دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 229)
الفودفيل السردي وتقنية الكولاج
بقلم
إيمان الزيات
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
الفودفيل السردي وتقنية الكولاج
بقلم
إيمان الزيات
مصر
في مجموعة (لكِ النيل والقمر )
للمبدع الكبير السيد حافظ
لا أعتقد أن القصة عند المبدع الكبير (السيد حافظ) قد خرجت من تحت معطف (جوجل)، ولا من تحت معطفٍ واحدٍ بعينه؛ فعلاماتها الفارقة (كالطول، والزمن، والمكان، واللغة، والشخصيات، والأحداث، والبناء) جميعها يحركها ويتحكم فيها بكيفية شديدة الخصوصية لديه عنصري (الرؤية، والأسلوب).
وفي مجموعة (لكِ النيل والقمر) التى تقوم بتوليفها، وتوجه سيرورتها فكرة البحث عن هُوية محددة للمواطن، وما تخلقه تلك الفكرة من اشكاليات ومن مواقف معقدة، وفوضاوية، ومتشظية لا سيما إن أضفنا صفة (مبدع) بجوار (مصري) في خانة التعريف.
فالذات التى اتخذها الكاتب بؤرة لأحداثه وموضوعاته، كانت منطلقاً ملائماً إلى العام، ومعبرة بمصداقية بالغة عن الهم الجمعي تعبير الجزء عن كله.
إن الحاضر في كتابات ما بعد الحداثة لا يشكل بالضرورة تحسين الماضي، وإنما هو (انفجار للمعني) في عصر اللايقين، وهو الذي ينتج فناً عفوياً وحراً كالذي أنتجه لنا (السيد حافظ)، عاكساً صورة المجتمع النرجسي واللا مكترث من دون ادّعاء كما يقول (ليبتوفسكي).
صاغ (السيد حافظ) نصوص مجموعته في مناخٍ عام يميل إلى الفنتازي، والساخر، واللاذع، والجرئ مرتكناً في صياغته تلك إلى المسرح (الفودفيلي) الذي يتكون من سلسلة من الفصول والأعمال التى تبدو لا صلة لها ببعضها ولكن يجمعها قانون مشترك، وفي مجموعة (لكِ النيل والقمر) كان القانون المشترك هو (الغرض) الذي يهدف إلى رصد ما كان وما هو كائن من أجل التحول لما هو ممكن، وهذا هو الغرض الذي يقف على التخوم ليجمع بين مكونات النص الواحد من جهة، وبين النص وباقي النصوص من جهة أخرى، كما أن لأسلوب السرد (الفودفيلي) خاصية اضافية تتمثل في قدرته على الترفيه وقتل الاعتيادية والملل لدى المتلقي.
ولكن فيما يبدو أن تلك الميزات لم تكن مرضية لطموح التجديد والحداثة لدى (السيد حافظ) تلك الروح التى لا تغادر قلمه أيا كان الصنف أو الجنس الأدبي الذي يخطه، إذ نجده يرتكن إلى نوع آخر من الأنماط والأساليب الكتابية كالذي نراه على المسرح (الإيمائي) الذي يكفل للمبدع التعبير عن أفكاره ومشاعره وآرائه من خلال الايحاء الذي يكون على المسرح حركياً، وفي السرد رمزياً ودلالياً، بواسطة العلامات السيميائية، والمعادلات الموضوعية التى تدفع القارئ للبحث الحثيث في (ميتاسرد) النص، محاولاً فهمه وتأويله بعد التشابك معه تشابكاً ذهني وانفعالي على حد سواء.
ولا يمكن أن نغفل قدرة الكاتب على تفعيل الشعرية بنصوصه من خلال العملية (الميتا نصية) التى يتم بواسطتها إدماج البعد النقدي داخل العمل الإبداعي، وقد نجح في جعل علاقة القصة القصيرة بالميتانص كعلاقة المسرح به - علاقة الخاص بالعام - وهي احدى سمات نصوص ما بعد الحداثة.
تميزت النصوص أيضاً ببداياتها الساخنة والمشوقة كما في قصة (لكِ النيل، والبحر، والهرم يا أميرتي) التى بدأت على هذا النحو:
" قالت أمي سموه" محمد" خير الأسماء ما حُمد
قال أبي سموه "السيد" تيمنا بالشيخ "السيد البدوي"
حتي يكون صوفيا .. شيخا مهابا .. وقورا .. نبيلا .. شامخا يأتي بالمعجزات
.. يسيير فوق الماء و يأمر السحاب و ينقذ العذارى في عيد وفاء النيل ..
يأمر النيل أن يجري فيجري و أن ينهض فينهض فيصبح نافورة لعنان
السماء..
كان أبي قوي الشخصية لذا كان اختياره هو الأمثل.. " السيد".
الأزمنة قافزة متشظية، تنطوي على فضاءات مكانية متعددة، وتطوي المسافات البينية غير المرغوب فيها معتمدة على ذاكرة الكاتب الانتقائية لما يراه ملائماً للأحداث وناقلاً للفكرة؛ ففي قصتنا تلك التى جمعت تاريخ مصر بعصوره (الفرعونية، والرومانية، والمسيحية، والإسلامية، وصولاً لعصرنا الحديث) مجتذبة قصص التراث الحكائي (كقصة السندباد)، والديني كقصة فرعون موسى، وفلق البحر) ومتكئة على شخوص واقعية ماضوية (كفرعون، والمسيح، وعمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وكافور الاخشيدي، والمماليك)، ومعاصرة مثل (صافيناز كاظم، عبد الغفار عودة، وألفريد فرج، يحيي العلمي، ويوسف شعبان، ومعالي زايد، وآمال مراد، وعبد الغني داود، حمدية صقر، وعادل حسني، فوزي فهمي،...الخ).
كما أن كل شخصية كانت بمثابة معادلاً موضوعياً لانتمائها وتوجهها سواء(الديني، أو التاريخي، أو السياسي) منه، كما كانت ممثلة لقطاعات المجتمع المعاصر الذي تنتمي له.
أما عن الزمن خارج هذا النص فقد توزع بين الزمن (الماضوي)، و (الآني) الذي انقسم بدوره إلى (أمس قريب، وأمس بعيد، واليوم).
الأسئلة، والنقاط، والحذف، والإضمار، والتضمين جميعها تقنيات لغوية واردة ومستخدمة في نصوص المجموعة فضلاً عن (الحوارية) البوليفونية المائزة داخل هذا النص وغيره، والتى يتناوب فيها السرد والحوار والمسرود الذاتي (المنولوج/ المناجاة)، والوصف المشهدي، والرسائل، والملاحظات...الخ).
تمظهرت أيضاً فضائل اللغة البرقية الرشيقة في صياغة ذلك الحوار المتتابع، والحاشد لوجهات النظر ولآراء الشخوص المتباينة حول البطل الرئيس، في نص (لكِ النيل والقمر) الذي قال فيه:
"قالت العينة إنه من نسل المماليك. ليس له أصول معروفة و أصبح مصريا
مسئولا.
قال فوزي فهمي: يا سيد أنا قلت لبنت في الجامعة الامريكية لو عايزة تعملي
دكتوراه في المسرح التجريبي اعملي عن السيد
هو الوحيد اللي حقيقي. أنا خلصت ضميري قدام الله
قالت حمدية صقر رئيسة الرقابة:
علي جثتي يطلع لك عمل في التليفزيون.
قال يحيي العلمي:
علي الطلاق ما انت داخل التليفزيون تاني.. انت مؤلف ترفض ان محمود
قابيل يبقي البطل و أنا رئيس قطاع الانتاج أقول عايزه
قالت آمال مراد في تقرير سري: امنعوه من العمل.. إنه مشاكس
قال عبد الغني داوود: ياعم سيد لحد امتي هتفضل تجاهد
قال يوسف شعبان: أنا نقيب الفنانين مش خدام عندك اجيبلك فلوسك من
منتج حرامي
قال المنتج عادل حسني و أنا نائم علي السرير في المستشفي:
لن أدفع لك باقي حقك ثمانية وعشرين ألف جنيه.. اخبط دماغك في الحيط
اشتكيني في المحكمة".
الأحداث بالنص ذات نبض سريع، جاءت محمولة على عاتق أفعال المضارعة المتلاحقة، والتنويع الرشيق بين ضمائر (المتكلم، والغائب، والمخاطب).
يتغير موقع السارد المشخصن، والراوي المشارك من حين لآخر فيخرج بعيداً عن المركز ويرصد الأحداث، والشخوص، والأماكن من الخارج، ثم يعود ليصفها من الداخل فيصبح هو بؤرة السرد التي تدور في فلكها سائر الشخوص والأحداث وتصطنع المواقف وهي تقنية قلما تستخدم في سرد السير الذاتية التى يكون فيها الراوي مهيمناً على النص ومحمولاته ومتعسفاً بعرض الأمور من وجهة نظره الخاصة فقط.
(المواطن) الذي يرى نفسه فرعوناً، يمنح لأميرته (البحر، والنيل، والقمر، والهرم) لقناعته الدفينة بأنه هو المستحق الأوحد لامتلاك بلاده، وبأن عطاءه حين يفكر في المنح لن يكون عطاء من يملك لمن لا يستحق مثلهم.
لكن الملك الفرعون يشتمه سائق في الطريق ويشتم هو الناشر ويظل أبناء الوطن شعباً وساسة يشتمون بعضهم البعض في تلك النهاية (المعضلة) التى ساقها الكاتب المبدع (السيد حافظ) بنصه.
وبصفة عامة فقد أراد السرد الحافظي أن يعكس فكرة (تآكل الهويات) وعدم استقرار الشخصية وانتشار مجتمعات اللامبالاة الجماهيرية، مجتمعات الشعور بالعبثية والانسحاق التى يمثلها المجتمع العربي ككل.
ولقد ساهم في تحقيق هدفه انتهاجه لنمط الامتاع السطري، وإلتجائه لتقنية (الكولاج) وتهجينه للنص ليعبر عن تلك التجربة السردية التوافقية التى يتزامن فيها سرد أكثر من حدث في أماكن مختلفة بحيث تتحلل السردية داخل (الكولاج) كلياً، وتتمظهر الخصوصية اللغوية في اللهجات المتنوعة والواقع اللساني المجزأ والمنفصل، والمزاح، والنكتة، والسخرية.
وهي التقنيات الملائمة التى يمكنها أن تفسح المجال في أي نص يدور حول الهوية المهجنة، والأجناس المولدة، وكل ما أشار إليه (سكرابيتا) بمفهوم "عدم النقاء" في المجال الإستطيقي.
كلها أمور وظواهر مجتمعية تبرأ منها بطل نص (لكِ النيل والبحر والهرم يا أميرتي)، حين قال في ملاحظته مؤكداً على أصولية، ونقاء الجنس المصري الذي ينحدر منه ويمثله:
" ملاحظة: جدي الأول كان أحد ملوك الفراعنة العظام يحكم مصر شمالها وجنوبها وشرقها وغربها ويبني المعابد والأهرامات وكانت النساء تقول عنه إنه في السرير لذيذ. كان قويا نبيلا عزيزاً وأيضأ كان لذيذا بالنسبة للنساء".
اللقب الأدبي / إيمان الزيات
أديبة وناقدة سكندرية.
عضو اتحاد النقاد العرب.
عضو مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.
محاضر مركزي بالهيئة العامة لقصور الثقافة.
أحد منسقي اللجنة الإعلامية بجمعية صوت الشارع الأدبية بالجيزة.
حاصلة على بكالوريوس الخدمة الاجتماعية جامعة الإسكندرية.
فازت بالمركز الثاني عن قصة (يراقص الطائرات) بمسابقة الشئون المعنوية السادسة (أكتوبر انتصار شعب) التى أقامتها القوات المسلحة في يناير 2017.
فازت بالمركز الثالث في مسابقة اقليم غرب ووسط الدلتا عن قصة (استماع أخير للجرامافون) مارس2017.
فازت بالمركز الثالث بمسابقة وزارة الشباب والرياضة للقصة القصيرة على مستوى الجمهورية عن قصة (عندما رحل معي) 2000.
فائزة بقصة "مقعد فارغ للحبيبة " فى مسابقة "مؤسسة" شغف الثقافية . 2015.
شهادة تقدير من مجموعة "الشعر والحب والسلام " 2015.
شهادة تقدير عن مجموعتها القصصية (يمر على روحي كدهر) من مؤسسة الحراك الثقافي ديسمبر 2016.
شهادة تقدير في (مؤتمر المرأة المبدعة) الذي انعقد بدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة يناير 2017.
شهادة تقدير وميدالية من مؤسسة (أسرار الأسبوع) الثقافية والإعلامية لفوزها بمسابقة إقليم غرب ووسط الدلتا الأدبية 2017 - فرع القصة القصيرة.
شهادة تقدير من مكتبة الإسكندرية عن مشاركتها في فاعليات معرض الإسكندرية الدولي للكتاب الثالث عشر بتنظيم وإدارة أمسية القراءات القصصية بقاعة الأوديتريوم بمكتبة الإسكندرية أمسية 2 أبريل 2017.
0 التعليقات:
إرسال تعليق