دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(157 )
سندريلا شكلا.. وموضوعا..
بقلم : وليد أبو بكر
دراسة من كتاب
التنوع الدلالى فى مسرح الطفل
ما بين التناص والتراث والإخراج
" الجزء الأول"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
سندريلا شكلا.. وموضوعا..
بقلم : وليد أبو بكر
المبرر الوحيد – عادة – لاستعادة إحدى الحكايات المعروفة في نص جديد هو تقديم فكرة جديدة من هذه الحكاية، أو إعادة صياغتها بشكل جديد غير الذي عُرفت به، خاصة إذا كان بعض ما تطرحه الحكاية لا يتفق مع ما استجد من الوعي الثقافي أو التربوي، وسبل التوجه إلى الطفل لتوجيهه وتنشئته.
وإن كان المعنى الذي أخذ منه اسم الفتاة اليتيمة مرتبطاً (بالسخام) الذي يصدر عن حرق الفحم أو الحطب، فيلطخ ما يصل إليه بالسواد، بالرغم من ذلك فإن الاسم حمل معناً جميلا مع انتشار الحكاية، لدرجة أنه يطلق – تحببا – على بعض الممثلات، وقد قدمت هذه الحكاية في كثير من وسائل الفن الحديث، بدءا بالرسوم المتحركة، وانتهاء بالإنتاج السينمائي الضخم، ولهذا فإن الإنسان يتوقع – عند تقديم الحكاية من جديد – أن تقدم بشكل مختلف، لا أن تعرض على الأطفال كحكاية يعرفونها. ولكن هذا التوقع لم يحدث، لأن الحكاية استعيدت، ولم يَجِد فيها إلا التحايل لتقديم الساحرة التي حولت الفئران إلى خيول، وإلى حكاية أخرى معروفة أضيفت إلى الحكاية الأصلية دون رابطة، هي حكاية الراعي والذئب، وإن كانت قد قدمت بشكل جيد بأسلوب خيال الظل، الذي شوهته الإضاءة مرتين – دون مبرر أيضا – وهي تتابع حركة أم الخير وسندريلا. وإذا كانت استعادة القصة قد وجهت إلى الأطفال بعض النصائح، وقدمت لهم بعض التساؤلات حول الإنسان الذي يبلغ مرتبة الملائكة – فلا يكون إنسانا – فقد جاءت هذه النصائح مباشرة ومقحمة بشكل واضح، كما أن التساؤلات تحولت إلى فلسفة فارغة.
تحسين الصورة :
ومع ذلك استطاع تنفيذ هذه المسرحية أن يجعلها خطوة متقدمة عن معظم ما قُدِّم للأطفال من أعمال مسرحية حتى الآن – ربما باستثناء سندباد محفوظ عبد الرحمن – بالخبرات التي وقفت وراءها من ناحية، وبزيادة التجربة لدى مخرجها منصور المنصور، ولدى ممثلتها الأساسية هدى حسين.
والجهود التي تضافرت – علميا – لتحسين صورة المسرحية هي جهود د.مصطفى عبدالوهاب مصمم الديكور، وفلاح هاشم كاتب الأغاني، وطالب غالي ملحنها، ود.حسن خليل مصمم اللوحات الاستعراضية، وقد استطاع الديكور أن يتجاوز الحاجة إلى تغييره عندما اختار تقسيم المسرح إلى قسمين : أولهما للمنزل الذي تعيش فيه – ولا أدري لماذا حوفظ على اسمها رغم تكويت النص، والثاني لقصر الأمير. واستطاعت القطع والستائر المتحركة أن تؤكد الديكور الذي يجري فوقه الحديث، بالرغم من أنه كان بالإمكان إضافة قطع تخفي واجهة المنزل عندما يتركز الحديث في القصر، خاصة وإنه أقرب إلى المُشاهد من القصر ذاته.
أما كلمات الأغاني فقد تفاوتت بين الضعف والقوة. ويبدو أن علينا أن نذكر دائما بأن الكلمة المغناة، المؤداة مع الموسيقى – يفترض أن تكون كلمة شاعرية. وقد خرجت الكلمات كثيرا عن هذا الشرط، لتصبح مجرد كلمات من لغة الحديث العادي، لا تتجنب التغني بالفجل والبصل، وحتى الجوتي (الحذاء) .
أما الألحان فكانت قوية، وقد تفوقت على الكلمات معظم الوقت، كما ارتفعت إلى مستوى اللحن المفرد لأغنية مفردة في بعض الأوقات، ولا شك أن تجربة طالب غالي الطويلة والناجحة في التلحين قد خدمت المسرحية كثيراً، كما خدمتها الحركات المدروسة للدكتور حسن خليل، وهي حركات كانت واضحة منذ اللحظة الأولى، وقد ميزت هذه المسرحية – في استعراضاتها عن كل ما سبقها وساعدت المخرج في أداء عمله كثيراً. فكان إخراجه هذه المرة ليس عفوياً، وتحريكه للممثلين جاء منظما بشكل يؤكد تنامي قدرته في هذا المجال.
ماذا تقول ؟
ويبقى السؤال الأكثر أهمية وهو : هل تصلح هذه المسرحية – كمضمون – لتقدم للأطفال كما قدمت ؟ والإجابة القاطعة ستكون بالنفي، وهذه إجابة ليست عارية عن أسبابها أبدا. إن عقدة الحكاية الأصلية – وكما تقدمت – تقوم على وحشية زوجة الأب، وهذه ليست قضية يمكن التسليم بها بسهولة، ولا تعميمها، لما في ذلك من نظرة سيئة تزرع في نفوس الأطفال تجاه زوجات الآباء، وما أكثرهن في مجتمعنا. فهل يصح أن يتبنى المسرح هذه الفكرة، ويقدمها للطفل بشكل جمالي مقنع ؟
إن أية حجة تقول أن وفاء الفتاة الصغيرة الطيبة. وهذا الحل ليس مفتعلاً وحسب، ولكنه مخدر أيضا لأن مثل هذه الصدفة لا يمكن أن تكون قانونا اجتماعيا، ولأن مهمة الفن الأساسية تكمن في استشفاف القانون الاجتماعي، حتى يعمل متلقي الفن على تأكيد وجوده وفاعليته. وبالرغم من أن مادة الحكاية تعطي الفرصة للتحرك من خلالها باتجاه الفن الحقيقي، إلا أنها في النص الذي قدم قد زُعزعت ففقدت مدلولها الاجتماعي كليا. فالفتاة في الحكاية الأصلية فقيرة ولكن النص جعلها ابنة سيد السوق التي فقدت جاهها بسبب وفاة والدها، وتحكم زوجته – غير المبرر أصلا – بها. ومعنى هذا أن اختيار الأمير لها كان مجرد إعادة حق فقدته لفترة، لا اختيارا للصفات الطيبة التي تتحلى بها. وهي أيضا صفات مجردة، لم تربطها المسرحية بأية أسباب حتى ولا بحالها ذاته. كما يشير إلى الاستسهال في إعداد حكاية شهيرة جداً، ومثيرة للأحلام دون النظر الجدي إلى المضمون الذي تقدمه لجمهورها الأساسي من الأطفال. وهذا يعني بالضبط أن مسرح الطفل في الكويت مازال يهتم بالشكل قبل كل شيء فيقدم تشكيلا جماليا بالرقص والأداء التمثيلي – بقدر ما يستطيع – وجمالها موسيقياً وصوتياً – بقدر ما يستطيع – وينسى المهمة الأساسية له، وهي التوجيه، والذي نبع من ذات العمل ككل، لا من جمل عابرة تدعو الطفل إلى الصدق وحسن المعاملة وأشياء أخرى.
وإذا كانت مؤسسة البدر، هي رائدة مسرح الطفل في الكويت، قد استطاعت أن تحقق خطوات إيجابية على مستوى الشكل، كانت سندريلا آخرها، فإن عليها أن تلتفت بجد إلى أهمية ما تطرحه من مضمون حتى لا يكون مخربا في بعضه أو مجرد ترداد للنصائح التي يسمعها الطفل كل لحظة في أحسن الأحوال.
0 التعليقات:
إرسال تعليق