دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(209 )
حول أعمال الكاتب السيد حافظ
مسرحية سندريلا
بقلم الدكتورة / نرمين يوسف إبراهيم الحوطى
مسرحية سندريلا
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
حول أعمال الكاتب السيد حافظ*
بقلم الدكتورة / نرمين يوسف إبراهيم الحوطى
كانت سندريلا من الموضوعات أو المضامين التي لاقت قبولاً كبيرا عند كل أطفال العالم ، سواء كانت قصة منشورة ، أو مسرحية معروضة ، أو فيلما سينمائيا ، ففيها من الخيال المثير مما يشبع نهم الأطفال من خلال المفاجآت التي ينقلب أو تتقلب بها الحال بسندريلا من وضع إلى آخر ، بحيث تنتصر الشخصية التي يكاد الأطفال يتوحدون معها تماما . ومن هنا أقبل معظم كتاب العالم لتوظيف هذه التيمة من زوايا تناسب أطفالهم ، خاصة فيما يتصل بانتصار الحب على الظلم والقهر والتعسف ، ونظرا لأن التيمة أو الحدوتة معروفة للجميع حتى إذا ما قدمت كعرض باليه لا يستخدم الكلمات ، فإن هذه القدرة المعنوية والحركية تتيح المجال لكل من المؤلف المسرحي والكاتب المسرحي لكي يقدما منظوراً محليا يسمح للأطفال بالتوحد العاطفي مع سندريلا إلى أكبر حد ممكن .
ولا شك أن الجانب التربوي في المسرحية ، جانب واضح ومتبلور وممتع ومثير، وبعيد في الوقت نفسه عن أي إرشاد أو تعليم مباشر للأطفال الذين يتابعون ويشعرون بأن للظلم نهاية لابد أن تأتي ، حتى تتوازن الأمور ويصبح للعدل اليد العليا . وقد استلهمت معظم المسرحيات من القصة الخيالية "Fairytale " والتي كتبها الأديب الفرنسي بيرو " Perrault " والتي كانت من الجاذبية بحيث تحولت أيضا إلى أوبرا من تأليف الموسيقار الإيطالي روسيتي التي قدمت في روما عام 1817م، وكتب كلماتها المستوحاة من القصة " ج فيريتى " ، كما تحولت إلى أوبرا أخرى للموسيقار الفرنسي " ماسينيه " وعرضت في باريس عام 1899م، وكتب كلماتها الشاعر " لين " الذي قال إن القصة تحمل كل مقومات الإثارة والغناء ، وفي عام 1900م اشترك الموسيقيان وولف وفيرارى في تأليف أوبرا، وعرضت في البندقية تحت اسم " سينيرن تولاوفي " عام 1945م كتب الموسيقار السوفيتي " بروكو فييف " باليه سندريلا الذي جمع بين الأغنية والحركة الراقصة وقدمت في موسكو تحت عنوان " فتاة الرماد " ، وهذا اللقب هو أدق المعاني المستوحاة من الكلمة سندريلا ، كما قال الإيطاليون أن كلمة سندريلا تعني " المكنسة " في اللغة الإيطالية القديمة ، وبصرف النظر عن حقيقة هذه المسميات فهي مرتبطة بشخصية سندريلا التي كانت تعمل مجرد خادمة في بيت زوجة أبيها ، وبالتالي فإن صفة الرماد مناسبة كما تدل عليها لأن وجهها ملطخ بالرماد أو الصناج لوقوفها كثيرا أمام الموقد ، وأيضا فإن كلمة المكنسة تناسبها لأن وظيفتها في البيت لم تكن تتعدى سوى الطهي والتنظيف[1] .
ومن هنا كانت قدرة القصة الخيالية أو الأسطورية على إلهام مختلف الكُتّاب والفنانين بزوايا ورؤى جديدة يمكن أن تكون محلية ، برغم أن الأطفال قد يعلمون أن المصدر أجنبي. وتكمن الإشارة في قصة سندريلا في انقلاب حالها انقلابا يكاد يصل إلى 180 درجة ، صحيح أنه تحول ليس واقعيا – وهذه سِمة الأساطير – لكن الأطفال لا يهتمون كثيرا بالواقع لأن الخيال هو أكثر متعة وإثارة لهم ، وإن كان بروكو فييف ، قد تأثر بالمفهوم الإشتراكي وركز في الباليه على أن الطبقة الكادحة التي تمثلها سندريلا لابد أن تنتصر في النهاية على المتطفلين والعاطلين بالوراثة ، ولذلك حرص مصمم الباليه عندما عرضت لأول مرة في موسكو عام 1945م على أن تكون الساحرة بملابس الطبقة الكادحة أو العمالية التي سوف تنتصر في نهاية الباليه ، وهذا يدل على قابلية التيمة لمختلف الصياغات المسرحية والأوبرالية وكذلك الباليه بل أنها لم تقتصر على الأطفال بل أن الكبار يستمتعون بها أيضاً .
