دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
( 81 )
تداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية
" قهوة سادة " نموذجاً
د. آمال شوقى محمد يحيى
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
كلمة عن د. أمال شوقى محمد
تداعبني الحروف وتخلع الخجل.. حتى تجتز وقاري.. أتساءل هل أهدهدها وأتوسل وأذل ذاتي؟ أم أمتطي القرطاس وأداعب سطور الكلمات ليدفعني الفضول لألتحف ويدثرني حفيف الأوراق.. آه من خجل بات ماضياً والحاضر أصبح حجةً والمستقبل للحب أنواع.. هل أكتم حجة الألسن وروائح الرياض وأبني لي صرحاً رغبةً مني لأبلغ كنوز الأبجدية.. طالما غنت القلوب لحروفك طرباً بينما لا تستطيع الأقلام وصفه على الأوراق.. هبت علينا نسائم ريحان الجنة فكتمنا وما زادنا إلا رقياً ووقاراً.. فنرى الجاهلين ممن اعتقدوا الضعف والرداءة والركاكة في النصوص المكتوبة وأيضا أساليب النقد الأدبي.. والمصيبة العظمى عندما تستفحل الفايروسات بين إعلام وقامات المنابر العلمية.. فتصبح كالترع أو كجرف هارٍ فتصبح الحروف كالأرض البور أو كحروف مهاجرة وهنا يلمع طالع الكواكب السيارة في مدار الرواية أو المسرواية وبين هذا وذلك الطالع يظهر حسن الكواكب بعد الغياب فتشرق الشمس بوهجهها لتسطع بدفئها جسد الأمة وتجلو نقاوة الحافظية لتظهر بأجمل حلتها وحسنها كعروس جهزها حبيبها بنفائس الأحرف ودرر اللغة العربية هنا للإبداع مكان ومقام وشهود وعقود وشر دائم.. وبغض وحسد.. وكيد ويبتعد ويصل إلى المشاجرة والبكاء أحياناً والسهر غالباً
ود بالأجود والأوفر حظاً بالتطور والتجديد والتنوع المتناسق والمتألق حد الإدمان وهذا ما يكون عليه الكاتب الكبير (السيد حافظ) أوضحته لنا (الدكتورة آمال شوقي) الناقدة الراقية الجادة والنادرة المحبة للحرف والكلمة الصادقة وكنز الكنوز بنت موسى وهارون (عليهما السلام) بنت فرعون وقارون.. بنت العظيمة والعبيطة.. بنت كل من عاش عليها خان.. بنت الدلة والفنجان.. بنت النيل والقاهرة.. بنت أم الدنيا.. رمز من رموز السحر والنور والعلم والبرق وتفكيرها المميز بالأسلوب العلمي ومحاربة التشبث ولن تخشى القول بفصاحة الصدق حول النص البهي فتراها تتحملق بالحرف الجميل والنص الجيد وفق التقنية الأدبية والثقافة الفكرية.. فسجلت نتائج دراستها ونقدها هنا إعجاباً وشهادةً لتمنح الكاتب الكبير والعظيم فرصة إضافية للفرص الإبداع وتطوير الرواية من أجل خلق منحوتة تتعمق في أغوار الواقع الإنساني في جميع معاقله وركزت الدكتورة (آمال شوقي) على النفس والروح البشرية وأقرت بأن الكاتب عزف بأنامله على أوتار روحه.. وترك الفرصة للأبجدية الحافظية أن تعزف وتقول ونحن نقرأ ونستمتع
دام التألق والإبداع.. فلا نعرف المستحيل وانتم من يرفدنا بكنوز باتت تندثر..
إلى هنا وغداً مستقبل مشرق بوجودكن المشرف يا أعلام الهدى ونوابغ الأقلام وساريات الأدب والنقد للأدب العربي..
قل (السيد حافظ):
لمن أكتب؟
أكتب لك أنت.. يا من تراني بقلب الأولياء والشعراء والزاهدين والمترفين بنور العشق وللعشق يقين.. .
السيد حافظ
ينسكب حنانك
بقلبي
أسمع صوتك
أراك
أرتشفك..
هل أنا حرف.. كلمة..
أم هواء وعطر
تستنشقه.. أنت
وأنا
أذوب بمحرابي.. أتعبد
كناسكة..
أصبحت القهوة متألفة بين الفنجان والمتابعة والطاعة والكتمان والتحنن للجمع والتفرق فيالك من كاتب بارع أتقن الجمع بين الروح والخيال والحقيقة بفنجان يرتشفه دون مفرق وعون ومعين ودهاء لنصوصك التي صارت تواريخ العذارى وبشهادة المنافقين قبل الصادقين والتي خيبت أهداف المتسلقين.
وأنت الجادة والشاهدة والحاضرة الصادقة المقتنصة للجمال الفكري والأدبي حررتي القلم من الاستعباد فانطلق بطيب عطره وغاية جماله لينضج ويتألق ما بين العطور والبخور لينضح بروائح الأبجديات في سائر الوطن العربي ولي حق أفخر وأثمن ما قرأت من دراسات نقدية للمتألقات الباحثات الرائعات.
تداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية
" قهوة سادة " نموذجاً
د. آمال شوقى محمد يحيى
دراسة للمشاركة فى ملتقى القاهرة الدولى الثانى للنقد الأدبى
الحوار مع النص.."دورة عبد القادر القط"
26- 27إبريل2017
أ-الجنس لغة واصطلاحًا
الجنس لغة
جاء فى معجم تهذيب اللغة أن" الجِنْسُ": كل ضَرْبٍ من الشَّيْء وَمن النَّاس وَالطير، وَمن حُدُودِ النَّحْو وَالْعرُوض والأشياء: جُمْلَةٌ، والجميعُ: الأجناس.
وَيُقَال: هَذَا يُجَانِسُ هَذَا أَي يشاكله، وَفُلَان يُجَانِسُ الْبَهَائِم، وَلَا يُجَانِسُ النَّاس إِذا لم يكن لَهُ تَمْيِيز وَلَا عقلٌ[1]. وجاء فى معجم لسان العرب"الجنس: الضرب من كل شىء، وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النحو والعروض والأشياء جملة.. ، والجنس أعم من النوع"[2].
ومما تقدم نجد أن المعجمات اللغوية تذهب إلى أن الجنس هو الضرب من الشىء، أو الضرب من كل شىء، وأنه يكون من الناس أو الطير ومن الأشياء جملة، والجنس أعم من النوع.
الجنس اصطلاحًا
ومن المعنى اللغوى ننطلق إلى المعنى الاصطلاحى، حيث لم تفرق المعجمات الاصطلاحية بين الجنس والنوع؛ فذهب سعيد علوش إلى أن (النوع) أو (الجنس) "تنظيم عضوى لأشكال أدبية، كما يمكن تمييز الأنواع الكبرى عن الأنواع الصغرى فى نظرية الأنوع الأدبية التى تقوم على محورين متمايزين:
1- المفهوم الكلاسيكى الذى يقوم على تعريف غير علمى الشكل/ المضمون، ولبعض طبقات الخطاب الأدبى كالكوميديا/ التراجيديا.
2- مفهوم وقع الأصالة، التى تكشف عن العوالم المختلفة، والتسلسل السردى"[3].
وفى تعريف جميل حمداوى هو"مبدئًا تنظيميًا للخطابات الأدبية، ومعيارًا تصنيفيًا للنصوص التطبيقية، ومؤسسة تنظيرية ثابتة تسهر على ضبط النص أو الخطاب، وتحديد مقوماته ومرتكزاته وتحديد بنياته الدلالية والوظيفية من خلال مبدأى الثبات والتغير، ويساهم الجنس الأدبى فى الحفاظ على النوع الأدبى، ورصد تغيراته الناجمة عن الانزياح والخرق النوعى"[4].
ويُعد الجنس من أشهر التعريفات المنطقية؛ فقد عرفه الجرجانى بأنه " اسم دال على كثيرين مختلفين بالأنواع، وهو كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو من حيث هو كذلك، فالكلي جنس، وقوله مختلفين بالحقيقة يخرج النوع، والخاصة، والفصل القريب، وقوله: في جواب ما هو، يخرج الفصل البعيد والعرض العام، وهو قريب إن كان الجواب عن الماهية وعن بعض ما يشاركها في ذلك الجنس، وهو الجواب عنها، وعن كل ما يشاركها فيه كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، وبعيد إن كان الجواب عنها، وعن بعض ما يشاركها فيه غير الجواب عنها، وعن البعض الآخر، كالجسم النامي بالنسبة إلى الإنسان"[5].
وقد نشأ اختلاف بين المنطقيين والأصوليين، فالأصوليين إنما يبحثون عن الأغراض دون الحقائق والمنطقيين يبحثون عن الحقائق دون الأغراض. فالجنس في عرف النحاة "اسم يصح إطلاقه على القليل والكثير كالماء؛ فإنه يطلق على القطرة والبحر. وفي عرف الأصوليين كلي مقول على كثيرين مختلفين بالأغراض كالإنسان فإن تحته رجلا وامرأة والغرض من خلقة الرجل كونه نبيا وإماما شاهدا في الحدود والقصاص ومقيما للجمعة والأعياد ونحوه، والغرض من خلقة المرأة كونها مستفرشة آتية بالولد مدبرة لحوائج البيت وغير ذلك"[6].
وقد اختلط مفهوم الجنس والنوع، فجاء أن الجنس على قول بعض المتكلمين أعم من النوع؛ لأن الجنس هو الجملة المتفقة سواء كان مما يعقل أو من غير ما يعقل، والنوع الجملة المتفقة من جنس ما لا يعقل قال ألا ترى أنه يقال الفاكهة نوع كما يقال جنس ولا يقال للإنسان نوع، وقال غيره النوع ما يقع تحته أجناس بخلاف ما يقوله الفلاسفة أن الجنس أعم من النوع، وذلك أن العرب لا تفرق الأشياء كلها فتسميها بذلك، وأصحابنا يقولون السواد جنس واللون نوع ويستعملون الجنس في نفس الذات فيقولون التأليف جنس واحد وهذا الشئ جنس الفعل والحركة ليست بجنس الفعل يريدون أنها كون على وجه ويقولون الكون جنس الفعل وإن كان متضادا لما كان لا يوجد إلا وهو كون ولا يقولون في العلم ذلك لأنه قد يوجد وهو غير علم ويقولون في الأشياء المتماثلة أنها جنس واحد وهذا هو الصحيح[7].
والجنس الأدبى "اصطلاح عملى يستخدم فى تصنيف أشكال الخطاب؛ وهو يتوسط بين الأدب والآثارالأدبية"[8]. ويعرف هارى شو Harry show فى معجمه للمصطلحات الأدبية مصطلح جنس بأنه:"فصيلة أو مرتبة من العمل الفنى لها شكل محدد وكذلك تكنيك ومحتوى وهى كلمة فرنسية مرادفة لنوع ونمط وأمثلة الجنس الأدبى:"هو أحد القوالب التى تصب فيها الآثار الأدبية. فالمسرحية مثلا جنس أدبى، وكذا القصة.. وهكذا"[9].
وهكذا شكل مصطلح "جنس"Genreإشكالية أدبية قديما وحديثا، فهو مصطلح لم ترس قواعده فى الخطاب النقدى الغربى إلا فى بدايات القرن العشرين. وكانت المصطلحات المستخدمة للتعبير عن معناه قبل القرن الثامن عشر هى Kind أوSort أو Species. وكلمة جنس ليست قاصرة على الأدب فحسب بل تستخدم فى مجالات أخرى كالرسم والسينما؛[10]حيث يتضمن مبدأ الأجناس الأدبية معايير مسبقة غايتها ضبط الأثر وتفسيره، ويعتمد ضبط الأثر على وجود ما يسمى شروط الجودة فى الكتابة: فأرسطو حدد هذه الشروط فى المأساة المسرحية. أما التفسير فيستند إلى كون الجنس الأدبى كيانًا يشير إلى غاية، وغاية المأساة المسرحية مثلا هى التطهير[11].
ب- تداخل الأجناس عند النقاد الغرب
لقد دعت الضرورة إلى تقسيم الأدب إلى أجناس؛ تلبيةً لحاجة الإنسان فى التعبير عن موقفه من نفسه والمجتمع من حوله والطبيعة وما ورائها؛ فشرع يكتب الشعر الغنائى معبرًا عن ذاته، وكذلك الأجناس النثرية الآخرى؛ ليعبر عن موقفه من الآخرين فكتب الملحمة والمسرحية والقصة والرواية.. ، وعندما أراد التعبيرعن الطبيعة كتب شعر الطبيعةوأدب الرحلة.. إلى غير ذلك من الأجناس؛ ونتيجة لهذا التشعبات المتعددة للأدب ظهرت الحاجة إلى وجود نظرية لوضع حدود وتعريفات لهذه الأجناس المتعددة [12].
وعلى الرغم من الحداثة النسبية لمصطلح"جنس"Genre، فإن فكرة تقسيم الأدب إلى أجناس قديمة جدًا وترجع إلى أيام أرسطو(284-222قبل الميلاد)؛ إذ حدد الخصائص المميزة لكل جنس من الأجناس الأدبية، ويعد كتابه"فن الشعر" مرجعًا أساسيًا لدى النقاد فى تصنيف الأجناس الأدبية،وأصبحت هذه الخصائص بمثابة القوانين الثابتة لكل النقاد والمُبدعين والتى يجب الالتزام بها،وقد اعتمد تصنيف "أرسطو "على المحاكاة فى تفريق الأنواع بين غنائى ،وملحمى، ودرامى[13]، وظل هذا التقسيم هو السائد حتى بعد مجىء الرومان الذين لم يقدموا جديدا فى نظرية الأجناس الأدبية بل تبنوا ما توصل إليه اليونانيون واستمر الحال هكذا حتى القرن الثامن عشر ومجىء أول مدرسة إنجليزية فى النقد الأدبى والتى سميت "بالكلاسيكية الجديدة" Neo ciassicismبزعامة كل من دريدن وبوب وأديسون وجونسون. وقد أدى ازدهار الطباعة فى هذا العصر إلى انتشار الدوريات التى ساعدت على انتشار الأعمال الأدبية على نطاق واسع، وأتاحت الفرصة أمام فن "المقال " Essayللانتشار كجنس أدبى جديد .
وبناء على هذا الفصل بين الأجناس ظهر مبدأ "نقاء الأجناس"، ويقوم مبدأ نقاء الأجناس على فكرة استقلال كل جنس بخصائصه المائزة، فلا يحق لجنس استعارة خصائص جنس آخر فى عملية الإبداع الأدبى[14].
ومع بدايات النصف الأول من القرن العشرين ظهرت بعض الأصوات النقدية التى تبنت اتجاهًا ثار على فكرة نقاء الأجناس، ورفض التقسيمات المقترحة،ومثَّلَ هذا الاتجاه الناقد والكاتب الفرنسى "هوجو"، وبلغ ذروته عند الناقد الإيطإلى بندتو كروتشه (1952-1866) Bendetto croceالذى تبنى فى كتابه (المجمل فى فلسفة الفن) دعوة صريحة إلى تجاوز التقسيم الأجناسى والناقد موريس بلانشو الذى كان أكثر حدة فى دعوته إلى نفى الأجناس؛ إذ قال "جوهر الأدب هو الهروب من كل تحديد جوهرى من كل تاكيد يجعله ثانتًا."[15]، كما ظهرت بعض الدراسات التى تنادى بسقوط الجدران العازلة بين الأجناس الأدبية، وذلك ماجاء عند"سبيستان مرسيه"بقوله:"تساقطى، تساقطى أيتها الجدران الفاصلة بين الأنواع؛ لتكن للشاعر نظرة حرة فى مرج فسيح ، فلا يشعر بعبقريته سجينة الأقفاص ، حيث الفن محدود ومصغر"[16].
ولعل الجدل حول نظرية الأجناس الأدبية قد بلغ ذروته فى فترة ما بعد الحداثة وذلك لظهور مفهوم النسبية والفكر التفكيكى Deconstrictiveالذى تبناه دريدا فى قاله " قانون النوع " The Law of Genre ولقد أعطى دريدا فى هذا المقال أبعادًا جديدة لنظرية النوع بقوله:"إن النص الأدبى لا ينتمى لجنس معين بل يسهم فيه،[17] كما استند النقاد فى دعتهم لنفى مبدأ نقاء الأجناس إلى عجز الأجناس القديمةالتى تحدث عنها أفلاطون وأرسطوعن الاستمرارية، وبخاصة بعد تحول المجتمعات الأوروبية من العلاقات الإقطاعية إلى العلاقات الجديدة[18].
ويرى تزفيتان تودروف Tsvetan Todrof أن العمل الأدبى الجيد هو الذى يتخطى حدود الأجناس ليكون شيئًا جديدًا ويضع التحديات فى طريق أى محاولة لتصنيفه ضمن جنس معين[19].
وبهذا رفضت النظريات الأدبية، من الشكلانيين الروس إلى البنيوبة، فكرة الجنس الأدبى لعدم ملاءمتها للنتاج الفعلى، وتوقفت عن النص والأدبية. فموريس بلانشوM. Blanchot يربط بين العصرية وهدم الأجناس الأدبية؛ أما بندتو كروتشةB. Croceفيرى فى الأدب مجموع المؤلفات الفردية، ويرى فى الجنس الأدبى مبدأ لتصنيف المؤلفات الفردية[20].
ويُلخص الناقد الماركسى "إيجلتون" ما قدمته حقبة ما بعد البنيوية من مفاهيم؛ إذ يقول:"إن النص القابل للكتابة، وعادة ما يكون نصًا حداثيا، ليس له معنى محدد ولا مدلولات مستقرة، لكنه متعدد ومشتت، نسيج لا يُستنفد، أو مجرة من الدالات، نسيج محبوك من الشفرات ونُتف الشفرات، بإمكان التاقد أن يشق خلاله دربه الخاطئ، ليس ثمة بدايات ولا نهايات، ولا تتابعات لا يمكن قلبها، ولا تراتبية "للمستويات" النصية تخبرك بما هو أكثر، أو أقل دلالة، وكل النصوص الأدبية منسوجة من نصوص أدبية أخرى، ليس بالمعنى التقليدى القائل بأن كل كلمة، أو عبارة أو شريحة هى إعادة صياغة لكتابات أخرىتسبق أو تحيط بالعمل. وليس ثمة شىء من قبيل "الأصالة" الأدبية، ولا شىء من قبيل العمل الأدبى "الأول"، فكل الأدب "متناص".
وهكذا، فإن القطعة المحددة من الكتابة ليس لها حدود واضحة: إنها تندرج باستمرار إلى الأعمال المحيطة بها، مولدة مائة منظور مختلف تخبو حتى نقطة التلاشى، ولا يمكن جعل الحديث -الآن- أن يرفعه بثقة. إن اللغة هى ما يتحدث فى الأدب، بكل تعدديتها الحاشدة "متعددة الدلالة"، وليس المؤلف نفسه. وإن كان ثمة مكان تجد فيه التعددية الموارة للنص بؤرتها لحظيًا، فليس هو المؤلف، بل القارئ"[21].
ولعل تلك التعددية الحاشدة التى تنطوى عليها اللغة فى نظر ما بعد الحداثة هى المسئولة عن مجئ كل المفاهيم التى لا تستقر فى مكان. والتى تسمح بمزيد من التداخل. ويُصبح على الكاتب فيما يرى بارت"أن يكون متربصًا وعنيدًا، عليه أن يتشبث، إزاء الجميع وضدهم، بالقدرة على الانحراف والانتظار. إن السلطة سرعان ما تستحوذ على متعة الكتابة، شأنها إزاء كل متعة، عسى أن تسخرها وتجعل منها نتاجًا مبتذلا، وليس نشازًا. إن تغيير المواقع يمكن أن يعنى إذن، أن توجد حيث لا تُنتظر، كما أنه يعنى التنكر لكل ماكتب عندما توظفه سلطة التبعية"[22].
وفى رأى "عبد المنعم تليمة "أن المبدأ العام فى تطور الأنواع الأدبية من حيث نشأة النوع الأدبى وتغيره وتاريخه وتلاشيه فى نوع أدبى آخر أو انقراضه هو أن كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع تجسد علاقتها الجمالية بالعالم فى أنواع أدبية بعينها، تلائم قدرة البشر على فهم عالمهم الطبيعى فى هذه المرحلة، وطبيعة نظامهم الاجتماعى فيها([23])، وهو ما أكده فردينان برونتييرFerdinand Brunetiere الذى يرى أن الأجناس الأدبية تولد وتنمو وتنضج وتموت كالأحياء، وتفسر المؤلفات، وتسبب وجودها[24].
ويعترف عبد المنعم تليمة بمسألة تداخل المواقف، ويردها إلى التطور العلمى والاجتماعى فى العصر الحديث، لكنه سرعان ما ينتهى إلى النتيجة نفسها"إغناء متبادل" لا يتعارض مع تمايز الأنواع الأدبية "إن التطور العلمى والاجتماعى فى العصر الحديث أثر تأثيرًا عميقًا فى التطور الفنى، جعل الفنون تتنوع، وتتعاون وتتداخل، وعقد الخبرة الجمالية وصقلها، وأنشأ عادات ومدارك فى التلقى جديدة؛ ولهذا كله وجدنا أن الآداب الحديثة والمعاصرة تحقق بصورة غنية واسعة تداخل المواقف الأدبية الثلاثة فى كل أثر أدبى ناجح فتحققت الملحمية والدرامية فى الشعر الغنائى، وتحققت الغنائية والملحمية فى الأدب المسرحى، وتداخلت المواقف الثلاثة فى الرواية..إلخ. ولم يتعارض هذا التداخل مع تمايز الأنواع الأدبية، بل لقد أفاده وأغناه"[25].
وعلى هذا فإن النوع الأدبى محكوم فى نشأته وتاريخه بوضع اجتماعى محدد، تحكمه تلك القوانين الاجتماعية المتسببة فى تطوره. كما أن "المواقف" ثابتة، لكنها متداخلة. أما" الأنواع" فمتغيرة، لكنها "متمايزة .
وتلك هى صورة النظرية فيما بعد الحداثة؛ إذ السعى الدائم نحو خلخلة المفاهيم المستقرة، فأصبحت شعارات "الكتابة" و"النص" و"التناص" و"موت المؤلف" شعارات مرفوعة فى مواجهة إرهاب المفاهيم الراسخة، كمفاهيم "الأصالة" و"الصدق" و"الواقع" و"النوع الأدبى" [26].؛ ذلك أن "النص لا ينشأ عن رصف كلمات تولد معنى وحيدا، معنى لاهوتيًا إذا صح التعبير(هو"رسالة" المؤلف الإله)؛ وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد، تتمازج فيه كتابات متعددة وتتعارض، من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة: النص نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة"[27].
ومما سبق يتضح أن تداخل الأجناس الأدبية أصبح أمرًا متعارفًا عليه وليس منكرًا أو مستبعدًا، كما أن الحدود بين الأجناس الأدبية أصبحت فضفاضة ويمكن للأجناس الأدبية أن تشترك فى بعض الصفات وتتداخل فيما بينها، وقد عرف الأدب العربى الحديث أشكالاً ونماذج مختلفة لتداخل الأجناس الأدبية بدرجة يتماهى فيها الجنس الأدبى الفرد مثل التداخل بين الشعر والسرد، والتداخل بين الشعر والمسرح، والتداخل بين المسرح والرواية وهو ما يطلق عليه "المسرواية" التى تتخذها هذه الدراسة نموذجًا لتداخل الأجناس الأدبية .
وتنطلق هذه الدراسة بداية من عنوانها "تداخل الأنواع" من كون الرواية أكثر الأنواع الأدبية قابلية وقدرة لامتصاص الأنواع الأدبية الآخرى بسبب مساحة الحرية المتوافرة فى تقنية السرد، وتفاعل عناصر البناء الفنى للرواية مع الخصائص الفنية للأنواع الأدبية الآخرى، بكونها مفهوما مرنا ومفتوحا، يسمح بالتداخل والتعدد. وهذا اعتراف ضمنى بوجود الأنواع الأدبية وأهميتها فى الدراسات الأدبية.
والدراسة لا تنفى علاقة نصوص الرواية ومادتها بالواقع، بل تطمح إلى طرح صياغة جديدة لهذه العلاقة، تستند إلى فهم مغاير لطبيعة النوع الذى يعتمد أساسًا على الرواية ويقترب من الشعر والدراما والمسرح، ولكل نوع من هذه الأنواع طريقته فى إعادة تقديم الواقع وصياغته وتشكيله.
ج- تعريف المسرواية وأسباب ظهورها
· تعريف المسرواية:
تعد المسرواية "شكلاً أدبيًا تتعاقب فيه الصيغتان السردية والمسرحية، وتتواليان بإخراجهما الطباعي المميز"[28]. وأكد الدكتور وليد الخشاب أن المسرواية ظهرت في الغرب في نهاية القرن التاسع عشر، عند هاردي، وفلوبير ثم جويس في القرن العشرين حين ظهرت الحاجة لتحطيم القوالب الجامدة في تصنيف الأجناس الأدبية ثم تحطيم قوالب الحياة الاجتماعية والسياسية الراكدة؛ نتيجة ظهور متغيرات اقتصادية واجتماعية (الثورة الصناعية في نهاية القرن التاسع عشر)، وجاءت مسرواية "فلوبير" (غواية القديس أنطونيوس) محطمة للقوالب الجامدة، ومعتمدة على السرد والمسرح معًا".[29]
· أسباب ظهور المسرواية في الأدب العربي:
عُرفت "المسرواية" في الأدب العربي حينما نشر توفيق الحكيم مسروايته (بنك القلق) فى أخريات حياته الإبداعية (1976م)، ويُرجع النقاد السبب في ظهورها إلى:
1- الرغبة في تقليد الغرب.
2- محاولة الإفادة دلاليًا من الجمع بين خطابي المسرحية والرواية.
3- الحاجة إلى تحطيم القوالب الجامدة في تصنيف الأنواع الأدبية.
د- المسرواية فى ميزان النقد الأدبى:
وعن علاقة الرواية بالمسرحية والتداخل بينهما، فيرى"رينيه ويلك" أن نظرية الأنواع الأدبية لا تحتل مكان الصدارة فى الدراسات الأدبية فى هذا القرن. ويُرجع السبب فى ذلك أن التمييز بين الأنواع الأدبية لم يعد ذا أهمية فى كتابات معظم كتاب عصرنا "فالحدود بينها تعبر باستمرار، والأنواع تُخلط أو تُمزج، والقديم منها يترك أو يحور، وتخلق أنواعا جديدة أخرى إلى حد صار معها المفهوم موضع شك "[30].
ويرى الدكتور رشيد قريع "أنها علاقة حميمية قريبة، قد عكف الكتاب منذ زمن على الاستلهام من النصوص المسرحية، كما اعتمدوا طرائق فى تقسيم نصوصهم قريبة جدًا من التقسيم الذى تعتمد من قبل الكتاب المسرحيين؛ فصول ومشاهد، فهناك من استعمل هذه الطريقة فى روايته أو لنقل فى مسروايته (السد) " [31].
ويرى الدكتور لؤى خليل: إن تداخل الأنواع حتمية لا مفر منها، بل تكاد تكون ضرورة لتطوير الأنواع واستمرارها [32]. ولكنه يفضى من خلال حديثه إلى تصنيف هذا التداخل بين الأنواع إلى ثلاثة أشكال:
1- الشكل الأول (تفرضه طبيعة الأدب):
ويكون مُنتج النص حريصًا على نوع النص؛ لأن التجديد الذى يريده لا يؤدى وظيفته إلا من خلال موقع هذا النص بين النصوص الآخرى التى تنتمى إليها النوع ونفسه .
2- الشكل الثانى (يقوم على القصدية السابقة للمؤلف):
والغاية منه إضفاء روح الجدة على النص، من خلال الاستعانة بعناصر نوعية مختلفة تُخرجه عن التنميط النوعى. ويُمثل لهذا التشويش بنص محمود درويش (فكر بغيرك)[33]. ويقترب هذا الشكل من سابقه فى احتفاظهما بنقاء الجنس الأدبى، غير أن حجم التداخل وحساسية الإبداع تعتمدان على الحساسية الإبداعية لمنتج النص،ومُتلقيه فى آن واحد .
3- الشكل الثالث (لم يعترف بآليات التلقى):
ويتعارض هذا الشكل الأخير مع أفق التلقى، فهولم يضع بعد آليات لتلقيه، كما أنه لو وضع هذه الآليات لوقع فى قالب مع التصنيف التجنيسى. فهو شكل لا يؤمن بالثوابت ولا يعترف بها؛ لذا فهو يتعارض مع الثقافة العربية الإسلامية .
ويُرجع الدكتور لؤى خليل أسباب هيمنة هذا الشكل من التداخل على النوع الأدبى إلى حالة التبعية للثقافات المسيطرة، والتحول العام لدى الناس نحو التخفف من أنظمة التفكير المعيارية، كما يأمل فى تأخير هذا التحول أطول فترة ممكنة حفاظًا على بعض من خصوصية هذه الثقافة [34].
أما الدكتور عبد الرحيم الكردى؛ فيعدد فى أسباب انفتاح النوع الروائى واستيعابه أنواعا أخرى، ويرجع هذا الانفتاح إلى عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية نرصد منها:
1- الثورة الهائلة فى وسائل الاتصال، مما أدى إلى إلغاء المسافات بين البشر، واتساع دوائر الوعى الإنسانى مما أدى إلى سهولة انتقال الأفكار والقيم .
2- تحول السلطات التقليدية نتيجة للحرية-الزائدة-، فلم يعد هناك سلطة للمعلم على التلميذ،أو للأم على ابنها؛ مما أدى تغير الأفكار والمفاهيم الأخلاقية، ولنعكس هذا بدوره على الأدب وتداخلاته الأجناسية.
3- طوفان الأدوات التعبيرية غير اللغوية واحتياجها لمناطق شاسعة من الربوع التقليدية للملكة اللغوية، وساعد على ذلك الانتشار الهائل للقنوات التليفزيونية وشبكات المعلومات؛ مما جعل الكُتاب يشعرون أن التقنيات التقليدية للرواية بل للأدب عمومًا لم تعد قادرة على التعبير عن تجاربهم الجديدة، فمزقوا إهاب النوع الروائى لمرونته.
4- انهيار القيم الأخلاقية المحلية والقومية، وحل محلها قيم السوق، وبالتإلى تضخمت سلطة المتلقى؛ ولذلك اعتمد التشويق والعرض على أدوات ترضى الذوق الشعبى مثل: مزج الواقعى بالسحرى وحكاية الغرائب، وتصوير الشخصيات غير السوية، وتخفيف الأسلوب، وقصر النصوص.
5- انتشار البطالة الظاهرة أو المقنعة؛ نظرًا لميكنة الصناعة وعدم احتياجها للعمالة الكثيفة، مما نشأ عنه ظهور ذوق فنى يشبه العاملون .
6- ظهور ما يسمى بظاهرة الخناثة فى كل مظهر من مظاهر الحياة، ويتمثل ذلك اجتماعيًا فى ذوبان الفوارق بين ملابس الفتيان والفتيات،وذوبان الفروق بين العمل الذى يقوم به الرجل، والعمل الذى تقوم به المرأة؛ وقد أدى ذلك إلى إلف الأشكال المهجنة فنيًا أو لغويًا او عاطفيًا أو فكريًا؛فأصبح من المقبول أن يُوصف الشىء بالوصف ونقيضه فى وقت واحد؛ومن ثم أصبح من المألوف أن يوصف النص الروائى بأنه خُنثى يجمع بين سمات أكثر من نوع فى وقت واحد، وساد فى السرد الأسلوب اللغوى الهجين [35](الأسلوب الحر غير المباشر).
كل هذه العوامل انعكست على الأعمال الروائية الجديدة؛ فأصبحت لا تكسر فقط الحواجز بين الأنواع الأدبية، بل تعمل على تفجير النوع الأدبى من داخله فهذه الأعمال تتمرد على القيم الجمالية التقليدية للنوع الروائى، وعلى التقنيات السردية الروائية، وعلى الطرق التقليدية فى تصوير الشخصيات والزمان والمكان، بل وتفتت الحبكة والحكاية معا؛ لأنها تصدر عن رؤية مهزوزة عاجزة ومغتربة، ومن ثم لا تملك إلا الاندفاع الهائج للتعبير المباشرعن تيار الثورة المكبوتة محطمة فى سبيل ذلك العناصر الواقعية والروابط السببية للعالم المصور وكأنه بلا حدود. وهذا ما سوف تؤكده الدراسة فى الصفحات القادمة.
هـ - قهوة سادة والتهاوى التدريجى لنظرية الأنواع
بعد رحيل توفيق الحكيم (1898-1987) صاحب المسرواية المتميزة(بنك القلق)، وكذلك لويس عوض(1914-1989) صاحب (محاكمة إيزيس)، يوسف إدريس(1927-1991) صاحب المسرواية اللاحقة (نيويورك 80)، أوشك المشهد الإبداعي أن ينسى هذا النوع الأدبى الذى يمزج بين تقنيات المسرح و الرواية والمسمى بـ (المسرواية).
وتأتى مسرواية بنك القلق لتوفيق الحكيم عملا بالمزج بين السرد والمسرح بشكل تتابعى؛ إذ المسرواية كتبت على نسق فصل سردى يتبعه فصل مسرحى حوارى كامل من البداية للنهاية. وقد صنف الحكيم عمله بأنه مسرواية تجمع بين الرواية والمسرح؛ إذ كتب على صفحة الغلاف أنها "مسرواية".
لم تنشر"محاكمة إيزيس" إلا فى سبتمبر 1992م، ولكنها كتبت فيما بين 1942-1946 فى زمن دعوته الشهيرة (فلنحطم عمود الشعر) فى مقدمة (بلوتولاند). ودعوته الشهيرة للتجريب. وتصريحه بأن الحكيم قد سبقه فى تلك المحاولة. ونشرت ملحقة بكتاب (المسرح المصرى بين الفن والدين) فى 1994م. وهى نص يجمع بين السرد والحوار فى تناوب درامى للأسطورة الشهيرة. وقد عده لويس عوض (مسرحية).
ونُشرت" نيويورك 80" بعد نشر توفيق الحكيم مسروايته- بنك القلق- بأربع سنوات، ولم يصاحبها شرح نقدى يمهد لنوعها. واختلط فيها الحواربالسرد،ولكن غلب عليها الطابع الصحفى أكثر من الأدبى، وهى تنقسم إلى عملين الأول (نيويورك 80)، والثانى (فيينا 60)، فى محاولة لإثبات الصراع المادى والحضارى بين الشرق والغرب.
أما "قهوة سادة" فنص سردى مسرحى تجريبى يتخذ من تقنيات المسرح الحوارية وسيلة للتعبير عن شخصياته وأحداثه، والكاتب يعتمد بجرأة لغته على تقنيات المسرح من حيث تكثيف جمله الحوارية، وهو عمل ينتمى إلى القص التكاثرى أو التوالدى حيث ينبثق عن الحكاية الرئيسة حكايات فرعية؛ فالحكاية الرئيسة أو الحكاية الإطارهى قصة (سهر والعشق والقمر) ومن خلال هذه الحكاية تقوم شخصية "شهرزاد" بدور الراوى الذى يسرد الحكايات الفرعية، وتعد حكاية (إخناتون ونفر) الحكاية الفرعية الأهم بين حكايات شهرزاد؛ إذ تمثل نصًا مسرحيا فى ثنايا النص السردى.
ومما لا شك فيه أن ظهور المسرواية الجديدة (قهوة سادة) للقاص والكاتب المسرحي التجريبى(السيد حافظ), يستدعي من جديد هذا النوع من التداخل فى الأنواع الأدبية و تفاعلها الضخم و ما طرأ عليها من الحراك والتداخل البنيوي. فإن كان حُلم توفيق الحكيم أن يكتب المسرواية وقد فعلها؛ فإن للسيد حافظ الآن مشروعًا على هذا الغرار السابق من الكتابة الفوق نوعية للأجناس الأدبية "هذه سردية، وليست رواية عادية ولكنها مسرواية أى رواية تأخذ المسرح معها فى عناق وتلاحم، وهو حلم توفيق الحكيم فى بنك القلق وكذلك كان حلم يوسف إدريس فى "نيويورك 80" وهى ليست حلمى بل مشروعى.. أنت بين يديك الجزء الأول من مشروعى، وبعد عشرات الصفحات تقابل الجزء الثانى.. وتنتظر الجزء الثالث، وهكذا.. فتعطر وتأهب واشرب قهوتك واخلع نعليك واسترخ وتنبه؛ فأنت شريكى وصديقى.. هيا بنا نرحل معًا عبر الحكاية"[36].
ويتضح من المقطع السابق من المسرواية الجديدة, أن المبدعين العرب, ما عادوا يجدون في نظرية الأنواع الأدبية ما يرضيهم ويرضى أغراضهم التجريبية الجديدة.
وعلى الرغم من عدم انصياع البعض للاستجابة لهذه الموجة الجديدة من التمازج والتلاحم بين الأنواع الأدبية؛ فإن المنصفين لنظرية الأنواع لم يجدوا مفرا من عدم الاعتراف بشرعية مثل هذه الأنواع وقد رفضوا كل ما استحدث نتيجة التطورات الطبيعية للبيئة الزمانية والمكانية. كشعرية السرد، وقصيدة النثر وغيرها والقصة القصيدة.. ، ولكن هذا المنع لم يسمح فى الحقيقة من استمرارها وتطورها وهكذا ظهرت مسرواية "قهوة سادة" فى هذه الأجواء.[37]
جاءت "قهوة سادة" للسيد حافظ في نحو من ثلاثمائة و ثلاث وتسعين صفحة من القطع الكبير، وكانت استراتيجية الصدمة الصاعقة للمتلقي , هي المنحى المهيمن طوال الوقت على تدفقات السرد المدهشة و تعاريجه التي تنثني نحو الماضي والحاضر بحركات سريعة, ممعنة في المراوغة. وأمام حالة النماء الدرامي تتصاعد خيوط "قهوة سادة"، حيث التنوع بين (الماضي) التاريخي الضارب بأطنابه في القدم, و بين (الحاضر) العصري العربي , المفعم بالسياسية .
وتهدف هذه الدراسة إلى رصد أشكال التداخل بين النص السردى، والشعر، والتراث والتاريخ، والسياسة، والمسرح، و الفنون الحديثة كتقنيات السينما، والسيرة الذاتية.
أولا: التداخل مع التراث الشعبى:
وهو ما يُطلق عليه"الموتيف الشعبى" وهو كما عرّفه د. سليمان العطار فى كتابه (الموتيف فى الأدب الفردى والشعبى)"موقف نمطى يتكرر منتزع من الواقع على يد الخيال، وله ملامح محددة لها قدر كبير من الثبات بعد انتزاعه من موضعه فى سياق عدد غير محدد من الأعمال الأدبية الشعبية والفردية"[38]، وعلى الرغم من تعدد أشكال الموتيف فى العمل الأدبى الواحد إلا أنه تظل نمطية الموتيفات هى العنصر الثابت فى انتزاعها من موقعها الأصلى واستغلالها فى العمل الأدبى.
وقد أجاد السيد حافظ توظيف الموتيف الشعبى فى مسروايته من خلال العناصر الآتية:
1- العنوان"قهوة سادة"
نجد الكاتب يتداخل مع موتيفات متنوعة؛ إذ يبدأ بالعنوان"قهوة سادة" وما تدل عليه من استخدامها فى المآتم والأحزان، وهذا الموروث الشعبى لاستخدام لفظة"القهوة السادة" يلائم الحالة العامة للنص الأدبى؛ إذ تدور الأحداث حول انفصال الوحدة بين مصر وسوريا، ثم نكسة1967، هذا فى الجزء الأول من المسرواية، وأما فى الجزء الثانى ففيه موتيفًا آخر له علاقة بالقهوة السادة؛ إذ حالة الفوضى والضياع والتآمر من قبل الكهنة لقتل "إخناتون" الذى دعا لتوحيد الآلهة فى إله واحد هو (آتون).
بدهى أن أثر القهوة من مرارة فى الحلق هو ما تتركه القهوة السادة حسيًا، وهو ما يُناسب الحالة المزعجة التى يشعر بها الكاتب"وجدت اللبن فى ثدى مصر دم رائحته قذرة ممزوجة بطعم القهوة المر"، كما أن للقهوة السادة دلالة أخرى حيث حالة الكاتب العامة التى تميل للحزن والثورة من خلال شخصية البطل"فتحى رضوان".
كما تظهر الرؤية الصوفية بجلاء فى المسرواية؛ إذ تُسلم بالفناء وهو أحد مقامات الصوفية، متخذة من القهوة السادة وحدةً دلالية، لترسل للمتلقى منذ العنوان إيحاء بالفناء الجسدى، وهو ما يؤكده الكاتب فى بداية المسرواية "أنسى أن النساء جسد من لحم ودم، وأذكر أنهن عطر له روح" الرواية ص10.
والكاتب ممثل فى شخصية فتحى رضوان شغوف بحبه للقهوة فهو لا يستطيع أن يتركها وإن منعه الأطباء عنها ".. والصباح بدون القهوة خطر.. هكذا قلت للطبيب حين منعنى من القهوة.. القهوة قبلات للروح كى تنهض.. قلت للطبيبب لن أتخلى عنها.. أكره أن روحى تغفل وعقلى يتوقف عن التأمل.. أعتذر ياناهد" الرواية ص 266.
القهوة قبلات للروح كى تنهض؛ ففى رأى الكاتب تعد القهوة السادة تنبيهًا للعقل والروح للذكرعند الصوفيين، فإنك تذكر الله وأنت بكامل الوعى والتفكير، والإنسان يسعى دائما إلى النفس المطمئنة.[39]
2- استخدام الرمز
أ- الطائر العاشق:
أسقط السيد حافظ على طائر سهر العاشق رمزًا للقلب المعلق بحب ورائحة سهر "نهضت سهر فى الصباح وجدت العصفور لم ينم طوال الليل. بل ظل واقفًا متوثبًا أمامها يراقبها طوال الليل وهى نائمة.. نظرت فى عينيه وجدت صورتها.. خافت ارتعدت.. ظنته جنيًا.. جاء فى شكل عصفور" الرواية ص19.
لم يبتعد العصفور عن سهر يومًا فقد قرر " أن نافذة سهر سكنًا له حتى يكون قريبًا منها ويتسلل ليلًا إلى غرفتها" الرواية ص 25.
ولم يكتف السيد حافظ أن يحب سهر ذلك العصفور الكنارى الذى أسماه أصحابه بـ"عصفور سهر" بل جعل سربًا يطير فوقها أينما تسير " جاءت العصافير والطيور فوق سطح بيتها.. جاءت لها.. وعندما تسير فى الطريق تكون العصافير سربًا يطير فوقها.." الرواية ص 81.
ونفس الجمال والعطر والرائحة الجذابة -للقريب والبعيد- كانت لروحها الأولى "نفر" التى أخرج جثتها الملاحون بعد أن طافت ثلاثة أيام وجاءت فوق جثتها الطيور تبكى. الرواية ص 292.
ب- دودة القز:
يتجسد الرمز الموتيفى للغزل والنقض فى المشهد الأخير لفتحى رضوان فى الرواية مع (دودة القز)؛ فالدودة تغزل شرنقتها بالحرير الثمين وتظل خاملة حتى تصير فراشة، وعلى الرغم من وجود عنصر النقض بموت الفراشة المحتوم إلا أنها خلفت غزلا حريريًا ثمينًا وبيضًا يعود مجددًا لإكمال دورة الحياة.
وبإسقاط هذا الرمز على دودة القز يتبين أن الكاتب يرى بصيص أمل فى حياة الشباب، انطلاقًا من العلاقة بين الأدب والسياسة حيث يسقط الماضى على الحاضر الذى نعيشه لأخذ العبر والعظات منه[40].
ثانيًا: التداخل مع التراث الأدبى:
استدعى"السيد حافظ" نموذج "شهرزاد" العرافة، ذلك الاسم المعروف والمشهور فى القصص والحكايات، وتعد شخصية شهرزاد إحدى الشخصيات الرئيسة التى تمتلك مفاتيح السرد فهى القناع الرئيس الذى يرتديه الكاتب ليقدم عالمه السردى، الواقعى منه والتخييلى.
وثمة مقاربة ممكنة بين شخصية شهرزاد فى "قهوة سادة" وشخصية "شهرزاد" فى ألف ليلة وليلة؛ فكلتاهما تتمتعان بقدرة فائقة على الحكى والسرد لتقديم عوالم من حكايات من عصور وأزمنة مختلفة لا يربطها جميعًا غير تجربة إنسانية يتصارع فيها الخير والشر. فقد استطاعت "شهرزاد" أن تلهب خيال "شهريار" وتستأثر باهتمامه ومتابعته لها وهى تنقله من حكاية إلى حكاية، ومن عصر إلى عصر لتستثمر الوقت لصالحها؛ فمع تتابع الحكايات وتوإلى الليإلى اعتاد شهريار على وجودها فى حياته، ونشأت بينهما الألفة التى كانت طوق النجاة لها من سيف مسرور السياف[41]. أما شهرزاد فى "قهوة سادة" فإنها تلعب الدور نفسه مع سهر مع اختلاف الدوافع والأسباب؛ وخلع الكاتب عليها الكثير من القرائن والصفات:
أ- الوصف الحسى:
هى العرافة الحسناء، البيضاء وعيناها زرقاوان، ولذقنها وشم أخضر.
ب-الوصف الأيديولوجى:
تعد "شهرزاد" نموذجًا للعرافة التى تجمع بين التمكن من قلوب النساء، ولها مكان رئيس فى حياتهن، وتأتى شخصية شهرزاد هنا نموذجًا (للشخصية الاستذكارية) فى تصنيف هامون؛ فهى بالأساس علامة تشحذ القارئ بتلك الشخصية التاريخية الحكاءة المعروفة فى التراث، ويُلبسها الراوى ثوب الحكى فى استخدام نفس المقولة المشهورة "كان ياما كان". تقول شهرزاد:" كان ياما كان فى سالف العصر والأوان فى العصر الفرعونى بنت اسمها نفر"الرواية، ص205.
وهى العرافة التى تعرف الحكايات وتحفظ كتب السيوطى وطوق الحمامة وتفسر الأحلام وتسهر بالليل والناس نيام، ويقول عنها أهل الحى أنها متزوجة من جنىِّ، وهذا أيضَا مناطه الحكى الشعبى؛ إذ يتصور العامة أن المرأة يمكن أن تتزوج بجنى يُعلمها على أخبار الغيب فتتنبأ بالمستقبل.
وتقف شهرزاد (قهوة سادة) أمام قوى الشر فى الرواية؛ حيث "شداد" التاجر الذى أراد الزواج من سهر وكان كل عام يتزوج بامرأة ثم يطلقها ويتزوج بغيرها، وإذا تزوجت هى بغيره يمنع عنها وعن أولادها المال والزاد .
أظهرت "شهرزاد" لأهل القرية الفقراء ما يفعله التاجر "شداد" ليقاطعوه ولا يبتاعوا منه الزيتون والتفاح؛ فالمقاطعة خير عقاب للطاغين والمستبدين.
وتتمحور العلاقة بين "سهر" ابنة السبعة عشرعامًا و"شهرزاد" الحكاءة فى مواقف عدة فى المسرواية، يرصد البحث بعضها فى هذا الحوار:
"دخلت سهر بيت شهرزاد الباب مفتوح رائحة بخور تخرج منه
- خالتى"شهرزاد" خالتى "شهرزاد" وينك؟
- ادخلى يا"سهر"
دخلت "سهر"
جلست
- أجيب لك شيئًا تأكلى..؟
- لا أكلت سندوتشًا فى المدرسة وتفاحة أمى عطيتها لى.
- شو القصة خالتى أنا ما نمت البارحة؟
- لا شىء حبيبتى أنا حبيت أريحك..
- من شو تريحينى؟
- من أسئلة كثيرة جواك مو لاقية لها أجوبة..
- مثل شو.. خالتى؟
- أنت مندهشة ومستغربة أن عطرك طبيعى من جسمك.. وكل الناس اللى حولك وكل الدنيا ما بتعرف شو قصة عطرك العرق الطبيعى بتاعك.!!
- إيه والله ياخالتى مسبب لى مشكلة كبيرة كبيرة..مو عارفة أعمل إيه؟
- أقولك الحكاية..
- قولى ياخالتى
- إن روحك هى التى تعطر جسدك ياصغيرتى الأرواح تتناسخ وهناك تقمص الأرواح
- يقال إن الإنسان تنتقل روحه إلى غيره، وهذا ما يدعى بالتقمص.. هناك شعوب يؤمنون بها بشكل كلى.. ونحن منهم نؤمن بالتقمص فى الحياة السابقة حتى المتقمص..ليتعرف على أقربائه السابقين فقد يكون عمره خمس سنوات يتعرف إلى ابنه الكبير من الحياة.. ويقال إن المتقمص لا يغير جنسه.. فالرجل يبقى رجلًا وكذلك المرأة تبقى امرأة.. وإذا الرجل سيئًا تنتقل روحه إلى امرأة تظل مرأة عقابًا له ويروى عنه" الرواية ص 204-205.
وهذا المقطع الحوارى الطويل يدل على الآتى:
1- خلع جو من الطقس الصوفى على منزل شهرزاد العرافة (بخور- الباب مفتوح)
2- العلاقة الودودة بين "سهر" و"شهرزاد"، فها هى سهر عائدة من مدرستها وشهرزاد تسألها عن أكلها، وهذا يدل على قوة العلاقة ويعطى لها بعدا نفسيا من الحب والود بينهما.
3- إيمان أهل الشام بالتقمص، وشرح شهرزاد لسهر المعنى المقصود من التقمص. وهو ما تقوم عليه فى الأساس فكرة مشروع السيد حافظ الروائى؛ إذ قامت عقيدة الدروزعلى تناسخ الأرواح "وهناك تقمص الأرواح، يقال: إن الإنسان تنتقل روحه إلى غيره، وهذا ما يدعى بالتقمص.. هناك شعوب يؤمنون بها بشكل كلى.. ونحن منهم نؤمن بالتقمص فى الحياة السابقة حتى المتقمص..ليتعرف على أقربائه السابقين فقد يكون عمره خمس سنوات يتعرف إلى ابنه الكبير من الحياة.. ويقال إن المتقمص لا يغير جنسه.. فالرجل يبقى رجلًا وكذلك المرأة تبقى امرأة.. وإذا الرجل سيئًا تنتقل روحه إلى امرأة تظل مرأة عقابًا له"الرواية ص 205.
وتتفق فكرة الكاتب مع عقيدة الثنوية (أصحاب الأزليين)، الذين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان وهم سبع فرق:(المانوية - المَزْدكِيَّة - الدَّيْصانِيَّة - المَرْقَيونِيَّة - الكَيْنَوِيَّة- الصِيَّامِيَّة-التناسُخِيَّة)، والتناسخية منهم قالوا بتناسخ الأرواح فى الأجساد، والانتقال من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من الراحة، والتعب فمرتب على ما أسلفه من قبل وهو فى بدن آخر، جزاء على ذلك "[42].
- عدم فهم "سهر" لسر عطرها، ورغبتها الملحة فى معرفة هذا السر هو ماجعل الراوى يختم مسروايته الأولى بمعرفة قصة "نفر" التى تتقمص سهر روحها فى الجزء الثانى حكاية "إخناتون مع نفر".
ويبقى سر تلك الرؤية الصوفية من اعتناق بعض أهل الشام للتقمص والتناسخ بين الأرواح هو المهيمن الموضوعى على المسرواية؛ لتبقى ثورة السيد حافظ على الجسد المصرى ومافيه وينأى بروحه بعيدًا عن الأحقاد إلى روح مصر الطاهرة. وهو ما رمّى إليه الكاتب من بداية إهدائه "أكتب هذه الرواية بحثًا عن روح مصر المتخاذلة سبعة آلاف عام.. وبحثًا عن روح مصر أخرى للإنسان فيها معنى وقيمة وحضارة حقيقية فعلا وقولا.."(الرواية ص 12).
ويستمر مشروع السيد حافظ السردى فى حلقة متتالية بدأها ب(قهوة سادة) ثم (كابتشينو) ثم (ليإلى دبى) بجزأيها (شاى بالياسمين) و(شاى أخضر) وتتنقل الروح من "نفر" الروح الأولى إلى "نور"الروح الثانية إلى "شمس" الروح الثالثة، وأخيرا الروح الرابعة لسهر وهى"وجد". ولا زلنا فى انتظار المزيد من جعبته الحافظية.
ثالثًا: التداخل مع تقنيات فن السينما:
يوظف الكاتب الفنون الحديثة فى مسروايته كتقنية "المونتاج"، وهو "أحد الفنون السينيمائية التى استفاد منها الفن الروائى، وتقوم فكرتها على على تقطيع المشاهد الروائية وتتداخل الصور والأفكار المنتمية لأزمنة وأمكنة مختلفة فى وعى الشخصية. وتتحدد فائدتها فى الكشف عن أبعاد وملامح الشخصية والحدث"[43]؛ إذ يقدم لنا مونتاجًا مكانيًا لتقديم الأحداث المتوازية فيقدم مقطعًا فى منزل شهرزادفى الشام، ثم ينتقل منه إلى حدث آخر متزامن فى منزل فتحى رضوان فى الإسكندرية. وهكذا ينتقل طوال الأحداث بين الأماكن المتعددة والمتزامنة ، وهذه التقنية حديثة يسير عليها الكاتب فى نصه الحكائى المتشعب والمتشابك.
وكما يوظف الكاتب المونتاج المكانى للتعبير عن تسلسل الأحداث وتزامنها، يُوظف أيضًا المونتاج الزمانى فى الانتقال من عصر إلى عصر باستخدام المفارقات الزمنية الاسترجاعات، والاستباقات من خلال تقديم شخصياته فحكايات سهر وشهرزاد فى الشام بعد النكسة وبعد فصل الوحدة بين مصر وسوريا، ثم ينتقل الحكى إلى العصر الفرعونى من خلال حكايات شهرزاد لسهر عن روحها الأولى"نفر" وسر عطرها وجمالها.
ويلزم الكاتب أسلوبًا فى الكتابة ككتابة "السيناريو" أو "الاسكريبت"؛ إذ يقوم فى معظم الحكى بتحديد المكان والزمان وتحديد الشخصيات قبل الخوض فى المتن الحكائى، ومنه ما استفتح به الكاتب مسروايته، فبدأ بتحديد الزمان والمكان فى حكاية سهر العشق والليل والقمر.
1- الزمان/ 5 يونيو1967م.
2- المكان/ فى بلاد الشام، قام بتحديده فى الصفحة نفسها.
وهكذا استعار السيد حافظ من تقنيات كتابة السيناريو علاقة الزمان والمكان الدراميين؛ حيث يُوظف ما يُطلق عليه بالمونتاج المكانى الذى يسمح له بالتنقل من مكان إلى مكان، ويدخل إلى مصر فى زمن مغاير حيث العصر الفرعونى وحكاية إخناتون بتوظيف الزمن الماضى الفرعونى ليغوص فى ذاكرة المصريين جميعًا.
وفى هذه الانتقالات جميعًا يلتزم السيد حافظ أسلوب كتابة " السيناريو" وبخاصة فى الجزء الثانى منها حيث ينص على زمان الحدث ومكان وقوعه قبل بداية الحكاية، فيبدأ بالمكان، ويُثنى بالزمان على هذا النحو:
المكان/ فى قصر إخناتون
الزمان/ جاء الليل. الرواية (ص242)
الزمان/ الليلة الأولى فى غياب نفر.. وكى
المكان/ فى قصر نفرتيتى .الرواية (ص 277).
ثالثًا- التداخل مع المسرحية:
يتألق النص المسرحى مع الرواية فى تناغم شديد من قلم السيد حافظ؛ إذ يعكس لنا شرعية أكيدة فى تزاوج المسرحية مع الرواية فتتشكل البنية العميقة للنص فى سياقات مسرحية مدهشة تحمل تعابير صادمة ومفاجئة فى سُلم المعرفة والفهم العام للتاريخ؛ حيث إخناتون الذى يدعو لعبادة آتون الإله الواحد والصدامات الأسرية فى مملكته والتنازع على الحكم بين الكهنة والقادة.
وبذكاء فنى شديد من الكاتب ينتقل بتمهيد من "شهرزاد" التى أخبرت "سهر" أنها تتقمص روح فتاة فرعونية اسمها " نفر" لتبدأ حكاية إخناتون مع "نفر" فى الصعود على مسرح الأحداث، ولتحكى شهرزاد (قهوة سادة) متقمصة روح شهرزاد الأصلية فتقول:" كان ياما كان فى سالف العصر والأوان فى العصر الفرعونى بنت اسمها نفر".
وهنا يبدأ الكاتب الانتقال من السرد إلى المسرح فى حكاية (إخناتون مع نفر)، وإهداء جديد- فى عتبة جديدة- لأخيه الراحل "رمضان حافظ" نفحة الروح إذا أظلم الكون"الرواية ص 209.
وينتقل السرد من الحاضر إلى الماضى مع هذا الانتقال الزمانى المكانى تنتقل تقنيات السرد إلى تقنيات المسرح فيبدأ بتقديم عمل مسرحى مكتمل السمات الفنية للمسرحية، والتى يعد الحوار أهم عناصرها المميزة. مثل هذا الحوار بين الملكة تى، وسمنغ كارع شقيق إخناتون.
"الملكة تى فى قصرها تلك اللحظة.. وأمامها الأمير.. سمنغ كارع يحتسى عصير العنب قام وقبَّل يديها:
- مولاتى الملكة تى
- قل لى أرجو أن أجد فيك حلمى المنشود أن تنتبه إننا فى وقت عصيب لأن الفرعون أتى بدين جديد.. دين التوحيد. إن العواصف تحيط بنا من كل اتجاه..
- إننى أؤمن بهذا الدين وأساند أخى بقوة..
يخرج الكاتب من هذا المشهد المسرحى عائدًا إلى السرد بذكاء شديد وقطع لزمن الحكاية الفرعية، ويعود لحكاية سهر والعشق والقمر، ويستكمل حكايات فتحى رضوان، وبعدها يعود للمسرحية مرة أخرى "وهنا أدركت شهرزاد أن الوقت قد مضى.. والوقت فات فتنهدت وجمعت فناجين القهوة وقالت لسهر:
"غدًا نكمل حكاية نفر.. خرجت سهر من بيت شهرزاد واتجهت إلى بيتهم.." الرواية ص 282.
وهكذا فى كل مرة تحكى (المسرحية) ثم تختم بـ " إلى هنا صاح الديك وغدا نكمل الحكاية ياسهر.. " ص 231.
فالسيد حافظ فى الأصل كاتب مسرحى متمكن له العديد من الأعمال المسرحية المهمة[44]؛ لذا فإن الجزء الثانى الخاص بقصة (إخناتون مع نفر) يمثل الحضور الطاغى والدراما المصاحبة لها؛ ففى ملحمة السيد حافظ المتفردة يرجع إلى العصر الفرعونى ويسرد على لسان "شهرزاد" حكاية "نفر" الروح الأولى لـ"سهر"، و"إخناتون" فى مسرحية متناغمة بين أشكال التداخل.
وعلى الرغم من معايشتنا للأحداث الفرعونية وأجواء المؤامرة على إخناتون، سواء من الكهنة أو زوجته نفرتيتى، فإننا نجد إسقاطات سياسية على العصر الراهن من خلال بعض البرديات التى يلجأ الكاتب لإثباتها. وذلك من خلال بعض العبارات التى جاءت على لسان إخناتون مثل:"أخاف على مصر من المؤامرات التى تحاك ضدها من كل صوب."
وتقوم المسرحية أساسًا على الحوار، وهو من أهم المكونات التى تعتمد عليها المسرواية كعمل يجمع بين الرواية والمسرحية، ولكن ثمة اختلاف بين الكلمة فى الحوار الروائى والكلمة فى الحوار المسرحى؛ إذ الكلمة فى الحوار المسرحى وُجدت أصلًا لكى تُنطق، وفى الحوار الروائى وجدت أصلًا لكى تُقرأ، وثمة فرق كبير بين النطق والقراءة وهو الفرق بين العمل المسرحى والعمل الروائى"[45].
يُعد الحوار تمثيلًا للتبادل الشفهى، وهذا التمثيل يفترض عرض كلام الشخصيات بحرفيته، سواء كان موضوعًا بين قوسين أو غير موضوع[46].
ويختلف الحوار المسرحى عن الحوار الروائى بقدر ما تختلف المسرحية عن الرواية؛ فالفرق يعود إلى طبيعة كل نوع وإلى وظائف الحوار فى كل منهما ونسبته إلى مُجمل النص.
وقد حدد د.لطيف عدة نقاط تجعل الحوار الروائى وسيلة من أهم وسائل الاتصال وتميزه عن وسائل الاتصال- تبادل الكلام- الآخرى:
1- الحوار المسرحى مباشر يقدم الشخصيات ويستعيد ماضيها، بينما الحوار الروائى قصير يعتمد التلميح ويساعد على اقتصار السرد.
وهذا نموذج للحوار فى الجزء السردى الخاص بحكاية (سهر والعشق والقمر)؛ حيث ببلوغ سهر أنثويًا "ذهبت بها الأم إلى شهرزاد العرافة وقالت لها:
البنت صارت أنثى..
زغردت "شهرزاد" العجوز.. نثرت عليها بخورًا به حبهان وعين الشيطان حرقتها فى النار.. " الرواية ص 15.
وجاء هذا الحوار فى النص السردى قصيرًا يعتمد على التلميح؛ فالعبارات لا تحتمل أكثر من تلك الإشارات التى جاءت على لسان الشخصيات.
2-الحوار المسرحى هو أصل النص، بينما الحوار الروائى محدود؛ لأن الإكثار منه يضر بانسياب السرد ويُشتت الحدث ويضيع انتباه القارئ.
3- الحوار المسرحى مشاهد متوالية مترابطة - إلا إذا حسبنا الملاحظات التى يدونها الكاتب المسرحى فى بدايات الفصول والمشاهد نوعًا من السرد القصير- بينما الحوار فى الرواية يخضع للسرد ويتكيف بمقتضاه. وهذا ما لاحظه البحث فى المسرحية (حكاية إخناتون مع نفر).
4-الحوار المسرحى مسموع وغير قابل لإعادة السماع، بينما الحوار الروائى مقروء ويمكن تكرار قراءته.
5- يستفيد الحوار المسرحى من لغة إضافية قوامها حركات الممثلين وإيماءاتهم وهيئاتهم، بينما الحوار فى الرواية محصور فى إطار اللغة. وهو ما سوف يعرضه البحث فى الأمثلة الآتية.
6- تختلف أسلوبية الحوار المسرحى عن الروائى؛ فالحوار الروائى ليس كلامًا مسجلًا بل هو إعادة إنتاج لكلام الشخصيات خاضعة لشروط يختلف الكتاب فى تطبيقها. وهو يستدعى إعادة تكوين الوضع من خلال وصف المكان وذكر عبارات تعوض عناصر المقام الغائبة - خشبة المسرح- هذه العناصر تتعلق باتجاه الخطاب، وبنغمية الخطاب، وبشدة النبر، مثل الحوار الآتى بين (نفر، والملكة ميريت) ابنة إخناتون.
فى اليوم التإلى كانت ميريت جالسة فى البستان ومرت نفر من جوارها شمت عطرها
صاحت ضاحكة:
- أنت يامتعطرة بأيدى السماء.. أنت يانفر تعال..
فرحت نفر من نداء الأميرة ميريت وذهبت إليها مسرعة..
- أميرة الأميرات ميريت العزيزة..
- كيف حالك يانفر أتدرين أنت جميلة وتلفتين نظر كل من شاهدك
- أنا فقيرة بنت فقيرة يامولاتى الأميرة..
- سمعت أن حور محب معجب بك وتلتقين به سرا
اندهشت نفر نظرت لها وهزت رأسها فى غضب ناعم:
- يا مولاتى.. أنا لم أقابله إلا أمس صدفة وطلب منى الزواج.
قامت نفر غاضبة:
- طلب منك الزواج أنت؟
- نعم وأنا لم أوافق.
- قلت له ذلك؟
تركته ومشيت..
قالت ميريت وهى تكتم غيظها:
- هل ستوافقين ياتفر الجميلة؟
- لا.. مولاتى الأميرة.
- رائعة أنت.. أنت أميرة جاءت خطأ من أبوين فقيرين..
ضمتها ميريت إلى صدرها وسط دهشة نفر.." الرواية ص 352-353.
ويتميز الحوار المسرحى السابق:
1- تحديد مكان الحوار (فى البستان).
2- بوجود حركة للممثلين وتفاعلاتهم (شمت عطرها- اندهشت نفر- قامت نفر غاضبة- قالت ميريت وهى تكتم غيظها- ضمتها ميريت).
3- جاء الحوار بين الطرفين المتحاورين فى جمل قصيرة لكيلا لا تتحول إلى خطب متبادلة. أما الرواية فإنها ولطبيعتها المرنة تتيح مجالًا أوسع للوصف وللعرض حيث يتحرك فيها الشخصيات وتدور فيها الأحداث[47].
3- الكشف عن تعلق الملكة تى بالقائد حور محب ، وكشف عنه استخدام الفعل (ضمتها ميريت إلى صدرها).
4- إظهار جمال نفر وعطرها (أنت يا متعطرة بأيدى السماء) .
ثم تتوقف حكاية شهرزاد (عن إخناتون ونفر) وينتقل الحدث برشاقة من "طيبة" فى زمن الفراعنة إلى "القاهرة" فى السبعينات حيث فتحى رضوان الثورى والكاتب، ومن خلال الحوار بينه وبين ناهد نتعرف على شىء من تفاصيل تاريخ مصر وخاصة الإسكندرية (بلد فتحى رضوان).
وبعدها ينطلق الكاتب وتتصاعد حرارة الرقص على هزائم وأسرار الإنسان ونعود إلى قصة "إخناتون" فى طيبة فنراه يراقب قرص الشمس فى الغروب ويسجد له .
وهكذا جاء الحوار فى قصة (سهر والعشق والقمر) مقتضبًا سريًعا لا يشغل حيزًا كبيرًا من النص، أما المقاطع المسرحية فى (حكاية أخناتون مع نفر) فقد هيمن عليها الحوار وكان من أهم سماتها الفنية.
رابعًا: التداخل مع السيرة الذاتية
من داخل الرواية الإطار تتولد حكاية فرعية هى السيرة الذاتية للكاتب الذى يرتدى قناع شخصية "فتحى رضوان خليل"، ومن ثَمّ يأتى القص بضمير المتكلم فى المقاطع السردية من منظور فتحى رضوان.
وقد جاءت معظم حواراته فى المسرواية بضمير المتكلم، فكان هو الراوى الأساس فى الحوار"ياناهد الكتابة تعوض لى بعض أيام من عمرى الذى سرقه الوطن منى.. سوف أمضى وحدى أمام الله ومعى ماكتبت حتى يغفر لى مافعلت.. " الرواية ص 236
ومن خلال نظرة المثقف اللاذعة يحكى عن مصر وما يحدث فيها، ويتخذ من الإسكندرية نموذجًا مصغرًا لما يحدث فى مصر عامة، ويُسجل بنظرة المثقف الشمولى التناقض فى أشياء كثيرة "ياناهد هذه مصر العبيطة.. المدينة التى حيا بها مدينة الإسكندرية جزء من مصر التى هى جزء من الوطن العربى.. مصر تسمى أسماء الشوارع بأسماء القاتل والمقتول.. فى القاهرة فى حى الزيتون.. اسم بشارع طومان باى البطل الذى قاوم الاحتلال العثمانى.. والشارع المقابل له باسم سليم الأول العثمانى، الذى قتل طومان باى.. فى عقل مصر عقلين.. عقل عظيم وعقل عبيط.. وفى الأقصر معبدين معبد للإله أوزوريس ومعبد للإله ست قاتل أوزوريس. من يريد أن يصلى لإله الشر يصلى.. ومن يريد أن يصلى لإله الخير يصلى.. أنا لست القاتل ولا المقتول" الرواية ص 235.
ولا يخفى لنا الكاتب ملامح شخصيته "مكبل أنا باللون الأبيض ويفضحنى البنفسجى بعشقه السرى لى" الرواية ص 231. فالكاتب صاحب رأى وثقافة عالية، وهوشفاف لا يحب تزوير الحقائق وإنما يحب البراءة والإخلاص الذين يعكسهما حبه للون الأبيض، والرومانسية والخيال الواسع الخصب الذين يفضحه بهما اللون البنفسجى.
فالسيد حافظ ممثل فى شخصية " فتحى رضوان خليل" مشغول بهموم الأمة وحال الكتاب والمثقفين عامة "أنا أعرف عندما لا أستطيع فعل أى شىء.. أمسك بالقلم كى أشعر بالقوة.. وعندما أترك القلم أبكى.. أحن لغسل الروح.. إنه وقت البكاء المقدس" الرواية ص 232.
ويتضح أكثرمن هذا فى الحوار مع ناهد
- يا فتحى لماذا تكتب؟
- كى أحرر نفسى من القلق.
- هل تشعر بالتحرر عندما تكتب؟
- نعم وأشعر بالخبل والهذيان وحمى الأنبياء كأننى فى رحلة خارج الزمان.. والمكان.. لأكتشف أنى إنسان.. عندما أكتب أشعر بالمتعة والألم.. أملًا أن يشعر القارئ بهذا.." الرواية ص 233.
وفى هذا الجزء الحوارى بين فتحى رضوان مع ناهد حبيبته يسرد لنا فتحى حكايته مع الإسكندرية، وهاهو يسرد لنا معاناته من الكتابة "أشرقت فى نفسى لحظة أكتشفت فيها أن الوجع ليس له هوية وليس له ميناء اكتشفت أن حب الوطن والكتابة عناء ألقيت أشواقى على أحرف اسمك ياوطنى.. فتحولت على الورق إلى ثلاث زهرات ذابلة.. الوطن يذبل ويموت كالزهور ثم يحيا بعد أن نلقى فيه ببذور عشق جديدة" الرواية ص 35.
ويسرد أحيانًا عن ألمه بضمير الغائب "فتحى رضوان ضحية الزمان والمكان.. فمصر زمان ومكان.. زمان مستتر بالتماثيل والآثار وفى الداخل انهيار وعفن يسرى فى النفوس قبل الشوارع منذ سبعة آلاف سنة" الرواية ص 184. فالكاتب ملَّ من كثرة الحوادث المتكررة فالحاضر هو وليد الماضى، والشعب كالتماثيل لا يتحرك له ساكن، والمثقف هو الضحية فى ذلك الزمان .
ويكثرالجانب التوثيقى فى الجزء الخاص بفتحى رضوان ، فأحيانًا نجد الكاتب يثبت صفحات من مذكرات محمد فريد، أو يثبت بيان 30 مارس الذى ألقاه جمال عبد الناصر عام 1968م للإصلاح السياسى، أو يلجأ إلى التفسيرات اللغوية فى بعض الأحيان مثل تفسير كلمة الطاغية " يذكر البستانى تحت كلمة طاغية ويقال: طغى فلان أى أسرف فى المعاصى والظلم، والطاغية: الجبار، والأحمق،.. والمراد به هنا تولى حكمًا فاستبد وطغى وتجاوز الاستقامة والعدل" الرواية ص 110.
كما يذكر فتحى رضوان – الشخصية التى تعكس الكاتب نفسه- أسماء وأماكن بعينها كانت لها حضور فى الواقع الثقافى مثل قوله فى شكواه لوزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة عام 1969م " بالإسكندرية قصران للثقافة الأول فى شارع طريق الحرية يسمى قصر ثقافة الحرية القائم عليه اسمه محمد غنيم.. يمتاز بالثورة الكلامية ويرفض فكرة تكوين اتحاد كتاب الأقاليم التى يطالب بها بعض الكتاب وطردهم من القصر، وبها فرقة مسرحية مع مخرج هارب من القاهرة يدعى أنه يقدم مسرح الجيب".الرواية ص 235.
خامسًا: التداخل مع الشعر
تعددت وتنوعت عتبات السيد حافظ فى فواصله الكثيرة؛ إذ نرى عتبات لجبران خليل جبران، ونزار قبانى، وميخائيل نعيمة، وأدونيس، ويوسف الخال، ومحمود درويش، وصلاح جاهين، وعبد الرحمن الأبنودى، وحافظ إبراهيم، وغيرهم، كما وجدت مقولات للكاتب نفسه، إلى جانب عتبات قرآنية، وإنجيلية، ومقولات لإخناتون، بل إننا نجد عتبات لأبطال المسرواية مثل فتحى رضوان خليل، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1- الشعر العامى
لا يخفى على القارئ اللغة الشعرية التى ينبض بها قلم السيد حافظ ، فنحن أمام موسوعة فكرية أدبية رصينة تجريبية جديدة، يقول بعلو صوته فى فواصل كثيرة فى المسرواية من رباعيات صلاح جاهين:
ياطير ياطاير فى السما طظ فيك
ما تفتكرش ربنا مصطفيك
برضك بتاكل دود وللطين تعود
تمص فيه ياحلو ويمص فيك
بعد أن رأت شهرزاد فى منامها أن طائرا ضخمًا قبيحًا خطف "سهر" و"سهر" تصرخ.. قامت شهرزاذ وشربت شربة ماء. ثم ذهبت إلى سهر للاطمئنان عليها، لتجدها هى الآخرى قد حلمت بكابوس"رأيتنى ياخالتى "شهرزاد" أطير فى السماء وحولى تحت الأرض نيران وطائر صغير يحملنى وأخاف أن أقع كنت أصرخ فى الحلم خفت من النار؟"
لا يتخلى السيد حافظ عن ذائقته الشعرية فى اختيار اقتباساته المتعددة ، فها هو بمقطع جاهين يحكى حقيقة فناء الإنسان مستغلا وجود الطير فى منام سهر وشهرزاد.
وهكذا فإن استدعاء السيد حافظ لهذه المداخلات والاقتباسات ماهو إلا إدراك تام منه لأهمية العنصر الشعرى فى الكتابة السردية، وقدرة النص الشعرى على تجسيد التجربة فى كلمات قليلة كالرباعيات وهى غاية الكاتب التى أرادها.
2- شعر الفصحى
ينسب السيد حافظ كل نص من اقتباساته لقائله فينسب قصيدة "آخر عصفور يخرج من غرناطة" لصاحبها نزارقبانى
النفط يستلقى سعيدًا تحت أشجار النعاس
وبين أثداء الحريم
هذا الذى قد جاءنا
بثياب شيطان رجيم
النفط هذا السائل المنوى
لا القومى
لا العربى
لا الشعبى" الرواية ص 203
والنص يتوافق تمامًا مع صاحب النفط الثرى الذى جاء اسمه متوافقا مع صفته "منقذ" هو عريس سهر الثرى ابن الأسرة المحترمة والذى يعمل فى بلاد النفط، والذى تنبأت به شهرزاد لسهر، وهو الذى سيأخذها إلى بلاد العجب والمال والسيارات.
وفى الحقيقة تحتاج هذه العتبات إلى دراسة فنية منفصلة؛ لكثرتها وتنوعها، فقد امتعت القارئ وأضافت قيمة جمالية فنية. كما كسرت الملل الذى قد يُسببه كثرة السرد ،فجاءت الفواصل بين الإمتاع الجمإلى والفنى المعرفى.
ونذكر قصيدة أخرى لأحمد فؤاد نجم، فبعد ذكر سبب نكسة 1967 وطغيان العسكر وعبد الناصر، قدّم لمعنى كلمة الطاغية ثم استشهد فى فاصله بشعر أحمد فؤاد نجم
"نبوس إيد سيادتك ورجلك كمان
تخليك معانا ياريس عشان
وجودك ضرورة فرضها الزمان
ومن غير وجودك حقيقى نضيع
دى مصر بتاعتك واحنا ضيوفك
كفايا علينا ياريس نشوفك" الرواية ص 111.
3- الشعر الحديث
ويتداخل السرد مع الشعر داخل القصيدة، حيث تمتلئ جعبة الكاتب الحافظية بالشعرية والسردية مثل قصيدة محمود درويش "البنت الصرخة" تلك القصيدة التى أبكت الجميع .
"على شاطئ البحر بنتٌ، وللبنتِ أهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتانِ وبابْ..
وفي البحرِ بارجةٌ تتسَلَّى بِصَيْدِ المُشَاةِ
على شاطئ البحر: أربعةٌ، خمسةٌ، سبعةٌ
يسقطون على الرمل. والبنتُ تنجو قليلاً
لأنَّ يداً من ضبابْ
يداً ما إلهيَّةً أسْعَفَتْها
يا أبي! قُمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا!
لم يُجِبْها أَبوها المُسَجَّى على ظلِّهِ
في مهبِّ الغِيابْ
دَمٌ في النخيل، دَمٌ في السحابْ
يطير بها الصوتُ أعلى وأَبعدَ
من شاطئ البحر.
تصرخ في ليل بَرّيّة،
لا صدى للصدى.
فتصير هي الصَرْخَةَ الأبديَّةَ في خَبَرٍ
عاجل لم يعد خبراً عاجلاً عندما
عادت الطائرات لتقصف بيتاً بنافذتين وبابْ" الرواية 158.
وتجتمع كل عناصر القصة فى القصيدة، فالزمان: زمان المجزرة، والمكان: شاطئ غزة، والشخصيات: الطفلة- الأهل- الأب، والأحداث: بارجة صهيونية تقصف الشاطئ وتقتل الأسرة.
ويلاحظ البحث أن التداخلات جميعها جاءت فى الجزء الأول مع حكاية (سهر والعشق والقمر)، أما الجزء الثانى الخاص بحكاية إخناتون مع نفر فاكتفى الكاتب بذكر رباعيات مولانا جلال الدين ابن الرومى التى تناسب حالة الوجد الصوفى بين كاظم (معلم سهر) وسهر الذى لم يعبر عن حبه واكتفى بولعه وسحر عطرها من بعيد؛ ويرجع السبب فى ذلك أن الجزء الخاص بالمسرحية أكثر حيوية من خلال الحوار، والحركة، والمفارقات الزمنية من الماضى إلى الحاضر والمستقبل.
فبعد تقديم الإهداء لأخيه رمضان حافظ فى الجزء الثانى، ثنى بمقولة لفتحى رضوان أحد أبطال الرواية ثم ذكر نشيدًا لإخناتون، وآية من إنجيل مرقص، وكانت مقولة فتحى رضوان معبرة عن الحالة العامة والسياسية للبلاد "الصراعات والمتناقضات التى يمر بها شعبنا الآن هى القوة المحركة للتاريخ.. ليس عيبًا أن أى ثورة بلا مبادئ.. معظم الثورات التى كان لها مبادئ سقطت وقتلت.. نحن نحتاج إلى ثورة عقلية.. متى ينتهى الصراع المفجع بين العبد والسيد.. إن معظم المبادئ خادعة وليست حقيقية" الرواية ص 214.
ويذكر الكاتب فى فواصله العديد من الأشعار التى تناسب الفكرة التى يطرحها من خلال السرد أو المسرح، مثل رباعيات مولانا جلال الدين ابن الرومى التى جاء ذكرها بعد حالة كاظم - المدرس العاشق لسهر- وما أصابه من حمى فى جسده، وعشق فى قلبه.
"القلب سالك. المعرفة تلين
الجسم ليس منفردًا كجيفة
لكنه غريب كحبة ملح
لا تزال على طرف الجبل" الرواية ص 287- 288.
وهكذا حاولت الدراسة، أن ترصد تداخل المسرح مع الرواية االمعاصرة وحاولت إلى جانب ذلك أن تلاحظ التداخلات الآخرى فى حلقة القصص مع الحكاية الشعبية ومع فنون حديثة كالسينما، ومع الشعر الغنائى كما لاحظ البحث أن هذه التداخلات كان لها أثرًا فى التماسك النصى العام- وإن طغت على المنظور الأساس الذى تنطلق منه الرواية مع المسرحية-.
وعلى الرغم من هذا التداخل مع المسرحية فى ملحمة السيد حافظ الرائعة إلا أن الترابط والتناغم الشديد بين أجزاء المسرواية جعل منها وحدة واحدة شديدة التناغم بين المشاهد ، كما جعلت نفس المتلقى فى مواجهة قوية مع حاضره وماضيه وزمانه ومكانه.
وقد استطاع السيد حافظ ذلك المبدع الفذ أن يصنع عملا متميزًا وفكرا مغايرا، يُسجل به حقبة فنية جديدة فى الفن المسرحى والروائى؛ ففى مساحة إبداعية شاسعة مُلأت بالحياة، والصيرورة لتكسر الرتابة الأدبية، وتحقق الإمتاع الفنى جاءت "قهوة سادة" منيرة الطريق للواعين من أبناء الجيل للنهوض والبحث عن ذواتهم وأرواحهم الغائبة .
وضع السيد حافظ فلسفته الخاصة فى الفكر فجاء العمل يجمع كل ركائز التكوين الإنسانى: الأخلاقى والسياسى والدين والحضارى والاجتماعى والثقافى؛ ليصنع للمتلقى فكرا مغايرًا وإنتاجًا ثقافيًا ناضجًا يضع فيه فلسفته فى كتابته الجريئة الجادة فى محاولة لاستنهاض الهمم والعزائم من الركود، وأعمالا للعقل للتشبث بكل ما له قيمة فنًا وإبداعا، فهنيئًا للقارئ العربى تلك الفسحة العقلية المتنوعة وهنيئًا للمكتبة العربية هذا القلم الجاد الحر. ولا يزال القارئ المثقف فى انتظار المزيد من الجعبة الحافظية ومشروعها الكبير.
استطاع السيد حافظ بتمرده على البنية الشكلية للرواية أن يتخلى عن الحبكة الفنية للرواية الواقعية، واستبدلها بالتصميم الفنى للفنون التشكيلية. قافزًا بوثبة عالية على الأنواع الأدبية الفنية منها وغير الفنية؛ مفيدًا من تقنيات المسرح والسينما والسيرة الذاتية والكتابة الصحفية.
قائمة المصادر والمراجع
أولاً: المصادر:
السيد حافظ: قهوة سادة (رواية)، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، 2012م.
ثانيًا: المراجع:
· أرسطو: فن الشعر ،ترجمة: إبراهيم حمادة ، مكتبة المسرح ، رقم 3 ، مركز الشارقة للإبداع الفكرى ، د . ت، د. ط.
· آمال شوقى محمد: الجنة والنار فى التراث الإسلامى قبل الإسلام (دراسة فى ضوء تاريخ الأفكار) الدراسات العربية فى عالم متغير، المؤتمر الأول لقسم اللغة العربية ، 25-27نوفمبر 2014، وحدة رفاعة للبحوث وتنمية المعلومات اللغوية والترجمة، كلية الألسن، جامعة عين شمس،ج 2.
· برتولد الطائر: مختصر علم آباء الكنيسة، عربه بتصرف الأب كامل وليم ،ج1، دت ، دط.
· بول فان تيجم، المذاهب الأدبية الكبرى فى فرنسا ، ترجمة: فريد أنطونيوس ، ط 3، منشورات عويدات ، بيروت – باريس ، 1983 م .
· تيرى إيجلتون: مقدمة فى نظرية الأدب، ترجمة:أحمد حسان، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1991م.
· الجرجاني، علي بن محمد بن علي الزين الشريف (المتوفى: 816هـ):كتاب التعريفات ،ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر ، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ،الطبعةالأولى 1403هـ -1983م ، ج 1 .
· حنان مصطفى أحمد على: التقنيات الفنية فى الرواية المصرية الحديثة" منذ سنة 1973إلى نهاية القرن العشرين"،كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة، 1427هـ/2006م.
· خيرى دومة: تداخل الأنواع فى القصة القصيرة(1960-1990)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م.
· عبد الرحيم الكردى:السرد الروائى وتداخل الأنواع نماذج من الرواية المصرية المعاصرة، مؤتمر أدباء مصر"أسئلة السرد الجديد"الدورة الثالثة والعشرون، محافظة مطروح، 2008م .
· رشيد قريبع: الرواية الجزائرية المعاصرة وتداخل الأنواع ، جامعة منتورى قسنطينة.
· رشيد يحياوى ، مقدمة فى نظرية الأنواع الأدبية ، المغرب ، إفريقيا الشرق ، ط2 ، 19994 م .
· رولان بارت: موت المؤلف، ضمن كتاب (درس السيميولوجيا) ترجمة: عبد السلام بنعبد العإلى، تقديم: عبد الفتاح كيليطو،دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب،ط3، 1993م.
· رينيه ويلك، مفاهيم نقدية، ترجمة:د.محمد عصفور، عالم المعرفة، الكويت، 1978م.
· الشهرستانى (أبو الفتح محمد عبد الكريم ابن أبى بكر أحمد): الملل والنحل، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل ،مؤسسة الحلبى ،القاهرة،ج4.
· ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط: عبد السلام هارون، مركز النشر، مكتب الإعلام الإسلامى، 1404هـ، ج1.
· د. فايزة محمد سعد: " كل من عليها خان ، البنية والدلالة وجماليات التشكيل، رواية(كل من عليها خان) للسيد حافظ ، مركز رؤيا للنشر، 2016 م.
· عبد الفتاح عثمان: بناء الرواية (دراسة فى الرواية المصرية) مكتبة الشباب، المنيرة- القاهرة ،سنة 1982م.
· فتوح أحمد: لغة الحوار الروائى، فصول ، المجلد الثانى، العدد الثانى، كانون الثانى، 1982م.
· القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (المتوفى: ق 12هـ): جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عرَّب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص، دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ج 1.
· عبد المنعم تليمة: مداخل إلى علم الجمال الأدبى ومقدمة فى نظرية الأدب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2013م .
· ابن منظور: لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، مج 3، مادة (جنس).
· لؤى على خليل:
- تداخل الأنواع بين القاعدة والخرق، مجلة دمشق، المجلد30 ، العدد3،2014م.
- نص السيولة والصلابة (دراسة فى تداخل الأنواع)، ضمن مجلد (تداخل الأنواع الأدبية ، مؤتمر النقد الدولى الثانى عشر)المجلد الثانى، الأردن ،عمان عالم الكتب الحديث ،إربد ، 2009 م.
· لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2002م.
· أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ):معجم الفروق اللغوية،تحقيق: الشيخ بيت الله بيات، ومؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بـ «قم»،الطبعة الأولى، 1412هـ، ج1.
الدوريات:
· دينا نبيل: الموتيف فى رواية "قهوة سادة" مجلة أدب ونقد، مجلة الثقافة الوطنية الديموقراطية، العدد 354، نوفمبر 2016م.
· وليد الخشاب: عندما تلجأ الرواية للمسرحية (عن المسرواية)، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مج 12، عدد 1 ، 1993 م .
السيرة الذاتية
آمال شوقى محمد يحيى
· الوظيفة: مدرس مساعد بقسم اللغة العربية- جامعة عين شمس.
· حاصلة على ليسانس الألسن فى اللغة العربية دور مايو 2008م بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف .
· ثم حصلت على تمهيدى ماجستير دور مايو 2011 م.
· قامت بالتسجيل للحصول على درجة الماجستير بالقسم فى تاريخ 23 /3 /2012 م.
· ناقشت الماجستير فى الأربعاء9/ 4/ 2014م.
· قامت بالتسجيل لدرجة دكتوراة الألسن فى 8/ 6/ 2015م.
الأنشطة الثقافية:
· المشاركة فى المؤتمر الأول لقسم اللغة العربية، كلية الألسن جامعة عين شمس فى الفترة من 25 إلى 27 نوفمبر 2013م. ببحث بعنوان " الجنة والنار فى التراث الدينى قبل الإسلام دراسة فى ضوء تاريخ الأفكار ضمن محور الدراسات الأدبية.
· المشاركة فى ملتقى القاهرة الثانى للنقد الأدبى دورة عبد القادر القط، بمشاركة سبعين باحث وناقد ومتخصص من مصر ومعظم الدول العربية وأذربيجان تحت عنوان" الحوار مع النص – دورة عبد القادر القط" والذى عقده المجلس الاعلى للثقافة في الفترة من 8 إلى 10 مايو 2017 ضمن محور الحوار مع النص السرى وذلك ببحث بعنوبن" تداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية"قهوة سادة نموذجًا".
الدورات التدريبية التى تم الحصول عليها
· دورة "النشر الدولى "فى الفترة 4- 6 /7 /2009 م.
· دورة "معايير الجودة فى العملية التعليمية " فى الفترة 30-6 إلى 2-7 /2009 م .
· دورة "تنظيم المؤتمرات العلمية " فى الفترة 12- 14/9/2010 م.
· دورة "آداب وسلوكيات المهنة " فى الفترة 12- 14/10/2010م.
· دورة "أخلاقيات البحث العلمى " فى الفترة 23- 25 /6/2012 م.
· دورة "إدارة الوقت والاجتماعات " فى الفترة 14 -16/5/2013م.
· دورة "إرادة التغيير" فى الفترة 14-15 / 5/2017م.
· دورة "بنوك الأسئلة والاختبارات الإليكترونية" فى الفترة 17-18/5/2017م.
· دورة"إدارة الفريق البحثى" فى الفترة 16- 17/ 5/ 2017.
[1] - ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط: عبد السلام هارون، مركز النشر، مكتب الإعلام الإسلامى، 1404هـ،ج1، مادة (جنس).
[2] - ابن منظور: لسان العرب، دار لسان العرب، بيروت، مج 3، مادة (جنس).
[3] - سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبنانى، بيروت، ط1، 1985، ص 223.
[4] - جميل حمداوى: نحو نظرية الأجناس الأدبية، (نحو تصور جديد للتجنيس الأدبى)، مؤسسة المثقف العربى، ط1، 2011م، ص 7.
[5] - علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (المتوفى: 816هـ):كتاب التعريفات ،ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر ، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ،الطبعةالأولى 1403هـ -1983م ، ج 1،ص 78 .
[6] - القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (المتوفى: ق 12هـ):دستور العلماء = جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، عرب عباراته الفارسية: حسن هاني فحص، دار الكتب العلمية - لبنان / بيروت،الطبعة: الأولى، 1421هـ - 2000م، ج 1، ص 283 .
[7] - أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري (المتوفى: نحو 395هـ):معجم الفروق اللغوية،تحقيق: الشيخ بيت الله بيات، ومؤسسة النشر الإسلامي،الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بـ «قم»،الطبعة: الأولى، 1412هـ،ج1،ص168.
[8]- د. لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2002م، ص 67.
[9]- مجدى وهبه، كامل المهندس:معجم المصطلحات العربية فى اللغة والأدب، مكتبة لبنان- بيروت،ط2 ،1984م.
[10] - انظر ريهام حسنى: تماهى الأجناس الأدبية، معجم المصطلحات الثقافية مؤتمر أدباء مصر، الدورة الخامسة والعشرون"دورة محسن الخياط"، القاهرة، ديسمبر2010م ، ص9.
[11] - انظر د. لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية، ص 67.
[12] - صادق مجبل الموسوى، قضية الأجناس الأدبية فى الأدب، نوفمبر 2010م .
[13] - انظر أرسطو: فن الشعر، ترجمة: إبراهيم حمادة ، مكتبة المسرح ، رقم 3 ، مركز الشارقة للإبداع الفكرى ، د . ت .
[14] - رشيد يحياوى، مقدمة فى نظرية الأنواع الأدبية، المغرب ، إفريقيا الشرق ، ط2 ، 19994 ، ص 19 .
[15] - رشيد يحياوى: مقدمة فى نظرية الأنواع الأدبية، إفريقيا الشرق، ط 2، 1994، ص 25 .
[16] - بول فان تيجم، المذاهب الأدبية الكبرى فى فرنسا ، ترجمة: فريد أنطونيوس ، ط 3، منشورات عويدات ، بيروت – باريس ، 1983 م ، ص 149 .
[17] - انظر رشيد يحياوى: مقدمات فى نظرية الأنواع الأدبية، ص 26.
[18] - انظرعبد المنعم تليمة: مداخل إلى علم الجمال الأدبى ومقدمة فى نظرية الأدب، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2013م، ص 249
[19] - السابق، ص25.
[20] - د. لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية ، ص 68.
[21] - تيرى إيجلتون: مقدمة فى نظرية الأدب، ترجمة:أحمد حسان، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1991م، ص 167.
[22] - انظر رولان بارت: موت المؤلف، ضمن كتاب (درس السيميولوجيا) ترجمة: عبد السلام بنعبد العإلى، تقديم: عبد الفتاح كيليطو،دار توبقال، الدار البيضاء، المغرب،ط3، 1993م، ص 85
[23] - د.عبد المنعم تليمة: مداخل إلى علم الجمال الأدبى ومقدمة فى نظرية الأدب ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 2013م ،ص 249.
[24] - انظرد.لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية، ص 67.
[25] - السابق، ص 146.
[26] - انظرخيرى دومة: تداخل الأنواع فى القصة القصيرة(1960-1990)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998م،ص23.
[27] - رولان بارت: موت المؤلف، مرجع سابق، ص 85
[28] - وليد خشاب: عندما تلجأ الرواية للمسرحية (عن المسرواية) ، مجلة فصول ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ،مج 12، عدد 1 ،، 1993 م .
[29] - السابق نفسه .
[30] - رينيه ويلك: مفاهيم نقدية، ترجمة:د.محمد عصفور، عالم المعرفة، الكويت، 1978م ،ص311.
[31] - رشيد قريبع: الرواية الجزائرية المعاصرة وتداخل الأنواع ، جامعة منتورى قسنطينة، ص 5 .
[32] - لؤى على خليل: تداخل الأنواع بين القاعدة والخرق ، مجلة دمشق،المجلد30 ، العدد43،2014م..
[33] - من مجموعته (كزهر اللوز أو أبعد) ص15-16 .
[34] - لؤى خليل: تداخل الأنواع بين القاعدة والخرق، ص 156 .
[35] - عبد الرحيم الكردى: السرد الروائى وتداخل الأنواع نماذج من الرواية المصرية المعاصرة، مؤتمر أدباء مصر"أسئلة السرد الجديد"الدورة الثالثة والعشرون، محافظة مطروح، 2008م، ص 138-219 .
[36] - السيد حافظ: قهوة سادة.. قهوة زيادة، ص3،أضاف الكاتب هذا المقطع فى الطبعة الثانية بعد مرور خمس سنوات على الطبعة الأولى، والتى لم تطبع بعد. وفى الطبعة الأولى أقرَّ الكاتب أنها رواية وذكر ذلك على صفحة الغلاف.
[37] - من محاضرة فى مختبر السرديات للدكتور حسام عقل عن مسرواية (كل من عليها خان) بعنوان: السيد حافظ والمسرواية..(كل من عليها خان) و التهاوي التدريجي لنظرية الأنواع، ملتقى السرد العربى الدائم ، القاهرة، بتاريخ 30/9/2016م
[38] - د.سليمان عبد العظيم العطار: الموتيف فى الأدب الفردى والشعبى، الهيئة العامة المصرية للكتاب ، القاهرة ، 2012م، ص 33.
[39] -انظر منى نور: الروائى السيد حافظ صاحب" نسكافيه"و "قهوة سادة" و"شاى أخضر"، أخبار الأدب، بتاريخ: 9/ 12/ 2012م.
[40] - انظر دينا نبيل: الموتيف فى رواية "قهوة سادة" مجلة أدب ونقد، مجلة الثقافة الوطنية الديموقراطية، العدد 354، نوفمبر 2016، ص 102.
[41] - انظر د. فايزة محمد سعد: كل من عليها خان للسيد حافظ ، رؤيا للنشر، 2016م، ص 399.
[42] - انظر الشهرستانى (أبو الفتح محمد عبد الكريم ابن أبى بكر أحمد): الملل والنحل ،تحقيق:عبد العزيز محمد الوكيل ،مؤسسة الحلبى ،القاهرة ،ج2، ص36- 40، وللمزيد عن معرفة أصحاب الفرق والتناسخ انظر آمال شوقى محمد: الجنة والنار فى التراث الإسلامى قبل الإسلام (دراسة فى ضوء تاريخ الأفكار) الدراسات العربية فى عالم متغير، المؤتمر الأول لقسم اللغة العربية ، 25-27نوفمبر 2014، وحدة رفاعة للبحوث وتنمية المعلومات اللغوية والترجمة، كلية الألسن، جامعة عن شمس،ج 2، ص 821. وانظر أيضا برتولد الطائر:مختصر علم آباء الكنيسة ،عربه بتصرف الأب كامل وليم ،ج1 ،صـ80- 86 ،دت ،دط .
[43] - انظر حنان مصطفى أحمد على: التقنيات الفنية فى الرواية المصرية الحديثة" منذ سنة 1973إلى نهاية القرن العشرين"،كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة، 1427هـ/2006م، ص 207
[44] - صدر للمؤلف العديد من المسرحيات للكبار منها(كبرياء التفاهة فى بلاد اللامعنى) و(الطبول الخرساء فى الأدوية الزرقاء)،و (سيمفونية الحب)، و(مسرحية حبيبى أنا مسافر)، وله تسع مسرحيات تجريبية، وله أيضا مطبوعات مسرحية للأطفال مثل (سندس)، و(عنتر بن شداد)، و(سندريلا) و(الأمير)، و(قميص السعادة)، و (الشاطر حسن).
[45]- فتوح أحمد: لغة الحوار الروائى، فصول ، المجلد الثان ى،، العدد الثانى،كانون الثانى، 1982م،ص 83-90.
[46] - لطيف زيتونى: معجم مصطلحات نقد الرواية، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر، بيروت، لبنان، ط1،2002م، ص79.
[47] - عبد الفتاح عثمان: بناء الرواية (دراسة فى الرواية المصرية) مكتبة الشباب، المنيرة- القاهرة ،سنة 1982م،ص 207.
0 التعليقات:
إرسال تعليق