وعلى الراعبى ويوسف ادريس ونجيب محفوظ.. الكل خدعنا.. جيلنا ضحية الجميع"

إنه الاستبداد السياسى واحتكار السلطة واقصاء الشعب... إنه الفساد الاجتماعى والاقتصادى.

إنه الارتباط بالقواعد البالية وتقديسها وكأنها شرع من السماء فكان دوره تحريض على الثورة والأخذ بالثأر من سارقى الشعب من خونة ومنافقين ودجالين وتعرية مواقفهم أمام الجماهير وفضح ارتباطهم بالأجنبى.

المسرحية التى بين ايدينا نفوذ غاضب ساخطغير راض غاضب عن واقع الطفل العربى ساخط على المربيين ورجال اتعليم غير راضى عن الجرعات الثقافية التى تقدم للطفل. فالشاطر حسن محاولة مخلصة وجادة فى مجال الكتابة للطفل سأحاول دراستها مبرزاً قيمها وجمالياتها.

ولكى لا يندهش القارئ أمام مسرح السيد حافظ أو يتهمه بشتى التهم كما قال عبد المحسن الشمرى فى مسرحية الشاطر حسن بأن مادتها ليست درامية. أقول له ان السيد حافظ باحث مجرب يطرق كل الأبواب، ويبنى ثم يهد ذلك البنيان ليكشف مواقع الخلل فيه فإن متماسكاً اطمئن له وسعى إلى تطويره حتى لا يأكله القدم أو يركن فى مستنقع الجمود... إنما يسعى إلى بناء اشكال أثر منه روعة وجمالاً لا حباً فى البناء أو التجميل أو اختياراً للصعب، وإنما طمعاً فى الوصول إلى الكمال لهذا نجده دائماً يجرب ويجدد لأنه لم يجد شكله النهائى بعد، وعلى ما أظن أن الشكل النهائى مستحيل لأن كل جديد سيصبح قديماً وبعبارة أخرى فإن التجريب يشهد نفسه إلى أن ينتهى ثم يبدأ من جديد يقول عبد الكريم برشيد " يمكن أن نقول كل مسرحية لها بناؤها الدرامى الخاص فهو فى كل ابداع جديد يجرب شكلاً جديداً"([1])

التجريب عند السيد حافظ كان ثورة عارمة شملت الكتابة وأدواتها وشملت الرؤية كذلك لماذا؟ " إن احساس الكاتب بأنه يعمل مضامين مغايرة ألزمه بأن يبحث لها عن أشكال مسرحية مغايرة"([2])

دراسة المسرحية :

السد حافظ عاش حياته يكتوى بسلسلة من الهزائم والنكسات أضحت بمثابة خدمات كهربائية فجدت فى قلبه الجرأة على كشف الحقيقة مهما كانت ضريبتها مكلفة أو الجهر بمحاربة الفساد أياً كان نوعه ومكانه وتشخيص الدواء لأمراض الأمة.

من هذا المنطلق فهو فى مسرحية الشاطر حسن يحاول تأكيد حلمه النبى من خلال بناء جي جديد ليس بالمهزوم ولا المحيط ولا المنحرف ولا الفاسد...

ولكن كيف ومن أن نبدأ...

الشاطر حسن يجيبنا بأن نبدأ من حيث البدء من الطفل زاد المستقبل وسلاحه فإن نحن اعددناه جيداً وأخذنا بيده ووقفنا بجانبه نرشده وننير له الطريق نصل حتماً إلى تجاوز مخلفات الهزيمة وترسباتها وقد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال " يولد الطفل على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" قد يكون الولدان هما الأب والأم وقد يكونا المجتمع ممثلاً فى المؤسسات الاجتماعية : المدرسة، المسجد، دور الحضانة، المسئول عن الأمة بصفة عامة...

الطفل يخرج إلى النور مهيأ لقبول أى شئ لهذا نرى الأمم الحية المدركة لأخطارها والمستعدة لمواجهة المستقبل تبدأ فى إعدادها وبناءها نفسياً وأخلاقيا وثقافيا... فى هذه الفترة فى الأسرة والمدرسة والشارع فتقيم الندوات والمخيمات والمعسركات حيث يتلقى الطفل كافة أنواع التربية.

الشاطر حسن تقول لنا أن من عاش فى ظل الهزيمة وتثقف الهزيمة ليس أهلاً بأن يكون قدوة لأطفال العربى ومن ثمة فالأباء والمسئولون ورجال التربية مرفوضون لأن الهزيمة تسكن فيهم حتى النخاع ومن ثمة فالجرعات الثقافية التى يقدمونها للطفل تحمل نتانة النكسة والخيانة والنفاق وكل القيم الاستهلاكية التى بشر بها زمن الرئيس المؤمن والتى لا تمت للإنسان العربى بصلة، وكأن السيد حافظ يذرف دموع الأسى والحسرة على ذلك الشباب الذى خاض معارك التحرر فى الخمسينات والستينات فى مصر والأوراس والجبل الأخضر وفى كل بقعة طاهرة فى العالم العربى... كيف انتهى اليوم فى زمن الانفتاح والارتداد يرتاد الملاهى وكرة القدم ويتعاطى الحشيش يبحث عن اللذة الرخيصة.. فلا عجب وقد أصبحت الخيانة وجهة نظر وموقف يدافع عنه الشامتون تحت غطاء الديمقراطية الوافدة.

فالشاطر حسن نقد البديل والحلم بغية اصلاح ما أفسده زمان صاحب 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا مستندة (المسرحية) على القبور الإسلامية والعربية الأصيلة التى جبل عليها الإنسان العربى الأصيل.

فالأمانة والتعاون والإيثار والمحبة والتواصل والإخلاص وحفظ العهد والحرية والكرامة " لا أنا رايح السوق أشوف الناس عايزين مساعدة والا حاجة "

انت دلوقتى ما تساعدش الناس ساعد نفسك قبل ما تساعد الناس.

مالكش دعوة بيا أنا.. أنا مبسوط كده.. بحب اساعد الناس ووقتى لكل الناس.

ومنين تاكل.

والله مش شرط أكل ألف صنف صنف.. يكفى واحد.. المهم إن الواحد فى عيشه سعيد.

أو قوله :

عندى حمولة فى المخزن عايزك تساعدنى فى شيلها.

انت كل ما تشوفنى تقول عندى حاجة تعالوا تساعدونى فى شيلها.([3])

الشاطر حسن دايما يساعدنى.

وكل حاجة عايز تعملها ببلاش يا رج أجر لك اثنين شيالين احسن لك.

اجر على الثواب أو خدمة أو مساعدة أعمله وارميه.

غلط لما تعمل كل حاجة أو أى مساعدة وتمد يد تأخذ عليها أجر مختار.([4])

فهذه القيم بشر بها اسلامنا الحنيف وحمتها أصالتنا العربية أما النفاق ومحالفة العدو.. فهى مثل الأمراض الدخيلة على امتنا.

بس جزيرة الأمل بعيدة عن بلادنا ليه.. انت شايل همهم واحنا مالنا ومالهم.. انت اللى عليك تقول كلمتينم أو ثلاث تذيعهم فى الراديو ونقول احنا معاكم يا جزيرة الأمل ونعادى من يعاديكم نفديكم بالروح والدم.([5])

اقنعته أنه مريض ودفعته للطبيب والمنجمين يحارب ازاى وإذا حارب بينشغل عن التجارة وينشغل عن السوق وإذا حارب أكيد حياخد الفلوس كلها معاه ومش حنستفيد منه بحاجة لكن لازم أخليه يتزوج ست الحسن إذاً أنا نجحت.([6])

الشاطر حسن ابن الشعب قائد الشاب الفقير الذى لم تغيره موجة السلطات وحياة الترف والغنى والقصر هو النموذج الذى يريده السيد حافظ هو النبتة الصالحة التى يسعى إلى غرسها فى قلوب الصغار فالشاطر حين يقول للأطفال أن الخيانة والنفاق ومقت الناس والوصولية وانتهاز الفرص والكذب والكسل والاتكال... من طبيعة النفوس المريضة التى صنعها الواقع العربى الفاسد الذى انعدم فيه التعاون والحب والسلام فعندما يطلب منه صديقه مختار الذهاب إلى القصر ويقول للسلطان إنه أسد سعيد للحصول على 3 آلاف دينار.

مختار :بقولك ايه تعالى نروح القصر وتقول للسلطان إنك أسعد سعيد وأنا صاحب أسعد سعيد أكيد حيفرح ويدينا 3 آلاف دينار.

الشاطر حسن : عايزنى أكذب لا أنا ما اكدبش لو أعطانى 10 آلاف دينار.([7])

الشاطر لا يقول للأطفال لا تكذبوا تفعلوا... أو يجعلهم يتوصلوا إلى هذه النتيجة بشكل يرهق أذهانهم كما نجد ذلك فى المدرسة وإنما يقدم أمامهم النموذج فيجعلهم يعيشون معه الموقف والمبدأ فيكون هو القدوة لهم برفضه للكذب. وكأنى بالسيد حافظ يسخط على المربيين ورجال التعليم الذين يعبئون الأطفال ويشحنون أذهانهم بالنصائح واقيم بشكل شعاراتى فوقى.. فالمدرس مثلاً يقول للطفل أن التدخينم مضر بالصحة لكن التلميذ عندنا يخرج من الفصل جد المدرس أول المدخنين فيعرف أن العملية تدجيل ونفاق وكذب.

وما أكثر الدروس والأنشطة المبرمجة فى المقررات الدراسية التى تنتهى وتحتوى على أكثر من جانب خلقى وتربوى... بغض النظر على الجانب التعليمى وتلقى إلى ذهن الطفل يومياً لكنه لا يجد ما فى الأسرة ولا فى الشارع وهذا ما تفضحه المسرحية فالناس تكذب وتدعى أنها تمتلك قميص أسعد سعيد لتحصل على المال وتنافق.. فالطفل يتلقى فى المدرسة أن الشرطى مواطن يسهر على الأمن ويحمى الناس.. وعندما يخرج إلى الشارع يجد الشرطى يأخذ أموال الناس بالباطل ويتعاطى للرشاوى ويقمع الناس عندما يتظاهرون طلباً لحقوقهم المهدرة بل حل الأمر إلى اطلاق الرصاص وما الشرطى إلا أداة ووسيلة.. وها هى المسرحية تتكلم عن القاضى والوزير اللذان أكلا أموال الناس بالباطل.

(القاضى أبو داود ظلمنى وهضم حقى واسأل أهالى بغداد كلهم يا الشاطر حسن أنا زى ما انت عارف افقر تاجر بغداد)

(إن القاضى أبو داود وخاله الوزير سليمان واكلين السوق طالعن واكلين ونازلين واكلين)

ويتلقى فى المدرسة أن التعاون والأخوة أخلاق كريمة لكنه عندما يذهب إلى المنزل يصطدم بتوبيخ الأسرة ووعيدها: لأنه أعار كتابه أو قلمه فالأسرة معذورة فى تعرفها والطفل معذور فى موقفه فالناس تكذب للحصول على المال وتختال للوصول إلى لقمة العيش (قميص أسعد سعيد) لأن لناس صنعت لتكون هكذا!!!!

الشاطر حسن يقول لنا الفساد نابع من جبة السلطان من النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى من الطبقة الرأسمالية العفنة المحيطة به (الوزير) فهى الداء والوباء فهى ضالة المستعمر وحماره الذى يصدر عليه القيم الخبيثة والفاسدة والهدامة التى تنفر جسد المجتمع فجعلت من المجتمع سادة وعبيداً فقراء وأغنياء فساد النفاق فى العلاقات الاجتماعية واشتد الصراع بين الخير والشر والتطاحن بين المصالح الشخصية والعامة وترقبوا القيم النبيلة التى بشرت بها الشرائع السماوية وتعارف عليها الناس...

فالشاطر حسن يقول للأطفال اسألوا أبائكم وأمهاتكم ومربيكم ومدرسيكم... وكل المجتمع أين التكافل الاجتماعى والتعاون والأخوة والسلام؟ أين هى " المسلم للمسلم كالبنان المرصوص" أين هى " ليسمنا من بات شبعان وجاره جائع" والمسلم أخو المسلم التى بشر بها الاسلام والنبيين عليهم السلام. والتى أكدتها الشعوب فى رحلة الانعكاف والخروج إلى النور؟... أين هو العدل الذى قلتم لنا أنه أسا الملك ودرستموه لنا فى المدرسة فإننا لا نجده فى حياتنا وواقعنا.

ينبه الأطفال إلى هذه الأشياء... فينجذب إليه الأطفال ويحلون به ويحل بهم فى علاقة وجدانية صوفية فمن خلال الممارسات اليومية للشاطر حسن فى تعامله مع الناس ومع أصدقائه يجسد قيمة انسانية رائعة فى الدفاع عن الوطن والحب والتعاون ومساعدة المريض والفقير والتاجر والصانع.. فيكرس وقته لخدمة هذه المواقف النبيلة مناضلاً من أجل المبدأ الذى أمن به.

إن التخلف الذى أصاب أمتنا العربية نابع من نفورنا من قيمنا العربية الأصيلة ومن اسلامنا الحنيف وتعلقنا بالتفاهات التى أرسلت إلى العالم العربى تحت غطاء العلمية والتحضر ولأن أمتنا تعيش حالة من الفراغ السياسى والثقافى و... فإنها تلقت هذه القيم الغربية بلهفة وعشق وغرام ولأن جهاز المنازعة معطل فيها فقد تأصل الوباء فى خاصرتها وهذا ما تنبهنا إليه المسرحية ولانقاذ الأمة من الخطر فإنها تدعونا إلى تجنيد طاقتنا الفكرية والمادية فى مواجهة التخلف والاستعمار فكما كتبنا آلاف المجلدات والكتب للكبار فيجب أن نساهم ولو بجهد ضئيل بالكتابة للطفل بغية تحقيق الأمن الثقافى لأن اصلاح الأمة مرهون بتكوين ابناء معاً ولأن الطفل هو رجل المستقبل هو الفلاح هو العامل هو الصناع... فان كتبت على القيم النبيلة والعمل الشريف فإن الأمة سينقشع أمامها النور ويتبدد الظلام من طريقها لأن طاقتها تكون حينئذ محددة وسليمة.

ولأن السيد حافظ مهووس بقضية الديمقراطية والحرية وكرامة الناس ولأنه عانى الحرمان وعان غياب الديمقراطية فى بلده ووطنه العربى عاش المنفى كما عاش مواطنوه السجن والإعدام تحت قانون المدعى الاشتراكى والقوانين الاستثنائية وثورة التصحيح وقبر الموقف الأخر ومنع الجرائم والناس من الكلام...

لقد عانى كما قال لى داخل التنظيم الناصرى لما أراد أن يعرف كيف يفكر كتاب إسرائيل "ومن زعيم طلابى إلى التنظيم الشبابى الناصرى الذى كنت أراه الحلم والمستقبل ففى أخر مرحلة سألت سؤالاً واحداً من هى إسرائيل؟ من هم كتابها... من أدباء إسرائيل كيف يفكرون ماذا يكتبون.... وفوجئت بأننا فى محكمة داخل التنظيم السياسى كيف تسأل هذا السؤال؟ قلت هم أن يكون عدوانا تافهاً وسطحياً ونحن لا نعرف عنه شيئاً.. لقد ارهقونى فى عملية غسل مخ فى المعسكر...؟([8])

فاستخلص ان الديمقراطية هى السبيل وأن الحرية هى الهدف والغاية وأن الدفاع عن الوطن شرف ومبدأ فأراد أن يزرع هذه الفركة فى نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها " ومن شب على شئ شاب عليه " كما قال {صلى الله عليه وسلم}([9])

فمن خلال بطله الشاب الفقير.. الضمير الحى المناضل.... يكشف الظلم والطغيان المسلط عل الشعب من طرف السلطة (الحاكم وحاشيته) فاستطاع أن يعدى موقف الوزير الاقطاعى والمنافق الذى يسرق قوت الشعب وحرم الناس حقهم وسلط عليهم ألوان القهر وزيف الحقائق أمام السلطان وأوهمه بالمرض (سامحنى اننى ارفض فلوسك ويكفينى اننى اخذت فلوس الوزير سليمان ووزعتها على الفقراء والمساكين وأخذت جميع أراضيه ووزعتها على الجنود وسامحنى لأننى طلعت كل المساكين وخليت كل الشعب وكل الناس تهتف باسم السلطان حسان"([10])

بذلك استطاع الشاطر حسن أن يحول أسلوب الحكم فى بلاده من أسلوب استبدادى دكتاتورى إلى نظام ديمقراطى يستند إلى قرار الجماهير حتماً سيلاحظ الطفل هذا التحول فى عيون الشعب فى فرحته فى هنافه باسم السلطان فى إطلاق المعتقلين ومصادرة أموال الوزير وأملاكه وتوزيعها على أصحابها الشرعيين.

ففى خلال تقنية التشابه التى أوصلت الشاطر حسن إلى هدم السلطة فعاش فى أيام سلطانا بلغ السيد حافظ إلى أذهان الأطفال كل ما يؤمن به ويعتقده ويرى أن الشرفاء يناضلون من أجله ويقدمون القرابين فى سبيله فى كل المساحات (ليرينا الكاتب مفهوم الحكم عند رجل الشارع الذى عانى من الظلم هل سيتأثر بالسلطة لتعويض أيام الحرمان أم أنه يظل أميناً مع نفسه كما كان مهما كان موقعه فى الحياة سواء وهو على رصيف الشارع أو على كرسى الحكم).

بل يجعل الطفل يعيش هذه المواقف ويتذوق حلاوتها وطعمها فيتعلق بالشاطر حسن ويصفق له وهو يطلق سراح المعتقلين ويحقق العدل وينتصر للمظلومين (أول يوم سعت شكوى المظلوم ثانى يوم حق العدل).([11])

وهو يصفى الحساب مع قوى الاقطاع المتحالفة مع الأعداء والتى ترفض العرب فجزيرة الحوت (أنى أخذت فلوس الوزير سليمان ووزعتها على الفقاره والمساكين وأخذت جميع أراضيه ووزعتها على الجنود...) فيحقق العرب الحلم ضد جزيرة الحوت مستنداً على قرار الشعب " الشارع الناس يا مولاى أنا ولد البلد وعارف البير وغطاه عشت فى الشارع يقول السلام يجى بالقوة مع الأعداء مع السلامة يا مولاى)([12])

ويفكر فى الحزانى والمحرومين. ولا يكتفى بهذا الشاطر حسن بل يقول للأطفال أنه الحكم العدل هو الذى يستند على قرار الشعب ولا شئ غير الشعب لأنه صاحب المصلحة لذا يجعل السلطان حسان ينزل إلى الشارع ليقرب الفكرة إلى عقول الأطفال فيتعرف على هموم الناس ويرى حالات الفقر ويكتشف الظلم والجور (أول مرة احس بالشعب بالناس أول مرة أشيل فى ايدى فى السوق أول مرة أساعد الفريد والفقير أول مرة أساعد الست المسكينة أم سعيد أول مرة أصيد سمك أنا تعبان أبى أنا أبى أنام) ([13])

فينتهى السلطان إلى أن الناس تريد الحرب من أجل السلام وأنها تريد العدل والديمقراطية وترفض التسلط والإرهاب (وهذه القصة للكبار أكثر منها للصغار فهى تعالج موضوعاً سياسياً هاماً فى الحياة المعصرة لكن السيد حافظ استطاع أن يوظفها بما يتلائم وادراك الطفل ليغرس روح التعاون والمسئولية وبذلك حولها من رمز سياسى يفهمه إلى درس فى التوعية الأخلاقية للصغار).

فالطفل لما يعيش هذه الأحداث فإنها ستتعلق بفؤاده فيتألم لحال المظلوم والمغبون ويحقد على الوزير والقاضى فتعجبه كلمة العدل، والحب والتعاون، والقتال من أجل الأرض والعرف، فيتمنى أن يكون هو الشاطر حسن صانع هذه المعجزات فى حبه الناس، وتضحيته من أجلهم ورفضه للكذب والاحتيال... الشاطر حسن هو الرسالة هو الموقف الذى يوحى به السيد حافظ إلى عقول الأطفال وقلوبهم... فإن صار كل واحد منهم حسن الشاطر لينتهى حتماً الظلم وينقشع النور والمحبة والتعاون... فى علاقات الناس ويعود الإنسان إلى صفاء الطبيعة.

من هنا نستنتج بأن مسرح السيد حافظ ليس مسرحاً كمالياً ولا ترفيهياً وليس مسرحاً يستجدى الضحك بل مسرح الكلمة مسرح الوظيفة مسرح الموقف والمبدأ أنه ليس المسرح المنافق الذى يسعى إلى تمرير الثقافة الاستهلاكية وإنما هو مسرح يقف عند مشاكل الأمة يخاطب الطفل فيثير انتباهه ويستفذه إلى الضحايا الاجتماعية والسياسية فى حدود طاقاته الفكرية والعمرية.. فها هى الشاطر حسن تقدم الدليل القاطع على أن لا شئ يكبر عن ذهن الطفل إذا نحن انشئنا تقديمه له فحتى القضية الفلسطينية اتى يظن الكل أنها من اهتمام الكبار يجعلها السيد حافظ من انشغالات الصغار.

فأهل جزيرة الأمل المشردين ليسوا إلا ابناء فلسطين المشتبهين فى العالم المحتاجين للعون العربى وما جزيرة الحوت إلا رمزاً للصهيونية التى ابتلعت كل شئ.. فمن خلال موقف الشاطر حسن الذى أعلن الحرب على جزيرة الحوت فإن الكاتب يربى فى الأطفال الحقد على الأعداء (نجد أن عدونا الصهيونى يربى ابناءه على كره وبغض العرب فأولى بنا أن نربى أبناءنا على بعض الصهيونية حتى نخلق أجيالاً قادرة على أخذ حقنا الضائع طالما أن أجيالنا غير قادره على مواجهة هذا العدوان الشرس)([14])

كما يغرس فيهم فيهم حب التضامن مع الأخوة فى محنتهم.. إنه يقول لهم أن قضية جزيرة الأمل قضية كل الجزر مؤكداً بذلك قومية المعركة لأن الخطر يتهدد الكل ولأن الصواريخ النوورية الاسرائيلية تصل إلى كل العواصم العربية (المصيبة إنى معرفش أعمل حاجة بنفسى وأيد واحدة متسقفش لازم الناس والشعب كله يبقى معانا حتى البلاد اللى جنبنا لازم يكونوا معانا لأن العدو مش عدوى لوحدى دا عدونا كلنا وما دام اخذ جزيرة الأمل واحنا سكتين له بكره ياخد كل الجزر وكل البلاد...)([15])

فيعيش الطفل قضية أمته ويشب على تقديسها فيكون إصراره على القتال وتحرير الأرض قوياً أن هذا الحق يصل ذروته عند ما يرفض السلطان (الشاطر حسن) رأى الوزير فى استقبال رسول جزيرة الحوت أم استقبال الضيوف حتى لا يقع فى فخ الاعتراف الرسمى بالعدو وليتأكد بأنه عدو لدود "يجب أن يستقبل استقبالاً عادياً"

الوزير : رسول جزيرة الحوت يستقبل استقبال الضيوف.

الشاطر حسن : دول أعداء جزيرة الأمل وفيه حرب معاهم دول ولاد عمنا لازم نعاملهم بالمثل فهمت خلوه يدخل بعد هذا الحوار يرفض اقتراح الوزير ومؤكداً بذلك الشعارات التى سالت عليها الدماء العربية الذكية فى 1948 – 1956 – 1967 – 1973...

(مفيش جزيرة اسمها الحوت... الجزيرة لما كانت اسمها الأمل وانتو غيرتوا اسمها وسمتوها الحوت... واحنا لا يمكن نسمح لشعب جزيرة الأمل يعيش كده). كما تضمنت المسرحية إشارة لمعاهدة اسطبل داود رغم ادراكها عن الأطفال وتنبأت بسلسلة المعاهدات والتنازلات التى تقدم للعدو لو ما يحدث هذه الأيام..

جماليات المسرحية

إن شخصيات الشاطر حسن " تبدو مرسومة بدقة وموضوعية فى مكانها الصحيح فهى تشكل مجموعة من الأفطار والمواقف والسلوكيات التى غالباً ما تكتمل بعضها البعض".

إن المكان الذى تتحرك فيه هذه الشخصيات يحدد طبيعتها وتريبها داخل المجتمع فمواقعها تتراوح بين الانتماء للطبقة الحاكمة والانتماء للقاعدة بما يمثله هذا الاختلاف من تباين فى الثقافة والفكر والرأى الأمر الذى يعطى للصراع حدته وتناقضه... إن السيد حافظ يسلب أبطاله حرية الحركة فهو الذى يوجههم ويرسم طريقهم فهم عبارة عن علامات رياضية تجسد أفكار الكاتب ومواقفه لذا نجدها تكمل بعضها البعض أن فى هذا الاتجاه أو ذاك (فمختار والشاطر حسن وست الحسن) ليسوا إلا رسالة واحدة توزعت جملها وأفكارها لكن معانيها الإنسانية والنضالية تكمن فى تكاملها وتعاونها أما الشخصيات الأخرى (الوزيرالثقافة)... فليست إلا العالم الأخر الذى يرفضه الكاتب عالم اللصوصية والاحتيال والسجون والقمع وقبر الرأى الأخر أنه الوجه الزائف الذى صنعته العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الفاسدة...

إن شخصية الشاطر حسن لا تبدو شخصية مثقفة بل تبدو عادية عامية وشعبية وطيبة لكنها واعية بالواقع السياسى والاجتماعى لهذا نجدها تهدف إلى التغيير وهى من هذه الناحية تشكل النقيض لجولى جاى عن برخيت حيث يشعى هذا الأخير دائماً لتكييف نفسه مع بيئته ومحيطه الاجتماعى لكن مجاملاته تتسم دائماً بالفشل فيلجأ لمختلف الوسائل الانتهازية يبدأ أن محاولات الشاطر حسن تكلل بالنجاح وتاكد ما تؤكده قيمة الإنسان كموقف. فهو يعلن الحرب لأن الجموع تريد ذلك ويوزع الأموال المسروقة لأن العدالة تفرض ذلك.. كما يشكل الشاطر حسن النقيض (أبو عزة) عند قرنوس (وأبو حسن) عند حسن يعقوب.

الشاطر حسن يعيش اصراع على جبهتين الأول داخلى لكنه ليس بهجرة داخل النفوس المحيطة البائسة وليس كذلك بصراع المثقف مع نفسه ذلك المثقف الذى أعطى للجموع كل ما يملك عقله وروحه وحياته ولكنها تأخذ ولا تعرف ما تريد فتتركه فى حيرته وقلقه وتأزمه إنه صراع الفطرة والإيمان وجهاد النفس وكبح اندفاعها نحو الشر. فهى من هذه الناحية تكاد تشكل شخصية فنية بالمفهوم الأرسطى.

أما الثانى فهو صراع مع المجتمع ساعياً نحو الأفضل نحو التغيير الواعى والتطهير المسئول من خلال الموقف والمبدأ والممارسات اليومية وتلك رسالة الثورى والمناضل، ليس الثورىالذى تربى فى أحضان الحزبية وأجهزتها البيروقراطية ولا المناضل الذى ألتهب جوفه الشعارات التدجيلية.. إنه إيمان الفرد بجماعته وقيمه وإنسانيته. ا لشاطر حسن بهذا يجسد مفهوم البطولة بوجهها الإنسانى.

المشرف (عكس بطولة الشطار والعيارين التى ألفناها فى تراثنا القديمة) إنها بطولة فردية / اجتماعية تتجاوز تحقيق المنافع الذاتية والنوازع والشهوت الفردية، إنها تتحرك فى إطار التزام تام ومتكامل بالقضايا الإنسانية : الديمقراطيةالحريةالوطنالدينالأخلاق.. نعم هذا الالتزام يقيد الفرد يسلبه نفسه لكنه من جهة أخرى يعطيه حريته إلا أنها تبقى مسئولة، إن السيد حافظ لا يريد أن يقدم للأطفال بطولة مزيفة مهزومة أو يقدم لهم نماذج طبق الأصل لنا فنحن لا نصلح بأن تكون قدوة لأطفال العرب حديثنا عن البطولة يجرنا إلى الحديث عن التراث كيف تعامل معه الكاتب وكيف جسد من خلاله مفهوم البطولة كما يتصورها.

التراث جهد إنسانى وملك للجميع ولكل واحد شرعية الاستفادة منه والسد حافظ فى هذه المسرحية ينهل من التراث العربى القديم لكن برؤية جديدة وبقراءة أكثر تقدمية. ومما يجب التأكيد عليه أن صاحبنا لا يلجأ إلى التراث هروباً من الواقع العربى المهزوم ليبحث عن مجد الأمة فى دهاليز الماضى. وإنما ليبحث فيه ما يجسد المواطن العرب.. ويتشف من خلاله آفات جديدة تنفتح على المستقبل وليؤكد انتماءه للثقافة العربية من جهة ثانية لكن دون أن يسلبه ذلك حرية الانفتاح على التراث العالمى.

فى هذه المسرحية يزاوج السيد حافظ بين التراث العربى والموروث الإغريقى من خلال طرح جديد ومعالجة جديدة :

فإذا كانت الأسطورة الإغريقية تجعل من الإنسان دمية فى يد الألهة وبعبارة أخرى فى يد القدر ثم يأتى الإنسان الغربى فى القرن العشرين فيتلقف الفكرة ويستخلص منها دلالات تجسد المعاناة الوجودية والميتافيزيقية للإنسان الغربى، والتى يعيشها أمام ظروف الحياة والدماء والرعب النووى والتعايش السلمى المفروض بالقنابل والبوليس...

فإن الأسطورة نفسها مع السيد حافظ تتحمل معاناة الإنسان العربى الذى جرب كل الأنظمة وأكتوى بكل الهزائم ولازال يدفع صخرة الرغيف والتخلف والتبعية وغياب الديمقراطية إلى أعلى ثم ترجع به لى حيث بدأ.. ومع ذلك فإنه لا يسلك طريق الشطار والعيارين الذين احترفوا التحايل والخداع وشطارتهم وفطنتهم ليحققوا مكاسب فردية فاصبحوا بذلك أبطال الجماهير لأن خداعهم كان انتقاماً لها (أى الجماهير) بل سيصبحون مع السيد حافظ رسل الفضيلة وقادة الجماهير نحو الأفضل من خلال رفضهم للواقع والتمرد عليه ومحاولة إصلاحه الفضيلة وقادة الجماهير نحو الأفضل من خلال رفضهم للواقع والتمرد عليه ومحاولة إصلاح وتغييره فتجسدت فيهم أحلام الجماهير وبذلك يتحول مفهوم البطولة عند السيد حافظ من صراع الأبطال ضد الآلهة فى الأسطورة الإغريقية وبطولة الشطار والعيارين ضد غيرهم (أبطال ضد أبطال) إلى صراع الأبطال ضد الواقع الاجتماعى والاقتصادى.

وبالتالى تخلص بنا إلى أن الإنسان موقف وليس أداة.. إن الإنسان لقضيته ومبادئه وهذا ما يجسده الشاطر حسن.

لقد تمكن السيد حافظ من استغلال الحكاية الشعبية حيث طرحها بأسلوب بسيط يتناسب وعقلية الأطفال ومستواهم الفكرى، فالطفل لا يدرك البعد الفلسفى للأسطورة الإغريقية ولا للحكاية الشعبية ولكن المهم هو استغلالها فى توصيل مجموعة من القيم والأخلاقيات والدروس فصراع الوحش يوحى للأطفال بالشجاعة والتضحية والفضيلة الإيثار وممارسات الشاطر حسن اليومية تؤكد قيمة الإنسان كموقف وكمبادئ فيعرف قيمة الأمانة والعدل والتعاون والإخلاص والأرض والوطن.

أما إذا انتقلنا إلى المكان يبدو أن السيد حافظ يقدمه فى هذه المسرحية فى صورة واقعية قريبة من أرض الأطفال (السوقالقصرالحى بغدادرخصة عامة) فاختيار المكان تمر بشكل مرسوم ومقصود، فالسوق يشكل حضور المجتمع حضور التقاليد ظهور الخير والشرولما لا فالسوق العربى مكان للفرجة والممارسات الاحتفالية والاجتماعية على مستورى التقاليد والمعتقدات (حلقات الفرجة) والقصر يمثل حضور الدولة، السياسة، العدل.. وما بين السوق والقصر وليس إلا الامتداد للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية فى تنافرها وصراعها وتقاربها وتباعدها نقرأ ذلك فى صعود الشاطر حسن إلى القصر ونزول الوزير إلى السوق.

فالسيد حافظ كا نلاحظ اختار أمكنة متنوعة هنا إلى القصر والبحر والسوق هناك مكان شاسع هو بغداد فهو إذا لا يحافظ على وحدة المكان حتى لا يسجن المتفرج، ويقيده ومن جهة أخرى فالمهم بالنسبة للكاتب ليس المكان أو حدته، وإنما ما يجرى داخل المكان، فالسوق ما هو إلا وجه لبغداد إلا الوجه الأكثر تصغيراً للعالم العربى لكل مشاكله وأزماته.

هذا المكان يوحى بزمان منهم، زمن له قناعان، قناع ما خوى وقناع أنى نجده فى لغة المسرحية.. لكن بلا شك إنه الزمن العربى الراهن فالمسرحية تحدثناعن جزيرة الأمل وأبناءها المشردين وتحدثنا عن تخاذل الجزر وتحدثنا عن البيانات الكاذبة الرسمية المذاعة عبر الأثير لخداع الجماهير وتضليلها وتحدثنا عن الوزير القاضى.. إنه بلا ريب الضم العربى الراهن والتخاذل العربى والاستسلام العربى للكيان الصهيونى، وزمن القهر والتردد والانحراف والتخلى عن فلسطين مقابل غزة وأريحا.. زمن العجر والمساومات والقيم الفاسدة.

ورغم ذلك فمكانها غير محدد قد يكون بغداد والعراق والوطن العربى وقاعة المسرح وأبطالها المتفرجون الحاضرون منهم والغائبون وزمانها مطلق يمتد إلى حيث المعاناة والقهر إلى حيث يكمن الفساد والطغيان.

فالمكان بالنسبة للسيد حافظ لا يخضع لمقياس الطول والعرض فهو ليس سوق بغداد ولا قصر السلطان حسان، وإنما هو مكان متمدد وفسيح، قد يشمل كل الوطن العربى بل كل العالم. وهو ليس واحداً بل يختلف باختلاف الأحداث : يتسع باتساعها ويضيق بضيقها. زمان المسرحية كمكانها مرتبط بالحدث. قد يمتد بعيداً وعميقاً فى الماضى عبر التراث، عبر الأسطورة وقد يمتد فى الحاضر والمستقبل لكنه فى كل حالاته ليس إلا زمان الإنسان المقهور المرتقب لليوم الأفضل والغد الجميل الذى يحلم به مقبول عبد الشافى فى مدينة الزعفران وحنفى فى حبيبتى أنا مسافر والشاطر حسن و...

وإذا انتقلنا إلى البناء الدرامى فإننا سنلاحظ تجاوزراً لبعض القواعد الأرسطية. فأحداث المسرحية تبدأ بسيطة وناعمة فى اتجاه اأفقى، لكنها سرعان ما تغير الاتجاه إنها فى اتجاه عمودى نحو الأعلى أو نحو الأسفل فهى تأخذ اجاهات متعددة ومتشعبة نلاحظ فيها السكون تارة والانفجار تارة أخرى.. الانفراج والتأزم.. كهذا الاضطراب ضرورى على ما يبدو لأنه موجود فى حياتنا اليومية المليئة بالتناقض والسير فى اتجاه واحد يخالف الواقع.

وكلما تقدمت بنا المسرحية من موقف لآخر يتضح لنا أن الصراع يتخذ شكلاً دائرياً لأنه فى كل مشهد وهو يناقش أو يحلل أو ينتقد للبعض أن المسرحية وصلت إلى عقدتها أو نهايتها لكنها سرعان ما تفاجئه من الخلف معلنةميلاداً جديداً وعقداً كثيرة...

إن المسرحية من جهة أخرى لا تقوم على أساس السببية أى بناء الحدث على ما قبله والذى يدفع نحو العى دائماً بل نجدها تعتمد عنصرى التناقض والصدفة وهذا يعطينا انطباعاً كبيراً بأن الكاتب يتدخل فى حدته شخصياته. فالشاطر حسن وجد الكيس صدفة وتشابهه بالسلطان كان صدفة.. لكن إطلاق المعتقلين وإعلان الحرب ومصادرة الأموال المسروقة كان نتيجة الإصرار والصراع والتناقض بين ارادتين اردة الشعب المتمثلة فى (الشاطر حسن) وإرادة الطبقة الانتهازية المحيطة بالسلطان والمتمثلة فى (الوزير).

الشاطر حسن بدأ نائماً حالماً لكن ما بعد النوم ليس إلا اليقظة والحركة وصحوة حسن من نومه واستئنافه لنشاطه اليومى يعطى للطفل انطباعاً خاصاً عن الكسل والنوم بأن حالة الحلم لا يمكن أن تدون. والحلم نفسه له ما يبرره لدى الأطفال. فالطفل نفسه يعلم بقطع الشيكولا والملابس واللعب.. فيقارن بين أحلامه وأحلام الشاطر حسن.

المسرحية كما يتضح ليست حدثاً واحداً، وإن لبست ثوب القصة فإنها تحررت من سلطتها (أى القصة) فلم تسجنها فى موضوع واحد، بل استطاع الكاتب أن يسبح فى عوالم كثيرة فها هى الأحداث تتشابك وتتحدد لتفجر المكان والواحد والزمان الواحد. فيضحى الزمان أكثر من لحظته: إنه الحلم والمستقبل والواقع... إنه التاريخ والحضارة.. الآن والآتى ويصبح المكان أكبر من الرقعة الجغرافية إنه يمتد إلى حيث الإنسان والقصر والمعانات...

لغة المسرحية جاءت بسيطة وناعمة تتناسب ومستوى الأطفال العمرى والفكرى. هذه اللغة تصحبها شاعرية مرهفة تؤكد نبل عاطفية الكاتب وصدق التحامه بهموم مجتمعة وامتهز. نجد فيها ذات السيد حافظ وعاطفته بل نجده هو نفسه وسط حروفها يرسم مستقبل الطفل العربى يتكلم بنظم.. فيها رؤية الكاتب ما يريده ومالا يريده فحصى أكثر من وظائف نحوية أو دلالات لغوية بل مسودة الأفطار والآراء... عندما نتحدث عن الشاعرية فإننا لا نقصد بذلك الوزن والقافية والبديع والمحسنات اللفظية وإنما نقصد بذلك قدرة الكاتب فى الوصول إلى لب الأشياء وجوهرها. إنما شاعرية مرتبطة بالفكرة.

ارتباطها بالموروث الشعبى جعل الكاتب يعمد إلى السرد أحياناً إلا أن ذلك لا يعبث على الملل مع تلك الشاعرية. لغة المسرحية من جانب آخر تطغى عليها العامية إلا إنها تبقى قريبة نوعاً من الفصحى، وسواء كتبنا بالعامية أو الفصحى فإن الهدف واحد وهو أن السيد حافظ خاطب الطفل يحاول الوصول إلى لغة مرتبطة بالحياة، لغة تعبر عن الأشياء الجوهرية والأساسية، لغة لا تصدم الطفل أو تجعله يشعر بالعجز والانبهار وإنما يخاطبه بلغته التى يعيشها لا بلغة الراديو والتلفاز والمعلم...

(الشاطر حسن) مساهمة ناجحة وخطة متقدمة فى مسيرة حافظ المسرحية. نجح صاحبها فى تفجير كثير من القضايا التى تزاحم الطفل العربى وتشكل واقعه اليومى (فى المنزلالتلفازالمدرسةالشارع...) فيدخله فى رحلة السؤال والجواب؟

هذه الأسئلة لا شك وإنها ستقلق الطفل وتربكه ولابد وأن يبحث لها عن جواب إما داخل عالمه المحدود أو ف عالم الكبار الذى يفرض سلطته عليه.... فيبدأ الطفل فى تشكيل موقفه ويبدأ معركته الحاسمة فى تحطيم جدار الصمت المحيط به فتتنوع الأسئلة والأجوبة وتبدأ النوة فى الاختمار والتطور. إن المسرحية تستفز الطفل وتدعوه إلى معانقة الشاطر حاسن ليبدأ معاً معركة الموقف والمبدأ. فالمسرحية تعمل على زرع بذور الفضيلة والنبل فى نفوس الأطفال قفتجسد قيمة الإنسان كموقف أكثر منه كائناً بيولوجياً.

المسرحية إدانة صريحة وواضحة للحكومات والمربين ورجال التعليم. بل تعرى الواقع العربى ككل الذى أصبح فيه الإنسان عبداً يتحكم فيه الواقع الاقتصادى... لكنها تؤكد أنه من بين قمامات الهزيمة والفساد وينبع الموقع الشجاع والبطل المخلص الذى يحمل هموم مجتمعه على كتفه يطوف بها أرصفة الحرمان والعذاب فلا تغريه صولجة السلطان ولا يرهبه سوطه.. هذا النموذج هو الشاطر حسن ابن الشعب.. واحد من الطبقات الفقيرة يحلم بالغنى وباليوم الأفضل، ليس واحداً من الطبقات الارستقراطية (إننا نحاول أن نقدم البطل الذى يصارع ضد الفقر ويسعى لتحسين أحواله المعيشية...)([16])

بقلم

شنايف الحبيب



([1]) شاذى بن خليل – فى مسرح السيد حافظ – ج الأول – الترف الإنسانى – فى مسرح حافظ – ص 95.

([2]) عبد الكريم برشيد فى مسرح السيد حافظ ج مسرح السيد حافظ بين التأسيس والتجريب – ص 85.

([3]) المسرحية ص 3.

([4]) المسرحية ص 6.

([5]) المسرحية ص 9.

([6]) المسرحية ص 5.

([7]) المسرحية ص 5.

([8]) السيد حافظ – مذكرات كاتب ومخرج مسرحى ص :

([9]) الحديث.

([10]) المسرحية ص 32.

([11]) المسرحية ص 32.

([12]) المسرحية ص 32.

([13]) المسرحية ص 30.

([14]) المسرحية ص 5.

([15]) المسرحية ص 28.

([16]) السيد حافظ : مسرح الطفل فى الكويت – ص 58.

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More