وقد استلهم الكاتب المصري السيد حافظ تيمة سندريلا في مسرحيته التي عرضت بالكويت عام 1984م على مسرح المعاهد الفنية وأخرجها منصور المنصور[2] وقدمتها مؤسسة البدر للإنتاج والتوزيع الفني لمسرح الطفل .
والكاتب يعالج قضية أزلية لا تزال تجد صدىً قوياً وعميقاً عند الجمهور العربي بصفة خاصة ، وهي قضية الخير والشر من خلال شخصية سندريلا الفتاة اليتيمة الطيبة والمتواضعة التي تمثل جانب الخير ، في مواجهة هنود زوجة الأب الشريرة ، و بينهما تتحرك الشخصيات الأخرى لتبلور الجوانب المختلفة لهذا الصراع بين الخير والشر . والمسرحية من حيث البناء الدرامي تقع في فصلين :
الأول : يقدم الكاتب فيه بانوراما لشكل الحياة اليومية التي تحياها سندريلا وزوجة الأب مع ابنتيها، مع التركيز الحواري والحركي على التفرقة الكبيرة بين سندريلا وبين ابنتي زوجة الأب ، ونظرا لأن المسرحية مقدمة أساسا للأطفال فإن السيد حافظ يقدم الحيوانات الأليفة مثل الأرنب فرفور والقط مسرور والكلب سنور كشخصيات أليفة متعاطفة مع البطلة لدرجة أنها تساعدها في أعمال المنزل الشاقة ، ولكن بعيدا عن عيني زوجة الأب تجنباً للمتاعب التي يمكن أن تحدث لو اكتشفت كم هم يحبونها :
الأرنب فرفور : يا زهور البساتين
القط مسرور : قولوا لعين الشمس ماتحماشي
الكلب سنور : أحسن زينة البنات
الأرنب فرفور : سندريلا
الكلب سنور : صابحة مشاية
سندريلا : تظهر على المسرح وهى تبكى يا فرفور
الأرنب فرفور : أبى أخدمك
سندريلا : يا مسرور
القط مسرور : نفسي أساعدك
سندريلا : يا سنور
الكلب سنور : الإنسان يتعب الإنسان
القط مسرور : يا ريت الإنسان يحب
الأرنب فرفور : ويخدم الإنسان
سندريلا : وأنا .. أنا مين معاي
القط والكلب والأرنب : إحنا معاك
هنود : شنوه .. شنوه .. شنوه
الجميع : عمتي
هنود : سمعتك يا فرفور.. بذبحك.. بأكلك
الأرنب فرفور : الأول تحول
هنود : و أنت يا سنور .. برميك في الشارع
الكلب سنور : الله موجود
هنود : أبعدو عنها
القط مسرور والكلب سنور والأرنب فرفور : لا .. لا
هنود : يا ما نفسي آكل الأرنب وأسلخ رجلين القطة وأقطع ذيل الكلب
سندريلا : أرجوك .. أرجوك .. يمه
هنود : أنا مو أمك
سندريلا : أبوس أيديك ( تتقدم حتى تبوس يدها )
هنود : أبعدي عن أيدي شوية ( تدفعها بعيدا) (تمسك عصا وتضرب الكلب والقط والأرنب).
ويبدو أن استخدام أو توظيف السيد حافظ لهذه الحيوانات يمكن أن يكون تجسيدا لفكرة أن الحب هو جوهر الطبيعة ، سواء أكانت طبيعة بشرية أم طبيعية حيوانية، بل إن المفارقة تبدو صارخة عندما تعطف الحيوانات على البطلة في حين أن البشر من أمثالها لا يكنون لها سوى الحقد والكره والقهر .
ويمتد الحدث لكي يشمل قصر الأمير الذي يرى حياته خاوية ، وينصحه الوزير بالزواج ويوافق ويعلن الخبر في أرجاء البلاد ، وتستعد كل من تراودها نفسها بالفوز بلقب "زوجة الأمير " .
ولتأكيد البانوراما التي تدور أمامنا أو فيها أحداث الفصل الأول فقد حرص المؤلف ومعه مهندس الديكور مصطفى عبد الوهاب على تقسيم خشبة المسرح إلى ثلاث مستويات : المستوى الأول ويستعرض حياة سندريلا وتفصيلات الواقع التي تعيشه مثل البدروم التي تعيش فيه ، والشارع الذي تقابل فيه الساحرة وحوار الحيوانات وتعليقاتهم على الأحداث بكل تفاصيلها الموحية . وقد خصص المستوى الثاني لبيت سندريلا ومن معها وهذا يبلور الجوانب المختلفة للحياة التي تعيشها سندريلا ، أما المستوى الثالث فهو أعلى مستوى ، جعله مكانا يتغير ما بين السوق وقصر الأمير.
من هذه المستويات الثلاثة يرتبط الطفل المُشاهد بالجو العام الذي يحيط بسندريلا ، بل يوحى بالتوقعات التي يمكن أن تحدث في المستقبل ، وفي الفصل الثاني خاصة فيما يتصل باللقاء بين سندريلا والأمير وهذا الديكور الفني الخصب والموحي دليل مادي ملموس على التقدم الفني الذي استطاع المسرح الكويتي أن ينجزه في مرحلة ما قبل الغزو العراقي ، فلم تبخل المنتجة عواطف البدر بالصرف الباذخ على إنتاج مسرحياتها بحيث استخدمت تقنيات متقدمة جدا لم تعرفها سوى المسارح ذات التاريخ العريق في الدول الأوروبية.
وهذه الطفرة المسرحية كانت لها سابقة في مسرحية " ألف – با – تا " للكاتب خالد الخشان عام 1980م ، وهي العرض الذي امتزج فيه الحركة المسرحية مع الأحداث التي تدور على شاشة السينما في خلفية المنصة ، كما تم بناء ديكور نصفي للطائرة التي هبطت اضطرارياً في الجزيرة .
ولا شك أن هذه نفقات باهظة لكنها كانت تشكل في ذلك الوقت نقطة انطلاقة قوية لمسرح فقير كان يمكن أن تترسخ دعائمه وتسترسخ آفاق جديدة لولا كارثة الغزو العراقي التي أجهضت الحركة سواء على المستوى الفكري أو على المستوى الفني .
وقبل نهاية الفصل الأول تدور الأحداث في قصر الأمير لإثارة التوقعات بالنسبة للأطفال المشاهدين فيما يتصل بنوعية العلاقة التي يمكن أن تؤدي إلى زواج الأمير من سندريلا ، حيث حياة الأمير خاوية وفارغة بحيث ينصحه الوزير بالزواج حتى يعيش هانئا عندما يجد الفتاة التي يحبها ويتزوجها وتسعده في الوقت نفسه .
الوزير : مولاي .. الأمير
الأمير : نعم
الوزير : اشفيك يا مولاي
الأمير : متضايق
الوزير : أقص لك قصة
الأمير : قصة شنهو
الوزير : كان يا ما كان
الأمير : عارف كل القصص اللي بتقولها .. يا وزير
الوزير : يا مولاي .. كان فيه تمساح
الأمير : ما بلا قصص
الوزير : اسمع أغاني
الأمير : أبى أسمع أغاني الناس .. كل الناس .. أبيها تغني .
الوزير : نعمل حفلة يا مولاي
الأمير : ونعزم كل الناس
الوزير : تزوج يا مولاي
الأمير : أنا أتزوج ( يضحك )
الوزير : إيه يا مولاي .. أنت عندك عشرين سنة ولازم تتزوج ، وقدامك الحياة الجميلة .
الأمير : من أتزوج
الوزير : بنت سلطان البحار السبعة
الأمير : لا
الوزير : طيب بنت ملك النجوم الخضراء
الأمير : لا
وكما يحدث في الأساطير فإن الخبر يعلن في أرجاء البلاد ، مما يثير طموحات وخيالات الفتيات اللاتي بِتن يحلمن بالزواج من الأمير والعيش الساحر في قصره، خاصة فهيمه ولئيمة ابنتا زوجة الأب ، وإن كان السيد حافظ شوّه صورتيهما حتى لا يمكن أن يحدث أي توحد بينهما وبين الأطفال المشاهدين . ولذلك لجأ إلى فهيمه فبدت سمينة وقبيحة ، في حين بدت لئيمة نحيفة وقصيرة وأنفها كبير ، وقد تم رفض تسمية شخصية " لئيمة " لأنه حتى لو كانت الشخصية لئيمة فمن الصعب تعريفها بهذا الاسم، لكن المسرحية مكتوبة للأطفال ، وبالتالي فإن السخرية الكاريكاتيرية بتسميتها لئيمة مقصودة حتى يتلقى الأطفال انطباعا سريعا عن حقيقة هذه الشخصية من خلال اسمها ، كما أن القبح الذي تعاني منه فهيمه ولئيمة يمكن أن يطمئن الأطفال المشاهدين من أن الأمير لا يمكن أن يتزوج واحدة منهما ، لكن الإثارة تنبع من إصرارهما على التمهيد للزواج من إحداهما ، وهذا أمر طبيعي لأنه قل أن توجد الفتاة القبيحة التي تعترف بالفعل بأنها كذلك .
ومن المشاهد الموحية في الفصل الأول ذلك المشهد الذي نرى فيه سندريلا تتجول في السوق لشراء احتياجات المنزل وكانت زوجة الأب قد أعطتها نقود لا تكفي حتى تسبب لها متاعب وإذلال في السوق ، عندما لا يكفي المبلغ شراء المطلوب ، وتزداد المشكلة عندما تفقد سندريلا النقود حيث يلتقطها طفل عابر ويخفيها في ملابسه رغم علمه بصاحبتها ، ولكن هكذا سولت له نفسه وهذا خطأ كبير في مفهوم المُشاهد الذي يستنكر ذلك ولكنه ينتظر أيضا ما سوف يحدث .
والكاتب يخلق مع الحدث نوعا من التشويق الذي ينطوي دائما على العواطف والتخيل لما سوف يحدث .
" وإذا أردنا استيعاب قيم العمل الفني فلا بد أن نرى كيف يعمل الفنان طوال ممارسته لنشاطه على تطوير الصورة الخيالية [3] "
يتأزم الموقف وتزداد معاناة سندريلا ، ومع تصاعد الحدث إلى القمة حيث الحل في أحد أمرين حتما ، الانفجار أو الانفراج ، وفي مثل هذه الحالة مسرح الطفل يكون مع الحل الثاني " الانفراج " بظهور شيخ السوق الذي يحقق ذلك ، بعد علمه بضياع النقود ، ويملأ سلتها بكل الاحتياجات من البائعين بعد علمهم من يكون والدها " عبد الله الأمين " ، وهي صفة للرجل حارس السوق قبل وفاته :
سندريلا : الفلوس ضاعت .. مني ضاعت مني ,, يا ربي شسوي ألحين شسوي.. ما أقدر أروح البيت . ( تنظر هنا وهناك ) الفلوس ضاعت .. يعني .. يعني .. يعني من أخذها .. يعني .. يعني .. يا ربي شسوي .. لو رحت البيت ألحين .. مرت أبوي تضربني .. ترميني في المطبخ بالظلمة.
"ظهور شيخ السوق "
شيخ السوق: هاتى يا بنتي أيدك .. هاتى الفلوس
سندريلا : الفلوس ضاعت مني
شيخ السوق: أنت .. وأنت .. وأنت وياه يمر على البائعين "هات تفاح " .. هات طماطم .. هات
بطاطس ..هات فاصوليا .. كل واحد فيكم يعطي سندريلا .. هذه بنت المرحوم
عبد الله الأمين .
الكلب سنور : أبوها كان .., أمين
القط مسرور : أبوها كان معين
الأرنب فرفور: لكل الناس كان أمين ومعين
شيخ السوق: نعم أبوها عبد الله الأمين
بائع (1) : خذ يا شيخ السوق
بائع (2) : كل يوم خذ من هذا
بائع (3) : كان أبوها حارس السوق
القط مسرور : أبوها كان أمين
الجميع : خذي يا سندريلا يا بنت الأمين .. لأن أبوك كان أمين .
الأرنب والكلب و القط : لكل الناس كان أمين ومعين .
الطفل : ( الذي أخذ النقود ) خذي يا سندريلا .
القط والكلب الأرنب : لقيت الفلوس وين؟
الطفل : لقيتها طايحة هناك
الجميع : أنت ولد أمين
الطفل : أبوها عبد الله الأمين
في هذا الموقف تتجسد صفة جديدة هي عكس الخيانة والأمانة ، وهى إحدى السلوكيات الحميدة التي ينشأ عليها الطفل السوي ليشب رجلا يعتمد عليه في المستقبل في حمل الأمانة التي كانت تنتجها في هذا الموقف إنقاذ الموقف من مأزق معقد ويزيد برد ما فقدته وتلقين الطفل درسا وانتشاله من بداية مرفوضة نهايتها ضياع . هذه الصورة تتضح من مجموعة أفعال يتولد منها الجزاء الذي يتقبله المشاهد
وهو ما كان يتمناه لهذه الفتاة الرقيقة التي وقع عليها الظلم.
إن الكاتب يعمل على خلق الموقف الناتج من حدث غير سوي ويعقده لمستوى يصعب التكهن بنتيجته الذي ينتظرها المشاهد ويأمل تحقيقها لكي يبرز الكلمة السحرية التي تمحو هذا التعقيد حتى يمجدها الطفل ، ويفهم قدرها ، فيختزنها بمفهومها وهي "الأمانة " . كلمة تحقق الحل للمشكلة .
" إن كلا من فرويد وآدلر يعتبران الطفل شريراً بطبعه وأنه لابد من إصلاحه وجعله طيب بالإجبار الخارجي أو على الأقل أن تتيح له منفذا يخرج منه رداءته"[4] .
ثم الفصل الثاني الذي يكون امتداداً لنهاية الفصل الأول وانتشار الخير ، والاستعداد لهذه الحفلة من الجميع فيما عدا سندريلا ، التي تزاول عملها الشاق في السوق ، بينما زوجة الأب تنتهي من اللمسات الأخيرة بتجميل الابنتين ، عسى أن تفوز إحداهما بشرف الزواج من الأمير . ويتطور الحدث بلقاء سندريلا بالمنقذ "أم الخير" التي تختبر آدميتها في الحصول على بعض الطعام الذي يخص امرأة الأب . فلا تتردد سندريلا لحظة واحدة في أن تمنحها ما يسد جوعها، برغم أن هذا سوف يسبب لها متاعب مع زوجة أبيها . وعندما تبدى أم الخير خوفها من ذلك فإن سندريلا تخبرها بأنها سوف تكذب عليها ، لكن الكاتب يؤكد هنا قيمة تربوية وأخلاقية على لسان أم الخير التي تنهيها عن الكذب وتصر على أن تقول الحقيقة :
أم الخير : جعانة..عطشانة.. أعطيني ما أعطاك الله
سندريلا : معايا خبز وجبنة وطماطم وتفاح ( تقدم لها سندريلا الطعام)
أم الخير : يا لله من ما الله ..هذا من له ؟
سندريلا : هذا أكلنا
أم الخير : أكل أبوك؟
سندريلا : أبوي مات
أم الخير : أكل أمك؟
سندريلا : أمي ماتت
أم الخير : أنت يتيمة؟
سندريلا : إيه..نعم
أم الخير : (وهى تأكل) عيل من أكله ؟
سندريلا : أكل مُرت أبوي هنود و أخواتي البنات
أم الخير : خواتك مين هم؟
سندريلا : فهيمة ولئيمة
أم الخير : شتقولين لهم الأكل وين راح لما يسألونك عليه
سندريلا : أقول لهم أنه ضاع مني في السوق .. في زحمة المنادي ولمة الناس .. ضاعت الفلوس مني في زحمة السوق.
أم الخير : لا يا سندريلا الكذب حرام
ونظرا لأن الغاية في الخير هي من جنس الوسيلة ، فلا يمكن صنع الخير بوسيلة غير أخلاقية (الكذب).
"الحوار هو الذي يخلق المواقف ، ويطور الشخصيات ويحدد مسار الأحداث ويرتفع بها إلي ذروة التعقيد . ويهبط معها حتى النهاية " [5]
وهذا ما تحقق في أكثر من موقف سواء بين سندريلا وكل من البائعين في السوق ، ثم هنود وابنتيها ، وهنود والحيوانات ، حيث كان الحوار خالقاً لتلك المواقف وتأزيمها وحلها . ومن خلال الحوار تزف أم الخير سندريلا استعدادها لمساعدتها في أي وقت ، وما عليها سوى مناداتها وسوف تتواجد في التو واللحظة للوقوف معها . ومن الواضح أن شخصية أم الخير في هذا العرض أكثر واقعية من شخصية الساحرة في القصة ، والتي تأتي بدون مقدمات لولا بكاء سندريلا المرير على حالة البؤس التي وصلت إليها .
وبعد هذه البانوراما المشوقة التي تعرض الجوانب والتفاصيل المختلفة التي تحيط بحياة سندريلا ، يحصل الأطفال المشاهدين على هذا الجو الذي يتشربونه في معايشة حميمة من الأحداث التي تمر بها سندريلا ، والاحتمالات التي يمكن أن تقع في الفصل الثاني ، حيث نجد أن المأساة تصل قمتها عندما تستعد الأختان لحضور الحفل وقد اهتمتا في تجميل نفسيهما وتسخير سندريلا في إحضار كل مستلزمات هذا التجميل وكأنها نحلة لابد أن تجري أو تطير بينهما دون أي توقف لالتقاط الأنفاس.
لكن الأحداث لا تتوقف بالنسبة لسندريلا عند هذا الحد إذ يبدأ دور أم الخير في تطور الأحداث ، حيث كانت سندريلا قد طلبت من زوجة أبيها اصطحابها معهم إلى الحفل بعد أن أدت واجبها على خير وجه ، خاصة في مساعدة الابنتين في أعمال الزينة والتجميل ، وكان من الطبيعي أن ترفض زوجة الأب لأن سندريلا لم تكن في نظرها سوى خادمة ، وتبقى سندريلا وحيدة في البيت في حين يذهب الجميع لحضور الحفل ، وتعاني الفتاة من قهر وذل ووحدة قاتلة لا يخفف عنها سوى الدور الإنساني الرقيق الذي تنهض به الحيوانات في التخفيف من محنتها . ولكي تخرج سندريلا من ذروة إحساسها بالإحباط واليأس والمرارة ، تتذكر أم الخير التي كانت قد وعدتها بمساعدتها إذا ما فكرت في دعوتها ، ولم تكن الفتاة واثقة تماما من حضور أم الخير بهذه الطريقة ولكن لا بأس من المحاولة .
وبالفعل تكون أم الخير عند وعدها فتتجسد أمامها وتحقق لها الأمنية التي بدت مستحيلة في أول الأمر ، وذلك بإمدادها بكل متطلبات الحفل ، وبالفعل تسارع سندريلا بالمشاركة في الحفل على أن تعود مرة ثانية إلى المنزل قبل الساعة الثانية عشر طبقا للوعد الذي أعطته لأم الخير . وتصل سندريلا إلى الحفل في اللحظة الأخيرة حين يكون اليأس قد تملك الأمير لأنه لم يجد ضالته بين الفتيات التي حضرن إلى الحفل . وفي لحظة كالسحر يلتقي الأمير بسندريلا ، حيث يبهر بها ، ولكن الوقت قد أوشك أن يقترب من الساعة المحددة فتترك سندريلا المكان إلى البيت وفاء بالوعد ، بعد أن سقط فردة حذائها والأمير في ذهول من ذلك الحدث لا يكاد يصدق ما دار حوله . وهذا المشهد مطابق تماما للمشهد المشهور الذي ورد في القصة الأصلية .
وتبدأ محاولات الأمير المستميتة في البحث عن صاحبة الحذاء . وينتشر الحرس في كل أرجاء الإمارة بحثا عن بيت سندريلا التي تنكر زوجة الأب وجودها بعد فشل ابنتيها في تجربة ارتداء الحذاء . ولكن القدر يلعب دوره ، ويحدث مواجهة بين سندريلا والحرس ، ويتم التطابق بين الحذاء وقدمها لتنتهي الحكاية التي يتخللها الكثير من الدروس والنصائح ، تتناسب مع السن العمري للمشاهد ، كي تصله مغلفة بشكل جميل وحوار بسيط وموقف معاش . تنتهي الحكاية بلقاء الأمير وسندريلا وينتصر الخير. والكاتب من خلال هذه الحكاية التي مسرحها واستلهم شخصيات بعيدة عن الإنسان محببة للمشاهد وأجرى الحوار على ألسنتها يرسم رؤية مع المخرج بوضع الكثير من القيم الأخلاقية والتربوية التي يجب على الأطفال المشاهدين التشبع بها فكرا وسلوكا . وفي هذا يقول هادى نعمان الهيتي :
" إن مسرحية الطفل يمكن أن تتوخى أكثر من هدف واحد في آن واحد ، ولكنها قد ترتكز على هدف معين بشكل قوي يفوق في تركيزها عن بقية الأهداف "[6] .
وقد بدا انتصار الخير مقنعا على المستوى الواقعي لأن سندريلا سبقت أم الخير في فعل الخير . والقيمة التربوية تؤكد أن فعل الخير لا يمكن أن يذهب هدرا " لأن من يفعل الخير لا يعدم جوازيه " ، وبالتالي كان لابد أن ترد أم الخير سندريلا ما قدمته من خير سابق ، في حين الساحرة في القصة الأصلية كافأت سندريلا لمجرد بكاءها المرير لعجزها عن عدم حضور الحفل . ولا شك أن ظهور شخصيات الحيوانات التي قام بها ممثلون ارتدوا الأقنعة والملابس الخاصة بذلك يضيف جوا أسطوريا محببا لدى الأطفال عندما يرون الأرنب فرفور والقط مسرور والكلب سنور يحيطون سندريلا بكل الحب والحنان الذي لم تحصل عليه من بني البشر الممثلين في زوجة أبيها وابنتيها .
ولعل من أسباب الحقد على سندريلا أنها كانت جميلة وجذابة برغم كل البؤس الذي تعاني منه ، مما يدل على أن الله سبحانه وتعالى يوزع الأرزاق بين البشر بطرق لا يدركها العقل البشرى . فقد كان جمال سندريلا سلاحها الذي جذبت به الأمير إليها دون أن تتصنع أي محاولات فاشلة مثل تلك التي قامت بها كل من فهيمة ولئيمة . ولتدعيم العلاقة الحميمة بين العرض والمشاهدين قامت الحيوانات نفسها بالتعليق على شخصية سندريلا بقولها :
الكلب سنور : كان فيه بنت .
القط مسرور : جميلة .
الكلب سنور : بنت .
الأرنب فرفور : مسكينة .
الكلب سنور : فقيرة .
الجميع : بنت .. جميلة .. مسكينة اسمها سندريلا ( يبدأ الغناء )
( ثم يفاجأ المشاهدين بزوجة الأب هنود وهي تصيح )
هنود : سندريلا .. يا سندريلا .. وبن راحت ها الكسلانة ؟
كما تلعب الأغاني الجماعية دورا مثيرا وممتعا يساعد الحوار على كشف أبعاد الشخصية من خلال الإيقاع والحركة . ولكن الأغنية الراقصة لا تلعب نفس الدور الكبير الذي لعبته من قبل في مسرحية " ألف- با – تا " وإن كان دورها في هذا العرض ملحوظا برغم مساحته الصغيرة .فنحن نعرف من الحيوانات الجوانب المهمة للشخصيات بحيث عندما يظهر على خشبة المسرح يكون الأطفال قد ألموا بطبيعة الشخصيات وأخلاقياتها والتوقعات التي يمكن أن تترتب على الأحداث المتتالية . وقد قامت الإضاءة بدور حيوي في تجسيد النص بحيث قالت ما لم يقله الحوار و الأغاني أو الحركة .وهذا يدل على وعي المخرج منصور المنصور في توظيف كل أدوات العرض المسرحي .ذلك أن تغيير الإضاءة المتلاعب بالسطوع والتعتيم في مناطق مختلفة على المنصة قد لعبت دورا حيويا في جذب انتباه الأطفال إلى نقاط حيوية سواء في النص أو العرض . وهذا يدل مرة أخرى على مدى الإنجازات الفنية التي حققها المسرح الكويتي في مرحلة ما قبل الغزو العراقي . ذلك أن العرض يجمع الحوار ذي الإيقاع السريع الذي لا تزيد فيه الجملة على عدة كلمات تتراوح بين الكلمة الواحدة وكلمات قليلة لكنها موحية ، فنجد في الحوار القائم بين الثلاثي كل منهن له مطلب والفتاة لا تملك إلا أن تجيب "حاضرا لثلاثتهم ولا تتوقف :
" هاتي مشط .. هاتي حذائي .. اغسلي .. فستاني .. نظفي . حذائي .. اطبخي .. امسحي .. أبي أفطر .. أبي دبوس .. سوى لحمة مشوية .. بطاطا مقلية .. شوربة خضار .. نظفي الأشجار .. هاتي الأزهار .. هاتي الخيار .. وحاضر هي الإجابة .. وكلمة " صار "
ونفس المنطق يتحقق على تغيير المشاهد وتوظيف الأغاني والرقصات والألحان السلسلة التي تساعد الأطفال على التقاط القيم التربوية والأخلاقية التي يجسدها العرض وذلك من خلال إثارة خيال الطفل وعواطفه نتيجة التشويق .
ويبدو أن السيد حافظ قد اهتم إلى حد كبير بعنصر الوراثة . ذلك لأن الابنتين تشبهان إلى حد كبير أمهما في الأنانية والانتهازية والاستغلال والحقد ، وبالتالي كان سلوكهما متناغما إلى حد كبير مع شخصية الأم . أما أبو سندريلا فقد كانت أخلاقياته تشبه إلى حد كبير ابنته سندريلا ، وهي المعلومات التي يحصل عليها الأطفال من الحوارات أو الأغاني التي تدور بين الحيوانات أو الباعة أو شيخ السوق ، والتي كانت تتركز في معنى أساسي يصفها بأنها " ابنة الأمين " . ونظرا لأن هذه الأمانة كانت لابد أن تكافأ فكان من الطبيعي أن تتزوج سندريلا من الأمير . ذلك أن المبدأ الأخلاقي الذي ينهض عليه مسرح الطفل بصفة عامة ضرورة معاقبة الشر ومكافأة الخير ، لكن لابد أن تتجسد هذه القيمة في إبداع فني مثير . أو كما يقول بيركللي:
" هي إدراك تأثير سلوكنا وأفعالنا ، وهي ما يتحقق بإيجاد قواعد تعمل بموجبها . أو بإثارة مشاعر وأهواء وانفعالات في نفوسنا "[7] .
وبرغم أن سندريلا هي أخت فهيمة ولئيمة إلا أن معاملتهما لها أسوأ من معاملة الخادمة التقليدية التي لا تمت لها بصلة قرابة . وهذا التيار النفسي أو الدرامي في النص يكشف عن حدة الصراع الدرامي وتأثيره في داخل الطفل المتلقي ، ذلك أن الإنسان القوي ذو القيم الأخلاقية المتهافته ، إذا ما وجد فرصة السيطرة والتجول على الإنسان الضعيف فإنه لا يتوانى في انتهازها ، لكنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ، بحيث ينتصر ما كنا نظنه ضعيفا على الذي تثور أنه قوي وجبار طوال العرض .
وكان من المفارقات الساخرة في المسرحية أن الحيوانات جسدت القيم الإنسانية الرفيعة ، في حين جسد البشر المتمثلين في شخصية زوجة الأب وابنتيها الغرائز الحيوانية التي لا تعرف سوى الجشع والأنانية وانتهاك كيان الآخرين دون رادع:
ومن خلال الحوار بين الحيوانات وهنود تتصاعد هذه المفارقة بين الحيوان ذي الطبيعة الخيرة والإنسان ذي الطبيعة السيئة .
" فالحوار هو الذي يخلق المواقف ، ويطور الشخصيات ، ويحدد مسار الأحداث ، ويرتفع بها إلى ذروة التعقيد، ويهبط معها حتى النهاية "[8] .
والعرض لم يختلف عن النص كثيرا حيث تم إعداده من خلال الفنانة عواطف البدر ، بما يتلاءم مع الواقع المسرحي ، وذلك بتحويل مشهد الحلم إلى حقيقة واقعة وإتمام زواج الأمير وسندريلا في احتفالية شعبية . وقد أضاف المخرج من رؤيته الفنية للعرض مفردات لإثراء الشكل ، وشد انتباه المشاهد " الطفل" لمتابعة كل ما يدور أمامه وبين يديه ، ويقول نبيل راغب في كتابه " في العرض المسرحي " :
إن الهدف الاستراتيجي من كل عرض مسرحي هو تحويل النص المسرحي إلى منظومة متناغمة من المؤثرات المرئية والصوتية التي تحتوي المشاهد وتثير تأملاته وانفعالاته ، بحيث ، يمر بعمليات ممتعة من التطهير والتنوير التي لا تمنحه له الحياة اليومية بكل تعقيداتها واضطراباتها " [9].
وقد تمكن المخرج من إنهاء العرض بمنظومة شعبية من التراث والواقع الوطني في مجموعتي الموسيقي المشاركة في حفل الزفاف والنابعة من البيئة ، والمؤكدة لعراقة العادات التي تحافظ على التواصل بين الأجيال . وفي ذلك يقول إبراهيم زكي خورشيد في كتابه "الأغنية الشعبية والمسرح الغنائي":
"الأغاني الشعبية لها شأن عظيم في معرفة ثقافة الشعب ، والكشف عن شخصيته وروحه، وتفصح عن السلوك والمثل العليا التي يهدف إليها الشعب"[10].
وقد أعطيت النهاية هذا المفهوم ورسخته في نفس المشاهد الطفل الذي يتكشف أولى خطوات المعرفة والتزود بمفردات ثقافة بلده مع عاداتها وتقاليد بجانب السلوك والأخلاقيات التي أفرزتها الديانات السماوية .
المراجع :
* ضمن أطروحة الباحثة لنيل درجة الدكتوراه / المعهد العالي للنقد الفني - القاهرة - 2005 ، إشراف الدكتور نبيل راغب .
Arthies Jscobs : A New Dictionary of Music "London : Penguin Books . (1971 ) P.75 [1]]
[2] جريدة السياسة : " مقالة مسرح الطفل " - العدد 8955 – الكويت 24 / 10 / 1992 .
[3] نبيل راغب " موسوعة الإبداع الأدبي " الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان - القاهرة 1996 ، ص 257 .
[4] هيربرت ريد : " التربية عن طريق الفن " ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - الهيئة العامة للكتب والأجهزة العلمية - جامعة القاهرة 1971 ، ص 368 .
[5] نبيل راغب " دليل الناقد الأدبي " مكتبة غريب - القاهرة 1981 ، ص 71 .
[6] هادي نعمان إلهيتي : " أدب الأطفال " - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1986 ، ص 306 .
[7] نبيل راغب " موسوعة الإبداع الأدبي " الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان - القاهرة 1996 – ص 269.
[8] نبيل راغب : دليل الناقد الأدبي ص 71 .
[9] نبيل راغب : " فن العرض المسرحي " ص 79 .
[10] إبراهيم زكي خورشيد : " الأغنية الشعبية والمسرح الغنائي " الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1985 ، ص 15 .
0 التعليقات:
إرسال تعليق