دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 226 )
دراسةبقلم د. إبراهيم طه - فلسطين
عن قصة قصيرة جداً جداً بعنوان(قلق)
للكاتب السيد حافظ
دراسة من كتاب
تمظهر التجديد في بنية السرد في القصة القصيرة
السيد حافظ نموذجا
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
دراسة
بقلم د. إبراهيم طه - فلسطين
عن قصة قصيرة جداً جداً بعنوان(قلق)
للكاتب السيد حافظ
تقسيم رباعي زمني : الأقصوصة تبدأ بالليل وتنتهي بالليل مما يجعل النص ذو دائرية، هذه الدائرية لها دلالة.
النص بكامله نص مختلق، الضمير مختلق، الراوي مختلق، هذا الوهم بأننا أمام قصّة واقعيّة حقيقيّة يجعلنا ملزمون بشكل أو بآخر بمعطيات النص. وكأنه يحاول إقناعنا بأن هذه الحالة" المأساويّة" تحدث معه كل يوم، ولكن نحن نعلم أن الضمير يوهم. نحن أمام طرفين: الذات والموضوع، الذات تعاني من الموضوع، الراوي يفقد الحاجة من خاصته الآدمية، هو لا يستطيع أن ينام. قسم من الأمور التي تزعجه تتصل بالطبيعة مثل الناموس وأيضا عوامل إنسانيّة، بشريّة مثل صوت الإنسان. البيئة التي يعاني منها هذا الراوي متشكلة من بيئتين : البيئة الطبيعيّة والبشرية.
الراوي بسؤال ذكي استطاع في النهاية أن يجرنا إلى جانبه، كأنه يحوّل النظر من المشكلة الحقيقية إلى أمر جانبي آخر.
لو نظرنا إلى الأمور التي تزعج الراوي بشقّيها البشري والطبيعي نجدها جزءا طبيعيا من الحياة. جزء لا يتجزأ من كياننا. لو أردنا أن نتعاطف مع هذا الراوي لا نستطيع تغيير حالة الطقس أو إيقاف العمال عن عملهم .
كل المصادر التي يطالب فيها الراوي بإلغاء الأمور التي تزعجه- هو يطالبنا بملائمة الواقع مع حاجاته الذاتية، والعكس ليس صحيحا، نحن لم نسمع كلمة واحدة عن تنازل من قبل الراوي. الرجل لم يطالب بشيء . هذا الرجل يبدو أنه لا يستطيع تقديم أي شيء. الرجل لا يجيد شيئا سوى الشكوى. الرجل هو ضحية نفسه وليس ضحية المجتمع، لأنه لا يمكن للإنسان أن يعطل نفسه بسبب الواقع البشري الذي يتلاءم معه. لا يعقل أن يعفي الراوي نفسه من المصالحة مع الواقع، غياب قدرته الذاتية للمصالحة مع الواقع. يريد كل شيء ولا يريد أن يدفع أي شيء. القصة تعالج قضية الفرد مقابل الكل أو المجتمع .
الرجل لا يستطيع أن يخلق من الواقع المر نقطة انطلاق، يبدو أن هذا هو الإنسان والإنسان المصري، ينتظر حتى يتغير كل ما حوله حتى ينطلق، هذا الموتيف تكرر في المرتبة المقعرة –قصة يوسف إدريس. الإنسان العربي يبدو من خلال هذه النصوص أنه في حالة انتظار، الموتيف واحد: إننا في حالة انتظار حتى حالة التغيير. الواقع لا يتغير بنفسه، الإنسان أمير الواقع . المشيئة الذاتية يجب أن تأخذ دورها في التغيير . هذا الرجل يشكو من كل شيء. عندما يسأل متحذلقا هل الابتسامة في زمننا جريمة ؟ هي ليست جريمة ولكنك أنت غيبتها. أنت لم تحاول صنعها .
إذا عدنا للعنوان قلق : كل مصادر القلق هي جزء من الحياة، هو نفسه مصدر للقلق بالنسبة للكاتب وبالنسبة إلينا.
العنوان لا يتحدث عن هذه الأمور التي يريد الكاتب أن يوهمنا أنها مقلقة ولكن هذا الإنسان هو بنفسه مصدر قلق .
هذا الرجل معطل حتى على مستوى الفعل الفيزيائي، وليس فقط على مستوى التفكير.
الراوي ذكي في قلب الصورة للوهلة الأولى . هذه الأمور القارئ يعاني منها وصلت به العلاقة إلى أن يعاني ممن نعتبرهم منتجين وهو مستهلك .
هذه الحيلة كادت أن تنطلي على بعضهم، أي نحن مطالبون بتغيير الواقع لينام هذا الرجل . كنا ندين أنفسنا إذا كنا نقبل القراءة السطحية. هذا التضليل مقصود ليكون القارئ منتجا وليس مستهلكا مثل هذا الرجل، أريد قارئا مثقفا منتجا لا تنطوي عليه هذه الحيل السخيفة .
أنت سبب اختفاء هذه الابتسامة. الكاتب ذكي، يريدنا أن نساهم في البحث عن هذه الدلالة ولا نفع في فخ هذا الرجل الشاكي، الباكي. يحاول إقناعنا في أن هناك وفرة في مصادر القلق.
هذه القصّة تثويرية من الدرجة الأولى :
التضليل : هو من العلامات، الملامح المتكررة لفن الأقصوصة القصيرة وبالتالي كان الهدف من هو من هذا التظليل تفعيل القارئ وتحويله إلى منتج لكي يتفاعل أكثر من النص . هناك محاولة بتضليل القارئ وتفعيله بعد عمليّة القراءة.
كثرة الشكوى والبكاء دون أي فعل تثير الحفيظة. الكاتب يقول يكفينا شكوى نحن أمام واقع، الكاتب ملّ من هذه الشكوى .
مبنى النص : ينقسم إلى خمس فقرات زمنيّة نبدأ بالليل مرورا بالفجر فالصباح فالظهيرة، انتهاءً بالغروب لنعود مرة أخرى لنقطة البدء ليصير هذا التقسيم الخماسي أساسا للمبنى الدائري .
المبنى الدائري له دلالات كثيرة منها :
1- عبثيّة النص، الدائرة بحد ذاتها بخلاف أي مجسم يقوم على أضلاع، ليس لها نقطة بداية محددة أو نهاية محددة. تبدأ في أي موضع وتنتهي بأي موضع. يجوز لنا أن نبدأ من حيث نريد .هذه الحلقة المفرغة ليس لها مخرج، المخرج فيك أنت وليس في هذا الواقع .
2- التقسيم زمني لخلق إحساس بالشموليّة، وكأنه يقول هذه الحالة ليست مقصودة في الصباح، لم يبدأ بتقسيم جغرافي، إنما بتقسيم زماني، الزمن فوق المكان ؟ الزمان شامل للمكان . خلق هذا الإحساس في شموليّة المبنى.
3- الأنا في المركز : هذا ما يسمى بعملية التبئير: التبئير من خلال نظرته البؤرية الذاتية، كأن الراوي هو الذي استحوذ على الواقع من منظاره هو، الراوي يستحوذ على بؤرة النص وهو الذي يقرر ماذا نراه لذلك يجيز كل شيء وفقا لصالحه.
4- النص يوهم بأنه متطوع، ولكنه مختوم، الإيهام بالقطع بكلمة ثمّ- هو مختوم من خلال السؤال الأخير وكل محاولة لفتح النص وقطعه من خلال كلمة ثم... هذه محاولة تضليليّة أخرى لكي يوهمنا بأن هناك أمور أخرى. كأنه يريد إقناعنا بأن الواقع مليء بمصادر القلق .من بدايته حتى نهايته هو شكوى واحدة.
5- القضيّة التي ذكرت – النص تثويري في قدرته على توجيه شحنة الغضب إلى الراوي وليس إلى الواقع بشقّيه. قدرة النص على التثوير من خلال تأليب الواقع.
تجمع كل هذه التقنيات لتشكيل مبنى يكاد يكون متكررا. النص مغلق ومختوم كما نجد في قصة فراء، ولكن التقسيم في قصة فراء هو تقسيم للشخصيات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق