Add a dynamically-resized background image to the page.txt Sayed Hafez (sayedhafez948@gmail.com) جارٍ عرض Add a dynamically-resized background image to the page.txt.

أدخل كلمة للبحث

الزائرون

Flag Counter

زوارنا

Flag Counter

الزائرون

آخر التعليقات

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

79 بنية الزمان و المكان في رواية "كابتشينو" للكاتب السيد حافظ أسماء بوفاديس وفاطمة الزهراء بن الصادق – تيبازة – الجزائر

 

دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي

(  79)


بنية الزمان و المكان في رواية "كابتشينو"
للكاتب السيد حافظ
أسماء بوفاديس وفاطمة الزهراء بن الصادق – تيبازة – الجزائر

 

دراسة من كتاب

((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))

" الجزء الأول "

إعداد وتقديم

نـجـاة صـادق الجشـعمى

 

 

 

 

كلمة عن أسماء بوفاديس
وفاطمة الزهراء بن الصادق

المواهب النقدية المتميزة القادمة أمثال أسماء بوفاديس وفاطمة الزهراء اللتان قدمتا دراسة نقدية حول بنية الزمان والمكان في رواية (كابيشينو) للكاتب (السيد حافظ)، فأكدتا على أن النص الروائي في جوهره بؤرة زمنية متعددة المحاور والاتجاهات فتبنت وظهرت تلك المفارقات الزمنية بدورها أظهرت العديد من التقنيات (كالاسترجاعات.. الاستباقات والإيجاز) مع التأكيد على طبيعة الإنسان؛ فالنص لن يسمح للشخصيات أو الأحداث بالظهور المتزامن وإنما هناك فرق بين زمن السرد وزمن الرواية والأحداث السردية واستحداثها واسترجاعها لكن بصورة وأحداث وأزمان مختلفة وبمكانية ظرفية وبحبكة تقنية وتحفة فنية بحيث يتشوق القارئ أو المتلقي للاستمرار والمتابعة لأحداث النص والسرد الحاكي المتمثل بالشخصيات والمقترن بالزمان والمكان والتنقل بينهما بحكمة وذكاء، هذا دليل آخر لإبداع الكاتب وتذوقه الفني ورفعة وسمو الحس الشعري والمشاعر الفياضة بالذهول لجمال عطائها الإطار لجوهر النص المراد خطه وكتابته بإتقان وتمعن وفق ما يرى الكاتب من وجهة نظره الفكرية والثقافية اللغوية وتوصيل الهدف والحدث للقارئ والباحث بحيث ينور لنا الطريق للسير واكتشاف السبل التي تساهم في تجديد واقع قد خلا من الإبداع والمصداقية ومشاركة القارئ في إيجاد الحلول للأمراض التي هتكت الأبجدية والثقافات الأدبية سواء في النقد أو أجناس الأدب وتنوعه ما بين المسرح والرواية والقصص والخطابة والتخاطب والشعر الموزون والحر، وكل هذا وذلك نحن نستشفي بالبراعم اليانعة المخضرة خيراً وأملاً مشرقاً وإبداعاً وتجدداً، لا أخفيكم فرحتي حين أقرأ لكلمات كتبتها أقلام مبدعتين يانعتين وبينما كلنا أوشك أن يفقد الأمل أو ربما جلس بمقعد عند ركن غير مقتدر يراقب بكثب بعيون متكاسلة قررت أن لا تتواطأ مع الصمت وأغلف الثواني بخيبات الدهور المرعبة وأستمر بالمباغتة والقهقهة والتكاسل بينما أبث أفكاراً مجنونة وأناشد التطور والتجديد في الأدب والنقد بل في كافة تفاصيل الحياة بجميع حالاتها الفكرية والعلمية والأدبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. فكل الشعوب تتراقص على أوجاعها.. لتحسها قوية لكنها للأسف عبارة عن عظام نخرة وثقافتهم عبارة عن قصب أجوف.

مجنونة مدينتي.. مجنونة جمهوريتي.. تبعثين الحياة لروحي.. مجنونة بصرتي تتلوين وتخترقين إحساسي.. يعلو ويهبط نبضي.. مجنونة فيحائي ميقات صحوي واطمئناني.. تظل وتظلين وستظلين تشاركينني قلبي وروحي وجسدي.. وجدت الجميع يتحلقون حولي والبعض يتأوه ويتوه ويغمض عينيه على ذكرى حلم أو استرجاء حلم جميل ربما أستيقظ يوماً وكان سعيداً.. كما أنا الآن أشعر بالسعادة بأقلام الغزالتين اللتين رسمتا لوحات مضيئة.. جمدت دموعي العميقة للزلزال الذي هز قلبي.. لما قرأت من حروف مكان وجر ورفع ولكم الإحصائية لدى الكاتب العبقري الأستاذ (السيد حافظ) دون منازع سلطان الحرف ونبي العشق.. دمت متألقاً

أستاذنا وكاتبنا الراقي..

ما بين حروف الابتداء والانتهاء

في (45)

من (16)

إلى (16)

ل (10)

الكاتب الروائي المبدع ولكم إحدى أسرار إبداعاته

استعمل (في، من، إلى، ل) وهي الأكثر توتراً..

(جالسة أمام الدار لإلقاء السلام.. وتحكي لمن تحب.. ليراقب الشمس وهي تغرب.. تحمل الشمس في الغروب رسائل وجع القلوب في النهار لرب السماء في المساء.. ليسأله أن يحضر له سهر ولو لليلة واحدة..

عندما أقول أحبك يحمر خد القمر.. الحب لن يعرفه إلا قلة من البشر..  والكاتب منهم..

والله بصير بما يعملون.

 

بنية الزمان و المكان في رواية "كابتشينو"
للكاتب السيد حافظ
أسماء بوفاديس وفاطمة الزهراء بن الصادق – تيبازة – الجزائر

 

1- بنية الزمان في رواية "كابتشينو":

   يشكل النص الروائي في جوهره بؤرة زمنية متعددة المحاور والاتجاهات وفي محاولتنا هذه لدراسة بنية الزمن في رواية "كابتشينو"، سنعمل على رصد مختلف التمظهرات والاتجاهات التي ينحوها الزمن، وبما أن هناك فرق بين الحدث كما جرى في الواقع، والحدث في القصة، والمقصود من هذا الفرق هو تلك المفارقات الزمنية التي تظهر من خلال عدة تقنيات: كالاسترجاعات والاستباقات والإيجاز..

 

1-1 المفارقات الزمنية (نظام الزمن) في رواية "كابتشينو":

إن طبيعة النص الروائي، لا تسمح بالظهور المتزامن للشخصيات أو للأحداث كما جرت في الواقع، مما يخلق مفارقات زمنية بين زمن السرد وزمن الرواية، وإذا ما تتبع الكاتب في سرده للأحداث تسلسلاً خطياً، فانه لن يضيف جديدا لأفق المتلقي، وبهذا يختفي عنصر التشويق.

وتفاديا لهذا الأمر يلجا الروائي إلى التلاعب بالمواضع الزمنية للأحداث، وذلك وفق أدوات وتقنيات تعرف بمنطق السرد«وهي مجرد وسائل يرجع إليها المبدع لخلق الشكل الفني الذي يريد، أي انه بذاتها حيادية لا قيما سياسية لها، وإنما تجيء قيمتها في كيفية توظيفها(..) وإتقان التعامل معها هو الذي يجعل من المبدع فنا».([1])

تتمثل تقنيات الزمن الروائي في الاسترجاعات والاستباقات، فإذا افترضنا إن النص الروائي يتكون من ثلاثة أحداث مثلا، فان ترتيبها يبدو سهلا، لكن مهمة الروائي صعبة ومعقدة، والتعقيد هو الذي يجعل العمل الفني يتميز عن غيره من الأعمال، فالروائي يعيد ترتيب الأحداث من أجل شد انتباه القارئ وتشويقه، فالتسلسل الأتي للأحداث (1 2 3) يمكن أن يحوله الكاتب إلى التسلسلات النصية التالية:

ﺃ)-1 -2-3                ﺟ)3-2-1

ﺏ)-2-1-3                ﺪ)-2-1-3-2-1.. الخ ([2])

1-1-1 الاسترجاعات:

  إن رواية "كابتشينو"، حافلة بالإسترجاعات، لكن الشيء المميز الذي أضافه سيد حافظ رجب، يتمثل في استخدامه لتقنية "فلاش باك" فالقارئ لهذه الرواية يشعر وكأنه يحضر فيلما سينمائيا، وقد استعمل هذا المصطلح عند أبرز شخصية "فتحي رضوان خليل"، وكأنه عمد لذلك لكي يساعد القارئ على استيعاب هذه الشخصية، ولكي يتعرف عليها جيدا، كما ضاعف درجة التشويق وزاد التساؤلات. ومثال ذلك: « فلاش باك "عملت بالتدريس في مدرسة نبات، صديقي محمد السيد مرسي، احضر لي الوظيفة أنا وعادل الحوفي زميلي في المسرح والكلية.. أحببت فتاة تلميذتي "سميرة" كانت شقية أوقعتني في حبها.. بيني وبينها خمس سنوات.. ».([3])

  أما في مثال آخر فيرجع الكاتب إلى طفولة "فتحي" وهذا المثال سابق للمثال المذكور أولا، لكن لأهمية المثال الأول عمدنا إلى ذكره في البداية.

المثال 2:« تذكرت فتحي وهو طفل صغير في سن الثانية عشر حيث ذهب مع جده هناك واكتشف أن كل الأطفال حفاة والرجال والنساء وقلة فقط هي التي تنتعل الحذاء وعرف فتحي حين كبر ما كتبه الشيخ الشريني في كتابه هز القحوف.. ».([4])

تعد الاسترجاعات المذكورة سلفا في الكتابين هي استرجاعات داخلية، تناولت خط العمل نفسه الذي تتناوله الحكاية الأولى، والكاتب عمر إلى استعمال مثل هذه الاسترجاعات بنائيا، وذلك من أجل سد الثغرات بين الأحداث، إضافة إلى معالجة التزامن سواء على مستوى الأحداث أو الشخصيات.

إضافة إلى عرض الاسترجاعات عن طريق الذاكرة(تذكرت) التي تنفتح على كل الماضي إطلالات حميمية سريعة، مما لا يترك مسافة بين زمن السرد وزمن الرواية، إذن هذه المسافة تذوب في منظور الشخصية ومعها يذوب الزمنان في بعضهما ويلتحمان إلى درجة التماثل، فيمتد الماضي بعد في الحاضر.

1-1-2 الاستباقات:

  يستعمل مفهوم الاستباق للدلالة على مقاطع روائية تروي أو تشير لأحداث مسبقة عن أوانها، يمكن توقع حدوثها، وهذه التقنية تقضي بقلب نظام الأحداث في الرواية، وذلك بالقفز على فترة ما من زمن القصة وتجاوز النقطة التي وصلها الخطاب، من أجل استشراف المستقبل.

  يتجلى الاستباق في رواية "كابتشينو"، بخاصة وأن السارد يستعمل ضمير المتكلم، و«أحسن ملائمة للاستشراف من أي حكاية أخرى، وذلك بسبب طابعها الاستحادي المصرح به بالذات، والذي يرخص للسارد في تلميحات إلى المستقبل».([5])

  نجد في الرواية، بعض الشخصيات الروائية تنجز هذه التطلعات المستقبلية عن طريق التمني والتأمل، والمثال الأتي يبرز شخصية(سهر) وهي تتمنى أن تسافر في المستقبل «.. هي تريد أن تطير مع عصفورها، وتسمع غناء الكائنات.. ودت لو تعيش في ألمانيا لأنها تظن أن ألمانيا مركز الفلسفة والثقافة في أوروبا والعالم.. ».([6])

وإما أن يأخذ الاستباق طابع الرمزية من خلال هذا المثال:«لا شيء يمنع سهر من السفر.. لا العشق ولا الرجال، هي أنثى ترغب في أن تمسك بالقمر وقمة الجبل، وان تعشقها كل الكائنات الأرضية والسماوية.. ». ([7])

إن شخصية "سهر" في هذا المثال تحاول كسر كل حدود الزمان والمكان وان تكون كالطائر حرة، ومن الملاحظ أن الاستباق كل ما كان متجسدا في التمني يكون من الصعب، حتى من بعد إتمام قراءة الرواية الحكم على مدى تحققه.

إضافة إلى الاستباق الذي يأخذ طابع التمني والتأمل، فإن هناك الاستباق الصريح أو كما يسميه "حسن بحراوي"، الاستشراف كإعلان([8])، ويظهر من خلال هذا المثال:« فتحي رضوان خليل(حبيب سهر بعد قليل)»([9]) ، فهذه الإشارة تجعل القارئ يتنبأ بمسار الأحداث اللاحقة في الرواية، وهذا على عكس الاستباق الذي يكون كتمهيد، والذي تكون نسبة حدوثه قليلة جدا، فيعد خيالاً. مثال: « مكتوب: سامر على بابك ذات يوم.. واترك زهور أحلامي على عتبات باب قلبك.. و إن لم أمر سأرسل دقات قلبي عبر نجوم السماء، الحب عناء وغناء وشقاء ونعيم وجحيم.. سامر على بابك ذات يوم، ذات عام، ذات لحظة، فالمرور جنون وسرور.. »([10])

إن هذا النوع من الاستباق يعد مجرد استباق زمني الغرض منه التطلع إلى ما هو متوقع أو محتمل الحدوث في العالم المحكي، فشخصية "كاظم" في هذا المثال أطلقت العنان للخيال فعانق المجهول واستشرفت أفاقه.

وما يمكن استنتاجه في هذا المقام هو أن "السيد حافظ" باستعماله لتقنية الاستباق حاول أن يحمِّله عدَّة مدلولات من تمني وتأمل و كذا أعطاه بعداً رمزياً، هذا ما أضرم أفق الانتظار لدى القارئ.

إذا ما حاولنا المقارنة بين نسبة الاسترجاعات ونسبة الاستباقات في رواية "كابتشينو"، فان استرجاع الأحداث كان الأكثر استعمالا من الكاتب له من أعماله للاستباقات.

1-2 الإيقاع الزمني(نظام السرد) في رواية "كابتشينو":

  إن أهم ما سنعمل عليه في دراستنا للإيقاع الزمني في رواية "كابوتشينو"، هو رصد علاقة التناسب والتلاؤم بين المسافة الزمنية التي يستغرقها الحدث المقاس بالثواني والسنوات، والمسافة الكتابية أي المساحة النصية التي تغطيها المقاسة بالأسطر والصفحات، فقد نجد الراوي يسرد لنا أحداثا جرت في سنوات عدة، فيقوم باختصارها لنا في بضعة اسطر. لكن مسالة ضبط تلك العلاقة صعب إن لم يكن ضربا من المستحيل؛ ذلك انه إذا ما استغرق المشهد مدة معينة، ليس من الضروري أن يستغرق المدة نفسها، فما يكتبه الروائي في سنة يكون قد عاشه في عدة سنوات، لكن القارئ قد يقرؤه في دقائق أو ساعات قليلات، وهذا يدخل من جهة في طبيعة النص ومن جهة أخرى في طريقة معالجة الزمن الروائي وتجسيده، لكن يبقى تحديد بعض النسب التقديرية ذات قيمة مهمة في كشف بعض الدقائق التي تسلط الضوء على البنية الزمنية في النص، ذلك أن الإيقاع الذي يولده ضغط مسافة زمنية طويلة داخل مساحة نصية قصيرة، يختلف عن الإيقاع الذي تولده مساحة نصية أطول من المسافة الزمنية، ويتجسد هذا الإيقاع الزمني في الرواية في أربع حالات تتمثل في: المشهد، الإيجاز، القطع، والتوقف.

1-2-1 المشهد:

  يعبر المشهد عن حالة التوافق التام بين زمن الحكي والمساحة الكتابية، وهو يحتل موقفا متميزا في الرواية، وذلك بفضل وظيفته الدرامية([11]) في السرد، فبعد أن كان السرد بضمير الغائب يأتي المشهد ليكسر تلك الرتابة فيصبح الحكي بضمير المخاطب، أي انه يغيب الراوي، ويترك المجال للحوار بين الشخصيات.

  وإذا ما حاولنا دراسة المشهد في رواية "كابوتشينو"، فسنجد الحوار يجسده وكمثال على ذلك الحوار الذي دار بين شخصية "كاظم" وزوجته(وردة): قالت وردة لكاظم، وهي تقدم له فنجان القهوة سادة:

-«اللي واخذ عقلك هنيا له (هنيئا له)

-الشغب والمدرسة.

-بعرف حبيبي بعرف، والله وحشتني الدراسة والرفاق، صحباتي زهرة ومنى وياسمين وسهر.. إلا ايش أخبار سهر؟

-نظر لها بشدة قائلا:

-روحي زوريها واسأليها.. ليش عم تسألني أنا؟

-والله فكرة.. بنروح نزورها.

-بتروحي أنت.. كيف أنا أروح معك؟

-لما يجي عريسها.. نزورها سوا.. بدي تغور من هون.. والله لما تمشي حنفقدها.. بتوحشنا.. موهيك يا زوجي يا حبيبي».([12])

  إذا تمعننا في هذا الحوار يجعلنا نكتشف بعض الملامح النفسية لشخصية "وردة"، فهي تدرك جيدا إن زوجها لا يحبها بل يحب "سهر"، ذلك أنها ظلت تلمح" لكاظم" وتتحدث معه عن "سهر" لترى ردة فعله، كما أن "وردة " تكن مشاعر الكره "لسهر" وما يبرز ذلك قولها (بدي تغور من هون). فالمشهد إذن يكشف عن الطبائع النفسية والاجتماعية للشخصيات، فشخصية "وردة " تستشعر خيانة زوجها لها إلا أن كرامتها لا تسمح لها بالتصريح بذلك.

  قد يكون للمشهد قيمة افتتاحية وذلك عندما يشير إلى دخول الشخصية إلى الوسط أو إلى مكان جديد والمثال الذي يوضح ذلك، صعود(كاظم) إلى الجبل، والحديث الذي جرى بينه وبين (راغب) أخ زوجته.

«– مرحبا زوج أختي الأستاذ كاظم..

-هلا راغب اخو مرتي..

فضحك راغب ضحكة صفراء في هذيان محموم.

-شوبك.. تحب الجبل؟

-ليش ها السؤال؟.. كلنا نحب الجب.

أجاب كاظم بوجه صارم، وأكمل حديثه:

-كل واحد منا له سبب لحب الجبل.. هو يحمل الذنوب من البشر والخير من السماء .

-اسمع أخي كاظم أنت بتعبد الشمس صح ما بتعبد عقيدتنا. الناس قالت لي زوج أختك يطلع على الجبل كتير.. »([13])

  إذن هذا المشهد يبرز لنا علاقة الزمان بالمكان، فهو عبارة عن حوار، لكن يحتوي داخله المكان وهو الجبل، والروائي يبرز لنا نظرة الناس التي تحكم على الشخص الذي ينعزل لوحده على انه يمارس ديانة غير ديانتنا، مما يخلق الفتن والصراعات بين الناس، فذهاب (كاظم) للجبل، جعلت الناس تظنه يعبد الشمس، والروائي هنا يطرح مشكلة مهمة تتمثل في تعدد الديانات، وما تتسبب فيه من فتن وفكر طائفي.

  أما إذا انتقلنا إلى أخر مشهد في الرواية، والذي يمثل مشهدا ختاميا، كان هذا الحوار يجري بين "شهرزاد" و"سهر":

«وهنا أدركت شهرزاد، وقالت وتوتة توتة فرغت الحدوتة، بكت سهر:

- لماذا لا يتزوج الحبيبيان؟

- قدر الزمن.

- ومن هي روحي الثالثة يا خالتي.. ؟

-هي روح الشمس وحكايتها مع الحاكم بأمر الله غدا؟

-إن شاء الله».([14])

  إن المشهد الختامي، يسرد لنا أخر أحداث قصة (نور ومحب) كيف أنهما لم يتزوجا، "السيد حافظ"، ختم روايته بمزيد من التشويق حينما أحالنا إلى جزء آخر للرواية بعنوان" حكاية شمس والحاكم بأمر الله".

  وفي الجملة، سواء كان للمشهد وظيفة اختتامية أو افتتاحية، أو الكشف عن الملامح النفسية والاجتماعية للشخصيات، فانه يخلص دائما إلى الإعلان عن نفسه كتقنية زمنية الهدف منها إحداث توافق وتلاؤم تام بين زمن القصة وزمن الخطاب، وذلك باستعمال الأسلوب المباشر وإدماج الواقع التخيلي في الخطاب. ([15])

1-2-2 الإيجاز:

  إن تقنية الإيجاز أو التلخيص تبرز عدم التوافق بين زمن القصة وزمن الخطاب، فالروائي يقوم بتلخيص عدة سنوات من حياة الشخصية في بضعة اسطر أو صفحات، إذ انه يقوم بمسح سريع على الأحداث فيعرضها لنا مركزة ومكثفة وموجزة.

  إن "السيد حافظ" قد استعمل الإيجاز، بخاصة عندما قدم الشخصيات، وهذا ما يظهر جليا في تقديم لشخصية (نور)

  « كان يا مكان روحك الجميلة جسد بنت اسمها نور.. نور بنت 17 عام طولها 165.. وحيدة كان أخواها الشابان في حرب مصر مع إثيوبيا.. صارت روح أمها وأبيها.. تعلمت اللغة الهيروغليفية، وتعلمت لهجة الإسرائيليين.. نور ليست أنثى بل غصن من ياسمين تفوح عطرا في سيرها.. ، أبوها اسمه كنعان.. قال لها جد جده مصريا يتبع اخناتون، وقد فر أجداده من بطش جنود وكهنة توت عنخ آمون، مع الأهالي الذين يؤمنون باخناتون إلى تل بسطا وهان الحجر (الشرقية)، وهناك وجدوا بقايا الهكسوس والإسرائيليين، فتزوج من عبرانية، فأصبحوا أتباع يعقوب، وأحب موسى اعتنق مذهبه وأصبحوا من بني إسرائيل(عبرانيين).. »([16])

  لقد قدم لنا الروائي في فقرة قصيرة حياة "نور" وعائلتها، كما لخص لنا كذلك حياة جدها فتحدث عن ديانته وعن زواجه من عبرانية وكيف أصبح هو كذلك من العبرانيين.

  كثيرا ما يرتبط الإيجاز بالأحداث الماضية، وهذا ما يجعل هناك علاقة وطيدة بين الاسترجاع والإيجاز، والروائي يقوم بهذه المزاوجة بين التقنيين قصد سد الثغرات الحكائية، فيقوم بتقديم معلومات عن ماضي الشخصيات والأحداث التي شاركت فيها.

  ولتجسيد هذه الصلة القائمة بين الاسترجاع والإيجاز، يمكن استجلاء ذلك من الرواية، حيث حدَّث "الأب كنعان" ابنته "نور" عن "موسى" فقال:«إن موسى أمضي ثلاثين عاما في قصر فرعون، تعلم اللغات والعلوم وفن العسكر، وفي معبد هليوبوليس حين أرقى العلوم ولفنون واللغات، وعاش عشر سنوات في مدين في الأردن بعد خروجه من مصر»([17])

  إن الكاتب يختصر لنا في الأسطر السابقة، فترة طويلة من حياة "موسى" ومن الملاحظ في هذا الشاهد امتزاج الاسترجاع بالإيجاز حتى لا تظهر الفروق بين التقنيتين.

  ومن الملاحظ أيضا على المثال السابق ذكره، إن الكاتب استعمل عنصراً مساعداً في الإيجاز ليسهل على القارئ تقدير المدة، وذلك عن طريق إيراد عبارة زمنية والتي تمثلت في " ثلاثين عاما " وكذلك عبارة " عاش عشر سنوات".

(يتبع)

 

1-2-3 القطع (الحذف):

  يلعب القطع أو الحذف دورا حاسما في اقتصاد السرد وتسريع وتيرته، وهو يعبر عن دلالات عدم التوافق ذلك لأن المسافة الزمنية تكون أكبر من المساحة الكتابية، لان الراوي يقوم بحذف بعض الأحداث، ويكون هذا الحذف على نوعين إما معنويا أو صريحا أو ضمنيا.

  إذا توقفنا قليلا عند النوع الأول وهو الحذف المعلن والذي يعبر عن الإشارة للمدة المحذوفة مثل «مضت بضع سنين».([18])

  ومعنى هذا إن الروائي يذكر المدة المحذوفة من زمن القصة، ويكون ذلك استدراكاً للدلالة الزمنية التي حذفت آنفاً، ومثال ذلك من رواية "كابتشينو":

« وبعد عام من النفي اختلف رفاق الثورة في المنفى.. »

  إن هذا النوع من الحذف (المعلن)، والموضح في هذا المثال، ينحو نحواً بارزاً، فالقارئ لا يجد معه أدنى صعوبة في متابعة السرد، فما عليه سوى طرح هذه الفترة من حساب القصة، والاستمرار في القراءة كأنه لم يحدث شيئا.

  أما النوع الثاني من الحذف وهو الحذف الضمني غير المحدد، فتكون الفترة المسكوت عنها غامضة وغير مضبوطة بدقة، ومثال هذا من الرواية، ما جاء في نهاية الرواية:

 « بكت نور طويلا، ومرضت وشفيت، وبعد سنوات تزوجت من شاب يعمل طبيبا اسمه دانيال..»([19])

  إن عبارة "بعد سنوات" في هذا المثال تجعل القارئ لا يقدر المدة بدقة، وهذا ما يجعله يتكهن بحجم الثغرة الحاصلة في زمن القصة.

  بعد عرضنا للنوعين الأساسيين للحذف (المعلن والضمني)، يمكن أن نستنتج أن رواية "كابتشينو" تدخل في النوع الأول، وذلك لان الحذف فيها غالبا ما يأتي مصحوبا بإشارة إلى المدة المحذوفة، إذن السمة المميزة للمشاهد المدروسة من الرواية، هو أن إسقاطها للزمن كان مكشوفا فالمدة معلومة لدى القارئ.

وفي الأخير يبقى الحذف بمختلف أنواعه، من أحد ابرز التقنيات المستعملة في الرواية، فهو عنصر بنائي لا غنى عنه في كل عمل روائي.

1-2-4 التوقف:

  إن التوقف يشبه المشهد في كونه يعبر عن حالة التوافق والتلاؤم بين زمن القصة والخطاب، «ففيه تتوقف وتيرة السرد وسرعته، ليبدأ الوصف ».([20])

إن الوصف في رواية "كابتشينو" كان دقيقا، يجعل القارئ يتخيل الصورة، ويشعر وكأنه عنصر مشارك في الرواية، فالروائي يهتم بأدق التفاصيل، وقد اختار تقنية التوقف ليفتتح بها الرواية. فقال:« شهرزاد تجلس أمام الدار.. الدار بني على التل.. التل يطل على القرية.. قرية سهر وشهرزاد.. شهرزاد تجلس وعينها الزرقاء وشعرها الأصفر وسنتان ذهبيتان تظهران عند الابتسام..»([21]).

  إن "السيد حافظ"هنا، ينقلنا من وصف شامل إلى الوصف الجزئي الدقيق، إذ في البداية تحدث عن "دار شهرزاد" ثم راح يصف مكانها، فهي على التل، وهذا الأخير في القرية. ثم بعد ذلك عاد ليصف لنا الملامح الخلقية "لشهرزاد"«عينها الزرقاء وشعرها الأصفر وسنتان ذهبيتان.. »، وبالطريقة نفسها وصف شخصية (نور) فقال: «نور بنت 17 عاما طولها 165 سم.. نهداها ناهضان في شموخ وكبرياء.. »([22])

  أما إذا انتقلنا إلى نوع آخر من الوصف، وهو الوصف الانتقالي أي الانتقال من حالة إلى أخرى، فمثلا:« نور شمعة في حياة أبيها المظلمة.. كل فتيان الحي وكبار السن من الرجال يعشقون رائحتها وهي تمر من جوارهم كأنها باقة ورد تمشي على الأرض.. السماء أعطتها بعضا من نورها والقها حتى تبهر بعض البشر.. »([23])

  والانتقال من حالة لأخرى تتضح في هذا المثال، فنور هي التي جعلت تعاسة أبيها تنتهي فهي شمعة أنارت حياته.

  إضافة إلى هذا نجد الروائي يقف كثيرا عند "الجبل" ويحمله عدة مدلولات يقول: «كاظم يحب الجبل.. الجبل مجنون، وأحيانا مفتون، وأحيانا بلا أخلاق.. وأحيانا يكن ويسكت ويتأمل، وتشعر انه كائن هادئ، ساكن، ولكنه يراقب كل شيء ويسكت، ويظل يراقب ما يفعل الإنسان فهو ظلوم جهول.. الجبل لئيم وحكيم.. »([24])

  كما ذكرنا سلفاً إن المكان والزمان، يتصلان لدرجة كبيرة لا يمكن معها الفصل بينهما، وهذا المثال يوضح ذلك؛ فالجبل مكان، والروائي في هذا المقام وقف عنده وقفة وصفية، وحمله بعدة مدلولات متضادة، فأحيانا يجعل منه مجنونا، وأحيانا أخرى ساكنا ثم مفتونا، فالروائي بوصفه لهذا للمكان جعل منه كائنا يحس مثل الإنسان أي أنه "أنسن المكان".

  وفي الأخير لقد اتضح بان التوقف وكذا المشهد كلاهما، يبطئان ويعطلان زمن القصة على الاستمرار، وكذا يمددان في الأحداث من حيث وتيرتها.

2- بنية المكان في رواية" كابتشينو":

  الرواية في الغالب تنسب إلى الزمان والمكان، ولا يتصور أن تكون بدونهما. وقد شهد المكان تطورًا كبيرًا؛ و اخذ عدة تعريفات من بينها الحيز أو الفضاء؛ وهو مصطلح اشمل من المكان الذي يتحدد بالموقع الجغرافي سواء كان حقيقيًا أم خياليًا. إذ يرى بعض النقاد أن تسمية المكان تعد قاصرة أمام إطلاقات أخراة أشمل وأوسع.. لأن المكان لدينا ما عني حيزًا جغرافيًا حقيقيًا، حيث نطلق كلمة الحيز في حد ذاتها على كل فضاء جغرافي أو أسطوري أو كل ما يند عن المكان المحسوس كالخطوط والأبعاد والأشياء المجسمة.([25]) فالفضاء الروائي يخلقه الخيال وتبدعه اللغة. إذ يقال أن «الفضاء الروائي هو فضاء لفظي بامتياز»([26])

  وهناك من يجعل الفضاء معادلاً للمكان وهو الذي تصوره الرواية.([27]وهنا المكان هو كمقابل للزمان ويعد المكان عنصرا مركزيًا في تشكيل العمل الروائي، وأن العمل الأدبي حين يفقد المكانية فهو يفقد الخصوصية. وبالتالي هناك من الروائيين من يجعل ارتباطا وثيقا بينهم ألا وهي المكان والزمان والشخصيات والحدث الذي يتحدد في زمان معين، إذ أن العلاقة بينهم تجعل الباحث يفهم تصرفات وحركات الشخصيات، وهذا ليس دليلا على كون المكان هو الذي يصوغ الشخصيات؛ لكن حتى الشخصيات والأحداث تحدد المكان وهنا فإن العلاقة بينهم علاقة تأثير وتأثر.([28])يأتي المكان في هذه الرواية غامضا في تحليله وكما أن الروائي عبر أحيانا عن المكان وأشار إليها مجرد إشارات عابرة.

2-1 المكان الأليف:

2-1-1 الدار:

   إن الروائي أضفى على هذا المكان " الدار" جماليات عدة منها حسن الهيئة وقوة البناء، وسعتها ورحابتها وارتفاعها. ولارتفاع الدار تبعث وتجلب الأنس والرضى، وهو المكان الذي استهل به "السيد حافظ رجب" وكأنه وهب لهذا الفضاء الواقعي الموضوعي الريادة في السيرورة السردية لأحداثه الروائية على غرار ما ورد في قوله:« شهرزاد تجلس أمام الدار»([29])حيث يمثل هذا الفضاء الأساسي للحكي كما سترد عبارة "الدار"بشكل تكراري، ويعتبر هذا المكان بالنسبة لشهرزاد والشخصيات الآخرى المكان الذي يلتجئون إليه.

  وعبارة "الدار" ستبعث سريعاً إحساسا بهدوء وراحة الجسد والنفس، أننا نعيش في قلب البيت الذي في التل الذي في القرية، كما أنه يدل على الوجود الحقيقي للإنسانيَّة ويدل أيضا على البساطة والتواضع وهو محل التقاء سكان "القرية" لطلب النصيحة من "السيدة شهرزاد" .

ونلاحظ توافقًا وانسجاماً تاما بين المكان والحدث الواقع فيها، وهناك العديد من المواطن التي اقترنت فيها بذكر الأمكنة وهذا وفقا لنمو الحدث وتحول الشخصية وحركتها؛ حيث أن هناك علاقة وطيدة بين المكان والشخصيات، ولا يمكن تصور انفصالهما وكل له دوره تجاه الآخر، فالمكان يكشف عن الشخصيات وأيضا الشخصيات تعطي للمكان قيمته من خلال تجربتها فيه.([30])

  ومكان " الدار" هو مكان خاص وهو احد الأماكن الأساسية التي ارتكزت عليها الرواية. إذ تتجلى علاقة الشخصية بالمكان في رواية "كابتشينو" حين راح السيد حافظ يصف لنا شهرزاد في دارها، وإحساسها بالدفء، ف "الدار" هنا تبرز قيمة "شهرزاد" ومثال ذلك «.. اقتربت منها وهي جالسة أمام الموقد تصنع القهوة السادة.. »([31])، ومن خلال هذا يقول "حسن بحراوي":«وذلك لأن بيت الإنسان امتداد له »([32])؛ أي أن "الدار" تعبر عن صاحبها.

  إن للمكان سلطة على الفرد ويتكيف هذا الأخير معه، وهذا ما فعله فضاء "الدار" بشهرزاد وسكان القرية حيث أن هذه الدار تطل على التل، والتل يطل على القرية. و" الدار" هنا تكون منطلقا للعديد من الأحداث وسرد لكثير من الحكايات التي ترويها شهرزاد لسهر.

  كما أن هناك دلالة رمزية ونفسية لهذا الفضاء؛ إذ يعبر عن الاستقرار والسكون و يعبر عن اللحمة والدفء العائلي وهو يفرض نمطا من العلاقات الاجتماعية مع الجيران ويبين ارتباط الشخصية بواقعها وبأصحاب القرية ونجد ذلك في قوله:«تمر النساء والرجال على شهرزاد وهي جالسة أمام الدار لإلقاء السلام.. وكل النساء تحبها لأنها تنصحهن بكيفية كسب الرجال.. وكل النساء تبث لها الأخبار..».([33])وعلى هذا فإن هذا المكان للاستقبالات، وتحدث فيه السهرات ويغدو مكانًا لتبادل وتجاذب أطراف الحديث، كما يعبر عن المكان الذي مارسوا فيه أحلام اليقظة، وتشكل فيه خيالهم.

  وإن "موقد النار" يضفي على الدار طابعًا بهيًا ويزيد من دفئها رغم البرودة الشديدة في الشتاء ويشعرها بالأمان وهو يعد موضع تجمع "شهرزاد" بزائريها كما تصور لنا حياة اجتماعية خاصة لأنها رمز السعادة. و"شهرزاد" في هذا المكان كأنها لا تريد التغيير وتريد البقاء في بيتها العائلي الذي تشعر فيه بالدفء وكأنها تحن للأيام الماضية، وهذا المكان "شهرزاد" عايشته بكل سلبياته وإيجابياته. وهنا الروائي وصفه وصفا نفسيا لا وصفا موضوعيا «وأن الفضاء الروائي يمكنه أن يكشف لنا عن الحياة اللاشعورية التي تعيشها الشخصية»([34]). وذكر الروائي لغرفة النوم التي اختبات فيها "سهر" فهذا دلالة على كون دار شهرزاد آمنة ويتضح ذلك من خلال قول السيد حافظ«خافت سهر واختبأت في حجرة نوم شهرزاد»([35]). و إن هذا المكان مرتبط بالشخصية «إننا ننسى غالبا أن هناك تأثيرا متبادلا بين الشخصية والمكان الذي نقيم فيه.. »([36]).

  إن "الدار" شكلت مصدراً للذكريات إذ أن شهرزاد عند سردها للأحداث كانت بصورة استرجاعية متمثلة في حكاياتها لسهر عن " موسى ونور ومحب"، وهذا ظاهر من خلال قول الروائي:«سهر يسكنها هاجس حكاية نور وموسى..»([37]). إذ أن الروائي استطاع أن يصور لنا الأحداث التي ربطت بين "محب ونور" وصورها بطريقة حميمية واستطاع أن يجسد لنا حياة سيدنا موسى بكل تفاصيلها الجزئية وجعلنا نتصور الأحداث والحياة التي عايشوها في أذهاننا ويتجلى ذلك في:«إن موسى أمضى ثلاثين عاما في قصر فرعون.. وعاش عشر سنوات في مدين في الأردن.. ».([38])

  إن اهتمام "السيد حافظ" بهذا المكان زاد من ثراء الرواية، فضلا عن ذلك يعد مكانا رئيسيا في الرواية، كما أنه أبدع في وصف هذا المكان«البيت جسد وروح، وهو عالم الإنسان الأول»([39])، وهو الذي ساعده على خلق مكونات أخرى قد تكون أبلغ وصفًا من سابقتها، و إن المناظر التي كانت حول هذا المكان جعلت القارئ يتشوق لما هو آت في الرواية، ومتشوق للتأمل والتمعن في مضامينها والجمال المبثوث فيها. وعلى ما احتوته من سير للأحداث المتتالية والترقب لمصير هذه الشخصيات.

2-1-2 موقد النار:  

  إن "موقد النار" هو من الأماكن التي تغنى بها مسكن أو دار "شهرزاد" لأنه كان مصدر الدفء في الشتاء البارد ويعبر عن الشعور بالأمن، كما انه يمثل مكان تبادل الأحاديث والحكايات وتجاذبها بين الناس التي تلتف حوله، وهو مكان صنع القهوة السادة كما يوضحه المثال في رواية السيد حافظ من خلال قوله:«اقتربت منها وهي جالسة أمام الموقد تصنع القهوة السادة..»([40])، وان الروائي وصف لنا "الموقد" والأحداث التي تدور حوله، و"موقد النار" هو الوحيد القادر على كسر برودة الشتاء وقسوته، وإن للموقد أهمية كبيرة عند المجتمعات سواء القديمة منها أم المعاصرة، الفقيرة أم الغنية، وهو من العناصر التي لا يمكن التخلي عنها في أي عصر من العصور. وتظهر حاجتنا له من خلال هذا القول: «تظهر أهمية "الموقد" من الحاجة إليه، لأنه يبعث الدفء والإحساس بالأمن.. والراحة، فقوة الجدران، وحصانة السقف، لوحدها لا تحمي البيت أيام الشتاء من البرد.»([41])

2-1-3 غرفة البيت:

  ثم إن الروائي انتقل من الفضاء المغلق إلى المكان الأكثر انغلاقا وهو غرفة البيت التي تعد مكاناً خاصاً، وهو من الأمكنة التي امتازت بها رواية "كابتشينو"، حيث كان وصف هذا المكان وصفاً واقعياً دقيقاً، وحتى من حيث سرد الأحداث فهي الأخيرة كانت واقعية.

  وعلاوة على ذلك فالسيد حافظ رجب يركز على بنية الأجزاء ليتمم لنا الصورة وتصبح واضحة وشاملة للأحداث حيث بدأ يصف لنا الأحداث من خلال علاقة "كاظم بوردة"«كاظم شارد طوال الوقت و في قلبه تسكن سهر، ظن ذات يوم أنه سوف ينساها أو نسيها خاصة حين يحاول دخول غرفة النوم.. ».([42])الأحداث المتعلقة بوردة تسير ببطء شديد وكأن "السيد حافظ" أرادها أن لا تبرح مكانها«وذلك سعيا وراء تعميق حياتها الداخلية، وعدم الدفع بها إلى المغامرة في الخارج.»([43])ثم انتقل بنا إلى غرفة شهرزاد تتوضح من خلال المشهد الآتي «خافت شهرزاد و اختبأت في حجرة نوم شهرزاد بعد ارتباكهما..»([44])فغرفة "شهرزاد" هنا تدل على المكان الآمن من كل خطب. كما أن غرفة النوم لها دلالة عن الحنو إلى الماضي السعيد، وكما تدل على ممارسة الأحلام وبخاصة أحلام اليقظة التي تدل على غربة الحبيب والابتعاد وتدل من ناحية أخرى على تجرع الأحزان والهموم لأن "شهرزاد" كانت تأمل عودة زوجها إلى الحياة، وهذا ظاهر في هذا القول:«ترى ماذا تقول الوردة في المساء في غرفة النوم لشهرزاد حين تضعها على الوسادة التي تجاورها؟..»([45]).


 

 

2-1-4 قصر فرعون:

  أشار "السيد حافظ" إلى هذا المكان في روايته أنّى ترعرع سيدنا موسى عليه السلام، و في هذا المكان تتوإلى الأحداث. كما يرتبط بالزمان، ويعد مركز العلم والمعرفة ومركز تعلم فنون القتال والعسكر إذ أن الروائي هنا أبدى أهمية هذا المكان، وهذا ظاهر جليا في قوله::« كنعان أبو نور يقول لابنته نور: أن موسى أمضى ثلاثين عامًا في قصر فرعون ، تعلم اللغات و العلوم و فن العسكر.. »([46])؛ وهنا الروائي يسرد الأحداث التاريخية بطريقة مشوقة و يبين لنا مدى أهمية هذا المكان .

  هذا المكان يتجلى ضمن المكان الموضوعي " وتعني موضوعية الوصف إيراد الكاتب جميع عناصر الشيء و هيآته و أحواله "([47])إذ جاء هذا المكان بصورة استرجاعية ذهنية ، حيث قام الروائي باسترجاع الأحداث التاريخية و صورها لنا بحذافيرها و بكل تفاصيلها .

  وذكره للقصر إشارة إلى النعيم و المكانة السامية و تبيان محاسن هذا "القصر" و فخامته كما بين لنا الترف والبذخ الذي أحيط بهذا "القصر"، ويمثل أيضا مكان المخاطر و التهلكة من خلال قول "السيد حافظ": «.. موسى الذي تربى في البلاط الفرعوني.. و أصبح قائدا مهابا ، ولكن واجهته ثورة فلم يكن موسى مصريًا خالصًا ، ورغم انه تعلم في هيبوليس مع اكبر الكهنة فلم يهتم بتأدية الشعائر المصرية ، واضطر موسى للهرب إلى مدين.. »([48])، كما يعتبر قصر فرعون مكانا بدلالة سلبية إذ به قتل الأولاد ووأدهم وهو هنا مكان الظلم و الاستبداد و القهر .

إن الروائي بعدها انتقل من مكان مغلق إلى مكان مفتوح و هو"التل".

2-2 المكان المتناهى في الكبر:

 2-2-1 التل:

   مكان وجود "دار شهرزاد " وهو يدل على العلو حيث وردت عبارة "تل " في قوله: «الدار بنيت على التل.. التل يطل على القرية»([49])، والمكان المرتفع غالبا ما يدلّ على السمو والرفعة.

  وهو يوحي إلى أن الإنسان فيه يتيه ويفقد نفسه. ولهذا جسده الروائي في روايته "كابتشينو" ليدل على عمق المدلول وأصالته، علاوة على ذلك ذكر هذا الفضاء مرة أخرى وكان ذلك في قوله:«صعد كاظم إلى التل »([50])، وهذا دليل على كون "التل "كان المتنفس الوحيد "لكاظم" إذ كان من خلاله يخرج ما بداخله من مشاعر ومكبوتات، وتكرار هذا الفضاء كان للدلالة على أهميته في هذه الرواية.

2-2-2 القرية:

يعمد الروائي إلى تكرار كلمة "قرية"ويظهر ذلك جليا في قول "السيد حافظ" من خلال روايته "كابتشينو" «التل يطل على القرية.. قرية سهر وشهرزاد.. » ([51])، وهنا للدلالة على الانتماء الاجتماعي والنفسي، وكأن "القرية "هنا هي خاصة "بسهر" و"شهرزاد"، بينما يرتبط المكان أشد الارتباط بالشخصيات إذ أن وجود هذه الشخصيات دليل على وجود "القرية "والعكس. ومرد ذلك إلى كون صورة "القرية" تضغط على تفكيره وخياله، وكل هذا من اجل أن يشد القارئ لجمالية هذا المكان. كما أن الروائي في هذا المقام يبين لنا ويدقق في هذا المكان ويشد انتباهنا إلى جمال وبساطة "القرية "ومنظرها الخلاب الذي يسحر النفوس. كما يبين لنا وظيفة هذا المكان و يعرض لنا جمالياته على سبيل التدرج. و"للقرية" تعابير شتى من أخوة ومساعدة بين سكان "القرية " لبعضهم بعضًا، كما" تمتاز بكونها تخلو من مظاهر الفوضى التي تعيشها المدينة، وسكان"القرية" ليسوا شعبا كئيبا، هم في الغالب سعداء مطمئنون، لأنهم.. يجهلون ما تسميه الحضارة الغربية «اللارضى» لا يعانون، بعيدين عن التوترات والمنغصات النفسية الناتجة عن الاحتكاك بالآخرين، وهم شعب متسامح بطبعه تسوده العلاقات المنبثقة عن حياة الريف، إذ أن المجتمع القروي تقوم علاقاته أيضا على التواصل و التفاعل فيما بينهم، ولهم خصائص تميزهم عن غيرهم من المدنيين كالتمسك بالعادات والتقاليد والقواعد والسلوك الجمعي والعرف وهم أكثر الناس تمسكا بالدين([52]).

2-2-3 الجبل:

  ارتبط هذا المكان واقترن بالبحث عن الراحة النفسية والاطمئنان كما ارتبط بلحظة زمنية واحدة تمثلت في الحاضر، لكنه ذكر بصفتين مختلفتين الأولى كونه مكانا يبرز من خلال اتصافه بالبرودة، أما في الثانية فذكر بطريقة صريحة عابرة، والعبارة الأولى التي ورد بها في قوله:« جاءت سهر إلى شهرزاد.. اقتربت منها وهي جالسة أمام الموقد.. فمازال البرد في الجبل.».([53])يرتبط "الجبل" هنا بشخصيتين وهما "شهرزاد" و"سهر"؛ إذ تربطهما بالجبل علاقة مباشرة البرد الذي في "الجبل" هو الذي جعلهم يقتربون من الموقد ويصنعون القهوة السادة، وقد ظهرت هذه العلاقة من خلال أن قرية "شهرزاد" و"سهر" محاذية للجبل ظاهر جليا من خلال قوله:«الثلج يغطي الجبل المطل على قريتنا في الشتاء»([54])، ويوحي الجبل بالعلو والصلابة والشدة والقوة والرسوخ والفخامة، ويدل أيضا على الهيبة وعلى الجلد والصبر عند الرجال العظام ،و«ما دام هو عاليا فهو عظيم، إن علو موقعه برهان على عظمته» ([55])،كما أن للجبل قيمة عاطفية أكثر من قيمته المادية ذلك أن الوصف الذي تأتى عليه كان ملتحما بالسرد لأنه يهدف إلى إظهار العلاقة بين الجبل والشخصيات والدور الذي تلعبه برودة الجبل في إضفاء اللحمة بين الشخصيات.

أما العبارة الصريحة الثانية فتأتت على الشكل التالي:« المكان / الجبل » ([56])، إن السيد حافظ هنا أشار إلى هذا المكان مجرد إشارة وفي هذه الرواية يعتبر الجبل فضاء رئيس، وفيه تتوإلى الأحداث .

 الجبل بالنسبة لسهر هو نوع من إحساس الاطمئنان المتصل اتصالا مباشرا بروحها أولا وبجسدها ثانيا من خلال قوله:« سهر على الجبل.. الذي خلق السهل والجبل.. صعدت سهر على الجبل كي ترى الخالة شهرزاد.. »([57])، وهذا الاتصال إنما هو اختياري. وعلاوة على ذلك فالروائي دائما يربط المكان بالشخصيات في قوله أيضا:« صعدت الجبل، والعصفور يطير فوقها كأنه حارس كأنه طفل شقي يراوغ صديقته أو حبيبته.. لأول مرة ترى الجبل من فوق الشجر.. »([58]). وهناك مثال آخر يدل على البحث عن الاستقرار والأمان.

  2-2-4 سماء سوريا ولبنان وبلاد الشام:

  وظف "السيد حافظ" الرموز المكانيةإ إذ تدل على المكان العتيق عموما، وهذا المكان له وجود تاريخي عريق عند العرب، وهنا للدلالة على القومية. ولهذا المكان إيحاءات متعددة أخرى؛ حيث انه مكان مجازي، وجاء هذا الوصف من خلال العبارة «.. تعانق عيناها الأفق الأزرق البعيد عن السماء.. سماء سوريا ولبنان وبلاد الشام.. »([59])، وهذه الرؤية التي صورها لنا "السيد حافظ" هي خيالية ويهدف من خلالها إلى إشعارنا بمكانة هذا المكان وعلو منزلته، ويحسسنا من خلال تكرار استعماله بصلة القومية التي بيننا والإحساس بقوة هذه الصورة التي جسدها في روايته "كابتشينو" وهي صورة تدل على الأمل بعد المعاناة المريرة؛ وهي معاناة جرّاء الغربة التي تعيشها الشخصية، لذلك قال أنها تعانق عيناها الأفق الأزرق السماء.. سماء سوريا ولبنان وبلاد الشام أي أنها تناشد الوطن وتحن إليه، وهي هنا للدلالة على الاحتماء والحنو إلى الوطن كما ذكرها الراوي الارتباط مع مختلف البلدان العربية .

2-2-5 الصحراء:

  من الأماكن المفتوحة التي وظفها الروائي "الصحراء" ولها دلالات الاتساع والفخامة واللانهائية.. وامتداد يحمل حركة.. فسعة الصحراء تمنحها الرحابة.. وشساعتها تغري البصر ليكتشف ما فيها، وهي تدعو للتأمل المقترن بالبهجة.([60]) والصحراء تضفي على الحياة المتعة وتشعل الشوق بوجدان مشاهدها؛ حيث أنها تؤثر فيه بجمالها من كثبانها المترامية هنا وهناك، وتزيد من انفعالات الناس، كما تؤثر في أفكارهم وعواطفهم لأن جمال هذا المكان ومساحته الواسعة أثرت وتركت صورة راسخة وعميقة في نفسية متأملها.

والصحراء في رواية كابتشينو ذكرها الروائي لأنها أثارت اهتمامه، ومشاهدة هذا المكان من خلال التأمل يبعث في النفس هدوءً وأمنًا، وللصحراء دلالة أخرى ألا وهي الخوف والرهبة لان الصحراء الواسعة يتيه فيها الفرد إذا لم تكن له خبرة الغوص في أرجائها، فالصحراء ههنا تعبر عن الموت المحتم والفناء، وهي أيضا حاملة لهموم كثيرة ويتجلى هذا الكلام من خلال قول "السيد حافظ":«بي وهج حزين.. الحزن في أوردتي هوية تسير ربما جاء الحزن.. من العشق والصحراء.. ربما..»([61]).

  وإن ذكر الروائي لمكان الصحراء كان وكأنه يهيئ القارئ أو المتلقي ليسافر به في شساعة الصحراء «.. وكأني أرى.. قد هيأ ذهن المتلقي ليضعه أمام شساعة المكان وامتداده، أمام الإيهام والمخادعة وموت الزمان.. »([62]).أي أنه هنا كأنه يبهر القارئ بهول وروعة جمال هذا المكان، وكيف بإمكانه أن يوقف الزمان بك من اجل أن تتأمل في هذا المنظر الخلاب.

  إن هذا المكان متصل بشخصيتين وهما "محب ونور" كونهما عاشقين ويبن لنا العلاقة بين الشخصيات وبين هذا المكان وكيف تأثروا به من خلال سحر هذا المنظر، ويتضح تأثير الصحراء في الشخصيات من خلال القول الآتي:«الصحراء تربي نفوس أبنائها، صفات الشجاعة والجرأة والكبرياء العنيدة، كبرياء الرجال العظام »([63])، وفي هذه الصحراء يكمل الروائي ويفصل لنا الأحداث بكل حذافيرها من خلال ما جرى بين "محب ونور".

2-2-6 مصر:       

  تتوضح دلالة "مصر" من خلال قداستها وعراقتها، ولما لها من خصوصية إذ تتميز بآثارها القديمة وبشساعة النيل الأزرق وتمتاز بالعلم الغزير والوفير. كما لم يفت الروائي أن بين لنا الحكام والملوك الذين تداولوا عليها إلى جانب ما تتميز به من صفة خاصة ألا وهي تعاقب الأنبياء والرسل عليها، من خلال قوله:«حكى كنعان إلى ابنته نور عن طرد أحمس فرعون مصر الملوك الهكسوس، الذين كانوا يحكمون مصر، وحكى لها عن النبي يوسف ابن النبي يعقوب الذي تولى وزارة الاقتصاد والمال في مصر».([64])وهنا دلالة على الشموخ والعزة والمكانة المرموقة، مصر مكان المعابد والأهرامات العجيبة لذلك صنفت كونها ضمن عجائب الدنيا السبع، وهذا ما دل عليه قول "السيد حافظ":«كان يا مكان في بلاد مصر أم العجائب والغرائب.. ». ([65])

2-2-7 نهر النيل:

  يمثل النيل الشساعة والامتداد والجمال الطبيعي الذي يزيد المشاهد الروائية رونقاً وتضميناً، وانفتاحه على الدار من خلال هذا المشهد: «..فلما وضعت ألهمت أن تتخذ له تابوتاً ربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل..»([66]). وإن ضفاف النيل يجعل المنظر في قمة الروعة والجمال والنيل كان وما زال مصدر رزق لكثير من المصريين ونهر النيل مصب للعديد من المزارع وحتى الأماكن المحيطة به فيجعلها أكثر خصوبة و نماء وأيضا يدل على الحركة والتغيير والتجديد من خلال:«.. وقيل أن بنت فرعون التي ذهبت لتغتسل في النهر فعثرت على تابوت موسى وتبنته.. »([67])، وإن شاطئ النيل هو مكان استحمام النسوة ومكان تدريب شباب الجيش على السلاح في الساحة المقابلة له، وقد شهد على الكثير من الأحداث بين(نور ومحب) حيث أنه يعتبر مكانا عاطفيا بامتياز وهذا يتأتى من خلال المشهد التالي:«تخرج البنات على شاطئ النيل أمام الجزيرة، ويقوم شباب العسكر والجيش في الساحة المقابلة للسباق على الخيول والتدريب على السلاح..ونور تقف لترى محب..، عندما ترك محب حصانه ونزل إلى النيل ليحضر بعض الماء للحصان، اتجهت نور مسرعة نحوه وتقدمت وهي تحمل قدر الماء ووقفت أمام الحصان الذي أخذ يشرب من قدرها.. ».

  ونهر النيل عند التأمل فيه يذهب الحزن والضجر الذي غص في النفس، ويتضح في النص اتساع المكان وعاطفيته من خلال هذا الحوار:«حين نمنح شيئا ما مكاناً شعرياً فذلك يعني أن نعطيه مساحة أكثر مما نعطيه موضوعية. أو بشكل أدق أن الشيء يتبع تمدد مكانه الحميم».([68])ومياه النيل الجارية تبعث في النفس الراحة والاسترخاء والراحة وعلى انعكاس ضوء القمر والشمس التي تضيف له بريقاً ولمعاناً وسعة النهر وجريانه على قدر سعة خيال الروائي.([69]) وهذا ما جعل "السيد حافظ" يحيط بجماليات هذا المكان ويجعلنا نتوقف ونتأمله بكل روية ونستمتع بهذه الصورة كأننا أمامها نستمتع بالنسيم الذي يهب منه، وكذلك يجعل القارئ يطلق العنان لخياله .

  إن الروائي صور لنا مظهر الخيل المسرعة المتحركة على ضفاف النيل من خلال قول "السيد حافظ رجب":«سحب الحصان من اللجام وسار على النيل»([70])وعلى هذا فإن لنهر النيل دلالة أخرى وهي كونه يدل على الهلاك والموت والاضطهاد من خلال هذا المشهد: «.. وأمرهم أن يلقوا بالمولود الجديد الذكر في النيل ليموت غرقاً..نهر النيل ليس كمثله نهر..هو صبى ذكى غبي مرح طيب، خبيث، خامل، هادئ معظم الوقت.»([71])

2-2-8 الإسكندرية:

  هي مدينة مصرية لها تاريخ حافل بالذكريات المفرحة السعيدة والمحزنة الأليمة معاً. وهي تدل على السكون وتفشي الفسق وشيوع المحرمات والعصيان بسبب السياحة وهذا موضح في المشهد الروائي لرواية "كابتشينو في قوله": « السكون في الإسكندرية مثل الملح ضرورة..الإسكندرية مدينة مستباحة صيفا باسم السياحة فتنتشر الإباحية، وهي حالة احتجاج على شكل استسلام، أو عصيان على الحياة..»([72]).

  وتعد من المدن الخاملة التي ليست فيها حيوية ولا تجديد حتى الأحلام فيها مستحيلة؛ وهذا ظاهر من خلال قوله : «.. سأترك الإسكندرية المدينة البليدة الخاملة التي لا يتخطى أحلام مبدعيها محطة قطار سيدي جابر..».([73])

2-2-9 الشارع:

  ذكر الروائي الشارع عدة مرات إذ انه يعد مكانا فسيحا باختلاف أزقة المدينة؛ حيث يجتمع الناس ويمشون في أزقتها، ويلجا إليها الفرد من اجل التخلص من الهموم والسائر في أزقتها لا تسعه شساعتها ولهذا يقول "السيد حافظ":«أرحل من شارع الحنين إلى شارع العطاء».([74])ويقصد الروائي هنا بشارع الحنين أنه يحن إلى الأيام الخوالي لما كان يمشي فيها خاليا من الهموم والمشاكل، ويقصد بشارع العطاء ألا وهو شارع الرحمة والإحسان بين الناس، والشارع يكون أحيانا الملجأ الوحيد للناس الفاقدين لمساكنهم وهذا ظاهر جليا في قول "السيد حافظ ": «.. وخرج صبري الجمل بواسطة رجل داعية إسلامي شهير هناك هو الشيخ محمد متولي الشعراوي أحضر له الجواز والتذكرة بعد أن تم طرده من الفيلا إلى الشارع.. ».([75])والشارع يبوح لنا بالأحداث الأليمة والمفرحة ويذكرنا بالأحداث التي مرت به ونستشهد بقول السيد حافظ لندل على هذا الكلام:

«على ضوء المصابيح في شوارع مدينتنا الساحلية كنا نستذكر الدروس تاريخ حافل صلاح الدين الأيوبي.. عمر المختار.. محمد الخامس.. ».([76])

2-2-10 الحمام:

  إن ورود "الحمام" في رواية "السيد حافظ" لدليل على الإحساس بالراحة وطهارة الروح والجسد من كل ما يبعث على الاشمئزاز وهو ينشط الإنسان، وإن جو الحمام خلال الاستحمام فيه حرارة ودفء يبعث على الاسترخاء. وهذا موضح في«.. حرارة المكان، والخلوة، تهيئ للمستحم جوا مريحا، يبعث الراحة والنشاط والاسترخاء»([77])وهذا مجسد من خلال المشهد الآتي:«.. قالت إنه سيحمي زوجها حتى لا يفكر وهو في الحمام بأي أنثى غيرها.. »([78]).

  والحمام كذلك يدل على مكان التقاء النسوة بعضهن بعضا لكي يتجاذبن أطراف الحديث وخاصة في الاحتفالات وهذا ظاهر جليا من خلال قول "السيد حافظ":«ربما في الأربعين من مولدك ذهبت بك إلى حمام النساء كما قالت لي النسوة وأخذنا البخور والمغات والمشروبات.. والغريب أن كل النسوة كنَّ عرايا في الحمام وحملنك من يد إلى يد احتفاءً بك.. »([79]).

 وإن الحمام من العناصر المهمة في حياة الإنسان لأنها مصدر راحته ونعيمه، ومظهر الإنسان يزيده هيبة بين الناس ويقويه على العطاء في هذه الحياة .

هناك أماكن يستدل بها من خلال حروف المكان وهو ما يسمى الكلم والحرف حتى وإن لم يعرف بأنه: «الكلمة التي تدل على معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها من عناصر الجملة، دلالة خيالية أم حقيقية».([80])وهو«طرف الشيء كحرف الجبل، وفي الاصطلاح ما دلَّ على معنى في غيره.»([81])

3-الحروف المكانية:

  على هذا نكون قد اخترنا قائمة عن نماذج من الحروف المكانية حيث أن:

 3-1 ظرف المكان: يحمل اسم منصوب يدل على مكان، ويتضمن معنى "في" وهي تدل على الظرفية والسببية.([82])

في:

تنصحهن بكسب الرجال في البيت عامة وفي الفراش خاصة وفي القرب وفي البعاد وفي كل الأحوال، البرد في الجبل، أعيش.. في ضجر، ماذا وجدت في القصيدة، شككت في القصيدة، ترغب في أن تمسك، في ألمانيا، في أوروبا، في كل يوم، في الغروب، في النهار، في المساء، في قلبه تسكن نظرات سهر، في كل حصة يرتبك، فذهب في الحال، في الشارع، في حجرة النوم، في الداخل، في قصر فرعون(2)،في معبد هيليوبوليس(2)، في مدين، في الأردن، في مصر، في النيل، في نهر النيل(2)، في النهر، في الساحة، في الشوارع، في اليوم الأربعين، في الحمام، في الإسكندرية، في حالة احتجاج، في القصر، في الشتاء، خلق الجمال في كل النساء، في بلاد مصر، يعيش في الإسكندرية، تربى في البلاط الفرعوني، الحزن في أوردتي.

3-2 حروف الابتداء: وهي التي سبقت ب"من" وقد تأتي للتبعيض.([83])

من:

أما من يستحقها من الرجال لم يظهر بعد، وضع في نهر النيل من بعيد، أخذ يشرب من قدرها، أتأكد من المطر لم يمح رسالتي، من يدٍ إلى يدٍ، أرحل من شارع الحنين، من فوق التل، من المحيط، من البحر، من اليابس، من التل، من اللجام، من فوق الجبل، لأول مرة ترى الجبل من فوق الشجر،هرب من الإسكندرية.

3-4 حروف الانتهاء: وهي الحروف التي تدل على انتهاء الغاية والمجاوزة وتدل أحيانا على الاستعلاء والتمكن: منها"إلى"و"ل".([84])

جاءت سهر إلى بيت شهرزاد، أحلم بالذهاب إلى الإمارات، حكى كنعان إلى ابنته نور، جريت إلى الجدار، ربما ذهبت بك إلى حمام النساء، وحملنك من يد إلى يد، أرحل من شارع الحنين إلى شارع العطاء، أرحل من مدينة الغربة إلى مدينة القلق، إلى المحيط ، إلى النهر، إلى الماء، إلى التل، نزل إلى النيل، اضطر للهرب إلى مدين، ثم طرده من الفيلا إلى الشارع، بدأت البروفات تتحول إلى ضحك.

وهي جالسة أمام الدار لإلقاء السلام، وتحكي لمن تحب، ليراقب الشمس وهي تغرب، تحمل الشمس في الغروب رسائل وجع القلوب في النهار لرب السماء في المساء، ليسأله أن يحضر له سهر ولو لليلة واحدة، قال كنعان لابنته نور، ذهبت لتغتسل، نور تقف لترى محب، اضطر للهرب.

إلى:

 

 

 

ل:

 

 

عملية إحصاء تقريبية للحروف المكانية:

ل

إلى

من

في

الحروف:

10

16

16

45

عدد المرات

  من خلال الجداول السابقة: نستخلص أن السيد حافظ في هذه المشاهد المدروسة قد استعمل "في" و"من" و"إلى" و"ل" هي الأكثر تواتراً.


 



[1]- عبد الله رضوان، البنى السردية (دراسة تطبيقية في القصة الأردنية)، منشورك عبد المجيد شومان، عمان،1990، ط1، ص9.

2- ينظر: حميد الحميداني، أسلوب الرواية (مدخل نظري)، منشورات دراسات سال،ط 1، الدار البيضاء،1919، ص11.

3 - السيد حافظ رجب: رواية كابتشينو، مركز الوطن العربي"رؤيا"، ط1، القاهرة،2013 ص 79.

4 - المصدر نفسه، ص 57.

5- جيرار جينيت: خطاب الحكاية، ترجمة محمد معتصم- عبد الجليل الأزدي-عمر الحالي، منشورات الاختلاف، ط1، المملكة المغربية،1996، ص76.

[6]- رواية كابتشينو، ص12.

[7]- المصدر نفسه، ص13.

[8]- حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي،مرجع سابق، ص 112.

9 - كابتشينو، ص 29.

10- المصدر نفسه، ص 29.

[11] - وهذه لا غرو من تأثير الكتابة المسرحية في سردية الكاتب، وما نستطيع أن نلمسه بالمسرواية، نحت لفنين مسرح ورواية.

12- رواية كابوتشينو ص13-14.

13- رواية كابوتشينو ص 14-15.

14- رواية كابتشينو،ص 399.

15- ينظر: حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، مرجع سابق، ص 399 .

16- كابتشينو،ص17.

17 - المصدر نفسه، ص17-18.

18- ينظر: جيرار جنيت، خطاب الحكاية، مرجع سابق، ص 118.

19- كابتشينو، ص 399.

20- سعيد يقطين، تحليل الخطاب الروائي، المركز الثقافي العربي، ط 2، الدار البيضاء،1993، ص 123.

[21] - كابتشينو، ص 10.

22- مصدر نفسه، ص 17.

23- مصدر نفسه، ص 21.

24- كابتشينو، ص 13.

[25]- ينظر: منصور بوراس، البناء الروائي في أعمال محمد العالي عرعار الروائية: الطموح – البحث عن الوجه الآخر – زمن القلب – مقاربة بنيوية – رسالة ماجستير، تحت إشراف د.محمد العيد تاورته، سطيف، 2009/2010، ص130.

[26] - حسن بحراوي، بنية الشكل الروائي، مرجع السابق، ص27.

[27] - ينظر: غاستون باشلار، جماليات المكان، المرجع السابق، ص 06.

[28] - ينظر: منصور بوراس، مرجع سابق ،ص 131.

[29] - كابوتشينو، ص10.

[30]- ينظر: سليم بتقة ، تلمسات نظرية في المكان وأهميته في العمل الروائي ، مجلة المخبر ، محمد خيضر بسكرة، العدد السادس ،2010 ، ص 2.

[31] - كابتشينو، ص11 .

 [32] - حسن بحراوي ، بنية الشكل الروائي، مرجع السابق، ص 43.

[33] - كابتشينو، ص 10.

[34] - حسن بحراوي ،بنية الشكل الروائي، مرجع سابق، ص 44.

[35] - كابتشينو، ص 16.

[36] - حسن بحاوي، بنية الشكل الروائي،المرجع نفسه، ص44.

[37] - كابتشينو، ص 10.

[38] - مصدر نفسه، ص 17.

[39] - غاستون باشلار، جماليات المكان، مرجع سابق، ص 38.

[40] - كابتشينو، ص11.

[41] - ينظر:حمادة تركي زعيترة، جماليات المكان في الشعر العباسي، مرجع سابق ،ص89.

[42] - الرواية ،ص 13.

[43] - حسن بحراوي ، بنية الشكل الروائي،مرجع سابق، ص 36.

[44] - كابتشينو، ص 16.

[45] - المصدر نفسه، ص46.

[46] - رواية ،ص 17.

[47] -عمر عاشور، البنية السردية عند الطيب صالح ،مرجع السابق ،ص 27.

[48] - كابتشينو، ص 20.

[49] - المصدر نفسه، ص 10.

[50] - المصدر نفسه، ص 14.

[51] - المصدر نفسه،ص 10.

[52]- ينظر: مختار أبو غالي، المدينة في الشعر العربي المعاصر، عالم المعرفة، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الكويت ،1995 ص 25 .

[53] - كابتشينو، ص11.

[54] - مصدر نفسه، ص 48.

[55] -غاستون باشلار، جماليات المكان ،المرجع السابق ،ص163.

[56] - كابتشينو،ص 80.

[57] - مصدر نفسه، ص 84.

[58] - مصدر نفسه، ص 84.

[59] - كابتشينو، ص 10.

[60] - حمادة تركي زعيتر، جماليات المكان في الشعر العباسي، مرجع سابق، ص 77.

[61] - كابتشينو، ص72.

[62] - حمادة تركي زعيتر، جماليات المكان في الشعر العباسي، مرجع سابق ص81.

[63] - مرجع نفسه ص 82.

[64] - كابتشينو، ص 18.

[65] - مصدر نفسه، ص 86.

[66] - مصدر نفسه، ص 20.

[67] - مصدر نفسه، ص 19.

[68] - غاستون باشلار، جماليات المكان، مرجع سابق، ص 184.

[69] - ينظر: حمادة تركي زعيتر، جماليات المكان في الشعر العباسي، مرجع سابق، ص139.

[70] - كابتشينو، ص68.

[71] - مصدر نفسه، ص 18.

[72] - مصدر نفسه، ص 34.

[73] - مصدر نفسه، ص 33.

[74] - مصدر نفسه، ص 38.

[75] - كابتشينو، ص 162.

[76] - مصدر نفسه ، ص 27.

[77] - حمادة تركي زعيتر، جماليات المكان في الشعر العباسي، ص 96.

[78] - كابتشينو ، ص 126.

[79] - مصدر نفسه، ص 29.

[80] -حبيبة العلوي، الفضاء الروائي، دراسة بنيوية في رواية "سيدة المقام" لواسيني الأعرج، مرجع سابق، ص54.

[81]- نادين زكريا، الميسر في الصرف والنحو، دار الكتب الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، ط-1، القاهرة، 2002، ص 161.

[82] - محمد بكر إسماعيل، قواعد النَّحو والصَّرف بأسلوب العصر، دار المنار، ط 1، الجزائر، 2010، ص 113.

[83] - محمد بكر إسماعيل، قواعد النَّحو والصَّرف بأسلوب العصر، مرجع سابق، ص112.

[84] - نفس المرجع، ص 112،113.


 

 



0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More