Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الخميس، 23 سبتمبر 2021

135ليالى دبى ... صرخة مثقف حقيقى بقلم دكتور خالد البوهى

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(135  )

 

ليالى دبى ... صرخة مثقف حقيقى
بقلم دكتور خالد البوهى

دراسة من كتاب

التشظى وتداخل الأجناس الأدبية

فى الرواية العربية

" الجزء الثانى "

إعداد وتقديم

د. نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 


 

تلقى الوسط الأدبى رواية ليالى دبى للكاتب الكبير/ السيد حافظ بردود فعل متباينة، فالسيد حافظ لم يعتد المهادنة أو التراجع، لأنه يستشعر دورا حقيقيا للفنان، دورا منفعلا وفاعلا، من خلال رؤية فنية، يستشرف فيها مثالية تستحضر حسم البراجماتيين؛ مثالية تصل إلى حد إنصاف المخالفين فى العقيدة والسياسية، وتصل إلى حد مراجعة الأحكام المسبقة فى التاريخ بتحطيم أصنامه، وتصل إلى حد مهاجمة الوطن على طريقة من يحب الوطن؛ هذه المثالية لم تنس الحسم البراجماتى على طريقة الحاكم بأمر الله الذى قام بتصفية خصومه لا ترويضهم.

 وبعد كل ذلك فالسيد حافظ يملك نسيجا إنسانيا يستلهم روح برنارد شو المتحدية والمؤمنة بقضاياه، ويستلهم فضيلة أرسطو، وصراحة سقراط وجسارته التى قادته لحتفه، وهو قبل كل ذلك لا يخشى سطوة الرأى العام الذى كثيرا ما خالف الحقيقة؛ وهل كان الأنبياء والمرسلين إلا معاندين لكل ما درج عليه أقوامهم؟؟!! وهل كان الفنان المثقف غير نبى يتحدى تابوهات الجموع التى لا تريد أن تسمع غير صدى أصواتها؟؟!!

       ليالى دبى صرخة مثقف حقيقى فى وجوه أدعياء الفن والثقافة، صرخة تطوى فى أحشائها صرخات فى روايته الضخمة التى جعلها جزئين (شاى بالياسمين - شاى أخضر)، وكأنى بالكاتب وقد رفض ما يصنعه المثقفون الذين شربوا شاى السلطة بالياسمين بمداهنتهم ونفاقهم، ليجلس بعدها مسترخيا مستريحا يتناول شايه الأخضر بنفس راضية ترفض التدجين والتطويع، نفس أبت مشروبات كل السلطات فى كل العصور.

       ومحور الرواية العام يتجلى حول ثنائية الرفض والبحث عن الحقيقة.. رفض القهر والظلم والنفاق والمداهنة، مع التشبث بكل ما يمت إلى الحقيقة بصلة، ليلجأ الكاتب إلى حيل كتابية مختلفة تتمحور حول فن الرواية الذى بدا أصيلا فى كتابته، ويبدو أن بعض السطحيين قد ساءتهم هذه الطريقة الفنية فى الكتابة، بما شملته من أساليب كتابية متباينة (سيرة ذاتية، مذكرات، سرد تاريخى، مسرح، رواية، مختارات لآخرين من أغنيات وقصص قصيرة جدا)، والحقيقة فإن الكاتب قد أراد أن يتناول فكرة الرفض وما يتعلق بها من قضايا من زوايا تصويرية مختلفة ومتنوعة ليؤكد بها فكرته؛ إنه يذكرنا بشخصيات شكسبير الثانوية التى كانت ترسخ فكرته، فشكسبير لم يكتف فى مسرحية الملك لير على قصر العقوق على بنات الملك، ولكنه أشاعه فى شخصياته الثانوية إمعانا فى تبشيعه، وهذا بالضبط ما صنعه كاتبنا بطريقة حداثية تتناسب مع حداثته القديمة فى مسرحه التجريبى.

       وهنا تكمن مشكلة الفنانين عندما يؤمنون بقضية، فيقع أحدهم تحت تأثير مخدر قضيته، ليصبح عمله الفنى بضع مقالات تصلح للنشر فى إحدى الجرائد السياسية، والفنان الحقيقى الأصيل يمسك بعقله كل الخيوط، وتصبح قضيته هوسا أفلاطونيا فنيا، وهذا ما حققه كاتبنا بسلاسة وأصالة، فلقضيته حضور فنى رفيع فى رمزه وأقنعته الموحية، وفى مباشرته وتقسيماته... حضور لم يسقط بين براثن السطحية والخطابة الزاعقة.

(2)

       استخدم الكاتب أسلوب السيرة الذاتية، فكان متميزا بصدق كتابته وحرارتها، والصدق والحرارة هما أخص صفتين لفن السيرة الذاتية. حدثنا الكاتب كثيرا عن نفسه وعن مصائبه وعن حياته المأزومة وعن وطنه الذى لم يسعه، وحدثنا عن رموز أدبية وفنية، مصرية وغير مصرية، من خلال احتكاكه وتعامله المباشر، وحدثنا عن مواقفهم التى هى امتداد لجيل خائن من المثقفين، وذكرنا بقالة لينين التى استهل بها كتابه "إن المثقفين هم أسرع الناس إلى خيانة الوطن وانفسهم"، ولذا فهو يؤكد لنا "إن جهنم وقودها المثقفون والحجارة".

       جعل الكاتب سيرته الذاتية تحت عنوان "شخصيات فى سيرة ومسيرة ابن حافظ فيما حدث وما جرى له فى بلاد المسخرة"، كما جعلها تتوحد أحيانا بشخصية فتحى الروائية، وهى الشخصية التى صب على لسانها كل المشاعر السلبية تجاه الناس والوطن والوجود. وكل ذلك يجعلك ترفض كل هذه الانكسارات والخيانات التى يجسدها الكاتب الذى يتحول كثيرا إلى موقف الساخط الفخور "لم آكل على مائدة العبيد المخصصة لنا نحن الكتاب" و"أنا برىء من شر جيلى ولم ألوث نفسى بروحهم الفاسدة"

والكاتب تميز بموضوعية لا تليق إلا بالعظماء، فكان كثيرا ما يكشف لنا عن جوانب محمودة فى شخصيات حاربته بشدة وضراوة، فلم تزده الخصومة إلا إنصافا!!

(3)

       واستخدم الكاتب أسلوب المذكرات التى كان يذكرنا فيها بمواقفه التى يفخر بها، لأنها مواقف لم يتبناها إلا عن قناعات فكرية، وقد جعل الكاتب يومياته امتدادا لسيرته الذاتية، هو يحدثنا فى سيرته عن قناعاته التى يهاجم من يحيد عنها، ثم يروى لنا فى يومياته عن مواقفه التى تتسق مع قناعاته ورؤاه، فمذكراته تدعم سيرته وتؤكدها فى تناغم جميل.

       اجتزأ الكاتب يومياته من تدويناته على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، والتى تتسم بالتلخيص والحيدة والدقة، فقد أتاح الكاتب تاريخ كل تدوينة رغبة منه فى إيقاظ التفاعل مع الحدث الذى يصح مراجعته.

واتخذت يومياته طرقا أخرى مثل تسجيله لقاءاته العابرة بأصدقائه (كما روى لنا لقاءه بأصدقاء الأتيليه)، ليستعرض وجهات نظر الجميع المحكومة بتاريخ اللقاء، ومثل استدعائه قصة قضاة الأندلس أيام ابن عباد مرتين لما لها من أهمية.

       واتسمت يومياته بالتناغم مع سيرته الذاتية، فعندما يحدثنا عن الظلم والتهميش الذى تعرض له يحيى حقى لم يفته أن يذكر لنا فى الهامش حديثا عن الظلم الذى تعرض له الكاتب، والجدير بالذكر أن يحيى حقى كان من الكتاب الذين قام الكاتب بإنصافهم رغم كونه - أى حقى- لم ينصفه.

(4)

        وكانت الكتابة التاريخية حاضرة بقوة من خلال همساته وتنهيداته، همسات التاريخ المصرى القديم وذكريات أخناتون المصلح، وتنهيدات تاريخ على بن أبى طالب مع مخالفيه من بصريين وشاميين وخوارج.

       يقدم الكاتب لنا أخناتون مصلحا حاربه من بيده زمام القوة المتمثلة فى حور محب وكهنة آمون وكبار موظفى الدولة، الكاتب يريد أن يقول لنا فى همساته: (والهمس يتناسب تماما مع جو التوتر الأمنى) لا خلاص لنا إلا بالخلاص من أحفاد حور محب وأحفاد الكهنة والكبار معا، ويقول: إن خلاصنا ليس مرهونا بظهور أخناتون وإنما بالقضاء على أعدائه.

       ويقرأ علينا فصولا متفرقة من سيرة على بن أبى طالب مع أعدائه، حدثنا عن تنهيدات مؤلمة، فعندما يستحر القتل بين الأقارب يتحول النصر إلى مأتم "وقد ابتهج أهل الكوفة فى حزن"، وحدثنا عن وجهة نظر الآخرين وعن الحقيقة، فحتى الخوارج لهم وجهة نظر ويملكون جزءا من الحقيقية "كانوا جميعا يخلصون فى الدفاع عما يرون أنه الحق وكان يصدر عن شعور دينى صادق لا شك فيه".

       والهمسة التى أوردها الكاتب عن سيرة على كرم الله وجهه كانت تدور حول الحل السياسى الذى جعل كثيرا من الخوارج يعتزلونهم عائدين إلى الكوفة حتى لم يبق غير ثلاثة آلاف أو أقل.

(5)

       أما الكتابة المسرحية فكانت من خلال جزئين متلاحقين (ثورة الزبالين التى أسقطها العزيز بالله الفاطمى - فترة حكم الحاكم بأمر الله الفاطمى التى انتهت بمأساة إسقاطه)، وقد تميز مسرح الكاتب بعذوبة الحوار وتدفقه، وجلال الفكرة وعمقها، وروعة الرمز ودلالته، فضلا عن دقة رسم الشخصيات.

       وثورة الزبالين الشامية جعلها الكاتب معادلا موضوعيا للثورة المصرية، ثورة الزبالين التى سقطت بسبب عدم القضاء على أعدائها وبسبب عدم تصفية خصومها، فالوالى وقائد الشرطة والقاضى موجودون، والمحاكمات مستمرة بلا جدوى "شغالة بقالها سنتين ليل ونهار"، والتجار "خبوا المصارى والحالة نايمة".

ثورة الزبالين سقطت من داخلها بسبب المشكلات التى تتجدد بين المواطنين (النجارين والصيادين)، وبسبب اختلاف فرقاء الثورة اختلافا يصل إلى حد الاشتباك (سعد وزعتر)، وبسبب الملل والسآمة التى أصابت الناس "أربعة سنين بحرب وضرب"، والحل كما قال قسام "اتعاركوا مع بعض واتخانقوا زى ما كنتم بتعملوا لكن ارجعوا تانى واتصالحوا".

ثورة الزبالين سقطت من خارجها "وفى دول محيطة بهم ترى أن التجربة تثير الانبهار ماذا لو حكم العشوائيون البلاد وسقطت هيبة الحكام والملوك والخلفاء تحت الأقدام"

ولم يفت الكاتب أن يشير إلى تجارة الدولة بالدين على لسان القاضى "واقفين مع كافر ضد الخليفة والشرع والدين"

والكاتب اتخذ موقفا مؤيدا لشخصية الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، وفسر كل ما نُسب إليه من شطحات، والحقيقة فإننا لسنا فى معرض استكشاف الحقيقة التاريخية أو توثيقها، لكننا نتابع ما يريد الكاتب أن يقوله من خلال قناع الحاكم بأمر الله الذى رسمه الكاتب نفسه.

الحاكم بأمر الله نجح لأنه كان حاسما، قام بتصفية الخصوم لا ترويضهم، وهذا الحسم ربما نعتبره ممثلا للجزء البراجماتى الذى يشيعه الكاتب حول جو من اليوتوبيا المثالية، ليتكرر هذا الأمر عندما يطل علينا من نافذة المنقذ المستبد!! (وكيف يكون المستبد منقذا؟؟)، والحقيقة فإن الكاتب الحقيقى والفنان المثقف كثيرا ما تنتابه لحظات يقع فيها فى التناقض، التناقض الذى يتلازم مع الفن، والذى إن غاب يتحول الفن تدريجيا إلى فكر، ولذا فكاتبنا يدافع عن جمال عبد الناصر ثم يهاجمه فى لحظات تخلو من العصبية المقيتة، الكاتب يعلمنا كيف نقيم الرجال وكيف نمقتهم؟؟

وها هى دولة الظل تتحدى الحاكم بأمر الله متمثلة فى قائد جيشه وشاهبندر التجار، دولة الظل التى تمكنت من الإطاحة به وتصفيته، وتمكنت من القضاء على مؤيدى الحاكم بإغراقهم فى النيل وبمطاردتهم خارج البلاد، وتاتى نصائح ست الملك للظاهر حاكم مصر بعد أبيه ترسيخا للاعتراف بدولة الظل، فهل كان الحاكم بأمر الله مخطئا فى تحديه؟؟ أم أن السياسة أسوأ من الزبالة كما ذكر ذلك على لسان قسام "مهنة الزبالة أحسن وأجمل ما فيها مشاكل ما فيها أحقاد زى السياسة"

وماذا عن شمس؟؟ شمس هى رمانة ميزان الحكاية التى تلهب الأحداث من خلف ستار، ويكفيها حديثها الصامت الممزوج بالمونولوج الداخلى إلى الحاكم بأمر الله، وهذا ما سنراه فى سهر التى تمثل شمس الماضى، ولكل زمان أنثاه التى تحركه، وليس هذا بعجيب على كاتب يتحرك برومانسية لن نصفها بالشعر، لأن الشعر كثيرا ما يخلو من الرومانسية، لكننا سنصفها بالفنية.

(6)

وسرد الكاتب الروائى كان محورا للمسرحية، وما يحاصرها من همسات وتنهيدات، ومن ذكريات ويوميات، فكان يكتنفه ما اكتنف كل ذلك من قهر وظلم ، ومن رفض وإباء.

وشخصية فتحى المصرية فى دبى كانت كثيرا ما تستبطن شخصية الكاتب، يصب فيها تحديه وإباءه، ويصور فيها قهره ومرارته.

أما شخصية حامد الصقر فى الشام فهى شخصية الكاره للجميع، الراغب فى الانتقام، ممن؟؟ ربما هو نفسه لا يعرف على وجه التحديد، شعاره "العدل مع القوى والحق حلم الضعيف"، الكاتب يريد أن يقول لنا: هذه فاتورة القهر، أجيال مقهورة من طغاة ثم أجيال تنتقم من الجميع!!

وماذا عن سهر؟؟ التى هى الحلم بالنسبة إلى (كاظم ومنقذ وفتحى) سهر هى جمال القص وحلاوته، هى المسكينة التى لا تجد شيئا، هى الوطن المكلوم وهى الجراحات المريرة المتكررة، وماذا عن كاظم؟؟ كاظم يحنق على كل شىء ولا يصنع شيئا ليخسر كل شىء، وماذا عن منقذ؟؟ منقذ لا ينقذ زوجته التعسة، أما فتحى فلا يفتح غير بوابات النساء، وحامد الصقر يعيش من أجل انتقام يتلوه انتقام!! هذا هو وطننا فأدركوه.

وقدرات السرد الرفيعة تتجلى فى مشاهد الإغواء المتبادل لفتحى وسهر والتى انتهت بوقوع فتحى فى الرذيلة، مشاهد متعاقبة قد نسجت بحرفية عالية، والمفارقة تكمن فى ثقة منقذ بفتحى!!

(7)

أما ضبط إيقاع الرواية فكان من خلال مختاراته لمجموعة من الأغانى والقصص القصيرة جدا والأشعار، وكانت الأغانى كثيرا ما تتناسب مع الموقف الدرامى، وكأنها موسيقى تصويرية!! فأغنية نجاة الصغيرة (حمد الله ع السلامه يا ابو أجمل ابتسامه) كانت إيقاعا لمولد أخناتون، وأغنيتها (عمر واحد مش كفايه) كانت إيقاعا مناسبا لذكر أخناتون الذى أحبه الكاتب، أما أغنية فيروز (هدير البوسطه) فكانت إيقاعا يتناسب تماما مع حالة بوح كاظم، وأغنيتها (تذكر آخر سهرة سهرتها عندنا) كانت إيقاعا لمشاعر الميثاء المولهة بحامد الصقر.

(8)

الرواية تذكرنا بكل مرارات تاريخنا، وتستحضر كل مآسى حاضرنا، وتتوجس من مستقبل يتوجس منا!! وكل ذلك دليل على محبة كاتبنا الذى أجاد هجاء من يحبه على طريقة نجيب سرور!! وهل كان سرور غير محب حقيقى فى محراب وطنه؟؟ وهل كان السيد حافظ غير مثقف يدق أجراس الخطر التى لا يريد أن يسمعها أحد، فأصبح يدق أجراسه بعنف الهجاءات الشديدة المخْلِصَة معا.

وأخيرا.. فلأن السيد حافظ يحب وطنه حبا حقيقيا، فقد كان هذا الحب سببا لحدته البالغة "إن مصر أرض مقدسة وشعبها لا يعرفها ولا يستحق الحياة عليها لأنه لا يعرف قيمتها" فهل ينتبه المصريون لصرخات مثقفه الحقيقى؟ وهل ينتبهون لأجراسه التى يدقها ليلا ونهارا؟

بقلم : خالد البوهى

 

 

 

 

 




 




0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More