دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 211 )
دراسة من كتاب
رؤية النقد لعلامات النص المسرحي
لمســـرح الطــفل فى الوطن العربى
"الجزء الثانى"
جمع وإعداد
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
مسرح الطفل عند السيد حافظ
بقلم أ. فاطمة حاجى- المغرب
1-مسرحية سندريلا
2-مسرحية على بابا
3-مسرحية "أبو زيد الهلالي"
4-مسرحية عنترة ابن شداد
5-مسرحية أولاد جحا
6-مسرحية سندس
7-مسرحية لولو والخالة كوكو
8-مسرحية الشاطر حسن
نحن اقتحمنا مناطق الحذر الإبداعية والكبار أطلقوا علينا نيران التجاهل واختاروا أشباه الكتاب ليتصدروا أجهزة الإعلام، وذلك حتى يموت المبدع الحقيقي قهراً ومرضاً.
لا أريد أن يكرمني الوطن العربي بعد موتي …
كان عظيماً.. أريد أن أعيش بينكم وأن نفتح الحوار حول الكلمة المضيئة بالقيمة الجدية، بالأصالة والصدق..
مسرح الطفل عند السيد حافظ: تجربة مسرحية سندريلا الكويتية:
مسرح الطفل.. عربياً ما يزال في بداية الطريق. هذا ليس عيباً. ولكن العيب ألا يدرك واقعة ولا يتجاوز ذاته باستمرار([1])
بالفعل مسرح الطفل بهذا المعنى جديد وصعب لأن الالتفاتة إلى هذه الفعالية لم تتم إلا مؤخراً، الشىء الذي يعني غياب تراكمات سواء على مستوى المقاربة النظرية أو على مستوى الإنجاز العملي والفني.
عن الإرهاصات المؤشرة لبداية الاهتمام بمسرح الطفل بالكويت احتضنته مؤسسة البدر التي اطرتها الأستاذة "عواطف البدر" فاهتمت بمسرح الطفل وآمنت بكينونته وخطورته. وإذا عاينا مسيرة السيد حافظ في رحلة الكتابة للصغار نجد أن مسرحية سندريلا تعد أول محطة في مدن كتابته للأطفال. وقد ارتبط أساساً بمؤسسة البدر، ترى هل حقق مبدعنا نجاحاً في مسرح الطفل.؟
1- مسرحية سندريلا:
تروى حكاية فتاة رقيقة المشاعر، طيبة متجلدة وصامدة بالرغم من أنها تعاني ضروب الذل والعسف من قبل زوجة أبيها "هنود" وشقيقتيها" فهيمه ولئيمة"، وفي أحد الأيام يحدث أن تلتقي بامرأة خارقة تساعدها على تحقيق طموحاتها المستقبلية ز هذه المسرحية مستمدة من تراثنا الإنساني وتجدر الإشارة إلى أن اسم سندريلا مشتق من كلمة فرنسية أصلها Gendrillon وهي تعني الرماد، وفي المغرب يطلق عليها اسم "عيشة رماده" بمعنى الفتاة التي تنام في الرماد. ولعل السيد حافظ كما يقول عبد الكريم برشيد" أعطانا تركيباً جدلياً لتفاعل الذات والموضوع.. أعطانا قراءة متميزة وكتابة مغايرة. فهو قد قرأ الحكاية الغربية بعين شرقية.. أنطلاقاً من مخزونة الثقافي ومن وضعه التاريخي الاجتماعي ومن أثره الحضاري – العربي الإسلامي([2])
لخص السيد حافظ مضمون مسرحية سندريلا في إحدى حواراته وقال ما يلي "سندريلا الجديدة فتاة استطاعت أن تتعاطف مع الحيوانات وأثرت في كل شىء حولها فتاة تفعل الخير – غير سلبية – إيجابية، تدخل العالم القاسي وهي واعية. بل تحاول أن تتمسك بحقوقها حينما يعطيها القدر فرصة العمر التي انتظرتها فهي تبوح للنجوم والقمر بأحزانها وتعيش في عذاب لكنها تحمل قلباً يحب كل الناس([3])
سندريلا أذن هي الفتاة الفقيرة التي ساعدتها أم الخير على حضور الحفل الذي نظمه الأمير لرعيته. في الثانية عشرة ليلاً تهرب من القصر قبل أن يكشف أمرها عملاً بنصيحة أم الخير لكنها تضيع فردة حذائها لتكون دلالة عليها في النهاية فتتزوج الأمير – كما هو الشأن في العرض المسرحي – وتجدر الإشارة أن سندريلا حافظ يضيف إليها الكاتب بعض العناصر غير الموجودة في الأصل الشعبي.
أن الباعة في السوق يرفضون أن يبيعوا المواد الغذائية لسندريلا على الرغم من أنها تنتمي إلى نفس شريحتهم الاجتماعية، ولربما قصد المؤلف من خلال هذا أن يصل المسرحية التي ومضتها التراجيدية حيث تتضافر الهموم على البطلة وتمارس عليها الضغوط من كل النواحي، فهي تعاني القهر الداخلي في المنزل والشقاء الخارجي المتمثل في الباعة. وتجدر الإشارة هنا إلى التناقض الذي وقع فيه كاتبنا في هذه المسرحية حيث نجد شخصية "أم الخير" تطلب المساعدة من سندريلا على الرغم من أنها تملك الأدوات السحرية التي تمنحها كل شىء بدون مساعدة أي أحد كان. ولعل الكاتب يورد هذه الصورة بين ثناياً مسرحيته ليقلق جمهور الصغار ويجعلهم يفكرون لماذا طلبت أم الخير المساعدة من طرف سندريلا قد يكون الأمر اختباراً أجرته الجنية لسندريلا لمعرفة مدى ما تتمتع به من أخلاق عالية.
يمكن الإشارة أن سندريلا في الحكايات الشعبية وبالأخص حكاية "عيشة رماده" كانت أبنة السلطان وقد تمتعت بجمال فاتن لدرجة جعلت أختيها تغاراً منها، لذا عمدت زوجة أبيها إلى تشويه صورتها بالرماد فجعلتها تنام فيه، كما أن زوجة الأب استعانت بكيدها فكانت كلما أقترب مجىء السلطان للغداء أو العشاء تلبس "عيشة رماده" ملابس جديدة وتزينها حتى تظهر للملك أنها تحسن على ابنته وتعاملها كأختيها، والواقع أن السيد حافظ من خلال المسرحية جعل سندريلا تنتمي إلى طبقة الفقراء.
لقد استخدم الكاتب أسلوب الحكاية داخل الحكاية من خلال شخصية أم الخير التي طلبت من سندريلا قليلاً من الطعام، فمنحتها سندريلا طعاماً بالرغم من أنها لا تملك حرية التصرف فيه وحينما سألتها أم الخير كيف تتصرف مع زوجة أبيها إن هي سألتها عن الطعام أجابتها قائلة.
سندريلا : أقول لهم إنه ضاع مني في السوق.. في زحمة ولمة الناس([4])
لهذا نجد أم الخير توظف حكاية الراعي الذي كان يكذب على الناس في كل مرة ويقول لهم بأن أغنامه أكلتها الذئاب والناس تصدقه ويأتون في التو واللحظة لنجدته، وفي التو أيضاً يضحك ويردد "ضحكت عليكم" وفي الحقيقة كان يضحك على نفسه لأنه في اليوم الذي قدم فيه الذئب فعلاً والتهم أغنامه لم يأت أحد لإنقاذ.
وتذكرني هذه القصة بحكاية الأمير الذي كان يتسلى بضرب جرس إنذار الحرب، فيهرع الجند من أماكنهم لينقذوا الموقف والرد على الهجوم، وفي كل مرة لا يجدون مهاجماً، إنما الدقات تصدر عن عبث الأمير. إلى أن جاء اليوم الذي هاجم فيه الأعداء القلعة فلم يستجب الجند لدقات جرس الإنذار ظناً منهم أن الأمير يريد أن يتسلى كعادته فكانت الكارثة.
حينما قصت أم الخير حكاية الراعي والغنم على سندريلا دعتها إلى استلهام العبر حتى لا تكذب على زوجة أبيها حينما تسألها عن الطعام والسيد حافظ من خلال هذه الحكاية يدعو الصغار إلى تجنب رذيلة الكذب لكي لا يحدث لهم مثل ما وقع لراعي الغنم فكما يقول "المثل المصري" ليس كل مرة تسلم "الجرة" "والكذب خيبة" ربما يكذب الطفل مرة فيحل مشاكله لكن في مرات أخرى يسوقه كذبه إلى مشاكل أخرى ولا يصدقه الناس حتى وإن قال الصدق، وإنني لا أتفق مع الباحثة آمال الغريب حينما قالت بأن السيد حافظ – من خلال هذه الحكاية – قد يشتت ذهن الطفل ويمنعه من التركيز فيما يدور من أحداث رئيسة وأرى أن الكاتب يوظف هذه الحكاية كدلالة معرفية وجمالية تعمل على تثبيت قيم الصدق في مخيلته. ولعل الصغير حينما يشاهد المسرحية ويتعرف على الحكاية تترسخ في ذهنه مبادئ الصدق في التعامل مع الناس، فقد يحاول الكذب وفجأة يتجسد أمام ذاكرته مشهد الراعي ومن ثم يكف عن الكذب.
إن المسرحية تحتوى على جوانب تربوية تحاول أن تنمي سلوك الطفل، ومن خلال خطابها المعرفي تبدو لنا فضيلة رد الأمانة إلى أصحابها ففي الوقت الذي تضيع فيه سندريلا نقودها في زحمة السوق وتطلب ممن عثر عليها أن يؤديها لها يظهر لنا الطفل الأمين الذي يعطي سندريلا النقود. والواقع أن الكاتب حاول أن يزرع في نفسية الصغار الصدق والأمانة. وقد أكتشف أحمد عبد الرحيم التناقض الحاصل في بعض الأنساق المعرفية للمسرحية فقال بأن الطفل الذي سرق النقود من سندريلا وهرب أعادها لها بقصد الأمانة عندما سمع أنها أبنه الأمير. وهنا يكون أميناً ولصا في وقت واحد ([5])
ينبغي الإشارة هنا إلى استخدام الكاتب للحيوانات بدلا عن الكورس. وقد اعتمد المؤلف هذه التقنية لأن الأطفال أشد علاقة وارتباطاً بالحيوانات مثل القطط والكلاب حيث نجدهم يتعاطفون معها، فبواسطتهم أن صح التعبير – أراد مبدعنا أن يوسع بعض السلوك والمبادئ في أذهان الصغار مثل الرحمة والتعاطف يقول السيد حافظ جعلت عالم الحيوانات يحمل محل الراوي أو الكورس لأن الأطفال لا تستوعب هذا الشكل. (70)
تتضح لنا كذلك ضرورة الرافة بالحيوانات وعدم إلحاق الضرر بهم على اعتبار أنهم كائنات حية تحس وتشعر كالإنسان من هنا أورد الكاتب شخصية هنود/ المرأة المتسلطة التي تحاول تعذيب القط مسرور والكلب كركور والأرنب فرفور. وفي المقابل نجد سندريلا الفتاة الطيبة التي تتوسل إلى زوجة أبيها أن تدع عنها ضرب الحيوانات – ومن ثمة فموقف سندريلا واضح من الحيوانات إذ أنها تدافع عنهم لأنها وجدت فيهم ذلك التعويض النفسي عن الحنان الذي افتقدته في بني البشر. وعلى هذا الأساس يقول عبد الكريم برشيد " ولأن سندريلا تعاني الغربة في البيت ولأنها غير موصولة إلى زوجة أبيها وأختيها فقد أوجد لها المؤلف رفاقاً من الحيوانات الأليفة والوفية. وبهذا تعوض حب الإنسان بحب الحيوانات(71)
ويمكن التأكيد على فكرة تربوية – وردت على لسان الحيوانات – التي ترى أن الحيوان إنسان – إذا صح القول – يمتلك المشاعر والأحاسيس التي تجعله في بعض الأحيان يفوق مشاعر الإنسان لأن هذا الأخير فقد خصوصياته الإنسانية فيصير طيراً كاسراً وحيوانا مفترساً.
القط مسرور: الحيوان عنده مشاعر
الكلب كركور: يا إنسان
الأرنب فرفور: ساعات مايبقاش إنسان(72)
لعله من باب التأكيد أن السيد حافظ يوظف شخصية الأمير للتركيز على ما يتمتع به هذا الحاكم من صفات حميدة. فبالرغم من انتمائه إلى الطبقة العليا نجده لا يهتم بالمظاهر الزائفة ويؤمن بأن قيمة الإنسان تكمن في غناه النفسي ولا يمكن أن يقاس بمحك الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها، لهذا قرر الزواج من فتاة طيبة ورقيقة حتى وإن كانت فقيرة.
الأمير: أنا مستعد أتجوز أي واحدة مؤدبة.. جميلة.. رقيقة..
الأمير: مش مهم أوبها يكون سلطان أو أمير.(73)
حينما يستمع الصغير إلى هذه الكلمات الموحية حتماً سيؤمن بأن قيمة الإنسان تنبع أساساً من أخلاقه الفاضلة ومثله العليا وقد حاول السيد حافظ أن يؤكد على قيمة تقديم المساعدة للغير فأورد ذلك على لسان الكورس (الحيوانات) قائلاً:
القط مسرور: الخير حروف تنور في طريق الإنسان
الكلب كركور: الخير جلابية لعريان
القط مسرور: فستان لفقيرة..(74)
والملفت للانتباه هو أن المبدع آخي بين الكلب والقط وجعلهما صديقين حميمين يتقاسمان هموم سندريلا، والحقيقة الواقعية غير ذلك لأننا نجد بين القط والكلب حرباً شعواء، ولعل الكاتب قد كسر التناقض الحاصل في الواقع إذ أنه ركز على ضرورة سيادة الإخاء والتعاون في إطار مساعدة الأمير، وفي رأينا أن الكاتب أضاف إضافة جيدة للمسرحية التربوية حينما أكد على قيم الخير والاتحاد أنه تربط بين الكلب والقط.
والواقع أن الكاتب يوظف شخصية أم الخير الخارقة التي لبت نداء سندريلا رداً للجميل الذي أسدته لها سندريلا حينما كانت جائعة وقدمت لها الطعام، وفي هذا إصرار من الكاتب على تقديم جرعات كبيرة من النصائح للطفل على لسان العجوز أم الخير.
