دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 193)
حوار مع الكاتب المسرحى السيد حافظ عن مسرح الطفل
أجرى الحوار: ماجد الشيخ مجلة الطليعة الكويتية 24 مارس 1985
من كتاب
التنوع الدلالى فى مسرح الطفل
ما بين التناص والتراث والإخراج
" الجزء الأول"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
حوار مع الكاتب المسرحى السيد حافظ عن مسرح الطفل
أجرى الحوار: ماجد الشيخ مجلة الطليعة الكويتية 24 مارس 1985
هل مسرح الطفل ظاهرة أصيلة فى حياتنا ومجتمعنا العربى أم أنها مستوردة تقلد ما فى الغرب ؟
· قضية الأصالة فى المسرح العربى قضية ضمور المدينة العربية والحضارة العربية التى ارتكزت على الشعر ولم تمنحها الظروف الطبيعية واللصحراء فى إمكانية تطوير الشكل الفنى للمسرح.. أما مسرح الطفل فقد ظهر فى الوطن العربى كجزء من التكوين السياسى للتجربة الاشتراكية فى مصر فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. حتى يضمن النظام السياسى عدم خروج الطلائع من قارورة التنظيم السياسى وحتى يكون المسرح مركباً فى بحر الثقافة الموجهة.. ولكن الذين أشرفوا على التجربة المسرحية فى مسرح الطفل لم يتخيلوا أن المسرح خبز ودورق ماء ونافذة للريح الجديدة وشمس الأفكار للأطفال فجعلوا من المسرح منبراً للخطب البلهاء ورفع صور الزعماء وأصبح وردة ذابلة.. وقد حاول عبد الناصر أن ينقل شكل المسرح الاشتراكى والمسرح الجماهيرى والذى يتكون منه مسرح الأطفال مثل تجارب الاتحاد السوفيتى والمجر وتشيكوسلوفاكيا ولكن التجربة ضربت من الداخل والخارج ومن عام 65 إلى عام 1967 جاءت النكسة الثقافية والهزيمة الحضارية وانطفأت كل الأحلام وتحول مسرح الطفل إلى صالات فارغة مفرغة أو مرئية قديمة.
كنت أسمع أن المثقفين غاضبون من الهزيمة، ولكن سرعان ما يهدأون مع نغمة الوحدة والحزن ويتسللون إلى المسرح التجارى من الأبواب الخلفية تاركين الطفل العربى يجلس فى قبة المسرح التجارى المبتذل.
من الملاحظ أن مسرح الطفل يستقى موضوعاته من تراثنا العربى الشعبى أو التراث الأوروبى ومن الأساطير العالمية المتوارثة هل بالإمكان إيجاد مواضيع حديثة تعالج قضايا الطفل فى حياتنا الراهنة ؟
· الكاتب المبدع . الملتزم.. الكاتب الشهادة أمام الاختيار الصعب ماذا يفعل ؟ هل يقدم التراث العربى كما هو وهنا يرضى عنه كل المعنيين بالأمور الثقافية.. وفى هذه الحالة يفقد ذاته كفنان وإما أن يقدم التراث فى مسرح الطفل بوجهة نظر خاصة وبرؤيته الخاصة وفى هذه الحالة يمكن أن يقوم بعمل اسقاطات عصرية.
أما التراث الشعبى فمن المؤسف أن معظم الكتاب يخافون من تناوله فى السينما أو المسرح أو التليفزيون لأن معظم أبطاله من الصعاليك الذين يهزمون أصحاب السلطات العليا ويخدعونهم وينتصرون عليهم.. والكتاب يطبخون أعمالهم المسرحية للأطفال من التراث الأوروبى ويطعمون هذه الأعمال بالكلمة السيف والكلمة الغضب والكلمة الذهب حتى لا تأكلهم الرقابة وتطعمهم للقانون الساذج (الممنوع) وحتى لا يتحول الكاتب إلى رقم فى قائمة الكتاب المغضوب عليهم.. أما الجزء الأخير من السؤال هو أن الكاتب المبدع يستطيع أن يعالج مواضيع حديثة فى حياتنا الراهنة ولكن دعنى بالله أسألك ماذا يقدم للطفل فى حياتنا الراهنة مذبحة صبرا وشاتيلا؟ هزيمة العرب من اسرائيل خمس مرات؟ الحرب الإيرانية العراقية.؟ اختلافات الدول العربية من المحيط للخليج؟ السوبرمان الأمريكى الذى يقتحم شوارعنا بسيارته؟ حرب لبنان؟ ولكننى اعتقد أن الكاتب العربى مظلوم ولو أعطينا الحرية لأنقذنا الجيل القادم من الدمار خاصة وأنه لا يوجد فن بدون حرية ولا حرية بدون فن أما ما يتم الآن من تسطيح الأمور وفى صناعة الكلمة المخدر.. الكلمة الوسادة.. حتى تجمع تفكير الإنسان العربى مما يجعل تفكيره خاملاً ومصاباً بالبلادة الذهنية..
حرية الكاتب لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية فى الوطن العربى ولو تحققت الديمقراطية الحقيقية فى الوطن العربى سيكون لدينا مسرح يقدم التراث الشعبى والعربى والقضايا المعاصرة دون محاذير تنظر بمنظور بوليسى.
هل لابد لمسرح الطفل أن يحمل موعظة أو قيمة أخلاقية بشكل مباشر أم يفضل أن تكون هذه القيمة بأسلوب غير مباشر ؟
· أشد على يديك فى هذا السؤال .. التربويون هم السبب. ومنهم لله.. (وأنا منهم لأننى درست دبلوم فى التربية) إنهم دائماً يريدون الأهداف التربوية المباشرة.. يجب فى نهاية كل درس أن نسأل التلاميذ.. ماذا استفدنا يا أولاد.. فى الاتحاد قوة.. القناعة كنز لا يفنى وهكذا ونفس الشئ انتقل إلى المسرح – المباشرة. حتى الوسائل التعليمية فى الناحية التربوية سقطت فى نفس التكرار الشائع ولا أقول الخطأ الشائع.. نعم.. والمسرح كوسيلة تعليمية مارس نفس الشئ وبدلاً من أن يكون سنبلة متميزة أصبح جرعة متكررة للحكم والمواعظ.. إننا نفرض أن طفلنا العربى يحتاج إلى التوجيه المباشر مع أننا نقول استخدام الطرق غير المباشرة وهذا لا يحدث إطلاقاً .. إن فن الأطفال فى وطننا العربى يجب أن يعمل قيم ومواعظ أخلاقية مباشرة وإلا أطلقت عليه رصاصة التربويين الأكاديميين مرهونة بالاتهام الكبير " تدمير القيم والمبادئ والاخلاق" لأننا نفرض مسبقاً أن طفلنا العربى – لا رأى له – وأنه شجرة لا ظل لها.. وأنه تاريخ لم يأت بعد.. وإنه يجب أن يحمل روث وعفن حضارتنا السابقة.. علماً بأننا تلقيا تربية خاطئة ثقافياً وحضارياً.
· إننى ضد المباشرة ومع ذلك لابد وأن أفعلها بنسبة 20% حتى أرحم جلدى من كرباج الاتهامات الأكاديمية .. إن الكاتب المسرحى للطفل يحب أن يدرك عدة نقاط.
o إن الطفل شاعر.
o إن الطفل ناعم الأحاسيس.
o إن الطفل ملك شهية لكل جديد.
o إن الطفل سيكون الصورة الأروع لنا.. والأجمل.
o إن الطفل جزيرة لم يكتشفها أحد.. يحاصرها التلفزيون بأفكاره المسممة والفيديو بحرابه الملعونة. وبراكين الحياة اليومية التى تتعجز أمامه فيرى أباه ينحنى أمام محتل أجنبى أو أمام شرطى عربى فاقداً أبسط قواعد الحياة ألا وهى " الكرامة ".
كيف يمكن لمسرح الطفل تجنب الشائع فى قصص الأطفال.. مع التعامل مع الأساطير والمبالغات التى كثيراً ما تؤدى إلى دمار الطفل عقلياً أو نفسياً؟
· المبالغات ليست فى مسرح الأطفال فقط.. إن الطفل يجد أمامه المدرس يقول له: لا تنافق.. وفجأة يدخل ناظر المدرسة الفصل فيرتجف المدرس أمام التلاميذ ويرتعد وعندما يقول الناظر معلومة خطأ ينافقه المدرس ويوافقه على رأيه (وأنا لا أقصد بالطبع كل المدرسين) وعندما يخرج الناظر يسبه ويلعنه وينعته بالجهل امام الطلاب.. إذاً المبالغات يعيشها الطفل العربى فى المدرسة والبيت وهى البيئة الأولى والثانية التى تشكل عملية التنمية فى الطفل.. أما الأساطير فليس كلها صالحاً وليس كلها سيئاً...
دعنا نقول هناك أساطير تحمل طابع المقاومة الشعبية للظلم والفساد والقهر وتنمى الاحساس ببطولة المواطن الشعبى أو البطل الشعبى الذى تنجبه الحارة والقربة فى مواجهة الظلم مثل الأساطير التى ظهرت حول شخصية (جحا) سواء كان عربياً أو فارسياً أو هندياً.. المهم هناك أساطير يخلقها الاستعمار ويغذيها فى عقول الناس أيام الاحتلال مثل "السلعوة" و"العفريت" الذى يظهر فى الليل كل هذا حتى يمنع الناس وأقصد هنا (العمال والفلاحين والطبقة العاملة) من التجمع ليلاً حتى لأن الاجتماع . يخلق الحوار. والحوار يسبب المشاكل والثورة ضد الاستعمار وللأسف معظم الأنظمة العربية تركز على الأساطير التى تبناها الاستعمار وتركز عليها وتتبناها فى شكل أعمال تلفزيونية وإذاعية ومسرحية.. وهكذا يدمر الطفل عقلياً.. ونفسياً.. وتجعله يخرج من دائرة الاحتلال الاجنبى إلى الاحتلال الوطنى ويصبح لدينا عقولاً للأطفال غير قاردة على مواجهة نفسها أو تاريخها.. تؤمن بالسحر والشعوذة والخرافات وهذا ما جعلنى الغى شخصية الساحرة فى أسطورة سندريلا عندما قدمتها للمسرح.
والكاتب الوطنى سواء كان يمينياً أو يساريا وأقصد الكاتب الذى يحب وطنه عليه أن يحمل ذرة من الشرف والأمانة والإحساس بالمسئولية التاريخية وأن لا يحبذ نفسه لخيانة أمته ويدمر الأطفال.
علاقة مسرح الطفل بالكويت ومسرح الطفل فى بقية الأقطار العربية ؟
· مسرح الطفل فى الكويت ظهر منذ 6 سنوات فى الشارع الفنى والثقافى على دراجته الصغيرة.. ودخل الكويت مسرح الطفل من خلال ثلاث منافذ.. المنفذ الأول : فكرة – والإيمان بها – من خلال السيدة عواطف البدر – عاندت الواقع وألقت بمجازفة فنية وعضد فكرتها المرحوم صقر الرشود ونفذ الحلم معها المخرج منصور المنصور.. وكانت التجربة أبرأ من براءة العصفور وكان معها الكاتب المسرحى والتليفزيونى محفوظ عبد الرحمن واستمرت 6 سنوات بنجاح أدبى ملموس.. والمنفذ الثانى : كان محاولة من جانب البعض لاجتياز التجربة الأولى حيث عصفت فى رؤوس البعض رغبة تقديم مسرحيات أطفال وللأسف كانوا أعضاء من المسرح الأم.. وركبت الموجة. والمنفذ الثالث : محاولة الربح التجارى بأى شكل لبعض الفرق الفنية التى تعانى من الاختصار حيث كانت إحدى أقدامها فى القبر الفنى والأخرى فى الإفلاس الفكرى حتى أن إحدى الفرق كسبت حوالى أربعين ألف دينار كويتى فى مسرحية أطفال وقالوا إنه مسرح البرق المادى..
وشمر تجار الفن عن ساعديهم يبحرون إلى سوق مسرح الطفل يبحثون عن نص مسرحى لمؤلف ما ابن حلال يأخذ 400 دينار ومخرج مذبوح الموهبة يأخذ 500 دينار ومؤلف موسيقى غلبان وبعض الأطفال وخلال أسبوعين تقدم مذبحة فكرية وفنية تحت اسم مسرحية للأطفال.
أما علاقة مسرح الأطفال فى الكويت ببقية الأقطار العربية. فقد قامت السيدة عواطف البدر ومؤسسة البدر ومسرح الطفل بخطوة (فردية) غير رسمية بتمثيل الكويت فى مهرجان مسرح الطفل الجماهيرية العربية الليبية وفازت الكويت بالجائزة الأولى.. وهذا النجاح غبن واختفت أيدى التدعيم وكأن ما يحدث لا يخص أحداً ومضت الفرقة لزرع السنابل فى حقل الفن وبدأت هجمة المسرحيات الكئيبة وموج الضحالة، ومع هذا كله لقد استفاد مسرح الطفل فى الكويت ورحبت الصحف الليبيبة بالتجربة الكويتية ورحبت الصحف البحرانية وقد كتب قاسم حداد مشيداً بالتجربة وقاسم حداد كاتب احترام رأيه عهد رجل له جذور فى نهر الإبداع العربى وتستعد الكويت (مسرح الطفل) بتقديم مسرحية سندريلا فى القاهرة والعراق.
هل هناك تجارب عربية فى مسرح الطفل سبقت الكويت ؟
· كما ذكرت لك فى السؤال الأول أن هناك تجربة حدثت فى مصر وتوقفت بعد النكسة وفى هذا العام قدم مسرح الطفل فى القاهرة مسرحية (العم جلجل) من بطولة بدر الدين جمجم ولكنها لا تحتوى على أى مفهوم فكرى أو تربوى. وأذكر هنا تجربة مسرح العرائس فى مصر التى قدمت للأطفال أشياء رائعة منها أوبريت " الليلة الكبيرة " وفى العراق قام الكاتب والمخرج المسرحى قاسم محمد الذي اعتز بتجاربه واحترمها مجموعة مسرحيات تستحق الدراسة والتقدير ، وفى الجماهير العربية الليبية كانت هناك تجربة عظيمة – توقفت فى السنوات الأخيرة وأصبح مسرح الطفل خاوياً.
أما فى البحرين فمسرح الأطفال يعتبر خطوة تحاول الالتصاق بتجربة مسرح الطفل فى الكويت.. أما مسرح الأطفال الذى تقدمه مؤسسة الانتاج البرامجى المشترك فلا تعليق عليه!!
ماذا يجب أن نقدم فى مسرح الطفل ؟
- أولاً : نخصص فى كل بلد عربى داراً مسرحية للعرض باسم مسرح الطفل وأن يكون مجهزاً بأحدث الوسائل التكنيكية.
- ثانياً : أن نفرغ عدداً من الممثلين الكبار وندرب مجموعة من الأطفال يتبعون هذا المسرح.
- ثالثاً : أن نخصص ميزانية كبرى لهذا المسرح حتى نستطيع الاستعانة بكبار الكتاب – بكبار الملحنين – بكبار الموزعين – بكبار مهندسى الديكور – بكبار المخرجين – بكبار مصممى الأزياء.
- رابعاً : تشكيل لجنة قراءة من الأقلام الشريفة والتى تمثل القوى الوطنية فى كل بلد عربى للمراقبة على النصوص حتى نضمن أن الأجيال القادمة لن تفرط فى شبر واحد من الأرض العربية ولن تخون نفسها مثلما فعلت أجيالناً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق