دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 216 )
التراث والتناص فى مسرح الطفل
عند السيد حافظ
بقلم : بـــدور زاد
"سندباد سواح في البلاد نموذجا"دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
التراث والتناص فى مسرح الطفل
عند السيد حافظ
بقلم : بـــدور زاد
"سندباد سواح في البلاد نموذجا" بلغني أيها السادة والسيدات.. الأطفال والطفلات أنه فى عصرنا الحالى بالتحديد فى مدينة الإسكندرية إحدى محافظات مصر المحروسة كاتب يقال له السيد حافظ شخصية واقعية تشابهت مع شخصيات خيالية فى كتاب الليالى والقصص الفرعونية القديمة سافر سبعة أسفار تزيد أو تقل ربما وكل سفرة من سفراته لها حكاية ومعركة ، وأنه ما وصل إلى هذا الكم من الإبداع عشرات الإطلالات الأدبية تزيد عن الثمانين إطلالة ما بين المسرح والرواية والقصة القصيرة والدراسات إلا بعد مشقة وانكسارات وهزائم وإحباطات ومعارك وأمل... كتب عن العديد من القضايا الاجتماعية كتب عن حقوق الإنسان حقوق المواطن عن العدالة الظلم القهر السياسى والإنساني عن الفساد عن الحرية والانتماء التعاون الإخلاص عن الغربة، حمل السيد حافظ أوراقه وأقلامه فى أسفاره واغترابه كسندباد سواح فى البلاد تارة من أجل الاستكشاف والمغامرة، وتارة من أجل لقمة العيش بعد أن عانى فى وطنه التهميش والإقصاء والتجاهل والغربة حتى بدت كتاباته نزفا مريرا موجعا للذات فتناصى مع بعض الشخصيات الأسطورية التراثية لتلتحم ذاته مع ذاتها لتصبح مدلوله الرمزى الذى يعبر به عن أحلامه وانكساراته وليسقط عليها كل أبعاد تجربته المعاصرة.
السيد حافظ الكاتب والأديب المصرى الكبير كتب العديد من الأعمال الأدبية والمسرحية خاصة التى تستلهم التراث الشعبى والفرعونى والعالمى ليعكس من خلالها قيم الخير والعدل والجمال والانتماء والارادة أراد من خلال تناصه مع هذا التراث الإنسانى أن يفكر الصغار والكبار من خلال خبرة هذا التراث واستنطاقه وتصبح شخصيات السيد حافظ التراثية هى المعادل الموضوعى لتجربته الذاتية وقضايا واقعه وليمد أيضا جسور التواصل الذى لاينقطع بين الماضى والحاضر والمستقبل
سعى الأديب إلى اختيار شخصيات كم أحببنا حكاياتها مثل سندريلا , الشاطر حسن, سندباد علاء الدين, على بابا والأربعين حرامى بابا نويل أبي زيد الهلالى.
خمسون عاما أو يزيد من المعارك الأدبية يبحث فيها السيد حافظ عن أوراق ثبوتيته وفى إحدى سفراته قرر أن يخاطب الصغار ويكتب لهم بعد أن فقد الأمل فى مخاطبة الكبار على حد قوله فقد رأى أن الاطفال هم الغرس الأول إن صلُح صَلح كل الثمر بضم اللام الاولى وفتح الاخيرة فهم المستقبل.. وكتب لهم ما يقرب من 18 مسرحية قدمت على مسارح متعددة فى الكويت وتونس والمغرب والعراق والبحرين ومصر.
وكانت أولى محطاته مسرحية سندريلا 1983 التى حصل بها على جائزة أحسن مؤلف عمل مسرحى موجه للأطفال ثم توالت أعماله مرورا بمسرحية سندباد سواح فى البلاد النموذج الذى اختارته الدراسة النقدية حيث تماثلها أو تناصيها الموظف
وهنيئا لجنون أخذه إلى هناك بعيدا وليس ببعيد عن أعمال كتبها للكبار كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى وحدث كما حدث ولكن لم يحدث أى, حدث والطبول الخرساء فى الأودية الزرقاء وكل من عليها خان وزنى وشرب قهوته سادة
ليبقى الأمل معلقا بالطفل فيفتح السيد حافظ صندوق دنيا السلف على دنياه ويمزج الغابات والاشجار والحيوانات والأسحار والأمثال والأحاجي والعجائب والأغاني والحكايات المشوقة والوحوش الأسطورية والرقص بالواقع ويقول المدد لماذا التناص....
