دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 127 )
نظرة عابرة في بنية رواية - قهوة سادة - الجزء الأول
(حكاية سهر والعشق والقمر) للكاتب السيد حافط
أ. محمد الدسوقي
دراسة من كتاب
التشظى وتداخل الأجناس الأدبية
فى الرواية العربية
" الجزء الثانى "
إعداد وتقديم
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
نظرة عابرة في بنية رواية - قهوة سادة - الجزء الأول
(حكاية سهر والعشق والقمر) للكاتب السيد حافط
أ. محمد الدسوقي
1- حال قراءتي للجزء الأول من رواية -قهوة سادة- للكاتب - السيد حافظ - وجدتني مستمتعا الي حد النشوة ، ومرتبكا حد الفوضي ، وملتبسا حد الجمال ، فالروائي يلعب ، وما أجمل اللعب في الفن ، بل هو الجنون - الذي قال شكسبير عنه منذ زمن بعيد - بالرغم من أن هذا جنون ، إلا أن له منهجا - فما نكاد نشعر بالاستقرار عند لقطة ، أو بنية ، أو فضاء ما ، إلا ونجد الكاتب ينقلنا الي حالة أخري تتناسل في دوامات غنية بعنفوانها وحركتها ومراوغتها - ما أحاول قوله أنني أشعر بشيء من التداخل ، والذي قد يصل الي حد التناقض ، ولكن ما الحيلة والروايه تتداخل فيها الحيوات والشخصيات و.و.و. ببساطة هي رواية الأسئلة ، رواية استبطانية تبحث في الوجود المخبوء في الوقائع والأحداث ، وبالطبع رواية - قهوة سادة - تخرج عن نموذج الرواية الكلاسيكية المستندة الي حكاية وحبكة وحتي تقسيم الرواية الي مقاطع و بداية ونهاية ، لأنها تستغني عن كل هذا ، بحيث نجد كل مقطع أو عنوان يكاد يكون منقطعا عن الذي يليه ، وقد لا ترتبط بعض الاحداث بصورة طبيعية أو متواترة ولكن هناك حالة ينقلها الكاتب من خلال انفعالاته ومشاعره ورؤاه العميقة بحيث نجد المعني الذي يسري في عقولنا له ديمومه سارية قي الرواية كلها ، فنجد .. - أن البعد الدرامي يأتي في صورة انفعالات وأحداث وصور تجعلنا نستشعر عمق الأشياء من خلال نتف صغيرة تتجلي فيها قدرة السارد علي كسر تتابع الحكي من خلال المختزن في ذاكرته ، ما يستلزم تكثيفا لغويا شاعريا فيه قلق الكينونة والخوف من المجهول.. - ولهذا نجد المحكيات كما لو كانت مستقلة عن بعضها البعض، ولا يؤطرها سوي شخص الكاتب الذي يعمل علي رسم الانساق الحكائية بالقفز علي الوقائع والاحداث المختلفة وهو ما نجد نموذجه في قول الكاتب في موتيفة بعنوان (كاظم) - لم بلمس امرأة في حياته ..لم يضاجع أنثي ..ولكن أمامه الكتب تشرح ماهو الجنس يعرّف الجنس بأنه جملة الخصائص التشكيلية والفسيولوجية العضوية التي تؤمن التكاثر الذي يتلخص جوهره بالتلقيح في نهاية المطاف - - هنا يبدأ الكاتب في رصد غابة الجنس من خلال كتاب يقرأه كاظم معلم سهر ، فنجد ما قاله فرويد ..وما يقوله العرب عن الجنس والباه والنساء ، ثم ينقلنا الكاتب الي حالة خاصة حيث نجد شهرزاد صاحبة الخبرة في تعليم النساء والرجال - المرأة الجميلة التي ضل قلبها الطريق ، وأصبحت وحيدة .. وسهر التي تخاف من أن جمالها نقمة فلا تتزوج مثلها . - هنا نجد البناء الزمني مكثفا بحيث يجيء السرد في صور لولبية تشع من الذاكرة متنصلة من الزمان ، ساقطة علي الوقائع والاحداث ما يمنحها بعدا وقائعيا أو زمكانيا متسربلا بالتباس لا يفارق سارد يلعب بالبنية الحكائية لابتعاث حالة خاصة تتولد منها الدلالة الأخري التي هي أقرب للتفلسف أو التأمل فيما هو مألوف باعتباره غير مألوف في حقيقته ،ومن ثم نجد كاتبنا يقول - العربي لا يفلح إلا في مضاجعة النساء .. وهذه المقولة ثبت فشلها بعد أن كتبت القحبات الأجنبيات الأوروبيات مذكراتهن مع العرب في الفراش .. فسمعة العربي في فراش الجنس صدفة وليست حرفة ، فمستواه ضعيف ومترد وهمجي مثل الكلاب ... المرة الوحيدة التي نجح فيها جيش مصر بكرباج محمد علي الذي دربهم علي القتال .. وضعوا في أذن الفلاح المصري اليمني بصلة واليسري قطعة قطن حتي يعرف اليمين من اليسار ..فكانوا يقولون لف باتجاه أذنك التي بها البصلة أو القطنة وتعلم فن القتال مع قائده التركي الألباني العظيم ابراهيم محمد علي وهزم الدنيا كلها ..وهزموه في الآخر ..بكي صلاح جاهين ..ظن أنه خدع الجماهير وكتب لهم أغاني صورة صورة ..وكتب علي رأس بستان الاشتراكية ، وتفتت قلبه ألحانا .. مليون قطعة شعر ومليون لحن ..وأطلق المصريون النكات .. منها واحدة خلفت عيل بعد 3 سنين بدأ يمشي للخلف وليس للأمام ن فذهبت به للطبيب الذي ضحك قائلا لها .. ماتخافيش .. بيمشي للوراء لأنه سيصبح ضابط جيش ؟! - هكذا نجد التداعي الحر يجري مجراه ويشكل ظاهرة في الرواية كلها مفعما بالتحليل والتأويل والحلم والواقع للوصول الي تخوم مغايرة يمتزج فيها البعد الذاتي الذي يهيمن تركيبا واستنباطا علي كل شيء ، وكأن الواقع هو الغائب إلا من تصورات ورؤي كاتبنا الذي يلعب لعبته المجنونة - وبالرغم من أن هذا جنون ، إلا أن له منهجا !
2- يلاحظ قاريء الرواية من عنوانها - حكاية سهر والعشق والقمر - أنه سيقرأ حدوته لا تجافي الحكاية المسلسة ، ولكنه حين يشرع في القراءة سيتفاجيء أن جوهر الحكاية ليس إلا تصورات الكاتب الفنية لها ، ما يضطر القاريء أن يبحث عن مفاتيح قراءة جديدة في هذه المتاهة الروائية الكبيرة ، خاصة وأن العنوان الرئيسي للرواية في جزئيها - هو - قهوة سادة - وهو كما نري - عنوان كنائي - أي أنه يكشف من خلال الجزء الأول - التمظهر بين حالتي المؤتلف والمختلف في بنية رواية تستشرف أفقا ابداعيا أكثر رحابة في عالم الرواية الفسيح ، وهو ما يجعل السرد الروائي - متناثر - والحكاية تتناسل منها حكايات ، فنجد مثلا (فتحي رضوان) يقول - كلما حاصرني حب الوطن بنيرانه وأسهم حقده .. وحاول قتلي ..هربت منه تحت جلد النساء حتي أضمد جروحي ..قررت أن أكتب مذكرات شاب في العشرين ..رواية .. لم لا ؟ وهنا تبدأ شخصية - فتحي رضوان في الكتابة - وكأنها انسلخت عن الراوي / الكاتب - يقول .. - الجمعة الأولي : الصباح أغنية عذبة الأنغام ، جاء كعادته بأشعته الذهبية يتسلق أهداب الكون ، يختال الدروب .- و يستمر الحكي الداخلي - متسلسلا - ويخلع الروائي الداخلي ملابسه ويأكل ويلاحظ أن أحدهم يتلصص عليه ، فيخرج الي الشارع ، ويركب الترام ، ثم يقف أمام بائع صحف ، - وهنا ينكسر التسلسل - فيلمح سارتر يبتسم له ، فيشتري مسرحيته الشهيرة (سجناء الطونا) ويفاجيء بفتاة عارية تطلع من مجلة وتغمز له بعينيها ، ثم نجد ايليا أبو ماضي ، وجبران ، وميحائيل نعيمه ، وحال عودنه الي حجرته يفاجيء بقابيل - ابن آدم - يغلق الكتاب ويداعب فتاة المجلة العارية ، فتصبح حقيقة وهنا يدور حوار قصير بين الراوي فتحي رضوان وبين قابيل ينتهي بخروج الراوي ناركا قابيل يغتصب الفتاة .- اننا بإزاء اجراءات فنية شديدة الخصوصية - فالحدث وحده ليس بقادر علي خلق الأثر ، إلا من خلال شخصية يتشكل فيها ، أو بها .. فالحدث وحده - عاري - وليس إلا محاكاة ، لكن رؤية الحدث من خلال أثره في الشخصية ،أمر مختلف ، فالكاتب لا يهمه الوقائع ، بقدر ما يتولد عنها من حقائق يقطف القاريء معانيها ودلالالتها من خلال حركة الشخصيات وتصوراتها .- عدد الشخصيات في الرواية متنوع وعجيب ، فالشخصيات تغدو كما لو كانت أجزاء في كُل هش ومتحرك في بناء الرواية ، ويجيء توظيف الشخصيات في الرواية علي عدة مستويات -الأول : الشخصيات الرئيسية - أمثال - سهر ، كاظم ، فتحي رضوان ، شهرزاد - الكاتب يكون حريصا علي رسمها شكلا ومضمونا ، وهي الشخصيات التي تلتصق بكل التفاصيل، وليس من بينهم شخصية تشكل المركز أو نقطة الانطلاق ، يتساوون جميعا في الأهمية لدرجة التماهي وليس للرواية من ديمومة إلا من خلال قوة فعلهم ، وبالتالي يتعرف عليهم القاريء بشكل كامل - الثاني : الشخصيات الهامشية - مثل ركاب ترام اليلد .. رجال بملابس بلدية زي ريفنا الجميل .. نساء يرتدين ملابس غير التي نراها في ترام الرمل ..رائحة الركاب منفرة.. لا يستحمون إلا مرة كل شهر ..أو عندما يمارسون الجنس .. وعادة ماتقول النساء لمن تلقي الماء حمام الهنا ياحبيبتي ، أما ركاب ترام البلد فهم .. نجارون .. حدادون..بائعون .. بائعو اوراق الحظ ورق اليانصيب .. بعضهم لا يحمل هوية ..ولا يستحمون إلا في الأعياد والمناسبات ، أما ترام الرمل ..رجال ياقات - فان هوزن- ملابس ذات رائحة جميلة تشعرك بأنك في احدث مدن أوروبا .. لهم وقار ابله .. ولهم حضور جميل بنساء جميلات . هذه الشخصيات لا تمتلك البعد قبل نصي عند المتلقي من جهة ، ولم يجعل لها الكاتب قوة في تواجدها ، ولكنها فاعلة في نفسية القاريء بالتعاطف معها ، خاصة وأن الكاتب يحمّل حضورها بالدلالات المتعددة - أما النوع الثالث من الشخصيات .. فهي الشخصيات العامة ، والتي تمتلك مرجعية خارج النص الروائي ، والكاتب يقدمها بأسمائها ..مثل - الشعراء والأدباء ، أمثال - نزار قباني ، محمود درويش ، صلاح جاهين ، أو الشخصيات التي لها مرجعية تاريخية أمثال عمر بن الخطاب ، جمال عبد الناصر .. وهؤلاء جميعا يمتلكون بعدا - قبل نصي - ، ووجودهم يحقق حضورا دلاليا سواء عن طريق الإخبار عنهم أو من خلال نصوصهم الشعرية التي تعتبر مكونا أساسيا في بنية هذه الرواية المهمة
رواية - قهوة سادة - الهيئة المصرية للكتاب 2012
سيرة ذاتية .. للمؤلف محمد أحمد الدسوقي
كاتب قصصي وشاعر وناقد عضو اتحاد كتّاب مصر ونادي القلم الدولي ترأس أمانة عددا من المؤتمرات الأدبية المشرف العام علي صحيفة الفيروز كتب للإذاعة المصرية الكثير من البرامج الإذاعية كرم في اليوبيل الفضي لمؤتمر أدباء مصر صدر له في القصة : محاولة أخري للسقوط قراءة في وجه الحبيبة وفيم أنت تفكر وصدر له في الشعر : علشانك يابلدي – بالعامية المصرية في هامشها الموسيقي سبع تفاحات للرؤيا وأخر متشابهات أرأيتم دمشق ط1 أرأيتم دمشق ط2 المرأة الدال والرجل الموازي أن تمضي بلا هدف صدر له في النقد والدراسات : وجوه وتأملات في عالم الشعر والشعراء وجوه وتأملات في قصص بعض الكاتبات المصريات الثورة وأسئلة الشعراء قراءة النص قراءة العالم / دراسة في البنية صدر له في الثقافة العامة والسياسة : الحركة الأدبية في جنوب سيناء وإيقاع مستمر سيناء والبحث عن هوية جدلية الخضوع والتمرد في شعر العامية المصرية الواقع العربي ومكمن الألم له تحت الطبع : اذكروا محاسن فوضاكم ديوان شعر لم يسم بعد عن الإيقاع في عالم الرواية من عتمة الحياة إلي ضوء الكتابة إيقاع السيرة الشعرية في ديوان شعر مختار عيسى الواقع المكتنز وآفاق الكتابة السردية
0 التعليقات:
إرسال تعليق