Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 23 سبتمبر 2021

133رؤية لرواية ليالي دبي .. شاي بالياسمين للمبدع السيد حافظ فهمي إبراهيم

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

( 133 )

 

رؤية لرواية "ليالي دبي .. شاي بالياسمين" للمبدع السيد حافظ
فهمي إبراهيم

دراسة من كتاب

التشظى وتداخل الأجناس الأدبية

فى الرواية العربية

" الجزء الثانى "

إعداد وتقديم

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 


 

 

رؤية لرواية "ليالي دبي .. شاي بالياسمين" للمبدع السيد حافظ ([1])
فهمي إبراهيم(
[2])

حينما نتناول دراسة عن رواية " ليالي دبي – شاي بالياسمين" ([3]) لابد لنا أن نمر ولو سريعا علي روايات السيد حافظ السابقة " نسكافيه " ([4]) و" قهوة سادة " ([5])و" كابتشينو " ([6])

لأن السيد حافظ ليس كاتبا عاديا .. وإنما هو صاحب مشروع ثقافي حاول أن يصل فيه إلي معادلة تحقق التوازن بين الروح والجسد , حينما يسمو العقل البشري , ويفرد أشرعةَ إصراره محاولا الوصول إلي مرحلة الإبداع , ربما يحط علي ساحلٍ يلمح فيه سرَّ هذه المعادلة التي تحقق التوازن بينهما , أو تصحيح كتابة التاريخ وبناء البشر .. والقيم الجميلة .. وهو ما حاول السيد حافظ أن يصل إليه في هذه الروايات .

لذلك خصص هذه الروايات المتكاملة المتسلسلة التي تبين تقمص الروح حينما تحل بالجسد, فنسج لنا ضفيرة من خطين, هما خط الروح بسموها ورقيها , وما أودعه الله فيها من أسرار, وخط الجسد بكل صراعاته وما يرتكبه من آثام, تجدلهما رؤى وأطياف العقل البشري , لنقف في النهاية أمام الخالق نفك جدائل ما اقترفته أيدينا, ونـدفعُ فواتير أعمالنا التي ارتكبها الجسد في حق الروح حينما يتدخل العقل سواء بالسلب أو الإيجاب , ورسم لنا باحتراف شخصيات رواياته بكل عناصر خطوطها المتكاملة المتناسقة البناء , و التي تحقق التسلسل الدرامي للحدث , والتي تخدم فكرته التي يحاول أن يصل بها إلي هذا التوازن .. بما تقترفه هذه الشخصيات من أفعال وما ينشأ عنها من مفارقات , تخدم آليات السرد بكل عناصره , من حوار وصراع وغوص في قلب الحدث والاقتراب من خطوط الدهشة والإعجاب أو الرفض لهذه الشخصيات , أو التعاطف معها , ربما أثرت هذه الشخصيات سلبا أو إيجابا في نفس القارئ , فيحاول تعديل سلوكه إلي الأفضل وهذه غاية ما يتمني أن يصل إليها الكاتب و قد لا يدركها

ففي الرواية الأولي "نسكافيه" كانت بدايات الشخصيات المحورية التي امتدت حتى الرواية الرابعة " ليالي دبي – شاي بالياسمين " .

 شخصية "سهر " التي لا يشغلها إلا عصفورها الذي يتبعها أينما ذهبت , وحكاية روحها الممتدة الوارفة التي تمد غطاء سحرها علي كل ما ومن حولها , فهي لا تضع عطرا .. بل هي رائحة من السماء في جسدها , ولها مع كل شخصية حكاية عشق جديدة يعشقها كل من يقع في مجال مغناطيسيتها , لها عصفور ملازم لها يطير فوقها كأنه حارسها ([7])

و سخصية "كاظم" معلم اللغة العربية في مدرسه " سَهَـرْ" صاحب العشق الخفي أو العاشق الهارب , الأشقر الوسيم ذو الثلاثين عاما , الذي دائما ما يحاول الهروب لكنه متردد , والذي كان يحلم بأن يكون سياسيا فصار معلما , هذه الشخصية تمتعنا بالمفارقة الرائعة في ازدواجية هذه الشخصية بين المعلم والسياسي , والذي حلم أن يعيش في مصر وتكون سهر معه , يدور في فـَـلـك عشقـِه الخاص متضادا مع فلك شخصية الجبل وسلوكيات أهله , شخصية يتجلى صراعها الداخلي لشخصيته المذعورة بهواجسها , وتردده في مواقفه المتخاذلة التي تخلق مفارقات رائعة تثير الضحك أكثر مما تثير الشفقة .. فبدلا من أن يصبح صحفيا ينشر في الصحف يشعر أحيانا أن خبر قتله هو الذي سينشر في الصحف وعلي مدي هذا المشروع الثقافي الرباعي الدفع , تتجلى المفارقة في كل رواية من الروايات الأربعة بين شخصيته المترددة , في أنه لم يلمس امرأة في حياته من قبل , وبين شخصية "وردة " المقتحمة الواثقة التي تفعل ما تريد وتقتحم الرجل وتستخدم أسلحة الأنثى الجبارة , لتفترس حصاره وتوقعه في براثن انوثتها المستأسدة .

إن التطور الدرامي لشخصية " كاظم " , يتناسب مع سلوكها في المواقف المتعددة بكل أبعادها المترددة , في حين أن شخصية "وردة " بكل أسلحتها التي تجندل الرجال , تقلب له حياته المقلوبة أصلا , إن ارتباك شخصيته المترددة , يجعله يحاول الهروب دائما ؛ عندما يواجه واقعه , و ينعكس ذلك علي سلوكياته التي تتميز بهروبه , من المواقف الصعبة الخارجية , واختلاقه المبررات .

شخصية كاظم أجاد الكاتب تصويرها بكل أبعادها ببراعة ودقة خدمت تطور الحدث بدءا من رواية نسكافيه حتي رواية " ليالي دبي – شاي بالياسمين ", وحققت واقعية الشخصية في كل مراحل تطورها , فجعلتها متعة حقيقية, يتعلم منها الشباب صور ومراحل العشق , ولكن ليس بمثل شخصية كاظم ([8]) وشخصية "فتحي رضوان"

شخصية ملحمية ثرية عاشقة متعددة الأبعاد والأعماق ممتعة بحضورها , وقوة تأثيرها علي بقية الشخصيات , ورغم ما بهذه الشخصية من تناقض يبرز المفارقة , إلا أنها ممتدة علي مدي الروايات الاربعة , بدء من "نسكافيه" و "قهوة سادة" و "كابتشينو" إلي " ليالي دبي – شاي بالياسمين" وتفاعلها ورد فعلها , فهي أيضا تحمل لك قطوفا من معلومات عامة , جاءت في سياق الأحداث وفي أماكنها وتواريخها بأرقامها وتفاصيلها , وتصعد بك دراميا في تطور أحداث كل رواية علي حده , إنها سخصية فتحي رضوان الإنسان.. حلم تحرير الأمة من التخلف, وثورة المطر , مصري الملامح .. عربي التفكير.. عالمي الإحساس بالجمال, بطل الفتوحات والأساطير , فتحي رضوان نموذج لملايين الشباب العربي , والمصري , الضائع ,الذي تطير أحلامهم في السماء كل صباح , وترحل في المساء مع السفن المهاجرة إلي أمريكا , والغرب , ضحية الزمان والمكان. ([9])

وشخصية العرافة " شهر زاد " بكل ما تحمله هذه الشخصية الأسطورية, التي وظفها الكاتب لتكون الرواي وضابط الإيقاع في هذه التحويجات الروائية.

أما أول روح لـ " سَهَـرْ" تظهر في الرواية الثانية " قهوه سادة" وتبدأ الروح في تقمصها للجسد وتحل في " أجمل بنات طيبة (عاصمة مصر القديمة) في عصر إخناتون فرعون مصر وهي شخصية (نِـفَـرْ) عشيقة القمر .. وأحلى بنات هذا الزمن , عندما كانت تقترب من أى بائع يصاب بالهلع .. لقد شم عطرا لم يشمه من قبل إنه عطر (نِـفَـرْ).. , ست الحسن والعطر والمطر , والحضور والجمال .

 وأما الروح الثانية لـ " سَهَـرْ" تظهر في الرواية الثالثة "كابتشينو " .. وتحل في شخصية " نور " المصرية العبرانية الجميلة التي لا يشغلُها إلا برق حصان حبيبها (مُحِب) الضابط الذي يعمل مع فرعون , عدو أهلها , ولكن القلب وما يعشق .. وللعشق أسباب أخري.

وأما الروح الثالثة لـ " سَهَـرْ" تظهر في الرواية الرابعة " ليالي دبي – شاي بالياسمين ".. والتي نحن الآن بصدد الإبحار في فـَـلَـكِها تحملـُـنا في فـُـلـْـكِها الذي صنع من أطاييب الخليج وزعفرانه , وبكل فاكهة النيل بنضارتها وطزاجتها , لتحل هذه الروح في شخصية " شمس " وكلبها الذى يتبعها أينما ذهبت كأنه حارسها الخاص , و التي كان أبوها يعمل ( رئيس الزبالين ) فى دمشق وكان ينظر إلى شمس على أنها وردة من السماء له , وأنها ستتزوج من ملك أو أمير .. وسوف تعيش خارج الشام , شمس ولدت فى نفس عام 985 ميلادية .. وهو نفس العام الذى ولد فيه المنصور بن العزيز .. أبو على , والمشهور باسم ولقب الحاكم بأمر الله , وشمس .. قصيدة حروفها .. أنوثة طازجة بكرية .. لها طعم المانجو وأحيانا الفراولة وأحيانا النعناع .. ففى لحظة لها رائحة ياسمين , وفى لحظة ورد بلدى .. وفي لحظة ريحان .. ففى كل خطوة ولحظة , يصدر منها رائحة زهرة مختلفة عن الأخرى .. مذ ولدت وفاحت فى البيت رائحة زهور الفاكهة ..

كان الأهالى فى دمشق يقولون فيما بينهم كيف تكون بنت ملك الزبالين ووسط الرائحة الكريهة النتنة .. رائحتها ورد جميل بين الياسمين والجورى والفل والريحان .. سبحانه من خلق السحر .

وعندما ندلف الي عتبات رواية " ليالي دبي – شاي بالياسمين " وتبهرنا عتبة غلافها الرائع بريشة وتصميم الفنان العراقي الكبير محمد الحسناوي , ليصعد بنا إلي عتبة الإهداء بعد أن قدم الشكر إلى أروع جيل من المجانين أنجبته مصر من 7 آلاف سنة , جيل ثورة 25 يناير

و يكشف لنا عن هدفه من هذه الرواية , و هو تصحيح كتابة التاريخ وبناء البشر.. والقيم الجميلة.. وليس ضياع الأمة فى تاريخ أغلبه مزور متوارث.

الرواية

تقع الرواية في ( 462 ) صفحة من إصدار مكتبة أكمل للطباعة والنشر, حجم كبير.

بداية رواية " ليالي دبي – شاي بالياسمين ".. فرح , زفاف .. استحمام بالعطر .. تنفس بالنور .. احلي وأغلي وأجمل الثياب .. عطور .. زغاريد .. أغاني ورقص .. انها مظاهر فرح ليلة العمر .

الأبطال عروسان " فتحي رضوان " و " تهاني " .

الأماكن ثرية الدفء .. عامرة بالعديد من الغرف رغم الزحام .

الزمان تتداخل فيه شعيراتُ طيفية ممزوجة بسحر الخليج وخفة روح المصريين , التي يضفرها لنا الكاتب ضفيرة ضفيرة .. ويصبغها بلون الشاي ورائحة الياسمين , ربما اتنتعش القلب وهدأت الأعصاب .

في هذه الرواية تتجول آلات تصوير الكاتب الفائقة الحساسية , لتسجل رؤيته الفاحصة لواقعنا , وتتعمق إلي الداخل لتلقي أشعة كاشفة عن العمق الجوَّاني للإنسان ومشاعره الداخلية , وما بين سماء تحليقه , وأرض واقعه , يبين لنا عمق ألوانه لون لونا .. أو يمزجها فتبدوا حادة الملامح حينا .. وصافية الرؤيا أحيانا , شديدة الفرح أحيانا .. أو تتردد بين الخوف ,والرغبة.. قد يتركك قليلا , ويخرج بالكاميرا من غُـرَفـِه المتعددة , الكثيرة الدفء والتواضع , ويعود ليرسم بريشته الساحرة كيف تكون لحظة الوصول وعذابات المجيء إلي بداية الرواية " الإمارات " وما تم فيها ..

وبمزاج الراوي الصوفي يبدأ بك لحظة التطهر , فتري " تهاني " وقد تطهرت صوما ثلاثة أيام , كفارة َيمينٍ كَـِذب ..

البداية فرح , وتطهر وصلاة , يجب أن نتأملهما قليلا .

وعندما يأتي لنا الشيخ السيد حافظ .. ملك السحر والعطر .., ليقدم لنا هذه المرة من تحويجاته الصوفية رائعته الرابعة الجديدة فنجانا من "شاي بالياسمين", ويتطرق بك إلي الحكايات شديدة الخصوصية في ليلة العمر , التي أطال فيها وأسهب , وكأنه يقول لنا تعلموا أيها البشر , ثم يعود بنا إلي خصوصيته أثناء الكتابة .. (" كلمة علي الورق .. وكلمه علي الخد ") , إلي خصوصية سرده وتناوله لأحداث الرواية , التي يمتزج فيها زمن السرد بزمن الحدث الجاري أمامه , فيوقف زمن السرد وينشيءُ زمنا جديدا خاصا به بعيدا عن زمن الرواية ,ليقدم لنا الكاتب رؤيته من خلال فنجان من شايه الذي هو برائحة الياسمين المنعش للخيال , وهنا يقف الكاتب علي عتبات لهفتك لإكمال حكايته الصوفية , ليمطرك برصاصات واقع قد ترفضه أحيانا أو يحاول إصلاحة معك بعد أن ينقله إليك بتواريخه .. وتضارب أخباره وأحداثه , حتى لا تبتعد عن هذا الواقع لتشعر بفارق المقارنة , وهنا يتركك تصارع أفكار خيالك وواقعك , أنه يربط بين واقعك الحقيقي بأحداثه الحية وواقعه الصوفي الحالم , الذي يفرِّغ شحنةَ غضبـِـك أو يزيدها اشتعالا , وربما أحس أنه سيصدمك حين تفيق من متعة الإحساس بعالمه الصوفي , مستغرقا في أحداثه منتشيا من حكاياته الصوفية , فينتقل بك إلي واقعك مرتطما بشدة قسوته , لتلجأ مستغيثا بحكاياته الصوفية الممتعة .. فالشيخ الصوفي عازف الربابة يطلق من مبخرتـِه خبرتـَـه وحدسه .. وعلمه بسير الأحداث العامة , ورؤيته كعاشق مخضرم يعرف شئون النساء الخاصة , ويقرأ طالع الحوارات بينهن , و يبين لهن زين الكلمات وطرقات الوصول , ويعلمهن فنون العشق والوله فعنده ("النساء عصافير رقيقة .. وأجنحة مكسوة بالحنان. ")([10])

انه خبير بزراعة الاطمئنان في قلب المرأة وعقلها , إنه يلقي إليك بمقارنات صغري من تحويجاته الصوفية , وكأنه يوزع عليك قطعا من الحلوي , يلفها بحواره الشيق وأسلوبه العذب , في ترنيمات منولوجيه داخلية قصيرة ومركزة  : ( " حين أسمع صوتـَك ينادينى .. يتلاشى أمامى قبحُ العالم الذى أحيا فيه .. لأنك مسكُ النساء  " ) ([11])

يحكي لنا الكاتب عن ثلاث ليال اثنتان من العجاف , التي ترك سنابلها مطوية علي نفسها , مليئة بالشغف والتحمل .

والثالثة من الحسان , عصر فيها وشرب .. وانتشي ونشط , فيأخذك الي مقهاه ذات الطقوس العربية الخليجية , ويجلسك مبهورا ومستمتعا بمذاق فنجان من شاي بالياسمين , ويفرش لك بساط سحره وعطره, ليرفعك محلقا في سماء روايته ممسكا بخيوطها السحرية , مار بك علي أحداث ثلاثة أيام بلياليها , تري الواقع واضحا جليا , ويسحب عليك غطاء الحلم , في همس خفي فتغفو في حضن أفكاره , مستدفئا بحنان وعذوبة حكاياته.إن أحلامه ليست فقط تفسيرا لواقعٍ مرَّ أوانـُـه وفات , وإنما استكشافا ورؤيةً جديدةً له : إنه يحلم بعبد الناصر في المنام , يجيئُـهُ كلَّ ليلة , ويخـْـبـرُهُ بالحقيقة , وكأنه يقول إن الحقيقة واضحة ولكننا نيام .

وحين جاء يوم الفتح , يفتح الكاتب لك نوافذه , لتطل منها علي رؤيته ورؤاه , ويفتح عليك أسلحة إبداعاته , رصاصات من أفكاره الكاشفة لكل مواطن التضاد , ومساحات المقارنات , ويتركك في مواجهة رياح التساؤل مبهورا بشقاوة أسلوبه الشيق , مضغوطا في زاوية التضاد الحادة , بين ضلعين غير متساويين , مما يسبب لك توترا خفيا , قد يكشفك ويعريك أمام نفسك , وقد يترك لك سؤالا بريئا , قد تكون إجابته مؤلمة , أو يضعك مشدوها .. بين طرفي معادلة , قد لا تكون متكافئة الطرفين , وبالتالي لابد من عامل محفِّـز حتي ينتج لنا واقع جديد . أو يضعك بين فكي التساؤل , وربما كانت الإجابة واضحة ومؤلمة.

 وحين يفتح عليك نافذة العطر , تُـسْحر الأجواء بعطر خرافي غالي الثمن , يشعرك بالأصالة التي يجب أن تتحلي بها الأشياء , ويشعرك بقيمة النقاء حتي تتفاعل العناصر الداخلة فيه , بنقائها وقيمتها وغلو ثمنها , ( " انا لا أحب العطور الرخيصة , المجهولة المصدر.. هكذا أحبُّ أن أعطى من أحبُّ عطرًا غاليَ الثمن ..) ([12])

إن كيمياء السرد عند الكاتب , تشعرك بانبعاث حرارة التفاعل , لأنه تفاعل طارد للإحباط والاستسلام , لأنه غالبا ما يعتمد علي معادلة موزونة الطرفين , إن كيمياء السردإ لاالا ليحدث التفاعل دون عامل مساعد , وربما قد يؤدي إلي انفجار لا تدري نواتجه .. وحين يهدأ تفاعله فانه يعيدنا مرة أخري لأحداث الرواية وهنا تظهر الروح المتمردة عند السيد حافظ , والتي عندما تهدأ تشعرك بمدي تحمل هذه العذابات التي لا تطاق.

إن " ليالي دبي – شاي بالياسمين " رواية رؤيا .. تصاعدية الترنيمات , سريعة الايقاع , متماوجة الرتم, متزنة الرقصات , سلسة الانتقال من مقام إلي آخر , لا تشعر بالملل أو الخجل وهو يعري أمامنا , كل ما في نفوسنا وممارساتنا , ويسقطها علي واقع نعيشه بكل ما فيه من تقلبات وتطلعات , وما نعاني فيه من إحباطات .

فقد كان يظن أن بلاده جميلة ولكن بعض الظن إثم , وكان على شفا عشقها لولا برهان ربه فعاد إلى كهفه ونام سنين عددًا

إن هذه الطاقة السلبية لم تتراكم وتطفو علي السطح من فراغ , وإنما هي من صنع من كان بيديهم أن يجعلوا الحياةَ أكثر إيجابية وازدهارا .

وحينما نتعرض لشخصية قسام التراب ملك الزبالين , تتجلى هذه الشخصية , بكل ماتحمله من مفارقات واسقاطات علي واقع ملئ بمثل هذه الشخصيات التي قد تعيش بيننا , فقد قام الخوارج بتدعيم قسام التراب " الزبال " فى الشام للقيام بثورة ضد العزيز بالله الفاطمي فأعلن العصيان عليه , وأصبحت الشام في غليان وأصبح قسام التراب اسم يتردد فى الأركان , وتورط قسام فى المعركة مع الفاطميين , (ومابين عشية وضحاها أصبح قسام التراب سلطاناً وأمير البلاد.. )وبعد معركة شرسة بين رجال قسام " الزبالين " ورجال العزيز الفاطمي اتنهت بانتصار رجال قسام. (ومابين عشية وضحاها أصبح قسام التراب سلطاناً وأمير البلاد.. )

(ومابين عشية وضحاها أصبح قسام التراب سلطاناً وأمير البلاد.. ) ([13])

واختار قسام التراب أن يكون علم دولته (المكنسة والقفة) ليكون رمزا للنظافة والعمل وتطهير البلد من رجس ما أحل بها من كل أشكال العطانة والفساد وحكم الفاطميين

وحاول الرومان إغراءَه , بأن يساعدوه , كي يهزمَ العزيز الفاطمي والخليفة العباسي وملك القرامطة، ويصبح إمبراطورَ الدولة العباسية الكبرى فكان رده : (أنو أبقى زبال فى اي مكان عند أي حاكم عربي حتى وإن كان الوالي متولي أحسن لي من أنو أصير إمبراطور تحت سيف روماني يقتل أهلي وإخواني ) هذه الشخصية التي تتميز الصبر والشجاعة وتؤثر التقشف والعمل , تعطي للرواية بعدا جديدا في كيفية رسم الشخصية بهذه الابعاد ,التي تطبخ لنا وتسبك عمل الخلطة الدرامية الفكاهية والتي تبهرنا بمفارقاتها وتدهشنا بأبعادها التي تتارجح بين الهزلية والثبات والتي اجاد الكاتب رسمها لتخدم أحدات الرواية .

وبعد أن أمر العزيز بالله ابن الصمصامة بخروجه فى جيش كبير لفتح الشام.. ليعيدها إلي ولايته ويأتى بقسام التراب حيا حتى لا يصبح بطلاً فى التاريخ . وهذا ما يحدث في التاريخ دائما مع كل حاكم لا يريد لأحد أن ينافسه في سيرته.

لأن العزيز يريد أن تـُـقطع رقبةُ قسام أمامه ليلعب بها ابنه الحاكم بأمر الله. لذلك ذهب ابن الصمصامة إلي دمشق ليعلن أن خمسين ألف دينار لمن يقبض على قسام التراب حي..وبعد أن تم القبض على قسام التراب ورحل مع زوجته وابنته شمس إلى القاهرة .. كان فى استقباله العزيز بالله وابنه الحاكم بأمر الله .. لم يوافق العزيز ان يقتله أو يشنقه حتى لايكون بطلا من أبطال التاريخ .. وحتى لايدخل الكناسون تاريخ الملوك حتى ولو كان هذا أمرا واقعيا , وفوجىء الحاكم بأمر الله بجمال شمس ورائحة عطرها النادرة .. أي أمراة تكون تلك الفتاة المعطرة.. وتم ضمها إلى الجواري وتم تعيين قسام التراب إلى منصب المسؤل عن نظافة القاهرة

إن شخصية قسام التراب ملك الزبالين في هذه الرواية هي رمز للشخصية التي تجد نفسها فجأة في مواجهة مع السلطة ويرفعها الناس حتي يصير زعيما وهي أيضا أسقاط لواقع بعض الشخسيات التي قد تبدو علي السطح فجأة ليبدأ العامة في تأليه هذه الشخصية ونسج الاساطير حولها واختلاق الخرافات. وتبدو المفارقة في الصاق الصفات الخارقة بها ونسج الاساطير حولها وهكذا يؤله الناس من يحمل عنهم قول مايريدون وهم في صمتهم غائبون.

وهنا نأتي لحب السيد حافظ للمسرح , فهو يجري في دمه ككاتب وكمخرج مسرحي فعالج هذا الموقف بالحوار الآتي :

رجل 1

 

شفت شي ولا فى الأحلام.

رجل 2

 

أحلام شو هي حقيقة.. أنا شفت قسام فى المعركة يضرب بإيده اليمين هيك يوقع ميه يضرب بإيده الشمال يوقع ألف.

رجل 3

 

أنا شفت قسام طاير من فوق الأرض على عسكر العزيز وظهر له جناحات خضرة .. ضرب عسكر العزيز بجناحيه وقعهم.

رجل 4

 

هاد رجال كله بركه.. وشه فيه نور.

رجل 2

 

أنا شفته وهو بيحمل المصابين كتاف كل خمس رجاله على كتف.

رجل 1

 

كأنه أبو زيد الهلالي.

رجل 3

 

كأنه عنتر بن شداد.

رجل 4

 

رجال ولي من أولياء الله هزم العزيز بالله. ([14])

 

إنها تجربة مثيرة ماذا لو حكم العشوائيون البلاد , وسقطت هيبةُ الحكام والملوك والخلفاء تحت الأقدام .. وفي خضم هذه التقلبات المتناقضة مابين ملوك وصعاليك وحكام وزبالين تأتي شخصية شمس بنت ملك الزبالين والتي يرافقـُـها كلبُها الحارس ولا يفارقها أبدا , رمزا لالتصاق الوفاء بها ورمزا لوفائها هي شخصياً, والتي تحل فيها الروح الثالثة فتسبقها رائحتها الممتعة والمتنوعة بكل أطاييب ورود الشام وفواكهـِه , هديةً من السماء لها , تجعل كل من يشمُّها يتمني أن يتزوجها أو تكون من نصيبه فهناك أشياء ليست مقصورة علي أبناء الملوك أو الصعاليك , وهناك هبات يمنحها الله لبعض البشر , فسبحان من أعطي لكلٍ نصيبَـه , وسبحان مقسم الأرزاق , وقد أراد الكاتب أن ينقل لنا من خلال إبداعه لهذه الرواية ورسمه لشخصياتها , أن عدالة السماء لا تفرق بين ألقاب وإنما مايفرق بينهم هو مايقترفونه في حق بشريتهم وأنفسهم , فإحلال الروح الثالثة في شمس له دلالة واضحة علي أن الروح لا تفرق بين البشر , وانما هي صورة من السماء تتقمص البشر , وتحل بها بعدل من الخالق .

ولقد جمع الكاتب في هذه الرواية ما بين طريقة المونتاج السينمائي , والحوار المسرحي , واستخدم أسلوب المنولوج الداخلي القصير , واستخدم حالات الاسقاط لما كان يحدث في تواريخ الثورات والحكام علي واقعنا الذي نعيشه , أما بالنسبة للبناء الروائي , فقد استحدث لنفسه طريقا مزدوجا يمزج بين زمن السرد الروائي وزمن الحالة الشعورية الخاصة به أثناء الكتابة , ليثبت أن الكاتب ماهو إلا إنسان يفرح ويتألم , يحب ويكره , يقول ويكشف و يداري ولكن السيد حافظ قليلا مايداري أو يخفي مايمر به من أحداث سعيدة, وإن كانت قليلة أو أحداث مؤلمة وإن كانت كثيرة يؤثر فيها ويتأثر بها. وأن استدعاءه لبعض الشخصيات في الحلم هو استدعاء لرغبته في إظهار الحقيقة , فبينما هو غارق في حلمه , يوقظه صوت المنبه ليعاود الدوران في ساقية واقعه , ثم يعطينا فاصلا عن شخصيات فى سيرة ومسيرة ابن حافظ , فيما حدث وما جرى له فيحدثنا عن بعض الشخصيات الهامة في حياته , التي تكشف لنا ما خفي , أو يفضح سرا قد لا يعلمه القارئ , إنه يعرض علينا فكرة الحلم الكاشف , الذي يحمل مفاتيح الحجرات المتعددة , ولكن أكثر الناس نائمون , وكأن الكاتب أرد أن ينبه وينعش الذين يغَطُّون في غفلتهم , ويتسلط عليهم سلطان النوم ,فيسلط عليهم ضجيج أعماقه الهادرة ربما أفاقوا , أو أراد أن يهدئ من ضغط الذين ارتفع ضغطهم , من دوائر إزعاجاتهم اليومية , فجاء بتحويجاته الصوفية الرائعة , ليقدم لنا فنجان شاي بالياسمين .. ربما هدأت به الأعصاب .. انتعشت به الروح , وذهب عن عيوننا وعقولنا النعاس , ودب فينا النشاط والحيوية .

تحية لكاتبنا المتمرد الحالم السيد حافظ ملك التحويجات الصوفية صاحب التحويجة الرابعة " ليالي دبي – شاي بالياسمين " , التي قدمها لنا هذه المرة من توابل الخليج , وقدمها لنا أبطال شربوا من مياه النيل, لتهدأ الأعصاب , وتنتعش الذاكرة ,فلربما يزاح عن عقولنا بعض الأرق وعن أحسدنا بعض الإرهاق , وهذا ما يجعلنا دائما نطمع في أن يقدم لنا السيد حافظ المزيد من هذه التحويجات وكل ما هو ممتع ومبدع.

بقلم : فهمي إبراهيم

 


 



[1] - السيد حافظ صحفي وكاتب ومخرج مسرحي وروائي مصري معاصر.

[2] - فهمي إبراهيم شاعر مصري معاصر عضو اتحاد كتاب مصر.

[3] - "ليالي دبي – شاي بالياسمين " الرواية الرابعة للسيد حافظ الصادرة عن مكتبة أكمل للطباعة والنشر 2015 م

[4] - " نسكافيه " الرواية الأولي للسيد حافظ.

[5] - "قهوة سادة" الرواية الثانية للسيد حافظ الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

[6] - "كابتشينو " الرواية الثالثة للسيد حافظ الصادرة عن مركز الوطن العربي " رؤيا " ط أولى 2013 م

[7] - من " تحويجة رواية كابتشينو" لفهمي إبراهيم - مجلة ابداع العدد 30/2014 الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

[8] - من " تحويجة رواية كابتشينو" لفهمي إبراهيم - مجلة ابداع العدد 30/2014 الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب

 

[9] - السابق

[10] - "ليالي دبي – شاي بالياسمين " الرواية الرابعة للسيد حافظ الصادرة عن رؤيا توزيع أكمل للطباعة والنشر 2015 م

[11] - "ليالي دبي – شاي بالياسمين " الرواية الرابعة للسيد حافظ الصادرة عن مكتبة أكمل للطباعة والنشر 2015 م

[12] - السابق

[13] - السابق

[14] - "ليالي دبي – شاي بالياسمين " الرواية الرابعة للسيد حافظ الصادرة عن مكتبة أكمل للطباعة والنشر 2015 م

 

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More