أصبحت النصوص مفتوحة فى ظل النقد الحديث عن قراءات وطاقات دلالية متوالدة كتقانة أدبية تتعلق بعملية الإبداع أعلت من شأن سلطة القراءة ليصبح النص ليس هو المرجعية الوحيدة للتأويل والتحليل بل توجد له امتدادات فكرية وجمالية وتاريخية تربطه بآفاق مختلفة محلية وعالمية ألغيت معها كل الحدود بين الآداب والأجناس والتاريخ والتراث فلا وجود لخطاب خال من خطابات اخرى.
أصبح النص المفتوح نقطة انطلاق لمفهوم التناص الذى استخدمته الدراسات النقدية الحديثة كأداة إجرائية وتفكيكية لتأويل عمل المبدع تجاوزت فيه التيار البنيوى الذى اعتبر النص بنية مغلقة على ذاتها ومكتفية..
وأصبح محتوى النص لا يمثل وعى المؤلف فقط بل هو تبادل لأشكال عديدة من الوعى الإنسانى بتفاعل الماضى مع الحاضر مع المستقبل إنه الحوار المتوالد بين نصوص مختلفة وكتابات سابقة ومعاصرة يظهر فيها بشكل ضمنى أو مباشر
هكذا ظهر منهج التناص ليصبح أحد أهم الأدوات الإجرائية الوافدة على ثقافتنا العربية المعاصرة بعد انفتاحه على ساحات الثقافة الغربية وإن كان عرف قديما باسم السرقات الأدبية ٠٠٠٠
لقد أصبح القارئ أو المتلقى فى ظل منهج التناص ضمن العملية الأدبية يستحضر مخزونه الثقافى والتراكمى لتحليل النص ويقال إن الناقد والشاعر محمد بنسيس فى كتابه "ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب دراسة بنيوية تكوينية "هو أول من تكلم عن مصطلح التناص ونقله إلى اللغة العربية وأسماه ب "النص الغائب " سنة 1969ثم عاد واستعمل له ترجمة اخرى ،" هجرة النص "1988 ثم تداخل النصوص
إذا على القارئ أو الناقد أن يبحث عن مصادر النص ويربطه بسياق الثقافة التى شكلته فكل نص هو تناص أى تأليف بين أفكار قديمة وأفكار حديثة وأخذ معنى لإنتاج معنى آخر
التناص مفهوم ومصطلح ومنهج
لقد أجمع النقاد أن الناقدة البلغارية "جوليا كريستيفا "هى أول من وضع مصطلح التناص فى منتصف الستينات 1967 متأثرة بأستاذها الروسى "ميخائيل باختين " الذى لم يذكر المصطلح صراحة ولكنه تكلم عن " تعددية الأصوات " أو " الحوارية " قائلا :
- "مهما كان موضوع الكلام فإن هذا الموضوع قد قيل من قبل بصورة أو بأخرى "
تأثرت كريستيفا بفكرة الصوت المتعدد عند باختين فصاغت مصطلح التناص ونظرت إلى النص بوصفه نتاجا لنصوص سابقة فكل نص هو امتصاص وتحويل لكثير من نصوص أخرى، ويتلقف رولان بارت المصطلح من كريستيفا ويطوره ويدخل القارئ عنصرا فاعلا فى الوعى بالمدلول ليقول :
- "كل نص مهما كان جنسه هو نسيج من الاقتباسات والإحالات والأصداء من لغات ثقافية سابقة ولاحقة " ويعلى بذلك من سلطة المتلقى.
