دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 200)
محاكمة علي بابابقلم دكتورة : منيرة مصباح
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
محاكمة علي بابا
بقلم دكتورة : منيرة مصباح
عندما يكون المسرح هو قضية انتماء إلى الجغرافيا، إلى الواقع، إلى الناس، إلى الذاكرة والتاريخ، يصبح القيام بالعمل الفني عملية اقتراب من قلب الالتزام، لتغليب الجوهر السياسي والاجتماعي والانساني على القضايا الانسانية الاخرى.
ومن منطلق الاهتمام بثقافة الطفل نحاول طرح كل ما يهم هذه الثقافة ويدعمها في حقل الطفولة، لايماننا بان هذه الثقافة هي اداة للتغيير في المستقبل. والمسرح جزء من الثقافة العامة للطفل لما يتضمنه من اداة جذب مغرية لذهنه وعقله وبصره وكافة حواسه. لذلك كان على المسرح ان يكون في البداية ترفيهيا متضمنا قدرة على تحريك قدرات الطفل في مواجهة التغيير ، تغيير الاوضاع الخاطئة والسائدة في المجتمع، وليكون بالتالي وسيلة لنمو مدارك الطفل علميا واخلاقيا وادبيا دون افتعال. لذلك اتساءل ما هي القيم و المبادئ والاسس التي علينا زرعها في عقول اطفالنا الذين يمثلون انسان الغد ومستقبل المجتمعات الانسانية!
وما هي النواة الثقافية التي علينا غرسها في الاطفال لتنمو في اجواء صحية وسليمة داخلهم مع مرور الزمن ولتصبح جزءا لا يتجزء من تكوينهم النفسي والفكري والثقافي. كذلك ما هي معطيات الواقع الذي نعيشه والتي من الممكن ان نقدمها، وكيف نستطيع ان ندفع بالطفل العربي تجاه مستقبل أفضل، وبوعي قادر على التمرد على كل السلبيات القائمة في مجتمعاتنا والمؤدية إلى التراجع والسقوط في المفاهيم العامة غير المحددة. وخروجا من هذا التساؤل بنظرة على واقع ثقافة الطفل في كل حقولها كتابة وتجسيدا مسرحيا، نرى ان معظم العاملين في حقولها ليسوا من المتخصصين .
من هذا المدخل نتطرق لمسرحية الاطفال التي تحمل عنوان (محاكمة علي بابا) للكاتب السيد حافظ الذي يمتلك تجربة عميقة في الكتابة المسرحية بشكل عام ولمسرح الطفل بشكل خاص.
وهذا العمل المسرحي للكاتب ليس الاول في حقل ثقافة الطفل، فقد قدم سابقا العديد من المسرحيات منها مسرحية سندس والشاطر حسن. ففي كافة اعماله المسرحية يتناول السيد حافظ الحدث من خلال الموروث الشعبي ليقدمه للطفل بشكل يستطيع من خلاله طرح قضايا انسانية معاصرة وملحة يعيشها المجتمع. ففي مسرحية محاكمة علي بابا سنبحث في الفكرة المطروحة للطفل من خلال المسرحية والهدف لدى الكاتب من طرح هذه الفكرة، وهل استطاع ان يوصل ما يريد قوله لمدارك الاطفال؟ ان الفكرة الرئيسة المطروحة هي فكرة انسانية متداولة وعامة وقد عولجت اكثر من مرة وباساليب مختلفة، لكن الكاتب اعاد طرحها من منطلق الموروث، انها قضية الصراع من اجل البقاء، القائم منذ الازل في المجتمعات الانسانية.
