دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 232 )
سـيمفونية الحب
بقلم
سعيد فرحات
مجموعة قصصية
تأليف : السيد حافظ
دراسة من كتاب
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
سـيمفونية الحب
بقلم
سعيد فرحات
مجموعة قصصية
تأليف : السيد حافظ
سلسلة القصة والمسرحية
دار الرشيد للنشر - بغداد
الرأى العام
17/1/1980
هذه مجموعة قصص جديدة للزميل الأديب السيد حافظ، الذى عرفناه قبل شهور من خلال مسرحيتين أصدرهما بكتاب واحد، ويطل علينا هذا العام بقصصه بعدد "الدزينة" وهى بحق من القصص القصيرة فيها نكهة حديثة وفيها أجواء ومناخات قديمة، حديثة لأنها فيها نبض قلق هذا الجيل، وقديمه لكونها رصينة فى لغتها وبعبارتها كأنها لكاتب عتيق تعب قلمه من الكتابة، أو تعب حسه من الكفاح.
كان الذى يلاحظه القارئ فى قصص "سيمفونية الحب" ذلك الركض الظاهر أحياناً بالقفزات السريعة التى يعبر فيها الكاتب عن تقززه من طعم اليأس، والمستتر حيناً آخر فى مواقف غامضة، فى تطاير خيالى يمر بالأحداث مروراً شارداً.
لأنه فى كل مثل هذه الأحوال يترجم القصة على أنها "جرح" من حياة الكاتب، من مجتمعه مثل قصة " حروف من يوميات مهدى أفندى" الذى لم تترك له دنياه فى مجتمعه حفنة ماء صافية يغسل بها وجهه، الماء فى الصنبور ينزل كالدم.
تقول : سمحوا بالتصدير والاستيراد. الموظفة زميلته تقول : لا توجد علب لبن مجففة للأطفال، كان يصدق ما يقال فى شارع محرم بك وفى شقته وبين زوجته وأطفاله لم يجد الماء.. الرجل يريد أن يشرب.. وبكى. القصة تعبر عن معاناة الإنسان العادى المطحون فى مصر وظن المؤلف، وعندما يبحث عن هذا الإنسان العادى يجده فى دوامة مشاغله القاتلة، ويجدها أحياناً فى عذابات ذلك الجندى الذى ضاقت به الدنيا فلم يفلح لا فى الحرب فى سيناء، ولا فى عبرته عبر الصحارى ولؤلؤ البحار، كما فى قصة "صياد اللؤلؤ" وقصة المدرس حسن فريد بعنوان :
عندما دقت الساعة العاشرة من صباح أحد الأيام تصنع أمامنا صورة لمشكلة حرية الإنسان العربى فى مصر، أو فى بلدان أخرى. وفى قصة "مهاجر على أشجار القلق" تجد شيئاً من حياة السيد حافظ، أو هكذا خيل إلى، فلكل كاتب قصة مع دور الثقافة ومؤسسات النشر، أو مع مخرجى المسارح.. الكاتب أحياناً يتمرد لكنه يضع نفسه ضد التيار كما أراد أن يكون هو صوت الحق.. أو الحرية.
وبالتالى ليست هذه إلا نظرة سريعة لقراءة مجموعة "سيمفونية الحب" التى تمثل خفقة قلق لأبناء هذا الجيل الذى يراد له أن يتتلمذ على أيدى القدماء.. ولا يعيش زمانهم، ويراد له أن يكون غريب زمانه وهو يعيش هذا الزمان. ولهذا تكون لهجة هذا الإحساس قاسية فى لغة الكاتب، وغامضة ومرتجفة لكنها تعبر عن الواقع بمزيج من التمرد والإعتراف واليأس القائم.
وقد يؤخذ على مجموعة السيد حافظ هذه أنها منصبة على صور الأفراد أكثر من كونها جماعية ورمزية ذلك بالنسبة للكاتب أنها تنطوى على ذكريات أليمة أكثر من احتوائها لقضايا، ولهذه تكون قصصها قصيرة جداً.. وبعض هذه القصص على قصرها تشكل شيئاً آخر غير الظاهر فى حين تبدو واضحة.. ولعل أبرز مثل ينجلى فى قصة "الثمن" فهى وإن كانت من وجهها الأول تحكى قصة فتاة خرساء تزوجت خمسة رجال والكل يحمل نفس الاسم، واختلفت بينهم تواريخ زواجهم من هذه المرأة وركبوا فى النهاية فى عربة سجن واحدة. وكانت الزوجة بريئة وشريفة. فإن الوجه الثانى للقصة كما بدا لى هو غير الأول. فالزوجة في القصة وإن لم تكن مستحيلة على النحو الذى قدمه المؤلف الفنان. فإن المرأة فى اعتقادى هى الحرية، أو ربما الوطنية أو الكرامة فلست أدرى بالتحديد أى هذه الأسماء الثلاث ألصق أو أدق. ولكى لا أحكم بمفردى على القصة، ولأنها قصة غريبة وذات مغزى ومبنى ومعنى على قدر مميز من القصص الأخرى، ولكونها قصيرة جداً فأتوقف على الكتاب حول المجموعة لأقدم للقارئ القصة نفسها!
الثـــمــن
(1)
وقف خلف الباب يرقب وينصت وكأن العالم يميد تحت قدميه. لا يمكن أن تكون هى.. لا يمكن أن تخون.. أنا أعرفها لا تقبل الخيانة سعاد!! لا يمكن!!
لكن هذا الصوت صوتها!! صوتها..
نظر من ثقب الباب.. نفذت عيناه وهى تشع احتراقاً.. هى نعم هى.. ورجل آخر.. ترى متى عرفته.. إنه يحضنها.. منذ متى تخوننى.. منذ.
(2)
وقفا أمام الضابط فى قسم البوليس.. قال الضابط وهو يشعل سيجارة.
- وأنت!
- على السمنودى.
أشار إلى الرجل الآخر.
- وأنت.
- على السمنودى.
قال الضابط وهو يضحك بسخرية إلى الرجل الأول:
- وأين تسكن؟
- 25 شارع الإسكندرانى – محرم بك – شقة 5
قال الضابط منذ متى تزوجتها.
قال الرجل وهو يمسح دمعة سقطت فجأة من عينيه دون إنذار.
- تزوجنا سنة 1918 وأنجبنا كثيراً من الأطفال.
- وأنت
- أقيم فى 25 شارع الاسكندرانى محرم بك شقة 5
تزوجنا فى الثلاثينات وأنجبنا خمس فتيات جميلات.
دخل رجل القسم وهو يصرخ تجاه الضابط.. يا صاحب السلطة والنظام.. زوجتى لم أجدها فى المنزل.. اختفت فجأة لم تتعود على الخروج.. سألت عنها الأقارب والجيران.
قال الضابط وهو ينظر إلى الرجل دون اكتراث.. نظر إلى ملامحه الطفولية ويده المرتعشة التى تحاول أن تتماسك رعباً..
- اسمك؟
- على السمنودى أقيم فى 25 شارع الاسكندرانى شقة 5.. وزوجتى سعاد تزوجتها سنة 1947 وأنجبنا طفلين.
(3)
جلسوا فى حجرة وكيل النيابة الذى بدا فى زهو وفخر وهو يتحرك فى الغرفة يتفحص بعينيه الرجال الثلاثة والدخان يتصاعد من فمه وقد جلس كاتب النيابة منهمكاً فى إعداد الأوراق.
- الاسم!
- أجاب الثلاثة فى صوت واحد:
- على السمنودى.
ضحك وكيل النيابة وهو ينظر إلى البحر لتعانق عيناه قلعة قايتباى ومرة تعانق عربة السجن وقفت في فناء المحكمة قال وكيل النيابة وهو يضغط على الجرس :
- يستعدى صاحب المنزل.
دخل رجل بدين وقد لمعت فى عينيه نظرة أسى..
قال وكيل النيابة وقد مد يديه إلى الملف
- الاسم ! والعنوان والسكن
.. رد الرجل وهو يرتعش.
- على السمنودى
25 شارع الاسكندرانى – محرم بك – شقة 5.. وزوجتى سعاد تزوجتها فى الخمسينات ولم تنجب.
(4)
جلسوا فى قفص الإتهام وقد امتلأت القاعة بالمشاهدين وقد وقف وكيل النيابة يختال بصوته العريض وهو يقول :
- وبسؤالنا عن المدعى عليها وجدناها شريفة لكنها صماء. خرساء.. أمية.. أصيبت بمرض منذ سنوات لا تستطيع الكلام.
قال القاضى وهو يحرك نظارته ويساوى حلته الأنيقة فهو رجل أنيق دائماً.
- الدفاع
تقدم شاب فى الثلاثين من عمره وقد وقف بصوته الواثق
- على السمنودى وكيل المتهمين.
(5)
جلسوا فى عربة السجن خمسة أفراد أولهم عامل والثانى شاعر والثالث صحفى والرابع طالب والخامس محامى وعربة السجن تقطع كورنيش البحر لتصل إلى السجن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق