دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(197 )
الأنساق الثقافية المضمرة
بخطاب مسرح الطفل لدى السيد حافظ
بقلم أ.د جميلة مصطفى الزقاي
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
الأنساق الثقافية المضمرة
بخطاب مسرح الطفل لدى السيد حافظ
بقلم أ.د جميلة مصطفى الزقاي([1]) " الجزائر "
يشكل التراث الإنساني ومنه العربي خزانا لا ينضب من الأفكار والمواضيع والحكايا التي يحفل بها الريبرتوار المسرحي العربي. وعلى اختلاف الباحثين حول مصطلح "تراث" ومنه "التراث الشعبي" أو "الفنون الشعبية"؛ فإن هذا التعدد في تسمية التراث ينم عن الاختلاف والضبابية الذين يكتنفان إعمال المصطلح وتحديد ما يحويه من ضروب التعبير الشعبي وعسر تصنيفها لدى البعض. حيث أن دلالته بقيت مطردة فيما بين الباحثين الأنثربولوجيين على الرغم من قفزهم على إشكالية كونه علماً أو فناً "هل يشمل أنماط التعبير الشفهي كالحكاية الخرافية، والأسطورة، والسيرة الشعبية، والألغاز، والأمثال، والأزجال، والأغاني، أم يتجاوز ذلك إلى أنماط التعبير المادي، كالعمارة، والأزياء، والأواني، والمنحوتات، والرسوم، وما إلى ذلك؟ أم أنه يشمل هذه وتلك ويتجاوزها إلى أنماط التعبير الحركية والعادات والتقاليد"([2]) تحوم هذه الأسئلة جميعها حول تحديد ماهية التراث الشعبي وما يشتمل عليه مكنونات لا حصر لها. كما تدل على مدى تباين رؤى الباحثين حوله.
والتراث الشعبي لدى البعض هو بمثابة تركة يخلفها السابق للاحق في تسلسل متواصل، ولذلك فهو يشمل ما تراكم خلال الأزمنة الغابرة من بقايا أسطورية وميثولوجية قديمة، وأفعال وعادات وتقاليد وسلوكات وفنون، وكل ما له علاقة بالتركة التي يرثها الشعب عن أسلافه وأجداده، كما يضم هذا المصطلح الفلكلور والأدب الشعبي المدون والشفهي...([3])
هذا ويتسم التراث الشعبي بجملة من الخصائص والمميزات يمكن إجماله في:
1- لا يعبر التراث الشعبي عن وجدان فردي واحد، وإنما يعبر عن وجدان جماعي لأنه يزخر بموروث عميق عمق تاريخ الأمم.
2- مجهولية المؤلف إذ أقر باحثو التراث أن كل أدب معلوم مؤلفه لا يدخل في عداد التراث الشعبي، وهي قاعدة عامة.
3- خضوع الموروث الشعبي الشفهي للتغيير، لانه لا يمكن أن يتواتر عبر الأجيال دون أن يتبدل؛ سواء على مستوى المفردة اللغوية أو على صعيد الظاهرة الموسيقية المصاحبة للكلمات المرددة في الأغاني الشعبية، أو في القصص الشعبي، أو السير الشعبية ..([4])
وما لا يقبل النقاش هو الهدف المتوخى من هذا التراث الشعبي الذي يحفظ ويحافظ على الهوية الثقافية للشعوب، ويعقد صلة القرابة فيما بينها، فيحدث نوعا من التواصل الاجتماعي الذي لا يمكن لغيره أن يجسده، من خلال إماطة الباحثين للغطاء عن نقاط الالتقاء والتماثل عن أنواع التراث التي تجمع فيما بين الشعوب المختلفة، في أجواء من الفرح والحميمية والإيخاء والتقارب والتكافل الاجتماعي الذي ينتعش بفضاءات ممارسة جل أشكاله، بل حتى مواقع إقامته هي جزء لا يتجزأ من المنظومة التراثية شكلا ولونا نلفيها تنضح بالتنوع والجمال.
لطالما يضفي التراث على حياة الكبار نوعا من التغيير الذي يرتقي بالفرد من حالات نفسية واجتماعية وفكرية قد نال منها الروتين وأخذ منها مأخذه، إلى عوالم الروح الجماعية والانسجام مع الذوات الأخرى التي تذوب وتنصهر فكرا وروحا ووجدانا وانفعالات في ظل أشكال هذا التراث الشعبي وما يزخر به من مكنونات ذات مفعول سحري في حياة الفرد والجماعة في أي حيز جغرافي كان.
هذا عن التراث الشعبي وأثره في خاصة الناس وعامتهم، وإذا تعلق الأمر بالأنساق الثقافية للتراث في أدب الطفل ومن ضمنه مسرح الصغار، فهذا يعني استحضار شكل من أشكاله في نسيج أحداث النص الموجه لشريحة الصغار، والعمل على استلهام هذه الأشكال من الريبرتوار الإنساني أو العربي على غرار كليلة ودمنة أو من ألف ليلة وليلة أو من سير وبطولات بعض الشخصيات الملحمية التي اشتهرت في فترة من فترات التاريخ العربي أو العالمي، أو من بعض الأساطير، والحكايا الخارقة المثيرة، والقصائد، والنوادر الفكاهية، والأمثال الشيقة، بحسب المرحلة العمرية لهذا المتلقي ذي الخصوصية المتميّزة؛ ذلك لأن كل مرحة من مراحل النمو تتباين عن الأخرى وقد تتقاطع في بعض مظاهر النمو.
هذا وينبغي تكييف هذه الأشكال التراثية بإعادة صياغتها وتحويلها إلى قصص ومسرحيات مبسَّطة وإلى قصائد شعر وأغان ومنحها لوناً يتناسب وروح العصر الذي يعيشه الطفل. حيث كثيرا ما ينجذب الأطفال نحو الأعمال التي تتخذ طابعاً تراثياً، وتؤثر في عقولهم ووجدانهم، كونهم يتعايشون مع الطقوس الشعبية، لأنها تحمل النكهة الساحرة واللغة الجميلة.
يعمد الكاتب إلى تبسيط المادة التراثية في شكل قصة أو مسرحية، أو قصيدة ومن أمثلة التبسيط؛ كأن يعرِّف الأطفال بشخصية تاريخية هامة، ويجعلها تتحدث عن نفسها، مولدا ونشأة وأعمالا، مع استعراض نماذج من إبداعاتها وأعمالها بأسلوب مبسَّط ومناسب. وتعتبر بعض الأجناس الأدبية أكثر طواعية لاستثمار التراث، وأكثرها مقدرة على استلهامه ومن بينها المسرح والشعر وغيرها. ويهدف هذا التوظيف إلى إطلاع الأطفال على تراثهم، والسماح لهم بالتعرف على الشخصيات الهامة في تاريخ أمتهم، كما يسعى إلى غرس القيم والمثل والفضائل في نفوسهم، إذ بإمكانها أن تترسخ في أذهانهم، بالإضافة إلى توسيع آفاق معارفهم، والعمل على إثراء ثقافتهم، وإكسابهم الخيال الخصب .
تحتاج هذه العملية إلى شروط معيَّنة لتحقِّق أهدافها، وأهم عنصرين للتعامل مع التراث كما يحدِّدها الشاعر "سليمان العيسى" هما: الرؤية الجديدة واللغة الجديدة "حيث تعني الرؤية الجديدة تكييف العمل وفق ما هو سار في الحاضر مع بعث الحياة فيه، وجعله جديداً على الدوام. ويقصد باللغة الجديدة تلك الوسيلة التي تجعل من هذا الماضي البعيد شيئاً قريباً منا ومألوفاً لدينا. إذن لنجاح عملية التوظيف والاستلهام يحسن قراءة التراث قراءة جيدة، وفهمه فهماً سليماً وتقديمه برؤى وعاطفة جديدة؛ حتى يتسنى له التأثير في المستقبل الصغير ويغيّره نحو الأفضل، وذلك بفضل قراءة معاصرة للتاريخ، إضافة إلى مزج ساحر بين الأصالة والمعاصرة.
ولا يعني ذلك إجراء تغيير على مستوى الموضوع الأصلي، والابتعاد به عن جوهره، كما لا يعني ذلك الاحتفاظ بحيثياته حتى يبدو النص الجديد تكرارا واجترارا للنص التراثي الأصلي. ويستحسن تحري الدقة والموضوعية والنظام والوعي بحقيقة هذا الكائن الفيزيولوجية والنفسية والذهنية، ودراستها عن كثب بطريقة تخدم حاضر الطفل ومستقبله دون الإساءة للماضي. كما يجب أن يحقِّق هذا التوظيف الأهداف التربوية والأهداف الفنية معاً.([5])
وإذا كان التراث تعبيرا عن أصالة الشعوب، ومن دعائم وجودها وبقائها، فإنه من الضروري توظيفه بطريقة تتيح للأطفال التعرف على تراثهم وما اعتراه من نفائس في فترات تاريخية متألقة من ماضي أسلافهم الغني بالأحداث والوقائع المثيرة والمشرفة في الوقت نفسه .
علاوة على هذا ينبغي عدم إغفال ما للأدب الشعبي من ثراء بالمواضيع التي يمكن استلهامها وصياغتها بما يوائم مدارك الأطفال، ويتماشى ومستوى تفكيرهم ونضجهم العقلي والانفعالي واللغوي. وحري بالمبدع في هذا المقام أن يكرّس جهده للعمل على تناسب الحوادث المنطقية مع معطيات العصر الذي يعيشه الأطفال، ثم تُعرض بأساليب مشوِّقة ومثيرة تحفّز خيال الطفل وتستثير عواطفه، وتعمل على تعميق انتمائه الإنساني، وتغرس في أعماقه قيما ثمينة تنمي حسّه الجمالي، وتبقي أفق انتظاره متقدا على الدوام بفضل تلك المادة التراثية التي تمّ استلهامها بغية تجسيد الأهداف والغايات السلوكية والتربوية والترفيهية.. .
ويكون المبدع على هذا الأساس، قد استخدم التراث في أدب الطفل واستمد من أشكاله وصاغ منه صورا لا حصر لها من المشاهد المواتية لظروف واقعه المعيش، إلى أن أصبح التراث منبعا ومصدرا يمكنه أن يغرف منه بسخاء، لكن دون الإخلال بشروط الاستلهام التي تلزمه باحترام عملية الأخذ من جهة وطبيعة المتلقي الصغير من جهة ثانية والذي يستحسن جعله في تواصل مستمر مع ماضيه.
لم يكن هذا المدخل مجرد ديباجة عفوية، بل كان العزم على القصد والمقصدية؛ ذلك أن المبدع المصري الكبير السيد حافظ قد تفطن لأهمية التراث والحاجة إلى استلهامه للنشء، كما أدرك حجم ما يحويه هذا التراث من قيم تربوية وأخلاقية وذخيرة حكائية وقصصية حبلى بالمقاصد السلوكية السامية التي تنجم عن العمل على إدراكها عن طريق التخطيط المحكم للأهداف العامة والخاصة على اختلاف أنواعها.
تجدر الإشارة إلى أنه من خلال معاينة عتبة النصوص المسرحية التي وجهها الدراماتورج للصغار تبدو نسبة منها لا يستهان بها مستلهمة من التراث الإنساني والعربي، وقد عمل على تكييفها مع الواقع المعيش للمتلقي الصغير، حيث خاطبه بما يفهم وما يحب وما يشتهي. ومن بين النصوص المستمدة من التراث الأدبي ما يلي: أحلام بابا نويل، وأولاد جحا، وسندريلا، وأبو زيد الهلالي وغيرها..حيث منها ما وجه بالأساس للطفل مثل سندريلا وبابا نويل، لكن أبا زيد الهلالي وأولاد جحا استلهمهما وهذا هو الأصعب في الكتابة الدرامية؛ ذلك انه يعسر استعارة الحكاية الشعبية بحيثياتها والعمل على تكييفها لمرحلة عمرية بعينها.
وبالبحث بالأنساق الثقافية المضمرة ومحاولة دراستها في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية والسياسية من حيث الفهم والتفسير للبنى التي تشكلت منها مسرحية"أولاد جحا"، فغير الكاتب استراتيجية التلقي من الكبير إلى الصغير. محافظا على طبيعة وهوية هذه الشخصية الأسطورية التي نسج كينونتها المخيال الشعبي، فقدمها على قدر من الذكاء والدهاء المخضبة بروح النكتة والدعابة، كما صورها البعض الآخر في صورة من الغفلة والكدية التي توقع في الشر والهلاك.
جحا السيد حافظ غائب حاضر بفلذات كبده وهو مرتبط هذه المرة بسياقين أحدهما تاريخي والآخر سياسي، إذ ربطه بتيمورلنك الداهية الذي سلط فيلته على الناس فعاث في حياتهم فسادا ودمارا، وفي ذلك تناص ظاهر مع مسرحية سعد الله ونوس"الفيل يا ملك الزمان"في قوله مثلا: "نستناه لما يهد بيوتنا والفيل يدوس على عيالنا"، علما أن التناص مصطلح مفيد جدا يؤسس لمفاهيم الترابط والتداخل فيما بين النصوص مع الاعتماد المتبادل في الحياة الثقافية، ولذلك أكد منظرو ما بعد الحداثة أنه لم يعد ممكنا التحدث عن أصالة النص أو تفرد العمل الأدبي([6]). وهو عند السيد حافظ في منتهى التلقائية.
كما أن هذا النص المسرحي مشحون بدلالات الجرأة والشجاعة في مجابهة ضلال الجبابرة العتاة الذين لا هم لهم غير تجسيد مطامعهم ونرجسيتهم في امتلاك ناصية الشعوب المغلوبة على أمرها؛ والتي إن خلت لذاتها، أو حاورت جماعة من الأصدقاء بدت في قمة العنترية، لكن إن تم العزم على المجابهة بما يكفل للفرد والجماعة استعادة كرامتها وحقها في الحياة، فإنها تتدرع بشتى الدرائع لتتفادى المواجهة، وهذا ما حدث بمسرحية "أولاد جحا". حيث تنصل الجميع من مسئولية مواجهة تيمورلنك، ولم يبق غير أولاد جحا وزوجته والفلاح الفقير سالم. أما البقية فكان همهم الأوحد هو الظفر بنتائج اللقاء، دون أن يسهموا في ترجيح الكفة للحق والعدالة الاجتماعية ، لولا الحيلة التي تدبرها أولاد جحا للإيقاع بوجهاء المدينة..وفي ذلك تجسيد من الكاتب لواقع هذه الطبقة التي تؤثر المحافظة على مصالحها على حساب الدرع البشري الذي تحتمي به فتقدمه بتحريضه على المواجهة لتبقى هي في الظل. وتلعب على الحبلين فلا تخسر الطبقة السياسة من جهة، وتقدم نفاقا صورة الغيور عن مصلحة والبلاد والعباد من جهة ثانية.
لكن أولاد جحا أبيا إلا أن يميطا الغطاء عن خبث ولؤم هذه الطبقة، التي أوقعا بها بيسر، وبهذا المقام يحق التساؤل عن استراتيجية التلقي، وذلك بمساءلة الشريحة العمرية التي وجه إليها النص المسرحي؟؟ ذلك أن طبيعة الموضوع وتلاحق الأحداث هي أقرب إلى المراهقة أو ما اصطلح عليه علماء النفس بالمراهقة المتأخرة، لكن بالوقوف عند طبيعة الحَبكة، فإننا نجدها قد تكون الشريحة المقصودة بها أقل من ذلك. ولعل الكاتب جعل انطلاء حيلة أولاد جحا على الوجهاء بهذا اليسر نتيجة مراعاته لما سنه بعض الباحثين والنقاد من سنن اليسر والتبسيط متى تعلق الأمر بالإبداع الموجه لشريحة الأطفال !!!
إذا كان النقد الثقافي يحلل النصوص والخطابات الأدبية والفنية والجمالية في ضوء معايير ثقافية وسياسية واجتماعية وأخلاقية بمنأى عن المعايير الجمالية والفنية، ويقوم بمساءلة الافرازات الثقافية، على أن "تهدف المساءلة إلى "تحويل" المؤسسة الثقافية أو الأدبية..مع العمل على تطويرها وهكذا فالمساءلة والتحويل هما الهدف التوأم للدراسات الثقافية."([7]). وذاك ما سيتم تبنيه والتركيز عليه في مساءلة هذا النص بالوقوف عن أنساقه المهيمنة ومنها المهمشة بالمقارنة مع نظيرتها، وتلك التي قد تآزرت بلحمة هذا النص ووردت وفق التصنيف الآتي:
1- الأنساق الثقافية الضمنية في سياقاتها السياسية
لم تمنع طبيعة التلقي - في توجهه للطفل- الكاتب من تحميل خطاب النص بجملة من المعاني والدلالات التي جعلت منه خطابا محموما وملتهبا بالبنى السياسية، مفعما بشفرات تبدو مبطنة ظاهريا، لكنها ميسورة المأخذ؛ نظرا لتشابه إرهاصاتها ومظاهرها من بيئة إلى أخرى، ومن عصر إلى آخر.
حيث يفصح الكاتب بمجرد فتح الستار عن طبيعة المكان التي مثلتها المدينة التي خرجت عن بكرة أبيها محتفية بصنيع جحا الذي قصد السلطان تيمورلنك ليخلصهم من جرائم الفيلة وعقابيلها. فأُضرم الصراع مند بداية المسرحية، بعدما وضع القارئ في أجواء القصة مشيدا بشجاعة جحا الخارقة. ومن المشهد الأول للنص يخيل للقارئ أنه سيصاحب جحا برحلته المضنية مع الحاكم، لكن الواقع غير ذلك، ولأن النص من مسرح الطفل غير الكاتب وجهته صوب أولاد جحا الذين حملا الذهنية والأفكار الجحوية مكان أبيهما.
وسرعان ما ينقلب السحر على الساحر، فيصبح جحا متهما بموالاته للسلطان، ليجد أولاد جحا نفسيهما بقفص الاتهام، وهما يحاولان درء التهمة عن أبيهما. إذ يعلنان عن جبروت الحاكم وقسوته في معاملته للرعية:
إبن جحا: وتيمورلنك سأل كل اللي راه له أنا عادل ولا لا؟؟؟
بنت جحا: واللي يقول له إنت عادل يذبحه.
ابن جحا: ويقول دا منافق
بنت جحا: واللي يقول إنه...ال..م..يذبحه
ابن جحا: ويقول إنه قليل الأدب..
يشي هذا الحوار المزدوج في الظاهر والحامل لقناة واحدة، حتى لكأنه يبدو خطابا مفردا تستطيع الشخصية لوحدها أن تحمله، وكلاهما عمد إلى تعرية طبيعة المستبد الذي يصطاد هوام العوام ببهيم الليل وبوضح النهار، فتجده يقرأ نوايا الرعية عكسيا، ويحكم عليها سلبيا في جميع الاتجاهات؛ سواء منهم المادح أو المدين صراحة بل حتى المتمتم من أثر الرعب والخوف هو في عداد العاصين، ومآلهم جميعا الذبح والقتل والإبادة حتى يتسنى له الاستفراد بالسلطة بعيدا عن أية منغصات.
2- من السياق الاجتماعي إلى السياق السياسي
زوجة جحا (تمسك الرجل من ملابسه) أنت اللى ندل.. جوزى جحا راجل محترم وانتم ما تحبوش الراجل ربنا يعطيه المال والفلوس والسلطان.