أم الخير: جيت ولبيت الندا علشان أرد الجميل.. واللي يساعد إنسان لازم يرد له الجميل(75)
وفي المقابل ترمز شخصية هنود إلى الشر فهي امرأة سادية تجد متعة ولذة في تعذيب سندريلا، فكأن الكاتب يورد هذه الشخصية كدلالة على قبح الشر حتى يتمكن الطفل من استيعاب قيمة الخير والاقتداء به ويمكن الإقرار بأن فهيمة ولئيمة تعكسان الصفات الخبيثة التي يود السيد حافظ ألا يتحلى بها أي طفل كالغباء والكسل وعدم الاعتماد على النفس، وقد أكد مبدعنا على أهمية الوقت الذي حددته أم الخير لعودة سندريلا إلى البيت في الساعة الثانية عشرة ليلاً.. ومن ثمة يتبين للطفل قيمة الوقت بالنسبة للإنسان. ومن الملاحظ أن كاتبنا لم يذكر أهمية الوقت بصراحة، ولكنه أطلق العنان للطفل ليفكر ويقرر عدم تضييع أوقاته سدي ويحاول التحكم فيها عن طريق العمل الدؤوب. وتحضرني حكمة " باستور" الذي قال يوماً" عندما أضيع دقيقة من عمري يخيل إلى أنني ارتكبت جريمة في حق الإنسانية". ولا أشاطر الباحثة رأيها حينما قالت بأن السيد حافظ لم يؤكد على قيمة الوقت وضرورته في حياة الفرد لأن مبدعنا أعاد ذكر الموعد المحدد لعودة سندريلا من قصر الأمير على لسان أم الخير ثلاث مرات.. وفي هذا كفاية، ولعله كان يهدف إلى إثاره خيال الطفل حتى يفكر ويقرر وحده دون وصاية من أحد، ففي المسرح ليس المهم أن تجيب عن كل الأسئلة ولكن الغاية تكمن في طرح الأسئلة المقلقة. وفي اعتقادي أن المبدع حاول أن يثير فضول الطفل واندهاشه حتى يستكنه بنفسه قيمة الوقت.
من خلال المشهد الأخير من المسرحية يتضح لنا اقتناع الأمير بضرورة الاعتماد على النفس في البحث عن فتاته دون اللجوء إلى طلب المساعدة من طرف رجال الشرطة. وفي هذا ترسيخ لخاصية الاعتماد على النفس في القيام بالمهام والأعمال المختلفة، ومن جهة أخرى تظهر لنا سندريلا البريئة التي تتحمل صنوف الألم وتتجرع كئوس الظلم على يد زوجة أبيها، وبالرغم من ذلك تتجلد وتصبر، وتجدر الإشارة إلى إعجاب سعادة الشيخ سالم فهد السالم الصباح بمسرحية سندريلا حيث قال "المسرحية جيدة شملت جوانب تربوية نريد دائماً إعطاءها للطفل فهو أمل الغد والاهتمام بكل جديد جيد يقدم له ضرورة بناء الأجيال القادمة(76)
نجح السيد حافظ إلى حد كبير في توصيل المفاهيم التربوية إلى ذهنية الطفل فابتعد عن المباشرة عكس بعض الأعمال التي اعتمدت إسداء النصائح للطفل بطريقة تعسفية تقريرية أساسها الإضحاك لأن مبدعنا جسد المقولات التي أراد تقديمها للطفل، وكان أميناً على أن يخاطبه بلغة يفهمها، ويدركها أيضاً، كما أن الرمز كان واضحاً للطفل.. وابتعدت المسرحية عن التفاهات التي امتلأت بها نصوص الطفل الأخرى التي اعتمدت على الإضحاك الأبله، والسب والتنكيت وكان حوارها جيداً مبتعداً عن اللغو والفوضى والتعاليم الخاطئة (77)
مسرحية على بابا: مسرح الطفل عند السيد حافظ السيد حافظ
تعرض حكاية بسيطة مستلهمة من مخزون "ألف ليلة وليلة" وتدور أحداثها حول صراع الطبقة العليا المتمثلة في شخصيات "قاسم وشهبندر التجار وسالم" مع الطبقة السفلى المنحصرة في شخصيات "على بابا وحمدان ومحجوب" فبعد أن احتدام النقاش بين على بابا التاجر المسكين وبين سالم التاجر الغني المتسلط الذي يعتمد المراوغة والغش في تجارته، طرد على بابا من السوق وعاد إلى جمع الحطب كما كان في السابق، وبالصدفة يعثر على المغارة التي يخبىء فيها الأربعون حرامى ما يسرقون من أموال وجواهر ثمينة، فيتسلل - بعد خروج العصابة من المغارة – إليها ليسرق جزءاً من كنوزها، ومن ثم يصبح غنياً فيتحول من حياة البؤس والحرمان إلى حياة البذخ والغنى ويطلق مبادئه الأولى التي كان يؤمن بها ويدافع عنها ويتخلى عن أصحابه عند أول منعطف في حياته جمعه بالمال، ويطالب الكل في آخر المسرحية محاكمة على بابا لأنه تمادي في سرقته، وتذكرني هذه الحكاية بفيلم عرض مؤخراً بشاشة التليفزيون يحمل عنوان "على بابا والأربعين حرامي" أن السيد حافظ من خلال هذا العمل الدرامي يحول الصراع بين على بابا وشهبندر التجار وقاسم إلى صراع بين الفرد المسحوق والسلطة"(78) يعكس على بابا أيديولوجية الإنسان الانسحابي الذي يحاول تحقيق العدل عن طريق اقتراف السرقة، ففي الوقت الذي نجد البطلة سندريلا صبورة على ضيمها نرى على بابا رمزاً لذلك الإنسان المتسرع الذي لا يملك ناصية التفكير الرزين، فبعد ما كان يعبر عن شرارة الانتفاضة وصوت التمرد حتى أنني تذكرت من خلاله شخصية الفلاح "عبد المطيع" في مسرحية "حكاية الفلاح عبد المطيع" للسيد حافظ في إصراره على تحدى الظلم ويتضح لنا ذلك من خلال هذا الحوار.
سالم: أنا غشاش يا على بابا يا متعب.. يا فقير.. تتجرأ على وتقول عني غشاش على بابا: أي نعم غشاش يا هوه سالم لا يبيع الحرير الهندي.. إنه يضحك عليكم.. علي بابا : أعلم أعرف.. أن الفقير لا يسمع له صوت.. الفقير يضيع في البلاد التي تنسى الإنسان([6])
وعلى هذا الأساس يدعو الكاتب جمهور الصغار إلى الثورة على الأوضاع الاجتماعية المهتزة من خلال شخصية "محجوب" ذلك الدرويش الذي ينطق الحكمة ويتصنع البلاهة حتى لا يقع في قبضة السلطة ويكون مصيره الاغتيال، ويصرخ محجوب بحثاً عن الحقيقة في زمن الغربة والضياع.
محجوب: يا أهل السوق.. ولد صغير تائه.. أسمه العدل.. وبنت صغيرة تائهة أسمها الحقيقة([7])
ويكرر الكاتب هذا الحوار أكثر من مرة ليهيئ الطفل على رفض الأوضاع المزرية.. وقد حاول السيد حافظ مد جسور الخير والمحبة بين الأطفال وحثهم على ضرورة التفاهم في خدمة الوطن والتضحية من أجله، والاتصاف بالأمانة والصدق فنطق محجوب بكلماته التي تعصف بالسرقة. محجوب: أغلقوا الأبواب جيداً، وأحموا بيوتكم من اللصوص فإذا سرق البيت.. سرقت الأرض
فكأن مبدعنا يرمز من خلال هذا الحوار إلى القضية الفلسطينية وإلى المؤامرات التي حيكت من أجل اغتصاب القدس الشريفة بدءاً بوعد بلفور المشئوم وعليه يتوسم في الأطفال الأمل والخير لتحرير الأرض من العدو الصهيوني.
وإذا أمعنا النظر في الخصائص التربوية التي تتضمنها المسرحية نجد أن الكاتب يوجه الأطفال إلى التشبث بأهداب الوطن ومجابهة الظلم. وهذا ما يظهر لنا من خلال هذا الحوار.
محجوب وحمدان وبعض الفقراء.. يا فقراء الدنيا أحموا أرضكم.. يا فقراء العالم يد تبنى ويد تدافع([8])
على ضوء هذا يحرض الكاتب الطفل على الفعل ومواجهة الأمراض العفنة التي تنخر جسم المجتمع حتى ينمي إدراكه ويجعله يتخذ قراراته بعيداً عن السرقة والغش فيلتزم الصدق ويعانق الفضيلة.. ولعل شخصية حمدان تجسد للصغار مثالاً للقناعة والاكتفاء بالرزق الحلال، فقد كانت الفرصة، سانحة له حتى يأخذ من المغارة ما شاء من الذهب إلا أنه اختار نقاء الضمير وخرج حمدان في لحظته من المكان الملىء بأموال السرقة حمدان: ما هذا.. ذهب.. ياقوت.. ماس.. ما هذا سآخذها كلها لا. نصفها.. لأربعها لا.. لا شىء.. أن أنام مرتاح البال.. أنا لا أسرق وماذا أفعل لو سرقت اللصوص سآخذ المال سأطمع.. لا إنه مال حرام سأخرج في الحال([9])
لقد مجدت بعض القصص شخصية على بابا وجعلتها صورة مشرقة لأنه سرق الأموال وفي المقابل ساعد بها الفقراء، ولكن المسرحية تصور لنا على بابا السارق الانتهازي الذي تخلى عن مبادئه الثورية وقاوم الشر بالشر، وحاول أن يكشف للعامة عن الشخصية التي تظهر للعامة استعدادها للثورة من أجل الحرية وحينما تبتسم لها الحياة تتخلى عن مبادئها وتدعو إلى السلم والمهادنة فتتحول من شخصيات ثورية إلى قوة اقتصادية مهادنة وهي دعوة لمحاربة الثورة وبذلك تم رفض الأكياس المليئة الممدودة إلى اليد ليقابلها المطالبة بالسلاح والتوجه إلى مصارعة هذه القوة([10])
وخير مثال نسوقه تأكيداً على هذا الرأي هو قول على بابا نفسه
على بابا: سنترك هذه البلاد.. لقد انتشر الظلم في هذه المدينة وعلينا أن نغير المكان
مرجانه: لا يا على بابا لا نترك مدينتنا. أتذكر كنت تقول دائماً ليس لي من رغبة سوى أن أعطي الأرض للفلاحين
على بابا: كان، نحن الآن أثرياء
مرجانه: والفلاحون الذين في السجن ظلماً وكنت تذهب لزيارة أهاليهم وتقول لهم حاولوا أن تحدثوا الوالي والسلطان
على بابا: تحدثنا كثيراً لكبار ولا أحد يسمعنا([11])أعتقد أن اعتراف على بابا في آخر المسرحية بجرائم السرقة التي أقترفها وإعلانه العودة إلى مهنة جمع الحطب بعد أن تعرض لمحاكمة من طرف العامة يشبه إلى حد ما موقف "مقبول عبد الشافي" بطل مسرحية "حكاية مدينة الغفران" لأنه حاول أن يبث الوعي في صفوف العامة فزج الوالي به في السجن.. وعليه يلتقى وعيه مع إدراك على بابا لنفاق التجار وتلاعبهم.. ومن هنا طرد على بابا من السوق ليصبح حطاباً من جديد، وككل مسرحية خاصة بالطفل ينهيها المبدع بانتصار الخير والفضيلة وتقهقر الرذيلة وما قرع محجوب للطبول في الأخير إلا إعلان عن اندحار قوى الشر وبزوغ فجر العدل :
محجوب: الثعلب بان بان
ويا أطفال بغداد.. يا أطفال الدنيا
أعلموا أن على بابا كان شريفاً ثم أصبح لصاً والسارق لابد أن يسجن([12]) هكذا تتكشف أساليب الخيانة أمام الطفل. فيشعر بمسئوليته في استئصال جذور الظلم لأن ما حدث لعلى بابا يمكن أن يأخذ امتداده في عصرنا الآتي. ففي بعض الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتأصل الخيانة والسرقة، فقد تسخر خدمة للطبقات العليا. وزبد القول أن السيد حافظ استهدف من خلال المسرحية إلى ترسيخ فضيلة الأمانة في نفسية الصغير "أن يلجأ الطفل إلى السرقة مرة واحدة ثم يغتني ثم بعد ذلك يتوب فيصبح بطلاً من هنا تكون الخطورة. ربما يفكر الطفل في الامتحان السرقة من زميل آخر فينجح ويفوز ولكنه في داخله يتكون اللص الذي ينتهز الفرصة.. فربما يسرق الطفل الإجابة وعندما يكبر سرق الثورة أو يسرق أحلام شعب([13])
إن سرقة على بابا لمال المغارة توازي خداع رابح في مسرحية "محمد مسكين" قاضي الفئران" حينما صنع كعكة وادعي أنها كعكة الذكاء فأخذ يبيع منها وكذا خيانة الطفل حينما أدعى بأن الفئران التهمت الحديد.
رابح: وهل يعقل أن تأكل الفئران الحديد هل رأيت فأرا يمتلك منشاراً بدل الأسنان؟
ماهر: إنها الحقيقة يا عم رابح لقد أكلت الفئران كل ما اشتريت من الحديد([14])إن شخصية على بابا ترمز إلى عناصر الخيانة التي باعت الوطن وتخلت عن ثورة يوليو وساومت العدو في ظل معاهدة كامب ديفيد.
مسرحية أبي زيد الهلالي فارس بني هلال:
اعتمد السيد حافظ على تطويع التراث الشعبي خدمة للنص المسرحي فاستلهم سيرة فارس بني هلال "أبو زيد" ووظفها في قالب مسرحي نظراً لما تستوعبه من حكم حيث تحقق النموذج والمثال للطفل حتى يحذو حذوه في العمل. وإذا أمعنا النظر في المسرحية نجد أنها تتضمن عدة أهداف تربوية كفضيلة السخاء والكرم.
وخير دليل على ذلك محاولة "مفرج" بيع ابنته الثريا في سبيل إطعام ضيفية. حيث قصد مجموعة من الناس يطلب منهم شراء الثريا مقابل قليل من الطعام. وفي ظني أن موقفه يشبه إلى حد كبير موقف أعرابي اشتهر بالسخاء حتى إنه حاول ذبح ابنه حينما لم يجد ما يقدمه لضيوفه.
مفرج : …… وهذان الضيفان إذا خرجا من بيتي دون طعام ستكون فضيحة أمام العرب يا إلهي ماذا أفعل.. أبيع ابنتي([15])
من الواضح أن الكاتب يبين أسلوب الدهاء والتمويه – كوسيلتين في بعض الأحيان – للوصول إلى الهدف المنشود. وقد اعتمده أبو زيد من أجل اكتساب ثقة الأمير الجديد سعيد حتى تنجح خططه التحررية.
أبو زيد: تكلمي يا امرأة يا عادية أمام الملك باحترام([16])
من المؤكد أن السيد حافظ يملي كلمة الحق في وجه التحديات ويجعلها تستعد لمواجهة الأخطار الداخلية ليكون لها النصر في النهاية، ومن ثمة تتعمق المعاني الإنسانية في نفسية الطفل.
أبو زيد: هيا يا فرسان.. اقبضوا على الأعوان وعلى سعيد..
مغامس: هذه نهاية الطماع الذي يخون بلده([17]) بالفعل هذا هو مصير كل من يخون وطنه ويطمع في حق من حقوق غيره فتبوء محاولته بالفشل ويجر أذيال الهزيمة. وهذا ما حدث لسعيد الذي استولى على كرسي الحكم عاث في البلاد فساداً بعد أن أبعد مغاساً.. الأمير الشرعي عن القصر. فنهايته كانت شيئاً طبيعياً لكل من تسول له نفسه الخيانة. وعلى هذا الأساس يعالج السيد حافظ قضايا إنسانية تتعلق باستلاب الإنسان وضياعه وفي الوقت نفسه يؤمن بأن المظلوم قادر على رد الظلم إن هو ناضل ولجأ إلى الحل الجماعي لمواجهة قوى الإمبريالية وخير مثال على ذلك اتحاد مغامس ودياب وأبو زيد في قطف رؤوس الخونة وإشهار السلاح ضد كل أجهزة التسلط.
مغاس: يقول الهلالي جهز لي مائة صندوق كبير وجهز لي الفرسان الشجعان من الإسطبل للاستعداد بالسيوف والدروع.. واللقاء وقت العشاء.. كن قوياً يخافك الأعداء.
أبو زيد: نريد منوماً
نريده في الحال.. قولي لمغامس جهز لنا المنوم وأرسله مع إحدى الخادمات الجميلات حتى تمر من الحراس وتحضره لنا([18])
إن أبا زيد فارس مغوار اقترن اسمه بالملحمة الهلالية التي استوعبت الفضائل الإنسانية وعملت على تحقيق حياة أبيه عن طريق العمل الدؤوب المتواصل من أجل دحر قوي الظلم، وعليه فالفلسفة الهلالية في المسرحية تحسر النقاب عن فضائل الفروسية كالمروءة والشجاعة ومساعدة الضعيف والمحتاج. والواقع أن الحرب التي دارت رحاها بين أبي زيد وسعيد كانت محاولة لتحقيق التوازن الاجتماعي واحتفاظا بكرامة الإنسان وتعزيزا لمبادئ الاعتصام بالخير. كل هذه الفضائل تبنتها المسرحية لعل الطفل يقتدي بها في أفعاله وأقواله.
إن شبه الجزيرة العربية عانت من الفقر والجوع وهذا ما يتضح للطفل من خلال هذا الحوار مع مفرج.
مفرج: ألا يوجد عندك أي طعام؟
بهي: لا يوجد وأنت أعلم([19])
من هذه الشرفة حاول السيد حافظ أن يدهش جمهور الأطفال حتى لا يقفوا عند حدود واقعهم الراهن وليجروا في عوالم الماضي للمقارنة بين اللحظة الآنية التي أنعم الله على الإنسان بالخيرات فاكتشف البترول وغزا القمر وتيسرت له وسائل العيش عن طريق ابتكار الآلات، وبين ما كان يعاني منه الإنسان العربي من فقر مدقع. ومن جهة أخرى يعرف الطفل أن السيف هو وسيلة الحرب في القدم بحيث لم تستعمل الرشاشات والقنابل كما هو الشأن في عصرنا الحاضر.
أبو زيد: هيا يا فرسان.. يجري الفرسان هنا وهناك.. يسمع صوت السيوف([20]) يستفيد الطفل كذلك كيف أن الإنسان القديم كان يرسل خطاباته عن طريق الحمام الزاجل بدلا من الطائرات، بالإضافة إلى ضرورة طاعة الوالدين على اعتبار أنهما يتحملان مشقة في تربية الأبناء وتعليمهم فلا يمكن مكافأتهم بالعقوق والجحود.
الثريا: إنه أبي وطاعة الأب والأم واجبة([21])
إن شخصية أبي زيد تجد لها امتداداً في حاضرنا لأنه يرمز لذلك الإنسان المكافح الذي يحمل سلاحه ليحارب الأعداء في الجبال وباختصار فتغريبه بني هلال تحتفي بمقدرة أبي زيد على التنكر حيث يدعى الطب فيؤتمن على الأرواح، ثم يستعمل البنج لقهر أعدائه ولولا هذه الحيل لما عبر الهلاليون تلك المسالك البربرية المشتتة على كل شبر من الأرض حتى وصلوا إلى تونس([22])
يحمل أبو زيد الهلالي بعضاً من الخصائص الذاتية الزئبقية التي تعتمد الحيلة وتقمص شخصية الكثير من الأنماط السلوكية.
يقول أبو زيد: لقد تنكرت في زي متسول عندما وجدتهم يحاصرون قصرى بالفرسان وأحضرت لهم منوماً يوضع في الشراب فيشربه الفرسان فينامون وتخرج ونحن الجميع في سلام([23]) والحقيقة أنني لمست تناقضا في حكمة الصبر التي جاءت على لسان الساحر لأن الأطفال يعرفون أن الساحر يعتمد على وسائل ملتوية كالشعوذة من أجل الإقرار ببعض الأشياء، وعليه فالصغير لا يستسيغ أن تأتيه هذه الحكمة من الساحر. فلو اعتمد السيد حافظ على شخص درويش أو عجوز لكان الأمر أفضل.
إن هذه الحكاية الشعبية تهدف إلى إصلاح الطفل وتوجيهه وتعليمه دروساً مفيدة في الحياة ومن خلال هذه السيرة تتأكد أفكار الكاتب التجريبية مرة أخرى في ضرورة محاربة الأعداء والتشبث بالأرض ولعله يرمز إلى المكافح الفلسطيني في شخصية الأمير بالإضافة إلى أننا نستوعب حتمية الكفاح من أجل استرجاع الوطن وعدم تصديق ادعاءات السحرة والدجالين.
مسرحية عنترة بن شداد:
يرحل بنا الكاتب إلى مسيرة الشاعر والبطل الشجاع عنترة بن شداد الذي كان يباشر الحرب بنفسه ويدافع عن أعراض القبيلة ويعاني الظلم واللوعة من حب عبلة ابنه عمه فهو يغامر من أجل القبيلة ومن أجلها. وقد استلهم السيد حافظ التراث في هذه المسرحية لأن التراث كما يقول أبو العلا السلاموني يمثل الضمير الحي للطبقات الشعبية وكفاحها ونضالها في أحلامها وآمالها.. إنها سيرة عنترة الأسود في مواجهة العنصرية والأرستقراطية([24])
منذ البداية يستحث كاتبنا جمهور البراعم للدفاع عن شرف الوطن ضد المغتصبين فها هو عنتر يردد: أنا أعطي القبيلة كل ما أملك من دم وجهد وعرق([25])
كما يصر الكاتب على بناء إنسان المستقبل الذي يجعل الحب والخير والفضيلة شعارات لحياته لان الأخلاق كما يقول نيتشة تمثل شجاعة القوى.
الطفل الثاني: افتحوا أبواب المحبة للفقراء.
الطفل الثالث: افتحوا أيديكم جميعاً وسلموا على بعضكم بالحب([26])
إن روعة المسرحية تتجلى حينما تتأزم المواقف فيذهب عنتر لإحضار التفاحات الثلاث – لينقذ القبيلة ويتزوج عبلة – حيث يلتقى بالشيخ الحكيم الذي يبيع له الحكمة مقابل رغيف من الخبز.
يقول عم سالم: أنا أبيع الحكمة.. يا ابني أسمع مني هذه الحكمة.
في السرعة الندامة وفي التأني السلامة
العلم نور
ليس بالطعام وحده يحيا الإنسان([27])
إن هذه النصائح أنقذت فارس بني شداد من بطش الحية الشريرة وملك القرود والملك المهرجان، ومثلت الشمعة التي تنير طريق الطفل في زحمة الحياة وتجعل منه إنساناً نموذجياً يتنفس عشق العلم ويبصر قيمة التأني والزهد في الطعام والشراب ويمكن وضع سيرة عنترة في مصاف الأعمال الملحمية في الأدب العالمي.
يتوسم السيد حافظ في الأطفال الأمل في تحرير الأرض والتضحية في سبيلها، وخير مثال على ذلك ترديد عبلة وعنترة لهذه الأغنية في آخر المسرحية.
في سبيل الوطن نضحي بالغالي بأرواحنا بدمائنا.. بمالنا..([28])
أيضاً يستفيد الطفل من خلال كفاح عبلة ضد الأعداء كيف أن المرأة العربية دافعت عن شرف القبيلة، ويستخلص الصغار أن الجهل ظلام دامس يفشل خطط الإنسان.. وهذا ما حدث للملك المهرجان الذي ترك السلاح في أيدى أعدائه ففقأوا عينه.
عم سالم: انتبهوا يا أولاد.. الملك المهرجان ظن أنه يستطيع أن يهزمهم، إنه جاهل لا يعرف أن السلاح قاتل.. وأن الجهل ظلام.. وعليكم ألا تلعبوا بالسهام أو تلعبوا بشىء لا تعرفوه([29])
تأتي الحكم على لسان العم سالم لتوجيه الطفل إلى الاقتداء بالمثل الأعلى وعدم الالتصاق بأخلاق ضرغام وعمارة والربيع لأن كل واحد منهم فضل نزواته الذاتية على مصالح العامة عكس عنترة الذي ركب أهوال السفر من أجل إحضار التفاحات الذهبية.
عم سالم.. جاء الربيع بماله وطمع في عبلة.. رفضته عبلة.. وجاء عمارة بجماله فرضته عبلة وجاء ضرغام بقوة عضلاته فرفضته عبلة ولكن عنترة غير كل هؤلاء.. عنترة ابن عمها شداد تعرفه ويعرفها([30])
إن سيرة عنترة ليست تسجيلاً لحياة فرد أو قبيلة بل هي عمل إبداعي يعبر عن البطولة الجماعية ويعكس آلام المجموع وأحلامه في الانتصار والتحرر، فكأننا بالسيد حافظ يريد تنوير صغارنا ودفعهم إلى التفكير من أجل إيجاد الحلول لقضايانا الراهنة من خلال قياس الغائب على الشاهد.
والحقيقة أن الحكاية الشعبية تؤثر في نمو شخصية الطفل، ومن هنا دافع عنها "بتلهايم" على اعتبار أنها أهملت في أحاديث كثيرة. ويؤكد الروائي الإنجليزي "شارل ديكنز" هذه الحقيقة يعترف قائلاً بالتأثير الذي مارسه عليه أشخاص وأحداث الحكايات أفضل من أي شىء آخر في الحياة لأنها توصل الطفل إلى نضج أكبر وتكشف له عن هويته كما تصور له طبائع النفوس الإنسانية ([31])
هكذا إذن تخبر سيرة عنترة الطفل أن مقاومة الصعوبات في الحياة شىء لا مناص منه وأن هذه الأخطار تشكل جزءاً من حياتنا ووجودنا لذا وجبت المجابهة بدل الهروب كما هو الشأن بالنسبة لضرغام وعمارة والربيع في المسرحية. وعلى هذا الأساس يخلق السيد حافظ في نفسية الطفل أسس الإيمان حتى يجابه الصعوبات المستقبلية.
إن حكاية عنترة ليست للتسلية والترفيه فقط بل هي أيضاً مرآة تعكس القيم النبيلة كالشرف والنبل وتصور عظمة الإنسان في قوة شخصيته وصلابته أمام الأعداء وليس في حسبه ونسبة.
مسرحية أولاد جحا:
أما شخصيه جحا فقد وظفها أكثر من كاتب مسرحي، استهلمها توفيق الحكيم استلهاما درامياً فأبدع مسرحيته "مجلس العدل" والأستاذ عبد الكريم برشيد في مسرحيته "جحا في الروحي" والكاتب المسرحي الجزائري على السلالى في مسرحيته "جحا" كما جعل أحمد على باكثير النادرة الجحويه تعالج قضية التحرر من الدخيل وهذا ما جسدته أحداث مسرحية "مسمار جحا" وعليه شكلت الشخصية الجحوية مادة ثرية يمكن تقديمها للطفل فهي أقرب إلى طبيعته النفسية المرحة. وقد فطن الأديب كامل كيلاني إلى هذا وألف كتيبات للأطفال من مثل "جحا وحماره" ولعل المأثور الجحوى قد فتن الكاتب المسرحي السيد حافظ نظراً لمعطياته الفنية والأدبية، وإذا أنعمنا النظر في شخصية جحا نرى بأنه تميز بالغباء تارة والغفلة طوراً آخر. فكان الغباء بالنسبة إليه تغابياً وأسلوباً للتقية من وسائل البطش والظلم وهذا طبيعي مادام يؤمن بهذه المقولة "إذا أردت أن تأمن البلاء فتصنع الغباء" والنادرة الجحوية كما يرى أحمد الحوفي في كثير من حالاتها تصوير للحالة السياسية بألوان فيها تهكم وسخرية ونقد وغيرها من صنوف الفكاهة، لذلك فالناس لا يستطيعون أن ينالوا من حكامهم إلا بالأسلوب الفكاهي لأنه مأمون العاقبة ([32])
إن نوادر جحا مع الحاكم تيمور لنك تجسد بحق عصور التعفن والظلم والاستبداد. وقد استطاع جحا بفطنته أن ينقذ بلده من بطش الحاكم وهذا ما يكشفه لنا الحوار التالي:
ابن جحا: جحا الذي هو أبي حينما ذهب إلى تيمور لنك وسأله وقال له هل أنا ظالم أم عادل.
المجموعة: ماذا قال له؟
بنت جحا: قال له أنت لست بملك عادل ولا ظالم.
ابن جحا: نحن الظالمون.. وأنت سيف العدل..
بنت جحا: فأعجب به تيمور لنك وأجلسه في قصره ([33])
حقاً لقد كان جحا ديبلوماسياً حينما أجاب تيمور لنك وأصبح واحداً من حاشيته، وأولاد جحا في المسرحية لا يقلون فطنة عن أبيهم.
فنجدهم تارة يتصفان بالحمق والبلاهة وأخرى بالمكر والذكاء، وهذا ما يتضح من خلال مواقفهما مع إسماعيل العنترة وفتحى العطار وإبراهيم الترزي حيث عملاً على إدخالهم في المخزن.
لقد جاء الرمز الجحوي – كما هو الشأن في المسرحية – معبراً عن استهجانه لبعض السلوكيات، وقد تحدث جحا في كل شىء من شئون الحياة فهو الواعظ والفقيه والفيلسوف والحكيم والساخر والضاحك(155)
إن أبناء جحا ورثوا عن أبيهم البلاهة وحسن التصرف، ويظهر لنا ذلك واضحاً من خلال هذا الحوار.
تيمور لنك.. لو كنت عبداً من العبيد كم كنت أساوي؟
ابن جحا: مائة فلس..
تيمور لنك: يضحك.. أن القراط الذي تحمله أدنى بأكثر من مائة فلس([34])
تجدر الإشارة أن ابن جحا نصب كخادم للفيلة. فكان يصرف أمواله التي يحصل عليها من أجل شراء الطعام واللباس والسلاح، وقد انطلت حيله على تيمور لنك حينما صدق أنه يشيد بيوتاً للفيلة.
تيمور لنك.. أريد أن أتسلى وأسخر من المغفل هذا يقصد ابن جحا وهو يعمل على
بناء بيوت للأفيال أو يفصل قماشاً.. وجحا المغفل الذي ذهب ليشتري أفيالاً([35])
وككل مرة لا يفوت مبدعنا فرصة الإشارة إلى ضرورة الدفاع عن الوطن من الأخطار المحدقة به.
الشيخ الشافعي: الدفاع عن الوطن شرف يجب علينا أن ندافع عنه([36])
من الملاحظ أن السيد حافظ يدعو الأطفال إلى التآلف والتآزر من أجل تحرير الأرض فلو لم يتعاون أهل القرية مع أبناء جحا لما استطاعوا أن يهزموا قوة تيمور لنك ويغرقوا الأفيال.. من ثم فمسرحية "أولاد جحا تفتح ذهن الطفل على اكتشاف حقيقة العصر وتجشم المثل العليا التي اتصف بها أبناء جحا لعلهم يحذون حذوهم في الكفاح، وعليه نورد نصيحة الشافعي التي وجهها للصغار في آخر المسرحية.
الشيخ شافعي:.. في زمن.. تكثر فيه الأفيال خذوا حذركم يا أطفالي.. لو أخافتنا الأفيال ستكثر.. والإنسان حباه الله بالحكمة والعدل حتى يقاوم الظلم([37])
مسرحية سندس:
تجلو هذه المسرحية وجه القضية الفلسطينية وخطط العدو الصهيوني في استيلائه على بيت المقدس، وهذا ما تعكسه شخصيات "أم سارة" وسارة "والشاويش"
أم سارة: لن نطرد ثانية من أي بلد ولا من أي بيت..
سارة: هذه خطة جدى ولابد من تنفيذها([38]) وفي المقابل ترمز "سندس" إلى فلسطين الجريحة التي دنست أرضها بأقدام الدخلاء، وحاولت منذ البداية أن تستثير همم الشعب العربي المجسد في شخصيات "بوصالح وأبو عدنان" في الدفاع عنها ولكنهم تخاذلوا عن القيام بواجبهم تجاهها، وانشغلوا بأمور تافهة كقضايا الحدود إلى غير ذلك.
أبو صالح.. إنها أرضي يا أبا عدنان وأنت الذي أخذ شبرين منها([39]) ولعل السيد حافظ يحاكم العروبة ويستفز جمهور الأطفال ليفجر فيهم روح الفعل والممارسة، فشخصية سندس تشبه إلى حد كثير شخصية "حسان" في مسرحية "النزيف" للمرحوم محمد مسكين لأنها مثلت غربة الإنسان المغلوب على أمره. من هنا يتضح بأن الكتابة المسرحية عند السيد حافظ تكون شهادة ونبوءة، شهادة على حاضرها المهزوم، ونبوءة بالنسبة للمستقبل. كما أن شخصية أبي صالح وأبي عدنان تكشف عن تواطؤ العرب مع اليهود. ومن ثمة يحملهم الكاتب تبعة ومسئولية الهزيمة العربية. بالإضافة إلى ذلك تنمي مسرحية سندس في فضائل الشجاعة والأمانة.
سندس: لي أرضي أزرعها وأرعاها.. ولي بيتي ورثه أبي عن جدي([40])
يعاني كاتبنا ذلك الإنسان المكافح الذي يجسد الوجود الحي والبعث المتجدد والغضب والاحتجاج من أجل تحدي مواقف الضعف وهذا ما يجسده لنا موقف قاضي القضاة الذي يعري هموم وأزمات الإنسان العربي أمامناً.
قاضي القضاة.. أخذوا البيت والأرض وزرعوا المشاكل لابد أن نحاربهم([41])الواقع أن السيد حافظ يبرز للأطفال غياب الوعي الاجتماعي وانشقاق الصفوف العربية وتخاذلها عن تحرير فلسطين لعله يجد في هؤلاء الأطفال الأبرياء تلك الصحوة التي نامت في الكبار، وهذا يؤكده في أحد حواراته "إن كاتباً ينهض كل صباح ليرى الشمس طفلاً، تبهرني حركة الريح وتشكيل الحجر، وخضرة الحقول، وبكارة القمح، وأرى في هؤلاء الأطفال الصغار الرضع الحلم في أن يكون أحدهم أنشودة هذا الوطن الذي يخلصه من الجوع ويحرره من الحزن.. الأطفال هم صوت الاخضرار الذي ينادي أعماق الكاتب العربي كي يستيقظ ويقاوم ويكتب كالعصفور.. إنك بالكتابة للأطفال تدق باب المستقبل، باب الصحوة التي ماتت فينا ([42])
إن مبدعنا يود أن يرى في الطفل ذلك الرجل المفكر اليقظ الثائر والقادر على تحقيق النصر حتى تتوطن نفسه على عشق الحرية والاتحاد في سبيل تحقيقها وعليه تردد سندس قائلة.
.. كنت أحلم لو اتحدنا.. لو اجتمعنا.. لو وضعنا أيدينا في أيدي بعض.. كنا فعلنا الكثير.. كنا حررنا البيت والأرض.. نحن لم نضع أيدينا في أيدى بعض (للجمهور) لكن أنتم أمسكوا أيديكم في أيدي بعض([43])
أدلى أحد مشاهدي عرض مسرحية سندس ببعض الأخطاء التي وقع فها ممثلوا المسرحية مما أفقدها توازنها، ولعل ذلك راجع إلى بعض التجاوزات بالحركة واللفظ وخفة الدم التي كانت تضج العمل الفني.. وفي هذا استهانة واضحة بالمشاهد الصغير.
مسرحية لولو والخالة كوكو:
تعالج قضية خروج المرأة إلى حقل العمل وترك الصغير في يد الخادمة تعبث به كيفما أرادت، فلولو طفلة وحيدة تجد نفسها محرومة من الجلوس مع أبويها واللعب معهما على اعتبار أنهما يشتغلان طول الوقت ولا يعيرانها اهتماماً، ولتكسير روتينية الوحدة تعمل على تشغيل جهاز الفيديو وتشاهد فيلماً مرعباً حينما تشعر بالفزع وتخرج للبحث عن الخادمة – التي كانت قد غادرت المنزل وتركت لولو وحدها – لكنها تضيع في الطريق إلى أن تصادفها الخالة كوكو هذه المرأة الطيبة التي ساعدتها حتى وجدت أهلها.
أرى أن المسرحية تخاطب الكبير قبل الصغير لأنها تدين تصرفات الآباء في حق أبنائهم حينما يتركونهم في يد الخادمة، كما أن مسرحية لولو والخالة كوكو تتضمن عدة أسس تربوية يريد الكاتب ترسيخها في ذهن الطفل من بينها عدم ترك الصغير يشاهد تلك الأفلام المرعبة خصوصاً وأنها تبث الخوف وتخلخل التوازن النفسي لديه.
ولا تشوفى أفلام وحشه مرعبة في الفيديو .
لو لم تجد لولو الخالة كوكو لضاعت في الطريق وربما تعرضت للخطف من طرف العصابات، وحينما يشاهد الصغير المسرحية أو يقرأها يكتشف دور العلم والمعرفة في الحياة.
لولو:.. التعليم دا بسيط خالص بس لازم تاخدى بالك كويس.
كوكو: بعد ما شاب ودوه الكتاب.
لولو: مفيش حاجة اسمها بعد ما شاب. ([44])
أيضاً يتعلم الطفل أن التشبث بالبيت وعدم التفريط واجب مقدس وهذا ما نلمسه في كلام لولو: لأن اللي يخرج من داره يتقل مقداره([45]) إن السيد حافظ يجد في مسرح الطفل ما لم يجده في مسرح الكبار حيث يكتشف أن الطفل إذا أعجبه شىء صفق له وإذا لم يعجبه يترك الصالة في الحال وينصرف ويعلن سخطه ويبدأ في الصريخ والزعيق والهتاف ضد المسرحية، لا يجامل هذا الفنان أو غيره.. يحترم الكاتب والممثل والمخرج ([46])
لقد حقق مبدعنا خطة إيجابية في مسرح الطفل حققت له النجاح الباهر، ومثلت الورقة الرابحة وهذا ما يؤكده لنا قائلاً كانت تباع أعمالي بأعلى سعر 24 دولاراً لشريط الفيديو الواحد في الوقت الذي كانت تباع مسرحيات كبار الفنانين بـ 3 دولارات لشريط الفيديو وكانت تنفد من السوق فوراً([47]) حاولنا من خلال هذه الإطلالة المختصرة والعامة أن نبرز بعض المزايا التربوية التي تحتوي عليها مسرحيات السيد حافظ الخاصة بالطفل. والآن ننتقل إلى اكتشاف أجواء مسرحية الشاطر حسن المعرفية والجمالية.
الفصل الثاني
أ- تحليل مسرحية الشاطر حسن:
- الحضور التراثي في مسرحية الشاطر حسن
- ملخص المسرحية
- بعض نقاط التشابه بين مسرحية الشاطر حسن وحكاية أبي الحسن المغفل وهارون الرشيد في النص الشعبي.
- بعض العناصر الجديدة التي أضافها السيد حافظ إلى نصه المسرحي.
- توظيف السيد حافظ لأسطورة أوديب.
ب- الأسس التربوية لمسرحية الشاطر حسن.
دراسة الشخصيات:
- الشاطر حسن.
- شخصية الحاكم.
- الوزير.
- الأميرة ست الحسن.
- مختار.
ج- الأسس الفنية في المسرحية.
1- البناء الدرامي 2- الحوار
3- اللغة 4- الزمان
5- المكان
الحضور التراثي في مسرحية الشاطر حسن:
"إن ألف ليلة وليلة عبرت فيها الجماهير عن أخلاقها وآمالها وطموحاتها القومية إبان العهد الذي عانت فيه الكثير من القهر الاجتماعي والتحكم الأجنبي([48])
ليس غريباً أن يغترف الأدباء من منهلها العذب ويمنحها الفنان من ذويه لأنها تراث ونبع ثر لعمل جديد في مضامينه وأفكاره وفي تطورات أحداثه فكما يقول أبو العلا السلاموني إن التراث في الفن هو منطلق التقدم والإبداع([49]) من هذه الشرفة تطالعنا إبداعات رائدة في مجالات متعددة استفادت من إرث ألف ليلة وليلة في الأدب العربي، وجدير بالملاحظة أن كتاب ألف ليلة وليلة لم يحظ بالاهتمام البالغ والاستحياء الفني في عالمنا العربي إلا في السنوات الأخيرة.
ولعل هذا يرجع أساساً إلى أن الكتاب – في نظرهم يخل بالذوق العم فكتاب ألف ليلة وليلة أخذه عنا الأوربيون وترجموه إلى لغتهم فاستفادوا منه في فنونهم، واستوحوه وتأثروا به ونحن غافلون لم نلتفت إليه كما يجب إلا بعدما رأيناه عندهم([50])
لقد سحرت ألف ليلة وليلة أدباء الغرب. ففي مجال المسرح استقى منها "جول سوبر فيال" مسرحيته" شهر زاد". وفي أدب الأطفال لا يمكننا إحصاء القصص التي تأثرت بمخزون ألف ليلة وليلة تأثراً كبيراً مثل قصص علاء الدين والمصباح السحري.. وعلى مثل هذا الطريق سار أدباؤنا العرب فقدموا إبداعات رائدة في مجال القصة كما هو الشأن عند طه حسين في قصته أحلام شهر زاد" وحينما نلج عالم المسرح تطالعنا مسرحية على بابا لتوفيق الحكيم. كما وضع رائد المسرح العربي مارون النقاش مسرحيته بعنوان "أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد" أما في مجال أدب الأطفال العربي فقد استوحت مجموعة من القصص مأثور الليالي العربية وخير ما نستدل به هو ما أبدعه كامل كيلاني في "قالت شهر زاد" وقد اهتدى السيد حافظ إلى ألف ليلة وليلة ليستلهم منها حكاية أبي الحسن المغفل ويقوم بتقديمها بصيغة جديدة على اعتبار أنها تعتبر سلسبيلا دفاقا للاستلهام الدرامي.
وقد شاعت هذه الحكاية في إبداعات المسرحيين الأوربيين مثل مسرحية شكسبير "ترويض المرأة الشريرة ومسرحية رجل برجل لبريخت، كما ارتشف منها مارون النقاش مسرحيته "أبو الحسن المغفل وهارون الرشيد. وألف نجيب الريحاني مسرحية "لو كنت ملكاً" ناهيك عن مسرحية سعد الله ونوس الملك هو الملك ومسرحية الثالث التي قدمها المسرحي الكويتي حسن يعقوب العلي. وعن الأسباب التي جعلت مبدعنا يلتف إلى الليالي العربية ويأخذ منها مسرحية "الشاطر حسن".
وعلى بابا يقول "استغربت عندما قابلت المستشرق السوفياتي فلا ديمير شكال الذي قال لي كيف لا تكتبون من ألف ليلة وليلة أنتم أيها العرب لديكم كنز كبير ولا تقدمونه للأطفال لا أدري لماذا تعتمدون على الكارتون الأجنبي ومسلسلات أجنبية ولديكم ثروة كبرى هي ألف ليلة وليلة. وبالفعل بدأت بقراءة ألف ليلة وليلة فاكتشفت أنها عالم ساحر للأطفال فأخذت منها الشاطر حسن"([51]) من الملاحظ أن حكاية الشاطر حسن للسيد حافظ ليست نسخة كاربونية من ألف ليلة وليلة ولكنها في بنيتها الحكائية مأخوذة أصلا من حكايتين شعبيتين هما حكاية أبي الحسن المغفل وقصص الشطار والعيارين في تراثنا العربي.
حينما نلج فضاء المسرحية نلاحظ أنها تشكل مغامرة ريادية في مسرح الطفل لأنها أضافت أبعاداً فكرية وجمالية مهمة ومن هنا كان خليق بنا أن نتابع هذا العمل الدرامي بالدراسة والتحليل.
ملخص المسرحية:
تدور أحداث مسرحية الشاطر حسن حول حكاية شاب شهم أمين اسمه حسن يساعد الجميع، في أحد أيامه وهو يتجول رفقه صديقه مختار أجواء السوق يعثر على كيس من النقود ويعلم بأنه خاص بالأميرة "ست الحسن" فيذهب إلى القصر ليسلمها الكيس. ولكن لسوء الحظ فإن الأميرة تدخل مسرعة إلى القصر مخافة أن يراها الأمير حسان، وفي هذه الأثناء يحاول الشاطر حسن أن يعتلى أعلى السور غير أن الحراس يلقون عليه القبض ويهتفون بأنه حرامي حاول التلصص للدخول إلى القصر لكنهم سرعان ما يتركونه ظناً منهما بأنه الأمير الحقيقي. وفي الوقت الذي يستفسر السلطان عن الحرامي الذي دخل القصر يجيبه الحراس بأن الأمير يتعلق به شخصياً ويؤكدون له على أنه كان يرتدي ملابس صياد. وفي هذه الآونة يتذكر الأمير كيف أن الأميرة قالت له نفس الشىء. وهنا يأمر السلطان حراسه بالبحث عن الشخص الذي يشبهه وحينما يحضرونه إليه يلاحظ الأمير أن الشاطر حسن يمثل نسخه طبق الأصل منه نظراً للتشابه الواضح بينهما، ومن ثمة يعرض عليه أن يتبادل معه ملابسه ليحل كل منهما محل الآخر لمدة ثلاثة أيام. وعليه يقوم الشاطر حسن بمهام الأمير في حين يذهب الأمير الحقيقي إلى السوق – ليتفقد أحوال الشعب – في ملابس ويخرجهم من السجن، ويقضي على ادعاءات الدجالين وأخيراً يعلن الحرب على الأعداء حتى تسترجع جزيرة الأمل.
بعد إنهاء المدة المحددة للحكم يعود الحاكم إلى قصره من جديد بعد أن عاش بين شعبه دون أن يعرفوه فلامس مشاكل رعيته وهمومها. ووقف على معاناتها وأدرك أن الشعب يريد الحرب لتحرير الأرض وأن هناك شرائح اجتماعية تعاني الفقر المدقع في حين أن مجموعة من التجار والمسئولين تستنزف قوى الشعب وتلحق به الظلم. والحقيقة أن هذه الأيام الثلاثة أحدثت تغييراً جذرياً في نفسية الحاكم، فبعدما كان يعتقد بأنه مريض يحتاج إلى قميص السعادة وأنه لا ينبغي عليه أن يخرج من قصره طوال حياته لكي لا يصاب بالعدوى كما كان الوزير قد أوهمه بذلك يتيقن أن الوزير كان يهدف من خلال هذا العمل إلى صرف الأمير عن شعبه.
وفي النهاية يسلم الشاطر حسن زمام الحكم إلى الحاكم الحقيقي، فيشكره هذا الأخير على أمانته وحسن صنيعه بعدما يعطيه كيس الأميرة. إلا أن الشاطر حسن يرفض أخذ المكافأة وفي النهاية يعلن الأمير خطبته على الأميرة ست الحسن فيقرر أن موعد الزفاف سيكون بعد انتهاء الحرب بين جزيرة الأمل والحوت.
بعض نقاط التشابه بين مسرحية الشاطر حسن وحكاية أبي الحسن المغفل وهارون الرشيد في النص الشعبي:
إن أول ما يلفت انتباهنا ونحن نتفحص مسرحية الشاطر حسن كعمل مسرحي قائم على مسرحه حكاية "أبو الحسن المغفل" أوجه التشابه بين الحكاية الشعبية والمسرحية.
ذلك الإحباط الذي كان يعتلج نفسية الأمير حسان وجعله، يخرج من قصره ليتفقد أحوال الرعية.
إن هارون الرشيد يجسده الأمير في المسرحية وقد حدث يوماً أن خرج هذا الأمير من قصره متنكراً رغبة منه في معرفة أحوال الرعية، ومن هنا نلمس تشابها واضحاً بين النص الشعبي والمسرحية.
يجعل الكاتب رجل الشارع البسيط سلطاناً على البلاد لأنه يدرك مدى مكابدة هذا الرجل لصنوف الظلم. وجدير بالذكر أن الكاتب يجعل الصدفة هي التي تلعب دورها في اختيار الشاطر حسن حاكماً على البلاد نظراً للتشابه بينه وبين الأمير، في حين نجد أن الحكاية الشعبية تروي أن الخليفة هارون الرشيد شاء يوماً أن يعبث بأبي الحسن المغفل الذي صادفه أثناء جولاته الليلية التي كان يقوم بها مع وزيره جعفر وسمعه يتمنى لو يصبح خليفة ليحكم البلاد بالحق. ويعكس لنا النص الشعبي حلم أحد أفراد الشعب في حكم نفسه بنفسه حتى يدحر الظلم.
بعض العناصر الجديدة التي أضافها السيد حافظ إلى نصه المسرحي:
ارتشف مبدعنا من نبع ألف ليلة وليلة وقام بتطويعه وانتشاله من ماضوية الحدث ليتحول زمان الحكي كان إلى ما يمكن أن يكون أو كما قال الدكتور رمضاني "معطي ذاتياً بعدما كان معطي موضوعياً لأنه أضفي عليه موقفه معه انطلاقاً من رؤيته للعالم، وبالتالي من موقفه الأيديولوجي"([52])
إن التشابه بين الشاطر حسن والأمير شىء أبدعه المؤلف وجعله أساساً لقيام الشاطر حسن بمهام الحكومة مدة ثلاثة أيام بيد أننا في الحكاية الشعبية نلحظ بأن حلم "أبو الحسن المغفل" بأن يكون خليفة هو الذي جعل هارون الرشيد يوليه هذا المنصب لمدة ثلاثة أيام.
في النص الشعبي لا وجود لشخصية ست الحسن ابنة عم الأمير حسان التي ظهرت في المسرحية، كما أن السيد حافظ أضاف مشهد السوق وحادثة وقوع كيس النقود من الأميرة حتى يتصاعد الخط الدرامي ليصل إلى الذروة حينما يتعرف الأمير على شخصية الشاطر حسن.
غير الكاتب في شخصية الشاطر حسن بأن جعلها تجتاز زمن الحلم كما هو الشأن عند أبي الحسن المغفل ليجسد ملامح المواطن الشريف الذي يحمل الأمل والعمل في تحقيق مجتمع فاضل يسوده العدل الاجتماعي.
عدل السيد حافظ في شخصية الشاطر حسن بأن جعله يشبه الحاكم ولهذا السبب اختاره لينوب عنه في تسيير شئون الدولة، كما أن كاتبنا لم يجعل المخدر وسيلة لنقل أبي الحسن المغفل إلى القصر كما هو الشأن بالنسبة للنص الشعبي، وإنما جعل حادثة وقوع الكيس من ست الحسن في السوق وعثور الشاطر حسن عليه سبباً في ذهابه إلى القصر.
لقد أغني المبدع تجربته المسرحية وجعل من شخصية هارون الرشيد رمزاً لأمير في حين عدل شخصية أبي الحسن المغفل في شخصية الشاطر حسن. ولعل كاتبنا اختار اسم الشاطر حسن ليبرهن للطفل أن هذا الرجل ليس ساذجاً كما هو الأمر بالنسبة للحاكية الشعبية، وإنما هو تجسيد لملامح البطولة التي تجسم المثل العليا، وتحقق الرغبات والقيم والفضائل التي ينادي بها المجتمع الشعبي.. وتؤكد في الوقت نفسه الإحساس العظيم بالمواطنة والتفوق الحتمي على ظالميه وتعبر عن كراهية الإنسان الشعبي البسيط للظلم وضرورة المبادرة إلى رد الظلم إلى نحو الظالمين([53])
كما أن الشاطر حسن لم يبهره وهج السلطة مثل أبي حسن المغفل هذا الذي اعتقد بأنه الآمر الحقيقي للبلاد حينما نقله حراس الخليفة هارون الرشيد إلى القصر وسقوه مخدراً، فوجد نفسه محاطاً بالخدم والحشم فاعتقد بأنه الخليفة للبلاد فأخذ يأمر وينهي على هواه. ونفس الأمر نجده في مسرحية سعد الله ونوس "الملك هو الملك" مع العلم أن الحاكم في هذه المسرحية أراد أن يمارس لعبة حتى يذهب عنه السأم فاختار أبا عزة ليقوم بدور الملك، وما أن ارتدى هذا الرجل زي الملك حتى أصبح الكل يدين له بالطاعة العمياء. وبالرغم من أنه كان يحلم بشنق شهبندر التجار وتجار الحرير الذين يتحكمون في أرزاق الناس إلا أنه بمجرد اعتلائه عرش البلاد انتهج طريق الإرهاب، فحتى حينما تأتيه زوجته لتشتكي له حالها – ظناً منها أنه السلطان – من ظلم التجار وتآمرهم على زوجها يدافع عن هؤلاء ويحكم على زوجها بالتجريس.
وفي مسرحية الملك هو الملك يشير سعد الله ونوس أن تغيير الأنظمة السياسية لا يمكن أن يغير أساليب الحكم. إذ أن استبدال حاكم مكان آخر لا يمكنه أن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى التغيير الجذري. إلا أن فلسفة السيد حافظ في تغيير الأنظمة السياسية قائم على أساس تفاؤلي على اعتبار أن ابن الشارع قادر على تفويض الأنظمة الديكتاتورية على عكس سعد الله ونوس الذي يعتبر الحاشية هي المالكة لناصية الحكم.
إن الشاطر حسن حينما نصب كحاكم للبلاد لم يعمه بريق السلطة ولم يصدر أحكاماً جائرة في حق الشعب وإنما مثل ذلك الإنسان الشاطر الذي استطاع أن يدير دولاب الحكم لصالح الشعب. ومن هنا أراد الكاتب أن يؤكد على أن الإنسان موقف لا يمكنه أن يتحول بل يبقى هو ذاته كما بدأ.. وكأن بهرجة السلطة لم تؤثر فيه لتصنع منه إنساناً آخر كما حدث عند سعد الله ونوس.. وكما حدث أيضاً في الحكاية الشعبية ذاتها التي استقى منها السيد حافظ مادة مسرحيته. لقد أراد المؤلف أن يبرهن هنا على أن الإنسان عنصر غير قابل للتحويل والتغيير والتحوير، طالما تدعمه نظرية أو يستند على مبدأ([54])
يمكن الإقرار بأن السيد حافظ يجعل من حكاية أبي الحسن المغفل مع هارون الرشيد ركيزة هامة للمسرحية ويسقط عليها أحداث القضية الفلسطينية وهذا بالضبط ما يؤكده قائلاً: "في الشاطر حسن نعتمد على أسطورة أبي الحسن المغفل مع هارون الرشيد ومع قصة فاليري ومع إسقاط معاصر ومباشر يهم كل دولة وكل بيت وكل ركن هو وضع العرب مع إسرائيل وكيفية مواجهة العدو والدفاع عن الأرض والعرض بالسلاح لا بالكلام([55])
توظيف السيد حافظ لأسطورة أوديب:
بعدما صاغ سوفوكليس أسطورة أوديب صياغة مسرحية وتناولها توفيق الحكيم في مسرحية أوديب يضعنا السيد حافظ أمامها ويجعلها موضوعاً لحلم الشاطر حسن. ومما ينبغي التأكيد عليه أن المبدع في استلهامه لهذه الأسطورة يختلف عن التوظيف الحرفي لها. فإذا كان القدر المنحوس ظل يلاحق أوديب في الأسطورة حتى أسقطه في هوة الإثم. لأن القدر في نظر الإغريق لا يمكن مقاومته – فإن الإنسان عند السيد حافظ كما يقول د. نادر القنة إنسان" يتحكم فيه القدر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وهذا ما يحدث مع الشاطر حسن حينما يتخذ قراره للحرب ولا شىء غير الحرب.([56])
الأسس التربوية لمسرحية الشاطر حسن:
تحقق مسرحية الشاطر حسن غايات تربوية وسيكولوجية هامة بالنسبة للطفل، فهي تعمل على ترسيخ فضيلة الأمانة في نفسيته والدفاع عن الوطن.
وهذا ما يتجسد من خلال الأعمال الرائدة التي أنجزها الشاطر حسن قبيل تسلمه الحكم وبعده.
كما يستحث السيد حافظ الصغار على الاقتداء بأعمال "حسن" الشريفة التي ترفض الضيم وتعمل على نشر ألوية الخير في كل أرجاء البلاد وعليه فإن مبدعنا يعطي قيمة ودرساً للأطفال في أن العمل الشرف واجب وأنه يزيد من ارتباط الفرد بالبيئة والمجتمع وأيضاً يعطي أهمية لمفهوم العدل والحكم عندما أمر الشاطر حسن بالإفراج عن كل المظلومين، جزيرة الحوت.. وهنا يعلن الشاطر حسن الحرب من أجل استرداد الأرض وتشارك مجاميع الأطفال مع الكبار في خوض غمار الحرب.. وهنا يرسخ الكاتب مبدأ هاماً وهو أن كل إنسان مهما كان صغيراً أو كبيراً له دور في تحرير الأرض واستردادها من المغتصب.([57])
والواقع أن السيد حافظ يعمق تفكير الطفل وقناعته بأهمية القضية المطروحة أمامه ومن ثم فهو يقر بأن الإنسان موقف وأن الحاكم حينما ينزل إلى شوارع المدينة يقف عن كثب على هموم الشعب وآلامه وآماله فيستبصر الأمور، فتصدر أحكامه بتلقائية بعيداً عن وصايات المنافقين الذين يتسترون وراء زيف السلطة لإرضاء نزواتهم الشخصية هذه إذن هي لعبة الكاتب التي يريد أن يوصلها إلى الأطفال جيل الغد.. الذين عليهم أن يعيشوا الحرية والكفاح والدفاع عن الوطن.([58])
إن أوزوريس يلح على ضرورة بناء إنسان صالح قوي الشخصية يتسلح بالقيم الفاضلة والأخلاق النبيلة لأن البراعم تجسد الطموح والفرح والشمس المشرقة المضيئة فوق ربوع الوطن. وعلى أي فمسرح الأطفال على حد رأيه يحتوي على مدن وقيادات رائعة وأرضية جديدة حيث الشمس لا تغيب في الليل ولا يخدع فيها فكر الأطفال الأبيض العملاق.([59])
تعرض مسرحية الشاطر حسن أيضاً إلى ضرورة الذود عن الوطن وعدم الضعف والاستكانة أمام الأعداء. وقد استخدم مبدعنا رموزاً ودلالات تتناسب مع ذهنية الطفل. فها هو الشاطر حسن يعلن الحرب على جزيرة الحوت التي اغتصبت جزيرة الأمل. فرمز بالحوت إلى الاستعمار الذي دنس بأقدامه طهارة الأرض، بالإضافة إلى الوزير جعله رمزاً لتلك الفئة المضللة التي تقدم تقارير مزيفة للحاكم.
فيتعمد تعتيم وإخفاء كل ما يعاني منه الشعب من فقر وجوع.
وكذلك ست الحسن التي رمزت إلى الخير والإنسانية المضيئة التي تناضل من أجل مستقبل إنساني لا مكان فيه للظلم.
والملاحظ أن الكاتب يعمق الوعي الوطني للطفل من أجل انتشال البلاد من هوة الظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثم يستهدف السيد حافظ تعبئة الصغير وتحريضه ضد النظام الرجعي الذي يعادي الشعب المتمثل أساساً في الوزير.
إن وعي الطفل العميق للقيم الإنسانية ينبت العمل الثوري لديه فيساهم في مواجهة وباء الاستعمار يقول محسن الخياط يمتلك مسرح الطفل القدرة على تثوير أطفالنا.. وزرع كل القيم الثورية والإنسانية والأخلاقية فيهم منذ الصغر.([60])
وعليه يريد السيد حافظ أن يجعل الطفل صانعا لمستقبل الأمة العربية التي ترفض كافة الحلول الاستسلامية وتدرك بوعي سياسي واجتماعي الكلمات المدوية التي تقدم على الخشبة. وفي هذا السياق يطرح النص أكثر من قضية حياتية هامة منها المحبة والتواصل والترابط الاجتماعي والصدق في العلاقات الإنسانية وحرية الفرد.. أضف إلى ذلك رفض الحلول الاستسلامية([61])
مما لا شك فيه أن مبدعنا يفتح أمام الطفل آفاقا رحبة ليتجاوز لحظته الراهنة عن طريق التغيير والدعوة إلى عالم تنمحي فيه الفوارق الطبقية وتنتصر القوى الخيرة. ويرى بعض النقاد أن هذا العمل الدرامي لم يقدم الأهداف التربوية المرجوة التي تخدم الطفل على اعتبار أن الأنساق الفكرية التي اشتمل عليها النص لا يمكن أن تصل إلى ذهن الصغير لأنه لا يرقى إلى مستوى فهم الرموز فهو بحاجة إلى أفكار واضحة في شكل بسيط وأنيق وهذا ما يؤكده الناقد صالح البدري "أن هذا العرض المسرحي لم يلتزم أبداً بوعده بتقديم مسرح للطفل.. حيث أن الأفكار المطروحة في هذا النص.. لا تستطيع أن تصل إلى ذهنية الطفل الذي يحتاج في هذه السن إلى أفكار تربوية محددة وواضحة.. تزرع في نفسه قيماً من الخير والجمال والعمل وحب الوطن.. إن ما يقدم له.. على مستوى معين من الغربة.. وبهذه المفاهيم الأيديولوجية والطبقية.. أو أطروحات كبيرة القصد كالحرية والاضطهاد والظلم وتحرير الأرض المحتلة.. لأنه من الممكن التعبير عن ذلك.. وتقديم هذه المفاهيم ولكن بالشكل المبسط القريب من فهم ومدارك هذا الطفل..([62])
الواقع أن الطفل ليس بالفرد الساذج الذي لا يمكنه فهم الأفكار التربوية التي تطرحها المسرحية لأنه محاصر بواقعة السياسي يستوعب خطورة الفوز الصهيوني على فلسطين. ومن ثم فحكاية الشاطر حسن تعبر عن وجه القضية الفلسطينية التي يسمع عنها الصغير والكبير عبر الأثير في نشرات الأخبار إلى آخره.
وجدير بالذكر أن السيد حافظ توجه إلى مسرح الطفل ليغرس بذور التمرد والثورة في نفسية الصغير على أعداء الأمة العربية، ولينقل له صورة حية عميقة لواقعنا العربي حتى تتجسد أمام أطفالنا التصورات السياسية للقضية الفلسطينية وأبعادها المستقبلية. وبما أن إسرائيل تقوم بتربية الطفل اليهودي على كراهية العرب فإن مبدعنا يلتجئ إلى تسييس مسرح الطفل مثلما تفعل إسرائيل. من هنا حاولت أن أبين لأطفالنا بأن إسرائيل عدوة لنا وأن المشكلة الفلسطينية قائمة ولم تنته ولن تنتهي إلا بالقتال. والحرب والنضال والعمل السياسي([63])
ومهما يكن من أمر فإن مبدعنا أراد أن يوضح للطفل أن ما يراه الآن استسلام وليس بسلام.([64])
إن المؤلف يثبت للطفل أن تغيير الحاضر العربي رهين بإحداث ثورة عارمة على الأوضاع الراهنة ودك الأنظمة الفاسدة لتقوم على أنقاضها أنظمة مغايرة تؤمن بحرية الإنسان في صنع التوجهات والاختيارات. ومن ثم يقر بأن الحرية لا يمكن أن تسترد إلا بالعمل النضالي. ولقد لاحظ بعض النقاد أن هذا العمل الدرامي لا ينسجم والمستوى الفكري للطفل. إلا أن فيصل السعد يرى العكس حيث يقول إننا مطالبون بتدريب الأطفال على الجملة الغريبة عن مستواهم والتي ترقيهم إلى مستوى من الوعي أفضل مما هم عليه.([65])
وعليه فإن أوزوريس يعتمد الاستفزاز السياسي لتحريض الطفل على مواجهة الظلم عن طريق إعلان الحرب. ومن هنا نستشف أن الوعي التاريخي للصغير لا يقل أهمية عن الكبير لأنه يساهم في أدلجه المتلقى حتى يناضل قوي الشر في المجتمع الحاضر ويكافح.. ويبني ويشيد ويبذر ويزرع زهرة الحرية.([66])
إن مسرحية الشاطر حسن تعبر عن الواقع السلبي العربي وتكشف العفن الذي يستشري في جسد الأمة العربية. ومن ثم تساهم في تكوين الطفل النموذجي الذي يعتمد على النفس ويترعرع على حب الخير حتى لا ينصهر في بوتقة الخنوع والتراجع عن مواجهة الأعداء. والحقيقة أن السيد حافظ يتأسف على ما آل إليه مسرح الطفل في الخليج العربي ويدعو الدولة إلى تدخل عاجل من أجل إنقاذه من المغرضين. نحن نحتاج إلى تدخل الدولة في الكويت للقضاء على ظاهرة المفسدين في الفكر الذين يقامرون باسم مسرح الأطفال.. ويعربدون بمشاعر الطفولة ويفسدون أفكارهم.([67])
لاغرو أن نقول بأن طفلنا العربي يعاني الظلم من إجراء تهميش الكبار لمسرحه واختصارهم على توجيهه بالطريق المباشرة التي تنصح بالجهل والتذمت وهذا بالضبط مما جعل مبدعنا يقول والطفل العربي مظلوم ومكبوت ويعاني من تصرفاتنا الجاهلة. وهو يطمح إلى الحرية في جميع مظاهر الحياة.. نحن محاصرون بالتخلف والقضايا التي تحاصرنا شائكة هو أول من يحس بالتغيير الذي سيطرأ.. ولقد شعرت أن مسرح الكبار يحتضر وعلينا غلق أبواب المسرح الكبير وأن نكتب للأطفال حتى نحقق حلماً قبل عنه ذات يوم إنه حلم مجنون.([68])
إن مسرحية الشاطر حسن تهمس في أذن البراعم لا تتخاذلوا ولا تتقاعسوا عن أداء واجبكم الوطني. فأنتم الحلم الذي تعيش من أجله الأمة العربية وتأمل فيكم الخلاص من ربقة الدخيل، فكأن مبدعنا يدعو الأطفال إلى عدم الوقوع في أخطاء الكبار التي أسفرت عن انهزامهم وتراجعهم أمام العدو وخير مثال نستدل به هو رأى الكاتب نفسه حول المسرحية نقول للأطفال يكفي أننا أنجبنا لكن أنتم ارفعوا رؤوسكم عاليا.. فأنتم القادمون.([69])
لعل وشائج المشابهة واضحة بين هذا العمل الدرامي ومسرحية الساحرة لفلق الحكيم خصوصا رأيه بالقضية الفلسطينية ويعتمدون الرمز وعلى ضوء مما يجعل السيد حافظ العدو الصهيوني مجسد في جزيرة الحوت، أما فائق الحكيم فيوحي إليه في صورة الساحرة الشريرة، ومن جهة أخرى يورد كاتبنا تصرف الشاطر حسن حينما أراد أن يقفز على سور القصر لكي يسلم كيس النقود إلى الأميرة ست الحسن – مع العلم أن أحدا لم يمنعه من الدخول إلى القصر عن طريق الباب – أن يؤكد للطفل سلبية اتباع الأساليب الملتوية للوصول إلى الهدف وهذا في حد ذاته يكتسي دلالة تربوية تكمن في عدم تسلق السور لأن في ذلك خطراً من ناحية ولأنه، يشبه أساليب السارقين واللصوص من ناحية أخرى، فما دامت غاية الشاطر حسن نبيلة كان الأجدر به أن يطلب مقابلة الأميرة حتى يعطيها النقود التي سقطت منها.
أما الهدف السيكولوجي الذي يتأسس عليه هذا العمل الدرامي هو إشاعة المسرح في نفسية الأطفال لتخرجهم من روتينية الحياة المملة. ولا مراء إذا قلنا أن الطفل بعيد النظر في مشاكله الحياتية ويلتمس لها حلولا. ومهما يكن من أمر فقد عاش الكبار والصغار أحداثاً مشوقة تقربهم من قضاياهم المصيرية وبالفعل فقد حقق هذا العرض المسرحي مسرح الفرحة للكبار ونواحي البهجة للصغار.([70])
والملفت للانتباه أن مسرح الطفل بالنسبة للسيد حافظ هو الذي تكتشف فيه وردة جديدة تقدمها للأطفال وتمسح عن أعينهم قذارة ما يشاهدونه من مسلسلات هزيلة.. فربما نستطيع أن نمهد لمسرح القرن الحادي والعشرين بمسرح جديد يخدم جمهورنا ربما هؤلاء للأطفال في المستقبل وربما هم الذين يحولونا إلى صفوفهم نكتب لهم ونعمل من أجلهم. أن نحول الكلمة إلى قمع وصوت له صدى وبراعم تتفتح على امتداد كل مسرحية أكتبها لمسرح الطفل أشعر أنني أخطو عتبة دنيا جديدة.([71])
إن السيد حافظ يريد أن يقدم للطفل الورود واللؤلؤ وصفاء الغد الذي يتحقق فيه النصر للأمة العربية لأن الطفل يصرخ في دمنا دامعا على هزيمتنا المنكرة لذا يجب أن تقدم له البشائر ونبض المستقبل المحبوب وتلألؤات الغد الأفضل حتى تكون كلماتنا ساحات وحدائق ومصابيح وهواء وحباً.([72])
صفوة القول أن الطفل العربي يعي كل ما يجري على الساحة السياسية وهذا ما تنطلق به التجارب اليومية حيث نجده يهتف بالوطن والحرية، وخير مثال على ذلك ثورة الحجارة التي تعبر عن جيل الغضب، فتزهر الحجارة في كف أطفال أبرياء لتعلن عن بشارة النصر. وعليه فبراعمنا يستوعبون المجريات السياسية ولهذا السبب عمل السيد حافظ على تسييس مسرح الطفل متحدياً بذلك انتقادات بعض الجهلة الذين واجهوا إبداعاته الخاصة بالطفل بعاطفة من ردود الفعل يقولون أنت تكتب للطفل أعلى من مستواه قلت أنا أكتب من مستواه وأتحداكم. قالوا إن الطفل لا يفهم في السياسة قلت يفهم. وعندما قدمنا إحدى المسرحيات المسيسة للطفل كان التصفيق في الصالة يرتفع أكثر مما يفعل الكبار الذين مات في داخلهم كل إحساس بالوطنية نتيجة الظروف السياسية والقهر الاجتماعي([73])
إن مسرحيات السيد حافظ الخاصة بالطفل كما هو الشأن في مسرحه التجريبي أشعلت فتيل النقد.. فهاهم التربويون يحملون على الكاتب متغافلين على أنه خريج كلية التربية. وهذا ما يفسره قائلاً: "أزمة مسرح الطفل تكمن في بعض النقاد الجهلة الذين يقولون ليس هذا بمسرح طفل فنسألهم ببساطة ما هو مسرح الطفل فيقولون لا نعرف أنه مسرح آخر، فأحيانا يكون المعوق الأساسي لمسرح الطفل هؤلاء السادة أنصاف الكتاب.([74])
دراسة الشخصيات:
يقول محمد مسكين: "إن الشخصية المسرحية هي العلة الأيدولوجية.. للكتابة المسرحية.. لا مسرح بدون شخصية"([75]) وعليه تظهر لنا مقدرة الشخصيات المسرحية على تجسيد السلوك الإنساني والأبعاد النفسية كالتصرفات والتفكير إلى غير ذلك. ومهما يكن فإن مسرحية الشاطر حسن تحتوي على شخصيات مهمة من بينها.
الشاطر حسن:
يعد البطل المحوري للمسرحية، فهو شاب يتصف بالأخلاق الفاضلة كما أنه يقدم يد المساعدة لكل من يطلب منه خدمة ما. وخير مثال على ذلك أنه حينما كان يتجول في السوق مع صديقة مختار يعثر على كيس نقود الأميرة ست الحسن. وبالرغم من فقرة يحاول أن يعيده إليها. والواقع أن هذه الالتفاتة المحمودة من البطل تحدث طفرة في حياته فحينما يذهب إلى القصر ليسلم الكيس إلى ست الحسن يلاحظ السلطان التشابه الكبير بينه وبين الشاطر حسن، فيعينه حاكماً على البلاد لمدة ثلاثة أيام. وعلى هذا الأساس يقوم بإنجازات رائعة لم يستطع الحاكم الأصلي أن يحققها طيلة فترة حكمة. والحق أن الشاطر حسن يقدم المساعدة إلى الغير دون أن ينتظر المقابل.
الشاطر حسن: ببلاش يعني الواحد إذا ساعد الناس مش لازم يأخذ منهم أجر.. أعملوا الخير وأرموه في البحر.([76])
وفي جزيرة الأمل التي تحفها المخاطر وتتربص بها الخطوب تبرز لنا شجاعة الشاطر حسن وإيمانه الراسخ بقدسية القضية التي يدافع من أجلها.
الشاطر حسن: إذ كنتم عايزين السلام معناه لازم تسيبوا الأرض اللي استحليتوها.. وإلا تأكدوا إحنا ما راح نسكت عن شبر واحد من أرض جزيرة الأمل.([77])
وثمة فضيلة أخرى يتميز بها الشاطر حسن هي الوفاء بالعهد والعفة ومقاومة الظلم.
الشاطر حسن: عيب يا مولاي أنا وعدتك ووعد الحر دين.
السلطان: عملت إيه في الثلاثة أيام.
الشاطر حسن: أول يوم سمعت شكوى المظلوم، ثاني يوم حققت العدل ثالث يوم ظلمت..
الشاطر حسن: ظلمت نفسي لأنني فكرت أني السلطان الحقيقي.([78]) ما تتضح لنا أمانته، فبالرغم من احتياجه المسيس إلى المال أبي أن يفتح كيس نقود الأميرة حينما طلب منه صديقه ذلك.
الشاطر حسن: لا عيب لازم ترجعوا.([79])
بالإضافة إلى اقتناعه واقتصاره على القليل من الزاد وتضحيته من أجل الغير.
من المؤكد أن الشاطر حسن لا يؤمن بالخرافات ويرفض الخزعبلات وخير ما نستدل به هو موقفه من قميص السعادة الذي خصص له السلطان الحقيقي جائزة. ومن هنا تبدو عقلانية الشاطر حسن لأن السعادة في نظره لا يمكن أن يحققها مجرد قميص.
وهذا ما يؤكد الحوار التالي:
الشاطر حسن: العملية كلها كذب في كذب ما فيش حاجة أسمها قميص أسعد سعيد.([80])
شخصية الحاكم:
تجسد مثالا للملك السلبي – على الأقل في أول المسرحية – خصوصاً وأنه يتشبث بالخزعبلات ويؤمن بفعالية قميص السعادة كعلاج له من مرضه المزعوم، ويصوره السيد حافظ كشخصية ضعيفة لا تملك اتخاذ القرارات بالحوار ويعتمد القمع من أجل خنق الحريات حتى وأن تعلق الأمر بأقرب الناس إليه. ويمكن أن نلتمس للحاكم التبرير خصوصاً وأن أحكامه كانت تصدر تحت ضغوط الوزير.
السلطان: تمنع الأميرة ست الحسن من مغادرة حجرتها وتعامل كسجينة.([81])
وبالرغم من ذلك نلمس مدى حب الحاكم لبلاده وشعبه وإيمانه بضرورة تحرير جزيرة الأمل.
حسان: أنا مش ممكن أتجوز وسكان جزيرة الأمل مطرودون في كل مكان ازاي استريح وهم قاعدين يتعذبوا.([82])
علاوة على إيمانه بضرورة تجميع الصفوف والاتحاد في سبيل دحر القوى. العدوانية التي تستهين بمقدسات الأمة العربية.
السلطان: المصيبة أني ما أعرفش أعمل حاجة بنفسي وايد واحدة ما تصفقش لازم الناس والشعب كله يبقى معنا.([83])
كما أن الحاكم انتقل من السلبية والجمود وسار في خط تنامي ليتحول من حال الركون في القصر وانتظار التقارير إلى حال النزول إلى السوق وتلمس مشاكل العامة، والإحساس بشدة وقع الفقر الذي يسحق الشعب، فنزوله إلى السوق بعد ولادة لحياة جديدة أكثر قوة وصلابة. وهكذا يزداد خبرة ومعرفة بالناس فيضع حداً لممارسات المغرضين ومنهم الوزير وأتباعه.
السلطان: أول مرة أحس بالشعب وأحس بالناس..
السلطان: أسمع يا وزير أنت طول عمرك جشع وطماع.. دلوقت أنا ممكن أسامحك على شرط من هنا على الحرب رأساً.([84])
الوزيــــر:
صورة واضحة وصادقة تجسد نفاق وأنانية بطانة السوء التي تنتهز الفرص لتحقيق نزواتها الشخصية، يرمز به الكاتب إلى أولئك الوزراء الذين يحجبون الحقائق عن أعين السلاطين ويعتمدون الخداع والتمويه حرصاً على مصالحهم الذاتية، مظهرين إخلاصهم وولاءهم المكين لسدة الحكم.
الوزير:.. أقنعته أنه مريض ودفته للطبيب والمنجمين، وأخليه يجرب أزاي إذا حارب راح ينشغل عن التجارة.([85])
أيضاً تعبر تصرفات الوزير عن موقف سلطوى وتومئ إلى قساوة قلبه في معاملة الفئات الشعبية بمنتهى الاحتقار والازداء ولا يتراجع الوزير لحظة عن حجب السلطان والأميرة عن الشعب ليجعلهما تحت قبضته متسترا بحجاب الخوف على صحة الحاكم.
الوزير: السلطان يمشي في الشارع.. ماتنسيش أن السلطان مريض وأي مكروب.. يزيد مرضه.([86])
ولعل هذه الشخصية تشبه إلى حد كبير شخصية الوزير في مسرحية لعبة الحب والثورة للكاتب المسرحي السوري رياض عصمت. فكلاهما كان يعملان ضد نزول الملك إلى المدينة لكي لا يتعرف على حقيقة الواقع المزري.
الأميرة ست الحسن:
تعد نموذجاً للرقة. تعي أسباب تخلخل النظام داخل البلاد وتجسد الوعي الاجتماعي. ومن ثمة تدافع عن أطروحة العدل لهذا السبب تتعرض للقمع من قبل الوزير. وعلى الرغم من أنها تنتمي إلى الطبقة الحاكمة إلا أنها تحاول أن تذيب صقيع الضجر لتنفتح على واقع الشعب المسكين. تعبر أيضاً عن الاتجاه الرافض للظلم. ولعل السيد حافظ يعكس قناعته – من خلال شخصيتي الأميرة والشاطر حسن – ويجسد أفكاره التحررية وتطلعاته لممارسة الديموقراطية ومواجهة العدوان الخارجي.
كذلك نستشف أن الأميرة تعرف حقيقة الوزير الشرير الذي استبد بالسلطة وشكل حاجزا يفصل بين الحاكم والشعب.
كما تعبر ست الحسن عن موقف أيديولوجي ينبع أساساً من الوعي السياسي لواقع الأمة العربية، ويسكنها هاجس السخط على ضياع جزيرة الأمل وضرورة الدفاع عنها من أجل تحريرها ن العدو.
ست الحسن: لازم نحارب لازم نحرر الارض من العدو..([87])
يبدو أن الأميرة تخاطب بوعيها الخلل الحاصل في القصر وتمثل مع شخصية الأميرة في مسرحية لعبة الحب والثورة بما أن كل واحدة منهما اكتشفت أساليب التمويه التي يمارسها الوزير.
ولعل الكاتب يرمز بشخصية ست الحسن إلى الأمة العربية الباحثة عن الحرية والكرامة، ويكشف لنا بجرأة عن الظلم الذي عانت منه على يد ذلك الوزير المتجبر وبهذا يمكن اعتبارها شخصية مسرحية تتحرك خارج أسوار الزمن والمكان لتصبح رمزاً ممتداً إلى كل عاشق للحرية مدافع عن الظلم حتى وإن تعلق الأمر بأصحاب البيت الحاكم.
مختــــار:
يعتبر مثالاً للإنسان الطيب الوفي لصديقه الشاطر حسن في فقره وبحبوحته. ولقد أسدى مختار خدمات إلى السلطان أثناء تواجده في ساحة السوق. أيضاً يحمل مختار وعياً جماعياً ويعكس البديل الثوري والدفاع عن الوطن ضد المغتصب.
مختار: لا مش مجانين الحرب طالت لازم أصحاب الأرض يرجعوا لأراضيهم، أنت ترض تنطرد من بيتك.([88])
الأسس الفنية في المسرحية:
أ- البناء الدرامي: لقد توفرت للكاتب العناصر الأولية في بناء المسرحية من قصة وشخصيات وحوار فاستطاع أن يبدع عملا دراميا ينقسم إلى فصلين.
إن أول ما يلفت انتباهنا ونحن نحاول سبر أغوار المسرحية هو تردد يد حامل الطبول معلنا عن بدء ساعة الحدث الدرامي.. ليس بدء العرض. وعليه برفض السيد حافظ التعامل مع المنهج الأرسطي القائم على وحدة الزمن والمكان والحدث لأن الصيغة الأرسطية تحول دون التواصل بين المبدع والمتلقى. وعلى هذا الأساس استبدل مبدعنا مصطلح العرض بمصطلح الحدث لأن العرض يحمل معاني الاستهلاك بدل الإنتاج فيتحول المتلقى الصغير إلى كائن فاعل وإيجابي بدل أن يكون مجرد مستهلك.
إن الهيكلية الدرامية في هذا النص المسرحي جاءت أحداثها متماسكة حيث بدأت الأحداث صغيرة وناعمة تتناسب وعقلية الأطفال الذين كتبت من أجلهم هذه المسرحية وابتدأ التصاعد رويداً رويداً إلى أن تغيرت المواقع. ([89])
بالإضافة إلى ذلك يكسر كاتبنا وحدة الحدث في المسرحية. ومن ثمة نجد أحداثاً من بين القصر والسوق تجري في أزمنة واحدة.
وإذا كان الصراع في المسرحيات التقليدية يمثل العنصر الأساسي فيها. ويحدث غالباً ما بين بطل المسرحية وقوى خارجية عن ذاته فإن السيد حافظ لم يبرز مثل هذا الصراع في المسرحية. وعلى ضوء هذا يبتعد عن الأسلوب الأرسطي في تطهير النفس من نزعات العنف وإثارة عاطفتي الشفقة والخوف. وفي المقابل يحل فكرة الإيهام والإقناع العقلي بدلا من التأثير الوجداني. ولعله يحاول من خلال هذه التقنية أن يخلق لدى الصغير وعياً أيديولوجياً.
ويحقق مقولة بريخت بأن المهم في الإبداع المسرحي هو إسهام المتلقى في عملية الخلق ومن ثمة لا يهدف إلى شحن المتفرج شحنة من الانفعالات المستمرة تجعله يكتسب هذه الانفعالات بطريقة فعالة.([90])
ب- الحوار: يمنح للعمل الدرامي قيمته الدلالية وقد جاء في هذه المسرحية مركزاً ومختصراً بحيث نجد كل كلمة لها دلالتها الوظيفية التي تنسجم مع حدث وشخصيات المسرحية وتتطابق مع معطياتها ونضجها. كما أن مبدعنا ابتعد عن الثرثرة المملة في حواراته واعتمد التبسيط والتركيز حتى لا يبعث الصغار على الضجر من جراء التكرار.
ج- اللغة: يوظف السيد حافظ في هذا النص المسرحي اللهجة المضربة الكويتية، وهذا طبيعي خصوصاً وأن كاتبنا قضى زهاء عشر سنوات في بلاد الكويت بعيداً عن وطنه الأم مصر. وفي ظني أن الأطفال أدركوا مرامي المسرحية، استناداً إلى بعض التجارب التي أجريتها مع عدد من الأطفال ما بين ثماني سنوات و 11 سنة اتضح لي أنهم نجحوا إلى حد ما في استيعاب أحداث المسرحية بالرغم من أنها كتبت باللهجة المصرية. وأرى أن ذلك يرجع إلى متابعتهم المستمرة للمسلسلات المصرية على شاشة التليفزيون.
لقد أبدى الدكتور زيان أحمد الحاج إبراهيم تمنياته أن تكون لغة المسرحية هي الفصحى بدلا من اللهجة المصرية وفي هذا الصدد يقول "تمنيت أن تكون الفصحى هي لغة الشخصيات".([91])
د- الزمان: يلتقى زمن المسرحية بزمن آخر هو زمن هارون الرشيد حيث يحول السيد حافظ الزمن الماضوى إلى زمن متجدد يجد له ارتباطا في النحن والآن والهنا. ويمكن أن يعيش في كل وقت وأوان ويجسد أي حكم عربي. ومن هنا فقراءة المبدع للزمن تعد قراءة مسرحية وليست تاريخية على اعتبار أن شخصية هارون الرشيد تنفلت من أسر التاريخ لتصبح شخصية مسرحية.
هـ- المكان: يرتبط المكان في المسرحية بالأحداث والشخصيات ويمكن أن نجد أمكنه متعددة يجمعها فضاء مكاني واحد هو مدينة بغداد. وأول ما يلفت انتباهنا هو توظيف الكاتب للسوق في أغلب مسرحياته لأنه يعتبر مكاناً تجتمع فيه جميع الشرائح الاجتماعية كما هو الشأن في مسرحية سندريلا وعلى بابا ولعل سبب الذي يكمن وراء اختيار الكاتب لهذا المكان هو أن "العرب ارتبطوا بالسوق، فالسوق هو مجال البيع والشراء والفن والثقافة([92])
إن لشهر زاد وقد أدركها الصباح أن تكف عن الكلام المباح. كان لابد أن أتوقف بعدما حاولت أن أستشرف آفاق مسرح الطفل وأرصد أسس الكتابة الدرامية للبراعم وشروطها الصارمة. وركبت أمواج المسرح العرائسي الآدمي، فاتضح لي أن أبا الفنون وسيلة تثقيف وتواصل فعالة يلعب دوراً وظيفياً في بناء جيل جديد. يتذوق فنون المسرح ويساهم في خلق المجتمع النموذجي. ومجمل القول إنه يعد ضرورة معرفية وتربوية وسيكولوجية لا غنى عنها في أي بلد يهب إمكاناته المادية والفنية خدمة لطفل اليوم أملا في رجل الغد.
إن مسرح الطفل ما يزال يعرف التهميش من الدولة والمهتمين، فأغلب العروض المقدمة تضع في اعتباراتها تحقيق الربح المادي حتى ولو كان ذلك على حساب الطفل الذي من المفروض أن نقدم له عملا يوسع من مداركه وفي هذا الصدد يذهب الكاتب المسرحي المقتدر السيد حافظ إلى أن فن الأطفال في وطننا العربي يجب أن يحمل قيماً ومواعظ أخلاقية مباشرة وإلا أطلقت عليه رصاصة التربويين.. إن طفلنا العربي لا رأي له وإنه شجرة لا ظل لها. ([93])
اقترن اسم هذا المبدع المسرحي بمؤسسة البدر حيث بذل مجهودات جبارة في سبيل تعميق جذور مسرح للصغار، فانخرط في لهيب الكتابة للنشء كاختيار واع ومسئول عسير بحثا عن فجوة للأمل ينفذ من خلالها الطفل والمسرح على السواء. والحقيقة أن مبدعنا يدرك خفايا الآلية التي تتحكم في هذا النوع من الدراما. وتضبط أنفاسها.
صفوة القول إن المؤلف يستفيد من الحكاية الشعبية ويوظفها وفق مضمون معاصر ويسقط عليها الأحداث الراهنة. ومن هنا فهو يؤذن بمسرح عربي للطفل قابل أن يكون محطة مشرقة تنتشر عبرها محطات أخرى تملك إضاءات مشعة في مستقبل دراما الطفل.
ويبقى أن نؤكد أن استلهام الكاتب للتراث الشعبي يهدف إلى تعميق الطفل القضايا السياسية من جهة، وإيقاظ روحه من اجل التفكير والمساهمة الفعالة في عملية التغيير.
وفي الختام، يطمح السيد حافظ إلى تكوين مسرح الطفل في مصر وفي جميع أنحاء العالم العربي. والحقيقة أنه قدم في الأيام الأخيرة تجربة مسرح للصغار في مصر، فقابلته مجموعة من المعوقات والاحباطات خصوصاً وأنه اكتشف هول التجربة، وبأن قلة قليلة هي التي تهتم بمسرح الطفل. ويحلم أوزوريس أن يجد الطفل العربي يقرأ عشر مسرحيات في الشهر. ويشاهد في كل بلد عربي مسرحاً للأطفال ومسرحا تجريبياً.. وسينما للأطفال في كل حي ودار..([94])
انطلاقا من دراستي المتواضعة هذه أشعر بأن هذا الموضوع مترامي الأطراف يصب في فروع مختلفة. وهذا ما يستدعى من الباحثين حمل مشعل التنقيب فيه، وتسليط مزيد من الأضواء عليه.
ملحـــــق
حوار شخصى مع الكاتب المسرحي السيد حافظ
1- ما هو الدافع الذي جعلكم تكتبون للطفل، هل كانت لديكم فكرة مسبقة؟
ج- في الحقيقة أن الطفل بالنسبة لي هو المستقبل وأنا قد يئست من الكتابة للكبار.. فالكبار في الوطنالعربي لا يهتمون بالمسرح كوسيلة وأداة للتنوير.. أن يصبح الكاتب معزولا وبعيدا وكأنه يعيش في جزيرة نائية، وعندما يشعر الكاتب بالعزلة وهو داخل مجتمعة فإما أن يعاني من أزمة نفسية حادة فيصاب بالجنون أو يخرج إلى الشارع يطلق الرصاص على مجتمع بأكمله فيقتل ويصبح ظاهرة جنونية أو حادثة في جريدة. أو يهاجر والهجرة في الوطن العربي ذات شقين، إما هجرة إلى خارج الوطن. وإما هجرة إلى داخل أي العزلة والوصول إلى حالة من التصرف لكنني أرى في الطفل نوعاً من التحدى نوعاً من المستقبل.. ربما أكون من جيل أنا برئ منه وأنا تبرأت من جيلي أكثر من مرة، لأن جيلي قدم نفسه ضحية في حروب متتالية في حرب 56، 67، 73 وجيلي أيضاً هو الذي تنازل وباع وساوم وغفل وتغافل ومات مبكراً وهاجر مبكراً وعاد بخيبة أمل في وطن غريب.. إنني ربما كتبت للطفل بحثا عن الطفل الذي فقدته في مرحلة عمري. فقد ولدت رجلا لم أولد مثل الأطفال ألعب في الشارع، ولكنني ولدت ووجدت نفسي مع أبي أساعده في العمل وأذهب إلى المحل في الساعة 6 صباحاً وأنا طفل لم أتجاوز التاسعة، ثم أذهب إلى المدرسة 7 والنصف ثم أعود إلى المحل للعمل معه حتى الساعة 6 مساء ثم أذهب إلى معهد ليلى لأتعلم وأقوى في الدروس ثم أذهب في الساعة الثامنة والنصف مساء إلى المنزل لأنام واستيقظ مبكراً وأذهب إلى المحل مبكراً، وهكذا تحملت المسئولية منذ صغرى أي أجبرتني الظروف الاجتماعية أن أولد رجلاً، ففقدت معنى الطفولة، فعندما أكتب للطفل ربما أستعيد الطفولة التي فقدتها.. هل أكتب وأنا عندي فكرة مسبقة للطفل ؟ لقد قدمت عشر مسرحيات في الكويت وقطر والبحرين والعراق وأبي ظبي وسلطنة عمان. وكلما ذهبت إلى دولة عربية وجدت الأطفال يصفقون. هل تتخيلين أن الأطفال في الخليج العربي يحفظون مسرحيات أربعين صفحة.. ويشاهدونها في التليفزيون 40 مرة حتى أن بعض المسئولين في قطر قال لقد أصبحت مقرراً على كل أولادنا.. في الصباح يشاهدون مسرحياتك في الفيديو، وبعد الظهر يتصلون بالتليفزيون يطلبون مسرحياتك. ونفس الشىء عندما قدمت إلى المحروسة (محروسة زي مصر).. وقدمت مسرحية أولاد جحا في عز البرد في شهر ديسمبر فوجئت بآلاف الأطفال يملؤون مسرح السيد درويش.. هذا هو مشاهدي العظيم الذي لا يجامل الذي يصفق من القلب، ويحفظ من القلب كل الكلمات مشاهدي الذي تحديت به الأساتذة الأكاديميين في كلية التربية في الكويت وأنا خريج كلية التربية..
2- نعلم بأن السيد حافظ مؤلف ومخرج مقتدر ما هو إحساسكم وأنتم تكتبون النص وشعوركم وأنتم تنقلون النص من المقروء إلى المرئي والمسموع؟
ج- السيد حافظ مؤلف ومخرج قضية.. أنا رجل مسرح أفهم في المسرح كل ما يدور على الخشبة.. كل ما يحدث من خفايا عندما أكتب فأنا الكاتب بعين المخرج، يقول المخرجون عني إنني كاتب استفزازاى لأنني أستفز فيهم قدرتهم الإخراجية فأنا أكتب وأخرج على الورق.. الحقيقة أن المسرح ليس حوارا فقط.. عندما أكون مخرجا لأعمالي ولأعمال غيري أكون أنا المخرج وأنا المؤلف ربما لأنني أخرج عملا لي أرى هذه العبارة غير منضبطة وأرى أنها يجب أن تتطور، فعيني وأنا المخرج غير عيني وأنا المؤلف.. إنني حريص عندما أخرج عملا لي أن أحذف أحيانا بعض الحوار وأن أضيف بعض الحوار لأن قدرة الممثل تدفعني إلى التغيير.. لي تلاميذ أصبحوا الآن مخرجين معروفين في مصر إلى حد ما يمارسون الإخراج وهم يدعون أنهم تجاوزوني، والحقيقة أنني عندما أرى أعمالهم أراني. ليس السبب أن أكون تلميذا لأستاذ عظيم ولكن السبب أن أدعى التمرد وأنا لازلت أخطو خطواتي الأولى أقفز قفزاتي الأولى.. ربما أنني في الإخراج تميزت بأنني قدمت أشعار محمود درويش بطريقة مختلفة عما تقدم في الوطن العربي كله، وقدمت محمود دياب وقدمت يوجين يونيل وحديقة الحيوان.. عندما أقدم بعض الأعمال التجريبية.. أعتمد على لغة الجسم في الممثل.. أنا لا أطلب بالفذلكات والتقليعات الفنية ولكنني أطلب بالتطور الواعي..
1-الاعتماد على الحكاية الشعبية ركيزة هامة من ركائز مسرح الطفل، ما هي الأسباب التي جعلتكم تهتمون بالتراث..؟ وما هي النتائج التي توصلتهم إليها عند تعاملكم مع الطفل..؟
ج- الحكاية الشعبية في مسرح السيد حافظ مشكلة، أنا السيد حافظ 1956 جلست أمام جدي العجوز والد أمي "أبو اليزيد الإمبابي" في قرية تسمى الظهرية بحيرة قال جدي سأحكي لك حكاية وفتح كتابا أصفر وقرأ حكاية عنتر بن شداد.. كأنه يغني ويرنم أشعار عنتر بطريقته الفطرية البسيطة وكنت أهتز وأنا اسمع لجدي فرجة شعبية جميلة بين طفل وجده، كان جدي عندما أذهب إليه في القرية يشدني إلى الكتاب وكنت أرسل إليه رسالة اكتب له لابد أن تحضر لي معك الكتاب عندما تأتي إلى الإسكندرية.. أمر غريب ارتباطي بعنتر وأبي زيد الهلالي.. هذه المكونات.. لا أستطيع أن أنفصل عنها.. ومضت الأيام، وإذا بي في يوم من الأيام أدخل سنة 1971 السيد حافظ الشاب يدخل مركز شباب الحرية في شارع الاسكندراني ليخرج مسرحية شدته "مسافر ليل" لصلاح عبد الصبور، ففوجئت بمجموعة من الممثلين الكبار في السن لا يستمعون.. أشعار صلاح عبد الصبور فقررت أن أقدمها بتجربة للأطفال. وأتيت بمجموعة من الأطفال الذين يلعبون في الفناء كان أكبرهم 14 وأصغرهم 7 سنوات. وأخذت أحكى لهم قصة شكسبير وقصة المسرح.. وكيف تلقى الأشعار، والفرق بين الفاعل والمفعول به، واستطاع الأطفال أن يستوعبوا المسرحية وقدمت المسرحية في مسابقة فهزت الدنيا هزا.. كيف يقدم الأطفال الأشعار لصلاح عبد الصبور ومسافر ليل.. السيد حافظ الرجل عام 1981 قابلت السيدة عواطف البدر رائدة مسرح الطفل في الكويت، وبالصدفة قلت لها ما رأيك أن أكتب لك مسرحية سندريلا واكتشفت أن سندريلا حكاية إنسانية عالية. إنها حكاية 360 حكاية شعبية في العالم.. مرة يسمونها سندريلا ومرة يسمونها في الخليج سبيكة. كانت حكاية شعبية.. فتناولت هذه الحكاية بمنظور عصري، واكتشفت هول التجربة أنا والأطفال شىء لم أتوقعه مسرحية حققت للمنتجة مليون دولار وأعلى مبيعات وأكبر دخل للجمهور. لم يتوقع الجميع أن يحدث هذا بهذه الطريقة في الوقت نفسه.. كانت تقدم مسرحية سندريلا.. وفشلت فشلا ذريعا. فالفرق هنا بين الكاتب والكاتب.. بعد نجاح سندريلا هذا النجاح المنقطع النظير فوجئت بهم يقولون.. إن هذا الكاتب المصري خدعنا، نستطيع أن نقدم نحن سندريلا.. وقدموا مسرحية سندريلا وكلفوها ما يقرب من مليون دولار فشلت فشلا ذريعا، وبالرغم من أمتناعهم عن عودة مسرحية سندريلا في التليفزيون التي كتبها السيد حافظ فشلت مسرحية سندريلا التليفزيونية لفائق عبد الجليل الكويتي.. وفجأة وجدتني أمام عنتر والشاطر حسن وألف ليلة وليلة.. وأخذت منها الشاطر حسن والتجأت إلى التراث فأخذت أبا زيد الهلالي والنتائج التي وصلت إليها كثيرة أنه ليست هناك أزمة نص عربي ولكن هناك أزمة وعي عربي، أن يعي الكاتب أن التراث العربي غزير وأن الأخذ منه لا يعني الاعتماد على عكاز ولكن يعني التنوير وإيقاظ روح الأمة، وظيفة إيقاظ الأمة العربية لأن لها تراثا يمكن أن تستخدمه ليضىء من ليس له ماض ليس له حاضر، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الماضي ليس كل الماضي ففي الماضي هناك أشياء ثمينة وأشياء غثة. فيجب أن نختار. اكتشفت أن الطفل هو المشاهد الوحيد الذي لا يجامل.. أن مسرح الطفل يجب أن يقدم على مستوى عال جدا من احترام عقلية الطفل وليس بطريقة ساذجة..
4- في نظركم أين تكمن أزمة العرض المسرحي، هل في الجمهور أم في النص أم في الإخراج؟
ج- أعتقد أن الأزمة هي أزمة مخرج يفهم الطفل ويكون قارئا.. ويكون واعيا.. ويكون مبدعاً أزمة مسرح الطفل تكمن في المخرج وفي بعض النقاد الجهلة الذين يدعون ويفرضون وصايات على مسرح الطفل أو بعض التربويين الفاشلين الذين يقولون ليس هذا بمسرح طفل فتسألينه ببساطة ما هو مسرح الطفل، فيقول ببساطة أعرف أنه مسرح آخر. فأحيانا وأنصاف الأساتذة وأنصاف المبدعين..
وهذه مشكلة كبرى.. فما أكثر المدعين وما أقل المبدعين السيد حافظ/ الشريط المسجل بتاريخ 6 نوفمبر 1990.
([1]) إطلالة على مسرح الطفل في الكويت "سندريلا" من الحكاية إلى المسرحية دراسات في مسرح السيد حافظ / ج 2 / ص: 2.
([3])أزمة الفكر في الوطن العربي هي سبب عدم وجود مسرح أو سينما خاصة للأطفال مجلة أسرتي / العدد 24 السنة 19 - / 15 – 10/ 1982.
([4]) مسرحية سندريلا "السيد حافظ / توزيع مركز الوطن العربي رؤيا ص: 15. – الحكاية الشعبية في مسرح الطفل في الكويت / دراسة في مسرح السيد حافظ عن سلسلة رؤيا للدراسات المسرحية / ص: 33.
(70)صلاح البابا، سندريلا تبحث من جديد في مسرح الطفل / مسرح الطفل في الكويت / مرجع سابق ذكره ص: 10
(71)طلالة على مسرح الطفل في الكويت - دراسات لمسرح السيد حافظ - 2 مرجع سبق ذكره. ص : 8.
(72)السيد حافظ "مسرحية سندريلا" / ص: 9
(73)المسرحية السابقة / ص 17
(74)المسرحية السابقة / ص: 16
(75)المسرحية السابقة / ص: 19
(76)سامي الباجوري "عرض وتحليل لمسرحية سندريلا – دراسات في مسرح السيد حافظ/ج12 مرجع سبق ذكره/ ص:35
(77)عبد المحسن الشمري/ مسرحية سندريلا استفادة من أخطاء قصص الدجاج، مسرح الطفل في الكويت / السيد حافظ/ مرجع سبق ذكره/ ص: 16.
(78)بقلم ع ن محاكمة على بابا تشعل شمعة ولا تلعن الظلام / القبس / 14 نوفمبر 1985 .
([15] ) السيد حافظ "مسرحية فارس بني هلال أبو زيد الهلالي" / توزيع مركز الوطن العربي الإعلام والنشر رؤيا الإسكندرية / ص: 18.
([24] ) المسرح والتراث / بحث / مركز الوطن العربي رؤيا / القى هذا العرض بمناسبة تكريم الفنان المسرحي في يوم المسرح العالي/ص: 3.
([31] ) إصلاح الأنصاري "التحليل للحكايات الشعبية" مجلة التراث الشعبي / العراق / دار الشئون العامة/ العدد الفصلي الأول شتاء 1978/ ص : 187.
([48] ) يوسف الأسد " أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي في مصر مجلة التراث العراق / ع 4 / السنة 13 / بسن 1982 ص: 137.
([49] ) أبو العلا السلموني "بحث حول المسرح والتراث" مركز الوطن العربي للنشر والإعلام رؤيا / مرجع سبق ذكره ص: 3.
([52] ) جدلية الخفاء والتجلي في مسرحية ظهور واختفاء أبي ذر الغفارى دراسة الدكتور مصطفى رمضانى من كتاب الدكتور / محمد عبد العزيز نظمي – السيد حافظ بين المسرح التجريبي والمسرح الطليعي / مركز الوطن العربي رؤيا/ ص: 190.
([53] ) محمد رجب النجار: "حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي عالم المعرفة / المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت/ سبتمبر / 1981/ ص: 432.
([54] ) نادر القنة : النشاط المسرحي في الكويت هذا العالم / مجلة الكويت / عدد 28 / سبتمبر 1984 / ص: 71.
([55] ) السيد حافظ في حوار مع محمد يوسف حول مسرحية الشاطر حسن مجلة مرآة الأمة/ 26 سبتمبر 1984 / ص: 1.
([57] ) عزت علام : فقد وتحليل مسرحية الشاطر حسن / مجلة عالم الفن 1 سبتمبر 1984 ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ ج 1 / ص: 7.
([58] ) عزت علام : فقد وتحليل مسرحية الشاطر حسن / مجلة عالم الفن 1 سبتمبر 1984 ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ ج 1 / ص: 7.
([61] ) حسن عبد الهادي : الشاطر حسن خطوة متطورة في مسرح الطفل ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ / ج 1 / ص: 45.
([62] ) صالح البدري : الشاطر حسن مجلة عالم الفن سبتمبر 1984/ ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ / ج 2 / ص: 71.
([64] ) السيد حافظ : صلاح البابا في ندوة مسرحية عن الشاطر حسن مجلة عالم الفن / 23 ديسمبر 1984 / ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ/ ج 1 / مرجع سبق ذكره / ص: 52.
([65] ) فيصل السعد: الشاطر حسن / مجلة الرأى العام / 19 سبتمبر 1984/ ورد هذا المقال في كتاب مسرح الطفل في الكويت / مرجع سابق ص: 38.
([67]) سامي الباجوري : الكتابة المسرحية للأطفال في الكويت تتطلب تدخل الدولة لإنقاذها من المفسدين / السياسية ملحق كل أسبوع 1 سبتمبر 1984 ص: 3.
([69] ) محمد يوسف في حوار مع السيد حافظ مؤلف مسرحية الشاطر حسن / مجلة مرأة الأمة /26 سبتمبر 1984 / ص: 1.
([70] ) محمد مبارك: مسرحية الشاطر حسن / دراسة / جريدة الوطن 22 سبتمبر 1984 ورد هذا المقال في كتاب/ دراسات في مسرح السيد حافظ/ ج 1/مرجع سبق ذكره/ ص: 81.
([71] ) سامي الباجوري:الكتابة المسرحية للأطفال في الكويت تتطلب تدخل الدولة لإنقاذها من المفسدين / مرجع سابق/ص4.
([72] ) السيد حافظ في حوار مع طه أمين: مؤلف مسرحية السيد حافظ / جريدة الرأى العام/ 12/10/1983 / ص : 2.
([89] ) عزت علام: مسرحية الشاطر حسن/ مجلة عالم الفن / الكويت سبتمبر 1984 / ورد هذا المقال في كتاب دراسات في مسرح السيد حافظ / ج 1 / ص: 6.
0 التعليقات:
إرسال تعليق