دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 119 )
رواية نسكافيه تحطم الأبواب المغلقة
سعدنى السلامونى
دراسة من كتاب
التشظى وتداخل الأجناس الأدبية
فى الرواية العربية
" الجزء الثانى "
إعداد وتقديم
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
رواية نسكافيه تحطم الأبواب المغلقة
سعدنى السلامونى
تقول لنا رواية نسكافية، للأديب السيد حافظ التى صدرت من أسابيع من دار نشر "روافد" أن التاريخ السرى كالسرطان المنتشر فى الجسد لا يصل اليه العلم.. مهما أوتى من قوة ولا يعلم به عقل. فهو الوجع المكتوم الذى لا يحس به الإنسان على الكوكب الأرضى وبالأخص المواطن المصرى والعربى.
فالإنسان العربى يعيش مع تاريخ ويدرس تاريخ أخر ولا يعلم بتاريخه السرى شئ فراحت رواية نسكافية تحطم أبواب التاريخ السرى للإنسان المصرى والعربى. بقلم لا يقطر حبراً بل دماً. تحول قلم السيد حافظ فى رواية نسكافيه الى كاميرا .. هذه الكاميرا راحت تغوص فى التاريخ السرى. حتى وصلت الى الكبد.
خاصة أن أحداث الرواية تدور على أرض لبنان ثم دبى ثم مصر.. وتفجر المسكوت عنه من مرارة بين كل الدول العربية. رغم أنف حراس الجمود.. الذين يصنعون التواريخ للبشر كيف يشاؤن .. ودائماً ما تأتى هذه التواريخ لصالح الأنظمة الفاسدة فانطلقت عشرات الشخصيات المتفردة فى عشقها وقهرها وحنينها ودفئها وفى نفس الوقت شراستها. ودمويتها وأشهر هذه الشخصيات شخصية البطل وهو وحيد سالم مع عشيقته المتفردة فى عشقها "لمى القيس" فيقوم تصدير الرواية على سطرين فقط من المؤلف الى ابنته التى راحت تطارده حتى يخرج من حالة الموت والاكتئاب. بكتابة هذه الرواية (شكر خاص الى غيداء ابنتى التى طالبت منى بالحاح أن أقاوم الموت والاكتئاب بكتابة رواية طويلة فكتبت)
هى حقيقى كتابة انتحار .. كتابة الموت.. كتابة الخلاص.. جاءت من راوى حى يعيش فى عالم من الأموات. عالم من الفساد. قاهر ومقهور فى نفس واحد. ظالم ومظلوم فى نفس واحد. قاتل ومقتول فى نفس واحد هذا العالم المسكوت عنه يخترقه قلم السيدحافظ ويحطم أبوابه.
أبواب التاريخ السرى فى رواية نسكافيه فيقول فى أول الرواية (الى القادم)
لا أدرى من أنت .. ومن تكون ومن أى مكان ستاتى لتغير وجه التاريخ القبيح الأن أكتب لك لعلك تقرأ ما كتبت وتعرف حقيقة ما جرى لى ولنا فذنبنا الوحيد أننا وجدنا فى زمن الأقزام .. ص (10) "ويظنون أنهم قامات"
أزمنة الأقزام
هكذا أزمنة الأقزام تحتل الرواية من أول سطورها الى نهايتها فالأقزام يحتلون وجه التاريخ بل التواريخ.. وجه وجه الإعلام. وجه الحياة على أنهم قامات .. فالأقزام لا يخدمون الا على الأقزام والويل كل الويل لمن يخرج عن القطيع.
يخرج عن طابور الأقزام.. فيحكمون عليه بالنفى والمطاردة التى تصل الى حد التصفية.. الأقزام على مدى التواريخ هم حراس الجمود فجاءت رواية نسكافيه لتطيح بهم. وتفرج عن العمالقة المقهورين المتفردين فى شئ المجالات .. فرسان التواريخ الذين خرجوا من طوابير الأقزام فنالوا أشد العقاب من العملاق شيخ المؤرخين.
الجبرتى الى السهرواردى بشار ابن بورد.. بيرم التونسى .. امل دنقل.. نجيب سرور.. فؤاد حداد .. حافظ إبراهيم.. حين حاصره أحمد شوقى واطاح به.. محمد حافظ رجب .. جمال السجينى.. ومحمد حافظ رجب هذا العملاق هو شقيق السيد حافظ كما تقول الرواية والحق أقول أن فى كل عصر من عصور الأقزام تخرج عليهم قامات لتطيح بهم وبحراس الجمود رجالهم ونسائهم ويتعرضون الى مطاردات تصل الى التصفية والتصفية هناك جدية إبداعية روحية.
لأن حراس الجمود كما تقول رواية نسكافية هم من يصنعوزن التاريخ .. والحاضر.. والمستقبل فالرواية تقوم على بناء جديد لم نشهده من قبل بين التوثيق بشكل إبداعى لواقع مرير وبين إبداعية التوثيق.. فقبل نهاية كل فصل.. تدخل علينا تنهيدة من العشق عبارة عن عدة سطور.. لتلقى بنا فى عشق جديد.. مطعم بخيانات جديدة وكأنك تعيش فى كوكب ثان.. مع إبداع جديد وكل حين وحين وأنت محمول على ظهر سطور الرواية الى سماوات مفتوحة تدخل همسة لتوثق حدث مرير من الواقع هذا الحدث الذى يخطفك من السماء سماء الإبداع فيسقط بك الى سابع أرض الى أخر سطور الرواية مثل " همسة "
الزعيم مصطفى كامل قال أن مصر أمة أموات متماتين وأنه ابتلى بكونه مصرياً ولم يقل لو كنت مصرياً لودت أن أكون مصرياً الحقيقة فى قراءة التاريخ ونحن أمة لا تقرأ.
الهماسات فى رواية نسكافيه هى أكثر من مائة همسة تأتى بما يخفيه التاريخ هذه الهمسات المؤلمة الموجعة تأتى بشكل إبداعى.. لا يقل جمالاً عن إبداع الرواية.. فى سياق واحد متوحد فالبطلة هنا هى لمى القيسى.. امرأة من لحم ودم من نور ونار من خيانة وطهارة وساقها قدارها اللبنانى لزواجها من عامر الرجل السياسى الذى تم اغتصابه داخل السجون اللبنانية.
فاصبحت كل قضاياه أن يدافع عن مؤخرته لا عن الوطن حاله حال كل السياسيين الأحرار الذين خرجوا من قطيع سياسة حراس الجمود.
فأصبح عاجزاً جنسياً لأن ليس القهر هنا ليس القهر هنا فقط هو الذى يثر على صحته الجنسية بل ثقافته السياسية التى طغت على الثقافة الجنسية.
وحين يلتقى بزوجته لمى لا يستمر اللقاء أكثر من ثلاثة دقائق وهو على يقين أنه حطم الجمال فتتجه لمى الى الدش لتطفئ نار جسدها تحت المياه بينما عشيقها وحيد سالم بطل الرواية وكاد أن يكون الراوى.. هكذا الصحافى المصرى المغترب فى لبنان.. يتعامل مع عشيقته لمى بروحه أكثر من ثلاثة ساعات عمر القبلة فالروح تحول الجسد الى وحش ولأن الرواية سيطرت عليها روح البطل فتحول قلم الراوى الى وحش يخطف الأرواح ويطيح بحراس الجمود.
(تنهيدة)
" أنت أنثى النور مدى يديك الى صدر كلماتى واخلعى معطف احزانك وارتك شعرك يعبر فوق خدودى العطشى لقبلات النسيم" (ص 308)
هناك أكثر من مائة تنهيدة عشق تقطع عليك احداث الرواية .. التى توحدت مع شخصياتها واحداثها.
كما تفصلك أيضاً الهمسة كل حين وحين بحدث يشعرك بالقشعريرة فبين الفصل والفصل تدخل تنهيدة أو همسة.
همسة :
" مصر التى فى خاطرى بنت الأهرام والقلعة والسد العالى.. ومصر التى أراها أمامى فشلت فى رصف شارع واحد .. وكل الشوارع محفرة قذرة " (ص 77)
رواية نسكافية تدور أحداثها بين مصر ولبنان والأردن ودبى.. بين عام 2008 / 2011 (426 صفحة) ولكنها تدور فى أحداث من آلاف السنين الى ما بعد 25 يناير عاد البطل وحيد سالم من دبى مهزوماً مكسوراً فى مصر وعلى سريره استيقظ صباحاً ليجد العرب تم إبادتهم من من مئات السنين ووجد كل شئ عبرى وينطق بالعبرية التلفاز الموبيل رسائل الأصدقاء فقرر أن يكتب رسالة الى الله.. فكتب القلم سطوراً عبرية.. حقاً هذه الرواية تنتمى الى الأدب العالمى ولا تقل عنه بل تزيد
سعدنى السلامونى
0 التعليقات:
إرسال تعليق