دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(207)
التناص والتغير الاجتماعي
فى نصوص السيد حافظ
بقلم دكتورة : لبلبة فتحى
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
التناص والتغير الاجتماعي
فى نصوص السيد حافظ
بقلم دكتورة : لبلبة فتحى
يتعرض السيد حافظ للتناص من الادب الشعبى فى أعماله حيث جاءت مسرحيته ابو زيد الهلالى تناصا مع السيرة الشعبية ابو زيد الهلالى ولقد اعاد الكاتب صياغة بعض عناصر السيرة الشعبية ليكسبها تفسيرا جديدا يتماشى مع احتياجات الأطفال محافظا على ملامح البطل فى السيرة الشعبية حيث أنه فارس مقاوم للظلم ملبيا الدعوه والاغاثه لكل من يطلبها يتميز بالذكاء والحيله الملازمة لثقافة الحرب والتنكر لتحقيق آمال واحلام الجماعة حافظ الكاتب على مقومات السيرة الشعبية، وأن كان الأمر لم يمنع من محاولات إنتاجها حذفا واضافة وتعديلا لكى تتفق مع تطور تشكيل الوجدان عند الأطفال من حيث سمات البطل ومن حيث النبوءة مع اختلافها بين السيرة و المسرحية ،فنبوءة ابو زيد كانت فى تمنى امه خضره الشريفه أن تلد ذكرا مثل غرابا رأته يطارد الغربان وجاءت النبوءة فى المسرحية تتناسب مع آمال و احلام الجماعة فى الخلاص من العدوان حيث جاء الساحر ينبئ بقدوم ابو زيد ودياب على أنهما مخلصان وتحققت النبوءة بقدومهما وتنكرا فى زى شاعرين حتى يستطيعا القضاء على سعيد الذى استولى على ملك مغامس واستخدما الحيله فى طلب مائة صندوق ومائة فارس كما ارسلا فى طلب منوم للحراس وهنا يؤكد الكاتب عن استخدامه للحيل والتنكر احد سمات السير الشعبية كما أنه يؤكد على أن البطل الشعبى الشجاع الذى يمتاز بالشهامه هو ليس جائر على البلاد كما جاء فى بعض السير ولكنه عونا فى تحقيق آمال وأحلام الجماعة فى اى زمان واى مكان ليرسم لنا المثال القومى والنموذج الايجابى للبطل الشعبى الذى يمثل حاجة الشعب فى فترات التحدى والهزيمه سواء تحدى اهله للقحط والجوع اوهزيمة مغامس امام سعيد فى فترات ضعفهما فكليهما فى حاجة إلى العون والمدد، وكأن تركيز الكاتب على صورة البطل لدى الأطفال وابراز الفروسية ومساندة من يلوذ بالبطل الشعبى الذى وجد ليتوحد مع قضايا الجماعة وتحقيق العون والأنتصار لهم, كما أن مسرحية أبو زيد الهلالي للسيد حافظ تتناول الصراع الأزلي بين الخير والشر تناصاً مع السيرة الشعبية (أبو زيد الهلالي ) فى صراع بين القوة والضعف ولكن يأتي السيد حافظ ببطلي السيرة الشعبية أبو زيد الهلالي ودياب فى إتحاد على عكس ما ورد ب السيرة الشعبية التي يأتي فيها أبو زيد ودياب طرفي الصراع وكأنهما وجهان للأكتمال فأبو زيد وما يحمله من هموم المجتمع وقضاياه وما يحمل من فكرة طوباوية للسلام يستدعي تطهير الذات ودياب وما يحمله من نفعية فى مجتمع مادي فردي يستدعي فكرة المادية يسخرهما السيد حافظ كبطلي السيرة الشعبية فى التغيير الاجتماعي باتحاد الذات والموضوع ، فهو عندما وحد بين مشكلة عشيرته الشخصيه حيث القحط والجوع وقضية اهل البلد التى ارتحل اليها فهو بذلك يحقق الأنتصار والآمال لاى جماعه فى اى مكأن واى زمأن ، فحين تجمعت عوامل الضعف للملك عامر العجوز وابنه مغامس الذى لم يبلغ سن الرشد بعد ولم يقوَ على الحروب تتبلور فكرة الشر فى أطماع نبهان الذي أراد أن يأخذ حقوق غيره فمد يده ليقطف الأميرة ريم الشاه من بستان أبيها وعمها المتهالكان وخطيبها الذي وضع فى اختبار الرجولة للدفاع عن أرضه وابنة عمه ولكن لصغر سنه أسند هذه المهمة لغيره بادعاء الوفاء والإخلاص ، ولكن هناك مهام لا ينفع أن تسند إلى الأتباع ، مثل الدفاع عن الوطن وحمايته فمن يأتي ليدافع عنه يطمع فى امتلاكه وهنا تناص بما فعله دياب مع أبو زيد فى مسرحية أبو زيد الهلالي ليسرى الجندي عندما قتل الزناتى بعد أن رفض أن يقتله ابو زيد، ليعتلى دياب عرش تونس.
مغامس : كيف يذهب سعيد للصيد بدلا منى؟
عامر : سعيد عبدك المطيع تعلم فنون الحرب والسيف وهويتبعك كخادم وفارس
وعلى غرار دياب يدافع سعيدعن الملك وابنه مغامس ولكنه يطمع فى امتلاكها، ولكنها جاءت رمزا عندما ابلغ سعيد الملك أنه يرغب أن يصطاد غزالا بنفسه لضيوف مغامس وهو رمز عن الاستيلاء على البلد وهو تناص مع أعمال الكاتب نفسه حيث نجد الوزير مرجان فى مسرحية سندريلا الأمير عندما رجع من رحلة الصيد ومعه غزالة دعا الأمير للعشاء بها سويا . وهو ايضا رمز لطرد سندريلا واستيلاء الوزير وابنته على حقها.
وكأن سعيد على وشك أن تدنوا منه ثمارها بزواجه من ريم الشاه ولكن تأتي شخصية الساحر مخلصاً وهذه الشخصية تناص مع شخصية العراف فى السيرة الشعبية الذي يتنبأ ويخبر أم مغامس بأن أبو زيد الهلالي ودياب قادمان ليقتلا سعيد ويخلصا الإمارة وهنا جمع الكاتب بين قوة السيف الغاشمة يجسدها دياب وقوة الحب الطوباوي يجسدها أبو زيد فى التوحيد بينهما والذي كان الصراع بينهما أصلاً فى السيرة ليصبحا قوة واحدة فى المسرحية كيان واحد يستطيع أن ينتصر للحق بإستخدام الحيله والتنكر وهي ما نجدها فى كتابات السيد حافظ للأطفال تناصا مع أعماله وكأنها البرزخ الذي تنتقل فيه شخصيات السيد حافظ من الضعف إلى القوة وتنتصر فيها للحق لتغير سمات وصفات الشخصيات تمهيدًا للتغير الاجتماعي ، فالتنكر دائمًا ما يأتي معه التغير الاجتماعي فى معظم نصوص السيد حافظ. حيث وضع الكاتب الاحداث فى اطار ملحمى قامت من خلاله الحيوانات بسرد الاحداث بما يتناسب مع المرحله العمريه للاطفال واطلاق العنان للخيال ، كما أن لهذه الحيوانات صفات ذات مدلول للشخصيات التى تنتمى اليها مثل حصان ابو زيد وما يتصف به من فروسيه كلب مغامس وما يتصف به من الاخلاص والوفاء الجمل وما يحمله من هموم وما تتصف به الجماعة من حمل الهموم والصبر عليها. فبجانب ماتصوره السيرة الشعبية من حياة الجماعة فهى تحافظ على مقومات بقاء الجماعة من أجل ارساء القيم والاعراف التى تتمسك بها الجماعة كما يحقق لها حلمها والذى يسعى دائما إلى النصر والتفوق.
مسرحية سندريلا والأمير
تأتي مسرحية سندريلا والأمير تناصاً مع قصة سندريلا التراثية فى الحكايه الشعبية (الف ليله وليله) ولكن المسرحية تبدأ بعد الحفلة وبعد سقوط حذاء الفتاة لتبدأ المسرحية بمأساة سندريلا وذاتها الضائعة مع زوجة الأب الظالمة المستبدة والسادة الأشرار المتحكمين فى مصيرها ، تدور المسرحية حول الفكرة المطلقة أيضاً للخير والشر وأصحاب الحقوق هما الأخيار وليسوا الأشرار توجيهًا للأطفال ولكن فى قالب قصة تراثية بتفسير جديد ورؤية صاحبة الحق الضائعة التي يبحث عنها الملك العادل الذي لم يجد سندريلا إلا فى غياب الوزير مرجان والذي يجسد قوة الفساد الطامع فمرجان يستنكر أن تكون صاحبة الحق هي بنت من الفقراء فهو يسأل عما كانت صاحبة الحذاء بنت من أبناء الأمراء أو الوزراء أو التجار فهو يستنكر أنها ليست من أهل النسب وعلى الأمير ألا يتزوج منهم خوفا من أن ينجب ولدًا يرث حكم البلاد فينحيهم الشعب ويكون الملك من خارجهم ولكن الأمير يحب أن يكون القصر هو قصر للشعب ولم يترك مرجان سندريلا تعتلي القصر بسهولة فقد حاكَ مؤامرة ليوهم الأمير أن الحذاء لابنته وردشان وليس حذاء سندريلا ، وهنا مرحلة الوعي التي تعني أن الحق لابد أن تسانده قوة تحميه فلن تستطيع سندريلا الحصول على عرشها إلا إذا تغيرت هيئتها وسماتها وصفاتها ، وهنا يأتي التغير الاجتماعي فسمات الطيبة والإستسلام لا يأتي معها حقوق ، وهنا تبدأ رحلة تكوين المعلومات من قبل الأمير الذي يحدثه قلبه بصدق سندريلا ولكنه يريد أن يصبح لهذا الأحساس دليل مادي على أرض الواقع لن يتأتي إلا بالتغير وفى لوحة إستعراضية توضح الزمن الفاصل بين عالم الحلم واليقظة ينام الأمير ويحلم بسندريلا التى تظهر له ويرقص معها وعندما تأتي الساعة الثانية عشر تختفي سندريلا ويستيقظ الأمير على الوزير مرجان وابنته يدعوانه لتناول العشاء على الغزالة التي اصطادها مرجان وهذا الصيد الثمين رمز عن امتلاكهما للقصر والملك واكل حق الشعب الذى تجسده سندريلا فهما الواقع والحقيقة التي استيقظ عليها الأمير بينما سندريلا هي الحلم الذي يختفي بمجرد انتصاف الليل حتى بعدما دخلت سندريلا القصر وأعلن عن احقيتها فى الحذاء وأن وجودها بجوار الأمير هو حق من حقوقها اتهمتها زوجة الأب بالجنون وطردتها من بيتها فهذا التغير الذي طرأ على سندريلا يعتبر جرم تستحق عليه الطرد ، ولكن ما أقدمت عليه سندريلا على الصعيد الأخر سيمنحها الحكمة عندما يجتمع الخيال والمنطق التي تجسدهما شخصية أم الخير أخت الأمير والتي تساعدها للحصول على حقها الضائع فأم الخير التي حبسها الوزير عندما أصبح عين الأمير ويده الباطشة تجسد الأحساس الصادق للأمير وخياله الذي سجنه الوزير وقتله بثبوت الواقع المزيف ولكن أم الخير تتنكر من حين لأخر لتساعد الفقراء وهذا التنكر هو محاولة للتغير كما فعلت مع سندريلا عندما أعطتها الفستان والحذاء وعندما أراد الأمير أن يتيقن قام بالتنكر فى ثوب فقير حتى يتعرف على الحقيقة وهي محاولة أيضاً للتغير الاجتماعي فكل شخصية تتنكر تحاول أن تصل للحقيقة حتى عندما قام مرجان بتزوير الحذاء لصالح ابنته كى تصبح هي زوجة الأمير فهذا تنكر غرضه التغير المضاد لصالح الأمراء والتجار وهي بمثابة ثورة مضادة لنجد أن الخيال والتنكر فى أعمال السيد حافظ دائمًا ما يتبعها محاولة للتغير الاجتماعي ففي أثناء تنكر الأمير فى ملابس الفقراء فى محاولة للتغير يحيك الوزير حيلة للتغير المضاد وهي أعلان موت الأمير نور الدين وأتهام سندريلا بالجنون ولكن أم الخير تعطي الأمل لسندريلا فى أظهار الحقيقية.
سندريلا : أنتي عندك أمل كبير.
أم الخير : بالأمل يكبر الإنسان ويعيش يا سندريلا.
وبإثبات الأمير للناس فى السوق أنه الأمير بإظهار شارة الأمارة يحوز على تأييد شعبي يسمح له بإقتحام القصر والإستيلاء عليه وأنقاذ سندريلا التي دخلت باحثة عن الأمير من خلال السرداب الذي دلتها عليه أم الخير ولكنها فشلت وحدها من الخلاص بينما جاء الأمير والشعب وتم أنقاذها فى اللحظات الأخيرة وهكذا أصبح للحلم أرجل ثابتة على الأرض وأينع الأمل ثمار المحبة بين الأمير وسندريلا الفقيرة.
ولكن فى ملحمة سعى فيها الأمير وسندريلا نسبة إلى الحاكم والشعب نحو القضاء على الفساد و استرداد حقوق الشعب..
د. لبلبه فتحى خليفه
مدرس بقسم الاعلام التربوى
جامعة طنطا
0 التعليقات:
إرسال تعليق