وفى 1981 يتناول جيرار جينيت مصطلح التناص بصورة أكثر نضجا وتوسعا ليفتح آفاقا أوسع فى دراسة التناص بدراسة مصادر النص سواء كانت من التراث الشعبى أو الاساطير أو التراث الدينى والأدبى والتاريخى ودراسة مصادره العربية والاجنبية ودوافعه إلى التناص والبحث عن المدد الفكرى والجمالى للنص فى نصوص أخرى بإتاحة حرية الفهم والتأويل على ضوء ثقافة المتلقى فيصبح التناص بذلك وسيلة لإضاءة المنتج الأدبى وكما قال الشكلى الروسى " تشكلوفسكى ":
"العمل الفنى يدرك فى علاقته بالأعمال الفنية الأخرى "
وبذلك يلتقى منهج التناص مع منهج الأدب المقارن لفهم عملية التأثر والتأثير لكنه يختلف عنه بالاهتمام بالوسيلة لإضاءة هذه العلاقة التأثرية وليس لإثباتها فتكون وسيلة إجرائية أكثر منها معرفية لرصد أوجه الشبه والاختلاف.. وقد تناول المصطلح نقاد آخرون وتحول إلى نظرية ومنهج هام من مناهج النقد الحديث.. واصبح مفهوم التناص هو التراسبات التراثية الأصلية والاحتكاك الثقافى منه ماهو ظاهرى (شعورى) يضمن فيه الكاتب نصا فى نص بطريقة واعية ومنه ماهو خفى (لا شعورى) تداخل نصوص فى بعضها بلا وعى...
أصبح التناص هو علاقة التذوق وليس مساحة التأثر والتأثير قيمته فى حسن توظيفه على مستوى الكتابة والنقد من خلال التعامل الفنى مع القصة أو أسلوب المعالجة.
هو الوسيلة التى تمنح العمل قيمته الجمالية من خلال الكشف عن أغواره وهناك التناص المتفرع عن قصة والمتفرع عن طريقة والموازى والمتفرع عن قصة يستعير فيه الكاتب قصة معروفة من الأساطير أو الدين أو التراث ويقدمها بطريقة جديدة.
والمتفرع عن طريقة يستعير الكاتب فيه الطريقة من نص آخر ليقدم عمله الأدبى أما التناص الموازى فهو التناص مع العنوان أو الشروح فمسرحية ياطالع الشجرة لتوفيق الحكيم مثلا تتناص مع مطلع أغنية شعبية...
نخلص من هذا أن التناص أخذ ترجمات عديدة وتعريفات كثيرة فهو الاسترفاد الإعارة الاجترار. الامتصاص. التحويل. التضمين. التداخل التعالق. الاستدعاء التداعى التراكم. توارد الخواطر النص الغائب المزج التوالد الاستعارة هجرة النص الحوارية. التفاعلية الاستحضار. التحاذى. النصوصية التشابك.
التوالد التراكم المعادل الموضوعى:
عرفت هذه المعانى المتعددة قديما عن النقاد العرب قديما تحت مصطلح السرقات الأدبية ارتباطا بالمنهج الأخلاقى فحسب وليس المنهج الجمالى والحوارى إلا أن الدراسات الغربية الحديثة تناولت التناص بالتحليل والدراسة والتطبيق وجعلت التراث منطلقا لدراسة النص وربطت الإبداع بماضيه وتراثه فكان التراث أحد أهم أدوات استجلاء الإبداع وربط الماضى بالحاضر خاصة فى المسرح فقد اتجه العالم كله نحو التراث بداية من المسرح الاغريقى العظيم الذى نهل كتابه من الالياذة والاوديسا والقصص التى تنتمى لتراثهم السابق وأساطيرهم بل استوحى كبار كتاب عصر النهضة من التراث وأساطيره أعمالهم الإبداعية مثل شكسبير وموليير وراسين ومن هذا المنطلق نتناول مسرحية سندباد سواح فى البلاد كنموذج للسيد حافظ على ضوء مفهوم التناص والمعادل الموضوعى الذى أوجده ليعبر به عن واقعه ووجدانه وأفكاره
سواء التى توجه بها للكبار أو للصغار خاصة أن إبداعات الكاتب اعتمدت معظمها على استلهام التاريخ وحكاياته الشعبية والتنقل بين أزمنة متعددة فكان التراث هو الوعاء الذى نهل من معينه ليعيد تشكيل محتواه وليصبح أحد أهم ملامح خصائص أعماله الفنية لنرى أثر ذلك فى البناء الدرامى ودور الشخصيات التى استدعاها من التراث والرسائل التى جاءت على لسانها لإدانة الواقع تارة وبث مجموعة من القيم تارة اخرى
وربما قصد الكاتب إلى جانب استخدامه الرمزى لهذه الشخصيات التنقيب عن الماضى لكشف تراث الأمة وتوثيقه وتعزيز الروابط بين الماضى والحاضر والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم وأخطائهم فقد قال الله تعالى :
" لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب "
وكما أفردنا بعض السطور لمحاولة مفهوم التناص نتكلم فى عجالة عن مفهوم التراث قبل الولوج إلى الكاتب وآليات التناص لديه فى عمله محل الدراسة..
ما هو التراث :
التراث كما عرف هو المخزون الثقافى الموروث من قبل السلف المتنوع بقيمه التاريخية والدينية والشعبية هو خلاصة ماخلفته الأجيال السابقة للأجيال الحالية ما خلفه الأجداد للأبناء والأحفاد هو ثروة من العادات والتقاليد والمعارف والثقافات والفنون والمأثورات الشعبية من معتقدات وحكايات وأمثال وأهازيج وأغانى واحتفالات ومناسبات هو الأفكار والمشاعر التى تتناقل جيلا بعد جيل هو عادات الناس لعبهم حكاياتهم خرافاتهم ألغازهم أحاجيهم هو المنقول قديما من فكر وشعر ونثر وفلسفة وأدب هو عصارة الجمال فلا حضارة بدون تراث وكان المسرح أكثر الأشكال الفنية احتضانا لهذا التراث وتوظيفه للتعبير عن هموم العصر وقضاياه.
لماذا سندباد ؟
سندباد هى الشخصية التى ابتدعتها شهر زاد فى حكايات الليالى
إنه بحار من بغداد يقال إنه عاش، فى زمن الخلافة العباسية فى بغداد
سندباد أجمل شخصيات كتاب الحكايات... حكاياتنا القديمة المثيرة الممتعة التى أحببنا مملكتها الخيالية
هو أسطورة البحار إحدى أهم شخصيات ألف ليلة وليلة بحار من بغداد كان جامحا لركوب الأخطار والأهوال والتحدى أضاع ثرورة أبيه فى اللهو وصحبة السوء مما جعله يتجه لركوب البحار عله يوفر أسباب الثراء والنعمة زار الكثير من الأماكن السحرية والتقى بالكثير من الوحوش والقرود والثعابين التى تأكل الآدميين
فى الليلة الواحدة والثلاثين بعد المائة تكمل شهر زاد حكاية السندباد وأسفاره السبعة...
التناص المأخوذ عن قصة :
عرفه المسرح العربى 1847 على يد مارون النقاش من خلال مسرحيته " أبو حسن المغفل " وهى حكاية النائم واليقظان التى وردت فى الليلة الثالثة والخمسين بعد المائة من ليالى ألف ليلة وليلة وكان تناصا إراديا أدخل إليه الأشعار والموسيقى والرقص والغناء ونجده أيضا بعد ذلك فى معظم مسرحيات توفيق الحكيم مثل شهر زاد وبجماليون وأهل الكهف ونجد هذا الشكل من التناص أيضا فى أعمال الفريد فرج الذى وقع فى حبال قصص التراث وكتب سبعة أعمال مستوحاه من قصص ألف ليلة وليلة وكتب رواية تناص فيها مع قصة سندباد وأسفاره بعنوان أيام وليالى سندباد
كما تناص السيد حافظ فى مسرحيته سندباد سواح فى البلاد مع قصة ترويها شهر زاد فى الليلة الثلاثين والواحد وثلاثين بعد الخمسمائة من ليالى ألف ليلة وليلة واستدعى شخصية سندباد بإطار حكايته المعروفة سندباد الذى أضاع ثروة أبيه وراح يغامر فى البحار بحثا عن سعة العيش
سندباد معادل موضوعى
قدم السيد حافظ معالجته المسرحية للقصة فى فصلين عبارة عن عشرة مشاهد.
يبدأ مسرحيته بمشهد على مقهى تشبه المقاهي المعاصرة وهى مقهى سنقر ومن خلال حوار بعض شخصيات المشهد الأول نتلقى مجموعة من المعلومات عن شخصية سندباد.
فيقول سنقر :
- سندباد طول عمره ولد فنجرى وذوق واللى فى ايده لغيره
ويؤكد سنقر على المعلومة فيقول لسندباد :
- انت مبذر ياسندباد صرفت فلوس ابوك يمين وشمال
ونعرف واقع سندباد أيضا من خلال سنقر صاحب القهوة
- الحساب تقل وانت مدفعتش من زمان
إذا تناص هنا الكاتب مع قصة سندباد واستدعاها كما عرفت سندباد الذى أضاع ثروة أبيه فى البذخ وأصدقاء السوء
لقد بدأ الكاتب مسرحية وحدد الفضاء المكانى والزمانى له الواقع قهوة (مقهى) معاصرة ثم سرعان مايتحول فى بداية المشهد الثانى إلى فضاء زمانى ومكانى مغاير يردنا إلى زمن الحدوتة البعيد وأمكنتها الغير معقولة بحر وأمواج ومغامرات العالم الأسطورى اللذيذ الذى يحبه الاطفال ويستمتعون بمشاهدته.. فنجد الفضاء الزمانى للحكاية هو زمن ألف ليلة وليلة، والفضاء المكانى هو بغداد.
سندباد يغذى روح الانتماء وحب الوطن
سندباد هو المعادل الموضوعى لحلم السيد حافظ فى وطن بلاغربة لروح الانتماء للتأكيد على أهمية الوطن فى حياة الإنسان بل فى حياة الحيوان نفسه.. جعل الصغار يجوبون معه البحار ويلتقون بالأميرات المسحورات إلى وردات ويتحاورون مع الحيوانات ويصارعون القرود ويسمعون الألغاز ويحاولون حل طلاسمها ويغنون ويرقصون ويستعرضون تعابيرهم الجسمانية والذهنية كل هذا ليؤكد فكرة الوطن وأهميته وهو البعد الجديد الذى أراد الكاتب أن يضفيه على قصة سندباد
فالجميع يطلب من سندباد الهروب من الشرطة والدائنين والسجن لكننا نراه يقول:
" اهرب على فين فى حد يسيب بلاده
دا كل واحد بلاده احلى بلاد
فى المشهد الثامن من الفصل الثاني يؤكد الكاتب قيمة الوطن على لسان سندباد عندما يطلب منه السلطان أن يكون سلطانا للبلاد فيقول سندباد :
- يا عم انا م…
تناص الحيوان :
انطلاقا من مفهوم التناص للنص بأنه مزيج من الإحالات والاقتباسات والاستدعاء والتعابير السابقة واللاحقة
نلاحظ أن أحد ملامح الحكى فى مسرحية سندباد سواح فى البلاد على لسان الحيوان أو ما يسمى تناص الحيوان
استخدمها السيد حافظ كما استخدمها أمير الشعراء أحمد شوقي لتشكل جسرا فاعلا ولتأتي على ألسنتهم الدروس والعظات
وفى الزمن البعيد قيل إن خزائن الحكمة الخمس أو ما سمى بحكايات البانجا تنترا كانت حكايات هندية قديمة ترجمت إلى لغات عديدة وضع فيها البانجا تنترا برهمي حيوان يفصح من خلاله عن أفكاره كما حكايات كليلة ودمنة التى نقلها إلينا عبدالله بن المقفع بعد ترجمتها.
فى المشهد التاسع حيث الفضاء المكانى غابة :
والفضاء الزمانى الزمن البعيد استخدم الكاتب الأسد والنمر والثعلب والقرد والكلب ليرسل على ألسنتهم عدة رسائل تعكس روح عصر الكاتب ومفارقاته فالأسد ليس هو ملك الغابة كما نعرف بل فى الغابة الملك الجديد هو القرد هو الحاكم والمحكوم هو الأسد فالقوى لم يعد قويا والضعيف لم يعد ضعيفا إنها موازين الحياة التى قلبت رأسا على عقب
الجميع جميع الأقوياء الذين كانوا سادة أصبحوا عبيدا فى مملكة القرد فيقول سندباد :
- معقولة ياغير الزمان والسادة يبقوا عبيد
- يادى الزمان اللى يضحك فيه قرد على اسد
فنحن نعرف أن القرد هو مضحكنا بشكله وحركاته وقفزاته لكنه ما عاد مضحك السادة تبدلت الأماكن إنه منطق العصر المقلوب كما يراه الكاتب عصر توتو وكوكو فلا أحد فى مكانه ولا أحد يلعب الدور المنوط به ولم يعد المقام يناسب المقال والعكس
إنه عصر القرود
لقد استفاد الكاتب من حب الأطفال للحيوانات وصداقتهم لهم وقال على لسانهم ما أراد أن يقوله ربما وجه رسائله أيضا للكبار وعكس روح عصره.