يبدو النسق أخلاقيا اجتماعيا في ظاهره، لكنه يضمر معيارا سياسيا سلبيا من تلك المعايير التي تتبناها السلطة في تقييم رجالها؛ ويتمثل في تفضيلها للمنافقين من مريديها، بينما تلقي باللائمة على أولئك المسئولين الشرفاء الذين يتحلون برجولة متفردة حقة في ممارسة أعمالهم، وفي الاضطلاع بتبعات مسئولياتهم.
كما يدعم هذا الحوار الذي ورد على لسان بنت جحا، فكرة الانتقال من النسق الاجتماعي إلى النسق السياسي، حيث أنها تكشف عن الحالة النفسية للشعوب الجائعة التي تجري بالدرجة الأولى وراء لقمة عيشها، فتنشغل عن مداهمة الخطر لها، كأنها تقلب الحكمة القائلة "البطنة تذهب الفطنة" وتقر أن الجوع أيضا يكسب الغفلة وينأى بالجائع عن الأمور الجسيمة، فيجعله يصم عن سماع صوت الخطر المحذق به.
بنت جحا: احنا جعانين يا خويا والجعان ما يسمع صوت الخطر.
3- اندماج السياق الديني بالسياسي
تخلل النص حوارات رجل الدين الذي عادة ما يشكل ذاتا واحدة مع السلطة، ويكون أداة طيعة بيدها، إلا أنه بهذا النص اتخذ لنفسه موقف المندد بشنيع صنيعها في حق الرعية، فيحاول أن يتوسط بينها وبين السلطة التي ترفض تدخله، وهذا ما يصرح به الشيخ الشافعي:
الشيخ الشافعي: أنا طلبت أقابله رفض..
علاوة على وصفه للحاكم ب"الظالم" الذي مهما يطول ليله الحالك لابد ينقشع سواده عن صبح جديد، مذكرا أن الظلم صفة تلازم الإنسان، ولابد من مقاومته بكل الجوارح، مستندا إلى قدرة الواحد الأحد الحي القيوم الذي لا يسهى، ولا ينام عن مقترفي الظلم والجبروت. وتحفيزا من الشيخ للرعية على مطالبتها بحقوقها، نلفيه يقر بتساوي القدرة بين الظالم والمظلوم؛ أي كلما تزايدت سطوة الحاكم تضاعفت قدرة المحكومين في التصدي لظلمه، وذلك في قوله:
الشافعي:الظلم صفة الانسان ولازم نتصدى له ونقاومه.. بأيدينا .. بقلبنا .. بعقلنا.. والناس تمد إيدها حى قيوم.. واحد قهار.
الشافعي: الظالم قادر والمظلوم قادر..
لم يفت الشيخ أن يبث في الناس روح اليقظة والمقاومة بإرادة فولاذية وجرأة، ويرغبهم في ذلك بنيلهم محبة الله ورضوانه، بغية التصدي لفساد الحاكم، وقد ورد في خطاب يتسم بالشفافية والوضوح دون الاستعانة بالآيات الكريمة أو بالهدي النبوي الذي كان ضمنيا بهذا السياق السياسي.
الشافعي: الناس لازم تصحى والناس لازم تمنع الفساد..
الشيخ الشافعي: الله يحب من عباده الأقوياء.
وفي إشارة ملفتة للانتباه من مقصدية الدراماتورج، نلفيه يومئ إلى حالة الحكام العرب الذين آثروا الهروب من مواجهة شعوبهم أثناء ثورات الربيع العربي، فنفذوا بجلدهم مخلفين وراءهم دهشة البعض وأسفهم، وفرحة وتهليل البعض الآخر. وقد ورد ذلك على لسان ابن جحا الذي بنى الكاتب شخصيته وفق تركيبة منطقية استوعبته نفسيا واجتماعيا، جعلت وصوله إلى منصب الوزارة ممكنا، وتدبيره والرعية خطة محكمة للنيل من الطاغية نلفي ذلك في قوله:
ابن جحا: فيه ايه .. حصل ايه .. تيمورلنك ساب البلد ومشى.
4- استنطاق القناة المسيطرة على الخطاب السياسي
تتخذ الأنساق الثقافية المهيمنة على هذا النص قناة مخالفة للقنوات السابقة؛ إذ يمنح النص للحاكم فرصة الاعتراف بالفساد واستغلال الرعية في تكبر وسخرية متعالية من آمال الشعوب ورغبتهم في قلب الموازين لما فيه خيرهم وفلاحهم، لكنه لا يكترث لمطالبهم فيفضل نعتهم بالحيوانات والمهرجين الذين يثيرون ضحكه؛ إذ يقول تيمورلنك ما يلي:
تيمورلنك: دى هدومى وحدها بأكثر من ألف دينار..
تيمورلنك: ست حيوانات أكيد أو ست مهرجين.. خليهم يدخلوا.. أنا عايز أضحك دخلهم..
كما يجلي النص نقمة الحاكم على الرجال الشجعان والثوريين، فيحملونهم وزر ما يشيع عنهم بين الناس من أوصاف ونعوت تنال من سمعتهم ومصداقيتهم لدى الرعية، متناسين أحقية ما يحاك عنهم من نكت وملح بسبب تقصيرهم في أداء أعمالهم وخيانتهم للأمانة التي أقسموا على الالتزام بصيانتها لدى استلامهم مقاليد الحكم، حيث يقول الحاكم مخاطبا سالم الفلاح:
تيمورلنك: أنت اللى بتخلى الناس تقول عنى ظالم..؟
سالم الفلاح: لأنك ظالم..
وإن كان خطاب الفلاح الفقير للحاكم قد يفوق تركيبته الفيزيولوجية والإجتماعية إلا في حالة ما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما توحي به هذه الفئة الاجتماعية من دلالات الصبر والتحدي في خدمة الأرض وتجاوز ما يعترضها من مشاكل ومثبطات.
وعلى خلاف الفلاح الفقير الذي تصدى للحاكم غير مكترث بالموت وكأنه استمد صلابته من الأرض التي يخدمها باستماتة، نلفي كاتم أسرار الحاكم وعينه الحارسة لكل صغيرة وكبيرة يقترفها الوزراء العاملون تحت إمرة الحاكم، يحاول أن يلفت انتباهه إلى ما كان يدبره ابن جحا من خطة لدحض فساد الحاكم ودمار فيلته الذين كانوا يعيثون في الأرض فسادا إذ يقول:
مسرور: يعنى اتهيأ لي أنه بيلعب لعبة كبيرة.
بث الكاتب هذا الحوار بأسلوب استهزائي ساخر؛ إذ أن مسرور ينقل لسيده نتائج جوسسته لابن جحا بعدما أصبح وزيرا، وقد سمى الخطة التي يتدبرها با"اللعبة" ونعتها بالكبيرة، وإذا كان كذلك فماذا عن اللعبة الخسيسة التي يلعبها رفقة سيده في حق الرعية؟؟
يستمر الخطاب المسرحي بأنساقه المتباينة وفيا للسياقين السياسي والاجتماعي اللذين سارا جنبا إلى جنب وهما يضمران سياقا ثقافيا غير معلن صراحة، لذلك يتم استجلاؤه من السياقين الذين تولدا عن السياق التاريخي بالدرجة الأولى؛ إذ لولا تحديد الكاتب للطاغية تيمورلنك أو كما لقب ب"تيمور الأعرج" الذي يذكر بجرائمه الشنيعة وبما اقترفه في حق العالم الاسلامي بالرغم من ادعائه الاسلام والتدين، ما تسنى لنسيج الحبكة الدرامية أن يحاك على الوتيرة التي قدم بها وهي تقترب أكثر فأكثر مما يقدم للكبار.
ومن الدلالات التي غذت السياق الاجتماعي دلالة التعاون والتآزر الذي ينبغي أن تلتف حوله كل أطياف المجتمع، وتتخذه قوة فعلية في وجه تيمورلنك لاقتلاع شوكته وهزم سلطته وتقويض مقاليد حكمه.
بنت جحا: كلنا من صغيرنا لكبيرنا والصغير قبل الكبير ستات ورجالة.
ومتى ما وضعنا السياق التاريخي بمحاذاة هذا النص، أدركنا جرأة الكاتب في تبني هذه الأسطورة المرعبة وتقديمها بطريقة أضمر فيها طبيعة هذا السفاح التتاري، ليحتفظ بصور البطولة والشجاعة لأولاد جحا اللذين صارا جسرا مرّ عبره فكر جحا ودهاؤه الذي جعله لا يهاب لومة لائم في مطالبته بالحق حتى إن عرض حياته للخطر. وخطاب جحا حمله الابن أكثر من البنت احتراما للخلفية الانتربولوجية التي تسود المجتمعات العربية فتسود الذكورة بلا منازع ممكن.
ابن جحا: دى فلوسنا اللى أخذها مننا دى فلوسنا اللى سرقوها من العيال ولازم ترجع يا ترى انت فين يا أبويا ؟
يقرر ابن جحا الذي أصبح وزيرا استعادة أموال الرعية عن طريق الحيلة التي تفطن لها مسرور، والتي جعلت ابن جحا يحقق المراد وفق ما ناشده المخيال العربي الاسلامي.
بنت جحا: لازم نسجنه ونخفيه وما نخليش له صوت...
5-الخطاب الديني المكشوف
هذا وقد حوى النص في الدرجة الثالثة أنساقا دينية ذكّر بها الدراماتورج شريحة الأطفال، لكنها لا تناسب الطفولة المتأخرة إلا إذا عدت سخرية بحسب السياق الذي وجدت فيه. وإذا ألصق هذا الحوار بشخصية الفتى فإنه يصبح شخصية كاريكاتورية تتناقض بها الخلال فتصبح مضحكة.
ابن جحا: واللى يشتم واحد غايب يروح النار..
ناهيك عن إلزامية احترام الشيوخ والائمة ولذلك نلفي الشيخ الشافعي قد أحيط بهالة من الاحترام والتشريف، فكان موضع الاستشارة والشهادة ودعم وتقوية صفوف الرعية التي كانت تأتمر بأمره.
ابن جحا: يا شيخ شافعى يا كبير دلنا وقولنا أبويا فين..
هذا وقد حافظ النص المسرحي على هيئة الشيخ سيرة ولباسا وهيئة؛ حيث وصفه بكونه طاعنا في السن وقد غزا الشيب شعره وعلا محياه ضياء الإيمان، إضافة إلى الملابس الخضراء ومسكه للعصا، وقد ضمن الكاتب هذا الوصف بالإرشادات الإخراجية التي كانت تنم في الغالب عن تمرس الكاتب بالإخراج لذلك كانت شفيفة بما ينبغي للاخراج أن يلتزم بها وهي كالآتي:
(صوت أقدام الفيل من اليمين.. ضوء أخضر فى اليسار ووقع أقدام وظهور الشيخ شافعى.. رجل فى الثمانين.. أشيب وجهه مضئ يرتدى ملابس خضراء.. ويمسك عصا)
ويمكن للقارئ العادي أن يتفطن للمقابلة التي صاغها الكاتب بهذه الإرشادات بين صوت أقدام الفيل وقد جعلها بيمين الخشبة لما لها من أهمية في تحريك الأحداث والأفعال، ومن اليسار يسمع وقع أقدام الشيخ الشافعي..وهي مقابلة مقصودة؛ إذ لا يقهر الاعوجاج غير الاستقامة، ولا يهزم البطش إلا الحكمة والاتزان الذين يتحلى بهما رجل الدين عادة.
6-السخرية المضمرة اللاذعة
والجميل في النص هو احتفاؤه بطابع السخرية اللاذعة المعبأ بالرمز والإيحاء والتلميح والإضمار المقابل للتصريح؛ كما ورد بخطاب تيمورلنك الذي قلد ابن جحا الوزارة على الفيلة الذين اشترط عليه أن يعتني بها، ويوفر لها السكن والعيش الرغيد، خلافا للرعية التي وسمها بالحيوانات والمهرجين وفي ذلك تجسيد من الكاتب لأسلوب الاستخفاف الذي يعامل بها الفرد في مجتمعه، فتداس كرامته ويهدر حقه:
تيمورلنك: وزير الفيل.. وتأخذ كل ما يلزم وتجهز لكل فيل جاى فى البلد سكن وتعيشه.. احسن عيشه.. وتخليه مرتاح اديه يا مسرور ألف دينار.
كما تبنى الكاتب لعبة لغوية أذكت روح الكوميديا المخضبة بسخرية عبثية لواقع عربي اختلطت به القيم والمعايير التي تنزل الناس منازلهم، حتى وإن جمع بين عصرين وحاكمين قاسمهما المشترك هو الجرم الشنيع بحق الرعية:
(هامساً فى أذن ابن جحا) المعتز بالله..العياذ بالله
وكذلك الشأن بالنسبة لرد الرعية العبثي الساخر على استهزاء السلطة بأمال وطموحات شعبها بتقزيم قرائحم، لذلك غالبا ما تكون ردود أفعالهم قوية:
الولد دا غريب "ينظر لأبن جحا" يا ابنى أبوك جحا عنده ذقن عظيمة انت اجرد مفيش ولا شعرة فى ذقنك... اصلى أنا طلعت لأمى.
كما حمل الكاتب الكورس خطابا عبثيا ساخرا قدم فيه لوحة كاريكاتورية تضارع شكل بعض السكيتشات السياسية الأوربية بنبرتها الحادة التي تقدم في طابع كوميدي؛ والمزج فيما بين السخرية والغناء نوع من الترفيه عن المتلقي الذي يطرب لمثل هذه الكاريكاتوريات التي تضمر أكثر مما تصرح، فتكون ملغمة بأساليب التصغير والتفخيم والتقزيم وغيرها، فيتفاعل المتلقي مع نوطاتها وإيقاعاتها التي تتماشى ومضامين كلمات الأغنية التي غالبا ما يشغف بها الأطفال في جميع المراحل العمرية لان مسرح الطفل يراعي الترفيه والترويح عن الصغار قبل أن يرصد القيم الأخلاقية والاجتماعية التي عادة ما يجعلها البعض بالواجهة وبطريقة مباشرة تصرف المتلقي عن العمل فينشغل عنه بتصرفات أخرى تبعد عنه السام والملل..
(أغنية جماعية يدخل أهل الحارة للقصر) (يغنون أغنية مضمونها)
ابن جحا بقى وزير الأفيال.. وقد وزعت المناصب علينا.. إبراهيم الترزى.. انا مسئول ملابس الأفيال.. فتحى العطار وأنا مسئول بخور بين الأفيال.. زيدان الحطاب.. وانا مسئول بناء حدائق الأفيال.. دنوش النجار.. وانا مسئول بناء بيوت الأفيال.. سالم الفلاح.. وانا مسئول أكل الأفيال.. يقف مسرور يحمل أكياس النقود ويأخذها ابن جحا ويوزعها على الناس (أثناء خروج المجموعة تقل الإضاءة.. تخرج زوجة جحا معهم .. يضاء يسار المسرح) (مكان كتب عليه ملابس للأفيال.. بيع طعام للأفيال.. بيت للأفيال.. ماء للأفيال.. الناس تروح وتجيئ.. ويبدو أن الشخصيات الستة.. ابو اسماعيل العترة.. إبراهيم الترزى .. فتحى العطار.. وزيدان الحطاب.. ودنوش النجار.. سالم الفلاح فى ملابس فاخرة..)
حتى النهاية لم تسلم من السخرية اللاذعة من واقع بشري متردي؛ غابت فيه الرجولة الحقة، فكانت فيه الغلبة لأشباه الرجال وعقول ربات الحجال الذين وسمهم الكاتب بالفيلة، نتيجة ضخامة أجسامهم وخفة عقولهم..فراح الخطاب الديني ينصح الأولاد بدحض الخوف من هؤلاء، لأنهم لا محالة سيتكاثرون متى وجدوا الفرص سانحة لذلك فلن يفرطوا في إخضاع الرقاب وهضم الحقوق.. فالإنسانية الحقة لا غرو لها القدرة على هزم الحيوانية بتحكيم العقل والمنطق وتسلحها بالحكمة في مجابهة الظلم والجبروت. ومتى أظهرت الرعية خوفها من خناقها، استغول وصار أكثر قدرة على ضرب الحصار حولها.
فى زمن من غير رجال تكتر الأفيال.. خللى بالكم ياولاد لو خفنا من الفيل راح تكتر الأفيال.. والإنسان ربنا عطاه الحكمة والعقل علشان يقاوم الظلم...
وعملا من الكاتب على تدعيم أسلوبه الساخر من كل الأنساق الظاهرة منها والمضمرة؛ والذي يهدف إلى ما هدف إليه سعد الله ونوس بمسرحيته:" الفيل يا ملك الزمان" وقبله كليلة ودمنة في ولوج عالم الحيوان والاحتماء به في سبيل الظفر بفضاءات تنأى عن سلطة الرقابة والرقيب لأنها تتصرف بتلقائية وعلى الطبيعة بمنأى عن سلطة العقل والمنطق والقهر، فيصبح المستحيل ممكنا. فحتى الستار وسمه السيد حافظ ب"البطيء" بسبب ما تعانيه الرعية من خنوع وخضوع ومن رتابة وملل ثقيلين" ستار بطيء".
يسع القول في الأخير إن مسرحية "أولاد جحا" كغيرها من النصوص الإبداعية تقاطعت مع نصوص أخرى لتجد لنفسها حيزا مناسبا تبناه الكاتب حرصا منه على توجيهه لشريحة الطفولة المتأخرة، فعمد إلى تعرية أنساق بعض الخطابات وفضح طرق هيمنتها وتسلطها. فسلك الكوميديا السوداء التي تطعمت بروافد السخرية العابثة بواقع السياسيين المتعفن؛ وما تيمورلنك الأسطورة المرعبة إلا صورة حية وملموسة عن نماذج من الحكام الذين شاكلوا هذه الشخصية الأسطورية السمجة القبيحة بمعية رعاع وأنذال مكنوهم من رقاب العباد ومن زمام البلاد.
تبقى السياقات السياسية هي المهيمنة على هذا النص الذي غاب فيه الأصل والسلف"جحا" ليحضر المستنبت والخلف "أولاد جحا"فزكت ونمت تلك السياقات التي لولا تاريخانيتها ما عرفت الطريق إلى الحياة. وهذا دأب السيد حافظ في تتبعه للحادثة التاريخية، وإلباسها حلة درامية يحبكها بعناية فائقة. ويحق في الأخير لهذه الدراسة أن تتوج بسؤال تفكيكي تشريحي مفاده؛ إذا كان المشهد الثقافي المسرحي عموما يعكس بواقعية صورة المشهد السياسي العربي، فإلى أي مدى كانت الأنساق الثقافية المضمرة في سياقاتها الثقافية والاجتماعية والتاريخية والسياسية موائمة لوتيرة تلقي شريحة الطفولة المتأخرة من حيث المضامين ومن حيث البناء الدرامي الرصين؟؟؟ !!!
([1]) أستاذة التعليم العالي، باحثة في النقد الأدبي والمسرحي والسينمائي، رئيس المجلس العلمي بمعهد اللغة والأدب العربي بجامعة عبد الله مرسلي –تيبازة- الجزائر.
([2]) الرشيد بوشعير، "توظيف التراث الشعبي في المسرح المغاربي"، وقائع الملتقى العلمي من 29 إلى 31 ماي 2010، محافظة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، وزارة الثقافة ص64 و65.
([4]) ينظر، بلحيا الطاهر، التراث الشعبي في الرواية الجزائرية، منشورات التبيين، الجاحظية، الجزائر 2000، ص 12.
([5]) ينظر عبد المجيد إبراهيم قاسم " توظيف التراث في أدب الأطفال" ديوان العرب، مجلة أدبية فكرية ثقافية اجتماعية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق