Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الاثنين، 27 سبتمبر 2021

237 قراءة فى مجموعة السيد حافظ الثورة والمعاناة على أنغام سيمفونية الحب بقلم محمود قاسم

  

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(237 )

 قراءة فى مجموعة السيد حافظ
الثورة والمعاناة على أنغام
 سيمفونية الحب
بقلم
محمود قاسم

دراسة من كتاب

  تمظهر التجديد في بنية السرد في القصة القصيرة
 
                    السيد حافظ نموذجا  

جمع وإعداد

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى



قراءة فى مجموعة السيد حافظ
الثورة والمعاناة على أنغام
 سيمفونية الحب
بقلم
محمود قاسم



?
فى رسالة كتبها أخيراً إلى أحد أصدقائه المقربين اتضح إلى أى مدى يتمتع بهذه التلقائية والطموح الذى لا حدود له.. انسياب وتدفق فى الكتابة تنساب منه العبارات تعبر عن الإنسان عن داخله وأمله.. ورغبته. وطموحه، وعما حققه، وما يسعى إلى تحقيقه.. عن فكره.. وعن أحاسيسه.. وعندما قرأت مجموعته القصصية "سيمفونية الحب" اكتشفت أن السيد حافظ يكتب دائماً بنفس الطريقة رسائله.. مقالاته.. مسرحياته.. ثم أعماله القصصية.. ليس لديه انفصال فيصوغ عبارات يجب أن تكون رسمية فى صيغة فنية رقيقة شاعرية.. واتضح أن البطل والسيد حافظ نفسه هو نفس الشخص فى كل أقاصيص المجموعة.
 البطل هنا والسيد حافظ بشخصه هو إنسان فنتازى أقرب فى تكوينه إلى الشاعر الرقيق الحائر القلق الذى يعانى من اضطراب الفنان ويبحث عن القلاقل أينما وجدت.. لأن على الفنان أن يبحث عن معاناته فى وسط أجواء تتسم بالقلق وليست هادئة ذلك الهدوء المميت الذى فى الصورة المغلفة للكتاب.
والبطل فى أعمال السيد حافظ شاب.. تملؤه الحيوية.. والتدفق.. وهو مثقف ثورى.. يشترك فى المظاهرات.. ويناضل ضد السلطات وينضم إلى التنظيمات السرية.. وهو فوق هذا أو ذاك مثقف واع تماماً بقضايا عصره الاجتماعية والسياسية والفكرية والقهر الاجتماعى والنفسى.. وإذا كان المثقف فى أغلب الأحيان هو ثورى سلبى.. لا يحمل بندقية ولكنه يطلق قلمه أشد ضراوة.. يهاب القنابل لكنه يرى أن الكلمات لها دوى المدافع.. ومثقف هذه الأقاصيص يتسم بهذه السمات.. 
والبطل فى هذه الأقصوصة يمزج بين الشاب المثقف والذكر القوى الحس.. وهذا الذكر إنسان ناضج.. نابض المشاعر.. يمارس الحب.. على شاطئ البحر أمام العابرين.. ويرسم المؤلف لقاء العاشقين على شاطئ الأنفوشى بجانب مراكب الصيادين فى جو فنتازى رائع.. فلا يحتج سوى ركاب الأوتوبيس المار بسرعة أما المشاة فلم يشر إليهم.. ربما لأن الجو بارد ولا أحد هناك يرى أو يسير بجانب السور القصير القامة.. لكن من الواضح أن المشكلة لدى البطل ليست هى أن يراهما الآخرون.. لكن المؤلف ود أن ينفث عن رغبته فى أن يمارس الحب فى هذا المكان الفسيح فوق الرمال وهما يمارسان الحب كاملاً بعد أن خلعا ملابسهما جزئياً أمام الطريق.. وهناك موقف آخر يذهب فيه عصام مع شادية ليمارسا الحب فى مكان مغلق مظلم ليس فيه إلا أضواء الشموع الخافتة وهو يظل فى مكانه يمارس الحب إلى أن تنطفئ الشموع.. وإذا كان عصام قد كشف جسده وجسد حبيبته أمام الطريق فإنه يتخفى تحت اسم الأستاذ خليل عندما ينزل من شقته بعد أن يمارس الحب معها، أين شجاعته التى واتته فى أول الأمر، ثم أى خوف اعتراه فى المرة الثانية.. وكما أشرنا أن البطل هنا يتمنى داخل عقليته أن تحدث مثل هذه المواقف أكثر من تمكنه من حدوثها.. لأنه لا يمكن أن يمارس الحب فى طريق عام لكنه يستطيع أن يفعل ذلك فى شقة مظلمة إلا من أضواء شموع تحترق مع إنفاد عاطفته ثم تخبو مع تنهيدة الحب الأخيرة.. 
والبطل هنا ليس مقبولاً فقط من حبيبته شادية التى يتحدث عنها بصيغة "معنى أنثى أمام العمارة" لكن هناك موظفة الثقافة التى تخبره أن زوجها بإيطاليا وعليهما أن يناقشا المسرحية فوق مخدعها.
والبطل الفنتازى دائماً هو ذلك الشخص الذى لا يمكن أن تحكم سلوكه ولا أحاسيسه بالمقاييس التى نعرفها.. فهو قد يفعل شيئاً ثم يسلك نقيضه.. يغوص داخل الأحلام.. يصنع لنفسه قصوراً من أوهام يسكن تحتها ويبنى غرفها وجدرانها فلا تنهدم فوقه لأنه ليس هناك جدران حقيقة. وبالتالى فإن البطل يسقط فوقه شيئاً ينبهه.. ولذا فإن أبطال هذه الأقاصيص كما سترى يغرقون فى أحلام ورؤى وردية.. ويستخدمون عبارات شاعرية مليئة بالخيالات التى يصنعها المؤلف لنفسه فسوف نجدها فى التركيبات اللغوية الشاعرية التى يغرم بها المؤلف.
ويتمثل البطل المثقف فى – مقاطع من حوار أشجار الصنوبر.. يصف نفسه – أنا مثقف فاسد.. لقد أفسدته الظروف التى تحيطه.. وهو يمزح بين معرفته وبين مشاكل الواقع التى يعيشها.. وبين المعرفة التى تمثل حالياً نوعاً من الرفاهية.. وهو يذكر عبارة "جوربى ممزق والمدينة بطنها خاوية" وهى أقرب ما قاله بتهوفن من أن الجوعى يسمعون الموسيقى ببطونهم.. وهو تعبير يدل أن على الشعوب أن تأكل أولاً ثم أن تمارس الفنون بعد ذلك.. قال الخديوى عباس ذات يوم الأمة الجاهلة أسلس قيادة من الأمة المتعلمة.
وفى أقصوصة – مهاجر على أشجار القلق – نرى من جديد نفس البطل المثقف "المدير يلعن اليوم الذى عرفت فيه الكتابة ويلعن دخولى هذه المؤسسة الثقافية لأننى أكتب وأنشر فهذا يعنى أن مقعده يمكن أن يتغير فى جرة قلم".
ويقول فى عبارة أخرى سقطت الأشجار أفكارى الثورية. قاومت عاصفة العبودية للروتين، لكن هيهات.. والمثقف هنا وإن كان غير دموي. من يمدح هذه المؤسسة وأن يعيش ليأكل ويشرب. أن لا يسمع ولا يرى ولا يفقه شيئاً وإلا خصم شهرين من مرتبه فى أول الأمر.. قال على سالم: يجب أن تعيش والمؤلف فى هذه الأقصوصة يمزج بين بطله الذى أكله الروتين وموقفه الثورى السلبى شيئاً فشيئاً وقصة الأطفال المعروفة حين بدل الأسد إلى ثعلب.. والبقرات الثلاثة ويأكلهم الواحد تلو الأخرى.. وهو هنا يحول الأسد إلى ثعلب.. والبقرات إلى دجاج.. الثعلب أكثر دهاء والدجاجة أكثر دعة وضعفاً.. لكن الأسد لا يمكن أن يأكل البقرات مرة واحدة.. أما الثعلب هو المدير الذى يصدر قراراً بخصم مرتب شهرين منه. فالمؤلف لا يموت ولا يؤكل مثلما أكلت الدجاجات. فهو بعد الشهرين يجد قلمه أكثر شراسة. وبالرغم أنه حاول إيقاف قلمه.. لكن "الصمت على خيانة وأنا لا أقبل أن أخون بلادنا" وبدلاً من أن يأكله المدير الثعلب طلب منه أن يسافر فى بعثة إلى فرنسا كى تتغير أفكاره ومبادئه.. لكنه يصر أكثر أن لا يخون بلاده وتتحول السلبية هنا إلى إيجابية واضحة.. إنه يستخدم قلمه وموقفه بشراسة لا تتمكن من إسقاط الثعلب الشديد الدهاء ولكن.. البطل يعرف أن المدير على غير حق.. وأن الحق هو الله وحده وعليه أن يستمر فى النضال بالوسيلة التى يمتلكها.. 
وكما قلنا فإن البطل ليس فقط المثقف.. بل الثورى.. يشترك فى التنظيمات السرية ويدافع عن بلاده فى أى صورة ممكنة.. ليس الدفاع عن البلاد فقط ببندقية يصوبها تجاه الأعداء لكن عليه أن يناضل ضد المزيفين من أبناء بلاده إنهم كثيرون ومنتشرون فى كل مكان.. يتمثلون فى المؤلف المسرحى الذى يتجه للعمل فى المسرح الكوميدى كى يكسب أكثر.. فى مدير الثقافة الذى يضع وكيل الوزارة فى جيبه ويتمكن من إحضار الموافقة على مسرحية دون أخرى فى قوات الشرطة التى تضرب الطلبة الذين يصدرون مجلات الحائط.. قوات الشرطة تمزق هذه المجلات وتطارد الطلاب.. وتعذبهم.. والموقف السياسى عند البطل فى القصة المصاغة حول أسطورة معروفة حول الرجل الذى خالف أوامر السلطان دون أن يعرف فأمروا بسجنه.. وقد أعاد صياغة هذه القصة منذ عدة سنوات الكاتب الألمانى المعاصر هايتريش بول.. والمؤلف هنا يعيد صياغته فى جو من أسطورة عربية حول السلطان الغورى.. لقد ضربوا الرجل وألقوه فى السجن لأنه ارتدى جلباباً أبيضاً فى يوم أصيبت فيه عينا السلطان بألم شديد.. على الجميع أن يرتدى ملابس الحداد السوداء لأن الملك يتألم.. السلطان هنا طاغية.. جبار.. فهو يأمر أن ممنوع الابتسامات والغناء وأن لا تتزوج البكارى.. وعلى أبناء الشعب ألا يخالفوا قانون السلطان مهما كان.. فقانون السلطان هو القانون.. لأن هناك سوطاً يضرب.. وكبير الشرطة يأمر.. وعبد المطيع عليه أن يطيع وإلا ضربوه وسجنوه وليس عبد المطيع هو المطيع الوحيد فى البلاد.. فالنساء والرجال والصغار والكبار يطيعون وإلا دخلوا السجن وانهالت السياط عليهم.. وبدلاً من أن يجعل المؤلف عبد المطيع – وأظنه كان يجب أن يسمى عبد المطاع – يفقأ عينيه فلا يرى ثم يسد أذنه فلا يسمع أو يقطع لسانه فلا يتكلم.. فعل شيئاً آخر.. خلع ملابسه وسار عارياً وسأل السلطان عما يحب.. فعينه السلطان قاضياً.. ونحن لا نريد أن نتناول هذه الأقصوصة تناولاً أسطورياً.. وأن نقول أن القاضى هو كل القضاة فى كل عصر.. عليهم أن يطيعوا الحاكم.. فالمعنى فى هذه الأقصوصة يختلف.. ويمكننا أن نطبقه على عصرنا.. الذى صار الإنسان فيه يدان بالإلحاد وشدة التدين فى وقت واحد وبالمؤامرة والتمرد فى نفس التهمة.
والمعنى السياسى واضح أيضاً عند سرحان.. الفتى الذى طارد كلباً فى بلاد تمنع على الناس التعرض للكلاب – واقعة الوقائع – فقد جرى الكلب خلف الطفل. الطفل يجرى والكلب يهرول وسرحان خلفهما.. عليه أن يقاوم الكلب مهما كان الثمن لم تكن الأم تصرخ إلا لأنها بعد عشرين عاماً من الزواج.. والناس يصرخون ويطلبون النجدة وإنقاذ ابنها من مطاردة الكلب.. إنهم يصرخون لأن هناك فتى يطارد كلباً فى بلادهم.. أصبحت الكلاب شرسة تكبر وتطارد البشر.. وكل من يتعرض لهذه الكلاب عليه أن يدخل السجن وهو يدخن.. رمسيس الثانى طمس أسماء الملوك مبكر فى المعابد ووضع اسمه على أنه أعظم الملوك.. وكل من يجئ بعد رمسيس يفعل مثله.. انتهى زمن رمسيس وسينتهى كل زمن ومحسن فريد يعرف مثل هذه الوقائع.. وهو بطل يهرب من الحقيقة وليس ثورياً مثل الذى ثار على مديره.. إنه هنا يعمل ماسحاً للسيارات بعد أن قص شعره وأصبح أصلعاً.. وهو يرتدى البدلة ويقف أمام الطلبة صامتاً بعد أن ارتدى هذه الملابس عن طريق خطيبته وأمه والمدرس الأول.. وفى النهاية تقوم الثورة داخله ولا يتمكن من التعبير عنها فينتحر غرقاً فى النيل.. لكن الثورة لا تنتهى.. لأن هناك العديد من محسن فريد.. وهم يقولون إن التاريخ الموجود يكتب القرارات خطأ.. لكن لا نعرف هل سيفعلون مثل محسن فريد الأول أم سيتحولون إلى ثوريين إيجابيين.. 
ويمكنك أن تقول أن مثل هذه المواقف هى لون من الفنتازيا.. أشياء قد تحدث أو لا تحدث.. وإذا كانت الموسوعة البريطانية تعرف الفنتازيا على أنها لون من التحمس المفرط.. أو من التجسيد المفرط للأشياء فإن عالم السيد حافظ فى أغلبه هو عالم فنتازى.. فهو يستخدم عبارات مفرطة التجسد فى الوصف.. ولن تتحدث عن العالم الوصفى للعبارات عند المؤلف.. لكننا سنرى أن عالمه يخرج بين الفنتازية البسيطة التى تقل فيها عن حدة التطرف فيخرجها بأجواء هى مزيج من بريخت أحياناً أو مسرح العبث فى أحيان أخرى. أو أجواء لا يجيد صنعها سوى كافكا وديفوبورانى يصوغ هذه الأجواء فى عوالم أسطورية وواقعية.. أو أحداث لا يمكن تصديقها أو توقعها.. فهناك العديد من على السمنودى.. كل منهم تزوج بسعاد.. قال الأول للضابط إن اسمه على السمنودى وإنه تزوج بسعاد منذ العقد الثانى للقرن العشرين ويعيش معها فى 25 شارع الاسكندرانى شقة 5.. ويقول الثانى للمحقق إنه على السمنودى وقد تزوج بسعاد فى الثلاثينات.. ثم يدخل رجل ثالث ويقول إنه أيضاً على وإنه...
الثلاثة هم على السمنودى.. بل إن هناك خمس هم على السمنودى ويمكن أن يكون هناك لا نهاية من هؤلاء - السمنودى - وسعاد الشاهد الوحيد على زوجها لا تفهم فهى صماء خرساء.. أمية لا تكتب.. ووكيل المتهمين هو أيضاً على جديد والجميع يدخل السجن.. ولا أعرف لماذا ختم المؤلف هذه الأقصوصة الرائعة بأن يكون الأبطال خمس.. لماذا لا يكونون لا منتهى العدد.. لماذا لا أكون أنا أيضاً على السمنودى.. وأنت أيضاً.. كلنا هذا السمنودى وكلنا نسكن نفس الشقة ونتزوج بإمرأة لا تسمع ولا تتكلم ولا تكتب سلبية.. لا تجيد التعرف على أحد.. إنها لم تفقد فقط السمع والكلام.. لكنها لا تحس.. لأنها يمكن أن تحس جسد زوجها أو تراه.. ويمكن أن تتحول الأقصوصة إلى عالم رائع لو فقدت سعاد كل الأحاسيس.. ولو تحول هؤلاء السمنودى إلى كل العالم الذى يحيطنا.
ومثل هذه المواقف أصبح من العسير وضعها تحت إتجاه أدبى بعينه.. هل يعتبر موقف عبد المطيع عندما يخلع ملابسه أمام الحاكم ويصبح قاضياً فنتازياً أو السيد حافظ. لا بما أن مزيج من أشياء أخرى.. فقد أصبحت تقسيمات مثل هذه الكتابات صعبة.. وعلى القارئ والناقد أن يأخذها بشكلها ويسميها.. وأن يعيشها.. يعانى مثلما يعانى أبطالها.. ولأن أبطالها لا يعانون معاناة طبيعية لأن سلوكهم غير طبيعى ولأن الظروف التى تحيطهم ليست عادية.. فعلى الناقد أن لا يتورط بأن يضع لمثل هذه الأجواء