دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 164)
الشاطر حسن
بقلم : فيصل السعد (الكويت)
دراسة من كتاب
التنوع الدلالى فى مسرح الطفل
ما بين التناص والتراث والإخراج
" الجزء الأول"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
الشاطر حسن
بقلم : فيصل السعد (الكويت)
جريدة : الرأي العام
19 سبتمبر 1984
الناقد الحقيقي لابد أن يأخذ بالحسبان بيئة الكاتب ومستوى مجتمعة وثقافة الآخرين التي ينتمي إليها، إذ لا يمكن أن يظهر كاتب يختلف اختلافا قاتلاً مشجعا على الانتحار عن مجتمعه وبيئته، وذلك عبر نتاجه الذي ينبع من عالم آخر. السيد حافظ كاتب مسرحية " الشاطر حسن " مهما أبدع فإنه لا يجتاز الدائرة العربية التي تفرش له ولهم ترابهم. إذ أنه ليس رومان رولان أو فراسواز ساغان أو سارتر. ثم أن الأستاذ أحمد عبد الحليم منذ سنوات طويلة وهو يحاضر في مجال المسرح، وتخرجت من فصوله الدراسية دفعات عديدة من الطلبة الذين أخذوا مكانتهم في عالم المسرح، ولكنه مرتبط أيضا بمؤلف وخشبة مسرح وممثلين لهم إمكانات معينة، كما هو مرتبط كذلك بمجتمع عربي.
في الندوة التي عملت بعد العرض الخاص للصحفيين ظهرت بعض الأصوات التي حاولت أن تضع المسرحية على جانب الكتب العالمية التي أقروا بعضها منها مستعملين " الأستذة " غير الشرعية والتي يمكن أن تمر في مجال آخر ليس فيه أستاذ مثل أحمد عبد الحليم.
يتحدث المؤلفون الكبار من خلال عالمهم المسرحي كما يتصورونه هم، ولو مثلت مسرحياتهم لما استطاع مخرج أن ينفذ ما أراده المؤلف، ولكن زملائنا حفظوا ما كتبه المؤلف وجاءوا ليسقطوا ما كتبه السيد حافظ. زميلة في إحدى الصحف أرادت أن تحول الأستاذ أحمد عبد الحليم إلي جسر لتعبر عليه كي تشتم المؤلف حيث قالت :
" أنا أشيد بجهود المخرج حيث أنه استطاع أن يخلّص المسرحية من أخطاء عديدة ويظهر العمل بشكل ناجح رغم أخطائه.."
هذا المخرج الجيد عليه أن يرفض العمل المليء بالأخطاء، ولا يقرب من السيد حافظ إذا كان عمله مليئا بالأخطاء، وإلا فهو مخرج لا يستحق الالتفات لأنه لا يعرف كيف يختار. شتيمة واحدة ضربت بها المخرج والمؤلف.
متحدثة أخرى أرادت أن تستغل الاجتماع وتذاكر ما قرأته اليوم – على ما أظن –عن الإضاءة المسرحية متناسية أنها أمام الأستاذ أحمد عبد الحليم !!!
نحن بحاجة إلى مناقشة قرب هذا العمل أو ذاك أو بعده من الجمهور. هل استطاع هذا العمل بمؤلفه ومخرجه وممثليه أن يقدم شيئاً للأطفال أم لا ؟
ولا شك أن الكاتب لو أوصل للصغار عبر لغتهم ومفاهيمهم ومستوى إدراكهم لما استطعنا أن نحملهم إلى المستويات أو الأفضل والأكثر وعيا.
" الشاطر حسن " مسرحية تستحق الالتفات تأليفاً وإخراجا وتمثيلا والأعمال الجيدة هي وحدها التي تناقش.
المؤلف :
" الشاطر حسن " مسرحية نزفها أكثر من قلم ولكنها اختلفت من قلم إلى آخر حيث أن مؤلفها يتحدث عن المرحلة المعاشة والتي بالتأكيد تختلف بهذا الشكل أو ذاك عن المراحل التي يتناولها الآخرون.
أشار السيد حافظ في مسرحيته إلى أن الحرية لا يمكن أن تمنح بل إنها تُأخذ عُنوة، وتسترد بأسلوب نضالي معين فيه التصميم والإصرار والتضحية والتذكر. ولست مع الذين اعتبروا هذا العمل فوق مستوى الأطفال، ومن الأفضل عدم تقديمه بهذا المستوى. أجل لست معهم حيث إننا نطالب الكتاب دائما برفع الجمهور إلى المستوى الأفضل.
وكذلك هم الصغار، نحن مطالبون بتدريبهم على الجملة الغريبة عن مستواهم التي ترفعهم إلى مستوى من الوعي أفضل مما هم عليه. وهذه ليست دعوة للكتابة لمستوى لا يفهمه الصغار ولكنها دعوة للصغار لفهم أسلوبه الذي أراد أن يمزج بين لغة الشارع ولغتهم. وإنها الفترة التي يجب أن يدرك فيها الطفل ما يحيطه في مجتمعه من أسلوب للناس، للجيران، للحاكم، وعليه أن يوصل إلى ذهنه عبرنا – ما يمكن أن يساعده على النهوض. حقق السيد حافظ في مسرحيته المستوى المطلوب ولكنه نسي ضرورة الموازنة في مسرحيات الأطفال بين كفة الغناء وكفة لغة المسرح حيث أن الكفة الأولى كانت هي الراجحة.
المخرج :
أحمد عبد الحليم أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية إذا أراد أن يبدع طلب من الكاتب أن يأخذ حريته في كتابة السيناريو – وهذا ما طلبه من المؤلف – من أجل أن يوازي المتوفر مع ما في ذهنه من إبداعات أولية. والمتابع لنشاط الأستاذ عبد الحليم يدرك أنه يعتمد اعتمادا كبيرا في إنجاح الحركة المسرحية على الإضاءة ولذلك فهو قادر على الإبداع فيها حيث أنه أعطى لكل عمل لغة من شأنها أن تبث ترجمتها في أذهان الجمهور.
ومن هنا جاء امتلاكنا لشرعية إسقاط رأي إحدى الزميلات في الندوة الأخيرة حيث أنها – ولابد أن تدرك ذلك – قبالة مبدع في الإضاءة.
وما دام الإخراج وسيلة لترجمة المضمون المطروح وتقريبه أكثر إلى الأذهان فإن المخرج ظل ملتزما بجو العالم الذي طرحته المسرحية، حتى في تغيير الديكور حيث أنه كان يتم بموسيقى منتمية إلى عالم المسرحية.
ولأنه لم يخرج عن العالم العربي الذي طوقه بالنص وخشبة المسرح والممثلين فلم يستطع أن يطلع علينا بجديد في هذه المسرحية. ولكننا نحسه أبدع في تكرار ذاته، وأضاف قليلا من الإبداعات التي يمتلئ بها ذهنه على " الشاطر حسن ". أحمد عبد الحليم مخرج تشعر بأنه أكثر إبداعا في النصوص الأجنبية غير المكررة لأنها تنبع من عوامل مختلفة.
الممثلون :
رغم أنهم مارسوا مراوحة مسرحية كويتية إلا أنهم أجادوا عملهم بشكل يدفع الآخرين على التفاؤل. ولكن علينا أن نفهم تصفيق الآخرين بشكله الصحيح الذي يدفعنا إلى التواضع والالتزام الأشد. ولا أعتقد أن خروج عبد الرحمن العقل – الأمير – يوم أن قام بدور الشاطر حسن كان في صالح المسرحية. كان يمثل مشهداً تراجيدياً لا علاقة له بالكوميديا حين جاءته أم الطفل المريض والتي اعتقدت أن الأمير هو الشاطر حسن، لذلك طلبت منه أخذ ولدها إلى الطبيب. نطقت الأم كلمة " بيت " باللهجة العراقية. واعتقد أنها أدت هذه الحركة بتوصية من العقل حيث أن المخرج لا يعرف أصلا أن هذه لهجة عراقية، قام الأمير متناسيا غربته بين الناس ومرضه، مكرر كلمة " بيت " لإضحاك الآخرين الذين يفترض فيهم البكاء من خلال المشهد التراجيدي.
ثم أن " خفته " اللا أميرية التي هي كفيلة للانتقال من جوّه الحاضر إلى جو المسرحية حيث أنا اعتدنا في الكويت أن نضحك أثناء صراخه وقيامه بحركات سريعة سواء في المشي أو الأكل أو الحديث. في هذه المسرحة تجده يؤدي دورا حفظه بروحية كويتية
أما استقلال أحمد وهدى حمادة وكاظم القلاف وعبد الناصر درويش والآخرون فقد استطاعوا أن يكونوا عوامل مساعدة وهامة في إنجاح العمل.
الموسيقى :
عرفنا غنام الديكان مبدعا موسيقيا قادرا على الإتيان بما يداعب أذهان الآخرين ويجعلهم يتفاعلون مع لغة الموسيقى. وفعلا استطاع أن يعطي في هذه المسرحية خمسة ألحان خلقت بعض الجو الضروري لجمهور المسرحية، حيث أن بعضها الآخر من ألحان عبد الله الراشد وقد أبدع أيضاً. كانا متساويين في مستوى الألحان بدليل أن المشاهد لا يستطيع أن يضع حدا بين ألحان الديكان والراشد.
خاتمة :
الكاتب يضع في ذهنه عاملا مسرحيا وبعد رسمه على الورقة يحاول المخرج أن يرسم عالما تقريبياً لعالم الورقة مستعينا بممثليه وقدراته المسرحية في وضع الديكور والإنارة والموسيقى والصوت.
وعندما نقول " تقريبياً " يعني أنه لا يمكن أن يصل إلى رسم العالم الذي على الورقة، حيث أن هذا يمثل استحالة تلغي تفكير المخرج وإبداعه. من هنا نقول إن المخرج أحمد عبد الحليم استطاع أن يمزج بين عالم السيد حافظ وعالمه ليخرج علينا عالم مواز للعالمين شد الأذهان في المتابعة إليه وأجبر الأكف على التصفيق.
0 التعليقات:
إرسال تعليق