Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 23 سبتمبر 2021

129تحويجة رواية كابتشينو للمبدع السيد حافظ بقلم فهمي إبراهيم

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(  129)

 

تحويجة رواية " كابتشينو "
للمبدع السيد حافظ
فهمي إبراهيم

دراسة من كتاب

التشظى وتداخل الأجناس الأدبية

فى الرواية العربية

" الجزء الثانى "

إعداد وتقديم

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 

تحويجة رواية " كابتشينو "
للمبدع السيد حافظ
فهمي إبراهيم

 

كما عودنا دائما كاتبنا " ملك التحويجات الصوفية الرائعة " السيد حافظ أن يصب جام إبداعاته تحويجاتٍ صوفيةً رائعة, تنبه العقل والإحساس , وتخلق لدي القارئ عالما شديد الحساسية , يستولي عليك ويكشف لك غطاءً ؛ سميك التحجر عن تاريخ هذا البلد العظيم ؛ فيظهر لنا ما كان ينخر في عظامه من ألم , وما كان يحيط به من مكائد , وما ألمَّ بأهله من موبقاتٍ .. تسبب فيها من كانوا يحكمونه , أو ممن أرادوا أن يعيثوا في أرضه فسادا ,أو يمزقوه ؛ حتى يسهل التهامه وهو علي الظلم محتمل وصبور .

في هذه الرواية يعتلي الكاتب عرش إبداعه , ويأمر جان أفكاره , ويدعونا بطقوس رواياته إلي فنجان سحر ٍ , من تحويجاته الصوفيةِ , معبأٍ بكل توابل الإبداع , وفنون الكتابة , ضاربا عُرض الحائط , بكل طرز البناء الروتيني , مبتكرا بناء روايته الجديدة " كابتشينو " مصبوغا برؤيته الخاصة التي تميز كتاباته هو فقط .

الرواية :

تحتضن حوالي أربعمائة صفحة لم يحددها الكاتب في فصول , وإنما أراد أن ينقل إلينا تمرده علي تقسيمها , فترك لنا فضاءها الزماني والمكاني مفتوحا , ففتح لنا كوة زمنية في حائط بناء الرواية , لدخول ما يعتريه لحظة الكتابة , وما يعانيه , وما يختلج به شعوره , ليعكس لنا حالته الوجدانية , وهو يبدع هذه الرواية , في تضفيرة مجدولة بشرائط العذابات النفسية , التي تعكس لنا شعاعات معاناة الكاتب وهو في أوج لحظات إبداعه , وتصنع لنا فضاءا موازيا يفرض خطوط مجاله علي نفسية الكاتب , وما يعتريه حبا , وكرها , وقبولا , ورفضا , لواقع قد لا يرضي عنه ,أو يتمناه , فيلقي إلينا برؤيته فيه , متنقلا بآلة تصوير أفكاره وإحساسه , التي توقف سيل تدفق الرواية ,ليخبرك بنبإ عن شخصية تهمة , أو تذكره بموقف معين , أو يلقي إلينا بخبر , أو ينقل الينا في آنه , ما تعانيه بلادنا في هذه الفترة الزمنية , لنستشف أنه كبقية البشر , يعاني و يتألم ويتكلم , ويفرح , وإن كانت لحظات الفرح قليلة لديه , ويتصل وينفعل وهو يعيش لحظة الإبداع , وقد يعتبره البعض تشتيتا للرواية , ولكنني أراه بعدا جديدا , يضاف لمدي انغماس الكاتب في حبه لوطنه , وفي أحداثه المؤثرة , فهو ليس بمعزل عن الواقع , أو يغلق باب برجه العاجي ، لينعزل عن معايشته الحياتيه اليومية ، فهو وإن كان يموت عشقا لهذا الوطن , فهو يصرخ في وجهه كيما يفيق , أو لعل الوطن يشعر به عما قريب .

لقد تحدث الكاتب عن مائة وخمسين شخصية وضمت خمسين شاعرا وحوالي خمسة عشر روائيا , تحدث عنهم الكاتب , أو أتي بمقاطع من أشعارهم , أو ومضات من رواياتهم ,إن هذا الكم من الشعراء والأدباء , يثبت أن هذا الكاتب واع ومثقف وقارئ جيد للشعر والأدب , قبل ان يكون قارئا ومفسرا لأحداث ما نمر به وما نعيشه بلادنا في هذه الفترة.

 هذه التحويجة الجديدة "كابتشينو " تبدأ بنكهة الجبل وأسرار شهر زاد , العرَّافة التي أحبت " سَهَـرْ" , عرافة الجن التي يمدها عشيقها الجني بالسر وبأسرار كل البشر .. شخصية مميزة بخصوصيتها .. وظفها الكاتب لخدمة شخصيات الرواية دراميا فهي اسم علي مسمي , يحمل معه الأساطير والحكايات الممتعة المسلية , وهي بأوصافها التي تنم عن جمال متوحش , تعانق عيناها سماء بلاد اللوز والتفاح والياسمين , وهي تجلس , تعد مشروب المتى , يهابُها الرجال , ويشتهيها بعضهم , هي سيده الوجع .. خبيرة بوجع ومتعة النساء والرجال , وتحب الجميع .. وتحب من يحب "سهر " , ابنة العشق والجمال والجبل , و عشيقة القمر , التي تحلم بالذهاب إلي الإمارات ؛ وتغيير الزمان والمكان ,فيشدنا الكاتب باسلوبه المتميز ,ليخترق بوابات هذا البناء الضخم , الذي ما إن تدخله حتى تتحول إلي كائن مسحور , بكل تحويجاته الرائعة , من حوار ثري يكشف روح الكاتب , وبلاغته المتفردة التي تميزه , وكأنها تطرق أسماعنا أول مرة , بلغة شعرية مرصعة بكل مقومات الشعر , فيزداد إعجابك , وتستهويك انسيابية العبارة , فتلهث وراءها اعجابا واستمتاعا

 شخصية " سهر " : هذه الشخصية الرائعة التي ,تهيم عشقا وبراءة , تُسلمك مفتاح أبواب السحر , التي ما إن تدير بها صفحات الرواية حتى تفتح لك أبوابها , لتدلف داخلها , متحولا إلي روح هائمة , تترقب كل همسات أبطالها , وتغرق منتشيا , بعشق " سهر " , الذي يحتويك بعبقه السحري , و يبعث فيك رعشة المتعة الصوفية , إن "سهر" هي الــروح الســابعـة بنت القمر , الروح الممتدة الوارفة التي تمد غطاء سحرها علي كل ما , ومن حولها , أنها لا تضع عطرا .. بل هي رائحة من السماء في جسدها .. هي شخصية تسحب غطاء سحرها على بقية الشخصيات التي تدور في فلكها , وينتقل سحرها ليؤثر في الأحداث والأشخاص , إنها السحر الخفى .

لها عصفور ملازم لها يطير فوقها كأنه حارسها التي تتمثله في "هيئة شاب وسيم يمد يده نحوها يراقصها كما في الأقلام , تتمايل على كتفه في حنان .. يدور بها ويدور على صوت فيروز .. أليس الحب نور وخيال ؟.. أليس الله محبة ، ونحن نحب الله بقوة خيالنا اللامتناهية ,وإيمان في القلب والروح؟.." ([1])

وقد انبأتنا شهر زاد , عرافة الجن التي يمدها عشيقها الجني بالسر , وبأسرار كل البشر .. "هذه الشخصية المميزة بخصوصيتها .. والتي وظفها الكاتب لخدمة شخصيات الرواية دراميا فهي اسم علي مسمي , يحمل معه الأساطير والحكايات الممتعة المسلية , التي تعرف مدينة العلو والإيضاح في أسرار الليل وتحكي لك بلسان امرأة جامعها ألف رجل فحكت عن كل رجل منهم .." ([2]) , لتقول لنا شهر زاد : إن " سَهَـرْ" قد تقمصتها روح فتاة اسمها "نفر" التي أحبت معلـّمَها الكاهن "باكا" ([3]) ,كما في الجزء الثاني من رواية " قهوة سادة " للسيد حافظ , ولكن في هذه التحويجة الجديدة " كابتشينو " , تحولت إلي روح ثانية تمثلت في شخصية نور .

شخصية نور:

المصرية العبرانية الجميلة التي كانت تخرج في الصباح ، إلى النيل وتحمل الجرة , وكانت كل مساء تسير على النيل .. لكن أباها منعها من الخروج عندما أحبت الضابط الفرعوني الكبير الذي يتسم بالشباب والأناقة

المقارنة بين شخصيتي سهر ونور

سأقارن بين شخصيتي سهر ونور في هذه التحويجة الجديدة , لنري ما جري لسهر وكاظم الذي أحبها بجنون في أرض الشام , و ما جري لنور ومحب في أرض مصر ؛ أم العجائب والغرائب , فسهر أغلقت ملف حبها وسافرت هربا إلي الإمارات , و نور الفتاة الجميلة العبرانية , أغلقت أيضا ملف حبها , وهربت مع العبرانيين المغادرين لأرض مصر , سهر أحبها أستاذها كاظم ونور أحبها محب الضابط الفرعوني الكبير ..

 سهر رغم حب كاظم لها , إلا أنه تزوج من بنت المختار رغما عنه .. ونور رغم حب محب لها إلا أنه عسكري , لا يأتمر إلا بأوامر فرعون وهامان .. وإذا كان الشاعر أبو فراس الحمداني حين عذبته لوعة الهوى قال :  

      " أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ

                أما للهوي نهي عليك ولا أمرُ

       وَلَكِن إِذا حُمَّ القَضاءُ عَلى اِمرِئٍ 

               فَلَيسَ لَهُ بَرٌّ يَقيهِ وَلا بَحرُ

       وَقالَ أُصَيحابي الفِرارُ أَوِ الرَدى   

            فَقُلتُ هُما أَمرانِ أَحلاهُما مُرُّ

        سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُمْ

               وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ  "

فإن السيد حافظ قال علي لسان كاظم:

" وسأتذكر أنى عندما قبلتك فقدت الذاكرة ، وأني حين احتضنتك وجدت وطني , وحين ارتميت على جسدك ؛ تلاشيت في جسدك وصرت نورا ، وسأذكر أنك موطني وهوائي وخيمتي ومهرتي ، وأنتِ في الليلةِ الظلماءِ قمري ..)([4])

 وقال علي لسان محب : إذا مررتم على باب نور .. ضعوا على بابها باقة زهور .. أيها العابرون المؤمنون بموسى أو الكافرون بفرعون .. أعْلِموا نورَ أن حبي لها فاق الحدود ..([5])

سهر لا يشغلها إلا عصفورها وحكاية روحها , ونور لا يشغلها إلا برق حصان حبيبها محب الضابط الذي يعمل مع فرعون , واكتشفت أنه عدو أهلها , وقد عشقته ؛ وعندما مُنعت نور من الخروج والسير علي النهر , حين أتي "برق" دون صاحبه , و"برق" هو اسم حصان الضابط الفرعوني الكبير محب , الذي حين نادته نور ،أتي إليها علي استحياء , فطالبتها الفتيات اللائي كن معها أن تمتطيه , وعندما امتطته , إنطلق بها حتى اختفي عن أنظار البنات , ووقف علي قمة الجبل , بعد أن كاد قلبها أن يتوقف من الخوف والفزع , ولكنها حينما نظرت من أعلي الجبل علي مصر شعرت بالأمان , وروعة المكان , ليأتي صوت محب فينخ الحصان , لتترجل من فوقه , ومحب يمسكها من يدها وبعد مواقف الغرام , يطلبها للزواج .

إن محب اسم علي مسمي , رمز الحب والنقاء , هو من قوم موسي وهارون , وجده الأكبر من الاخناتونيين , تزوج من إسرائيلية , وآمن بيوسف ويعقوب , وأبوه يؤمن بموسي ,ولكن محب جندي لفرعون وهامان , إننا في هذه الرواية نلمح بوضوح , المعادل الموضوعي , لتجلي الحب بين نور ومحب , وبين الله وموسي , كلاهما تجلي لهما الحب علي جبالك المقدسة يا مصرنا الحبيبة . ونلمح أيضا التوازي , فيما حدث لسهر , حين حاول راغب ابن المختار أن يستولي علي جسدها بالقوة , ففكر في خطفها ، لكنه تراجع عن فكرة الخطف لأنها فكرة فاشلة , ستسبب لأبيه مشاكل ولأسرته ؛ ففكر واتفق مع مجموعة من )البلاطجة( مقنعين , على أن يمثلوا أنهم يريدون خطفها ؛ فيقوم هو بضربهم وإطلاق رصاصا في الهواء ، لقد شاهد هذا في فيلم عربي ، حتى يكسب البطل قلب البطلة وترى شجاعته.. وفعل هذا هؤلاء البلاطجة , الذين أحضرهم له أبو الريش.. التفوا حول سهر فضربهم , وكل واحد حصل على ألفي ليرة أجرة المشهد .

 وما حدث لخطف نور ؛ حبيبة محب , حين لعبت الأفكار الشيطانية برأس تيتي , صديقة نور , لغوايتها , حتى تعمل معها عند "نانا" ؛ في الترفيه عن الرجال الأثرياء , مقابل الهدايا والعطايا , ولما رفضت نور , كادت لها نانا , وخطفتها بخطتها الماكرة , بأن جعلت بعض الأطفال , يخطفون منها سلة الخضار , وهي عائدة من السوق , وحين جرت خلفهم , دخلوا بيت نانا وهنا كان الكمين , لتجد نفسها فجأة ؛ في بيت نانا المشبوه وسط بنات , وضحكات , ورجال وغناء , ولكن محب الأنيق , والضابط الفرعوني الكبير , لمح نور , فأنقذها , وأركبها حصانه البرق , ومشي وهو ممسك بلجام " البرق " مما أثار حفيظة أثرياء الإسرائيليين المصريين من هذا المشهد , ووصل ما حدث لأذن هامان , فعنف محب تعنيفا شديدا , وبعد ثلاثة أيام , لم يكلم فيها محب أحدا , جمع محب بعض العسكر , وهجم علي بيت نانا , وطردها والنساء اللاتي معها , وهدم البيت , مما أثار حفيظة هامان عليه , مرة أخري وعندما سأله هامان لماذا فعلت هذا؟ قال محب له:

- لأن مصر لا تتحمل غضب الرب أكثر من هذا ..!

وقد ردت نور له هذا الموقف حين تحول نهر النيل إلي دماء , فسقته من ماء الزير في بيتها رغم أنه كان قد ضرب أباها بالكرباج .. ورغم ذلك , جعلت أباها يذهب إلي موسي ليدعو ربه أن يتحول النهر إلي طبيعته , بعد أن صارت مياه النهر دما ؛ كان يتقيأه المصريون , ومثلما تعذبت نور , وحرمت من حبها لضابط الفرعون , تعذبت سهر حين غاب عصفورها فتركت له شبَّاكها مفتحا فأصابها هواء الليل البارد الذي غار من عشق سهر للعصفور فمرضت , وغابت عن المدرسة مما أدخل كاظم في حزن مجهول العنوان , سهر تركت كاظم لأنه متزوج من وردة , ونور تركت محب لأنه جندي عند فرعون

أما شخصية " كاظم " : معلم اللغة العربية في مدرسه " سَهَـرْ" صاحب العشق الخفي أو العاشق الهارب , الأشقر وسيم ذو ثلاثين عاما , دائما ما يحاول الهروب لكنه متردد , والذي كان يحلم بأن يكون سياسيا فصار معلما , هذه الشخصية تمتعنا بالمفارقة الرائعة في ازدواجية هذه الشخصية بين المعلم والسياسي , والذي حلم أن يعيش في مصر وتكون سهر معه , يدور في فلك عشقه الخاص متضادا مع فلك شخصية الجبل وسلوكيات أهله , شخصية يتجلى صراعها الداخلي لشخصيته المذعورة بهواجسها , وتردده في مواقفه المتخاذلة التي تخلق مفارقات رائعة تثير الضحك أكثر مما تثير الشفقة.فبدلا من أن يصبح صحفيا ينشر في الصحف يشعر أحيانا أن خبر قتله هو الذي سينشر في الصحف

وتتجلى المفارقة بين شخصيته المترددة , في أنه لم يلمس امرأة في حياته من قبل , وبين شخصية "وردة " المقتحمة الواثقة التي تفعل ما تريد وتقتحم الرجل وتستخدم أسلحة الأنثى الجبارة , لتفترس حصاره وتوقعه في براثن انوثتها المستأسدة.

إن التطور الدرامي لشخصيته " كاظم "

يتناسب مع سلوكها في المواقف المتعددة بكل ابعادها المترددة , في حين أن شخصية "وردة " بكل أسلحتها التي تجندل الرجال تقلب له حياته المقلوبة اصلا , إن ارتباك شخصيته المترددة , يجعله يحاول الهروب دائما ؛ عندما يواجه واقعه , و ينعكس ذلك علي سلوكياته التي  تتميز بهروبه , من المواقف الصعبة الخارجية , واختلاقه المبررات.

شخصية كاظم أجاد الكاتب تصويرها بكل أبعادها ببراعة ودقة خدمت أحداث الرواية , وحققت واقعية الشخصية في كل مراحل تطورها فجعلتها متعة حقيقية , يتعلم منها الشباب صور ومراحل العشق , ولكن ليس بمثل شخصية كاظم

بينما شخصية محبأحد جنود فرعون هي شخصية عسكرية قوية منضبطة واثقة تتميز بالثقة في الذات وبالولاء لقائدها الأعلي هامان الذي يدين بالثقة لفرعون , حتي عندما يضعه القدر بين حبيبته وقائده , فإنه يضحي بكل شيء إلا الولاء لقادته

عتبة الفخامة في الرواية ,

 فتحي رضوان الشخصية المحورية الأولى

يقدم لنا الكاتب شخصية ثرية عاشقة متعددة الأبعاد والأعماق ممتعة بحضورها , وقوة تأثيرها علي بقية شخصيات الرواية , إنها سخصية فتحي رضوان الإنسان .. حلم تحرير الأمة من التخلف , وثورة المطر

بدوائر شخصيته المتميزة الخارجية والداخلية والنفسية , *مصري الملامح* .. **عربي التفكير ** .. ***عالمي الإحساس بالجمال*** , إن دائرة هذه الشخصية أكبر دوائر الرواية إذ تضم معها العديد من الدوائر لتكون مجرة قائمة بذاتها , وهنا يأخذك الكاتب إلي مسرحه , ويقوم بدور المخرج المسرحي , حيث يثـبِّـتْ دائرة الضوء علي البطل فتحي رضوان , وبعدسة الزوم المكبرة , يقرب لك مراحل نمو الشخصية دائرة فدائرة , وكلما اقتَرَبَتْ منه دائرة , زاد حجم شخصية فتحي رضوان , وزاد بريقها وسطوعها , ويزداد انبهارك بها .. وإعجابك بها , رغم ما بها من تناقض يبرز المفارقة , ويوضحها بإبداع سردي , يحمل لك قطوفا من معلومات عامة , جاءت في سياق الأحداث في أماكنها وتواريخها بأرقامها وتفاصيلها , ويصعد بك دراميا في أحداثه المتلاحقة , ليسلط علي هذه الشخصية بقعة الضوء الكبيرة الكاشفة لتجد شخصية " فتحي رضوان " الملحمية , بطل الفتوحات والأساطير , فتحي رضوان نموذج لملايين الشباب العربي , والمصري , الضائع ,الذي تطير أحلامهم في السماء كل صباح , وترحل في المساء مع السفن المهاجرة إلي أمريكا , والغرب , ضحية الزمان والمكان .

إن أسلوب الرواية الذي أبدع فيه الكاتب كلماته وصاغ بها جمله ونقل وعبَّر عما يعتمل في نفسه , وظفه باحتراف وسلاسة ومهد لنا طريق وصول كلماته لتتسلل داخل نفس القارئ ,فتحتل مساحات شعوره وتهيمن علي مناطق استمتاعه , كانت تبدو كمتتالية تشايكوفسكي "شهر زاد " التي تلتزم مقاما واحد ولكنها تتنوع في الإيقاعات المختلفة لهذا المقام لتُشكـِّلَ بكل تيماتها السردية والفنية جداريةً , تضرب جذورها في واقع يعيشه الكاتب , وتنطلق تطلعاتها لهذا الواقع , في فضاء يخترق حدود الزمان والمكان , ويربط الحاضر بالماضي , كما تُـضَـمُّ قطعُ الزجاج المتناثرة والمختلفة الألوان والشكل والحجم لتصنع لنا هذه الجدارية الشامخة , لتبهر الروح فتسمو , ويستسيغها العقلُ فيرقى .

إن هذه الرواية سلة فاكهة , تحمل تفاح الشام ، وفواكهه المتنوعة , وتحمل روعة روح جبل الشام , كما تحمل كل أنواع الفواكه ؛ التي ارتوت بماء النيل المقدس , رواية تتميز بأسلوبها الشعري المنساب ؛ كمياة النيل وبردي ؛ وتحفل بالمعلومات المتنوعة , تتنوع تضاريسها الزمانية والمكانية , بين شام ومصر, وبين نيل وبردى , وبين تاريخ قديم وحديث , تجمع بين الحب وعذاباته ولحظاته الصوفية التي تطهر النفس وتسمو بها من خلال صورها الفنية التي تتمتع بتلاحق يتميز بالسلاسة والنعومة , في تفرد ودون زحام , وتستعرض لنا تلك البني الدرامية للسرد بتصاعد ناعم , يصعد بنا جبال الشام وينزل بنا الهضاب ووديان مصرنا الرائعة , في بلاغة تنضح بزيت البلاغة والأسلوب الراقي الذي لا يلوي أعناق الجمل والعبارات لتصل إلينا مباشرة , فيلمس الأعماق بما يحمله من دفقات شعورية بليغة , تعبر عن لحظات الضعف الإنساني ,وتخترق سدود التحجر ؛ المقامة في بعض العقول , التي لا تميز بين صدق المشاعر الراقية , التي تفيض بالمعاناة والرغبة في أن تصل الي حياة أفضل

إن هذه التحويجة الجديدة للسيد حافظ , هي ضمن مشروع متكامل , وأصحاب المشاريع الادبية هم قليلون , ولكن هذا يثبت أننا في مصر نملك كل طاقات الإبداع بكل معانيه .

إن "كابنشينو " رواية ثلاثية المستويات والأبعاد , رواية حب ساحرة برؤية مستقبلية نادرة , تمزج التاريخ القديم بالحديث . وتشع بحب نور لضابط فرعون , وتتأجج بحب كاظم لسهر , وصرخة هادرة لحلم قديم نتمنى تحقيقه , ونظرة مبصرة لواقع أليم نتمنى تطويره ,إنها رؤية عقل واع , يريدنا أن نلمس بؤرة الحقيقة , بكل زواياها , ربما تضيءُ لنا الأيام.

تحية للمبدع السيد حافظ الذي أعجبت شخصيا بروايته الرائعة كابشينو , ليعتدل بها المزاج , وتفرح بها الروح , في هذا الوقت الذي غطت عليه علامات الترقب وغشيته سحابات القلق , ليثبت أن هناك من يستطيع أن يبدع رغم كل هذا , تحية التقدير للمبدع السيد حافظ , والمتعة الثقافية لكل من يقرأها بوعي ومزيد من الإبداع وفي انتظار القادم.

فهمي إبراهيم



[1] رواية "كابتشينو" - السيد حافظ , رؤيا للنشر والتوزيع صـ 84

[2] - من قراءة فهمي إبراهيم لرواية " قهوة سادة " للمبدع السيد حافظ

[3] الجزء الثاني من رواية " قهوة سادة " السيد حافظ –الهيئة العامة للكتاب

[4] رواية "كابتشينو" - السيد حافظ , رؤيا للنشر والتوزيع صـ 123

[5] رواية "كابتشينو" - السيد حافظ , رؤيا للنشر والتوزيع صـ 136

 

 

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More