دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 60 )
الفلاح عبد المطيع : يحدث دجلة..
فمن يستجيب؟
إعداد : حسب الله يحيى
دراسة من كتاب
المسرح التجريبى بين المراوغة واضطراب المعرفة
الفلاح عبد المطيع : يحدث دجلة..
فمن يستجيب؟
إعداد : حسب الله يحيى
مجلة فنون العراقية
قص الفلاح المصرى البسيط حكايته فى مقهى الصالحية، ومعهد الفنون وأماكن مختلفة من بغداد.. وتوقف عند نهر دجلة، حيث استضافته الزميلة مجلة "فنون" مع فرقة العراق المسرحية، وقدم عبد المطيع حكايته أمام واجهة المجلة المطلة على دجلة الخير والعطاء.. واستمع إليه جمهور أسرى جمع بين الأب والأم والأبناء.
لم تكن الحكاية ممتعة، ولا تبعث إلى السرور، بل إنها تستثير الهمم وتحديد المواقف من الظلم والتعسف.
فالفلاح عبد المطيع يعيش حالة فقر مدقع، وامرأته تعانى الشقاء معه، بينما سلطان المدينة ينعم بثرائه، وحاشيته متعلقة، لا يهمها مصلحة الناس.. لذلك تصدر الأوامر بأن يرتدى كل فرد ملابس سوداء حزناً على مرض السلطان، لكن عبد المطيع لا يسمع بالأوامر، فيعاقب ويشفى السلطان من مرضه، وعلى الناس ارتداء ملابس بيضاء، بينما يبقى عبد المطيع على ملابسه السوداء، فيعاقب أيضاً وزيادة فى التنكيل يسخر منه السلطان بأن يعينه قاضياً ثم يأمر بجلده.. حتى يصرخ عبد المطيع ويسأل عن أى الملابس يرتدى، وكيف يعيش كإنسان له مشاعر وهواجس وهموم، وكيف يوفق بين جوعه وبحثه عن العمل وبين الولاء للسلطان المترف؟
السيد حافظ - مؤلفاً للمسرحية، استطاع أن يلتقط حدثاً بسيطاً ويبنى عليه عملاً درامياً نتوقف عنده، ويخلق فينا حالة توتر ونقمة إزاء كل نظام يحاول قهر الإنسان فى خبزه وحريته.
وبدا أن الزيادات التى وردت فى بداية العرض كأن يشار إلى أن هذه المسرحية لا تتعرض لأبطال مثل هاملت أو هنرى الرابع، وإنما هى حكاية فلاح بسيط لا تضيف جديداً للحدث المركزى، وجاءت النهاية ذات إيقاع بلاغى وحكمى كالقول: "شرط المحبة الجسارة" وكان إخراج الدكتور سعدى يونس يشكل تواصلاً مع النشاط الذى مثله فى "الاستعراضى الكبير" و "المجنون" وعدد من المسرحيات التى تتوجه نحو التجمعات الجماهيرية فى الأحياء الشعبية والأماكن العامة..
ومثل هذا التوجه، يحقق اكتساباً جماهيرياً ناجحاً لفن المسرح، وبالتالى يسهم فى زرع بذور طيبة لإزدهار وجود المسرح بين الناس.
ورغم أن العرض قام على مواهب جديدة فى الأداء، إلا أنه استطاع أن يصقلها ويحقق من خلالها عملاً ناجحاً، فكانت نجاة على "نفسية" تحسن اختيار الحالة المتغيرة للشخصية، وتغير توصيلها فى الأداء ضمن شرطها.. فأجادت وحققت ما هو مطلوب منها فى عمل يعيش بين الناس، وتألق ستار جاسم فى دور "المنادى" أكثر منه فى "المستشار" وعرفنا صاحب شاكر "الراوى" بارعاً وقريباً إلى النفس.. وبدا فلاح حسن - من الفرقة القومية يحمل إسهامة متواضعة مع زملائه فى فرقة العراق المسرحية. أما هادى مضمن "مرسى" وراضى مطر "المستشار" العجوز "وتقى شواى" ، "مستشار" فلهم امكانات طيبة، وتميز د. سعدى يونس ممثلاً مقتدراً جعل الهوة بينه وبين فرقته شاسعة.. وأمكن للمشاهد أن يحترم تلك المواهب التى تقف بجدارة بين جمهور مختلف الأمزجة والأطر بدلاً من ترقب مشاهد اعتاد أن يزور المسرح ويتفاعل معه.
وكانت الحان وموسيقى علاء زكى طموحة وجميلة فى عرض مهموم ومأزوم بالبطل وشارك اللحن الغنائى وحشية السلطة فى مشهد، وحقق انسجاماً مع العمل، وملابس ياسمين خليل بدت ملائمة، سهلة التغيير، حالية من التعقيد..
الديكور لا وجود له، دائرة خشبية مرتفعة وسط الجمهور والأداء يجرى فوقها، وتغيير الملابس والحركات تجرى أمام الجمهور فالعرض بريشتى، يقدم تلك الحالة كونها تمثيل لواقع.. ويؤمل من العرض أن يتعرض المتفرج على مثل هذا الواقع.
العرض يتحدث إلى دجلة وينساب كلمة ولحناً وحركة مع مساء الماء وانعكاسات الصور.. ويبقى عبد المطيع، متسائلاً عن فواجعه، فمن يستجيب له، ومن بدله على سبيل آخر!
0 التعليقات:
إرسال تعليق