اسم.. ونحن نستخدم هنا عبارة الفنتازية أكثر من غيرها.. لأن هذه الكلمة أيضاً لها عدة معانى غير محددة أشبه فى تعريفاتها مما يكتبه السيد حافظ.. ففى قصة - الموقف العادة نراه يصوغ موضوعاً عادياً جداً ليس فيه أية تجديد.. لكن بشكل غير عادى.. وبأسلوب شاعر رقيق.. نرى فتى يحب فتاة.. يحدثها أن الزواج كان فى البدء وأن الحب يبدأ بالزواج.. يتزوجا.. ثم يأمرها ألا تفعل هذا وذاك.. ينتابهما الشك أحياناً.. تجلس حيناً عند أمها.. ويجلس عند أمه.. يتصالحا ويتخاصما.. ثم يتصالحا.. لكن المؤلف يصوغ قصته بجمل مثل :
"رغم إنها تجلس كثيراً فى حلم الثراء فى منزل عمها. إلا أننى أسكن فى حلم صغير فى تلك المدينة الكبيرة الكافرة التى لا تعرف إلا لغة الأقوياء والمال والثراء".
وهو يقسم الأقصوصة إلى الأقسام التقليدية المتعارف عليها لكنها تحتوى بداخلها أشكال تجديدية تماماً.. ففى البدء يتحدث حول الفارس الذى يستعد أن ينزل إلى الساحة.. عن حبيبته التى تحمل صورته فى صدرها.. والنورس الذى يهاجر فوق المدن المتوغلة البعيدة.. والحب الذى يولد فى القلب ألف مرة.. وأن الحب فى المرة الأخيرة يعانق المستحيل فيلد السعادة والنقاء.. تسأله الفتاة أن يقبلها فيفعل.. إن هذه الفتاة هى الآن زوجته.. تعيش داخل حياته.. والمؤلف شغوف بمثل هذه العبارات التى لا يربطها رابط موضوعى إلا كى تعبر عن تقاطع عالم الأحلام الذى يعيشه المؤلف وأمانيه مع خط الواقع الذى يدوس فوقه.. والواقع هنا واه لكن الحلم يعلوه ويكسوه.. فعندما يقول لها – أدخلى إلى عالمى أرجوك يقول أن هذا العالم عليه أن يدور حول حلمها سبع دورات.. وأن يطلق بخور سيدى المرسى أبى العباس.. وهناك علاقة بين الحلم والبخور.. البخور قد يتيه بالإنسان إلى عالم أقرب إلى الأحلام عالم الأرواح الخفية والأمانى الرائعة.. "الحب يا رفيقة عمرى يبدأ بالزواج". وكما قلنا فإن الموضوع عادى لكنه مصاغ بشكل غير عادى.. وعلى القارئ أن يعيش داخل عقل إنسان عادى يحب بأسلوب مختلف.. فالبطل هنا هو أى إنسان يحب مثل كل الناس الذين يحيطوننا.. لكن علينا أن نحب بقلوبنا نحن لا بقلوب الآخرين.. وأن خلق من العبارات البالية المألوفة صيغاً جديدة تجعل الحب شيئاً جديداً ولا يفوت المؤلف هنا أن يعبر عن الجانب الثورى الرافض فيه.. فهو يتحدث فى نهاية أقصوصته أن العدل أساس الحكم.. وأن الحكم يحكم بالميزان والسوط والسجان. والعاقل من يفهم أن السائل هو الخاسر وأن الرابح هو من يتدلى فوق أكتاف السلطان يمسح عنه التراب ويحكى له فى المساء قصة الشاطر حسن فى مدينة العميان وماذا يحدث للحاكم؟.. إنه يظل يحكم ويسيطر ويجب أن يتحول العميان إلى أصماء وخرس مثلما كانت سعاد التى أصيبت بمرض منذ سنوات لا تستطيع الكلام.. 
الجو الفنتازى يتمثل من جديد فى أقصوصة - حروف من يوميات مهدى أفندى - رجل يعيش فى عالم غريب – إنه يسميه غربال – الحى الذى عاش فيه المؤلف بالإسكندرية – حيث الكسل يغطى كل الحارات، والمؤلف يعرف تماماً أن هذه الحارات تضج بالحركة والحيوية ولكنه يراها بعينه الخاصة فهناك الأحصنة فى الشوارع.. والدماء تنسكب من الصنبور والدم ينسال من كل الصنابير.. فى المنزل.. فى مكتبه.. فى المقهى.. والماء تحول إلى دماء ليس فقط من الصنبور ولكن فى الفلل.. وهو ليس وحده الذى يعرف هذا.. ولكن كل الناس حوله.. ابنته تعرف ولا تقلق فالأمر عادى.. الموظفون فى المكتب لا يبالون.. فليس من المهم أن تنسال الدماء من الصنابير ولكن هناك أشياء أكثر أهمية – وهى بالطبع أقل – تتحدث عنها الصحف.. مثل السماح بالتصدير والإستيراد.. وقلة علب لبن الأطفال المجفف.. والمؤلف يقسم الأقصوصة إلى ثلاثة أقسام يمكنها أن تشكل كلمة – الدم – فهناك حرف اللام.. ثم الدال ثم الميم.. ويمكن ببساطة حذفها أو جعلها مكانها فلن يغير الأمر شيئاً.
وانسياب الدماء من الصنابير واعتياد الناس على رؤية ذلك يبدو أمراً فنتازياً تماماً.. ويمكن للناقد التقليدى أن يرى أن الدماء هى رمز للقهر وأنه لا يمكن إغفال جانب العنف الذى يحيط بنا من كل جانب.. وأن الناس بدأت تتذوقه بنفس التدفق الذى تنسال فيه المياه من الصنابير.. كما يمكن للناقد أن يتخيل أننا فى زمن نحتاج إلى دماء بطل ننقلها المرضى والجياع فى كل أنحاء العالم الذين لا يجدون دماءاً يحتقنون بها. كما يمكن النظر إلى الدماء بنفس النظرة الرائعة التى كنا نتخيلها ونحن أطفال حين نتصور أن الصنابير سوف نسكب منها الألبان والمشروبات اللذيذة مثلما نفعل بالماء.. إنها كلها رؤى خيال فنتازى رائع.. فيمكن لناقد أن يتناول نفس الأقصوصة بمنظور فنتازى متخيلاً ما يمكن أن يحدث إذا تساقطت الدماء من الصنابير.. وماذا لو شربناها وتجرعناها بدلاً من المياه العادية التى لا طعم لها ولا رائحة.. والفنتازيا هنا هى تخيل لشئ يمكن أن يحدث ومن الصعب حدوثه أيضاً.. شئ قد يثير التباكى والتضاحك.. أو مزيج من الاثنين معاً.. وكما قلنا فإن الناقد الذى يميل إلى تناول العمل فنتازياً متخيلاً لا يحاول أن يستخرج من الفن إسقاطات ولكن مثل هذا التناول من يغبن السيد حافظ.. فهو بالرغم من الأجواء الفنتازية الرائعة التى يصنعها إلا أنه يتعمد إحداث الإسقاط على أحداثه وشخوصه.. فهو يتفق مع بعض نقاده أن سعاد قد تمثل مصر فى فترة زمنية.. منذ عام 1918 وحتى الآن.. وهذا الأمر أيضاً فيه الكثير من الغبن للأقصوصة نفسها.. وفيه تجاهل لعالم المؤلف الذى يعيش داخل نفسه فى رؤى تمزج بين واقع أليم وخيال مجال التحقيق.. وأمال عسير المنال.. لكن ماذا نفعل.. ؟ علينا جميعاً أن نعرف سيمفونية حب.. وأن نغنى أغنية رقيقة وأن نهاجر على أشجار القلق.. ونولد أشياء تحلم بالهجرة.. وألا نعيش فى زمن راكد يضغط علينا ويحاول أن يطحن عظامنا.
والسيد حافظ يخرج من أعماله مزيج جيد التكوين يتشكل من أشياء عديدة من بينها.. الأسطورة والواقع.. الحلم والواقع.. الأمل واليأس.. الحب والكراهية.. الثورة والإمتثال.. وعلى هذا المزيج أن يسير مع دقة الحياة مهما كان بها. فماذا علينا أن نقرأ كتاباً تملؤه الأجواء الفنتازية كما نفتش ونحن نغوص داخل عالم أكثر حلماً وواقعية من عوالمنا.. يصنعها فنان له رؤياه الخاصة.. جداً به.. ويجسد واقعه وجده.. وحلمه فى عزف سيمفونية.. اسمها سيمفونية حب السيد حافظ لبلاده.
محمود قاسم
جريدة الأنباء الكويتية

 





0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More