Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الجمعة، 24 سبتمبر 2021

190جماليات الحوار في مسرح الطفل عند السيد حافظ بين القيمة المعرفية والمتعة الجمالية مسرحية "سندس" أنموذجا إعداد الدكتور: مفتاح خلوف

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 190 )

 

جماليات الحوار في مسرح الطفل
عند السيد حافظ
بين القيمة المعرفية والمتعة الجمالية

 مسرحية "سندس" أنموذجا

إعداد الدكتور: مفتاح خلوف

 من كتاب

التنوع الدلالى فى مسرح الطفل

ما بين التناص والتراث والإخراج

" الجزء الأول"

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى


 


جماليات الحوار في مسرح الطفل
عند السيد حافظ
بين القيمة المعرفية والمتعة الجمالية

 مسرحية "سندس" أنموذجا

إعداد الدكتور: مفتاح خلوف

جامعة محمد بوضياف - المسيلة – الجزائر

أولا : بطاقة فنية للمسرحية :

تشكلت المسرحية من فصلين ، الفصل أول تشكل من ستة مشاهد، الفصل الثاني تشكل من أربعة مشاهد، وتتخلل المشاهد والفصول وقفات استعراضية وغنائية.

في المسرحية شخصيات عدة، الطفلة سندس وهي الشخصية البطلة وشخصيات أخرى مثل : ليزا أم ليزا، الشاويش، الأطفال، الشرطي، أبو سندس، أبو صالح، أبو خليل، أبو عدنان، السلطان، عباس الوزير، قاضي القضاة، رئيس الأطباء، العصابة، رجل، الحارس، وهناك شخصيات نباتية، حيوانية: النهر، الشجرة، الصيف، مجموعة حيوانات .

المسرحية للفئة العمرية من عمر 6- 12سنة، وهي ملائمة لهذه الفئة، وهي مسرحية منهجية مدرسية. توفر نصها على جملة من القيم الإنسانية، كالتعارف، والتعاون، والمحبة، ومساعدة الآخر، وحب الوطن، والعمل الجاد، والإيمان بالقضية الفلسطينية، وتنمية الذوق الجمالي

ثانيا : ملخص المسرحية :

تعالج المسرحية موضوعا يتعلق بالأرض، تسير أحداثه وفق خطين دراميين، يتحدان عند الانقلاب الدرامي الأخير، ورغم ذلك فكل ما في هذا النص المسرحي المدرسي، بدا مترابطا بما يخص الموضوع. حيث تبدأ أحداث المسرحية وفق الخط الدرامي الأول في منطقة ريفية تعيش فيها سندس يتيمة الأم مع مجموعة من الجيران والفتية، بعيدا عن أبيها المسافر لأسباب مجهولة، تشتغل في الحقل كعادة أهل منطقتها، تسكن بيتا متواضعا وجميلا ورثته عن والديها اللذين ورثاه عن الأجداد، ولكنها تتفاجأ بزيارة غريبة من امرأتين غريبتين: ليزا وأم ليزا اللتين تظاهرتا بالضيافة ليوم أو يومين ثم ترحلان، فأحسنت وفادتهما لكنهما رفضتا الرحيل بحجة أن ليس لهما منزل يأويهما، وأنهما قمتا ببعض أشغال الترميم والطلاء، فيطلبان منها تعويضا ماديا فلا تستطيع فتتعللان بذلك بغية البقاء.

فتضطر البنت سندس إلى تقديم شكوى للشاويش قصد إخراجهما، ولكنه وللأسف يقف إلى جانبهما، فتضطر إلى لم الشمل والدعوة إلى الوحدة، فلا تفلح في ذلك لأن كل الذين ظنت أنهم سينصرونها مهتمون بقضاياهم الخاصة فقط. فتكرر المحاولة مرات ومرات.

أما الخط الدرامي الثاني فتجري حوادثه في قصر السلطان محمود، الذي يكلف وزيره بإحضار الأطباء لعلاج الأميرة عين الحياة. وفي خضم ذلك قاضي القضاة على السلطان ليخبره أن غرباء استولوا على غابة الصنوبر فيتشتت السلطان بين إحضار الزعفران لشفاء الأميرة أو تجهيز جيشه لطرد الغرباء الذين يدعون أنهم يملكون مستندات على ملكيتهم للأرض . فيرصد مكافأة لمن يحضر الزعفران: بيت و أرض و حصان ومبلغ مالي هام.

وهنا يتحد الخطان الدراميان حين يطلب من سندس أن تحضر الزعفران الجبلي، الذي يوجد خلف النهر. لكنها تصطدم بعائق أن عبور النهر صيفا من المحال، فيجب عليها أن تلم الشمل لتشكل قوة خارقة، تعبر بها النهر لإحضار العلاج . وهنا ينتهي الفصل الأول.

في الفصل الثاني تتعاطف الطبيعة مع سندس : النهر والصيف والشجرة . ويخبروها أن الحل يكمن في اتحاد بني جلدتها وتجمعهم والنفخ في أيدي بعضهم حتى يتجمد النهر. وهنا تتوسل سندس إلى : أبو صالح، أبو خليل، أبو عدنان للاتحاد من أجل تجمد النهر للعبور من أجل جلب العلاج.

وفي خضم سعيها لا تتخلى عن مطالبتها ليزا وأم ايزا بالخروج من البيت، وفي هذه اللحظة تلجأ أم ليزا إلى إحداث الفتنة بين أبي صالح وأبي خليل وأبي عدنان حول المحصول الزراعي وأسعار بيعه حتى لا تتم الوحدة .

عندها يتفاجأ الجميع بظهور "أبو سندس" بعد طول غياب فلا يعرفه السلطان ويظنه غريبا جاء بالعلاج ولكنه يعرفه بنفسه ويخبره أنه جاء ليطالب ببيته في غابة الصنوبر الذي أخذته ليزا وأم ليزا فيكتفي السلطان باقتراح منح السلاح لأبي سندس ومقاتلته الأعداء وحده وعدم الاتحاد معه خوفا على كرسي الملك.

وهنا يخرج أبو سندس إلى الشعب والرعية، بمعية سندس وأبي خليل وأبي عدنان وأبي صالح، فيشكلون وحدة يواجهون بها ليزا وأم ليزا وحاميهما الشاويش، فيخرجوهم من البيت. ثم يعبرون النهر ويحضرون الزعفران الجبلي فتشفى الأميرة عين الحياة ، وتعود الحياة إلى سالف عهدها الجميل.

ثالثا : انطباعات عامة عن الدرامية الحوارية للمسرحية

تعرض كل مجريات المسرحية وأحداثها، بلغة حوارية تراتبية، إذ تعرف كل شخصية ما ستقوله، وهي بالتالي تحفظ رؤيتها عن ظهر قلب، وتقوم بدورها المرسوم لها، كرؤية ثابتة لمسرحية مدرسية، التي نجد فيها التراتب بالحوار وأدوار الشخصيات، ويرسم المشهد المسرحي، بناء على حوار الشخصيات والأحداث تماما

فالرحلة التي انطلقت من ريف سندس إلى فضاء القصر والنهر، رحلة بحثية عن الوطن الذي يسكننا وليس الوطن الذي نسكنه فقط ، إذ أصبح الواقع يعجّ بالفساد، ليتحول في نهاية المسرحية إلى الوطن الذي نبحث عنه، وتنتهي المسرحية على حالة من الفرح والرقص والغناء فينشد الجميع ويرقصون.

ويتجلى ذلك في الحديث عن سرقة الأرض والبيت الأرض كرؤية واقعية، تقول سندس:

سندس : هذه المرأة سرقت منى بيتى وأرضى هى وابنتها وعصابتها.([1])

من خلال الحوار تتحول المسرحية إلى درس تاريخي قومي من المنهج الدراسي، ويبنى على معلومات موثقة أصلا، وهناك إشارة تاريخية إلى عملية السطو التي تمت من قبل بني صهيون على الأراضي المقدسة بمباركة انجلترا .

وهناك جزئية مهمة في المسرحية شكلت تيمة التكوين لها ألا وهي التغنى بالوطن، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان خارج وطنه الذي استقى منه كل شيء، وأول شيء هو الحب والمحبة بين الجميع، وإن طاقة الإنسان وجدت ملائمة، لتكون في وطنه الإنساني الأصلي على أرضه، لذا فمن واجب الإنسان أن يحافظ عليه، ويحميه، وينميه، ويجعله أفضل. إن هدف المسرحية هدف سام، لتكون حياة الإنسان على الأرض أجمل وأفضل، والمسرحية تدعو للمحبة والألفة. 

وإضافة إلى الموضوع التاريخي الرئيس في النص، فهناك مضامين أخرى، تشكل رؤية اجتماعية جيدة، كالتعارف و المحبةُ التي يجب أن تتشكل بين الناس وأهمية الأصدقاء والبعد عن الخلاف والأنانية والتفرقة. وأن المجتمع يبنى بالحب والنقاءوالمساعدة والتكافل والسلام. كما في المسرحية جملة من الرؤى الإنسانية، والتي تمثل الرقي والسمو الإنساني.

رابعا : فنيات الحوار وجمالياته :

يتميز الحوار المسرحي في مسرحية سندس بجملة من الميزات والخصائص تزيد من دراميته نوردها فيما يلي:

1- الإفصاح والإبانة:

يهدف الحوار المسرحي إلى خلق وسيط للتواصل بين الممثل / الكاتب وبين المتلقي / القارئ، ولذلك وجب أن يكون هذا الحوار مدونا بدقة معبرا، يكشف عن الفكرة التي يريد أن يطرحها الكاتب، فلا يضيع جهده بين ثنايا الكلام، ومن سمات هذا الحوار:"ما حَسُنَ تركيبه، سَهُلَ قوله، وانفتح معناه عبّر تعبيرا ملائما، لذلك وجب التضحية بزخرف الكلام، وأناقته في سبيل المعنى"([2])

وتتطلب هذه السمة اجتناب الإطناب قدر المستطاع، وعدم ترك شخصيات العمل المسرحي تتحدث كثيرا، حديثا لا طائل من ورائه، لا يثري العمل المسرحي ولا يبين عن الشخصيات ولا ينمي الأحداث.

ولتوضيح ذلك نأخذ جزءا من الحوار الذي جرى بين "سندس" وليزا وأم ليزا.

سندس     :   أهلا وسهلا.

أم ليزا     :   أمك نامت

سندس    :   (وهى تضع براد الشاي على الموقد) لا.. أمى ماتت

ليزا        :   يا عينى

سندس    :   ولا عين ولا ليل.. ولا حزن.. أنا هنا مع جيرانى.. هما قرايبى.. هما اخواتى.. أعمامى.. وبأيدينا بنزرع القمح والورد والشجر.

أم ليزا     :   عايشة لوحدك فى البيت دا.

سندس    :   لا مع أبوى.. بس هو مسافر.

أم ليزا     :   (تضحك بخبث إلى ليزا) جميل

سندس    :   نعم

ليزا        :   قصدها.. ما حدش من الجيران بيسكن معاكي

سندس    :   الجيران كل واحد وله بيت.

أم ليزا     :   صح

سندس    :   له أرضه .. بيزرعها ويسقيها.

أم ليزا     :   وأنت

سندس    :   ليا أرضى.. بأزرعها وأراعيها.. وليا بيتي اللي ورثته عن أبويا وأمي اللي ورثوه عن جدي.([3])

رغم بساطة لغة الحوار – وهي قصد من المؤلف – الملائم لبساطة الشخصيات، إلا أنها كشفت عن بيئة فلاحية لا زال أهلها يعتمدون على الزراعة. كما يكشف لنا بساطة بيت القروي، ومختلف الأشغال اليومية التي تقوم بها المرأة سويا ما الرجل، من جلب للماء وحرث وحصاد وحراسة، فهذه البنت اقتسمت مع جيرانها كل مشاغل الحياة الريفية.

وهنا تبرز فطنة الكاتب المسرحي ونباهته في أن ينطق شخصياته ما يريد دون أن تتجلى ذاته في الخطاب المسرحي، أو كشف ميولاته الشخصية، فيبين الفكرة دون أن يكشف ذاتيته، يقول: "حسين رامز:

"الدراما شكل من أشكال الفن، قائم على تصوير الفنان لقصة تدور حول شخصيات تتورط في أحداث، هذه القصة تحكي نفسها عن طريق الحوار بين الشخصيات دون تدخل الفنان بالشرح أو برواية ما يحدث"([4])

يكشف الناقد في هذا القول عن قيمة الحوار في الكشف عن أحداث الحادثة أو الفكرة التي يعالجها الكاتب، وأهميته في إحداث المتعة لدى المتلقي، لأن المباشرة وسرد الأحداث ينقص من قيمة العمل المسرحي والفرجة المسرحية، إذ تتحول المسرحية بذلك قصة تروى.

2 - مناسبة اللغة لموضوع المسرحية:

إن عنصر التشابك والتآلف من عناصر العمل المسرحي الناجح، وما إن ينفصل عن عنصر حتى يرتبط بعنصر آخر فلئن رأينا في العنصر السابق قيمة الإفصاح والإبانة في لغة الحوار وكيفية ولوجها في أعماق الحوار المسرحي، فإننا سنكشف هنا عن قيمة مناسبة اللغة لموضوع المسرحية، فطبيعة موضوع المسرحية تقتضي من المؤلف أن يغير لغة حواره، وأن يكيفها وفقه.

إذا، تختلف لغة المسرحية ذات الاتجاه الواقعي عن لغة المسرحية ذات الاتجاه التاريخي وعن ذات الاتجاه الرمزي، بل يمكننا أن نجزم القول بأن مجموعة من المسرحيات حتى وإن كانت من اتجاه واحد لنفرض أنه تاريخي، فإن اختلاف الحقبة التاريخية يفرض على منتج الخطاب المسرحي تغيير لغته، أو بالأحرى مستوى لغته، وطبيعة المعجم اللغوي المستعمل، فالقاموس اللغوي للعصر الجاهلي غير المتداول في العصر الإسلامي وغير المتداول في العصر العباسي وغير المتداول عندنا حاليا. وفي هذا يقول توفيق الحكيم "فالموقف هو الذي يملي طبيعة الحوار، فيتلون الحوار بلون الموقف المسرحي"([5])

ومن مقتضيات تلاؤمه مع الموقف المسرحي أن يتلاءم مع الشخصية وفكرها، وموقفها (خاصة الشخصية البطلة) على اعتبار أنها حاملة الفكرة الرئيسة للموضوع.

ويمكن أن توضيح تلاؤم اللغة مع طبيعة موضوع المسرحية، من خلال هذا المقطع :

 

السلطان

:

وبعد يا وزير..

عباس

:

يا مولاي.. العجب العجيب أننا طلبنا منهم أن يغادروا فلم يغادروا

السلطان

:

يجب أن يغادر هؤلاء الأغراب عن أرضنا.

عباس

:

لقد وضعوا أيديهم على غابة الصنوبر.

السلطان

:

أعلم هذا يا وزير ولابد أن هناك حلا.

عباس

:

الحرب يا مولاى.

السلطان

:

لا نستطيع أن نحاربهم.

عباس

:

والعمل

السلطان

:

نحدثهم.

عباس

:

وعدونا.

السلطان

:

لابد أن نفعل أي شيء

حارس 1

:

مولاي السلطان

السلطان

:

ماذا حدث ؟

حارس 1

:

الأميرة عين الحياة

عباس

:

تكلم يا رجل.

حارس 1

:

سقطت على الأرض مريضة

 

ففي المقطع وغيره من المقاطع فيما بعد تجسد شخصية عباس فكرة المؤلف السيد حافظ – بامتياز – لأولئك الذين اصطفوا على هوامش الحياة ينظرون إلى ما يحدث بانهيار وفي هذا تقول إليزابيت وود بريج ELISABETH woodbridj: "الدراما ما هي إلا تقديم أو عرض لحدث أو فعل أو مجموعة أحداث بينها صلة، والتعبير عنها مباشرة بالكلمة والإشارة والحركة، إن موضوع الدراما دائما ما يتناول الفعل ورد الفعل، بالإرادة الإنسانية، وهي تتعامل مع وجهة نظر، وليس مع تتابع أحداث، أي أنها تتعامل مع العلاقة الأساسية كأسباب ونتائج"([6])

ويذهب "برايس PRICE" مذهب إليزابيث عندما يربط الحياة والأحداث المحتملة فيها بالأحداث المجسدة في الدارما وأن هذين الأمرين يجب أن يربطا بلغة تتوافق معهما يجسدهما تجسيدا فعليا، يقول: "إن الدراما ما هي إلا محاكاة لفعل تام، يناسب الاهتمام العاطفي للإنسان، وتتطور بنجاح في تتابع واستمرار، وحوادث مختلفة الحدوث تتمثل، ويعبر الكلام والرموز عن صورة الحياة والأوضاع الفعلية"([7])

ولا يمكن أن يصور الكلام الحياة والأوضاع الفعلية التي تعيشها الشخصية وبالتالي الموضوع الذي يريد أن يطرحه الكاتب، إلا عندما يحدث نوع من التناسق والانسجام بين الموضوع واللغة التي قدم بها، فهي روحه وقلبه النابض.

وكمثال على ذلك أيضا المقطع الحواري الذي جرى بين : أبو صالح أبو عدنان أبو خليل وتجادلهم حول عنزة من أكلت الزرع:

 

أبو صالح

:

يا أبو عدنان قلت لك ميت مرة ابعد معزتك عن ارضى

أبو عدنان

:

مش معزتي اللي مشيت في أرضك

أبو صالح

:

أمال مين اللي أرضه جنب أرضي

أبو خليل

:

تقصد مين يا أبو عدنان

أبو عدنان

:

حد كلمك يا أبو خليل.

أبو خليل

:

هي معزتك اللي مشيت في أرض أبو صالح.. لا أنت

 

:

(يتشاجران)

طفل

:

بس .. الشاويش جاي من بعيد.

 

:

(يتوقفون.. ينظرون إلى بعيد)([8]).

 

3- انسجامه مع الشخصية:

إن من علامات الخطاب المسرحي الناجح أن تعي الشخصية بما تقول وما تفعل، إذ لا تنطق إلا بما يناسبها، فيحدث الانسجام بين الشخصية وما تمثله أو ما تؤديه، ومن علامات انسجام الحوار مع الشخصية وملاءمته لخصوصياتها، وطبيعة مواقفها أننا نراه قد يطول وقد يقصر، قد يكون هادئا وقد يكون عنيفا، وهذا طبعا تماشيا مع طبيعة الموقف الذي توضع فيه الشخصية، فتؤثر بموقفها في الحوار، كما تتأثر هي ذاتها به: "فقد يمضي الحوار على نحو عاد، حتى يبلغ الموقف حد التأزم، فيتوتر الحوار، ويزيد إيقاعه ويفتح – في المسرحية البشرية- أقرب إلى الشعر، وقد تتطور الشخصية خلال نمو الحدث المسرحي، فيتلون الحوار حسب ما طرأ عليها من تغيير، كما يتلون حسب اختلاف الشخصيات نفسها في المستوى العاطفي والفكري والاجتماعي"([9])

وقد تتحول لغة الحوار إلى أقصى تجسيد للمشهد وتشخيصه ويظهر ذلك في مسرحية سندس وذلك في حوار سندس مع ليزا وطردها من المنزل :

 

سندس

:

أنا متشكرة قوى يا جماعة.. كتر الله خيركم.. ممكن تمشوا دلوقت

أم ليزا

:

نمشي!!

سندس

:

آه تمشوا ..

ليزا

:

والطريق.. الظلمة.. والذئاب.. والثعالب والكلاب.

سندس

:

ما تخفوش الحيوانات .. خافوا من البني آدم اكتر.. حكمة قالها لي أبويا.. الحيوان ما يقربش من البني ادم وهو شبعان.. أما الإنسان يطمع دايماً في الإنسان.

ليزا

:

الله يرحمه (تبكى بحرارة).([10])

 

يظهر من خلال هذا المقطع أن كلام سندس الذي ترويه عن أبيها جاء موافقا لدور الشخصية في العمل الدرامي، فأسند مهمة السوء للإنسان وليس للحيوان وهذا التساوق السيميائي مثل قمة الانسجام والتلاؤم بين الشخصية والحوار.

ولا يكتب النجاح لدور المسرحي إلا إذا حدث نوع من التكامل بين الشخصية وما تقوله وما تقوم به، والحيز أو الفضاء المسرحي الذي تتحرك فيه. وفي هذا يقول إدوارد جوردن كريج EDWARD GORDON GRAIG: "إن فن المسرح لا هو تمثيل فقط، ولا نص مسرحي فقط،إنه ليس مشاهد أو مناظر فقط، ولا رقص، إنه توليفة من كل هذه العناصر، الفعل الذي هو جوهر التمثيل، والكلمات والعبارات التي تشكل قوام مسرحية، والسطور والأسلوب، واللون الذي يصبغ المشاهد المسرحية، والإيقاع الذي هو جوهر فن الرقص"([11])

يكشف "إدوارد" في قوله هذا قيمة التوافق بين عناصر الدراما، أو التكامل والانسجام بين الشخصية والحوار، فلا ينطق الكاتب شخصياته إلا بما يلائمها من حيث المستوى الثقافي والاجتماعي والديني، فكلام الإمام غير كلام الفلاح وكلام الطبيب غير كلام النجار، فلكل مستوى لغته وطبيعة قاموسه اللغوي، بل إن الشخصية الواحدة قد تغيير لغتها تبعا لموقف معين تفرضه عليها سيرة الحوادث في الخطاب المسرحي.

ويتجلى التلاؤم بين الشخصية وما تقوله في مسرحية سندس أكثر في المقطع الحواري التالي الذي يبين الفروقات في شعرية اللغة بين الحارس والسلطان وقاضي القضاة ورئيس الأطباء والوزير. فلئن كانت لغة السلطان أو الوزير بأقل درجة فوقية فإن لغة الحارس استعطافية ولغة قاضي القضاة ورئيس الأطباء إخبارية:

 

حارس

:

يا مولاي السلطان .. قاضى القضاة

الوزير

:

عايز إيه ؟

السلطان

:

خليه يدخل لابد أن فيه أمر هام.

الحارس

:

بأمر مولاي السلطان يدخل قاضى القضاة.

قاضى القضاة

:

السلام على مولانا السلطان

السلطان

:

انطق قول.. اتكلم فيه ايه.. ما عنديش وقت

قاضى القضاة

:

يا مولاي السلطان.. غابة الصنوبر.

السلطان

:

مالها انطق قول.

قاضى القضاة

:

بيقولوا إن ناس اغراب دخلوها.. واحتلوا بيت فيها.

الوزير

:

يا قاضى القضاة.. دا شغلك والا شغلنا.

قاضى القضاة

:

الجوابات بتيجى من الناس بتشتكي.

الحارس

:

مولاي السلطان .. رئيس الأطباء.

السلطان

:

يدخل في الحال.. دون استئذان.

الحارس

:

رئيس الأطباء يدخل في الحال

رئيس الأطباء

:

اسعد الله صباح مولاي وظهره ومساءه

السلطان

:

انطق اتكلم قول.. الأميرة حتخف امتى

رئيس الأطباء

:

إن شاء الله بعد ما نجيب لها الزعفران الجبلي.

السلطان

:

ودا فين نلقاه

قاضى القضاة

:

في غابة الصنوبر.

الوزير

:

وبعدين؟

السلطان

:

بتقولي أنا وبعدين يا وزير!!

الوزير

:

مفيش غير التفاهم

قاضى القضاة

:

تفاهم لا.. لازم نطرد المعتدين.. الأغراب في الحال

الوزير

:

اسكت أنت يا قاضى القضاة.. هما معاهم مستندات أنهم أصحاب البيت والأرض.

قاضى القضاة

:

تزوير ورق كذب.. اخذو البيت والأرض وزرعوا المشاكل.. لازم نحاربهم علشان نعالج الأميرة

وهكذا في ومضة مسرحية استطاع الكاتب أن يجسد فكرة التطابق والانسجام بين الشخصية والحوار وما تقوله. فحديث "السلطان" يكشف مدى حرصه على شفاء الأميرة عين الحياة، وحديث قاضي القضاة مهمته التبليغ عن الخروقات .

4- التكثيف والتركيز والإيجاز:

إن أجمل ما يميز شعرية الخطاب المسرحي عامة والحوار بخاصة أن الكلمة فيه، تملك قدرة لفظية مشحونة بالدلالة، أو ما يصطلح عليه بالتكثيف الدلالي(*) فالحوار في الخطاب المسرحي يستطيع أن يلخص دوره أو عمله المسرحي، في لفظة أو جملة مسرحية، إذا عرف الكاتب كيف ينتقيها ويشحنها بالعاطفة، ويكشف معانيها ويوجز دلالاتها، و في هذا يقول إبراهيم الكيلاني:

"إن الكلمة هي كل شيء، إنها رسول الفكر، ذات امتداد ووقع وإصابة وصدى، تخرج من فم الممثل، فتشيع في الحوار الدرامي معنى خاصا، تزيده حركات الممثل دلالة ورمزا، بل قد يمتد معناها إلى أبعد من مدلولها الأصلي، ومما قصده المؤلف ذاته. ذلك أن اللغة الجسدية لغة مباشرة تعتمد على التكثيف والتركيز، واستنفاذ الطاقة التعبيرية للكلمة إلى أبعد الحدود، فتقذفها إلى أذن السامع من أقرب سبيل، مشحونة بالكمون الدرامي الذي يجعل منها كلمة مقولة وفاعلة ومنفعلة"([12])

نستشف من هذا القول أن اللفظة في الحوار المسرحي لا توضع اعتباطا بل تدرس، فموقعها في سيرورة الحديث مدروس بدقة وطريقة نطقها ووضعية إلقائها مدروسة سلفا تبعا للشخصية ولموقفها والموضوع العام المعالج، وإن كانت مثل هذه التوقعات اللفظية في الخطاب المسرحي تقع على عاتق المخرج والممثل أكثر مما تقع على عاتق المؤلف على اعتبار أن الخطاب المسرحي قلما يثبت على الصيغة التي ألفه بها المؤلف إذ يخضع – خاصة الحوار – إلى كثير من التعديلات تبعا لطرق الإخراج وطبيعة التمثيل والقاعة، وطبيعة الجمهور نفسه، والزمن المتاح للعرض. وفي هذا يقول بيكر G.P. Baker: "الدراما الجيدة تغطي بدقة العواطف والأحاسيس كشيء أساسي، مستخدمة الفعل، الشخصية، الحوار، ومساحة زمنية معينة ومحددة، ولا تزيد عن الساعتين والنصف، والثلاث ساعات، وهي عادة بطريق غير مباشر، عبر الممثل كقناة توصيل جيدة للمشاهدين، وليس عن طريق المؤلف"([13]).

إذن فالخطاب المسرحي يكشف الحياة ويلخصها ويركزها ويختصرها، في مجموعة أحداث أو أفعال تمثل على خشبة المسرح.

ويمكن الاستشهاد بهذا الصدد بمقطع حواري مكثف مركز موجز لسندس تكشف من خلاله جوهر الصراع في المسرحية ككل :

سندس

:

ما تخافوش الحيوانات .. خافوا من البني آدم اكتر.. حكمة قالها لي ابويا.. الحيوان ما يقربش من البني آدم وهو شبعان.. أما الإنسان يطمع دايماً في الإنسان.([14])

 

إن هذه المسرحية تجسد بحق ظاهرة التكثيف والإيجاز والتركيز في الحوار المسرحي إذ استطاع المؤلف السيد حافظ بمجموعة من الجمل المسرحية أن يكشف عما تصبوا إليه بعض الأصوات المتعالية بنداء التخلي عن القضية الفلسطينية أو التهاون في الدفاع عنها. فيتحقق بذلك تعريف :"آلان داونر" للدراما بقوله: "هي محاكاة مكثفة وتصوير مركز الحياة"([15]).

لذلك وجب على المؤلف ألا يترك الشخصيات تتحدث بإسهاب، وتندمج في حديث لا هدف منشود منه، ولا فائدة مرجوة من إسهابه، حتى لا تخرج عن الموضوع ولا تتعدى الحدود المرسومة لها.

أي لابد من الاقتصاد في الحوار، بحيث تكون لكل كلمة وظيفة درامية معينة، وليس معنى الاقتصاد في الحوار الإيجاز لدرجة تؤدي إلى عدم الفهم.([16])

5- الواقعية:

إذا نظرنا إلى الحوار من جانب هذه الميزة – أي الواقعية – جرنا الحديث إلى مفهوم المحاكاة في المسرح، وجرنا الحديث إلى علاقة الفنون بالواقع، هل هي ترجمة حرفية له أم أنه ليس مجبرا على ذلك. على اعتبار أن بعضهم اعتبر المسرح متعة لا منفعة وأنه نشاط منقطع عن الحياة الواقعية فيفرقون بين المعرفة بوصفها فعل تقدم روحي وبين العمل الذي هو فعل تقدم مادي([17]). فرفعوا الفن عن الواقع وأعلوه إلى عالم المثل، في حين نجد أن واقعية المسرح قد تجسدت في كتاب "فن الشعر" لأرسطو، الذي ظل يصر فيه على ضرورة واقعية الفن المسرحي فكان "أكثر واقعية من معلمه وقد نزل من الغيب إلى دنيا الحياة الفعلية، وكان تفسير الأشياء بذاتها من ذاتها"([18]). ويتجلى حرص أرسطو على واقعية المسرح وواقعية الحوار والأفعال التي تقوم بها الشخصيات في تحديده لموضوع المأساة بقوله: "تنشأ فيها أحداث دامية بين الأصدقاء، كأن يقتل أخ أخاه، أو يوشك أن يقتله أو أن يرتكب في حقه شناعة من هذا النوع، وكمثل الولد يرتكب الإثم في حق أبيه أو الأم في حق ابنها، أو الابن في حق أمه، نقول إن هذه هي الأحوال التي يجب أن نبحث فيها"([19]).

وتتشابك واقعية الحوار بواقعية الحدث، فيظهر – أي الحوار – أنه مشابه للحوار الواقعي الجاري بين الناس يوميا، من جهة ومخالف له من ناحية أخرى، إذ يشابهه في أنه يعرف بنوازع الشخصيات وسلوكها الإنساني، ويخالفه في أنه مركب بطريقة فنية لها وظائف محددة، وخلاصة القول أن الحوار إذا اتسم بالواقعية لا يعني أنه واقعيا بحتا، بل أن يوحي بالواقع.

وهذا ما ذهب إليه جالزورثي والتزمه في مسرحياته عندما اعتبر أن واقعية الحوار هي أن يراعي الكاتب مقدرة الشخصية على التعبير عن ذات نفسها في واقع حياتها([20]).

وتتجلى الواقعية بهذا المفهوم في مسرحية سندس في المقطع الحواري الذي جرى بين السلطان وأعوانه في القصر بعدما أشرفت الأميرة عين الحياة على الهلاك عندما يطلب صراحة من وزيره أن يراسل الجيران لإعانته في شفاء الأميرة وإعادة غابة الصنوبر إلى أهلها ولا أخال الرمز هنا يخرج عن كون الأميرة هي المسجد الأقصى والغابة هي القدس.

 

السلطان

:

حتى الآن لم يحضر الزعفران الجبلي.

الوزير

:

يا مولاي هذا الطبيب يخرف.

السلطان

:

علينا نواجه الأمر بشجاعة.. هذا الرجل آخر طبيب نحضره إلى هنا.. ونحن ننتظر من يتقدم حتى نحل المشكلة.

قاضى القضاة

:

يا مولاي إن العدو الذي احتل غابة الصنوبر

السلطان

:

لا استطيع أن اطرده بمفردي لابد من تعاون الجميع معي.

الوزير

:

ولقد حاولنا بكل جهودنا إقناع الحكام المجاورين لكن لا فائدة.

السلطان

:

هل أرسلتم الإعلان.

الوزير

:

أرسلنا الإعلان والبيان وزدنا في الوعود.

قاضى القضاة

:

إننا يا مولاي يهمنا إنقاذ الأميرة.

السلطان

:

نعم.. ليس عندي غيرها.

قاضى القضاة

:

ويهمنا أن تعود غابة الصنوبر لأهلها.

السلطان

:

نعم ولكن ليس بمفردى.. إنهم أعداؤنا.. أقوياء.. لا تنس ذلك

الحارس

:

مولاى السلطان

السلطان

:

ماذا جرى.

قاضى القضاة

:

الحمد لله جاء الدواء.

السلطان

:

نعم لقد أراد الله أن ينقذ الأميرة عين الحياة.. ليدخل في الحال

الحارس

:

يدخل في الحال.

 

:

(يدخل رجل عجوز.. يستند على عصاه)

أبو سندس

:

السلام على مولاي السلطان.

السلطان

:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. هل أحضرت الدواء.

الوزير

:

لقد وعدنا وسننفذ الوعد.

قاضى القضاة

:

لا تحف يا رجل.. الوعد وعد.([21])

 

إن هذا المقطع وعلى الرغم من بساطته وبساطة لغته إلا أن الكاتب وبأدوات فنية بسيطة استطاع أن يجعل حواره واقعيا، وأن ينطق شخصياته بما يتلاءم مع واقعها الذي تعيشه .

6- التوالدية:

وهي ميزة تميز الحوار المسرحي عن غيره وبخاصة المحادثة اليومية، إذ قد يكون الحوار فيها ثابتا غير متوالد، بينما يكون الحوار المسرحي مبنيا على مبدأ السببية أو العلية، أي إنه يكون علة لتطوير الحدث وأن الكلام يتوالد بعضه من بعض وقول شخصية لكلام معين يكون سببا في جرها إلى قوى كلام ناتج عنه أو سببا لكلام آخر يقال لاحقا، وهكذا. وهذا النمو والتوالد في الحوار هو السلاح الرئيس الذي يتسلح به صاحب الخطاب المسرحي ليشد انتباه القارئ/المتفرج ويزيد من ارتباطه به. أي أنه ليس حوارا مملا يدعو القارئ/المتفرج إلى الهجران.

وهذه هي الخصيصة التي تزيد من احتدام الصراع بين الشخصيات إذ أن شدة الجذب والتأزم في مسرحية معينة قد تكون بسبب كلمة تقال، وفي هذا يقول فرحان بلبل: "إن الصراع يولد الحوار التنافسي بمنطق السببية، الذي يبني الحكاية، وهذا النمو والتوالد يجب أن يبني بسرعة ودون توقف، حتى يستوفي الكاتب كل ما تقدم من أركان التأليف المسرحي في المدة الزمنية القصيرة المتاحة له"([22]).  

نستشف من هذا القول أن صفة التوالدية في الحوار المسرحي تبنى على أمرين هامين هما: السببية والسرعة، فالأول يساعد على تماسك أحداث الحكاية التي تبنى عليها المسرحية، والثاني يجعل من حركة الأحداث تسير بوتيرة تتوافق وحركة الأحداث.

ولنا المثل هنا بهذا المقطع الحواري الذي ظهر فيه أبو سندس وسعيه للم الشمل العربي والإسلامي لتحرير القدس وخيبته في ذلك :

 

 

:

(يدخل رجل عجوز.. يستند على عصاه)

أبو سندس

:

السلام على مولاي السلطان.

السلطان

:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. هل أحضرت الدواء.

الوزير

:

لقد وعدنا وسننفذ الوعد.

قاضي القضاة

:

لا تحف يا رجل.. الوعد وعد.

أبو سندس

:

أي وعد.. أنا أفهم شيئاً.

السلطان

:

كم تريد.. أطلب..

الوزير

:

سنعطيك كل ما وعدنا به.. اطلب.

قاضي القضاة

:

ماذا بك يا رجل تكلم ؟

أبو سندس

:

اقسم بالله أنا لا أفهم شيئاً.. أنا يا مولاي.

الوزير

:

نعرف انك تعبت حتى وصلت إلى هذه الديار.

قاضي القضاة

:

سنقدرك.. أين الزعفران ؟

أبو سندس

:

أي زعفران..أنا أتيت لأقدم شكوى للسلطان.

الوزير

:

أظن أن أحدهم سرق منك الزعفران.

أبو سندس

:

يا مولاي.. أعطني فرصة للكلام.

السلطان

:

لك الكلام.

أبو سندس

:

أنا رجل فقير من غابة الصنوبر.. عندي منزل وحقل جميل وابنة جميلة تسمى سندس.

قاضي القضاة

:

سندس.. اسم جميل.

أبو سندس

:

جئت إلى بلدكم كي اطلب العون لأهل الغابة كي نحرر أرضنا فجاءني صديق وقال إن امرأة وابنتها وأقرابها احتلوا منزلي وجعلوا ابنتي تخدم فيه.

السلطان

:

والشاويش.

أبو سندس

:

الشاويش محتل.. غادر.

قاضي القضاة

:

اقترح يا مولاي.. أن نعطيه المال والسلاح حتى يدافع عن بيته أو يعيده إليه.

الوزير

:

هذا رأى صائب.

أبو سندس

:

هذا رأى خائب.. إذا حررت بيتي فمن يحرر بيوت الآخرين بالله عليكم إلى متى سيظل حالنا سيئا.

الوزير

:

تحدث بأدب يا رجل أمام مولاي السلطان.

السلطان

:

يا راجل إن مشاكلنا كثيرة ستعمل على حلها وإن شاء الله سنحل مشكلتكم جميعاً.. خذ المال والسلاح وقاتل.

أبو سندس

:

أمري لله .. أمري لله.

الوزير

:

ونحن معكم.. "بخطابية"

قاضى القضاة

:

نعم نحن .. (بحسرة) معكم كان الله في عونكم.([23])

 

إذ رغم بساطة الحدث وعدم رصانته إلا أن التوالدية في الحوار ظاهرة للعيان، ففي خضم هذا الشد الحواري بين أبي سندس ومحاوريه ، حول مسؤوليتهم في مساعدته في استعادة بيته، تتدخل صفة التهكم والتجاهل من الوزير والسلطان لتزيد من شدة توتر الحوار وتوالدية السؤال والجواب.

ويتواصل المد والجزر بين أقطاب الحوار السابقة وما ينفك هذا التوالد ينتهي حتى يتدخل المؤلف مرة أخرى فتصير الأقطاب هي: السلطان قاضي القضاة الوزير وليزا التي سرقت العلاج )ورقة الزعفران(من سندس فتزداد لتوالدية الحوار، وتصير تراتبية بأربعة ويتحول المؤلف إلى محرك للحوار بين الأطراف فقط.

7- الرشاقة والإيقاعية:

ويتعلق الأمر هنا بضرورة أن يضع المنتج للخطاب في حسبانه أن طول المقطع يؤدي إلى ضياع المعنى فيضطر إلى اختصار كلامه وحديث شخصياته، هذا الاختصار الذي يجب أن يمتاز يإيقاعية في الجمل المسرحية لتساعد الممثل على الأداء الجيد كما تساهم في شد انتباه السامع/القارئ ويجب أن تغذي هذه الإيقاعية بالابتعاد عن الحروف التي لا تتلاءم إذا تجاورت مثل: السين الشين، والقاف والكاف، والكلمات المتقاربة في الصوت والنطق، والتي ترهق الممثل والمتفرج على حد سواء،وفي هذا يقول فرحان بلبل: "إن الإلقاء جزء من بناء الدراما، فالكاتب يكتب نصه المسرحي واضعا في ذهنه أن كلامه سوف يلقيه الممثل على الخشبة، ثم يأتي الممثل والمخرج فيبنيان الوصف المسرحي بإلقاء الحوار. إذا فإن قواعد الإلقاء المسرحي يجب أن ترتبط بالفعل الدرامي عند رسم الشخصية وصوغ العرض المسرحي"([24]).

ونضرب المثل برشاقة وإيقاعية الحوار في مسرحية "سندس"(*) للسيد حافظ بالمقطع الحواري الأول الذي جرى بين سندس من جهة وليزا وابنتها من جهة أخرى بعدما قدمتا من مكان مجهول وتظاهرتا بالضيافة وحسن الخلق وتعللتا بالتعب وطلب الراحة :

 

سندس

:

مين ؟ مين اللي بيخبط على الباب مين ؟

أم ليزا

:

أنا أم ليزا.

ليزا

:

وأنا ليزا

سندس

:

عايزين مين ؟.

أم ليزا

:

صاحب القلب الكبير.. صاحب البيت الجميل.

سندس

:

أنا صاحبة البيت.

أم ليزا

:

يا صاحبة البيت الجميل.

ليزا

:

يا ريت تفتحي لنا الباب.

أم ليزا

:

الدنيا حر.

ليزا

:

من الجوع تعبنا.

أم ليزا

:

مشوارنا طويل.

ليزا

:

عايزين نستريح عندك شوية.

أم ليزا

:

لحد الصبح.

ليزا

:

ولما يطلع النهار.

أم ليزا

:

ح نكمل الطريق.

ليزا

:

وتبقى لنا صديق.

ليزا وأمها

:

يا صاحبة البيت الجميل.

سندس

:

أنا.. أنا

أم ليزا

:

أنت ولد ولا بنت

سندس

:

(تفتح الباب) أنا بنت.

أم ليزا

:

ما شاء الله .. ما شاء الله

ليزا

:

أنت جميلة

أم ليزا

:

حلوة

ليزا

:

زى الغنوه

سندس

:

انتم كلامكم حلو

أم ليزا

:

لكن حظنا خايب.. (تصطنع البكاء)

ليزا

:

والبخت مايل.. (تصطنع البكاء)

سندس

:

باين عليكم فقرا.

أم ليزا

:

بلا بيت

ليزا

:

بلا صحاب

سندس

:

مالكوش أهل

أم ليزا

:

يا ريت

سندس

:

قرايب

أم ليزا

:

يا ريت

سندس

:

يا عيني عليكم.

ليزا وأمها

:

(معاً) يا عيني علينا.

سندس

:

ادخلوا

 

:

(تجريان حتى تصطدمان بالباب الخارجى)

أم ليزا

:

يلا..

ليزا

:

شكراً

سندس

:

مساكين

 

:

(يدخلان المنزل.. يتحول المسرح كله إلى منزل سندس من خلال ظهور قطع ديكور من أعلى المسرح)

أم ليزا

:

الله بيتك حلو

ليزا

:

جميل.

سندس

:

انتم كنتم رايحين فين.؟

أم ليزا

:

(ترتبك) رايحين لجماعة قرايبنا في المدينة الذهبية

ليزا

:

ايوه.. الليل جه علينا قلنا ننام .. والصباح رباح.

أم ليزا

:

قلنا ننام فين.. ننام فين.

ليزا

:

لقينا بيتك.

أم ليزا

:

خبطنا على الباب.

سندس

:

أهلا وسهلا.([25])

 

بحوار رشيق وإيقاعية متناغمة، ودون إشكال من حيث الجانب الإيقاعي في الكلام استطاع الكاتب السيد حافظ أن يصور جانبا من طيبة سندس وبالتالي الشعب الفلسطيني المضياف وكيد ليزا وابنتها أي اليهود وخبث الانجليز في تسليمهم فلسطين هدية لهم.             

خامسا : بناء المشهد المسرحي :

يتشكل عبر الأمكنة التي ترسم الأحداث، وتمثل بالمنطقة الريفية التي تعيش فيها البطلة سندس، ثم القصر ورحلة البحث عن العشبة أو ورقة الزعفران .

ويتبع تشكل المشهد المسرحي بتشكل المشهد الموسيقي، والذي يتناسب مع الموقف المشهدي بعامة ونشير إلى جملة من الأمثلة، فكل المشاهد والفصول تختتم بلوحة استعراضية موسيقية وأنشودة.

إن رسم المشاهد متناسق ويتناسب والمواقف، واستخدام فنيات الكتابة المسرحية الملائمة، كوضع الأقواس عند وصف حالة الشخصية، وعلامات التنصيص الدالة على التناص وعموما فإن بناء المشاهد في مسرحية سندس، حواري توافقي، ويمثل الرؤية الإيجابيةالتي يكتنزها الكاتب السيد حافظ ويحاول أن يبثها في نفوس الناشئة .

سادسا : شعرية اللغة:

على الرغم من أن لغة النص تراوحت بين الفصحى والعامية إلا أنها وظيفية وسليمة ، وتوضع علامات الترقيم بشكل جيد إجمالا، واللغة مناسبة للفئة العمرية التي تتوجه إليها المسرحية، ورغم أنها تتناسب ومستوى الشخصية الطفلية، لكنها لا تقلل من جمالية اللغة في هذا النص المسرحي الطويل.بعض الشيء. 

سابعا : الحوادث المسرحية:

تدور الحوادث المسرحية بين فضاء الريف والقصر والنهر، وتتخلل هذه الحوادث الرؤى الاجتماعية، التي تبني الصداقة والمحبة والتعاون والتضحية، وتمثل بذلك رؤية المؤلف السيد حافظ كهدف للمسرحية، لتكون الحياة أجمل للجميع

استطاع المسرحي السيد حافظ النص أن يكشف عن خوالجه الفنية ، والتي تحمل بطياتها القيم المثلى، وبالتالي، فإن الوطن يبقى الأجمل، إذ لا يستطاع العيش في مكان غير الوطن، فالنص المسرحي يتوجه إلى الإنسان، للبحث عن الوطن الذي يحبه، ليجد أن الوطن الذي عاش عليه أجداده هو وطنه، فلا ينبغي التفريط فيه

وقد أبانت الحوادث المسرحية عن الرؤية التعليمية في كل جزئيات المسرحية، وهي مسرحية تعليمية، تماشت مع رؤيتها المدرسية والمقصودة لذاتها.

ويبين النص في النهاية أن لكل واحد موطنه،الذي لا بديل عنه، والذي لا يستطيع أن يبتعد عنه، لأسباب كثيرة منها الروابط الروحية والاجتماعية والدينية والبيولوجية ، سواء أكانت المعيشة أم العلاقات والشبكة الاجتماعية، فهذا الحوار يقرر التحول في الحوادث المسرحية، وهو هدف المسرحية أصلاً.

 

ثامنا : عود على بدء:

إن الحوادث والشخصيات لعبت أدوارها المرسومة لها في النص المسرحي وفق المقصدية التي أرادها السيد حافظ، وكان لسندس الدور الكبير والحاسم والمهم في المسرحية، وقد كانت حاضرة في المسرحية منذ بدايتها حتى نهايتها. والشخصيات في المسرحية لديها قابلية للتحاور والفهم والتقبل، فالشخصيات المسرحية التي حاولت تجاهل الوطن أو هجرته، تجد نفسها راغبة برؤيته والرجوع إليه، وهذا ما يعني تحول موقف الشخصية، لتكون الشخصية نامية بما يتوافق مع الحكاية، والتي تشير إلى البحث عن وطن، وتقرر الشخصيات بعد مدة، الرجوع إلى الوطن بعد حوار طويل أدى إلى إقناع الجميع بالاتحاد، وهذا الحوار لاتخاذ قرار الاتحاد، يبين عن التغيير الذي حدث في رؤية الشخصيات المسرحية، والتي كانت عازمة على هجر الوطن والسكوت عن الحق، والابتعاد عنه أو التقاعس في أداء الواجب نحوه. ولذا، تقول سندس أمام الجميع:

 

سندس

:

فكروا فكروا قبل ما نقتل بعضنا كلنا ونضيع.

 

:

(أغنية يشارك فيها أبو صالح.. أبو عدنان.. أبو خليل.. أولادهم.. سندس.. تعبر الأغنية عن :

-      طرد العدو

-      طرد المحتلين لبيتنا ودارنا.

-      ضرورة التفكير فى تغيير الواقع.

-      لابد من عدم سماع كلام الأعداء.

-      لابد أن نواجه عدونا.([26])

 

إن الرؤية العامة للمسرحية، تتمحور حول التمسك بالوطن، وقد تضمنت المسرحية كل هذه الرؤية، إلى أن تصل الشخصيات إلى قرار حاسم بالاتحاد دفاعا عن الوطن الأم، فالشخصيات تؤكد لنا إن الدفاع عن الوطن لا يكون إلا في الوطن، بمعنى كيف يكون الوطن جميلا؟ وكيف نحقق غايتنا من خلال الوطن وليس بالابتعاد عنه، فجاءت الرؤية الأخيرة تؤكد هذه الرؤية من خلال الحوار بين الشخصيات.

إن الحوار المسرحي هنا مدرسي، كل شخصية تعرف دورها وتريد أن تقول ما لديها، وهذا ما يجعل المسرحية ذات رؤية مدرسية، وتقوم على معلومات مضبوطة، وفي نهاية المسرحية، تقرر الشخصيات تغيير الرؤية السلبية ، ولم تستمر بموقفها السلبي الذي يريد الوطن دون الدفاع عنه.



([1]) السيد حافظ مسرحية سندس ص32.

([2])طه عبد الفتاح مقلد. الحوار في القصة والمسرحية والإذاعة والتلفزيون، مكتبة الشباب، القاهرة، 1975، ص 10.

([3])السيد حافظ مسرحية سندس ص 5.

([4])حسن رامز محمد رضا. الدراما بين النظرية والتطبيق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972، ص 27.

([5])توفيق الحكيم. فن الأدب . ص141.

(([6] شكري عبد الوهاب. النص المسرحي، دار خلور للنشر والتوزيع، ط2، 2001، ص 11، نقلا عن: Elisabeth Woodbridj. The drama, Its Technique, allyn and Bacon INC. Boston, 1926. P13.

([7])المرجع نفسه، ص 11. نقلا عن:

W.T.Price, the technique of drama, Apleton Century Company, New york, 1935, p5.

([8])السيد حافظ مسرحية سندس ص8 و 9.

([9])عبد القادر القط. من فنون الأدب المسرحية، دار النهضة العربية، بيروت، 1978، ص34.

([10])السيد حافظ مسرحية سندس ص 11.

([11])شكري عبد الوهاب. النص المسرحي، ص 11.نقلا عن:

EDWARD GORDON GRAIG on the surt of the theatre, william heumen , ltd. London.1957.p 138.

(*)     التكثيف الدلالي: مصطلح سيميائي يقصد به أنه اللفظة في الحوار السيميائي بوصفها علامة سيميائية لا يمكن أن تدرس منعزلة بل في خضم العلامات المتداخلة من سمعيةـ بصرية، صوتية ولونية، فإذا قال الممثل "الجزئر" بصوت مرتفع وتبعتها موسيقى ثورية ولونت الخشبة بلون أحمر وكان نطقه لها جهوريا، وأتبع نطقها برفع الذراع إلى الأعلى ورفع الرأس، كل هذا يعتبر تكثيفا دلاليا.              

([12])إبراهيم الكيلاني. الأوراق النقدية. ص 196.

([13])شكري عبد الوهاب. النص المسرحي، ص 12 نقلا عن:

George Pierce bahur, Framatic Technique, Houghton Miffline Boston, 1919, p46.

([14])السيد حافظ مسرحية سندس ص 11

([15])شكري عبد الوهاب. النص المسرحي، ص 12، نقلا عن:

Alen Downer. The art of the play, halt, rinehart and winston, Inc New York, 1955, p 05.

([16])ينظر عادل النادي. مدخل إلى فن كتابة الدراما، مؤسسات عبد الكريم عبد الله، ط 1، تونس، 1987، ص 30.

([17])ينظر: سيدني فنكشتين. الواقعية في الفن، ترجمة درني خشبة، دار الجامعين للنشر، بيروت، لبنان، ص 12.

([18])إيليا الحاوي. الفن والحياة والمسرح، دار الثقافة للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1985، ص 102.

([19])أرسطو. فن الشعر، ترجمة عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، ط3، مصر، 1997، ص 43.

([20])ينظر: على أحمد باكثير. فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية، مكتبة مصر، 1991، ص 88.

([21])السيد حافظ مسرحية سندس ص 24

([22])فرحان بلبل. أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي، مطابع وزارة الثقافة، ط2، دمشق، سوريا، 2001، ص 122.

([23])السيد حافظ مسرحية سندس ص 24 / 25

([24])فرحان بلبل. أصول الإلقاء والإلقاء المسرحي، مكتبة مديولي، القاهرة، 1996، ص 09.

(*)     من بلدها. مسرحية ألفها سنة 2006، تعالج ظاهرة الزواج بالأجنبيات وآثارها السلبية على الحياة الزوجية خاصة، إذ يبنى هذا الزواج على مصلحة من الزوج من أجل الإقامة في الخارج أو ما شابه ذلك، فينجر عنه أن يصبح الزوج ذليلا أداة طيعة في يدي زوجته تمنعه ما تشاء وتمنع عنه ما تشاء.

([25]) السيد حافظ مسرحية سندس ص 2/ 3

([26])السيد حافظ مسرحية سندس ص 25

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More