لقد كان على الكاتب ان يقدم الفكرة المطروحة لديه بحكم تجربته في الاعمال السابقة، بشكل أوسع وأشمل، فالصراع الذي قدمه كان صراعا فرديا وكان عليه ان يقدم الصراع بمفهوم جماعي قائم في المجتمع وليس عرضه من خلال قضية علي بابا، الذي ما ان حصل على المال حتى تخلى عن محيطه واصدقائه ومجتمعه، ورحل عن ارضه ليستمتع وحده بالمال الذي حصل عليه صدفة دون اي مجهود او مقاومة او تعب لاقامة العدل في المجتمع. هكذا ظهر علي بابا كشخصية انتهازية كان همها طوال العمل المسرحي ان تصبح غنية كشهبندر التجار، مما حبب الاطفال بالشخصية السلبية. لقد كرس الكاتب مفهوم الانتهازية في المجتمع ليس بشكلها السلبي، وانما بشكل ايجابي من خلال افراد دون ان يلقي اللوم على الفكرة الانتهازية نفسها. خطأ آخر انفرد على مساحة العمل المسرحي، وهو الشخصية الرئيسة التي اعتبرها الكاتب رمزا لمجتمع مسحوق وبائس فالعائلة التي تنتمي اليها هذه الشخصية اي شخصية علي بابا، لم تكن عائلة فقيرة اومتوسطة، لان شقيق علي بابا ظهر كرجل غني يمتلك الاموال والبيوت ويضن على شقيقه بها فلا يساعده وهذا غير منطقي في مجتمع مثل مجتمعنا، وربما اراد الكاتب ان يتمثل المجتمع الذي تعرض عليه المسرحية، وهذا ما ظهر في اللوحة الغنائية الاولى التي قدمها، حيث لا يعطي الكاتب اي مبرر في ابتعاده عن طرح المفاهيم والمبادئ الانسانية الحقيقية والثابتة بمضمونها الصحيح وليس المختفي او الملتوي.
اما النقطة الايجابية في المسرحية والتي عرضت بشكل وحوار ومضمون جيد، من خلال الكلمة المليئة بالايحاء الفكري، كانت لوحات الاغاني. ان الاغنية في المسرح لها اكثر من دور، خاصة في مسرح الطفل لانها تفسر الاحداث مع الايقاع واللحن الذي يدخل سمع الطفل بسهولة، وبالتالي تلفت انتباهه وتركيزه الفكري لتختصر وتكثف حالة او فكرة مهمة يستوعبها الطفل بسرعة مع الايقاع الموسيقي، من غير ان يكون هناك ضرورة لتقديمها في حوارات طويلة مملة. هذا إلى جانب كون الاغنية تعلق على احداث المسرحية. هكذا جاءت كلمات اغاني مسرحية علي بابا.
اما في الاغنية الاولي، هناك قليل من النقد عليها وعلى ديكورها على المسرح، حيث نرى تناقض شديد في لون البشرة بين الاغنياء وهو التجار الاثرياء، وبين الحطابين الفقراء، فقد ظهرت بشرة الحطابين سوداء توحي بانهم عبيد، بينما التجار كانت بشرتهم بيضاء او حنطية.
هنا اتساءل: هل اراد الكاتب والمخرج معا ان يقولا شيئا اوفكرة معينة من خلال لون البشرة؟ وهما بالتاكيد يعلمان ما للون من اثر على مفاهيم الاطفال ومداركهم، فحاسة البصر من اهم ما يمكن ان يحرك فكر الطفل. ان اي عمل ثقافي يقدم للطفل يجب ان يدرس بشكله الجيد من كافة جوانبه ليكون سهلا على الطفل استيعاب الافكار وفهمها بوضوح.
والكاتب بالطبع اراد في كافة الاعمال المسرحية التي كتبها للاطفال ان يقدم ثقافة واضحة وحقيقية بالقدر المستطاع في ظل غياب حرية التعبير، التي تحول المسرح من كونه اداة من اجل التغيير والتقدم، إلى خشبة مشلولة تحيطها الرقابة الذاتية والخارجية من كل جانب.
وما توجه الكاتب في كتاباته المسرحية إلى التاريخ والتراث الثقافي والادبي ليعبر من خلاله عن قضايا تشغله في المجتمع الا دليلا على على غياب الديمقراطية التي ننتظر جميعنا الافراج عن مصادرتها في يوم مشرق
0 التعليقات:
إرسال تعليق