دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 210 )
مسرح الطفل عند السيد حافظ
بقلم نزيهة بن طالب
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
مسرحية محاكمة على بابا
تأليف / السيد حافظ
إخراج / أحمد عبد الحليم
ديكور / محمد الجاسمى
أزياء / رجاء البدر
مكان العرض / مسرح عبد العزيز المسعود بكيفان
ألحان / أنور عبد الله - عبدالله الراشد
كلمات الأغانى / فايق عبد الجليل
بطولة / عبد الرحمن العقل – محمد جابر
هدى حمادة – جمال الردهان
أحمد جوهر – منى عيسى – عبد الناصر درويش
باسم عبد الأمير
مسرح الطفل عند السيد حافظ
بقلم نزيهة بن طالب
باحثة مغربية
دراسة
تحليل مسرحيات السيد حافظ للطفلمع مقارنتها بالأصل الشعبي
السيد حافظ يؤمن بديهية أن الطفل لا يرحب كثيرا بالنصيحة المباشرة. ولهذا اعتمد منهجا تربويا يتسلل بلطف وخفة إلى نفس الطفل، وذلك حتى لا يثير فيهم نوازع الرفض والاحتجاج على الأوامر والنصائح المباشرة. ولهذا فهو يحاول تغذيتهم فكريا ومعرفيا وجماليا لكن بطريقة فنية إيحائية تشبع فيهم حاجاتهم الجسمية والنفسية والاجتماعية والميتافيزيقية. وعلى هذا قدم السيد حافظ إبداعات مسرحية فنية قيمة للطفل العربي. هذه الأعمال التي واجهت حالة خروجها إلى النور – إلى المتفرج الصغير – زوبعة من النقد اللاذع. إلا أن السيد حافظ بشجاعته واستماتة يقف دائما وأبدا في مواجهة مثل هذا الطوفان من النقد، لأنه تعود مثل هذه المواجهة والصمود بفضل إرادته القوية وإيمانه بمبدئه. فليست هذه أول أشواك تعترض سبيله، بل اعترضته أضعاف أضعاف هذه العوائق في إنتاجيته المسرحية للكبار الذي قدمه باسم المسرح التجريبي. هذا المسرح الذي جاء به جديدا غريبا على القارئ العربي " في رموزه – شخصياته – أحداثه – ولغته "، لهذا قوبل بالرفض الشديد الذي لا يحتاج إلى جدال. وقد سبق أن تعرضنا لجملة من الانتقادات التي وجهت إلى مسرحه التجريبي وهذا ما يؤكده لنا السيد حافظ نفسه في قوله " لقد رأيت أن مسرح الطفل بالنسبة لي هو المخرج أو هو الخلاص كما يقول الصوفيون. لقد رأيت أنه هو النافذة الوحيدة التي ألجأ إليها إحتماءا بالمستقبل بعد أن فشلت في أن أقدم للكبار مسرحا جديدا كان يسمى بالمسرح التجريبي، لذلك كنت أرى أن مسرح الطفل هو الوسيلة الوحيدة . ربما كنت أبحث في مسرح الطفل عن طفولتي التي فقدتها ، ربما كنت أبحث عن المستقبل في أطفال الغد.
قدم السيد حافظ معظم أعماله في الكويت حيث قدمت مثلا مؤسسة البدر مسرحية "سندريلا " ومؤسسة الزرزور قدمت مسرحية " الشاطر حسن ".
وإذا كان السيد حافظ قد بذل جهدا جهيدا في تقديم إبداعات فنية للطفل، فإن عواطف البدر قدمت جهدا قد يكون مماثلا في هذا المضمار. ويرتبط اسم الأستاذة "عواطف البدر – في الكويت – بمؤسسة مهمة للإنتاج الفني وهي مؤسسة اهتمت بالطفل وكرست نشاطها له ولثقافته وفنه، لهذا قدمت له لحد الآن ستة أعمال مسرحية . وتأتي مسرحية " سندريلا " في ختام هذا القائمة وهي قائمة مفتوحة على العطاء والاستمرار ، كما يقر بذلك الناقد المغربي " عبد الكريم برشيد ".
وقد عرض في الكويت ثلاثة وعشرون عرضا معظمها في الفترة ما بين 1983 و 1985 ، وبهذا كثرت عدد العروض المقدمة للأطفال في الكويت خلال الفترة الأخيرة . وإن كان الطابع الغالب على أهدافها طابعا تجاريا واستهلاكيا بالدرجة الأولى. أما الغايات التربوية والتعليمية فعرضت بطريقة مباشرة سخيفة تؤدي إلى النفور والاشمئزاز، ومع ذلك رغم وعظيتها ومباشرتها تأتي في المقام الأخير في معظم العروض المسرحية. وهذا ما يتأكد لنا من خلال قول السيد حافظ مسرح الطفل في الكويت ما زال يعيش مرحلة الطفولة ذاتها . فإذا ما حاولت بالكويت مؤسسة ما تنمية هذا اللون من المسرح جاءت مؤسسة أخرى باسم الإسفاف تحط من شان كيان مسرح الطفل . لذا فإن مسرح الطفل مازال يصطدم بواقع من الجمود وهيمنة الفرق التجارية في غياب رقابة الدولة والمؤسسات الحكومية الثقافية . من هنا يكون التطور صعبا والنظرة المستقبلية تتلاشى وتحول الطفل إلى سلعة رائجة بين صالات العرض . ويضيف قائلا " لو كنت مسئولا عن التقييم لمنعت بعض المسرحيات وحاكمت من يقدموها محاكمة أدبية ، وفرضت على نتاجهم الإقامة الجبرية بحيث لا يخرجون بمسرحياتهم وصادرت أفكارهم وحرمت الأطفال من مشاهدتها " .
ومرة أخرى نتوقف قليلا لنقاش نقطة ثانية تتعلق بمدى استعادة السيد حافظ من مخزون الذاكرة الشعبية ، وكيف تعامل مع ما استلهمه من المأثور الشعبي . لاحظنا من خلال ما تقدم اهتمام السيد حافظ بالتراث العربي ، كما لاحظنا تركيزه على طريقته في التعامل معه، فهو يستلهم موضوعه من التراث ويعيد خلقه من جديد ليقدمه في شكل مسرحي متميز. والسيد حافظ هو واحد من الذين وضعوا موضع التطبيق تجربة الغرف من التراث في إعداده وإخراجه، ومن المبادرين إلى الاستفادة من قصص " ألف ليلة وليلة " محاولا تطويع ذلك التراث القديم لشكل المسرحية الحديث من جهة ، وأن يجعله ملائما لمزاج الجمهور العربي من جهة ثانية. وعندما يعود إلى الزمن فإنه لا يلتزم بوقائعه ولكنه يستلهم جوه كإظهار لمسرحياته ، التي حاول من خلالها إسقاط الضوء على الواقع المعيشي بمنظور سياسي. فكان هدفه ليس إمتاع الطفل فحسب بل سار على نهج " برتولد بريشت" في أن المتعة تأتي عن طريق الفهم والإدراك خاصة وأننا بمرحلة أحوج ما نكون فيها إلى التوعية ، وحتى يمكن الطفل العربي من كشف الواقع السياسي والاجتماعي للشعب العربي ، لهذا وجدناه يستوحي قالبه ومضمونه المسرحي من التراث الشعبي العربي وكذلك الغربي المتمثل في مسرحيته " سندريلا " ، وهذا ما سوف نتطرق إليه في تحليلنا لأعماله المسرحية التراثية للطفل ، التي استلهم مواضيعها من قصص "ألف ليلة وليلة "، ومن السير الشعبية العربية كسيرة " عنترة بن شداد " وسيرة أبي زيد الهلالي " .
وأول إبداع مسرحي طفلي للسيد حافظ كانت هي مسرحية " سندريلا " وهي التجربة المسرحية السادسة لمؤسسة البدر ، التي آلت على نفسها خدمة الطفل متجاوزة الهزل ما أمكن متوخية الابتهاج والضحكة والأغنية ، محاولة الابتعاد به عن حدود اللهو الخالص ، والمعوقات الاجتماعية والتربوية . ومسرحية " سندريلا " اتخذت من الحكاية الشعبية والأسطورية الخرافية حجر الأساس الذي قامت عليه معتمدة على أسطورة " سندريلا " في الأدب الغربي العالمي . وهي أسطورة توارثتها الأجيال وتعيش في الوجدان لما فيها من خيالات عديدة تحقق أمنيات البعض في تحقيق الأحلام . وسندريلا هي تلك التي لاقت صنوف العذاب من كل ما يحيط بها خاصة من زوجة أبيها الذي تركها يتيمة وحيدة تعاني مرارة الوحدة والحرمان وشظف العيش و قساوة الظلم والذل .
وسندريلا هي تلك الفتاة الطيبة البريئة الصابرة التي تتعرض لقوى الشر فتعاني من ضروب الظلم والاضطهاد الشيء الكثير . وتقابل شتى ضروب الشر ، الحقد والكراهية والغيرة من قبل أختيها من أبيها . ثم يحدث أن تتدخل بعض القوى الخارقة لمساعدتها وإنصافها ولا تتركها إلا بعد أن تحقق كل طموحاتها النبيلة ، هذه هي قصة سندريلا المعروفة في الأدب الشعبي العالمي . لكن لابد من التنبيه إلى أن السيد حافظ اختار حكاية سندريلا لما لها من صدى طيب في نفوس الأطفال. كما يجب التنبيه إلى أنه لم يحتفظ بجميع تفاصيل وجزيئات الحكاية الشعبية العالمية، بل أضاف إليها الكثير من التجديد حتى يعطي لها صبغتها العربية، وحتى يكسبها خصائص ذاتية شخصية عربية .
وللتدليل على جهد المؤلف في إعطاء هذه الحكاية الغربية ملامح عربية لابد من الإشارة إلى نقط الالتقاء والتشابه بين النصين الأصلي العالمي والنص المسرحي.
أما عن نقط الالتقاء بين النصين : فهو تقديم سندريلا كفتاة يتيمة فقيرة تعيش ضغطا وحرمانا وعذابا من قبل زوجة الأب . كذلك الحفل الذي تذهب إليه سندريلا بمساعدة " الجنية " في النص الأصلي و" أم الخير " في النص المسرحي حيث تلتقي بالأمير وتنال إعجابه بل وتفوز بقلبه . وأثناء مغادرتها للقصر تفقد أحد نعليها وعن طريق هذا الحدث يستدل الأمير على سندريلا فتصبح بعد ذلك زوجة حليلة له.
فعلى مستوى المضمون : نلمس من خلال المسرحية مجموعة من الإضافات الفكرية في جانب المضمون ، هي إضافات أراد المؤلف أن يعطي من خلالها لعمله المسرحي تميزا مستقلا . نجد مثلا السوق والباعة ، حيث تظهر سندريلا تبتاع من عنده لوازم البيت التي كلفتها بها زوجة أبيها . لكن الباعة يرفضون أن يبيعوا لها شيئا ، لذا نتساءل لماذا لجأ السيد حافظ إلى إبراز هذا التصرف ؟ وهو امتناع التجار عن التعامل معها ، بالرغم من انتمائها إلى طبقتهم . هل كان يقصد من ذلك تعميق إحساس سندريلا بالوحدة والعزلة وسط أهلها وناسها ، وذلك لتعميق تعاطف الأطفال معها ؟ ربما يقصد من إبراز هذا التصرف توثيق العلاقة الحميمة بين سندريلا والحيوان . فلما لم تجد لها صديقا ولا أنيسا أو رحيما في العنصر الإنساني لجأت إلى الكائن الحيواني لعلها تجد فيه الحنان والعطف المحرومة منهما .
" ألفريد فرج " يوضح لنا تعلق الطفل بالطبيعة وحبه الشديد لكائناتها بقوله " الطفل ابن الطبيعة ... ومن لحظة الميلاد يظل المجتمع يعمل لانتزاعه من حضانة الطبيعة . ولضمه إلى منتداه ، ويعاني الطفل من التعلق والتناقض بين انتمائه الطبيعي وانتمائه الاجتماعي , يعاني من تناقض ارتباطه يوما بعد يوم ، ومن تزايد ارتباطه بالمجتمع والوعي به واكتشاف علاقاته الاجتماعية . لذلك فحسب الطفل للطبيعة أصيل وحنينه إليها أصيل . وأن حب الطفل الأخوي للطبيعة لا ينفصل عن شوقه للحوار معها . لذلك يستهوي الأطفال في قصصهم أن تتكلم الأشجار والحيوانات ويستهويهم تشخيص الكائنات المسرحية ، واشتراكها في الأحداث في جو من الأسرار والأغراب " .
أما عن فكرة استبدال الساحرة بشخصية أم الخير فهي موفقة في رأيي ، لأن أم الخير حتى في اسمها الرمزي تحمل معاني الخير والتعاون والتعاطف . هي تدعو ضمنيا إلى ضرورة فعل الخير وتقديم المساعدة ، لأن من عمل خيرا وقدم معروفا لمن هو محتاج إليه لابد أن ينال جزاءه إن عاجلا أو آجلا. وقد تكون هذه محاولة من المؤلف لإضفاء الواقعية على هذا العمل وإبعاده عن فكرة وجود صفات خارقة وسحرية .
ولعل أهم ما تميز به المؤلف في هذا العمل الفني ، هو جعل الزواج يتم برغبة سندريلا وتحقيقا لجميع شروطها ، وفي تمسكها بتجريب حظها في لبس الحذاء. وهذا دليل على تمسكها بحقها ، لأنها متأكدة أنها صاحبة الحذاء (صاحبة الحق). ويمكن المؤلف قد قصد من إظهار هذا الموقف الايجابي لسندريلا هو دعوة الطفل إلى التمسك بحقوقه مهما كان الأمر لأن من يضيع حقه يضيع كرامته، وهذا ما يبدو واضحا في جعل هذا الزواج يتم عن طريق الاقتناع الشخصي رغم اختلاف الطبقة الاجتماعية، لهذا تجدها تفرض ثلاثة شروط حتى تقبل الزواج منه.
1- أن تخرج من بيتها بملابسها الفقيرة لا بالملابس السحرية .
2- أن يقبل اصطحابها للحيوانات إلى القصر .
3- أن يرضى بحياة أخوتها معها في القصر .
وإذا حاولنا تعليل هذه الشروط سنجد أنها في شرطها الأول تبين أنها اختارها لشخصها وليس لملابسها الساحرة ، فهي تفرض عليه أن يقبل واقع حياتها المرة الفقيرة كما هي ، وهذا طبعا يتوافق مع شخصية الأمير ، لأننا وجدناه في هذا العمل المسرحي يؤكد على عدم اهتمامه بالفوارق الطبقية والاجتماعية ، وهذا لمحناه من خلال شروطه في المرأة التي يريد أن يرتبط بها وهي أن تكون جميلة وطيبة ولا يهمه بعد ذلك إن كانت فقيرة أم غنية .
وعلى هذا يمكن القول أن المسرحية تتضمن مجموعة من القيم والأهداف التربوية التي يسعى حافظ إلى معالجتها دراميا ، وهي الأمانة – حب الخير – جزاء المعروف – لا يعامل الشر بالشر بل يقابل بالخير حتى يتغلب الخير على الشر . ثم الطموح والتمسك بالحق . إن مثل تلك القيم مغروسة أصلا بالطفل ، وهو يشاهد المسرحية لكن يبقى على السيد حافظ وعلى منصور المنصور مهمة صعبة وهي تنمية السلوكيات الخيرة ونبذ السلوكيات السلبية كقيمة دخيلة على مثالية الطفل " .
يقول المخرج التلفزيوني " سعيد عيادة " حول العرض المسرحي :
" المسرحية حاولت تقديم جانب من الفن المسرحي لعالم الطفل من خلال أسطورة معروفة وهذا جيد في حدود الإمكانيات المتاحة في عالم المسرح . فالسينما العالمية لم تقدمها من خلال عروضها العادية ، بل كانت من خلال سينما الرسوم المتحركة لصعوبة الخروج بالعمل بالصورة المرسومة في الخيال لهذه الأسطورة من هنا نقول إن كل جوانب الإخفاق تهون في ظل الإمكانيات المتاحة .
وهذا رأي بعض الأطفال بخصوص العرض المسرحي استجوبتهم مجلة " عالم الفن" وكانت لها معهم لقاءات ، تقول الطفلة " هناء عبده الطقس " عجبني فستان سندريلا وحبها لأخواتها لما قالت للأمير أنها تحب أخواتها ، وضرورة تواجدهن معها في القصر " والطفلة بريق جاسم المضف " تقول " سندريلا كانت طيبة لما طلبت من الأمير أن أخوتها يعيشوا معها في القصر الكبير ، ولأن الأخوات لازم يحبوا بعض " .
إخراج العمل منصور المنصور
الشاطر حسن :
إن القصص والحكايات الشعبية عموما ، عالم يتميز بالثراء بالنسبة لأدب الأطفال عامة ولمسرح الأطفال خاصة ، نبع فياض يمكن أن ينهل منه الكاتب المسرحي . لهذا يكون توظيف الحكاية الشعبية كمصدر في التأليف الدرامي أنسب مصدر لمسرح الطفل لأن الحكايات الشعبية تصلح للاستلهام الفني في الأدب المسرحي الخاص بعروض الأطفال. وتراثنا العربي مليء بالموضوعات التي تناسب المراحل العمرية الأكبر من عمر الأطفال لا الشباب .
والكاتب المسرحي يلجأ إلى الحكاية على اعتبارها تمكنه من رسم عالم مثالي يسوده الحب والتعاون والخير والجمال . وفيها تنتصر قوى الخير على قوى الشر مهما طغت العناصر الشريرة وتجبرت . وغالبا ما تنتهي الحكاية بهزيمة القيم السلبية كالحقد والجشع والتآمر ... الخ . من هنا فإن النهاية السعيدة ليست دليلا على هذا الانتصار على قوى الشر الجبارة الكامنة في الوجود .
وتراثنا العربي كما – سبق أن ذكرنا – غني بالحكايات الشعبية التي تصلح لأن تكون رافدا غنيا ينهل منه الكاتب المسرحي للطفل ، لما لهذه الحكايات من شعبية لديه . وكاتبنا ( السيد حافظ ) وجد بدوره في هذا المأثور الشعبي العربي النبع الفياض الذي لابد من نقله إلى الطفل العربي وتعريفه بتراثه – طبعا – بعد تنقيته من الشوائب العالقة به ، والسلبيات التي يمكن أن يكون لها أثرا معاكسا على شخصية الطفل . وهذا يتبين لنا جليا في حديث السيد حافظ يقول " أعتقد أنني أومن ببديهية بسيطة رجل بلا ماض رجل حاضر ، أمة بلا ماض أمة بلا حاضر وبلا مستقبل . فالماضي ركيزة للحاضر وللمستقبل ، ولكنه ليس كل الماضي بعينه ، فعلينا تنقية هذا الماضي من الشوائب ، والبحث في مخزون الذاكرة الشعبية والتراث الشعبي ، انتقاء الصور التقنية وتوظيفها للطفل العربي بدلا من أن يظل حبيسا أمام التلفاز ليشاهد مسلسلات " Tom and Jerry " والمسلسلات الأجنبية الوافدة إليه من شعوب أخرى ، وبيئات أخرى . ربما يكون في هذه المؤسسات التي تقوم بإنتاج هذه الأعمال هدف سياسي أو هدف ما يحاول أن يسمم أفكار طفلنا العربي . فقررت أن التجئ إلى مخزون من التراث العربي والتراث الشعبي ، حتى منه المشرق والمضيء ، مثل البحار الذي يغوص في أعماق البحار ليصطاد اللؤلؤ ، ويصطاد الأصداف . فربما يجد لؤلؤة جميلة فيقدمها إلى أهل الشاطئ ، ولكن أهل الشاطئ عندي هم الأطفال الأبرياء ، يحملون الورود في أيديهم ، والشمس تطل فوق جباههم مبتسمين مشرقين للصباح وللغد آملين تغيير الأمة نحو غد مشرق .. "
وبهذا يمكن القول إن المبدع الفنان المسرحي السيد حافظ وجد في كتاب " ألف ليلة وليلة " ما يبحث عنه من مادة خصبة غنية صالحة لإعادة قراءتها وتناولها تناولا جديدا يتناسب مع شخصية الطفل المعاصر ، طفل قرن 20 ، الذي غزته أجهزة الإعلام وطورت معارفه ومداركه . فاستوحى من " ألف ليلة وليلة " مسرحية " الشاطر حسن " .
ففي أقل من عام واحد أصبح لسندريلا شقيق آخر لا يقل عنها شأنا هو الشاطر حسن – على حد تعبير " د. نادر القنة " – يقول " د. نادر القنة " " باعتقادي أن السيد حافظ بكتابته لمسرحية الشاطر حسن لا يفعل أكثر من أنه يعيد في كل منا طفولته ، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك . إنه يريد صناعة جيل لا يعرف التردد ؛ جيل يملك قراره كما يملك وجوده ، فرغم الشطحات الطليعية العمق ، ورغم عمق الطرح الشاعري للمؤلف في مسرحية الشاطر حسن ، فإن المسرحية تسجل موقفها وكلمتها كرد فعل للواقع المأساوي الذي بتنا نجتره ، وبتنا ننقله لأطفالنا حتى تستخرج منهم نسخا مكررة عنا ، بل أكثر تشوها .
وحكاية الشاطر حسن هي حكاية شاب معروف لدى أهالي قريته بأنه يمتاز بذكائه وفطنته ، وحبه لكل الناس . فنجده دائما حاضرا ليساعد كل من يجده في حاجة إليه في كل كبيرة وصغيرة . وهو صياد يذهب بما لديه من صيد إلى المدينة، حيث تزور في يوم من الأيام الأميرة "ست الحسن" سوق السمك وتفقد كيس نقودها، فيجده الشاطر حسن ويريد أن يرجع لها كيس نقودها، يرجع الأمانة فماذا يفعل؟؟ عندما شاهد الأميرة من خلال سور القصر، أيقن أنها صاحبة الكيس.
لهذا حاول تسلق السور بمساعدة زميله " مختار " ، لكن ألقي القبض عليه أثناء محاولته . فلمس السلطان الشبه الكبير بينه وبين الشاطر حسن ، لهذا عرض عليه أن يتبادل معه الملابس ، ويحل كل منهما محل الآخر لمدة 3 أيام . ثم تدور الأحداث ليرينا الكاتب مفهوم الحكم عند رجل الشعب والشارع الذي عانى مرارة الظلم والطغيان وشظف العيش. هل يستأثر بالسلطة ليعوض أيام الفقر والحرمان، أم أنه يظل أمينا مع نفسه كما كان، مهما كان موقعه في الحياة سواء وهو على رصيف الشارع أو على كرسي الحكم.
وهنا بلغت المسرحية مرحلة العقدة أو الأزمة، كيف يتصرف كل منهما في موقعه الجديد ، وبعد أن تنتهي الأيام الثلاثة التي خصصت للشاطر حسن ليمسك فيها زمام أمور الحكم، ونزول السلطان الحقيقي إلى الشارع ليلامس هموم الشعب عن قرب، يتقابل الطرفان في موقف مناظرة مختزلة حيث يلخص كل منهما للثاني ما حدث في الأيام الثلاثة. فالشاطر حسن يسمع في اليوم الأول شكوى المظلومين، وفي اليوم الثاني حقق العدل، وفي اليوم الثالث أعلن الحرب على الأعداء لاسترداد جزيرة الأمل. أما السلطان الحقيقي فقد اقترب من الناس أكثر واطلع على مشاكلهم ورصد احتياجاتهم، بعد أن عاش مدة طويلة معزولا عنهم، تفصله حواجز وقضبان متينة متمثلة في الوزراء والحجاب المنافقين. من هنا يصبح حتما على السلطان الحقيقي أن يعيد تقييم موقفه على ضوء المتغيرات التي صاحبت وجود الشاطر حسن على عرش الحكم.
والسلطان الحقيقي يعود لكي يجد نفسه أكثر تفاؤلا بعد أن كان يعاني من حالة مرضية نفسية سيئة غرسها فيه الوزير، لهذا أصبح كل همه هو تحقيق السعادة للناس وحل مشاكلهم قدر المستطاع . وهنا نقول مع " صالح الغريب " " إن الكاتب يريد أن يؤكد أن الموقف يحقق للإنسان الحدث ، وأن الحاكم عندما ينزل إلى الشارع يعرف كل شيء عن شعبه ، ومن هنا يكون الحكم على الأمور واضحا ، ويصدره مباشرة من دون وسطاء أو منافقين . هذه لعبة الكاتب التي يريد أن نوصلها إلى الأطفال ، جيل الغد الذين عليهم أن يعيشوا الحرية والكفاح والدفاع عن الوطن ، أنها شحنة من الأمل لجيل الأمل المنشود . وأول ما يشد انتباهنا في المسرحية هو تلك الإضافات أن التعديلات الجوهرية التي أضافها المؤلف إلى نص الحكاية الشعبية (حكاية أبو الحسن المغفل مع هارون الرشيد) وأول هذه التعديلات هو جعله التشابه بين الشاطر حسن والأمير هو أساس اختياره ليحل محله في الحكم لمدة ثلاثة أيام . بينما كان أساس الاختيار في النص الشعبي هو رغبة أبو الحسن المغفل نفسه . وحلمه الكبير بأن يصبح حاكما وهنا يتبين لنا الفرق واضحا. فالنص الشعبي يعكس الطموح والإرادة القوية لدى أحد أفراد الشعب، الذي يعكس رغبة الشعب في حكم نفسه بنفسه حكما يقوم على العدل والمساواة. لأن رجل الشعب يحس بهموم الشعب، وبالتالي يسعى جاهدا لحلها . أما اللقاء بين الشاطر حسن والأمير حدث بصدفة محضة، وليس بحلم أو رغبة والإرادة تحمل أكثر من معنى بالمقارنة مع الصدفة.
وهناك تعديلات أخرى تؤكد إبداعه وخلقه، من ثمة استحقاقه كلمة مؤلف وليس إعداد هذه الكلمة التي أثارت جدلا عنيفا – ليس هذا مجال التفصيل فيه – والمهم أن المؤلف استطاع أن يضفي على العمل المسرحي طابع المعاصرة ليصبح أكثر واقعية. لهذا استند الشاطر حسن في إنجازاته وفي إعلانه الحرب على العدو على القوة الحقيقة الكامنة في الجماهير، وعبر بعفوية عن رجل الشارع . فأشار المؤلف إلى أن الحرية لا يمكن أن تمنح بل إنها تؤخذ عنوة وتسترد بأسلوب نضالي فيه الإصرار والعزيمة والتضحية.
وفي حديث خاص مع السيد حافظ سأله " د. نادر القنة " أن يجيب بكل صراحة هل بمقدور الطفل في الكويت وفي العالم العربي الآن قراءة هذا الكم من الأفكار والمضامين المطروحة في الشاطر حسن ؟ أم أن المسألة أننا نسوق أعمالنا كيفما كان الأمر . وقد أجاب المؤلف باختصار " وهل يستطيع الطفل العربي في كل مكان في هذا العالم أن يهرب من واقعه . إنه مطارد بأجهزة الإعلام صباح مساء، يسمع يقرأ ويرى ، إنه محاط بكل قضاياه الواقعة . ونحن في الشاطر حسن لا ندعي أننا نحاول طرح تجربة في مسرح الطفل ، بل إننا نطرح أسلوبا جديدا في معالجة مسرح الطفل .
مسرحية أولاد جحا :
الواقع والمعروف أن جحا هو شخصية شعبية تراثية اشتهرت في بلادنا العربية لما يصدر عنها من نوادر طريفة ونكات ظريفة ، لها ملامحها وسلوكياتها وصفاتها المتميزة والطرفة . وإذا كانت الشخصية الجحوية في المصادر العربية القديمة مقترنة بصفات الحمق والغفلة ، اقترنت عند البعض الآخر بصفات الذكاء والطرافة والكياسة . وهذه الصفات كفيلة بجعل المأثور الجحوي يزخر بالوجدان الشعبي والحس الجماعي . وتعتبر الشخصية الجحوية القاسم المشترك بين عقول الناس وطباعهم إذ نجد عقلا كبيرا يدبر الحيلة ، ونراه أحمق لا يعرف من الأمور شيئا ، ونراه فقيرا مقترا ونشهده كريما وسخيا، إذن هو مجموعة أشخاص لنفس واحدة .هذا هو الشيء الثابت كل الثبوت في أمر جحا لأن النوادر الفنية التي تنسب إلى جحا لا تصدر عن شخص واحد .
لهذا ميز أحد الدارسين هو " سلامة موسى " بين جحا الأدباء . وهو رجل عظيم عاقل حكيم ، وبين جحا العامة وهو رجل مغفل يكاد لُعاب البلاهة يسيل من فمه .
والسيد حافظ واحد من الأدباء الذين استغلوا هذه الشخصية الجحوية لما تمتاز به من نوادر وطرائف ، ووظفها لخدمة فكرته ، فاعتبر غفلته تغافلا وغباءه تغابيا . لأنه اختار هذا المنهج أو هذا الأسلوب في الحياة تكيفا مع ظروف عصره . وعليه فإن ما يسري على جحا يسري على أبناء جحا ، وما يقال عنه يقال عن أبنائه . فعرف أبناءه وزوجته كذلك بالغباء والغفلة التي عرفوا بها أم بالفطنة والذكاء وحسن التصرف والحيلة ؟ وهنا لابد من الرجوع إلى المسرحية للتدليل على الموقف الإيجابي لأولاد جحا في الظروف والمعطيات السياسية المحيطة بهم ، مثلا ما يظهر لنا في الحوار التالي :
فتحي العطار : جاءنا تيمورلنك ، وأبوك لازم يحل المشكلة .
الجميع : جحا لازم يحل المشكلة .
الشيخ شافعي : إحنا كلنا لازم نحل المشكلة .
الجميع : إحنا !!
الشيخ شافعي : آه .. المشكلة تخصكم كلكم وأنتم كلكم لازم تحلوها من الصغير للكبير (يخرج
الشيخ شافعي )
ابن جحا : زي ما قال الشيخ شافعي كلنا لازم نكلم تيمورلنك ....
بنت جحا : كلنا من صغيرنا لكبيرنا والصغير قبل الكبير ستات ورجالة .
زوجة جحا : ونشرح له حكايتنا ومشاكلنا .. ونقول له على الفيل
ابن جحا : صحيح الفيل ما جاش عند بيتنا ولا دخل حارتنا ...
زوجة جحا : ما مصيره يجي بلدنا لو سكتنا .
من خلال هذا الحوار يتبين لنا البعد السياسي الذي يعنيه أفراد الطبقة الشعبية وأن الوعي السياسي لا يعني بالضرورة الممارسة السياسية والتجربة السياسية ، بل تكفي معايشة الظروف والأحداث المحيطة بهم لاكتساب وعي سياسي . لهذا تلح هذه الفئة الشعبية ومن بينهم أولاد جحا على حتمية مواجهة الواقع ومواجهة العدو حتى وإن كان هذا الخطر بعيدا ، لأن السكوت عن الخطر يعني الرضا بالواقع الراهن ، لهذا اتفقوا جميعا على الخطوة الأولى ، وهي طرح مشكلتهم أمام السلطان تيمورلنك وهي " خطر الفيل عليهم " . ولعل المؤلف هنا يرمز إلى طموح الشعب ورغبته الأكيدة في تحقيق العدل ، وفي أن يحكمه حاكم عادل حكيم . ونلاحظ هنا أن دور أولاد جحا ليس الضحك والإضحاك ، وإنما هو نقد الحياة السياسية ونظام الحكم المهترئ .
بنت جحا : لازم نفكر ونحل المشكلة ونكلم تيمورلنك .
ابن جحا : وأنت كمان حتكلميه ؟
بنت جحا : آه .
ابن جحا : أنت بنت .
بنت جحا : أنا معاك يا أخويا ولما الخطر يجي ما فيش بنت وولد كلنا لازم نقف بجنب
بعض .
هذا الحوار يوضح الفكرة التي يريد أن يرسخها في ذهن الأطفال ، وهي أن الاتحاد قوة وأن الوحدة أساس الانتصار ، وأول خطوة لابد منها من أجل الفوز على العدو ، فلا بد أن تتكاتف الأيدي وتتعانق القلوب فالانتصار يصنعه الطفل والشاب والعجوز وحتى المرأة . ولا أدل على ذلك موقف من دور بنت جحا وزوجة جحا في توحيد الصفوف بين الشعب - الناس الذين يحيطون بهم - لمواجهة تيمورلنك .
تيمورلنك : يضحك ها ها اختار يا بن جحا صديقك يكون السلطان أو الفلاح ، أنهو الأكبر
يا ابن جحا .
مسرور : دا سؤال بسيط يا مولاي قول يا ابن جحا .
ابن جحا : يضحك الفلاح طبعا يا مولاي .
تيمورلنك : يضحك سامع يا مسرور ، يقول ابن جحا الفلاح طبعا .
مسرور : طيب ازاى دي تيجي يا ولد .
ابن جحا : لأن إذا الفلاح ما انتجش القمح وزرع الأكل ، الفاصوليا والبامية والبطاطس
حيموت من الجوع .
وهنا نلاحظ أن السيد حافظ استفاد من المأثور الشعبي ووظف هذه النادرة الجحوية المعروفة وهي: سئل جحا يوما " السلطان أكبر أم الزارع ؟ " فقال
طبعا الزارع أكبر لأنه إذا لم ينتج القمح مات السلطان جوعا . بهذه البساطة والعفوية والسذاجة في الجواب يلاحظ أن جحا في النادرة الجحوية أو ابن جحا في المسرحية يعلم بل يوقن أن السلطان مهما كبر وعظم شأنه ، ومهما كان بطشه عظيما ، فهو إلى الزوال ، وأما البقاء الأبدي والاستمرارية فللشعب لأنه الأصل وهو الأكبر دائما . يرى " نبيل غريب " أن النادرة الجحوية السياسية غالبا ما ينتجها عقل مواطن ذكي ولماح ، وأن رواجها بين الجمهور دليل على تعبيرها عن الرأي العام الذي عجز عن إيجاد وسائل صحية سليمة للتعبير عن اتجاهاته وتطلعاته . كما أنها ليست مجرد تنفيس عن ضغط نفسي ، ولكنها سلاح يشهره الشعب كلما أحس أن الحكام يخنقون حريته ويطاردونه بالإرهاب والظلم وتبدو أن النكتة أو النادرة وكأن الشعب كله قد ابتكرها " .
ذلك أن السخرية تشكل نوعا من السلاح الشفوي في يد الشعب للاحتياج ضد سلطة الحاكم ، فالنكتة أو النادرة بهذا المفهوم ليس فقط من أشكال الإضحاك والترويح بل هي الوجه الثاني للحقيقة المرة .
ووظف السيد حافظ في المسرحية نادرة أخرى من نوادر جحا جعلها على لسان ابن جحا تتوضح لنا من خلال الحوار التالي :
بنت جحا : ليت يا مولاي .... زي ..... زي ....
تيمورلنك : أنا أساعدك أنت عارف إن خلفاء بني العباس كان لكل منهم لقب خاص فمنهم
الموفق بالله ومنهم المتوكل على الله ومنهم المعتصم بالله ومنهم الواثق بالله.
مسرور : سهلة دلوقت ... قول أي شيء من الأسماء زي يناسب مولاي .. قل يا ولد ،
قولي يا بنت .
ابن جحا : زي إيه .
مسرور : هامسا في أذنه " المعتز بالله .
ابن جحا : العياذ بالله .
مسرور : قصده يا مولاي المعتز بالله .
هذا الجواب يعكس بلاهة وغباوة ابن جحا ، ولكنه يعكس في الموقف ذاته فطنته وذكاءه في الرد لأنه فعلا أعطاه صفة أحق بها ، ولم ينافقه في ذلك لأنها صفة تحمل جميع معاني الظلم والسيطرة والطغيان ، ومن ثمة تعكس تذمر الفئات الشعبية من هذا الوضع . إذن فالضحك غالبا ما يكون استخفافا من أمر أو تعظيما لشأن أو تحقيرا لوضع. وكيفما كانت الأحوال فإنه رغبة شعورية نفسية ، ووسيلة للتنفيس والتخفيف واسترداد القدرة على الحياة في المجتمع .
وعليه إذا كان القدماء صنفوا هذه الشخصية الجحوية ( جحا وأبناء جحا ) في عداد الحمقى والمغفلين، فإن مبدعنا المسرحي قد وفق جدا في إعطاء صفات الطرافة والنباهة وحسن التصرف والحيلة للخروج من المآزق المحرجة التي كان يضعه فيها السلطان تيمورلنك .
فارس هلال " أبو زيد الهلالي " :
كما أسلفنا القول ، فإن التعامل مع التراث الشعبي كان ولا يزال منبعا لكثير من الكتاب ، يلجأون إليه في كثير من موضوعات مسرحياتهم ، ليشاركوا بآرائهم في القضايا المعاصرة . وكانت الحكاية الشعبية تطرح نفسها بإلحاح كموضوع للمعالجة لخصوصيتها وحيويتها ، ولما فيها من رموز تساعدهم في هذه الظروف السياسية التي تمر بها البلاد. وتجعلهم يطرحون آرائهم بشيء من الحرية . وعلى هذا الدرب سار السيد حافظ في مسرحياته ، وفي مسرحيته " أبو زيد الهلالي " التي يرجع فيها إلى السير الشعبية خاصة السيرة الهلالية . وهو لا يلتزم في هذه المسرحية وفي غيرها بالأصل الشعبي لها ، بل أضاف إليها كثيرا من الإضافات التي تناسب معطيات الواقع ومنطق العصر . ويوضح لنا المؤلف سبب لجوئه إلى البطولات العربية بقوله " أما اختياري بالذات للبطولات العربية من التراث الشعبي فأنا مؤمن أن التراث مهم توظيفه لإيقاظ روح الأمة هكذا كان يقول الإمام " محمد عبده "، علينا بتوظيف التراث حتى نوقظ روح الأمة النائمة، الأمة الإسلامية ، الأمة العربية ، الأمة ذات التاريخ المجيد ، الأمة التي أنشأت الحضارة ، الأمة التي صنعت تاريخا مشرقا ، وجاءت فترة النكسة والانتكاسات في حياتها فقضت على كثير من الإيجابيات ، والكثير من الظواهر المشرقة والباسلة ماذا يمكن أن أقول ، إن التراث عندي هو مهمة أساسية تفتح آفاقا جديدة لتضع الطفل العربي على عتبات الماضي ، وأقدام الحاضر ويستشرف المستقبل . من هنا أكون قد أديت دورا ما ، وظيفة ما ، أن أضيء شمعة للطفل العربي المحروم من الاحتياجات ، هكذا أرى هذه القضية دون زيف " .
وعلى ما تقدم ، يمكن القول إن تراثنا الشعبي غني بالمأثورات الشعبية المحفوظة شفهيا . وهي مورثات أخلاقية بطولية وقيم أخلاقية يندر وجودها في عصرنا . وما أحوج طفلنا العربي إلى هذه الأخلاقيات والبطولات العربية . والسيد حافظ في هذا العمل المسرحي استوحى فكرته المحورية من السيرة الهلالية وعنونها باسم أحد أبطالها البارزين وهو " أبو زيد الهلالي " – والسيرة الهلالية هي واحدة من السير الشعبية العربية التي ارتبطت بشبه الجزيرة العربية والأبطال في السيرة الهلالية هم فحول من الفرسان . بمعنى أن الأسس الرئيسة لهذه السيرة هي الفروسية . وكان الفَرس عنصرا هاما له دوره الفعال في سير الأحداث في السير الشعبية والسيرة الهلالية على وجه التخصيص . تبدو لنا أهمية الفَرس في سيرة أبي زيد الهلالي في هذا الكلام الإفتتاحي للمسرحية يتبين لنا من خلاله أن الحصان كان رفيقه وأنيسه في جميع معاركه وحكاياته ومغامراته في السراء والضراء . أنا حصان أبو زيد الهلالي ، في الحكاية القديمة كنت فَرسه ، أما في حكايتنا هذه أنا حصان ، أنا الحصان الذي عايش مع أبي زيد الهلالي الحروب الكبيرة والحكايات الكثيرة، أحداث كثيرة كثيرة وكبيرة كبيرة ، ولكننا الليلة يا أولادي الأعزاء سأحكي لكم حكاية واحدة وربما حكايتان من هذه الحكايات .. كان يا ما كان في جزيرة العرب " .
وفي بداية الحكاية يحكي للطفل العربي حال شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة ، التي كانت تعاني من الجوع والفقر والحاجة . وكان هدفه من إبراز حالة العرب آنذاك ، هو جعل الطفل العربي يقارن بين حياته الآتية وما وفر له من أسباب الراحة والعيش في استقرار ورفاهية ونعم الله التي أنعمها عليه ، في مجتمع التطور التكنولوجي والعلمي بصفة عامة ومجتمع النفط وبين الحياة السابقة القاسية . ورغم الفقر المدقع يظل العربي يحتفظ ويتمسك بصفة الكرم حتى ضرب به الأمثال في الكرم . حيث يصل به الكرم وحسن الضيافة إلى درجة بيع بنته من أجل لقمة عيش يقدمها للضيف كما ورد في المسرحية (ص 18 ).
ومن الأهداف التاريخية التي أراد المؤلف إطلاع طفلنا العربي عليها هي أن الحمام الزاجل كان وسيلة لتبادل الرسائل بدلا من الطائرات . كما أنه ركز على السيف كوسيلة حربية كانت مستعملة آنذاك . وليس المدفع والبندقية والصواريخ وغيرها من الوسائل الحربية التي يستعملها الإنسان اليوم تماشيا مع التطور العلمي المتسارع بخطى لا تتوقف عن الاختراع والاكتشاف .
ومن خلال قراءتنا للنص المسرحي يتبين لنا أن المؤلف يريد أن ينبه الطفل أن الشر يبحث دائما عن الفرصة لكي يسطو على الخير والحق ، وإذا لم يقابل هذا الشر بالمواجهة والصمود والتحدي يبقى هو السائد والمتسلط . والشر في المسرحية يمثله سعيد الذي استغل ظروف الحرب وموت السلطان إثرَ جراح قوية أصابته في الحرب لينتزع الحكم من الأمير الشاب " مغامس " . وبدأ يمارس جبروته وسلطويته لأنه لم يجد من يوقفه عند حده ويتحداه بعزم وقوة وهذا ما يظهر لنا من خلال المنولوج التالي " سعيد يحدث نفسه : " أيه هذا ما كنت أحلم به ، كرسي العرش ، أن أحرر نفسي بقوتي بسلاحي . وها أنا ذا انتصرت على نبهان وحصلت على الكرسي ، وأصبحت ملكا ، وسأقضي على كل شيء بيد من حديد ، وسأقتل كل من يقف أمامي حتى ولو كان مغامس أو أمه العجوز" .
لكن الأمير مغامس رغم قلة تجاربه لا يريد أن يستسلم للظلم والسيطرة بل يؤكد للأمير "شاه الريم" رغبته في الصمود والاستغاثة والتمسك بالأرض ولا يأتي ذلك إلا بحمل السلاح ، وهذا يظهر جليا في الحوار بينهما في ( ص42 ) .
لكن رغم هذا الموقف الصريح للأمير مغامس ، إلا أنه يبدو لنا أحيانا متذبذب الموقف ، فتارة يبدو قوي العزيمة وصلب الإرادة ، تارة ضعيفا خائفا يناظر المهدي المنتظر " أبو زيد الهلالي " معولا كثيرا على تنبؤ الساحر . وفي هذا دليل على اعتقاد الأمير بالسحر والخرافة بعيدا عن الواقع وما يتطلبه من مواجهة حقيقية وعاجلة . وهنا تبدو لنا أم مغامس أكثر وعيا وإدراكا لحقيقة الموقف وهذا طبيعي جدا ، ولا نلوم مغامس نظرا لقلة تجاربه وخبراته بأمور السياسة والحرب ، ومن مواجهة الأحداث يكتسب التجارب . وهنا تظهر أمه لتزوده بعضا من تجاربها وخبراتها . فتدفعه بالقوة إلى الاعتماد على النفس واكتساب حقوقه بنفسه وتنبهه إلى أن القوة الحقيقية هي الشعب ، لهذا لابد من اكتساب الشعب إلى صفه .
كما يعلم المؤلف الطفل العربي كيف يتحتم عليه استخدام أكثر من طريقة في التفكير واستخدام أكثر من أسلوب للوصول إلى الهدف ، وكيف يجب اللجوء إلى الحيلة والذكاء للخروج من المآزق . وكأن المؤلف يريد أن يؤكد له أن البطولة ليست هي البسالة والشجاعة العادية ولكن أيضا هيمنة العقل والحيلة ، لرد الظلم ولا ينتظر الآخرين ليحلوا له مشاكله ، ولكن يعمل ويطلب مساعدتهم فيكون الحل جماعيا وليس فرديا ، كما يقول المثل الدارج المغربي " الحمية تغلب السبع " أو الكثرة تغلب السبع " .
ثم أن الطماع الذي يطمع في حق من حقوق غيره يفشل ، والمستقبل مع الحق ، ولابد أن ينتصر الخير في النهاية مهما طال الصراع كما يظهر ذلك في (ص 47) من المسرحية لأن الشرير لابد أن يعاقب عقابا صارما وأن يختفي من الحياة . والإنسان الطيب الشجاع لابد أن ينال جزاء طيبته وكرمه . وهذا ما يميز السيرة الشعبية والبطولات الشعبية ، على أساس أن هذه المأثورات الشعبية لا يمكنها التأثير في الأفراد بما فيهم الأطفال ، لهذا فلجوؤها إلى هذه النهاية السعيدة هو من أجل إرضاء الذوق العام لهؤلاء الأطفال .
عنترة بن شداد :
واستفاد السيد حافظ أيضا من القصص الشعبي البطولي الذي عرف باسم السير والملاحم الشعبية العربية ، والتي تناسب كما رأينا – فيما سبق – فيما يتعلق بمناسبة النص المسرحي للفئة العمرية المناسبة ، ورأينا أن هذا النوع من القصص يتلاءم مع طريقة تفكير المرحلة الثالثة . وهذه السير تحمل الكثير من المغامرات البطولية التي تستهوي الطفل وتنال رضاه " فهي لا تبث فقط قيم الخير والحق والجمال ، بل تركز بصفة خاصة على القيم الوطنية والقومية والدينية في المقام الأول .. وهي إذ تحكي تاريخنا العسكري والسياسي والقومي والاجتماعي ، إنما تبث في الأطفال قيم البطولة الوطنية وحب الأرض " .
ومن هذه السير الشعبية التي تمثل البطولة العربية استلهم السيد حافظ شخصية عنترة بن شداد ، ووظفها في مسرحية عنونها باسم " عنتر بن شداد " وعنتر هو صورة البطل الذي احتفل به وجدان الشعب العربي لفترة طويلة ، بل لعله لا يزال لحد صورة للبطل الذي حطم كل القيود التي وقفت في سبيل حريته وتحقيق ذاته وذات أمته وكيانها . وإن لم يكن ذلك حدث في الحقيقة ، فالسير قد جعلته أو تخيلته كذلك ، وإذا ما انتقلنا إلى صورة عنترة في السير الشعبية ، نجده بطل تلك السيرة بل نجده بطلا أسطوريا بما أضافوا إليه وإلى أخباره من نسج خيالهم.
وإذا كانت السير الشعبية ملاحم بطولية وفروسية بالدرجة الأولى ، فهي أيضا حكايات حب وعشق وروايات غرام تختلج بالعواطف الصادقة ، فليس هناك بطل من أبطال السير الشعبية لا تقف وراء بطولته امرأة ، وعنترة كواحد من أبطال السير الشعبية تقف وراءه عبلة . ودور الحب هنا دور مميز وهام في رسم قسمات البطل وتحديد المسار الذي سيأخذه صراعه . وتصبح المرأة في هذه الحالة هي رمز انتصاره ، ويصبح الحب أيضا في هذه الحالة رمز تطلعات البطل إلى الوجود الأفضل، والمعنى الأسمى في الحياة . وتختلط هنا عاطفة الحب بالمعنى الأعلى لصراع البطل .
ونشير هنا إلى أن السيد حافظ لجأ إلى توظيف شخصية عنترة ، وأراد من ذلك تعريف الطفل العربي بتراثه الشعبي والأدبي . ذلك أن عنترة بن شداد شاعر شعبي وفارس عربي له وزنه في تراثنا بما خلفه من أشعار وبطولات ومغامرات طريفة . ولكنه مع ذلك شخصية غريبة غير معروفة لدى طفلنا العربي .لأن البرامج الدرامية لا تدرس التراث العربي ، كما أن شاشة التلفزيون وهي أقرب صديق وأنيس للطفل لا تهتم بتقديم برامج تعرف فيها الطفل العربي بتراثه . لذلك يرى المؤلف أهمية تعريف الطفل بإحدى الشخصيات البطولية التراثية العربية وهي شخصية عنتر بن شداد. وهذا ما يتضح من خلال الديالوج الوارد في (ص11 ) .
ولعل الجديد والعنصر الإبداعي المبتكر في هذا العمل المسرحي ، هو جعل السيد حافظ هذه المسرحية مرتجلة ، ارتجلها الأب والأم والأطفال بمساعدة عم سالم وابنته وضيوف آخرين حضروا لقضاء السهرة مع هذه العائلة . ولما وجدوهم يمارسون هذا اللعبة دعوهم للاشتراك معهم في حكاية قصة عنترة وبطولاته .
وتبين لنا دور العلاقة الحبيبة في الرحلة الدرامية من سيرة عنترة بن شداد التي تتمثل في حب عنترة لابنة عمه عبلة . وعنترة عبد أسود تنكر أبوه لأبوته وتنكرت القبيلة نسبه إليها . وعبلة ابنة شداد أحد سادة القبيلة ، هي فتاة جميلة يتطلع كل شباب القبيلة بل أشرف فرسانها وحماتها . وما عنترة إلا راعي إبل وغنم مهدور القيمة والكرامة . من هنا أصبح الحصول على حب عبلة مستحيلا أمام عنتر . فالحب وحده ومناجاة الأطياف والتغني بالشوق والحنين والأشجان لا يفعل شيئا أمام الحواجز التي تقف في وجه هذا الحب ، بل تجعله محروما ومحصورا . من هنا ارتبط معنى الحب عنده بمعنى التفوق والسمو . وكان لابد لعنترة لكي يفوز بحب عبلة من أن يقهر في نفسه العبودية والخنوع والضعة . ثم أن يقهر في مجتمعه عناصر التفرقة والعصبية والعنجهية الظالمة .
لهذا راح يخوض غمار المعارك الضاربة لإثبات جدارته بالانتساب إلى أبيه. فطفق يبحث عن الفرصة المواتية ليخلع ثياب الراعي إلى الأبد ويرتدي ثياب الفرسان التي خلق لها وخلقت له . فكانت هذه الفرصة هي رد العدوان الذي شنه الأعداء على قبيلته وفك الأسرى من أهله . لكن لما أسر جميع الفرسان لم يستطع رد العدوان بمفرده ، لهذا آثر الفدية ، فكانت هذه الفدية هي إحضار ثلاث تفاحات ذهبية لشفاء السلطان . والكل يعلم خطورة ، بل واستحالة إحضار هذه التفاحات ، نظرا للأخطار والأهوال التي يمكن أن تجابهه في مسيرته البطولية هذه ، ولكن مع ذلك لم ييأس بل راح يبحث عن التفاحات الذهبية بإرادة قوية وعزيمة نفاذة . لأن إحضار التفاحات هي السلاح الذي يكسر به جدران العبودية ، وهي الفرصة التي طالما انتظرها لإثبات بطولته وجدارته بالانتساب لأبيه وأحقيّته بزواجه من عبلة .
وبناء على ما تقدم فالحب في مسرحية " عنتر بن شداد " هو ليس مجرد علاقة بين رجل وامرأة ، وإنما هو علاقة بين الرجل ومثله الأعلى ، أو بينه وبين طموحاته نحو التفوق ونحو الأفضل . ولعل إصرار السيد حافظ على تقديم عنترة على هذه الصورة الطموحة ، ذات الإرادة الفولاذية في تغيير وضعها وواقعها نحو الأفضل ، وهو حث للطفل بصورة ضمنية غير مباشرة على التمسك بالإرادة والدفاع عن حقه مهما واجهته من مصاعب ، وحثه على تكسير جميع القيود والقضبان التي تكبله وتجعله حبيس وضعية مزرية ، فيعمل على تغييرها نحو الأفضل . فعنترة بعزيمته استطاع أن يرغم والده على الاعتراف ببنوته . وفروسيته هي التي جعلت القبيلة تعترف بنسبته لها ، ومن ثم الفوز بحب عبلة واكتسابها زوجة حليلة . وكأن السيد حافظ من خلال هذا الإصرار على تمسك بالإرادة يهمس في أذن الطفل : كن قويا مثل عنترة ، تمسك بحقك بكل عنف وقوة، إن كان حاضرك لا يرضيك أبذل كل جهدك من أجل تغييره نحو حاضر مشرق ومستقبل باسم ، فالحق لا يمنح بل يؤخذ عنوة وبكل قوة . وهذا ما وجدناه يردده في كل مسرحياته وإن لم نقل في كل مسرحياته – سواء التي توجه بها إلى الكبار أم للصغار.
كل شيء أساسه الحكاية ، إنها قلب الإعداد المسرحي ، فعن طريق ما يجري بين الناس يأتينا كل ما هو قابل للنقاش والنقد والتغيير " .
هكذا نخلص إلى القول أن فروسية عنترة هي الفكرة المحورية في المسرحية وهي أيضا محور السيرة الشعبية . وكل ما تقدم في النص هو خدمة لهذا الهدف ، فالمؤلف أراد أن يجعل عنترة بطلا في نفوس الأطفال يحمل الكثير من أحزان العرب وطموحاتهم ، وشوقهم إلى التغلب على كل ما يعيق سيرهم ويضغط عليهم
وسعى من خلال عرضه لبطولة هذه الشخصية التراثية إلى غرس مجموعة من القيم الفاضلة التي تمسك بها العربي و دافع من أجلها في نفس الطفل كما حددها المؤلف في مقدمة المسرحية :
يجب أن نعرف أبطال تاريخنا العربي قبل معرفتنا بأبطال الحكايات الأجنبية مثل سباستيان وريمي وجونكو ... الخ .
إن عنترة كان مطيعا لأمه وأبيه ويجب علينا طاعة الآباء والأمهات .
يجب علينا التضحية في سبيل الوطن مهما كانت الظروف ومهما كان الوطن لا يعطينا ما نريد .
الطمع قل ما جمع .
عبلة كانت فارسة تجيد رمي السلاح، ولذلك يجب على كل امرأة أن تتعلم.
من لا يطيع أوامر الله تحل عليه العقاب .
اللعب في الشارع غير مفضل ويفضل في الأندية حتى لا يصاب ولا تصيب الناس.
مسرحية لولو والخالة كوكو :
وإذا كان السيد حافظ أشرنا سابقا قد استلهم مواضيعه المسرحية من التراث الشعبي أو المأثور الشعبي العربي والغربي كذلك المتمثل في سندريلا ، إلا أنه في مسرحية " لولو والخالة كوكو " يستنبط موضوعه من واقع حياتنا المعاصرة . حيث يتناول فيها موضوعا جديدا ، وهو دور الشغالة في حياة الطفل . هو موضوع لم تتناوله الدراسات إلا نادرا ، رغم تزايد نسبة الأسر العربية التي تعتمد على الشغالات في إدارة بعض جوانب حياتها ، نظرا لانشغالها بأعبائها المهنية وبنشاطها خارج المنزل . فأحدث هذا تغييرات عميقة في نظام الحياة في الأسرة العربية ، وساعد على إطلاق يد الشغالات في حياة الأسرة . وخاصة فيما يتعلق بحياة الأطفال الصغار والكبار .
وقد كان السيد حافظ ذكيا وموفقا في توظيف هذه القضية الشائعة بين أوساط الأسر اليوم . وقد تحتل الشغالة منزلة في الأسرة يجعلها عضوا فيها ، لاتصالها الحميم بأفراد الأسرة خاصة الأطفال ، حيث يقضي الطفل معظم الوقت في رفقة الشغالة . بينما يقضي الوالدان طول النهار في الشغل خارج البيت . وتبقى الشغالة أطول وقت مع الأطفال، وهذا ما يفسر شدة تعلق وارتباط الطفل – خاصة الصغير السن – بالشغالة .
وبناء عليه فالشغالة تلعب دورا خطيرا في حياة الطفل خاصة في مرحلته العمرية المبكرة . في تلك الفترة التي تختلي فيها بالطفل ، كثيرا ما يتعلم من تصرفاتها ، والكلمات التي ترددها ، والحكايات أو الخرافات التي ترويها له والمليئة بالمخاوف والمخاطر . كل هذا ينجم عنه عواقب وخيمة تكون لها بصمات سيئة على نفسية الطفل المحروم من حنان الأم وعطف الوالد المشغولين دائما، ويتجلى لنا سوء هذه المعاملة وشدة احتياج الطفل لوالديه من خلال الحوار التالي:
لولو : شغلت في الفيديو فيلم مرعب .
نبوية: قبل ما أمشي طفي النور ، اشربي الحليب ، ونامي .. نامي يا حلوة نامي.
لولو : رايحة فين ؟
نبوية : رايحة عند أم أمين أشوف الفنجان .
لولو : بابا فين ، ماما فين ؟
نبوية : عندهم عشا عمل – اجتماعات – مناقشات .. وفلوس .
لولو : شغلت الفيلم المرعب .. الشباك يخبط .. الرعد .. المطر .. قفلت الباب وطلعت أنادي يا نبوية .. يا نبوية الهواء شديد قفل الباب .. قعدت أخبط وأخبط ما فيش فايدة .
كوكو : يا سلام هي دي الأمهات والأبهات والأفلام ، قلت لي أبوك اسمه إيه وأمك اسمها إيه : تركية .
وقد عمد المؤلف من خلال هذا العمل المسرحي إلى ترسيخ مجموعة من القيم والمبادئ في ذهنية الطفل على رأسها أهمية الصدق ، فالخالة كوكو توصي لولو بالصدق في تصرفاتها وفي كلامها ، كما تعلمها مجموعة من الأمثال السائدة التي لابد من التسلح بها حتى تستطيع مواجهة ما يعترضها في الحياة . وهي بالتالي موجهة إلى الطفل القارئ أو الطفل المتفرج، منها : العلم نور ، من خرج من بيته يتقل مقدار . إلى جانب هذه القيمة التربوية التي تتضح لنا في الديالوج التالي :
لولو : أنا مالبيسش هدوم حد غريب .. ولا أمسح بفوطة حد غريب ولا أغسل أسناني بفرشة حد غريب . مش سوزي قالت لنا كده .
ومن هنا ، أظن أن السيد حافظ وفق في طرح هذه المشكلة الاجتماعية الجوهرية التي لم يتطرق لها المسئولون والدارسون من قبل ، رغم خطورتها على شخصية الطفل وتكوينه المعرفي والنفسي كذلك . لقد أراد السيد حافظ أن يبرز الدور الذي تلعبه الشغالة في حياة الطفل ، وما يترتب عليه من نتائج تتراوح في مدى وقعها النفسي على الطفل . مثل ما قامت به الشغالة " نبوية " حيث تركت لولو في البيت بمفردها في الظلمة الحالكة وفي جو مرعب " رعد – مطر – برد شديد " كما سمحت لها تشغل فيلم فيديو مرعب ، فهي لا يهمها ما ينجم عن هذا التصرف من سلبيات خطيرة تنعكس على نفسية الطفلة لولو من خوف ورعب وفزع.
والنصيحة التي يقدمها السيد حافظ لكل أب وأم هي رعاية أطفالهم رعاية تهتم بالجانب التربوي والخلقي والنفسي كذلك . فليس مهمة الآباء توفير الظروف المادية من مأكل ومشرب وملبس ، بل لابد من إعطاء الاهتمام الكبير للطفل ، وتنشئته على مكارم الأخلاق والقيم النبيلة، لأن المدرسة وحدها غير كافية إذا لم تتعاون معها الأسرة في تنشئة الطفل أخلاقيا ومعرفيا.
مسرحية سندس :
في الواقع أن السيد حافظ في هذا العمل الإبداعي المسرحي لم يرجع إلى التراث لمعالجة موضوعه المسرحي ، ولكنه رجع إلى الواقع ، إلى حاضر الأمة العربية الراهن المهترئ ، في هذه المسرحية يعالج المؤلف قضية فلسطين ، وهذه هي القضية العربية الأم ، والمسرحية تناقش وتتبع مسار القضية الفلسطينية في المحافل والساحات الدولية . ويبرز لنا حافظ من خلال المسرحية كيف نشأت أول خلية يهودية في أرض فلسطين (بيت سندس ) وكيف نشأت وتطورت فلسطين ، وقضية استقلاله كقضية " شاذة " بين قضايا التحرر في العالم الثالث ، وهذا الشذوذ يفسره استمرار خضوعها بشكل أو بآخر للدول الاستعمارية ، وإذا رجعنا إلى النص المسرحي سوف نجد هذا واضحا في الديالوج التالي:
أم سارة : ذهبنا إلى بلاد كثيرة .
سارة : وطردنا من كل بلد .
أم سارة : إنها النهاية يا سارة .
سارة : نهاية ماذا يا أمي ؟
أم سارة : لن نطرد ثانية في أي بلد ولا من أي بيت .
سارة : لست فاهمة !
أم سارة : سنعيش هنا إلى الأبد .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المؤلف لم يعالج هذه القضية بطريقة صريحة مباشرة بل تناولها بشكل رمزي إيحائي ، فهو لم يستعمل كلمة فلسطين إطلاقا ولكنه رمز إليها ببيت سندس الذي احتلته سارة وأم سارة ، اللتين دخلتا إلى بيت سندس بعد أن توسلتا إليها بأن يقضوا الليلة معها . وببراءة وسذاجة قبلت سندس ضيافتهما، وهنا يبدأ التكون الجنيني للمشكلة . ذلك أن الضيافة لم تعد ضيافة ، بل استعمار و احتلال بيت المسكينة سندس التي تصرفت معهم بحسن نية وبكل شهامة . وخطؤها هو أنها لم تعرف مسبقا من هم هؤلاء الأغراب الذين قصدوها للضيافة .
والسيد حافظ هنا يريد أن يطلع الطفل العربي على الواقع الراهن ، قضية الأمة العربية – القضية الفلسطينية – ولكنه كما قلنا آنفا لم يصرح بها بل اكتفى بالرمز إليها ببيت سندس " الذي استوطنه الأغراب وهذا هو الفن كما يقول " عز الدين إسماعيل" إننا نشاهد على المسرح أشياء ندرك من ورائها أشياء أخرى ، ونرى على المسرح أفعالا ندرك من ورائها حقائق ، أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر . فالعمل المسرحي إذن يتمثل في تحقيق هذين العنصرين : العملي والعنصر الإدراكي . وانطلاقا من هذا المفهوم ، فالمسرح يتخطى عملية التسلية والتفكهه المحضة ، بل هو وسيلة اتصال فعالة للتعبير عن قضايا العصر وتعريف الطفل هموم الإنسان العربي ، ومشاكل الواقع العربي ، حتى لا يعيش بعيدا عن واقعه معزولا عنه . وعليه حاول حافظ أن يجعل من المسرح وسيلة لبلورة حياة الطفل وغرس فيه روح الثورة والتمرد والسخط على الواقع بكل تناقضاته ، ولكن مع ذلك لابد من توفير خاصية التسلية ، لأنها واحدة من خصائص مسرح الطفل ، يقول " نمير و فيتش دانتشكو " : ليس المسرح ضربا من العبث ولعبا فارغا ، فتصور أن يجتمع في صالة العرض فجأة وبدون موعد سابق خمسة آلاف أو ستة آلاف شخص لا تربطهم رابطة شخصية ببعضهم البعض ، وإذا بهم ينفعلون انفعالة واحدة ، ويضحكون ضحكة واحدة ، إن المسرح مدرسة يمكن أن تقدم للبشرية الخير الكثير " .
والطفل كما يرى المؤلف يدرك هذا الرمز محاط بأجهزة الإعلام " التلفزة – راديو- جرائد " كلها تجعله يعيش واقعه ويعرف عنها الكثير ، فأي طفل لا يعرف منهم أطفال الحجارة ، طبعا جل الأطفال إن لم نقل كلهم يتعاطف معهم ويشجعهم على مواصلة دربهم النضالي ، ويحييهم على استماتتهم في وجه العدو . هذه لعبة الكاتب التي يريد أن يوصلها إلى الطفل العربي ، جيل الغد الذين أراد أن يعلمهم التمسك بالحرية والكفاح والثورة من أجل الدفاع عن الوطن ، وكأنه يقول لهم بصوت عال " ارفعوا أسلحتكم ، فالخطر يدق على الأبواب غيروا واقعكم حتى تعيشوا في سلام وأمان ، يقول " بريخت " عن قدرة المسرح على التعبير عن قضايا الحاضر : " إن مسرحية الحاضر هي المسرحية التي تدعو إلى تغيير العالم " ويقول أيضا " إن كلمة المؤلف غير مقدسة ، أكثر مما هي حقيقة ، وإن المسرح ليس خادما للمؤلف بل للمجتمع ".
* دراسة تحليلية لنموذج " محاكمة علي بابا "
الأدب الشعبي – كما سبق وأن أشرنا آنفا – أدب يعبر عن الجماعة ويعكس آلامها وآمالها وأحلامها . فهو صورة معبرة عن الشعب ، ويصل إلى الشعب بكل طبقاته ومستوياته وانتماءاته الاجتماعية والسياسية والثقافية . والأدب الشعبي كما تقول " نبيلة إبراهيم " تعبير عن آمال الشعب الذي كان يرتاح إلى هذا التعبير لأنه يصور له العالم الجميل الذي يصبوا إليه " . ويعتبر كتاب " ألف ليلة وليلة " أهم مخزون تراثي شعبي يزخر به تراثنا التليد ، لما يتضمنه من نوادر وطرائف وعجائب ، إنه صورة حية معبرة عن العبقرية الشرقية . و" ألف ليلة وليلة " أدب شعبي تعدى الحدود الجغرافية ليؤثر في العالم كله. فصار هذا الكتاب المنفذ الذي توغل من خلاله الغرب إلى الأدب العربي . وعن طريقه كونت أجيال القراء الغربيين أفكارها عن الشرق . وأثر في نمو الاهتمام في الجامعات الغربية بالدراما الشرقية والفلكلور والقصص المتأثرة بالشرق . وفوق هذا كله أثر في العديد من الكتاب الأوربيين ، فقد ذكر "فولتير" أنه لم يكتب قصصا إلا بعد أن قرأه أربعة عشر مرة ، بل أنه اعتقد بعد قراءاته العديدة للكتاب أن القصص نوع أدبي من ابتكار العرب . وتمنى " استندال " أن ينسى ذكراه التي علقت بذهنه حتى يعود إليه فيستعيد متعة قراءته مرة أخرى . كما تمنى " سومرسوت " أن يتعلم العربية حتى يتمكن من قراءته في أصله العربي .
وبناء على هذه الشهادات الغربية – على سبيل التمثيل لا الحصر – يتبين لنا أن كتاب " ألف ليلة وليلة " حظي باهتمام كبير و متواصل من طرف الدارسين والأدباء الغربيين ، أما نحن العرب كما يقول الدكتور " محمود ذهني " فقد حاكمنا الليالي ووجهنا إليها تهمة إفساد الخلق والحض على الرذيلة وأهملنا "كليلة ودمنة" واعتبرناها تراثا أثريا لا يتماشى مع العصر . وبقي أطفالنا دون زاد ثقافي قومي يعطيهم الدفعة الوجدانية التي تتطلبها الحياة ، وتمنحهم الثورة على مواجهة الغزو الاستعماري الثقافي ويضيف قائلا " أما الذين يتحدثون في أزمة الشباب المعاصر ، فإنني أوجه أنظارهم إلى واحد من أهم أسبابها وهو حرمان أطفال الأجيال الحديثة من هذا الزاد الوجداني التربوي ، منذ أن انقطعت المرأة عن أطفالها ، وانشغلت عن بيتها وأولادها ، دون أن تقدم لهم البديل المناسب ، ففقد الأطفال متعة الأدب الشعبي . وطه حسين بدوره يؤكد لنا أن عدم إقبال الأدباء العرب على كتاب " ألف ليلة وليلة " والأدب الشعبي بصفة عامة ، راجع بالأساس إلى اعتبارهم هذا الأدب دون مستوى الأدب الفصيح أو الأدب الرسمي يقول: " لسوء الحظ لا يعني العلماء في الشرق العربي بهذا الأدب الشعبي عناية ما ، لأن لغته بعيدة عن لغة القرآن " . ونحن إذ نقول هذا لا نروم سلب الأدباء العرب ميزة الاهتمام بتراثنا الشعبي ، إنما نشير إلى أن هذه الثروة الثقافية الفكرية لم يلتفت إليها الأدباء العرب التفاته واعية إلا مؤخرا .
ومن باب التأكيد نشير إلى أن كاتبنا السيد حافظ من جملة هؤلاء الذين تنبهوا إلى أهمية التراث الشعبي . لهذا راح يجيبه ويبعث في روحه فن جديد ليقدمه غذاءً روحيا قوميا للناشئة بعد أن يضعه في الثوب الذي يناسب عصره وواقعه . وقد سبق أن تعرضنا لمجموعة من المسرحيات التي استوحاها من الأثر الشعبي ، سواء تلك التي توجه بها إلى جمهور الكبار ، أو تلك التي خص بها جمهوره من الأطفال بدءا بسندريلا إلى الشاطر حسن، وأخيرا محاكمة علي بابا . وهو يعود إلى التراث لا ليهرب من سلطة الرقابة ولكن ليوقظ روح الأمة يقول : " إن الاتجاه إلى التراث عندي محاولة لإيقاظ روح الأمة والشعور بالانتماء للوطن والأرض والقيم المتوارثة التي تعيش عليها . ولابد من التصدي لها أمام كل التيارات الثقافية الواردة وتريد منا الكثير " .
مرة أخرى يعود حافظ إلى الطفل العربي ليقدم له مسرحية " محاكمة علي بابا " التي يلتقي بها مع المخرج القدير " أحمد عبد الحليم " . وقد سبق وأن تعاون معه في مسرحية الشاطر حسن المقدمة في الموسم الماضي . وفي محاكمة علي بابا يلجأ المؤلف مرة أخرى إلى التراث الشعبي ، فيستوحي منه إحدى حكاياته الشعبية المعروفة لدى جمهور الكبار والصغار معا وهي " علي بابا والأربعين حرامي " ومحاكمة علي بابا هي تجربة مسرحية جديدة في عالم الطفل ، يطرح فيها تساؤلا جديدا أمام الطفل حول هذه الأسطورة الشعبية . وهو " من الحرامي علي بابا أم الأربعين حرامي " ؟؟ وذلك ضمن معالجة عصرية مرتبطة بالواقع الحالي . وهذا ما أكده لنا من خلال جميع الحوارات التي أجريت معه والتي سوف نتطرق إلى بعضها . يقول المخرج " أحمد عبد الحليم " عن قصة المسرحية " مسرحية محاكمة علي بابا حكاية تراثية عربية سبق وأن رأيناها في التلفزيون والسينما ، لكن المسرح لم يقدمها من قبل إلا في بعض الأعمال المسرحية للكبار ، كمسرحية " عالم علي بابا " للمؤلف " نبيل بدران " . ولاشك أن مثل هذه الحكايات يتناولها المؤلف برؤية جديدة تختلف عما قدم في الأجهزة الفنية الأخرى . ويبدو من عنوان " محاكمة علي بابا " أن هناك إدانة لعلي بابا ، بخلاف ما جاء في الأسطورة التي تناقلتها الأجيال بمفهوم راسخ وهو أن علي بابا يمثل عنصر الخير في الحكاية . لكن في مسرحياتنا هذه مغاير تماما ، بحيث تجسد لنا رؤية عصرية جديدة تقوم على مفهوم جديد يمكن تلخيصه بأن علي بابا أصبح لصا شريفا سرق لصوصا غير شرفاء " .
فعلا سبق أن تعرفنا على علي بابا وحكايته مع الأربعين حرامي في حكايات " ألف ليلة وليلة " وذلك عبر أجهزة فنية أو قصص أدبية ، ولكنها اليوم تعرض بطريقة مختلفة عما عرض لعلي بابا من قبل . فكلنا نعرف أنه إنسان شجاع عاش بطلا ذا مروءة ومواقف إنسانية مع الناس ، يقف إلى جانبهم في السراء والضراء ، ويعينهم مما أخذه من المغامرة . ولكن محاكمة علي بابا تثبت لنا العكس ، إنها تثبت أن علي بابا لص تستوجب محاكمته. تم عرض المسرحية على مسرح " عبد العزيز المسعود بكيفان " كتبها السيد حافظ وأخرجها الفنان القدير " أحمد عبد الحليم " وقام بدور البطولة الممثل " عبد الرحمن العقل " الذي قام بتمثيل شخصية علي بابا الحطاب الذي ينتقل من الحطابة إلى التجارة . لكن اللصوص لا يتركونه في حاله ، ويحتالون للاستيلاء على دكانه وإعادته حطابا لأنهم يريدون احتكار السوق لصالحهم . وعندما عاد إلى مهنته الأولى (جمع الحطب) اكتشف بالصدفة وجود مغارة لعصابة لصوص يخبئون داخلها مسروقاتهم . وظل مختبئا حتى سمع كلمة السر التي تُفتتح بها المغارة وهي " افتح يا سمسم " . فيبدأ البطل في سرقة المجوهرات من المغارة . وينتقل هو وزوجته مرجانة إلى قصر فخم فيعيش عيشة الأمراء . ولكنه لم ينس أبناء بلدته فأخذ يساعدهم مما يسرق . لكن أصدقاءه في النهاية يثورون عليه ويرجعون له الأموال التي تبرع عليهم بها ، لأنها أموال مسروقة وحرام . ويساعد الأصدقاء ومرجانة ومن معها من النساء على القبض على العصابة ، وتنتهي المسرحية بمحاكمتهم ، وأثناء المحاكمة يعترف علي بابا بالذنب وبأنه سارق سرق أموال غيره ، ويرضى بحكم القاضي وهو قضاء شهر في السجن ، ويعدهم بالتوبة ، وبالعودة لمهنته الأصلية التي يكتسب منها قوته من عرق جبينه .
ولكنه قبل أن يعترف بذنبه وخطئه يحاول تبرير سلوكه هذا لأصدقائه ، بأنه سرق لصوصا ولم يسرق شرفاء وأنه بهذا الصنيع يسترد حقوقه وماله وأموال الفقراء التي سلبوها منهم علانية ودون أي وجه حق . تتضح لنا هذه الفكرة من خلال الحوار التالي :
علي بابا : " للجميع " هل تتهموني بأنني لص ؟
حمدان : ما الفرق بينك وبينهم .. هم سرقوا الناس وأنت سرقتهم .
شهبندر التجار : لص يسرق لصا !
علي بابا : حمدان أنا لم أسرق أنا أخذت حقوقي التي سرقوها سرقوا مني الدكان وأنت تعلم .
ويتوجه السيد حافظ في النهاية إلى جمهوره الطفلي بقوله لهم :
ويا أطفال بغداد .... يا أطفال الدنيـا
اعلموا أن علي بابا كان شريفا ثم أصبح لصا ..
والسارق لابد أن يسجن .
يقول المخرج " أحمد عبد الحليم " وفي مضمون المسرحية تأكد أنه رغم بساطة الخطأ الذي وقع فيه علي بابا لحسن نيته فإنه لا يفلت من العقاب على أيدي العدالة ، لأن العدالة تفترض دائما أن الإنسان بطبعه لابد وأن يكون خيرا بعيدا عن الشر " .
يقول المؤلف السيد حافظ " لقد شغلتني حكاية علي بابا منذ مدة طويلة فهو في كل مكان يحاصرنا وهو بطل في الإذاعة والتلفزيون والمسرح وأيضا السينما . وعلي بابا هنا رجل حطاب خدمه الحظ وسار في درب من دروب الصحراء فقابل اللصوص واكتشف المغارة ودخلها ، فأصبح ثريا يعيش أحد القصور ، ويخدمه الحظ مرة أخرى ويقبض على اللصوص في منزله ، ويظل كما هو ثريا ، ويعيش في سعادة وهناء . وأمره غريب فكل الظروف تخدمه حتى القانون غائب عنه . وهكذا قدمته على الخشبة لأحاكمه واكشفه على حقيقته ، وأعري وجهه . وأريد أن أقول للأطفال والأجيال القديمة ، إن المال الذي سرقه علي بابا هو مال حرام لأنه مال مسروق لم يحصل عليه بالتعب والكد . وإن من يسرق مال الآخرين يسرق عرقهم وجهودهم وأرضهم . ومن يسرق اللصوص لا يكون بريئا أمام القانون أو أمام الله أو أمام المجتمع ، إن القانون السماوي والوضعي لا يقر السرقة " . وهذه كلمة الممثل " عبد الرحمن العقل " حول تقديمه للعرض المسرحي قائلا " دائما أبحث عن الجديد والجيد ، ومن خلال عدة جلسات بيني وبين المخرج أحمد عبد الحليم والمؤلف السيد حافظ وجدت أن هذا النص به الجديد ، وحيث تعقد أول محاكمة لشخصية علي بابا من خلال شعار هام " هل العثور على الشيء يعطي أحقية الامتلاك كما حدث مع علي بابا عندما عرف سر المغارة ". من خلال هذه الشهادات للعاملين في المسرحية وهم المؤلف والمخرج والبطل ومن خلال قراءتي للنص المسرحي يتأكد لنا أن محاكمة علي بابا هي الجديد في المسرحية . وهي الخط الدرامي الأساسي الذي تدور حوله مجموعة من الخطوط الدرامية الأخرى لتؤكد الكشف عن اللصوص والهادمين للمجتمع .
وهذا " عبد الحميد زقزوق " يستأنف الحكم الذي صدر ضد علي بابا ويقدم لنا الأدلة التي تبرئ علي بابا وتنفي عنه تهمة السرقة بمحض الاختيار والإرادة . فيقول إننا لسنا بصدد عمل مبتكر ، إلا أنه يحسب للسيد حافظ أنه أعاد الصياغة للحدوتة ليقول أمرين :
1- إن لصوص هذا العصر هم من المتخفين في ملابس الشرفاء ووجهاء القوم فاحذروهم ولا تنخدعوا بالمظاهر .
2-إن خطأ الآخرين ليس مبررا لنا لكي نخطئ مثلهم ، فسرقة اللصوص مرة أخرى ليسترد منهم ما سرقوه من أموال الشعب خطأ ، و إلا كنا مثلهم لصوصا وجبت محاكمتنا كما حدث لعلي بابا . لذلك ينصب عبد الحميد نفسه كمدافع عن علي بابا . ويرى أنه لم يكن هناك مبررا لمحاكمته بشهر سجن ، أولا لأن جانب الخير كان مازال حيا فيه طوال العرض بدليل تصدقه على الفقراء. وكان خطؤه نتيجة عدم نضج فكري وعدم وضوح رؤية بدليل أنه تراجع عند أول إشارة تنبه بالعدول عن الخطأ . وثانيا وهو الأهم أنه حينما فعل ذلك وهرب من اللصوص لم يكن يهرب من أصدقائه الفقراء بل كان يهرب من اللصوص الذين يعرفون أنه هو سارق أموالهم من خلال النعمة التي أصبح يعيش فيها فينتقمون منه في وقت عجز فيه أصدقاؤه عن حمايته أو حماية أنفسهم من شر هؤلاء اللصوص . لذلك يبرر هذا الفاقد أن هذا التصرف الخاطئ جاء كرد فعل لسرقة دكانه منه والاستيلاء عليه و وفاءً للدين ، في الوقت الذي وقف فيه أهل الديرة مكتوفي الأيدي أمام هذا الموقف البشع و اللا إنساني . ويضيف مؤكدا بأنه كان من الممكن تعميق الصراع في هذه النقطة لإبراز ملامح الظلم على علي بابا وأمثاله من صغار التجار. لذلك كان يكفي اعترافه بالخطأ و عدوله عنه حتى يبقى رمزا للخير والقوة في نفس الوقت .
وتقديمنا لهذه الجملة من الانتقادات – سواء التي تناولت هذا العمل المسرحي بالمدح أم بالقدح – ما هو إلا للتدليل على أهمية هذا العمل ، وإلى ما أثاره من جدالات ونقاشات حوله . لأن العمل الإبداعي يكتسب أهمية من خلال ما يثيره من قراءات متعددة ومتباينة .
قالوا بأن السيد حافظ غير جدير بكلمة مؤلف " في هذا العمل كما في أعمال أخرى سابقة " أقول مع السيد حافظ بأنه أحق بهذه التسمية لما قدمه من تعديلات على نص الحكاية الشعبية ، أهم التعديلات هو تقديم علي بابا على الخشبة لمحاكمته لأنه أخطأ . فلابد أن يعاقب ولا يسكت عن خطئه كما في الحكاية . ونلمس هنا هدفا تربويا جوهريا ، وهو أن يعلم الطفل أن من يعثر على شيء لا يعطيه أحقية امتلاكه ، ويعلمه أيضا أن سرقة ممتلكات الآخر حرام ، حتى وإن كان هذا الآخر لصا ، لأن سرقة اللص لا تعني إعادة الحق إلى صاحبه . يقول السيد حافظ " لم أقم بتسجيل القصص الأسطورة بل أقوم بإعادة صياغتها وإحداث العديد من التغييرات في بناءها الدرامي مع جذب وإدخال شخوص درامية للعمل ، من هنا يحق لي أن أصبح مؤلفا للنص المسرحي . وهذه كلمة السيد حافظ يتحدث لنا فيها عن الأهداف التربوية والسيكولوجية التي هدف إليها من خلال إنتاجه هذا يقول: " أحببت في مسرحية علي بابا أن أؤكد أن علي بابا سرق اللصوص وأصبح لصا وأخذ يوزع الأموال من الأموال المسروقة . ولجأ إلى الكسل ، ولجأ إلى السرقة وترك العمل . فبذلك تحول إلى لص جديد يضاف إلى الأربعين حرامي هذه القصة كانت تحمل في طياتها وفي جوانبها مسألة خطيرة ، أن يلجأ الطفل إلى السرقة مرة واحدة في حياته ثم يغتني ، ثم بعد ذلك يتوب ويصبح بطلا ، من هنا تكون الخطورة – ربما - يفكر الطفل في الامتحان السرقة من زميل آخر فينجح ويفوز ولكنه في داخله اللص الذي ينتهز الفرصة مرة واحدة ثم يتوب . هذه المسألة ليست حقيقية ، مسألة خطيرة . فربما يسرق الطفل الإجابة وعندما يكبر يسرق بلدا ، أو يسرق الثروة أو يسرق أحلام شعب أو يسرق تاريخ أمته ، فنعاقبه اجتماعيا ، ونبين أن الجموع لا تتسامح ، وأن الجمهور والشعب لا يباع . وأما الهدف السيكولوجي فهو إبعاد نفسيته عن الجانب السلبي والتفكير السيئ والخلاص من المجتمع ، والنهوض في المجتمع عن طريق الغير بسلب أموالهم أو فكرتهم أو أي شيء من هذا .
كان هدفي كبيرا في هذه المسرحية . وقالوا إن الطفل غير قادر على استيعاب المفاهيم والأفكار التي تضمنتها المسرحية ، وأنها كتبت بأسلوب لا ينتمي إلى الأذهان التي قامت بالمشاركة بتمثيلها أو التي تلقته في قاعة العرض . مثلا ما قاله: " فيصل السعد " " لاشك أن الكاتب عرف بأعمال كثيرة تحمل جودة كبيرة ، وهذا العمل لا يخلو من الجودة ، إلا أنه يكون أجود لو وازن بين المفردة والعمر " . فأرى مع السيد حافظ بأن طفلنا العربي المعاصر يعيش واقعه وظروف وأحداث عصره ويتتبع الأحداث التي يعيشها مجتمعه والتي يعرفها العالم العربي . ولا أدل على ذلك مما نلمسه من ترقب وتتبع كبير لدى الأطفال للحظتهم الراهنة ، وما يجري فيها من أحداث ، حيث يتطلعون دائما وبشغف كبير إلى معرفة المزيد من أخبار " حرب الخليج" . فأصبحت هذه الأحداث تطبع كلامهم وسماتهم وحركاتهم . ومن ثمة يستطيع الطفل أن يكوّن رؤية وموقفا تجاه هذا الواقع . وهذا ما يثبته لنا " جان بياجيه " الذي يقر بأن عقل الطفل يتميز بالنشاط والإيجابية منذ الطفولة المبكرة . فالطفل يجاهد منذ نعومة أظافره لكي يفهم هذا العالم المعقد الذي يجد نفسه فيه " .
وقبل الحديث عن التجديد في المسرحية ، لابد من الإشارة إلى أصل الحكاية الشعبية التراثية . فأصل الحكاية المعروفة بقي كما هو ، كما بقيت الشخصيات الرئيسة كما هي علي بابا ومرجانة وقاسم وزوجته وشهبندر التجار والعصابة والمغارة بالإضافة إلى كلمة السر " افتح يا سمسم " ولكنه من خلال نسيج الكلمات والحوارات دفع المؤلف بخيوط هاجسه الدائم ليحول الصراع بين الفرد المسحوق والسلطة ، كما حوّل من قبل الشاطر حسن إلى ضمير البسطاء ، لذلك أدانه وحاكمه عندما تخلى عن أصحابه عند أول منعطف ( استيلاؤه على مال المغارة وعدم إبلاغه الشرطة ) . لكن حدوتة علي بابا والأربعين حرامي تحولت بعد إعادة صياغتها إلى حكاية جديدة احتوت الكثير من المفاهيم والأفكار المتماشية مع قضايا الإنسان العربي المعاصر على رأسها البحث عن العدل والحقيقة لقد اختلطت الأمور وأصبح من العسير معرفة من الظالم ومن المظلوم حتى تنقشع الغمامة وتعقد المحكمة لتحكم بالعدل على اللصوص وعلى علي بابا الذي يتقبل الحكم برحابة صدر ، وهذا يتضح لنا من خلال كلام " محجوب " : " يا أهل السوق .. يا أهل السوق .. ولد صغير تائه اسمه العدل .. وبنت صغيرة تائهة اسمها الحقيقة .... " .
من هنا وبناءً على ما تقدم يتبين لنا أن القضية المطروحة هي قضية صراع بين طبقتين متفاوتتين ، طبقة كبار التجار الذين يمثلهم شهبندر التجار وقاسم والأربعون حرامي والثانية صغار التجار ويمثلهم علي بابا وحمدان . علي بابا الذي خان طبقته بعد حصوله على الأموال بالصدفة ، ويظهر لنا علي بابا في موقف سلبي ، فالصدفة هي التي تحكمه دائما حيث يكتشف المغارة ويحصل على الأموال وحيث ينتقل انتقاله مفاجئة من عالم الفقراء إلى عالم الأغنياء ، وهذا يبدو جليا في (ص41 – 42 ) من المسرحية . حيث يظهر موقفه السلبي وهو خيانته لأبناء طبقته وأصدقائه بمجرد انتقاله إلى عالم الأغنياء إذ تتغلب نوازعه البشرية على إنسانيته ونبله وإخلاصه لطبقته ، على الرغم من موقف مرجانة الإيجابي ، حيث ظلت تذكّره دائما بهم وبمواقفه الإنسانية معهم ولا ينعم بالمال المسروق حتى يصحو ضميره في النهاية بعد أن يوقظه أصدقاءه الخيّرون .
ونلمس من خلال المسرحية تعديلا آخر وهو تغير شخصية أخيه قاسم من طماع إلى رئيس العصابة. وربما يكن الهدف من هذا التعديل هو إظهار صورة بشعة من أقبح الصور اللا إنسانية ، وهي صورة ظلم الأخ لأخيه فقط من أجل المال . وحتى يجعل الطفل يشمئز من هذه المعاملة التعسفية ، من ثمة يحاول – قدر الإمكان – تأسيس علاقات أخوية طيبة بين أفراد أسرته وبين الناس جميعا . لكن هذه التعديلات التي أدخلها المؤلف على الحدوته الشعبية لم ترق لكثير من الدارسين والنقاد . فكلمة محاكمة أقامت الدنيا وأقعدتها . ففي الوقت الذي أعجب فيه البعض بفكرة المسرحية وأعجبتهم الكلمة "محاكمة" ففكروا وكتبوا أفكارا حول هذا الموضوع . نجد البعض الآخر من النقاد لم يقبلوا بمحاكمة هذه الشخصية لأنها شخصية مثالية وفاضلة . ولم يسمحوا للمؤلف بزعزعتها أو إحداث أي خدش فيها. فهذا الدكتور "محمد مبارك " يقول " ومواقع التغيير في أصول هذه الحكاية واضحة في هذا العمل ليس لكونها مواقع قوية ، ولكنها قليلة و من الممكن حصرها وتحديدها ، فهي لم تتجاوز اصطحاب علي بابا لصاحبته العنزة التي يسبب له نسيانها في الغابة المتاعب وكشف أمره . وهي ليست بعيدة عن فكرة النسيان الأساسية . حيث أن الأصل يشير إلى نسيان علي بابا لكلمة السر " افتح يا سمسم " فيتم القبض عليه في المغارة من قبل الحرامية . وإن عنصر الصدفة في اكتشاف علي بابا للمغارة لم تستطع مسرحة الحكاية وهو ما جعل العمل يصاب بشيء من الضعف في البناء" .
اللغة :
تشير رحاب الهندي إلى أن محاكمة علي بابا تعيش إعدادين مختلفين: الأول وهو إعداد السيد حافظ الذي قدم مسرحية ذات شخصيات وحوار وبناء فكرة جديدة مضافة للحدوتة الشعبية . وإعداد الفنان محمد جابر الذي حوّل الحوار من فصحى إلى لهجة كويتية (2) وقد طرحت أسئلة عديدة حول تقديم هذا العمل الأسطوري من خلال اللهجة المحلية . فيرد أحمد عبد الحليم قائلا : ( النص كتب بالعربية الفصحى إلا أن المعالجة بالمحلية جاءت وفق رؤية الإنتاج الخاص الذي يريد الجذب الجماهيري حيث ابتعاد الجمهور عن أعمال الفصحى) . ويضيف المؤلف قائلا : ( لو كان التعامل مع جهة رسمية حكومية لا تبحث عن الربح وتهرب من الخسارة ، كان العمل سيقدم بالفصحى ، لكن الفكر المسيطر عند المؤسسات الخاصة أن الجمهور يهرب من الفصحى لصالح العامية ) . وبالنسبة للأغاني استطاع الشاعر " فايق عبد الجليل " كما يقول فيصل السعد أن يساعد محمد جابر في تكويت النص ، حيث أضفت الأغاني جوا كويتيا بمساعدة الملحنين الشابين الناجحين ( أنور عبد الله وعبد الله الراشد ) .
الزمان والمكان :
المسرحية مرتبطة بفترة زمنية معينة وبمكان معين . ومهمة الديكور هي تحديد الزمان والمكان على الخشبة ، ومحاولة نقله إلى الطفل بشكل يغني خياله ويثريه، وذلك بأسلوب يتفق ومزاج الطفل ، أسلوب يقوم على الطرافة والبساطة. فالمسرح ليس مدرسة لتدريس التاريخ وإنما له هدف جمالي وهذا ما يؤكده لنا السيد حافظ بقوله: " أين كان يعيش علي بابا ؟ في بغداد ، إذن هذا المكان يحتاج إلى أن يظهر في المسرح . والمكان السوق إذن فالسوق محتاج إلى دكاكين ، مهندس الديكور عليه أن يوظف هذه الدكاكين بشكل يثير خيال الطفل ويغنيه . إذا قدمت بشكل فقير تسبب مشكلة (فالطفل لابد أن يعيش في ثراء) .
الخيــال :
الطفل خيالي بطبعه ، تواق إلى كل ما يرحل به على بساط سحري عبر الأزمنة والأمكنة والعصور المختلفة والمتعددة . ودور الديكور والمناظر هو تنمية قدرة الطفل على التخيل ومنحه الفرصة لأن ينطلق بخياله متجاوبا مع المنظر الذي يراه . ذلك الخيال الطفولي الذي لا يرتبط بخط معين . وإنما هو خيال حر طليق ، لا تقيده قيود ولا تحده حدود . وهذا بالطبع له أثره على نمو شخصية الطفل وتوسيع مداركه .
الحــوار :
وجدنا في هذا النص المسرحي أن الحوار كان مبسطا ومركزا وهادفا . منسجما مع الأحداث والشخصيات. حيث كتبه السيد حافظ بلغة رقيقة بسيطة وواضحة، وفي مستوى استيعاب الطفل، ولا يحمل رموزا تستحيل على الطفل فهمها. كتبه باللغة العربية الفصحى، ثم حوله بعد ذلك محمد جابر من الفصحى إلى لهجة كويتية .
العاملون وأدوارهم في المسرحية :
يشترك في المسرحية العديد من الفنانين منهم :
عبد الرحمن العقل : في دور البطل ، دور علي بابا . وقد أخذ طابعه الخاص الذي اشتهر به عند جمهوره الطفلي ، فاعتبروه صديقا لهم ، يستمعون إليه بشغف ، ويتابعون حكاياته وينتبهون إلى حركاته . من ثمة يحاولون تقليده ، وهنا تكمن الخطورة ، إذ كيف يقلدونه وهو لص سرق أموال غيره وهو سارق في الشرع الإسلامي وفي القانون وحتى في عرف المجتمع . وهنا يبدو دور المؤلف موفقا وناجحا ، حين حاول أن يقنع الطفل أن من يأخذ أموال غيره يعتبر سارقا . وعلي بابا وإن كان شخصية محببة لديه فهو لص لأنه سرق ، والسارق تجب عقوبته . وهذا ما يتضح لنا في النهاية الهادفة التي أنهى بها المسرحية ، وهي اعتراف علي بابا بخطئه بل وتصحيحه أيضا من خلال دعوته إلى العمل والتمسك بالحق .
علي بابا : أنا أعترف لكم كلكم ، لأنني أخطأت في حقكم ، وإنني أعاهد الله وأعاهدكم بأنني لا أعتمد على المغارة ، وما أقول افتح يا سمسم أبوابك . بالعكس أقول افتح يا سمسم أبوابك للعمل . الديرة محتاجة لنا يا شباب ، خلونا نصير أيد واحدة ونبني ديرتنا من جديد .
محمد جابر : يقوم بدور حمدان صديق علي بابا ، لكنه يبدو لنا من خلال المسرحية أنه شخص سلبي ، لأنه لم يقف مع صديقه علي بابا في أيام شدته وأزمته ، بل بقي صامتا حتى أمام مشكلته نفسه التي تسبب فيها اللصوص . وهو باعتراف (عبد الحميد زقزوق ) هو فنان يتميز بالصدق ويزرع الابتسامات الجميلة على شفاه الأطفال .
استقلال أحمد : في دور مرجانة زوجة علي بابا التي ظهرت في موقف إنساني إيجابي نبيل.
منى أسعد : في دور زوجة قاسم ، مثلت عنصر الشر في المسرحية المشجع على الخيانة والغدر .
أحمد جوهر : في دور قاسم .
جمال الردهان : في دور شهبندر التجار .
الاستعراض : عبد الرحمن العقل .
الديكور : جسمي محمد الجسمي .
كتب الأغاني : فايق عبد الجليل .
ملحن الأغاني : الفنان عبد الله الراشد .
المخرج المساعد : فاتن الدالي .
مدير الحركة : أحمد البيلي .
المخرج : أحمد عبد الحليم .
كلمة أخيرة عن المسرحية :
بعد كل ما ذكرناه من ملاحظات حول هذا العمل الفني كنص مسرحي سواء تلك الملاحظات التي أقرت بجودة العمل ، أو تلك التي أكدت ضعفه في جوانب محددة، يمكن إقرار القول بأن " محاكمة علي بابا " عمل مسرحي جاد وهادف وبنّاء ، يسعى إلى تبليغ شيء للطفل العربي ، وهو انتصار الفضيلة على الرذيلة ، وانتصار الخير على الشر ، فيجعل الطفل يقارن بين ما حدث في الماضي ، وما يحدث الآن في حاضره وأمام عينيه . هنا يحمل المؤلف الطفل مسئولية محاربة الظلم له ، وكشف الخيانة والسرقة ؛ خيانة خفافيش الظلام خاصة الذين يظهرون في أثواب الوجهاء ، لكنهم في حقيقتهم هم جذور كل الآفات. ولابد أن يسعى جاهدا لاستئصال هذه الجذور من أساسها . وقد توفق مبدعنا المسرحي في تبليغ هذا المعنى . فكان عملا فنيا ناجحا بشهادة مجموعة من الدارسين تضافرت فيه جهود كل من المؤلف " السيد حافظ " والمخرج " أحمد عبد الحليم " والبطل "عبد الرحمن العقل " ومجموعة من الممثلين وعاملين آخرين .
فكانت بذلك عملا مهما مساعدا على بناء جيل يدرك حاضره ويعي مستقبله . وتمنيت كثيرا أن أتناول المسرحية كعرض مسرحي ، لكنني لم تتح لي فرصة مشاهدة هذا الإبداع الفني. ورغم توفري لشهادات حية تابعت العرض المسرحي، وتناولته بعد ذلك بالدراسة والتحليل، إلا أنني لا أستطيع أن أعتمد عليها وحدها. بل لابد من المتابعة الشخصية للعمل نظرا لاختلاف وجهات النظر . فما يراه البعض ضعيفا يبدو لدى البعض الآخر جيدا والعكس صحيح .
وهكذا نخلص إلى القول بأن السيد حافظ كلما توجه إلى طفله العربي في مسرحية جديدة ، كان يدرك بل يلح على أنه يتوجه إلى طفل واع ومدرك لحقيقة واقعه . وإنه مهما حمل إليه من أفكار سياسية أو اجتماعية .. فإنه قادر على استيعابها. وهذا ما أكده مرارا ويؤكد هنا أيضا بقوله :
(( هذا هو مشاهدي العظيم ، مشاهدي الذي لا يجامل ، الذي يصفق من القلب، ويحفظ من القلب كل الكلمات ، مشاهدي الذي تحديت به الأساتذة الأكاديميين في كلية التربية في الكويت . وأنا تربوي خريج كلية التربية . يقولون أنت تكتب للطفل أعلى من مستواه ، قلت أنا أكتب من مستواه وأتحداكم ، قالوا إن الطفل لا يفهم في السياسة ، قلت يفهم في السياسة . وعندما قدمنا إحدى المسرحيات المسيّسه للطفل ، كان التصفيق في الصالة يرتفع أكثر مما يفعل الكبار الذين مات في داخلهم كل إحساس بالوطنية نتيجة الظروف السياسية والقهر الاجتماعي على مدى قرون طويلة ))
0 التعليقات:
إرسال تعليق