دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 53 )
حكاية الفلاح عبد المطيع
كوميديا السيد حافظ الباكية
بقلم : عبد الله هاشم
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
حكاية الفلاح عبد المطيع
كوميديا السيد حافظ الباكية
بقلم : عبد الله هاشم
مجلة الشراع اللبنانية – 30/1/1984
تتوالى مسرحيات السيد حافظ فى الظهور وها هو كتابه الجديد يؤكد إصراره على المسرح التجريبى الذى يحاول تأكيده فى المسرح المصرى خاصة والمسرح العربى عامة.
والكتاب يحمل ثلاث مسرحيات هى كوميديا "حكاية الفلاح عبد المطيع" "علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا" "الخلاص" كما يضم الكتاب بعض الدراسات التى كتبت عن مسرحه فى مصر والبلاد العربية وهى حسنة لنعرف أين يقف السيد حافظ من الحركة المسرحية.
ويبدو إصرار السيد حافظ على المسرح التجريبى ويبدو أنه الكاتب المسرحى المصرى الآن الذى يكتب هذا اللون من المسرحيات التجريبية فى الوقت الذى صمت كثير من كتاب المسرح الجادين وانتشر المسرح التجارى الهزلى "الفارس" بشكل وبائى.
وسنتناول كل مسرحية على حدة وفى النهاية سنرى أن الرابط بينهما قد تم لأن الثلاث مسرحيات وكل مسرحيات السيد حافظ تحمل رؤية عميقة وجادة وهى الوقوف مع الإنسان البسيط ضد القهر والظلم الاجتماعى والسياسى.
1- كوميديا "حكاية الفلاح عبد المطيع"
على ما اعتقد أن هذه أول مرة يكتب السيد حافظ مسرحية "كوميدية" ترى لماذا اختار المؤلف الكوميديا هذه المرة لتوصيل تجربته المسرحية؟ إن الكوميديا بمعناها التقليدى هى قدرتها على إثارة الضحك لهذا فإننا يجب أن نضع نصب أعيننا قدرة الكوميديا الحقيقية على أن تلعب حياتنا دوراً لا يقل أهمية عن دور العلم أو دور السياسة ولذلك فمن الأمور البالغة الأهمية أن نعيد النظر فى وظيفة الكوميديا ذاتها بوضعها مسرحيات فكاهية ونعيد النظر فى الرأى التقليدى الذى يقول أنها تقوم على تصوير الشذوذ المثير للضحك بهدف السخرية منه وإصلاحه ونحدد مفهوماً جديداً على ضوء أحداث النظريات النقدية فى العالم والتى تقول أن مسرحيات "الفارس" - التى تنتشر فى مصر الآن - شأنها شأن الميلودراما تعتمد على المبالغة والعنف ليس بمعنى القسوة وإنما بمعنى التطرف.
أما الكوميديا الحقة فهى شئ بعيد عن هذا، صحيح إنها تضحك ولكنها تتوسل بالإضحاك إلى تجسيم رؤيا معينة للكاتب فى الحياة وفى العلاقات الإنسانية وربما فى المجتمع ذاته والعصر بأسره ولذلك فالكاتب الكوميدى بهذا المعنى هو كاتب جاد فى أساسه وان توصل بالإضحاك ليجسم رؤياه وهذا ما ينطبق على السيد حافظ ومسرحيته "حكاية الفلاح عبد المطيع" التى كانت فى الأصل قصة قصيرة له بعنوان "نفوس ودروس من سلسلة البحوث" من مجموعة سمفونية الحب فالمسرحية تقوم على موقف كوميدى يتلخص فى أن الفلاح عبد المطيع هو نموذج للإنسان المصرى العادى يهبط - للسوق هو وحماره يبحث من يعطيه حفنة فول لأطفاله وحفنة شعير لحماره فيقابله صاحبه مرسى وهو يلبس ملابس سوداء ثم يردى أم مرسى ترتدى السواد يعزيها فى أن قريب لها قد مات ولكنهما ينكران ذلك ويستهجنا لباسه الأبيض ويهربان منه ولكنه حين يمعن النظر فى السوق يجد أن الكل يلبس السواد.. ونقبض عليه الشرطة وترميه فى السجن.. ويعرف السبب أن عين السلطان مريضة ولهذا صدر فرمان كى يرتدى الجميع ملابس سوداء حزناً على عين السلطان، ولم يكن عبد المطيع يدرى فى قريته بهذا الفرمان ولكن هذا لم يحرمه من جلده وحبسه.
"المنادى : يا أهل القاهرة.. فرمان من سيدنا الوزير إلى الشعب العظيم الحاضر يبلغ الغائب سيدنا السلطان مريض شفاه الله.. وباسم السلطان نعلن الحداد فى البلاد.
وترتدى كل البلاد الملابس السوداء ويمنع الختان والاحتفال بالعرس أو أى احتفال لحين شفاء السلطان ويصلى الجميع ركعتين بعد كل صلاة طالبين من الله الشفاء لعين السلطان "قنصوه الغورى" "ص25" ثم يعود من قريته للسوق مرة أخرى وهو يلبس الملابس السوداء ويقبض عليه مرة أخرى ويرمى فى السجن ويعرف هناك أن السلطان قد شفى وأمر بلبس الملابس البيضاء.. وفى النهاية لا يجد "عبد المطيع" غير أن يطيع :
الجوقة : خرج عبد المطيع من السجن فى اليوم السابع..
يظهر عبد المطيع على المسرح وعلى جسده آثار الضرب يخلع كل ملابسه حتى يصبح عارياً إلا من سرواله..
عبد المطيع : أى الألوان تحب أن ارتدى يا مولاى "ص61"..
ولهذا يقرر السلطان عندما يعلم بحكايته أن يعينه قاضى القضاة.. لاحظ السخرية هنا - ولكن عبد المطيع يرفض..
عبد المطيع : لا يا سيدى أنا لا أريد أن أكون قاضى القضاة.. أنا أريد أن أكون من العراة ويضحكون بينما هو يبكى "ص61".
إن السيد حافظ يقدم لنا شخصية عادية تمثل أغلبية - مقهورة مطيعة وموقفاً كوميديا من الدرجة الأولى ينطبق عليه ما قلناه سلفاً عن رسالة الكوميديا، وقد اختلف مع البعض هل لابد للكاتب الثورى الملتزم أن يقدم لنا شخصياته ثورية رافضه للواقع التى تعيشه وتموت فى سبيل مبادئها؟! ولكن الفن فى رأيى هو الذى يحرك فينا كمشاهدين وقراء السؤال.. وقد نجح السيد حافظ فى إلقاء هذا السؤال، وعلينا نحن البحث عن إجابة وهى رسالة المسرح الجديد، والسيد يقدم شخصية عبد المطيع بكل سلبياتها وقهرها ولؤمها حتى يستطيع أن يدرك لنا أن نجيب أو نشاركه فى سؤاله عن عبد المطيع ولماذا هو مطيع وعلينا نحن أن نشاركه فى البحث عن إجابة.
أما من حيث الشكل فكعادة السيد حافظ قدم هذه المسرحية مستفيداً من جميع الأشكال المسرحية فكل فصل من فصول المسرحية يتكون من عدة مناظر وعدة مشاهد ويستعمل المؤلف الكورس والجوقة ماراً بالكلاسيكية والواقعية فى بعض المشاهد والعبثية والارتدادات لنعرف الماضى عن طريق تسليط الأضواء وديكور تجريدى مؤكداً إنه استفاد من جميع الأشكال المسرحية وقد نجح فى صهر هذا كله ليقدم لنا كوميديا.. ولكنها كوميديا باكية.
أما عن مسرحية "علمونا أن نموت وتعلمنا أن نحيا" فهى تدور حول شخصية مسجونين والسجان يقول لهم أن الطعام والحرية سياتيان بعد أن تنتهى الحرب الخارجية فالشخصية الأولى السجين.
"1" شاب يحلم بالثورة للفقراء والمطحونين ويريد تحقيق هذا بالمثالية محققاً عالماً يشعر فيه الإنسان بالأمان والسجين "1" هذا العالم الذى تعيش فيه سجن وعلينا نحن السجناء أن نتحرر منه نتحرر من كل شئ يحطم آمال الإنسان (ص69).
ولكن أفكاره التى ينادى بها مرفوضة من كل من حوله من حبيبته، من أمه، من السلطة، ولهذا يشعر بأنه محاصر فالسجين الذى يصوره المؤلف هو سجين وهمى للالتجاء لنا بشخصيته المسجونة والمقهورة مع أفكارنا.
السجين "1" إننا محاصرون.. أشعر إننا محاصرون.. أتفهمين.. محاصرون من كل شئ من صاحب البيت.. من البواب.. من رئيس التحرير فى الجريدة.. من هؤلاء الفلاحين الذين يعيشون كالحيوانات ولا يشعرون بالظلم الواقع عليهم، محاصرون بالغلاء وبالشر وبالقيم التى يتحكم فى أقدار هؤلاء التعساء.. ولا تفكرى كثيراً بالمبادئ مثل الحلوى ونحن مثل الذباب يحاصر الحلوى قد ينال نصيبه أولاً .. "ص 70"..
أما السجين "2" فليس له أفكار سوى أن يجد الطعام ويحيا حياته بكل ماديتها فهو سجين هذه الحياة متزوج من أربع ولا هم له سوى المرأة والأولاد.. رغم حياة الحضيض التى يحياها.. فهو يقول لزوجته النوبية حين تزوره فى السجن تسأله عن قيمه..
السجين "2" : قيم؟ أى قيم يشتريها المجتمع الآن؟ فى مجتمع ابنك.. فيه فى ملجأ أى قيم يا امرأة؟ تركت لك القيم.. ما الذى أتى بك بدون هدايا؟ "ص 98"..
ويصطدم المسجونان ويواجهان بعضهما فأفكارهما مختلفة.. ويحاول السجين "1" أن يغير من مفاهيم السجين "1" أن يغير من مفاهيم السجين "2" بالحلم بالثورة على الخوف على القهر وخلق حياة أفضل للإنسان له وللأولاد ولكن عليهما أن يهربا من هذا السجن أولاً ويبدو أن السجين "2" قد اقتنع بعض الشئ ولكن يبدو أن هناك فرقاً بين الحلم والحقيقة لأن السجن والسجان أقوى منهما فلهذا يصرح السجين 2 :
سجين "2" : "يمسك السجين 1" أنت ضحكت عليا خدعتنى بكره أجمل بكره مش جاى قف..
ونتدرج مسرحية "الخلاص" على نفس النغمة وإن كان المؤلف يستخدم فترة حرب الاستنزاف على جبهة قناة السويس قبل حرب أكتوبر حيث يقدم لنا المؤلف عائلة تعيش فى مدينة السويس لها ولدان على الجبهة، وتحيا هذه العائلة من الأولاد والأم والأخوات على أمل استخلاص وتحرير الأرض المحتلة والعودة للحياة.. الطيبة الكريمة، ولكن التحرير لابد أن يكون من الداخل حتى يتم تحرير الوطن من الاستعمار الخارجى..
صابر : إحنا فينا خوف اللى فوق خايف على كرسيه واللى تحت خايف من اللى فوق واللى فوق بيضحك على تحت واللى تحت نفسه يطلع فوق.. لو كلنا فوق سوا وننزل تحت سوا كنا فى المحنة عرفنا معنى المواجهة.. إن قضية السيد حافظ هى قضية الوطن العربى الحقيقية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق