دراسات من كتب د. نجاة صادق الجشعمي
(92 )
التضمين الشعري
في رواية كل من عليها خان
بقلم / رضوى جابر شعبان محمد
دراسة من كتاب
((التشظى وتداخل الأجناس الأدبية فى الرواية العربية))
" الجزء الأول "
إعداد وتقديم
نـجـاة صـادق الجشـعمى
كلمة عن الناقدة الأستاذة / رضوى جابر
تغيب الحروف بعد أن اعتدنا حضورها.. نتساءل عن الغياب؟؟
نعلم أنها تتصارع لتهزم الأبجديات المتطفلة على لغتنا الأصيلة.. وتثبت أنها الأقوى في الشدائد والمثابرة.. ولن ننكر فنتفاجئ ونبهر القارئ بالجديد المبدع ليسر ناظره وهو يقرأ.. بعد أن شعر الحرف العربي بعناء وتعب شديد تعافى وأخذ يشعل إبداعاً وتألقاً في سماء الأدب والفن والعلوم.. خلع قبعات المرض والرضوخ والاستسلام.. وأصبح يرتدي قبعات الوقاية من الغرور والتعالي.. هنا تقع علينا المسؤولية الكبرى أن نحافظ على الأبجديات المبدعة التي أحيت الحرف وانتشلته.. فإذا غابت هذه الأبجديات خسف القمر وكسفت الشمس وبحضورها يضئ الكون وتخرج ملاحم وأساطير الإبداع وكوكبة المبدعين والمبدعات وبهندامهن وحليهن وأقلامهن الجبارة الصارخة الناطقة المثابرة المنشودة والمشهود لهن بالإبداع والتطور في إيجاد الأفضل والأبدع.
وقفت هنا أستبصر الدراسات النقدية التي بين يدي.. وجدتها ليست كلاما وحروفا كتبت بالمداد الأزرق أو الأسود لتعانق وتقبل الورق.. لا لا لا وألف لا.. إنها سيمفونيات كلما انتهيت من القراءة أعدت عزفها الشجي لأستلذ بألحانها.. ارتسمت أمامي خطوط واضحة المعالم لتوضح الأبجديات المتميزة والإبداع لدى القاص والكاتب والروائي والمؤلف المسرحي والناقد والشاعر.. فالكل خلية يكمل بعضهم بعضا..
هنا وفي هذا الكتاب البسيط تمر الحروف تكاد تصرخ من جمال ما يكتب من تجديد وإبداع للأقلام الحرة الصادقة التي لم تعزل الأقلام الفتية للشباب والطاقات اليانعة التي ستتحسسون نبضها وربما تحيا ويترحمون لكم وينحنون لحروفكم بعد أن زاحموكم..
الأستاذة (رضوى جابر) طالبة جامعية وطاقة جبارة لها دراسات نقدية فكتبت وأبدعت في رواية (كل من عليها خان) لتبحث لها عن مكان تحت ظل الأدب والنقد الحديث.. إنها ثمرة من ثمار الإبداع الثقافي والفكري لمصر النيل والهرم..
توصف الناقدة رضوى وتشيد بعبقرية الكاتب البارع والمسرحي الساخر ولن تمضي وتترك حروف القهر تنتظر في محطة التجاهل ولكن عرجت على فترة الجوع والقحط والشدة المستنصرية التي أكل الناس بعضهم بعضاً واختفت الفئران وانقرضت فأصبح كل شئ مستباح.. أما الوضع السياسي والحكم فتقول الناقدة: السلطة أصبحت بيد التجار وكل من في مصر بات جاسوسا وخائنا.. والاتهامات أكلت الناس.. قل القمح وكثرت الملوخية..
الكاتب وحب مصر.. وعشقها في أبجديته..
أنا حين تصاب مصر في صدرها.. أقول..آه.. وحين تصاب الكويت في قلبها يؤلمني قلبي.. وحين تتألم الإمارات في روحها توجعني روحي.. وحين يرتجف العراق أرتجف وحين تتنهد سوريا يدق قلبي..
أنا عروبي حتى النخاع ليس لي جنسية قُطرية محددة وهذا سر عنائي وبلائي.. فلا كل البلاد تعرفني.. وأنا أعرف كل أهلها..
فالوطن مستباح حتى لاتميز بين النواح والأفراح..
الباحثة والناقدة الواعدة ترتقي بحروف العشق وقصص الحب في رواية كل من عليها خان وتستذكر قصة (وجد وشهبندر التجار وزواج الحلاق عمار من الفتاة التركية الجميلة مقابل حلاقة رأس.. لكن مع سيادة سياسة القهر والاستعباد أصر عمار أن يسعد ابنته بمن تختار وتحب (نيروزي الشاب الوسيم) بالرغم من القهر والذل وأشد أنواع القهر من قبل شهبندر التجار لعمار.. لكنه ظل مصراً على موقفه..
أكدت على الفواصل التي عبرت عن دلالات ومواعظ ومعلومات مهمة.. أيضاً الرواية أبرزت حوادث تاريخية فأطرها بإطار سلس ذكي فني تقني لم يصيبنا بالملل ومتابعة الأحداث بشوق وتشوق للأسف المؤرخين محو سبع سنين من الظلم والقهر والاستعباد.. فكل من عليها خان
نجح الحافظ في إظهار
مدى قهر المصرين ومدى ظلم الحكام..
والمرأة بهتاف لها سقط المستنصر..
آه يا وطن..
نظرة إلى كحل عينيك تجعلني أرى تاريخ عشق الطفولة البرئ لبنت الجيران.. ليس الحب شهوة الروح والجسد مثل الجنة والنار.. فيه نذوق طعمهما. المهاجر له قلبان، وله روحان، معذب بين جنة يعيش فيها ونار يحن إليها..
آه يا ابن رضوان.. تفر إلى المجهول..
التضمين الشعري
في رواية كل من عليها خان
بقلم / رضوى جابر شعبان محمد
نحن نقف أمام عبقرية لن تتكرر للكاتب البارع، والمسرحي الساخر -السيد حافظ- تراه في كل عمل له شخصية جديدة تدعم ما في أذهاننا عنه وها نحن بين يدي روايته (كل من عليها خان) حيث نري فيها التلاقي بين المتناقضات الكثيرة نري الجمع الرائع والمزيج بين ما هو مختلف كالموجب والسالب ولأن مفتاح الأعمال الأدبية كما نري هو العنوان فلننظر معا إلى عنوان هذا العمل الأدبي (كل من عليها خان) ترى بين شمول الموضوع والارتكاز وظهر هذا خصيصا بأتيانه بكلمة (من) ويتناول مفتاح العمل الأدبى ستة مفاتيح مختلفة أنارت لنا الطريق نحو العمل نحن بصدد الحديث عنه وكانت كالآتي: فنجان شاي العصر - الرائي - العصفور والبنفسج - كل من عليها جبان - كل من عليها هان - كل من عليها بان - والعنوان الذي اعتمده الكاتب هو (كل من عليها خان) فنرى أمامنا سبعة عناوين لعمل أدبي واحد، فماذا دار في خاطر(السيد حافظ) حينها؟ وما النقطة التي أراد أن يلقي الضوء عليها من خلال هذه الافتتاحية الرائعة؟ ولعله كان الأقرب لي (العصفور والبنفسج) وعندما بدأت في القراءة رأيت فتحي رضوان العصفور، وسهر البنفسج ورأيت التبريزي العصفور ووجد "مسك" البنفسج كانت الدلالة هنا واضحة فلكل منهما صفات العصفور وللأخر صفات البنفسج وبعد قراءتها سبع مرات واختياري في كل مرة عنواناً مختلفاً للرواية ونري العنوان الذي يتم اختياره في كل مرة مناسباً لذلك العمل الأدبي وهنا تكمن عبقرية الكاتب حيث أراد(السيد حافظ)من هذه اللفتة أشياء كثيرة أراد أن يلفت نظرنا إليها إلا أنني أميل إلى أن(السيد حافظ)أراد البحث عن الروح، الروح وحدها هي من تتحكم؛ فالروح تقرأ، الروح تنقد، الروح تكتب، فلكل قارئ روح مختلفة، تختلف عن غيرها ووجهة نظر خاصة به وحده يمكن قراءة العمل منها، ولكل عنوان دلالة خاصة به ومن هنا يمكن القول أن(السيد حافظ) نجح في تحقيق مبدأ البحث عن الروح في هذا العمل وظهر هذا من العنوان -المفتاح الأول- والأهم للعمل الأدبي الذي بين أيدينا والذي استوقفني في هذا العمل هو تضمينه للشعر فكان الملمح الأهم لى فيا تري لماذا استعان(السيد حافظ)بالشعر في روايته؟!.. رأيت أنه أدخل أبياتا في مواضع معينة من النص الروائي تحمل من الدلالة ما يفوق العدد فاقرأ معي أول دخول للشعر في روايته (كل من عليها خان) ص١1٦:
• سهر كيفك؟
• إحكي بالمصرى.. إزّيك يا أستاذ فتحى.. إنت كويس؟
ضحكت..
• إزّيك. إنت يا سهر.. أنا كويس والحمد لله..
• خبّرني منقذ أنك تركت الشغل فى المجلة ورحت جريدة كبيرة..
آهآه.. تذكرت قصيدة عذاب الركابي..
آه لو عندي أقدامُ
المطرْ !!
آهِ.. لو بدلتُ أحشائي
بأحشاءِ الشجرْ،
ما فاجأني البردُ ،
ولا جفف الضحكةَ في قلبي
القدرْ !!
كان يراودني سؤال عند قراءتي للرواية حينما وجدت قصائد شعرية بها.. لماذا أدخل الكاتب شعراً؟ وهل خدم العمل أم لا؟ وعندما بدأت بقراءة (آه لو عندي أقدامُ المطر!!) تصف الأبيات الحالة الشعورية التي كان بها فتحي ومدي حبه لسهر نري أن دخول بعض الأبيات الشعرية في مواضع بعينها داخل النص الروائي خدمت النص فكانت بمثابة فاصل صغير لا تخرج به عن النص إلا للنص ذاته نري في الأبيات كم المعاناة التي يعيشها فتحي فكأن كل كلمة في الأبيات تصف لنا ما عاشه، نري التمني (آه لو عندي أقدام.. المطر (!! فكان اختياراً موفقاً من الكاتب لهذه الأبيات التي تبدأ ب (آه) الوجع الذي مر بخاطر فتحي أثناء محادثة سهر حتي في ختام الأبيات يختتمها الشاعر (ما فاجأني البرد ولا جفف الضحكة في قلبي القدر) الاستحالة؛ استحالة الحدوث، استحالة ان ينتهي الوجع، وجع الوطن، وجع الحياة، وعذاب الحب الملتهب في قلب فتحي .
ونرى دخول الشعر في موضع آخر فى الرواية
أغلقت سماعة الهاتف راحت تقول فى سرها:
يا غبي! أبعد النار عن الفراشة كي لا تحرقها فتندم لم أعد أستطيع مقاومة رغبتي في الحصول علي فتحي قلباً وروحاً وجسداً لم يعد لدي القدرة علي المواجهة .!
جلست سهر علي شباك غرفة الصالون حيث كانت تسكن في الجميرا بعد أن انتقل زوجها من الشارقة ليكون بجوار المجلة. جلست شاردة . دموعها علي خدها .
الروح
تشتهي عكس الجسد
والروح تعشق ابن الغجر..
لا شيء الآن
بيني
.. .. والجنون
سوى
هذا الضجر المضئ
وقمر..
لا شيء الآن
يحاصرني بالظنون
سوى
عصفور طريد
وبعض مطر
(من قصيدة للشاعرة ريتا عودة)
وهنا نريد خول الشعر مرة أخرى ولكن كان فى خاطر سهر -سهر من عشقها العصفور والقمر-.. العصفور الذي كان ينام في أحضانها كانت دائما سهر تحاول الرجوع إلى الطفولة حيث البراءة وها هو الزوج الغافل عن أحاسيس زوجتة لايشعر بما في داخلها
وهنا لعب الكاتب الدور في توظيف الأبيات الشعرية لخدمة العمل الأدبي وجاء الاختيار موفق وصفت شخصية سهر من خلال هذه الأبيات
(الروح
تشتهي عكس الجسد
والروح تعشق ابن الغجر)
الدلالة هنا واضحة دلالة علي اشتياق لفتحي رضوان هو العشق الذي أصاب قلبها وقلبه وجعل من اللقاء متعة ليس لها مثيل لايمكن الاستغناء عنها ف (سهر) عشقت الروح والجسد والقلب .
ثم تتابعت الأبيات
لا شيء الآن
بيني
.. ..والجنون
سوي
هذا الضجر المضئ
وقمر..
لا يحاصر سهر سوى الضجر والقمر العاشق الآخر لسهر ف لسهر عشاق كثر من البشر حتي وصل عشق سهر إلى العصافير والقمر.
سوى
عصفور طريد
وبعض مطر
العصفور الذي داوم علي عشقها بجنون فدائما كانت العصافير عاشقة لسهر.. تذكرت سهر العصفور الذي كان ينام في أحضان سهر في القرية فعصفورها العاشق هو الوحيد الذي يرجحعها الي طفولتها .
أري أختيار الأبيات هنا كان في صميم الموقف أراد (السيد حافظ) تدعيم فكرته فكان دخول الشعر موفقا في هذا المقام فأكد لنا مافي أذهاننا عن سهر ودعم الحالة الشعورية فيمكننا أن نقول أن الموقف ها هنا بدخول الشعر نشفق علي سهر فتحولت سهر من العاشقة الخائنة لزوجها إلى المرأة المغلوبة علي أمرها.
دائما ما يحاول السيد حافظ تدعيم فكرة الروح.. روح سهر التي كانت تذهب بها بعيدا.. روحها التي تجلب عشاقها حتي جذبتنا ايضا معها .
هكذا كان دخول النص الشعري في الرواية فإنه جعل لها دلالة قوية أتاحت للقارئ الخروج من العالم السردي للرواية والانطلاق للتحليق في سماء الشعر بغير رتابة أو فتور للإحساس والحالة الشعورية القائمة . نري أيضاً حين نقرأ الرواية أن (السيد حافظ) فتح لنا أفقاً جديداً فقد مال بأسلوبه وإحساسه إلي الروح المصرية وبخاصة في الجزء الذي تكلم فيه عن مصر في عهد المستنصر وكيف كان للشدة تأثير قوي علي كل مصري في الأسلوب والتعامل والحياة حتي في الإحساس والشعور، كيف غيرت البناء الداخلي والوجداني للمصرين وقتها. مال(السيد حافظ)إلي إبراز المفارقات ما دامت الفصحى لا تنكرها والعربية السليمة لا ترفضها، أيضاً نراه عبر عما في داخله بألفاظ وجمل محكمة فيها الدقة والقصد وفيها التركيز فلا إفراط في المقدمات ولا لجوء إلي التكرار أيضاً رأينا التصوير بالألفاظ والجمل وتقديم المشاهد المتتابعة فكان(السيد حافظ) حريصاً علي إيصال الصورة كاملة عن الوطن دون إطالةٍ يذكرها لنا كأننا نعيش في عصرها.
وبالنظر إلي العمل الأدبي ككل فأستعين بما يراه "إيزر" أن العمل الأدبي له قطبان ١ -قطب فني ٢-قطب جمالي؛ فالقطب الفني يكمن في النص الذي يخلقه المؤلف من خلال البناء اللغوي، وتسييجه بالدلالات قصد تبليغ القارئ بحمولات النص المعرفية والأيدلوجية، أي أن القطب الفني يحمل معني ودلالة وبناءً شكلياً أما القطب الجمالي فيكمن في عملية القراءة التي تخرج النص من حالته المجردة إلي حالته الملموسة أي يتحقق بصرياً وذهنياً عبر استيعاب النص بفهمه وتأويله.
وأري أن (السيد حافظ) قد حقق في روايته هذه المعادلة بأن يظهر لنا العمل من الجانب الفني بما يحمله من دلالة وبناءٍ شكليٍّ، كما لم يغفل عن القطب الجمالي في عمله الإبداعي حيث أشعرنا أننا نعيش مع العمل وكأننا في زمانه.
وفي النهاية أدركنا بالفعل أنَّ (كل من عليها خان) و (كل من عليها جبان)، رأينا (السيد حافظ) قد سلط الضوء علي وجع الوطن، وكيف كان لهذا تأثيراً على الكاتب وتأثيراً علي أبطال العمل وعلي القارئ أيضاً الذي أصبح شريكاً منذ قراءة أول حرف في عنوان الرواية، فبحث (السيد حافظ) عن الروح التى أصابها في كل منا.
بقلم / رضوى حابر شعبان محمد
0 التعليقات:
إرسال تعليق