التناص الدينى فى النص :
يطلب سندباد فى المشهد الأخير من باك باك القبطان أن يجهز مركبا فى ست ساعات قائلاً :
- جهز مركب كبيرة تاخدنا كلنا نسافر إلى بلاد غير البلاد
لينقذهم من بطش القرد توتو وكوكو ورفضا لهذا الوضع المقلوب تناص الكاتب هنا مع قصة سفينة نوح السفينة التى صنعها لحماية عائلته والحيوانات من الطوفان العظيم بعد أن كثر شر الناس حسب ما جاء فى الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلامية ففى الآية 40 من سورة هود يأمر الله سيدنا نوح أن يحمل فى السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكر وأنثى ويحمل أهل بيته إلا من لم يؤمن بالله كابنه وامرأته ليهلك جميع المفسدين وقد ذكرت السفينة أيضا فى عدة أساطير قديمة مثل أسطورة الطوفان فى السومرية الاكادية وسميت بقارب النجاة الذى حافظ على الجنس البشرى التناص هنا لدى الكاتب يحمل دلالة رمزية مضمونها: إن الجميع يحتاج إلى قارب نجاة ضد طوفان الظلم والفساد والمفسدين.
الغناء والاستعراض والأمثال والبلورة السحرية :
كان لابد لمخاطبة الطفل إمتاعه وتسليته وأثارته وجذبه وتنمية ذوقه ليسير الجمال والمتعة جنبا إلى جنب مع القيم التربوية والأخلاقية المطروحة.
وذلك باستخدام الكاتب لغة سهلة وحبكة بسيطة وإن بدت خيالية تضفى روح المغامرة والجو الأسطوري الساحر لتنشيط خيالهم واستخدام الأغاني والاستعراض لإضفاء روح البهجة والإمتاع لمنح الأطفال الفرح إلى جانب استخدام أسماء ظريفة تجذب الطفل مثل باك باك وتوتو وكوكو وشاكر وشكير وقوت القلوب وكحل العين وقمر الزمان .
فالأطفال يحبون اللعب والغناء والرقص والأحاجي والحيوانات والألغاز كلغز الوردات الثلاث كلها وسائط استخدمها الكاتب لينقل مجموعة من القيم بأسلوب بسيط يحبه الأطفال.
السيد حافظ والفريد فرج :
قبل الخاتمة تداعى إلى رأسى سندباد الفريد فرج وتلك المقاربة الشديدة بين همه الشخصى والقومى وهم حافظ.. كلاهما نشأ فى الاسكندرية كلاهما عاش مرحلة تحولات كبرى من الملكية إلى الجمهورية إلى عصر الانفتاح وكامب ديفيد، وقد شغلا بالهم الوطنى والعربى وآمن كلاهما بالتطوير والتجريب وتمردا على القوالب المستوردة ونهلا من معين وحلما بمسرح عربى أصيل التراث وتناص سندباد السيد حافظ مع سندباد الفريد فرج رغم أن الاخير كتبها على شكل رواية إلا أن كل منهما كان يهتم لمصيره ويبحث عن وطن ربما فى قصة حب مع فتاة أو حب مع الأرض المكان.
لقد انصهر التاريخ مع الأسطورة مع المسرح مع الرواية وذابت المسافات فى الدراسات الحديثة.
خاتمة
أراد السيد حافظ من خلال تناصه مع التراث ان يفكر الكبار والصغار من خلال خبرة التاريخ أراد أن يحيى التراث ويستنطقه من اجل اهداف اخلاقية وقومية وانسانية ومسرح الاطفال لديه جعل من التراث احد مصادره وكانت حكايات الف ليلة وليلة احد روافده فخلق واقعا بديلا يبتعد به مكانيا وزمانيا لكنه فى ذات الوقت يربط الماضى بالحاضر
والشخصيات الاسطورية التى استدعاها السيد حافظ ماهى الا ظلاله واحلامه وهزائمه.
المراجع :
- القرآن الكريم.
- د. ابراهيم رمضان التناص فى الثقافة العربية المعاصرة دراسة تاصيلية فى بيليوجرافيا المصطلح - مجلة الحجاز العالمية العدد الخامس محرم ١٤٣٥ – ٢٠١٣.
- د. عبدالواحد لؤلؤ ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ، ط١ ١٩٨٠م.
- أنظر بارت رولان نظرية النص - ترجمة وتعليق محمد خير البقاعى - مركز الانماء العربى - بيروت -١٩٨٨- العدد الثالث.
- انظر عز الدين المناصرة - علم التناص والتلاص - دار مجدلاوى،عمان - الطبعة الثالثة.
- انظر حسين ميرزارى - التناص الادبى ومفهومه فى النقد العربى الحديث - جامعة ازاد الاسلامية - ٦ ايلول ٢٠١١.
- انظر رسول بلاوى -التناص القرآنى فى شعر يحيى السماوى،ديوان العرب ٣١/٥/٢٠١١.
- انظر ابو الحسن سلام -الكتابة المسرحية من منظور التناص ،الحوار المتمدن -العدد ٣٥٩٢
- انظر شنايف الحبيب -السيد حافظ وتجربته فى مسرح الكفل ،دراسة فى مسرحية الشاطر حسن
- انظر صفاء الدين الأسدى _ مسرح الكفل نشأته واهدافه - الحوار المتمدن - العدد ٤٤٣٢ -٢٠١٤
- مديحة عبدالكريم ابراهيم عمر -مسرح الطفل فى مصر والعالم، دار غريب للطباعة والنشر -2٠11
- د. عبدالكريم برشيد - مسرح السيد حافظ بين التجريب والتأسيس - جريدة السياسة المغربية ٢٠/١٢/١٩٨٤
- انظر فتحى عبدالفتاح -النص الادبى والتجريب -جريدة المساء -٢٠/١٢/ ١٩٨٨
- انظر مفيد قميحة -الكتابة والشعر -دار الكتب العلمية -بيروت لبنان ١٩٨٩ م
- بلبل فرحان - المسرح العربى المعاصر فى مواجهة الحياة _منشورات وزارة الثقافة -دمشق – ١٩٨٤.
- د. احمد زياد محبك - التناص فى المسرح العربى - موقع الكاتب
- حسين فوزى - من حكاياتنا القديمة السندباد - عالم المعرفة - ٢٠٠٣
- عماد عبدالراضى -الحكايات الشعبية القرعونية فن مصرى نهل منه العالم -الاهرام -٧ صفر -١٤٣٦-٢٠١٤ ،العدد ٤٦٧٤٤ - السنة ١٣٩
- د. سيد اسماعيل على -اثر التراث العربى فى المسرح المعاصر، دار قباء للنشر -القاهرة -٢٠٠٠
- علاء الجابر - تشكالية توظيف التراث العربى فى مسرح الطفل، ١٩ ايلول 2٠٠٠٨
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن اسماعيل -استلهام التراث الشعبى فى المسرح -ملتقى النص المسرحى السعودى - الدورة الاولى ١٠/ ٢٠١٠
- د. مصطفى رمضان - توظيف التراث واشكالية التأصيل فى المسرح -مجلة عالم الفكر -الكويت المجلد السابع عشر ،العدد الرابع ١٩٨٧
- د. محمد مظهر -ادب الاطفال فى الادب العربى الحديث مجلة الداعى الشهرية عن دار العلوم ذو الحجة ١٤٣٥ -اكتوبر ٢٠١٤ -العدد ١٢
- منى خليل -جريدة الفنون آذار / مارس / ٢٠٠٦ السنة السادسة -العدد ٦٣
- د ايمن حماد تاثير التراث الشعبى فى المسرح -الثقافة الشعبية البحرين -العدد ١٣ -احسن ثليلالى - توظيف التراث فى المسرح الجزائرى ،اطروحة لنيل الدكتوراه جامعة منتورى ٢٠٠٩ - ٢٠١٠
- انظر السيد حافظ - مسرحية سواح فى البلاد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق