دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 120 )
تأملات حول رواية " قهوة سادة " للروائي المصري السيد حافظ
الدكتور إبراهيم بوخالفة
دراسة من كتاب
التشظى وتداخل الأجناس الأدبية
فى الرواية العربية
" الجزء الثانى "
إعداد وتقديم
د. نـجـاة صـادق الجشـعمى
تأملات حول رواية " قهوة سادة " للروائي المصري السيد حافظ
الدكتور إبراهيم بوخالفة
أستاذ جامعي- الجزائر
"قهوة سادة" هي رواية عربية للكاتب المصري المعاصر السيد حافظ، وهي عمل إبداعي يتمتع بفرادة وتميز قلما يجتمعان في عمل واحد، ولأيّ كان من المبدعين الحداثيين أو المابعد حداثيين.
تتوزع الرواية على ثلاثة برامج سردية، وكل برنامج يستبطن ثراء تيميا لافتا، يتعين على الناقد الحصيف إجراء حفريات نقدية بالغة العمق والأصالة من أجل الكشف عنها. ذلك أنّ الروائي قد عمد إلى التكثيف الرمزي بالغ الخصوبة، من خلال الاستعانة بالأسطورة، والتاريخ الحديث والغابر، وبنفس المستويات من العمق.
1- تفكيك مدارك الذات العربية:
تتعالق مقاطع الرواية على مستوى معنى المعنى، وإن كانت على مستوى الشكل الهندسي متداخلة تتناوب التجلي والخفاء. تفككها الظاهري هو تفكيك لمدارك الذات العربية الموزعة بين وجود وهمي طوباوي، يتحقق على المستوى الاستيهامي، ووجود فعلي إشكالي إلى حدّ بعيد. إن تداخل المشاهد الروائية وتشابكها العنكبوتي ذو دلالة عميقة. فالشكل في حدّ ذاته ذو حمولة معنوية مكثفة. والمضمون هو الآخر تعيين جمالي وفني بامتياز. "إنّ الأعمال الفنيّة لا تدين بأهميّتها إلاّ لمقدرتها على إظهار ما تخفيه الإيديولوجيا.(......). والنص الأدبي يظهر فجوات وتناقضات الإيديولوجيا"[1]. وهل يمكن إغفال حقيقة أن السيد حافظ لا ينطلق من فراغ إيديولوجي وهو يشيد معماره الروائي؟ إن الرواية التي بين أيدينا تتبدى في عمقها ذات حمولة جمالية بقدر ما هي إيديولوجيّة في فترة تاريخية يتعرض فيها العالم العربي والإسلامي لارتجاجات عنيفة، وتحولات شديدة الخطورة بفعل اختلال العلاقات الدوليّة في كل غير مسبوق. ونظرا لأن مصر شكلت دوما عمق الوطن العربي، فهي الأكثر تأثرا بمفاعيل العلاقات الدولية سيئة السمعة.
1.1. البرنامج السردي الأول: سهر/ الصراع
يتضمّن المقطع الأول مشهد كاظم العاشق وسهر المعشوقة، تلك الفتاة العربية التي ترفض أنْ تُفَضَّ بكارتها إلاّ على فراش من ذهب ومال خليجي وفير. إنها أحلام الطبقات الوسطى في الصعود الاجتماعي من أقصر السبل وأكثرها جلبا للمتعة الحسية والشبق الجنسي المتعطش للفعل العنيف. سهر هي صورة عن الفتاة العربية التي انخرطتْ في المجتمع المدرسي الحديث. ومع ذلك، فإنها لا تتخلى عن ثقافتها الأسرية التي تؤهّلها لتكون زوجة تضطلع بأعباء الإنجاب وخدمة رغبات السيد وشهواته. إنها اختزال للمجتمع العربي الريفي الذي لا يزال محافظا على تقسيم العمل بين المرأة والرجل وتقسيم مناطق النفوذ والعلاقات الاجتماعية الأبوية، حيث يهيمن الرجل على علاقات الإنتاج ويحتكر الهيمنة داخل البيت وخارجه. فالمرأة ليس من حقها مناقشة القيم السائدة والثقافة العالمة، بل هي مرصودة فقط لرعاية هذه القيم وتمريرها للأجيال اللاحقة، من أجل إعادة إنتاج أنماط سلوكية ثابتة وأشكال وجود اجتماعي لا يطالها التغيير. إنها تفتقر لجهاز مفاهيمي قادر على تشكيل وعي اجتماعي حداثي وثقافة مقاومة لسلطة الرجل المطلقة.
لم تحاول سهر مقاومة رغبات أبيها في تزويجها من رجل قادم من الخليج؛ بل تماهتْ معها وانسجمتْ مع بيئتها الثقافيّة والاجتماعية على مستوى الوعي كما على مستوى الوجود العيني. لقد كان ترددها على المدرسة مجرد محطة يُنتَظرُ فيها الحلم الموعود في الهجرة بعيدا عن المحيط الاجتماعي الرتيب والخانق والمتكلس. إن البيئة التي احتضنتْ سهر هي بيئة محافظة تتجسّد فيها قيم المجتمع الذكوري، المتمسك بسلطة الرجل، والذي يرفض الحداثة من حيث الجوهر. ولئن كانت المدرسة الحديثة في المجتمع العربي هي إحدى وأهم قنوات تحديث العقل العربي وتثوير مجتمعاته ضد أنماط السلوك والتفكير الدغمائية، فإنها في حالة المجتمعات الريفيّة تغدو بنايات لا تحمل في جوهرها من الحداثة إلاّ الطلاء الخارجي. إنها مفرغة من بعدها الإيديولوجي، ولا ترقى إلى مستوى ملامسة الأوعاء وتحريكها باتّجاه التغيير أو التنوير.
وعندما حاولتْ سمر كسر قيود المجتمع المحافظ على قيم العفة بمفهومها المجتمعي التقليدي، قوبِلتْ بكمّ هائل من القمع والردع، حتّى تراجعتْ إلى قواعدها الجنوسيّة الحسيرة. لما حاولتْ التواصل مع كاظم بدعوى أنّها تحبه، وتقاوم من أجله إرثا هائلا من التابوهات، صُدَّتْ بكل سبل القمع الممكنة، من طرف كاظم، أولى ضحايا القيم البالية، ثم من طرف أهلها حراس العقائد.
إننا نملك في هذه الرواية نموذجين للمرأة العربية؛ نموذجا تقليديا يمثل المرأة في المجتمع الذكوري المحافظ. هذا النموذج محافظ على بناه النمطية وأشكال وجوده وطرائق تفكيره الموروثة، والمحاطة بهالة من القداسة والصّنميّة. ونموذجا آخر أبدى رغبة محمومة في التخلص من معيقات الحداثة والانفتاح على كل أشكال التحرر من قيود الفكر القبلي والعشائري، بدعوى أن تلك القيم البالية تحرم المرأة من انفتاح الشخصيّة والارتقاء إلى المواقع المشتهاة في المجتمع والأسرة. ومع أن سمر تمكّنتْ من تحقيق هدفها في الاقتران بكاظم، إلاّ أنّ ذلك كان من بوابة التقاليد والأعراف التي تحظى بقداسة الأديان. إنها فاتحة الثورة المحتشمة على الماضي التي خطّتها المرأة العربية في كثير من مراتب الحداثة في المجتمعات العربية.
2.1. البرنامج السردي الثاني: فتحي رضوان/ الالتزام
المقطع الثاني من هذه الرواية يتضمّن سرديّة فتحي رضوان الطالب المصري رئيس اتحاد الطلبة المصريين. إنه يمثّلُ الفئة الاجتماعيّة الأكثر تنويرا وتثويرا في كلّ المجتمعات العربيّة مع مطلع حداثة منتصف القرن العشرين. وبما "أن النظام الكامن للعمل الفني له وظيفة مزدوجة، فهو ينظم وحدة العمل من جانب، ويعبر عن رؤية للعالم، عن وعي جماعة اجتماعية من جانب آخر. إن العمل الفني ليس نتاج مؤلف بوصفه فردا، ولكنه يكشفُ الوعي الجماعي لجماعة أو طبقة"[2].لقد كانت فئة الطلبة في كل مراحل نضالها التاريخي ومقارعتها للأنظمة المستبدّة وجماعات المال والسلطة، الفئة الأكثر وعيا وتفاعلا مع مشكلات عصرها وهموم الوطن، وهي الأكثر تجاوبا مع أوجاع الماضي الغابر والممتدّ، ذلك الماضي الذي لا ينفكّ يتناسل ويتكاثر حتّى ليوشك أن يحول الزمن العربي إلى قطع من الليل المظلم، يفضي بعضها إلى بعض، بدءا من نكسة 67، تلك الحرب التي تركتْ جروحا وكدمات في الذات العربية لا خلاص منها، إلا من خلال صناعة تاريخ ناصع البياض وخال من الهزائم. بيد أنّ الواقع الذي تلمع إليه الرواية يعجز عن فك الارتباط مع الماضي الذي حشر العرب في زاوية معتمة، مجردين من أدوات الفعل الحضاري الإيجابي على جميع الأصعدة. وإزاء هذه الحالة المرضيّة تبدو ردود الفعل السلبية كعلامة من علامات الإحباط بالنسبة لفتحي رضوان وشخصيات أخرى من نفس الفئة المثقفة. يخاطبُ فتحي رضوان صاحبه حسن، أحد أعضاء اتحاد الطلبة: «لم أعد أعرف يا علي ماذا سيحدثُ في مصر، ولا في الوطن العربي...حتى الغرب خدعنا، وأمريكا...هل لأننا نستحقّ أن نخدع...أفكر في الرحيل من مصر"[3]. إنها طريقة سلبيّة في مقاومة بنية سياسيّة متماسكة ومستعصية على التغيير ورافضة للتغير، من قبل الفئة الاجتماعيّة الأكثر وعيا بأزمة الوضع الحضاري للأمة العربيّة مختزلة في مصر. أحيانا يلجأ فتحي رضوان إلى اللغة المنطوقة للتعبير عن رفض الواقع الراهن ومقارعته. لقد "أكد ميشال بيشو على طابع الكلمات الاجتماعي: يمكن أن يلخّص كل صراع الطبقات أحيانا في الصراع من أجل كلمة، أو ضدّ كلمة أخرى"[4]. تحمل مثل هذه الشهادة ما مفاده أن الوحدات القاموسية تحيل إلى بصمات المصالح أو حتى النزاعات الاجتماعية. يكسر فتحي رضوان النسق اللغوي الذي يروجه الخطاب الرسمي، ويشوّه الذائقة اللغوية المتعارف عليها، ويلجأ إلى قاموس لغوي شعبي، يكشف عن إدانة قصوى للوضع الإشكالي للبلد، ورفض للخطاب الرسمي الذي يداري تناقضاته ومصالحه المشبوهة من خلال جزالة اللغة وبلاغة التعبير. "مصر مش عايزانا، عاوزاهالحارامية والكذابين والمنافقين واللصوص بيحلبوها. مصر لا تحبّ الشرفاء...معظم الشعب ملوث بفيروس الفهلوة والنصب والكذب"[5].
يمكن معاينة المجتمع -أيّ مجتمع-باعتباره مجموعة جماعات متعارضة نسبيا، حيث يمكن أن تتنازع لغاتها "السوسيولكتات"؛ ومن هذا المنظور يمكن أن نهتدي إلى الرابط بين الأدبي والاجتماعي، الذي يتمظهر عبر اللهجات الاجتماعية. إن اللغة التي يلجأ إليها رضوان فتحي ذات بعد إيديولوجي لا يخطئه الإدراك. ولعله من المناسب أن نستنجد بتعريف غريماس للسوسيولكتات التي هي "نوع من اللغات التحتية، معروفة بتغيراتها السيميائية التي تتعارض فيما بينها (على صعدها التعبيرية)، وإيحاءاتها الاجتماعية التي تصاحبها (على صعيدها المضموني)، هي تتشكل كمسميات ومصنفات اجتماعية مبطنة للخطابات الاجتماعية"[6]
كانت الفئات الشعبية الدنيا والمتوسطة، أثناء سنوات النكبة، تتماهى مع الخطاب العربي الرسمي، ذلك الخطاب الذي كان يداري الهزيمة النفسيّة والعسكرية بخطاب بالغ النفاق والديماغوجيّة. عمد المسئولون إلى الدعوة إلى النفير العام في عز الأزمة من أجل إعطاء انطباع لدى الرأي العام المحلي والدولي بأنّ الأوضاع تحت السيطرة، وأنّ غضبة العرب هي نذير شؤم على اليهود. وكانت النعوت المحقرة لليهود والتهديدات بأنّهم سيُلقون في البحر، كان من شأن كلّ ذلك أن يمتصّ غضب السواد العام من الناس. ولكن مع مرور الوقت، وتتابع الهزائم مع نفس العدو الذي تعاظم تهديده للوجود العربي باطراد سريع الوتيرة، تفطن الجميع بأن الأنظمة الرسميّة تنحاز لخيارات غريبة عن شعوبها. "ترى كم مليون عربي خائن يتعاون مع إسرائيل، ترى كم مصري خائن؟ الخيانة مهنة، الجاسوسيّة مهنة...أكل عيش. كم خائن في تاريخ مصر والعرب"[7]. يصل رضوان إلى عمق أزمة الوعي الشقيّ الذي يكشفُ عن تاريخ طويل من العمالة للأجنبي. إنها الصورة الأكثر رهابية عن الذات العربيّة المفصولة عن واقعها والغريبة عن تاريخها. على حدّ تعبير فيكو، فالإنسان لا يعي إلا التاريخ الذي يصنعه بيديه، وإنّ هذا التاريخ لم يصنعه العربي، وإنما صنعته أيدي غريبة. وكان لزاما على الفئات المثقفة حينئذ أن تشرع في ثورة على العقل العربي الذي لا يزال يتسم بالسلبية في مجال مقاومة كل معوقات النهضة وكل المحبطات النفسيّة والإيديولوجيّة التي تثبط القدرة على تجاوز الذات وصناعة تاريخ جديد، لا مجال فيه للاستعباد والتدجين. وأعتقد أن هذه الرواية للسيد حافظ تندرج في هذا الإطار التنويري.
لقد كانت الفئة المستنيرة الممثلة في فئة الطلبة تدرك الحجم الحقيقي للنظام العربي، وكانت تواجه خطابه بلغة شعبية ساخرة وبأسلوب تهكمي لتداري هي الأخرى عجزها عن فعل المقاومة السياسية لأنظمة خائنة. وتكتفي بما تعتقد أنه مقاومة ثقافية تهدف إلى تنوير العقول وتثوير الشعوب وبناء جدار ثقافي صلب يحمي الذات العربية من التبعية والانكسار بكل أشكاله. وأعتقد أن الرواية هي أقدر الأجناس السرديّة على الاضطلاع بهذه الإرساليّة الحضارية على المدى المتوسط والبعيد. نحن في عالم صراع الثقافات والتدافع بالمناكب على المصالح الاستعمارية، ولا زلنا نحتلّ مواقع الضحيّة، ولا بوادر للخلاص في المنظور القريب. وفي هذا الإطار تندرجُ هذه الرواية للسيد حافظ، مع درجات عالية من الكثافة الرمزيّة في المشهد الثالث منها، والمتعلق بسردية فرعون وأخناتون والكهنة والشخصيات الرافدة ذات البعد التاريخي عميق الدلالة. ليستْ الرواية ظلاّ للواقع، وأي خطاب نظري أو أدبي هو تحريفٌ للواقع على المستوى الدلالي والسردي، تماشيا مع المنظور الجمالي للمبدع. والمقصود من أيّ دراسة لهذا الإبداع هو إظهار هذه التحريفات.
3.1. البرنامج السردي الثالث: اخناتون/ الرمز
اخناتون هو اسم فرعون حاكم مصر من القدماء، ويتمتع اسمه بدلالة رمزية ذات خصوبة عالية. وهو مخالف في عقيدته للكهنة، وحتّى لزوجته نفرتيني المتعاطفة مع الكهنة. إنه يعبد إلها واحدا، ووفقا لهذه العقيدة، فإنه يعمد إلى تحطيم الأصنام التي يعبدها الكهنة، وهو بذلك يثير حفيظتهم، فيسعون للإطاحة به في عملية اغتيال محكمة التدبير. ويلمع هذا إلى أساليب الأنظمة العربية في التخلص من خصومها السياسيين، في ظل الاستبداد والحكم الفردي. فالحاكم العربي الذي يختلف مع أحد رجاله الكبار في أروقة الحكم سعى إلى التخلص منه عن طريق التصفية الجسديّة.
كان اخناتون متعاطفا مع رعيته من الفلاحين والجنود وعامة الناس. بينما نلفي رجاله، ومتعاونيه الكبار، منجذبين إلى كبار الضباط والشخصيات النافذة في سرايا الحكم وجهاز المخابرات. إنه خلاف المصالح والمواقع السياسية والخيارات الإيديولوجيّة. فالسلطة في الوطن العربي تحمل بذور فنائها بداخلها، بحكم حجم التناقضات في تركيبتها السياسية والعسكرية.
1. سردية المرأة: عودة شهرزاد
أول ما يطالعنا في هذه الرواية هو شخصيّة سهر؛ وهي الشخصيّة المحوريّة في الرواية. وقد لجأ الروائي إلى تقنية التكثيف اللغوي مع انطلاقة الفعل السردي.
كانت الجمل المقطعة والقصيرة، والشديدة الاختزال مشحونة بعاطفة عالية الاشتغال على مستوى الوعي الظاهر والباطن لتشكيل الموقف من الحالة الراهنة وغير المألوفة التي ظهرت عليها سهر، وهي حالة البلوغ الجنسي.
"خافت... ارتعدتْ... بكتْ... جاءت الأمّ مهرولة... وجدت بقعة دم حمراء في ثوبها... زغردت الأمّ..لقد بلغتْ سهر... نضجت اليمامة.. الحمامة... الوردة... تفتحت مبكرا"[8]. هذا التتابع السريع والحثيث للأفعال الماضية، هذا التقطيع العنيف لأوصال الجملة وتحويلها إلى شذرات لغوية مبدّدة، هذا النفس الشعري المتهافت على المعنى، يطارده في القاع الأسفل من عمق اللغة، هذا التركيز الشديد على اللحظة العاطفيّة الصادمة والمشاعر الدراميّة المتناقضة، بين فعل البكاء وفعل الزغردة، بين الخوف والرعشة والهرولة، كل تلك المفارقات تتضافر لتكثّف حالة الانفعال لتهيئتنا وإعدادنا لتلقي تجربة سهر بمستوى من التركيز يرقى إلى مستوى حالتها الدراميّة.
وتنضمّ شخصيّة شهرزاد بكل تداعياتها وظلالها في التراث السردي العربي إلى وظيفة إعداد القارئ لتلقي التجربة الوجودية لسهر بمزيد من التركيز الجمالي والعاطفي. "زغردت شهرزاد العجوز، نثرت عليها بخورا به حبهان وعين الشيطان حرقتها في النار"[9]. تتحول الزغردة في هذا المقام إلى فعل احتفائي تعظيما لحالة البلوغ الجنسي التي تكتسي طابعا مقدسا في المخيال العربي على المستوى الشعبي. كما تكتسي عملية نثر البخور وحرقها لطرد الشيطان، إجراء وقائيّا يحفظ سهر من كل سوء وأذى. إنها الثقافة الشعبية التي لا تزال تشتغل في اللاوعي الجمعي للمرأة العربية سواء كانت مثقفة أو محدودة التعليم، هذه الثقافة التي تمدّ الإنسان العربي بالقيم الأكثر قداسة وتعظيما. لنذكر أنّ سهر تنتمي إلى المدرسة، وهي بالتالي في عداد البنت المثقفة. وإنّ وضعها ذاك لم يكن من الفعالية بحيث يخلصها من ثقافة السحر والخرافة التي تطبع حياتها وتنمط سلوكها باعتبارها أنثى تتهيأ لحمل رسالة التغيير والتنوير الملقاة على عاتق الفئات الأكثر حظا من التعليم الحديث.
وبالعودة إلى الرواية نلاحظ أن عناصر الطبيعة هي الأخرى تنضمّ إلى شهرزاد العرافة و"العالمة"، للاحتفاء ببلوغ سهر التي تحوّلتْ إلى أيقونة الأنوثة المتفجّرة والجمال الأسطوري الذي يبحث عن أرفع الأثمان في سوق الرجال. فالعصفور يعي شهرزاد وينجذب نحوها ويتعلق بها وينتشي بعطرها ويلازمها طيلة مسيرتها السردية. يدلّ عليها ويندسّ في ثناياها ويتدفأ بجسدها ويدفئه. والليل والبحر والشجر، والمراهقون والرجال والنساء والعجائز، كل أولئك يعرفون سهر ويرددون فرحها، حتى لقد غدتْ أسطورة وصوتا وجوديا يتصادى مع رغبات الناس المكبوتة والدفينة.
شهرزاد ظلُّ سهر تتحول إلى نبية وكاهنة وعرافة، تستشرفُ مستقبلها وتحمل لها البشارة والوعد بالترحال، بحثا عن الفحل وعن الذهب والصعود الطبقي. فالمال هو وسيلة الارتقاء من طبقة اجتماعية إلى طبقة أرقى. ونحن نعلم أن الفكر البرجوازي الأوروبي يحدد آليّات الصعود الطبقي بالشرط الثقافي والمادي. ولا يمكن للفرد أن يرتقي إلى طبقة أعلى فقط بالمال. والأمر في الواقع العربي يختلف عن الوضع في المركز. في المخيال العربي، المال هو مصدر التعيين الطبقي، وهو مصدر القوة. أما لدى الغرب، فمصدر القوة هو العلم بالدرجة الأولى. من منظور ميشال فوكو المعرفة والسلطة يتناسلان.
شهرزاد، والعصفور كلاهما عوامل بالمعنى السردي للمصطلح، بالنسبة للشخصيّة المحوريّة. كلاهما يساعد على تطور البرنامج السردي ويدفع بالموقف الدرامي إلى مزيد من الاحتدام في إطار المشهد الروائي الأول الذي تنفتح عليه الرواية. إنها ظلٌّ لسهر، تستشرفُ لها المستقبل وتساعدها على تشكيل موقف من العالم. فلماّ تقدّم لها أحد أثرياء القرية طالبا يدها، تدخلت العرافة وقالت لوالد سهر:"لا..ابنتك ستسافر إلى بلاد النفط...بلاد الذهب، تتزوج من رجل ثريّ، وتفتح لها المدن ألف نافذة نور..وستتمرغ في الذّهب. الأب ينتظر أن يأتي هذا الفارس القادم الرحالة، لترحل معه سهر على سفينته..ويكون علمها شمس وقمر، كما قالت العرافة العجوز"[10]. نطقت العرافة نبوءتها بكل وثوق، ودون ارتياب، فهي تقرأ من كتاب الغيب، أو أن قوة سحريّة تجلب لها النبوءات من تحت العرش وطيات الغيب. إنها تستعمل حرف السين الدال على التسويف للقريب. وكأن الذي سيحصل يوشك أن يقع: ستسافر...ستتمرغ، وفي الأخير يختفي حرف السين في الفعل الأخير لأنّ النبوءة ستتحل إلى علم يقين من خلال فعل الكينونة. وهي كينونة مشرقة بالشمس نهارا، وبالقمر ليلا (يكون علمها شمس وقمر). وتتحول العجوز مع تحقق النبوءة إلى رمز للحكمة ومصدر للمعرفة، ليس لشهرزاد فقط، وإنما لكل نساء المدينة. فهن يأتين ويجلسن "تحت ركبتها يشكين من ضعف الرجال الجنسي وجهلهم في التعامل معهنّ، فقط هي شهرزاد التي تعرف"[11]. لقد جامعت شهرزاد ألف رجل، وحملت عن كل رجل ألف حكاية، وراكمتْ معرفة واسعة بعالم النساء والجنس، وأضحتْ خبيرة وبصيرة بهذا العلم الذي لطالما بقي عالما مغلقا، من التابوهات والممنوعات في المجتمعات الشرقيّة المتخلفة، ذات البنى البتريركيّة العتيقة. لقد اكتملت رمزية شهرزاد بالعدد "ألف" المشار إليه في الصفحة السابعة عشر من الرواية.: بعض النسوة قلن إنها هي التي عرفت ألف رجل" وحملت عنهم ألف حكاية. إنها تعرفُ للنكاح مائة اسم. فتجلس النساء أمامها في ذهول. ويشير العدد مائة هنا إلى أثر سرديّ في التراث العربي لا يقلّ أهميّة عن "ألف ليلة وليلة". وبطلة هذه الليالي هي شهرزاد التي أنقذتْ نفسها من الموت لتخلص مئات النساء من القتل. شهرزاد في هذه الرواية تخلص حياة سهر من الشقاوة والاحتباس في المكان الواحد حيث الأغلال والقهر، لتدفع بها إلى بلاد الخليج المكان الحاضن لكثير من الجاليات العربية، باعتباره موطنا للإثراء والرفاه. كما تخلص كثيرا من نساء بلدتها من القهر الجنسي والكبت من خلال تعليمهن أساليب الممارسات الجنسيّة الأكثر جلبا للمتعة. لقد راكمت معرفة واسعة بعالم النساء والجنس، وكسرتْ تابوهات اجتماعية شديدة التحريم حول الجنس ومسمياته وأوضاع النكاح، أسماء الأعضاء التناسليّة لكثير من الحيوانات كالكلب والحصان والتيس والديك والبعير. إنها تملك كتب السيوطي و"طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي، وهو كتاب في فن النكاح بكل وضعياته. شهرزاد بؤرة تجتمع حولها الخرافة والسحر والشعوذة والجنس والنبوءة. إنها مرجعيّة شعبيّة للنساء وللرجال. ليست مجرد مربية ترافق سهر، ولا هي مجرد عرافة تنبئ عن مكنونات المستقبل. إنها مصدر علم واختراق للممنوع، وبوح بالمسكوت عنه. إنها استحضار لنصوص غائبة في التراث العربي والإسلامي والشرقي عموما. وهي نصوص من شأنها أن تتفاعل مع بنية سوسيوثقافيّة راهنة وهشّة، هي بصدد التخلخل والتفكك التدريجي، كما تتهاوى أعمدة الخيمة التي رحل عنها أصحابها وتركوها طعما للسنين. هكذا يهجر المجتمع العربي جزءا غير يسير من طقوس حياتهم ومعتقداتهم التي لم تعد منسجمة مع معطيات الحداثة الثقافية والاجتماعية الوافدة من المركز، لينخرط في أنماط وجود اجتماعي حديثة. إن ما تختزله شهرزاد باعتبارها شخصية رافدة في الرواية، هو قدر هائل من الأسطرة والبدائية والخرافية التي تسم مجتمعات الشرق القديمة والحديثة نسبيا. إنها رمزٌ للمرأة التقليديّة التي تمتزج فيها الخرافة بالعقل والحقيقة بالوهم والخيال.
"شهرزاد على ذقنها وشم أخضرٌ. هي بيضاء...عيناها زرقاوان..قالوا من جمالها تزوجها جني جميلٌ ومنع كل الرجال عنها أو الاقتراب منها"[12]. هكذا يتعاطى العقل العربي مع الظواهر الاجتماعية التي لا تنسجم مع شهوانيته ومزاجه. وهكذا ينظر للمرأة نظرة شبقيّة. إنها موضوع شهوة ليس فقط بالنسبة لعالم الإنس وإنما هي كذلك بالنسبة لعالم الجنّ أيضا. وذلك من تجليات الخرافة والأسطورة والسحر في الثقافة العربية التقليديّة. "وقالوا عنها عرافة الجنّ...يمدّها عشيقها الجني بالسر...وأسرار كلّ البشر"[13]. يخطر بالبال في هذا السياق مقولة العبقرية الشعرية لدى عرب الجاهلية، التي يؤولها هؤلاء الشعراء أن كائنات جنية تمد الشعراء بفنون القول البليغة بمكان في مكة يسمى واد عبقر. وهكذا تحيلنا شعريّة العرب إلى الخرافة والسحر، وهو موقف يعبر عن عجز الوعي النقدي لدى العرب عن إدراك أسرار بلاغتهم إدراكا علميا.
نعود الآن إلى الوظيفة السردية لشهرزاد. إنها وظيفة متعددة الأدوار، تمتدّ إلى كل نساء القرية ورجالها، ولا تتوقف عند سهر. ومن أوجهها، أنها وظيفة تعليميّة. فهي "تعلم ما قاله الشيخ السيوطي أن يدعك الرجل حلمتي ثدي الأنثى؛ فإن حلمتها تهيجها هياجا شديدا وانقطاع اللبن عن الثدي دليل أن بين الثدي والرحم اتصالا...النساء تسرع إليها لتعرف سرّ الجماع، والرجال يحاولون الحصول على نصيحة منها مقابل سلة تفاح أو زيتون أو بعض الليرات...لأنها الوحيدة التي تحفظ نصائح السيوطي"[14].
تحتكر شهرزاد الثقافة الجنسية في ذاكرتها. وهي ثقافة تتعطش إليها الطبقات الشعبية من المجتمع العربي، لحالة الكبت التي تعيشها وحالة الانسداد في الحصول على ما يحرك الطاقة الجنسية من عقالها ويجعلها تمارس طقوسها وفق ما تمليه الطبيعة الإنسانية السليمة. وهي بالإضافة إلى ذلك تحافظ على البنية الأسطورية للثقافة الشعبية. "فعندما تعلم شهرزاد أن رجلا من الحي أو القرى أو المدن القريبة تجرّأ وطلب يد سهر، أو اقترب منها، تهجم عليه فتقرأ له كفيه وتقول محذّرة "لا تقترب من سهر، إنها لعشيقة القمر، من يتزوجها يصابُ بالعمى"[15]. وكثيرا ما يبادر الناس إلى تصديقها، فينسحبون من السباق، وقليلا ما يرتابون دون أن يتجرّأوا على المغالبة. إن وظيفة شهرزاد في محيطها أشبه بوظيفة رجل الدين الذي يحظى بهالة من التقديس والتوقير. إنها بمثابة الشخصية العامة ذات الرمزيّة المرجعية. وأهم دور اجتماعي تضطلع به هو المحافظة على البنية الثقافيّة ذات النزوع الأسطوري للمجتمعات العربيّة، حيثُ تتقاطع مصالحها الطبقيّة مع مصالح رجال الدين وأصحاب المال والسلطة. و"من الواضح أنّ الفكر الغيبي يعتمد في ممارسته الأسطورة كأداة تعبير وتفسير، والكهانة هي بدون شكّ إحدى ممارسات الفكر الأسطوري الأكثر بداءة واستمرارا"[16]. يستوي العراف والكاهن والوليّ الصالح في الثقافة الشعبيّة من حيثُ القيمة المعرفيّة لتفسيراتهم إزاء المواقف التي تستدعي توسلا لغيب أو استشرافا لمجهول أو إحياء لماض مجهول. نحاول الآن أن نستقرئ بعض المقاطع السرديّة لتحديد ملامح الصورة التي طورها الرجل العربي عن المرأة والوظيفة الاجتماعية المرصودة لها، وعلاقتها بموضوع الكرامة والشرف والقيم بشكل عامّ. وقد تبيّن في كثير من المواقف السرديّة أنّ المرأة في المخيال العربي، وإن كانت موضوع رغبة جنسيّة محمومة، إلاّ أنّها موضوع شرف الرجل ومحلّ تقديسه. وكثيرا ما ترقى قداستها إلى قداسة الوطن.
يفاخر والد سهر بمقاومته للاستعمار الفرنسي وقتله لكثير من الجنود المحتلين، الذين اغتصبوا كثيرا من نساء المسلمين. وهو يباهي بانتصاره على الجنود الفرنسيين الذين هاجموا قريته، فأسرع بتهريب زوجته للجبل حتى لا يطالها الهمجيّون، وأقام بها هناك في مأمن. "هرب بها ذات يوم في جوف ليل كافر بالبشر. اغتصب فيه الأعداء الفرنسيون نساء القرية، وهرب هو بسلمى"[17]. وبقيت هذه الحادثة مصدر فخار واعتزاز له ولزوجته وحظي بفضلها بمهابة اجتماعية لم تتوفر لغيره من أصحاب الريف. ولذلك بقي محتفظا ببندقيّته باعتبارها رمزا لرجولته، وأداته التي يحمي بها شرفه وأهله ومصالحه.
شداد هو أحد وجهاء القرية وأثريائها الذين يحظون بالمهابة. وقع بصره ذات يوم على سهر، وبهره حسنها، وعزم على اتخاذها زوجة مهما كلفه ذلك. فاستعان بأحد شركائه المدعو مخطار، وأغراه بأنه سيكافئه بسيارة فرنسية إذا هو تزوج من سهر. وترافق الاثنان إلى بيت سالم، الذي رحب بهما بتحفّظ. دخلا عليه بكثير من الهدايا والأموال وعرض عليه شداد الشراكة التجاريّة، في مقابل تزويجه من سهر. بيد أن سالم رفض بدعوى أن سهر لا تزال صغيرة وأن لها أختا لم تتزوج بعدُ، وهو أمر ترفضه التقاليد العربيّة، خوفا من أن تكون الكبرى مجلبة للعار لبيت أبيها إن تأخر زواجها. رأى سالم أن الرجل جاء ليساومه على شرفه بالمال، فاغتاظ وهبّ واقفا، شاهرا بندقيّته في وجه ضيفيه إن هما لم ينسحبا بما جاءا به من عروض. "لم يندهش سالم، نظر نظرة المحارب البطل في عينيه، ولم يهتزّ له رمشٌ، ولا وتر في قلبه أو عزف خياله على لحن المال"[18].
يحصل انطباعٌ من خلال هذه السردية أن سالم وهو يهدد ضيفيه اللذين جاءا يقايضانه الشرف بالمال بأنه في ساحة قتال يدافع عن الوطن ويحاربُ عدوا في ساحة المعركة. ولذلك يستنجد ببندقيته المعلقة على جدار البيت. تمتزج الغيرة على الحريم بالغيرة على الوطن، ومن هنا قداسة المرأة في المخيال العربي، باعتبارها اختبارا لفحولته ورجولته، كما أن الغيرة على الوطن والاستعداد للتضحية من أجله هو اختبار للكرامة واحترام الذات وتمجيدها. يستند سالم في رفضه لتزويج سهر من شداد، أن هذا الأخير كبير السنّ ولا يناسب ابنته التي لا تزال صغيرة. ولها أخت أكبر منها لم تتزوج بعد. إنّ شخصيّة شدّاد في هذه الرواية أشبه بشخصيّة "زروال" في رواية "ليون الإفريقي" لأمين معلوف. فكلاهما رجل إقطاعي، مكنته ثروته الطائلة من بناء امبراطوريّة من النساء والجواري، كما مكّنه نفوذه الاجتماعي من التزوج بأيّ امرأة تنال إعجابه، حتى وإن كانت متزوجة. إنّ كلاّ من شداد وزروال رمز للعربي الموسوم بالشبقيّة المفرطة، والطغيان وعبادة المال والنساء.
كانت العرافة قد بشرت والد سهر بأنّ ابنته ستتزوج رجلا من رجال الخليج، وستتمرّغ في فراش من ذهب، وهو في انتظار تحقق النبوءة.
في مشهد حواري، تظهر شهرزاد وهي مقبلة على سهر ومستبشرة لتقول لها: "القمر..القمر..أنت صديقة القمر. لا يعرف هؤلاء الفلاحون قدرك ولن يفهموا أبدا سرّ عطرك يا سهر"[19]. في هذا العمل التخييلي، وفي غيره أحيانا كثيرة، يبدو الريف أو الجبل على حد تعبير كاظم وشهرزاد رمزا للثقافة التقليدية والمحافظة. كانت الثقافة العربية، ثقافة الأسلاف تعتقدُ "أنّ الأماكن المقدّسة هي في أعلى المرتفعات"[20]. ومن هنا فإنّ رمزيّة الجبل في المخيال العربي والإسلامي ذات دلالة عالية. ففي القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى "والتين والزيتون وطور سينين"، ونقرأ أيضا "وجعلنا الجبال أوتادا". يحمل الجبل وظيفة ثنائيّة. الوظيفة الجيولوجيّة والوظيفة الثقافيّة" من حيث رمزيّته لثقافة الأسلاف المحافظة ولقيم العروبة والفحولة والبأس الشديد. وفي تاريخ الإسلام يحظى جبل أحد بقدسية لا يخطئها الإدراك. إنه القاعدة الخلفيّة للجماعة التي لم تتقبل الحداثة الغربيّة الوافدة للمدن العربيّة، فتتراجع باتّجاهه وتحتمي به ستمد منه العون. الجبل بعبارة وجيزة هو بؤرة لأنساق ثقافيّة شديدة التماسك والتعقيد، ويصعبُ اختراقها من طرف دعاة التحديث.
كما تبدو المدينة حاضرة للحداثة الغربية والمعاصرة. ذلك أنّ الغرب أثناء استعماره للشرق العربي تمكن من تدمير البنى الثقافية التقليدية التي لا تتناسب مع رؤيته للعالم ومع مشاريعه لأوربة العالم، وأرسى مكانها بنى ثقافيّة هجينة، لا شرقيّة ولا غربيّة، من أجل إعاقة تحديث العقل العربي. و"إنّ البلاد التي عبَرتْ عليها مرّة أنفاس الغرب، المثقلة بالفكر العلمي، والتي تركت عليها هذه الأنفاس في عبورها علامة قادرة على البقاء لا يمكن أن تعود كما كانت من قبل"[21] مهما حاول المحافظون استرجاع صورة الذات التاريخيّة.
يمكن اعتبار القمر –تلك الاستعارة التي تستحضرها شهرزاد كلما التقت سهر-رمزا للتعالي والفخار، والمجد الذي لا يُنالُ إلاّ لمستحقّيه. وتغدو سهر بموجب ذلك أكثر من فتاة عاشقة ومعشوقة؛ إنها كناية عن مصر التي تتجاذبها قوى متعددة وهويّات متنوعة ومتعارضة. إنّ كل الذين توسّلوا الزواج من سهر، ومن بينهم كاظم، إنما أرادوا لها أن تبقى حبيسة الجبل، رمز الأسلاف ورمز السكون والثبات. بينما تسعى هي، إلى الإفلات من سجن الجبل والالتحاق بالخليج، رمز المال والقوة والحداثة الغربية. إنه تسعى للتخلص من ضيق الريف وصرامة العادات والتقاليد العتيقة إلى فضاء العالم الخارجي بكل إغراءاته. ويتحوّل تبعا لهذه القراءة العصفور الذي يظللها إلى دالول من دواليل الحريّة والجمال والطبيعة الإنسانيّة المنفتحة على العالم، والمحبّة للحياة.
من الأهميّة بما كان الآن تحليل سرديّة شخصيّة روائيّة أخرى لا تقلّ أهميّة عن شخصيّة سهر في مدلولها العام الذي منه تتشكّل رؤية العالم للسيد حافظ. وردة هي تلميذة تدرس في نفس الفصل الذي تدرس فيه سهر فهي إحدى تلميذات الأستاذ كاظم. إنها متعلّقة به، وتسعى لصرفه عن سهر بكلّ ما أوتيتْ من أنوثة وشبقيّة. تفاجئه ذات مساء وهو في بينته، وتقتحم عليه خلوته، وتدعوه لمضاجعتها؛ ولكنه يقاوم رغبتها ويصدّها عن مسعاها تحت ضغط الخوف من صرامة التهديد الاجتماعي الذي تمثله ثقافة الجبل لمثل هذه الممارسات المتحررة من قيد الأعباء الأخلاقيّة. إنّ المهابة التي تتمتع بها القوانين الاجتماعية المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة، هي من القوّة والرسوخ في ذهنيّة كاظم وكل شباب الريف، بحيث أن مجرّد التفكير في اختراقها هو بمثابة انتهاك لأنساق ثقافية تضرب بجذورها في أعماق الماضي السحيق للعرب والمسلمين. ولذلك صرف كاظم وردة بكل عنف وتجاهل مشاعرها ورفض التعامل معها خارج جدران قاعات الدرس. بيد أنها لم تيأس من كسر التابوهات والممنوعات، وعزمت على فك كل العقد المحيطة بالفعل الجنسي هذا الوحش الملتهب الذي يعيق تفتح الشخصية وانطلاق الإرادة وتحقيق الذّات. ظلّت تلاحقه بكل السبل، وأشعرتْ أباها بأنها تعاني من ضعف في اللغة العربيّة وتحتاج إلى دروس خصوصيّة تحت إشراف الأستاذ كاظم، ويُدفَعُ كاظم لقبول هذا العرض تحت ضغط إدارة المدرسة. وهناك تحاول وردة بكلّ ما أوتيتْ من جرأة جرّه إلى رغباتها، متلاعبة بكلّ الأعراف الاجتماعيّة التي تكبل وعيه وتعيق الاستجابة لنداء الغرائز.
وعندما يمرض كاظم ويُنقَلُ إلى مستشفى دمشق، تسافر وردة إلى هناك بدعوى قضاء حاجيات منزلية وتزوره في المستشفى. ويُنْقَل الخبر إلى مسامع والدها، فينتقل إلى دمشق، ويقابل والد كاظم ويدعوه إلى تصحيح الخطأ من خلال قبول كاظم الزواج من وردة، أو أن شداد سيعمد إلى سلسلة من العمليات الانتقاميّة من أجل إنقاذ شرف عائلته، وفق ما تقتضيه السنن الاجتماعيةالتي يفوق ثقلها ثقل الأديان السماويّة. فإذا كان الله عزّ وجلّ يغفر الخطيئة بمجرّد الإقلاع عنها، فإن العربي لن يغفر أن يُنتَهَكَ شرف عائلته مطلقا.
لقد كانت عمليّات القتل بدافع الانتقام للشرف في الشرق العربي، أعلى معدلات الجرائم. وهذا يدل دلالة قاطعة على أنّ الشرف العائلي في الشرق يمكنه أن يحرك جيوشا أو قبائل في عمليّات احتراب بينيّة لا نهاية لها. إنّ الغيرة على الحريم في المخيال العربي ترقى إلى مستوى الغيرة على الأوطان، وأحيانا تتجاوزها في عنفها وعنفوانها. ولهذا كثيرا ما يمتزج حبّ المرأة مع حبّ الأرض في الشعر الحداثي.
2. المحمول الإيديولوجي وبنية المجتمع
تنفتح سردية فتحي رضوان خليل على زمن مسترجع، "فلاش باك"، يعود بنا إلى طفولته لما كان تلميذا، وأحلام أبيه تسعى إلى أن تصنع منه تاجرا. فنراه في مشهد طفولي، وهو المراهق الذي بدأت عيونه تنفتح على مشاهد العذارى. ثم لا يلبث أن يمر بنا إلى مرحلة الشباب المتحمّس للدّفاع عن بلده في غمرة الأحداث التي هزّتْ مصر والعالم العربي. إنها بداية الصراع العربي الإسرائيلي، ذلك الذي عرّى الأنظمة العربيّة الهشّة وكشف للرأي العام المحلي والعالمي فساد البنية السياسيّة للعرب، وعمق تناقضاتها التي لا تصمد في وجه أيّ تحدّ خارجي. إنه الصراع الذي حوّل مصر وكثير من الدول العربية إلى لعبة في أيدي الدول الكبرى.
إنها الفترة التي أحدثتْ صدمات شديدة العنف في الوعي القومي العربي، وطرحتْ كما هائلا من الأسئلة المحيّرة حول علاقة المثقف العربي بالسلطة، وعلاقته بالمجتمع الذي أنتجه وبطبقته التي تردّد إزاءها كثيرا. تلك هي أهمّ التيمات التي أخصبها هذا المشهد الروائي المتعلق بشخصيّة رضوان، بطريقة حواريّة شديدة الرمزيّة وكثيفة الدلالة لحدّ الإدهاش.
ثمّة علاقة ما بين سرديّة سهر من خلال علاقتها بكاظم، وبين السردية الثانية المتعلقة بالمحمول الإيديولوجي لشخصيّة رضوان الذي يستبطن إلى حدّ ما الخلفيّة السياسيّة للروائي السيد حافظ.
إن تجربة العشق التي غمرتْ المعلم كاظم، والتي آلت إلى طريق مسدود أنتجت وعيا شقيّا بكلّ أشكال الوجود، فيما يشبه تيار الوعي الذي أبدعه ويليام جيمس، حيث تختلط الأزمنة والأمكنة، وتتداخل الأبعاد، وتصطدم الرغبات المكبوتة. إن تقنية تيار الوعي أو المونولوج الداخلي يسمح بالاطلاع "على عالم الشخصية الداخلي؛ وهو تكنيك نابعٌ فيما يرى إيريك أورباخ من تمثيل الكاتب لما يُعدّ قبل كل شيء من إفرازات الوعي المضطرب المتقلب لدى النفس الإنسانيّة"[22]. يعيش كاظم حالة تمزق نفسي بين رغبات متناقضة، غير قابلة للتفاوض، وحالة صراع بين واقع إشكالي، لا يحقق الرضى النفسي، وبين رغبات أثيرة وملحاحة، لا تنسجم مع الشرط الاجتماعي والأخلاقي. وإنّ عجزه عن تخطي إكراهات الواقع جعله ينكفئ على نفسه، ويحيل تواصله مع المجتمع الخارجي إلى مستواه الأدنى.
نقرأ في مطلع سرديّة كاظم المعلم الذي كان يحلم بأن يصبح رجلا سياسيّا يحمل العالم على كفيه، فإذا به وسط مجتمع عدائيّ بكل فئاته وطبقاته من حاكمين ومحكومين، "مجتمع يفرز جهلا وتخلفا... الكراهيّة تنتشر.. الحقد... التدني الفكري"[23]، يرفض آخره رفضا قاطعا ويسعى إلى قتله وإنكار حقه في الاختلاف. وجد كاظم تبعا لذلك نفسه "خارج المكان"، مثل المنفيين والمهمشين، يجد نفسه يهوديّا دون وطن، يحلم بالعودة كما يحلم يهود العالم بفردوس موهوم. يتفجّر الوعي الشقيّ لكاظم فيما يشبه الذات المنهزمة والتي تلقي بظلال هزيمتها على العالم كله.
"الحكومات العربية نجحت في جعل المواطن العربي يكره وطنه وأرضه ويبحثُ عن وطن آخر له...وطن آخر..في أوروبا وأمريكا، وأنت يا كاظم واحد منهم"[24]. إنّ الأزمة العاطفيّة التي يعيشها كاظم قد أيقظتْ فيه كل مكبوتاته السياسيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة. ومن هنا فإنّ غريزة الجنس ستتحول إلى طاقة حيويّة تحرّك كلّ أشكال التفكّر والتّأمل في العالم الخارجي، محاولة بذلك إيجاد متنفّس لها خارج موضوعها المشتهى والمقموع، والذي أحاطه المجتمع بكل أشكال التحريم والتشنيع والتقبيح. فكان الموقف الراهن من الوضع السياسي في لمصر موصولا بتاريخ طويل من القمع والقهر والعنف. "إن تحويل أعداد هائلة من الناس إلى آخر وتأسيسهم متخلفين ودونيين اعتمد على ما يُسمّى عند الجان محمد مجازا مانويا يُنتج فيه تضادّ خطابي ثنائي عنيد بين الأعراق"[25]، والطبقات الاجتماعية شديدة التفاوت في درجات العيش. لم تكن الحكومات العربية منذ أن كان لها وجود إلا أحقابا من القمع. و"كل القرون التي مرّتْ على الشرقيين(....) انقضت في ظل الطغيان، ظل الحكم المطلق. (...). فقد خلف فاتحٌ فاتحا، وتلتْ سيطرةٌ سيطرة"[26]. كان مسعى الحكومات العربيّة في كل أطوارها العمل على تأبيد حكمها وقهرها لشعوبها. ولقد اصطنعتْ لنفسها كوكبة من المثقفين والخبراء السياسيين للتكفل بإيجاد المسوغات الأخلاقيّة والتاريخيّة للاستمرار في السلطة في كل الحالات. إنها بذلك "تمثل تركيبا دونيّا للطبيعة البشريّة"[27].
إنّ التشكيل الروائي الذي يعكس إشكاليّة طبقة من الطبقات أو مجتمع بأكمله في حالة فردية-ولتكن حالة كاظم في الرواية التي بين أيدينا-لهو الذي يعكسُ العالم بشكل واقعيّ. فتطابق الفردي والعام من أهمّ مقولات الجماليّة اللوكاتشيّة. "تتّسم الرواية الحديثة (....) بالانشقاق بين الإنسان والعالم...بالاستلاب..الرواية هذه الملحمة البرجوازية الحديثة تظهر الفجوة بين الفرد والعالم، وتفترض واقعا قد أصبح نثريّا"[28]وإشكاليّا إلى حدّ لا يقبل التفاوض. يعجز كاظم عن التوافق مع معطيات واقعه الريفي، ويرفض تقبل القيم التي أنتجتْ وعيه الشقيّ. كما يرفض رضوان تقبل الوضع السياسي لمصر ويرفض إيديولوجيا النظام العربي الذي لا يحسن إلا إنتاج خطابات تدجين الحقائق وتزوير التاريخ وقمع الأفواه.
وأخناتون هو الآخر لا يتقبّل واقع الشعب الذي يحكمه ويوشك أن يتمرد عليه. إن العمل الروائي يعج بالمتناقضات والمفارقات والصراع على المواقع والتزاحم بالمناكب على المصالح، كل ذلك في عالم حواري، متعدد الأصوات عالم مُهَجَّنٌ إلى حدّ الغرابة والعجائبيّة، يعتمل التاريخ والأسطورة في رحمه ويتضافران من أجل صناعة الدلالة وتشكيل المعنى البليغ.
يسرد فتحي رضوان تجربته مع أهمّ الأحداث الذي شحنتْ القرن العشرين في لغة نوعيّة أفرج عنها التداعي الحر للأفكار والانطباعات المشحونة بكثير من المرارة والسخرية والإحباط، وهي المشاعر التي غدتْ إيقاعا عامّا لخطاب المثقف العربي في أحقاب الردّة المتلاحقة.
تقدّم رضوان بدافع حبّه لوطنه وغيرته على مقدساته التي تُنتَهكُ من قبل "جيش من الضفادع" إلى الجهات المعنيّة من أجل حمل السلاح؛ فأعطوه هو والشباب المرافق له بنادق قديمة تعود إلى عهد الملك فؤاد. وهي من بقايا الجيش الإنجليزي...ثقيلة جدّا، بطيئة وغير عمليّة. وهي الأسلحة التي سيواجهون بها العدو بعتاده الجديد والمتطوّر. ولم تلبث السلطات أن سحبتْ منهم تلك البنادق بدعوى أنّ الجيش هو الذي سيتولّى الدفاع عن الوطن، في انتظار أن يتدرّب المتطوعون في المعسكرات المعدّة لهم. لقد أُعطوا هذه الأسلحة فقط من أجل امتصاص الغضب والشعور بالإحباط، ومداراة الرّأي العام المحلّي، والإيهام بأنّ الوضع رهن السيطرة، وأنّ الشّعوب العربيّة تأوي إلى زعماء ذوي بأس شديد. ولكن سرعان ما بدأت الحقائق تتعرّى وتنكشف للشاب رضوان الذي بدا له أنّ حبّ الوطن خطيئة ووهم يسكن المثقف العربي. وتمرّ في مخيلته أحداثٌ القرن العشرين الأشدّ مأساويّة، وتتداعى في شريط بانورامي شديد التركيز، وبلغة شديدة الانتقائيّة، كثيفة الدلالة على الخلفيّة الإيديولوجيّة للمثقفين العرب الذين ينظرون إلى الأوضاع بمنظار رجل الشارع العادي، ولكن بعقل متمرد على هذا الماضي الذي يسكن الوجدان العربي من دون أن تظهر عليه علامات التحول. لقد توقف العقل العربي وتحجر وتكلس، فهو ذو طبيعة جوهرانية غير قابلة للتجاوز، لأن إرادة التغيير لا تزال طفوليّة وغير ناضجة، تتعامل مع التاريخ بكثر من السطحيّة والانطباعيّة الساذجة.
"الملك حسن خان عبد الناصر، والأسد، وأبلغ إسرائيل بكلّ مواعيد الحرب وساعة الصفر. وكتبت غولدامايير رئيسة وزراء إسرائيل في مذكراتها نفس الكلام..الجيش السوري خلع سراويله وترك الجولان"[29].
إنّ خلع السروال لغة سوقيّة تدلّ على تدني مستوى الحوار بين المثقف والسلطة، وتدل أحيانا على غياب هذا الحوار. إن فعل خلع السروال هو فعل رمزيّ يومئ إلى التخلي عن الرجولة والكرامة والشرف. فإذا كان السروال يستر عورات الرجال، فإن الحكام العرب قد تخلّوا عنه ولم يروا بأسا في ذلك. فالشرف والكرامة، وعزّة النفس والغيرة على المقدّسات، والمصالح الحيويّة للشعوب، أضحت لدى حكام القرن العشرين دالاّ بدون مدلول مادامت عروشهم محفوظة ومصالحهم مصونة. أما الشعوب فهي قطعانٌ يسهل التعامل معها وإسكاتها بأدوات منوّعة وصادمة. كما أنّ مسألة الهيمنة عليها هي مسألة وقت وجيز. إنّها "الجمع بين الإكراه والقبول(....). وقد حاجج غرامشي أنّ الطبقات الحاكمة تحقق السيطرة ليس بالقوّة والإكراه فقط، بل عن طريق خلق رعايا يستسلمون بإرادتهم في كونهم محكومين"[30]. هؤلاء الرعايا هم الذين يملأن الشوارع للمطالبة بتأبيد بقاء حكامهم وجلاديهم في السلطة بدعوى أنّهم الأقوى والأجدر بالقيادة. وهؤلاء هم الذين صدّقوا النظام العربي الرسمي الذي سلمهم بنادق لمقارعة اليهود الغزاة، ثم سحبها منهم، بدعوى أن الجيوش الرسميّة ستتولى الدفاع عن القاهرة واسترجاع الأراضي المحتلّة. وهم الذين يصدقونهم اليوم في وطنيّتهم العالية جدا ويعيدون انتخابهم في كل المواعيد رغم الهزائم رغم القهر والجوع والبطالة. فكل ذلك قدرٌ لا بدّ منه.
الجيش المصري خلع سراويله، والجيش الأردني خلع سراويله، وكذلك فعل جيش إسرائيل السري أمام النازيّة، والجيش الألماني خلع سراويله أمام الجيش الأمريكي والجيش الأمريكي أمام الفيتنام، والفيتنام خلع سراويله أمام المدّ الرأسمالي العالمي. التاريخ الحديث مختَزَلٌ في خلع السراويل. فالكل منهزم أمام الكل. لا أحد منتصرٌ في عصر غياب الإنسان ذي البعد الكوني، وفي ظل غياب الفلسفات الإنسانيّة التي يحاول الغرب عولمتها بيُمْناه، بينما يسراه تعمل على تعفين الوضع العربي وتوهينه. تشعرنا الصورة عن واقعنا "بالمرارة والأسى وتدفعنا إلى النقد الذّاتي المرير، وإلى التبخيس الذّاتي، وذلك لأنّ بين الذّات الواقعيّة والذّات المثاليّة هوّة وأحاسيس الفشل والعجز والوعي بصعوبة تحقيق الصورة المثاليّة وتخطي الذّات الواقعيّة بعمق التطفيف الذّاتي والعقاب الذّاتي والاتّهام الذّاتي" [31]وما اللّغة الموظّفة لنعت الحالة الراهنة بكلّ اشكال الدونيّة إلا شكل من أشكال عقاب الذّات.
تحولت السراويل إلى راية استسلام الضعفاء للأقوياء أمام عجلة التاريخ العمياء التي تتدحرج على مرأى من الشعوب دون أن يملكوا القدرة على إيقافها، وهي تدوس أجسادهم وتطمر أحلامهم، وتطمس أوعاءهم، فلا يرون إلا طلاءها الخارجي الخادع وشكلها الفاتن.
يصل رضوان إلى لحظة الامتلاء، لحظة إدراك الحقيقة الكبرى التي يعمي عليها الإعلام العربي إلى اليوم. "إسرائيل حقيقة وليستْ وهما كما قالوا؛ هزمت ثلاثة جيوش عربيّة في ستّ ساعات: مصر وسوريا والأردن !!!"[32]. هل كان مثقفو تلك الحقبة يتلقون الحقائق ويدركونها في أوانها؟ لا شيء في التاريخ الحديث يوحي بذلك. فالعالم في النصف الثاني من القرن العشرين قسمة بين كتلة شرقيّة بزعامة الشيوعيّة العالميّة، وكتلة غربيّة بزعامة الرّأسماليّة العالميّة والتي تطورتْ إلى امبرياليّة عالمية تبتلع كل الشعوب الطفيليّة، ومن بينها شعوب الشرق العربي. فالخطابات التي كانت تعلو ولا يُعلى عليها هي خطابات القادة الذين تصدّروا واجهة تلك الأحداث، وهي خطابات النفاق السياسي وتزوير الحقائق وطمس معالم التاريخ. ومع اندلاع الحرب ضد العراق في العشريّة الأخيرة من القرن الماضي، تلك الشعرة التي قسمتْ ظهر البعير، ازدادتْ أنظمة العرب عراء وتعريّا، وازداد وجهها قبحا، وخسرتْ مزيدا من الأراضي ومزيدا من المواقع والمحافل، وغدا صوتها واهنا وضعيفا، وتجرّأتْ بعض شعوبها على التمرّد والمواجهة والمغالبة. بيد أنّ شعوبا لا تستطيعُ تنظيف شوارعها من الزبالة... ولا حتى صناعة كبريت صالح للتصدير، لهي أعجز من تغيير الحالة الراهنة باتجاه الثورة على الاستبداد والفساد السياسي.
"العربي لا يفلح إلا في مضاجعة النساء"[33]. إنها مقولة استشراقيّة تحيلنا على مقولات مؤسسة الاستشراق الكلاسيكيّة، هذه المقولات التي تحمل بذور فنائها في جوهرها. فلطالما رمز الفعل الجنسي إلى عملية الاختراق والامتلاك والاستعمار، وليستهذه حال العرب اليوم. إنها حالة الحكومات الغربية التي جثمتْ على كاهل الأمّة العربية أحقابا مديدة، وهي اليوم تجثم على العقل العربي بشكل محكم وأبدي. "ترمز الأجساد الأنثويّة إلى الأرض المفتوحة"[34]. ومن هنا فقد وُظِّفَ جسد المرأة الشرقيّة للدلالة على الأرض العربيّة المستباحة. ووُسم الرجل العربي بالهائج جنسيّا وبالشبقي والعنيف، وبالتالي يجب تخليص المرأة الشرقية منه، من خلال تخليص الأرض العربية من الذين لا يستحقونها.
"العربي ضعيفٌ في فراش الجنس،(........) ومستواه متردّ وهمجي مثل الكلاب"[35]. وإنّ ضعفه في الفراش يعكس ضعفه في ميدان القتال ومقارعة الآخر العدوّ الذي يغتصب منه خيرات بلده على مرأى مسمع منه، من خلال مساندة أنظمة رجعيّة وعميلة.
يحمل رضوان فتحي هموم وطن كبير وهموم أمة، وأحيانا يتفجّر وعيه الشقيّ تعبيرا عن هموم إنسانيّة تكشفُ عنها أحقاب تاريخيّة بالغة العنف. وأحيانا كثيرة يجرفه تيار الوعي وتتساقط منه همومه في لحظة اختراق بُعْدَيْ الزمان والمكان، فتختلط الأمكنة والتواريخ لتشكيل فضاء للمتناقضات والكوابيس. وتدفعه نكسة 67 إلى سلسلة من التداعيات الحرّة تقدّم صورة قاتمة عن تاريخ القرن العشرين، والحداثة الغربيّة وما أنتجته من خيبات وأزمات أخلاقيّة شديدة السوء. فالإسرائيليون قتلوا "آلاف الأسرى من الجيش المصري في سيناء بلا رحمة.
قتل وحرق هتلر آلاف اليهود في المحرقة.
قتل الأمريكان آلاف الآلاف في هيروشيما بقنبلة ذريّة.
قتل الفدائيون الفلسطينيون مئات اليهود.
قتل اليهود مئات وآلاف الفلسطينيين"[36].
هستيريا من العنف والعنف المضاد في مجتمعات يسودها منطق القوّة. وهو وضعٌ يؤرّقُ الطالب رضوان، ويؤرّق المثقّف العربي بشكل عامّ، لأنه يترك انطباعا بأنّ العالم مؤسس على مبدأ المتناقضات، وأنّ البنية الضديّة فيه هي تشكيل جوهراني يتعذّر تجاوزها وإحلال التوافق بين مكونات الطبيعة والمجتمعات في علاقاتها بمحيطها الداخلي وجوارها الخارجي.
يركب رضوان الترام ويستسلم لخياله وتداعياته ليتأمل في التقسيمات الطبقية المتوحشة في المجتمع المصري الحديث. "ترام الرمل غير ترام البلد...ركاب ترام البلد نجارون..حدادون..بائعو أوراق الخطّ ورق اليانصيب...عشوائيون...بقايا المجتمع. الفقراء بعضهم لا يحمل شهادة الميلاد، وبعضهم لا يحمل هويته، لا يحلمون إلا برغيف الخبز، ولا يعرفون وزيرا..ولا يعلمون من يحكم البلاد"[37]. إنّ مثل هذه الفئات المعذّبة تشكل الأغلبيّة في المجتمع المصري. الفقراء لا يحملون إلاّ هم الرغيف وملأ البطون الجائعة. لا يهمهم من يحكم البلد، ولا من يدعو لانتخابات. أوجاع الحكام وصراعاتهم ودعاويهم وأحزابهم لا تهمّهم. لقد أغناهم الفقر والبؤس عن هذه الانشغالات. فعالمهم متميّزٌ، وفضاؤهم معزول عن فضاء الفئات الحاكمة وحلفائها من أصحاب المال والنفوذ. فيهم النجارون والحدادون والوراقون والمهمشون الذين لا يحملون هويّة ولا شهادة ميلاد؛ لأن هويتهم مبتورة عن الوطن، ومصالحهم غير مصالح حكام البلد. إن أحزانهم وأوجاعهم لا تشكل أي عبء أخلاقيّ على الساسة. إنهم يتألمون بمعزل عن العالم الخارجي. ولا أحد ينتبه لأنينهم. يتجرعون بؤسهم في غفلة من الناس. "إنهم ينبعون من الأرض، يعرقون ويعانون الجوع لبضع سنوات، ثم يغوصون عائدين إلى أكوام المقابر التي لا أسماء لها، دون أن يلحظ أحدٌ أنّهم ذهبوا. حتّى القبور نفسها سرعان ما تنحلّ رجوعا للتراب"[38] أماّ الآخرون، الأقليّة المستنيرة من أصحاب المال والسلطة ف"ملابسهم ذات رائحة جميلة تشعرك بأنّك في إحدى مدن أوروبا..لهم وقار أبله..ولهم حضور جميلٌ بنساء جميلات"[39].
ولا تزال السلطة القائمة في بلاد الشرق تنتج خطابا ثقافيّا يؤبد الحدود الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية، ويخلق مبررات أخلاقيّة وتاريخيّة لبقاء السادة في مواقعهم وخلق حالة رضا وخنوع لدى المستضعفين. وتقع مسؤوليّة مقاومة رغبة السلطة على عاتق المثقفين من الطبقات الوسطى بفضل موقعهم التفاوضي الذي يؤهلهم لدور الوسيط النزيه بين "السادة" و"العبيد".
صورة قاتمة يرسمها لنا رضوان عن مجتمعه الطبقي، تدفع به إلى التفكر في مآسي الشرق وآلامه وتخلفه. فقد بدا وأنّ الاستبداد السياسي طبيعة جوهريّة في الشرقيين. إنه مكون أساسي من مكوّنات ثقافة الشرق وسلوك طبيعي يسم حياتهم الفرديّة والجماعيّة. بيد أنّ هذه التصنيفات ذات التعيين الجوهراني تدفع إلى استحضار الأحكام العنصراويّة للمستشرقين الأسوأ سمعة في تاريخ الاستشراق الغربي الحديث. فمقولة أفلاطون أنّ الناس "مهيّئين أن يكونوا عبيدا لأن الطبيعة تميل للتفرقة بين الأعلى والأدنى موجودة في جميع الأشياء؛ نجد بعض الناس بطبيعتهم سادة وبعضهم بطبيعتهم عبيد"[40]. الطبيعة، تلك القوة الميتافيزيقية العمياء هي التي تصنف البشر إلى سادة وعبيد وهي التي توزع بينهم الفضائل والرذائل على أساس أعراقهم وتشكيلاتهم الثقافيّة التي تتخلّق، وهي في حالة تطور متلاحق، أو في حالة سكون قاتل. انطلاقا من هذا المنظور الغيبي، نجد أنه لا السادة ولا العبيد اختاروا موقعهم الطبقي، وعلى الكل أن يتهيئوا للاضطلاع بما هيّأتهم له الطبيعة العمياء التي وضعتْ حدودا ابستيمولوجيةوأونطولوجيّة بين السادة والعبيد. هذه الحدود من شأنها أن تؤبّد الصورة النمطيّة للمتطور/الهمجي، والراقي/البدائي، والفوقي/الدوني، وسليم التفكير/شاذّ التفكير. ويقع كل ما سبق داخل ثنائيّة كبرى تضع الذّات في مقابل الآخر، ضمن المجتمع الواحد الذي يتنفّس ثقافة واحدة، هي الثقافة الطبقيّة التي أنتجتها ولا تزال تنتجها قيمٌ سياسيّة عنصريّة.
"إنّ بناء الهويّة يتطلب بناء ما يتعارض معها، وبناء الآخرين، وهم في الحقيقة بناءٌ دائم للتفسير وإعادة التفسير المستمرين للاختلافات التي تميزهم"[41] عن بعضهم البعض. فللسادة فضاؤهم الاجتماعي، ووسائلهم للتنقل، وطرائق تزجيتهم للوقت ونمط لباسهم وعاداتهم الغذائيّة، وللعبيد سبل كفاحهم للعيش، ولغتهم للتخاطب فيما بينهم. وأحاديثهم تتميز عن أحاديث الآخرين وهزلهم وجدهم ليس كغيرهم. فضاؤهم الاجتماعي مُسَيَّجٌ، يخضع لحدود ومحاذير لا يخطئها الإدراك.
ينتقل بنا رضوان في تداعياته الحرة إلى صورة أخرى هي أقرب إلى الرسوم الكاريكاتوريّة التي نحتتها مدونات المستشرقين الغربيين عن الاستبداد الشرقي باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الحياة الشرقية. ثمّ إنه يجلي استيهاماته من خلال موقف حلمي شديد الرهابيّة. يستنطق رضوان التاريخ من خلال كابوس عايشه في لحظة نوم، إذْ ظهر أمامه السلطان سليم وعلى ثيابه آثار دم الفقراء والمساكين ودم "المماليك الأبرياء والنساء والرجال والأطفال. دم الفلاحين الطيبين في هذه الأرض..دم الإنسان الضعيف..هكذا يباح للأقوياء قتل الضعفاء..يا عصورا فوضويّة..يا مهزلة البشر..يا عصورا بربرية"[42]. بهذه التقنية العجائبيّة يستنطق رضوان تاريخ الشرق الملوّث بدماء المعذّبين في الأرض في ظلّ الاستبداد الشرقي. وسرعان ما يتفجّر وعيه بمعاناة النّاس في كل بقاع الأرض، حيثُ تزهقُ أرواح أطفال، وحيث تُغتال الأمومة وتنتهك كرامة الإنسان بكل أبعاده. "دوى في الحال صراخ آلاف القنابل..صراخ طفل يموت تحت أنقاض منزل يستغيث بانه الصراخ..لا يعرف الكلمات ..يستغيث بأنه جريحٌ بينما أمّه قد سقطتْ بلا أنفاس مشوهة، عليها تراكم التراب والحجارة"[43]. صورة تمثيليّة رهابيّة تختزل وحشيّة الحداثة الغربيّة ومفارقاتها العجيبة. ففي الوقت الذي كان فلاسفة الغرب يؤسسون لمذاهبهم الإنسانويّة والطوباويّة كانت الحكومات الغربية تبيد الشعوب كما تباد الأعشاب الطفيليّة. دمار في أوروبا، دمار في الفيتنام، دمار في مستعمرات الغرب في عصر الكولونياليّات، دمار وخراب حيثما مرّ الغرب وألقى بأنفاسه السامّة، تاركا وراء ظهره خلفيّته المسيحيّة وإنسانويّته التي لا تتجاوز السطح، واضعا تحت أقدامه آخريّة أغياره. "إن هذه الإنسانويّة الغربيّة الضيّقة الأفق، والناتجة عن خليط غير موفق للمسيحيّة (وحدة الجنس البشري)، وللديكارتيّة (الإنسان في قمّة الطبيعة) هي المسؤولة عن كل المصائب التي حلتْ بالعالم منذ مائة وخمسين عاما. كل المآسي التي عشناها مع الاستعمار في البداية، ثمّ مع الفاشيّة، وأخيرا مع معسكرات الإبادة، لا تندرج ضمن معارضة أو معاكسة للإنسانويّة المزعومة، بالشكل الذي تمارسه بها منذ عدّة قرون، وإنما قد أقول ضمن امتدادها الطبيعي تقريبا"[44]. إنّ مآسي مصر، ومآسي العالم العربي كلّه، لا يمكن التفكير فيها بمعزل عن المصائر التاريخية للامبرياليّة الغربية وعقابيلها التي لا تخطئ أهدافها. وإن فتحي رضوان عندما يفكّر في مأساة بلده ووحشيّة الوضع الطبقي الذي تعيشه مصر، إنما يفعل ذلك في إطار تفكير جدلي بين الداخل والخارج. فالامبرياليّة التي لا تغيب عنها أي زاوية من زوايا الكرة الأرضيّة تترك بصماتها على أكثر التفاصيل خفاء ودقّة في الحياة اليوميّة لرجل الشارع الذي يفد على عالمنا بصمت ويغادره بصمت، ودون سابق إنذار.
خاتمة:
في نهاية هذا المقال، الذي أقرّ أنه لم يسيطر بالشكل المشتهى على تيمات الرواية ذات الخصوبة العالية بسبب كثرة الالتزامات الجامعيّة، أرى أنه من الضروري تركيز نتائج البحث المتوصل إليها بشكل موجز ودقيق التحديد. فإذا كانت الرواية لا تصفُ الواقع إلاّ من منظور إيديولوجي شديد التخفّي في طبقات اللغة السفلى، فإنه بالإمكان الحديث عن عالم روائي هو ملتقى لكمّ هائل من المتناقضات والرغبات والصراعات الاجتماعية والفكريّة، بين فئات مجتمعيّة ذات مصالح طبقيّة متعارضة. إن الواقع الإنساني يُبنى ويفكّك بشكل مستمرّ. وإنّ أي شيء شبيه أو بناء شبيه بالماهية الثابتة يظل دائما محلّ تشكيك ونقض
في المجتمعات البشريّة توجد قوى تعمل في الوقت نفسه في اتجاهين متعارضين. قوى تنمو نحو الحفاظ على الخصائص الذاتيّة وتعزيزها، وحمايتها من الذوبان، وقوى تعمل على الالتقاء مع الآخر المختلف، والتفاعل معه، وذلك يسمح لعمليّة التغيير بالحلول التدريجي محلّ الثبات. فتفقد العناصر الثقافيّة القديمة قداستها وتشهد المجتمعات والثقافات نقلات عميقة أو سطحية في بناها، بحسب درجة التحول ومستواه.
إن فتحي رضوان ومن خلال موقعه الطبقي، ووعيه الحداثي والثوري يسعى إلى نقض خطاب السلطة السياسية التبريري، وتفكيك أساطيره وحيله للالتفاف على مصالح الشعب المغيبة. إنه يكشف من خلال نقد إيديولوجيا السلطة الكم الهائل من التزوير الذي يتعرض له تاريخ مصر الحديث، ومن ثم تاريخ العرب الذي اُختُزِلَ في سلسلة من الهزائم والخيبات المتلاحقة، بدءا من نكبة 67، ومرورا بحرب الخليج الثانية ولحاقا بالعلاقات السرية والعلنية بالكيان الإسرائيلي، وما تبعها مما سُمّي زورا الربيع العربي.
من ناحية أخرى، وبخصوص صورة المرأة في الرواية، ورغم أنّ لغة السيد حافظ تميل إلى الرومنسيّة المكثفة، فيمكن رصد اتجاهين أساسيين ومتعارضين لتمثيل موضوعة الجنوسة العربيّة. فالجبل بكل رمزيّته وثقله الدلالي لم يتمكن من إيقاف مساعي اجتماعية محمومة ولكن خفيّة لتغيير أوضاع المرأة والموقف منها. إنها لم تعد صامتة، ومستكينة، في انتظار تمثيلها من طرف آخرها، بل أصبحت تملك جهازا مفاهيميا يمكنها من النطق برغباتها والتصريح بغرائزها، واكتساب معركتها من أجل شروط وجود أفضل من الماضي. تلك هي إرساليّة ناهد حجازي وفيفيان ووردة التي تجرّأت على ثقافة جماعتها، وخاضتْ معركتها بذكائها الأنثوي وكسبتْها في نهاية المطاف. ولقد كانت شهرزاد بثقلها التاريخي ورمزيّتها الحكائية تمثل صورة المرأة في التراث الشعبي، حيث تختلط الأسطورة بالحقيقة والواقع بالوهم، وحيث تحظى العادات والتقاليد بقداسة الأديان.
سيرة علميّة
الدكتور بوخالفة إبراهيم من مواليد 1960 بجمهورية تونس
· متحصل على شهادة الباكالوريا بها، وعلى الليسانس من جامعة الجزائر.
· متحصل على درجة الماجستير في الأدب العربي في النقد الثقافي
· متحصل على الدكتوراه في نفس التخصص في جامعة الجزائر
· أستاذ الأدب المقارن والنقد الثقافي بالمركز الجامعي بتيبازة
· له كتابان في النقد الثقافي: صورة العثمانيين في روايات أمين معلوف
· الآخرية في الرواية الفرونكفونيّة.
· له عدة مقالات بمجلات دولية ووطنية محكمة في مجال النقد الأدبي والنقد الثقافي.
· يشتغل حاليّا حول روايات الكاتب المصري السيد حافظ.
· وحول روايات الكاتب الجزائري عز الدين جلاوجي.
[1]- بيار زيما، النقد الاجتماعي، ص 112.
[2]- بيار زيما، النقد الاجتماعي، ص 52-53.
[3]- السيد حافظ، قهوة سادة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012. 268-269.
[4]- د. عبد الرحمان وعلي، مرجع مذكور، ص 153.
[5]- الرواية ص 269.
[6]- د.عبد الرحمان بوعلي، مرجع مذكور، ص 168.
[7]- نفس المصدر، ص 359.
[8]- الرواية، ص 15.
[9]- المصدر نفسه، ص نفسها.
[10]- الرواية، ص 17.
[11]- الرواية، ص 17.
[12]- الرواية ص 18.
[13]- الرواية ص 18.
[14]- المصدر نفسه، ص 19.
[15]- المصدر نفسه، ص 19.
[16] - مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص77.
[17]- الرواية، ص 81.
[18]- المصدر نفسه، ص 115.
[19]- الرواية، ص 151.
[20]- د. خليل أحمد خليل، مضمون الأسطورة في الفكر العربي، دار الطليعة-بيروت. الطبعة الثالثة (بدون سنة). ص56.
[21]- الاستشراق، إدوارد سعيد، ترجمة كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت. ص 223.
[22]- إبراهيم خليل، بنية النص الروائي، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة، الطبعة الأولى 2010. ص 177-178.
[23]- الرواية ص 29.
[24]- الرواية؟ ص 29.
[25]- آنيا لومبا، نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ص 69.
[26]- سعيد إدوارد، الاستشراق، ترجمة كمال أبوديب، دار الآداب. لبنان ص 67-68.
[27]- المرجع نفسه، ص 101.
[28]- بيار زيما، النقد الاجتماي، ص 144.
[29]- الرواية ص 44.
[30]- آنيا لومبا، مرجع مذكر، ص 42.
[31]- د. علي زيعور، قطاع البطولة والنرجسيّة في الذّات العربيّة، دار الطليعة بيروت. الطبعة الأولى 1982. ص21.
[32]- المصدر نفسه، ص 45.
[33]- الرواية، ص 45.
[34]- آنيا لومبا، مرجع سابق، ص 158.
[35]- المصدر نفسه، ص 46.
[36]- الرواية، ص 45-46.
[37]- المصدر نفسه، ص 48-49.
[38]- سعيد إدوارد، الاستشراق، ترجمة كمال أبو ديبن. دار الآداب لبنان, ص 257.
[39]- الرواية، ص 48-49.
[40]- نفس المصدر، ص 78-79.
[41]- شيلي واليا، ترجمة أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، مطبوعات أزمنة، عمان الأردن، الطبعة العربية الأولى 2007. ص 56.
[42]- الرواية، ص 59.
[43]- الرواية ص62.
[44]- تزيفيتانتودوروف، نحن والآخرون، ترجمة ربى حمود، دار المدى دمشق. طالأولى 2010. ص 86.
ابراهيم بوخالفة
سيرة علميّة
الدكتور بوخالفة إبراهيم من مواليد 1960 بجمهورية تونس
متحصل على شهادة الباكالوريا بها، وعلى الليسانس من جامعة الجزائر
متحصل على درجة الماجستير في الأدب العربي في النقد الثقافي
متحصل على الدكتوراه في نفس التخصص في جامعة الجزائر
أستاذ الأدب المقارن والنقد الثقافي بالمركز الجامعي بتيبازة
له كتابان في النقد الثقافي:
1 - صورة العثمانيين في روايات أمين معلوف.
2 - الآخرية في الرواية الفرونكفونيّة.
له عدة مقالات بمجلات دولية ووطنية محكمة في مجال النقد الأدبي والنقد الثقافي.
يشتغل حاليّا حول روايات الكاتب المصري السيد حافظ
وحول روايات الكاتب الجزائري عز الدين جلاوجي
0 التعليقات:
إرسال تعليق